إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبد الله بن عثمان العتيق، أبو بكر الصِّدِّيق: والله إنّي لأحبُّه . [أو] المنتخب من كشف المشكل من مسند أبي بكر رضي الله عنه لابن الجوزي رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الله بن عثمان العتيق، أبو بكر الصِّدِّيق: والله إنّي لأحبُّه . [أو] المنتخب من كشف المشكل من مسند أبي بكر رضي الله عنه لابن الجوزي رحمه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم


    المنتخب من كشف المشكل من مسند أبي بكر رضي الله عنه
    لابن الجوزي
    رحمه الله


    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد: فَإِن الله تَعَالَى حفظ كتَابنَا بِمَا لم يحفظ كتابا قبله، فَقَالَ عز وَجل فِي الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة: {بِمَا استحفظوا من كتاب الله}[الْمَائِدَة: 44] وَقَالَ فِي كتَابنَا: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون}[الْحجر: 9] . ثمَّ أنعم علينا بِحِفْظ المنقولات عَن نَبيا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فألهم الْعلمَاء جمع ذَلِك، والطلاب الْجد فِي طلبه، حَتَّى سافروا الْبلدَان، وهجروا الأوطان، وأنفقوا فِي حفظ ذَلِك قوى الْأَبدَان، وَأقَام جهابذتهم يفتقدون وينتقدون، فيرفعون التحريف ويدفعون التخريف. فَمضى على ذَلِك كثير من الزَّمن، إِلَى أَن لحق ساعي الرغبات الزَّمن، وشُيِّد فتور الهمم فِي طلب الْعلم إِلَى أَن دَرَسَ، وَصَارَت صُبابته الْبَاقِيَة فِي آخر نَفَس، فَأَما الطَّالِب لَهُ فِي زَمَاننَا فقد فُقِد، والمتصَدِّر يَقُول وَلَا يعْتَقد(1)
    أعوذ بالله من طالبٍ هذا وصفه، وأسأله سبحانه أن يسلك بي وبإخواني نهج العلماء والطلاّب المجدِّين في طلب العلم، السَّالكين سبيل المؤمنين من الصحابة والتَّابعين وأئمة الهدى والدِّين.
    هذه كلمات أرفعها على منتديات الإبانة السلفية، دفاعا عن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم راجيا من الله تعالى الأجر والمثوبة سائلا منه سبحانه الإخلاص والمعونة ، نعم المولى ونعم النصير.
    وأصل هذه الكلمات منتخبٌ من كتاب كشف المشكل من حديث الصحيحين(3) للعلامة الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي عبدالرحمن بن محمد بن علي، البغدادي التميمي البكري يرجع نسبه إلى أبي بكر (2)الصديق رضي الله عنه.
    وقبل الإتيان على المنتخبات أقدِّمُ بشيء من سيرة الصِّدّيق رضي الله عنه انتقيتها واختصرتها من كلام الحافظ ابن الجوزي(4) أيضا، رحمه الله تعالى (ولد سنة 510هـ وتوفِّي سنة 597هـ) :
    ( اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، يكنى أبا بكرٍ. أمه أم الخير بنت صخر بن عامر.
    وفي تسميته بعتيقٍ ثلاثة أقوال:
    أَحدهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى عَتيق من النَّار فَلْينْظر إِلَى أبي بكر " روته عَائِشَة رضي الله عنها.
    وَالثَّانِي: أَنه اسْمٌ سمته بِهِ أمه. قَالَه مُوسَى بن طَلْحَة.
    وَالثَّالِث: أَنه سمي بذلك لجمال وَجهه، قَالَه اللَّيْث بن سعد. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: لقبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لجمال وَجهه.
    كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفا أبيض، حسن القامة، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتىء الجبهة، أجنأُ لا يستمسِكُ إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع ، يخضب بالحناء والكتم، وكان كريما عالما بأنساب العرب.
    وهو أَوَّلُ الْقَوْمِ إِسْلامًا .
    وأنشد حسَّان بن ثابتٍ رضي الله عنه:
    إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَةٍ ::: فَاذكر أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلا
    خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلُهَا ::: إِلا النَّبِيَّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَمَلا
    الثَّانِي التَّالِي الْمَحْمُودُ مَشْهَدُهُ ::: وَأَوَّلُ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الرُّسُلا

