إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أهمية تعلم المنهج السلفي والسلوك له والثبات عليه لفضيلة الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله- ضمن دورة الإمام مالك السادسة بالسنغال في العاصمة دكار 1443 هـ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] أهمية تعلم المنهج السلفي والسلوك له والثبات عليه لفضيلة الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله- ضمن دورة الإمام مالك السادسة بالسنغال في العاصمة دكار 1443 هـ




    أهمية تعلم المنهج السلفي والسلوك له والثبات عليه
    لفضيلة الشيخ:
    أبي عبد الله لزهر سنيقرة
    حفظه الله تعالى

    والذي كان يوم الجمعة 02 صفر 1443هـ الموافق لـ 10 سبتمبر 2021



    إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    فالحمد لله الذي بفضله ومَنِه تتم الصالحات أي يسر لإخواننا في مدينة داكار لتنظيم هذه الدورة، و هي الدورة السنوية للإمام مالك عليه رحمة الله، و التي تنعقد بمسجد الإمام مالك بمدينة داكار حرصها الله جل وعلا بالتوحيد والسنة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصِ أبنائنا وإخواننا على نشر الحق في تلك البلاد وفي سائر بلاد الدنيا.
    والحق لا ينشر إلا بدعوة الأنبياء القائمة على النهج السوي والصراط المستقيم الذي تركنا عليه نبينا عليه الصلاة والسلام والذي وصفه بقوله "تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" واضحة جلية واضحة بمعالمها وأصولها لا لُبس فيها ولا غموض وهذا لأنها استمدت من الوحي، من كتاب الله جلا وعلا وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
    وموضوع هذه الدورة من خلال ما قرأت من عناوينها والتي افتتحت بمداخلة لشيخنا الشيخ المحدث محمد ابن هادي المدخلي حفظه الله جل وعلا ووفقه لكل خير، وهؤلاء العلماء هم الذين ينبغي على شباب الأمة أن يلتفوا حولهم وأن يلزموا غرزهم لأنهم ما عُرِفُوا إلا بالحق علماً به ودعوة إليه وصبراً على الأذى فيه فنسأل الله جل و علا أن يثبتنا وإياهم على هذا الحق وأن يوفقنا في هذا السبيل الذي هو سبيل الدعوة إلى الله جل وعلا على منهج الأنبياء.
    هذه المناهج التي نعيشُها اليوم والتي فَرقت الأمة شغر مغر التي أظهرت أولئك المفتونين الذين يصدق فيهم قول نبينا صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، بل يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا" الضلال في هذه الأمة إنما يتخلل من هؤلاء ويأتينا من شرِهم وفتنهم نسأل الله العفو والعافية، ولهذا كان لِزاماً على الأمةِ جميعاً وعلى شبابها وطلبتها بالدرجة الأولى أن يلتفوا حول علمائهم، العلماء الربانيون وأن يلزموا غرزهم لأنّه لا نجاة لنا إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما وهذا أصل هذه الدعوة المباركة.
    العنوان الذي اختاره إخوانكم لهذه المداخلة في أهمية تعلم المنهج السلفي والعناية به والثبات عليه وحاجة الأمة لهذا المنهج القويم أشد من حاجتها إلى طعامها وشرابها بل ونفسِها لأن هذه الأمور تحفظ للناس حياة أبدانهم، أما الأولى فهي تحفظ لهم حياة قلوبهم، وحياة القلوب أولى من حياة الابدان؛ لأني النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في هذا الباب خبراً عظيماً فقال "وإن في الجسد مضغة" -من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه- "إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" فالاهتمام بهذا المنهج تعلماً وتعليماً وعملاً ودعوة هو اهتمام بالحياة بحياة القلوب وصلاحها صلاح للأبدان كُلها وفسادها فساد له، ولهذا جاءت هذه الأهمية، تَظهرُ هذه الأهمية من خلال عناية السلف، عناية السلف في التأصيل لهذا المنهج وإيضاح معالمه وبيانها واضحة جَلية لا لُبسَ فيها ولا خفاء ولا غموض فيها وإلتباس، هذا المنهج الذي المحافظةُ عليه محافظةٌ على معالمِه وأصولِه التي جاء بها النبي الكريم ودعى إليها سلف هذه الأمة الكرام.