    تزوج في الجاهلية امرأتين :
    إحداهما: قتيلة بنت عبد العزى، فولدت له عبد الله وأسماء ذات النطاقين.
    والثانية: أم رومان بنت عامر، وولدت له عبد الرحمن وعائشة.
    وتزوج في الإسلام امرأتين :
    إحداهما: أسماء بنت عميس، فولدت له محمدا، وكانت عند جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قبله، فولدت له محمدا، وتزوجها بعد أبي بكر علي رضي الله عنهما، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد، فكان يقال لها أم المحمدين.
    والزوجة الثانية: حبيبة بنت خارجة بن زيد، فولدت له أم كلثوم بعد وفاته، وكان أبو بَكْر لما هاجر إلى المدينة نزل على أبيها خارجة بن زيد فتزوجها.
    عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
    أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبابَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
    و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ» فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ:وهل أنا ومالي إِلا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
    وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أَمَنِّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلا غَيْرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَى بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ إِلا سُدَّ إِلا بَابَ أَبِي بَكْرٍ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
    وَفِي أفْرَادِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أن النبي صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَمْرٍ جَرَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي ، مرتين»
    كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَعْرُوفًا بِالتِّجَارَةِ، وَلَقَدْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَ يَعْتِقُ مِنْهَا وَيُقَوِّي الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِخَمْسَةِ آلاف درهم، ثم كان يفعل فيها مَا كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ.
    قال علماء السير: لم يفته مشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، حضر يوم بدر، ويوم أحد ودفع إليه رايته العظيم يوم تبوك، واشترى بلالا فأعتقه، وأول من جمع القرآن، وأسلم على يده من العشرة خمسة: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن.
    ولم يشرب مسكرا لا في جاهلية ولا إسلام.
    وعن إبراهيم النخلي قال: كان أبو بكر يسمى الأواه، لرأفته ورحمته.
    وقال قيس: رأيت أبا بكر رضي الله عنه آخذا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد.
    قال الحسن: قال أبو بكر الصديق: ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل.
    وقال أبو عمران الجوني: قال أبو بكر: لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن.
    و عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله صَلى اللهُ عَلَيه وآله وَسَلَّمَ، قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول عثمان، فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين .) انتهى بتصرّف.
    وفي المنتظم وغيره من كتب التاريخ الموثوقة وكتب السنَّة ،أخبارُه وفضائلُه وعلمه وفقهه رضي الله تعالى عنه. تستحقُّ التَّامُّل والتفقُّه وفي سنَّته النجاة والاهتداء مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلم (( عليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين عضُّوا عليها بالنّواجذ))(5)
    ولسائل أن يسأل : ما فائدة اختيار هذا الكتاب في الدفاع عن أبي بكر رضي اله عنه؟ فجوابه: أمور، منها : موضوع الكتاب فهو كشف لمشكل الحديث، ومنها : أنّ الأحاديث كلها صحيحة متفق عليها بين البخاري ومسلم أو هي من أفرادهما، ومنها: لفت انتباه المسلمين عموما إلى أنَّ الحجَّة في ردِّ باطل المعاندين وأهل الضلال هو كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أما ردود الأفعال الناشئة عن العواطف العارية عن العلم المجرَّدة عن التقوى والإخلاص، فقُصور وتكثُّرٌ وفوضى. ومن بلغهُ أنَّ حبَّ أبي بكر رضي الله عنه دينٌ فقد لزمه العلمُ به ، وإنَّ هذا العلم دين .
    قال ابن الجوزي رحمه الله :
    (وَجُمْلَة مَا حفظ لَهُ من الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا، أخرج لَهُ مِنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَمَانِيَة عشر.