    المنهج هو الطريق أو السبيل أو هو الطريق الواضح، والسلف يأتي بمعنيين معناً لُغوي ومعناً اصطلاحي، المعنى اللغوي: السلف هو كل من تقدمك وسَبقك هذا يُعتبر سلفك سواء في الخير أو في غيرهِ، وفي الاصطلاح: السلف إذا أطلق المقصود به السلف الصالح وهو من باب العموم الذي أريد به الخصوص، السلف الصالح هذا الصلاح شَهِدَ به الوحي شَهِدَ به كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام فقد زكّى الله جل وعلا السابقين الأولين من سلفِ هذه الأمة الخيرة البررة وهم أصاحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابة هم أئمة السلف جميعاً لقوله جل وعلا {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} ذلك الفوز العظيم في سبيل هؤلاء وطريقهم في سبيل سلف هذه الأمة وهم السابقون، السابقون في الخيرات، سبقوا في الإسلام وسبقوا في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام كان لهم الشَرفُ العظيم في صُحبتهِ؛ لأن شرف الصحبة لا يُدانيهِ شيء ولهذا لا يُمكِن لأحد من هذه الأمة ممن جاء بعدَهم أن يُحقِق شرفهم وأن ينالَ درجتهم أن ينال درجة الصحبة وكما قال أحدهم عبد الله ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- في وصف إخوانه الخيرة البررة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله نَظر إلى قلوب العباد فوجد قلب محمد خبر القلوب فاختاره لرسالتِه ثم نظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير القلوب فاصطفاهم لصُحبتِه و جعلهم وزرائه " رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
    وهؤلاء هم من وَصف الله تبارك وتعالى في هذه الأية وامتدح الله جل وعلا هؤلاء الذين سبقوا إلى الخير {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} على حدٍ سواء {والذين اتبعوهم بإحسان} وهذا بالنسبة للجيل الذي يلي جيلَ الصحابة وهو جيل خيرٍ وفضل مصدقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ الناس قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم" هؤلاء الذين اصطلح على تسميتهم بالتابعين ويأتي من بعدهم من جاء بعدهم من تلاميذتهم وهم تابعوا التابعين، وهذه هي القرون المفضلة اصطلح العلماء على تسميتها بالقرون المفضلة.
    وهؤلاء هم سلف هذه الأمة في الاصطلاح سواء كانوا من المهاجرين الذين تركوا كل شيء لله تبارك وتعالى وهاجروا في سبيل الله طلباً لمرضاته كما وصفهم ربنا جل في علاه {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} هؤلاء تركوا الأوطان وتركوا الديار والأموال لا كما يفعله شباب الإسلام اليوم في مشارق الأرضِ ومغاربها يتركون بلاد الإسلام لهفاً وطمعاً فيما عند الكافرين، وقد نهوا عن الإقامة بينهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" يتبرأ منه نبي الهدى.
    ورأينا تلك الصور الشنيعة التي تٌحزِن القلوب بل وتتفطر القلوب بسببها في تلك الأعداد الهائلة التي تُريد أن تغادر بلاد الإسلام في مدينة كابل وتَذهب مع الكافرين الذين غزوا ديارهم واستباحوا دمائهم وأموالهم وأعراضهم ثم لما خرجوا أو أرادوا الخروج راحوا يلهثون ويجرون ورائهم نسأل الله جل و علا العفو والعافية، في مناظِر شنيعةٍ ما رأينا مثلها من قبل، ونسأل الله جل وعلا ألا نرى مثلها بعدُ كذلك.
    وفي غيرها من البلاد، في بلاد أفريقية عندنا الألاف من الشباب يُغامرون بحياتهم ويقطعون البحار جريا وراء هؤلاء وطمعاً في الوصول إلى الضفة الأخرى التي ليس فيها إلا الكفر والفجور والبُعدِ عن الله جل وعلا بل الحرب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام، ذهبت عزة المسلم الذي كان يُميز بين المُعاهِد الذي يعيش في بلاده حتى لا يختلطَ بِهِم وحتى يتميز عنهم، يَسُنونَ لهم قوانين التي تمنعهم من التشبه بالمسلمين، وانقلبت الأمور الآن وأصبح هؤلاء يتنافسون في التشبهِ بهم والصدِ عن سبيلِ ربهم تبارك وتعالى.
    فهؤلاء هم المهاجرون هم أولياء الله الصادقون الذين ما تركوا الديار والأموال والأولاد إلا ابتِغاء رِضوان الله جل وعلا والذين معهم من إخوانهم وصفهم الله جل وعلا بقوله: {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَـٰنَ مِن قَبلِهِمۡ يحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيهِمۡ وَلَا يجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَيؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱ وَمَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِۦ فَأُو۟لَـٰئكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ} وصف إخوانهم بالصادقين {أولئك هم الصادقون} وصفهم بالمفلحين "فأولئك هم المفلحون" نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن لا يحرمنا أجرهم وأن لا يُبعدنا عن طريقهم وعن منهجهم، فهؤلاء الذين مَيزَهم الله جل وعلا وهم الذين يُمثلون سلف هذه الأمة والذين إذا ذٌكروا وُصفوا بهذا الوصف بأنهم السلف الصالح، ومنهجهم كان يُدرِسُهُ الأباء للأبناء كانوا يُلقِنونهم هذا المنهج، الصحابة لقنوا هذا المنهج لمن جاء بعدهم من التابعين من أبنائهم ومن تلاميذهم والتابعون لقنوا أصول هذا المنهج لمن بعدهم؛ وهذا من خلال دروسهم وتعليمهم في بيوت الله جل وعلا وفيما أنشأوه من المدارس والمعاهد التي كانت تُعرف بدور العلم في أيامهم حتى ازدهرت الأمة بانتشار هذا العلم وبهيمنة هذا المنهج على المناهج كلها.
    وما أصاب هذه الأمة من وهنٍ وذِله إلا بسبب بُعدهاَ عن منهج هؤلاء واتباعها لتلك السُبل التي حذر منها نبي الهدي عليه الصلاة والسلام، وهذا عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم لما حَذَّر الأمة مما وقعت فيه الأمم السابقة كما في حديث أبي هريرة رضي "إفترقت اليهود على واحد وسبعين فِرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة" قال في الأولى"كلها في النار" وفي الثانية كذلك ثم قال "وستفترق هذه الأمة" وفي رواية اخرى "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة" والمقصود بها هذه الأهواء لأن كل طائفة تُعتبرُ مِلة، ولهذا قد أجاد من علمائنا من وصف هذه الفرق بأنها الملل، كصنيع الحافظ ابن حزم عليه رحمة الله، الملل والنحل قال "كلها في النار إلا واحدة قيل من هي يا رسول الله قال هي الجماعة" وفي رواية "وهي الجماعة وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلبُ بصاحبه فلا يبقى منه علقٌ ولا مِفصل إلا دخله" نسأل الله جل وعلا العفو والعافية، الشاهد في قوله "وستفترق هذه الأمة" ستفترق هذه الأمة بسبب بعدها عن هذا المنهج القويم الذي ارتضاه لنا ربنا جل في علاه في قوله {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
    منهج السلف هذا هو السبيل الموصوف بهذا الوصف العظيم من ربنا جل في علاه {صراطي مستقيماً} وفي هذا فضيلتان عظيمتان، الفضيلة الأولى نسبته إليه جل وعلا وهذه نسبة تشريف، والفضيلة الثانية موصوف بالاستقرار وصفه ربنا جل وعلا الذي قوله حق وكلامه صِدق {ومن أصدق من الله قيلا} هذا ليس وصف بشري والبشر يصيبون ويُخطؤون هذا وصف إلاهي رباني والله جل وعلا كما وصف نفسه تبارك وتعالى {ومن أصدق من الله قيلا}.
    فهو الصراط المستقيم من تركه ترك الاستقامة إلى الإعوجاج، ولا تتبعوا السبل أمرنا بهذا ونهانا عن ضِدِه، السبل مفاسدها أنها تصدنا عن سبيل الله "لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" هذا الحديث الذي روي بألفاظٍ غيرَ هذا اللفظ يُفسِر بعضها بعض كما في لفظٍ آخر "أنهم السواد الأعظم" يعني لما سُئِل من حديث أنس رضي الله عنه من هم يا رسول الله "قال السواد الأعظم" وفي رواية بلفظ "ما أنا عليه وأصحابي".
    فالفرقة الناجية هم الجماعة والجماعة على رأسهم الصحابة رضي الله عنهم هم أصلُ هذه الجماعة في هذه الأمة، ولهذا فسر قول الله جل وعلا {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا} الذي يفارق جماعتهم والجماعة هنا المقصود بها الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لأن الصحابة كما وصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة، الصحابة إذا أجمعوا على أمر من أمور ديننا لا يجوز مخالفتهم ألبتة لأنها ترك للحق إلى الباطل.
    والأصل في الصحابة أنهم لا يجتمعون على ضلالة، وهذا في الأمة كلها، الأمة لا تجتمع على ضلالة فكيف بخير الأمة وأفضل الأمة، يجتمعون على ضلالة أبدا نعوذ بالله جل وعلا فهم الجماعة وهم السواد الأعظم وهم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهذا في قوله "ما أنا عليه و أصحابي" ما كانوا عليه في عقيدتهم وما كانوا عليه في منهجهم سواءٌ في منهج التلقي أو في منهج الاستدلال أو في منهج الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وهكذا منهجهم هو الأقوى، لا نقول كما يقول أهل البدع والضلال طريقة السلفي أسلم وطريقة الخلفي أعلم نعوذ بالله من الضلال، طريقة السلف هي الأعلم وهي الأسلم وهي الأحكم، و طريقة الخلف إن خالفت طريقة السلف فهي الضلال المبين ولهذا لا يجوز للأمة أن تَترُك هذا المنهج إلى غيره من المناهج، لأنه إما منهج أهل السنة والجماعة منهج سلف هذه الأمة أو واحدة من المناهِج الأخرى، وكلها مخالِفة لهذا المنهج هذه المناهج التي اصطلح على تسميتها وتسمية أصحابها بأنهم أهل الأهواء، أهل الفُرقة والاختلاف.
    أهل الأهواء لأنهم تَبَعٌ لأهوائهم، وأهل الحق تبع لوحي ربهم جل في علاه {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم} إما الاستجابة لله وللرسول وهذه التي أُمرنا بها، وهذه التي فيها النجاة والحياة والفوز يوم القيامة مصدقا لقول ربنا تبارك و تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} فالحياة هي حياة القلوب بالاستجابة لله جل وعلا ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فنبينا صلى الله عليه وسلم بين هذا السبيل وأوضَح هذا الطريق ودعا إليه بأوجز وأفضل عبارة: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" وبين عليه الصلاة والسلام لما أوصى أصحابه، وهذه آخر وصياه حيث خاطبهم في آخر حياته خطبة بليغة ووعظهم موعظة جميلة ذرفت منها الدموع فقالوا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، يعني كأنك تودعنا من خلال هذه الكلمات، فقال فداه أبي و أمي " أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن تأمر عليكم عبدٌ حباشي ، إياكم و الخروج عن ولاة أموركم " لأنها مفسدة عظيمة تُؤدي إلى الفِتن المدلهمة وما نعيشه الآن وما يعيشه إخواننا في الكثير من بلاد الإسلام خير شاهد على ماجاءت به هذه النصوص " فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" أليست هذه دعوة واضحة جلية لمنهج السلف؟! أن نلتزمه ونتبعه عليكم بسنتي وهي الأصل سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام التي فيها العِصمة لأن سنته وحي كالقرآن في هذا الباب لقول الله جل و علا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ثم ثنى بسنة من بعده وهي تبعٌ لسنته، ولا يُفهم من هذا أن سنة من بعده من هؤلاء الرجال الأفذاذ تخالف سنته أبدا بل هي البيان العَمَليِ لسنته، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا سنة تمشي فوق الأرض وهذا لعملهم بالسنة وشدة حرصهم على السنة ودعوتهم إليها، يلهجون بالنسة تعلماً وتعليماً ودعوة وهكذا ينبغي أن يكون العالم الرباني، أن يكون يلهجُ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في كل وقت وحين.
    أخبر صلى الله عليه وسلم أنه من يعِش بعده يرى إختلافا كثيرا وصفه بأنه اختلاف وصفه بأنه كثير وهذا نذير شر في الحقيقة، والعِصمة منه ما ذكر بعد ذلك فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، النجاة لا نجاة لنا إلا التمسك بالكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ففيها الخير وفيها البركة وفيها الفوز وفيها الحياة، هذا المنهج القويم الذي جمعه وجمع أصوله علماء أفذات وخاصة فيما تعلق بأصول الاعتقاد ككتب السنة، السنة للامام أحمد والسنة لأبي عاصم والسنة للالكائي وغيرها من كتب الاعتقاد المسندة كالإبانة لابن بطة العكبري عليه رحمة الله -وهذا كتاب عظيم في بابه- وأصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وغيرها من مثل هذه الكتب التي ننصح بدراستها وتدريسها وأن تكون من المناهج التعليمية لمعاهدنا كلها وفي دروس مساجدنا جميعها.
    ومع الأسف الشديد لا نجِدُ ذاك الإقبال وذاك الحرص في الكثير من هذه الأماكن من دور العلم والتدريس والمساجد وغيرها، وهذا من الخَلل لأنه لابد من التركيز على التعريف بمنهج السلف وإلا ضاع شبابنا وانحرفت أمنتنا.
    أهل الباطل يُركزون على أصول هذا المنهج لهدمها، من أصول هذا المنهج أن الله عز وجل جعل العِصمة في أنبيائه مصدقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "المعصوم من عصمه الله" ومعنى هذا أن المعصوم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة وهذا لقطعِ الطريق على أهل الباطل الذين يُلبسون على أتباعهم ويجعلونهم يعتقدون أن الشيخ معصوم وأن الشيخ لا يعتريه خطأ ولا زلل وما إلى ذلك من الاعتقادات الباطلة، وما أصّله سلفنا خلاف لهذا كلِه قال الامام مالك عليه رحمة الله إمام دار الهجرة الامام المبجل إذا ذُكِر العلماء فمالك النجمُ كما كان يُقال في زمانه، هذا الإمام كان يقول " كلٌ " بصيغة العموم " كل يُصيب و يخطأ إلا صاحب هذا القبر" ويُشير إلى قبر رسول الله و هو يُدرس في مسجده، فهذا أصل لابد أن نَعتقده، أمرنا بإجلال علمائنا ومعرفة قدرهم ومحبتُهم دين ندين الله عز وجل به وإجلالهم قربة نتقرب بها إلى ربنا تبارك وتعالى بها عملا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم " ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يُوقِر كبيرنا و يعرف لعالمن قدره".
    أهل السنة والجماعة أتباعُ هذا المنهج القويم منهج السلفي يُجِلون العلماء من غير غلو ولا جفاء من غير المغالات فيهم، ليس من الإجلال أن تعتقد عِصمته هذا ضلال مبين نسأل الله العفو والعافية، تعتقد عصمته سواء بلسان المقال أو لسان الحال يعني حالك يدل على أنك تعتقد أن هذا العالم أو هذا الإمام لا يعتريه الخطأ أبدا كلٌ يُؤخذ من قوله ويُرد الاستثناء في واحدٍ فقط إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل الاستثناء حتى في الصحابة.
    الصحابة -القاعدة المعروفة في حقهم- أن قول الصحابي ليس حجة على صحابي أخر أبداً، هذا له أن يقول ويجتهد وذاك له أن يقول ويجتهد وإذا اختلف هذا الصحابي مع أخيه هذا الذي قال فيه شيخ الاسلام "واختلافهم رحمة واسعة" لأن هؤلاء ما اختلفوا لحظٍ من حظوظ أو تعصبٍ أو لجاهلية أبدا، اختلافهم وكل منهم يريد الحق ويجتهدُ للوصول إليه ولكن شاء الله تبارك وتعالى -وهذه سنة من سننه الكونية- أنّ الناس يختلفون بسبب اختلاف مداركهم واجتهاداتهم ونظرهم، وإذا اختلفوا اخلافهم رحمة واسعة والانسان إذا ترجح لديه أن الحق في قول فلان من الصحابة له ذلك، له إمام في المسألة وقِس على هذا كل المسائل الخلافية التي هي من هذا القبيل التي يصفها العلماء بأنها مسائل خلافية الخلاف فيها سائغ؛ لأنه يتعلق باجتهاد المجتهد، أما التي الخلاف فيها غيرُ سائغٍ فلا يجوز لنا بحال من الأحوال أن نتعلل بمِثل هذا، بل الواجب علينا أن نُقدِم الحق وأن نَتمسكَ بالحق، من الاختلافات في هذا النوع مما يُنسَب لبعض الأئمة.
    الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله يقول: إن نكاح المرأة من غير ولي يَصِح ويتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا نِكاح إلا بولي " وجمهور العلماء على أن هذا النكاح باطل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا نقول فيه من الخلاف الغير سائغ لأنه في مقابل النص ولا اجتهاد مع النص، قاعدة من القواعد السلفية العظيمة ليس هناك اجتهاد مع وجود النص بمعنى أن الواجب تقديم وأخذُ النصِ مباشرة، النص قضى بأن نكاح المرأة من غير إذن وليّها باطل تعتقد وجوبا أن هذا العقد باطل ومن خالف فيه يُعتبر مخالف مخالفا للسنة ومخالفٌ للحق الظاهر البين الجَلي وقِس على ذلك مسائل عِدة من هذا القبيل، يعني من الأمور الفقهية أو من غيرها عدى المسائل العقائدية التي الخلاف فيها يسير و قليل جداً يعني بين السلف.
    ولهذا وَجب أخذُ هذه المسائل وتَعلُمِها وهذه الأصول من أول ما بدأه الإمام أحمد في كتابه العظيم السنة، بدأ في التأصيل لمِثلِ هذه المسائل في معرِفة قدرِ الصحابة في معرفة حقيقة الكتاب ومنزلته وما يجبُ الاعتقاد فيهِ وما إلى ذلك ولهذا أنصح إخواني بمثلِ هذه الدواوين التي تعرف بدواوين السنة -يعني دواوين السنة حقيقة- ما تعلق بأصول الاعتقاد.
    ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُوفقنا وسائر إخواننا لما يُحبه ويرضاه وينبغي على إخواني من طلبة العلم خاصة أن يُركزوا على هذه الأصول، أن يُركزوا عليها بتعلمها أولا وأن يأخذوها من أفواه الرجال من أفواه العلماء الأفذاذ من علماء أهل السنة والجماعة، وأن يجتهدوا في هذا اجتهادا عظيماً، والحمد لله الأن الأسباب والوسائل متوفرة وبامكان أي طالب علم ولو أن يرتحل إلى بلدٍ من بلدان السنة ليأخذ من هذه الأصول عن أهلها ثم يرجع إلى قومه معلماً مبيناً ومنذراً.
    نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وسائرِ إخواننا لما يُحبه ويرضاه، أكتفي بهذا القدر وأعتذر لإخواني على عدم إتاحة فرصة للأسئلة وهذا للظروف الخاصة، والبركة مع مشايخنا وعلمائنا الذين استضيفوا في هذه الدورة التي أسأل الله عز وجل أن تكون دورة مباركة.
    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أستغفرك وأتوب إليك، أسأل الله عز وجل لإخواني التوفيق والنجاح في هذه الدورة وأن يبارك في جهودهم وأن يحفظهم وأن يحفظ مشايخهم من كيد الكائدين وخاصة في مثل هذه الظروف التي نعيشها فالمعصوم من عصمه الله جل وعلا من هذه الفِتن.
    ومن أعظم أسباب هذه العِصمة التمسك بالكتاب والسنة على ما كان عليه سلفُ هذه الأمة، أسأل الله جل وعلا أن يختم لنا جميعا بالحسنى وأن يرزقنا ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب وبارك الله فيكم جميعا و الحمد لله أولا و أخراً.
    للإستماع إلى الصوتية: https://bit.ly/3l6sc3G
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-09-18, 12:40 AM.

  • #2
    جزاكم الله خيراً، وحفظ الله شيخنا الوالد أزهر سنيقرة

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب وبارك فيك ونفع الله بكم

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X