    الحَدِيث الأول:
    أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي. قَالَ: " قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا، وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك "

    الحَدِيث الثَّانِي:
    قَالَ أَبُو بكر: نظرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وهم على رؤوسنا، فَقلت: يَا رَسُول الله، لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر، مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ، الله ثالثهما "
    قال ابن الجوزي رحمه الله :
    وَقَالَ بعض الرافضة لبَعض أهل السّنة: من يكون أشرف من خَمْسَة تَحت عباءة سادسهم جِبْرِيل؟ فَقَالَ السّني: اثْنَان فِي الْغَار، ثالثهما الله.

    وَفِي الحَدِيث الثَّالِث:
    قَالَ الْبَراء بن عَازِب: اشْترى أَبُو بكر من عَازِب رحلا، وَقَالَ: ابْعَثْ معي ابْنك فَحَملته. وَفِي لفظ: فَقَالَ عَازِب: لَا، حَتَّى تحدثنا كَيفَ فعلت لَيْلَة سريت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ أَبُو بكر: أسرينا ليلتنا(6)...

    قال ابن الجوزي رحمه الله :
    وَقَوله: لَا، حَتَّى تحدثنا. كَانَ بعض الْمُتَأَخِّرين من شُيُوخ الْمُحدثين الَّذين لم يَذُوقُوا طعم الْعلم، فَلم يُبَارك لَهُم فِيمَا سَمِعُوهُ لسوء مقاصدهم يحْتَج بِهَذَا فِي جَوَاز أَخذ الْأُجْرَة على التحديث. وَلَا يبعد من ناقل لَا يفهم مَا ينْقل أَن يكون مبلغ علمه الِاحْتِجَاج بِمثل هَذَا، فَأَما من اطلع على سير الْقَوْم بفهم، فَإِنَّهُ يعلم أَنه مَا كَانَ هَذَا بَينهم على وَجه الْأُجْرَة، فَإِن أَبَا بكر لم يكن ليبخل على عَازِب بِالْحَدِيثِ، وَلَا هُوَ مِمَّن يبخل عَلَيْهِ بِحمْل الرحل، وَإِنَّمَا هُوَ انبساط الصّديق إِلَى صديقه، فَإِنَّهُ رُبمَا قَالَ لَهُ: لَا أَقْضِي حَاجَتك حَتَّى تَأْكُل معي. يُحَقّق هَذَا أَن عازبا من الْأَنْصَار، وهم قد آثروا الْمُهَاجِرين بِأَمْوَالِهِمْ، وأسكنوهم فِي دِيَارهمْ، طلبا لثواب الله عز وَجل فَكيف يبخل على أبي بكر بِقَضَاء حَاجَة!
    والمهم من الْكَلَام فِي هَذَا أَن نقُول: قد علم أَن حرص الطّلبَة للْعلم قد فتر، لَا بل قد بَطل، فَيَنْبَغِي للْعُلَمَاء أَن يحببوا إِلَيْهِم الْعلم. فَإِذا رأى طَالب الْأَثر أَن الإسناد يُبَاع، وَالْغَالِب على الطّلبَة الْفقر، ترك الطّلب، فَكَانَ هَذَا سَببا لمَوْت السّنة، وَيدخل هَؤُلَاءِ فِي معنى {الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله} . وَقد رَأينَا من كَانَ على قانون السّلف فِي نشر الْعلم، فبورك لَهُ فِي حَيَاته وَبعد مماته، ورأينا من كَانَ على السِّيرَة الَّتِي ذممناها، فَلم يُبَارك لَهُ على غزارة علمه، فنسأل الله عز وَجل أَن يرزقنا الْإِخْلَاص فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال، إِنَّه قريب مُجيب.
    وقال رحمه الله:
    وَمَا فعله أَبُو بكر من بسط الفروة تَحت رَسُول الله، وَاخْتِيَار الظل لَهُ، وَأمر الرَّاعِي بنفض الضَّرع من الْغُبَار، كُله يُنَبه على اللطف بِالنَّفسِ، وَأَنه يَنْبَغِي أَن يرفق بهَا؛ لِأَن لَهَا حَقًا، خلافًا لجهلة المتزهدين فِي الْحمل على النَّفس. وَكَذَلِكَ حمل الْإِدَاوَة فِي السّفر، خلافًا لجهلة المتوكلة.

    وَفِي الحَدِيث الرَّابِع:
    عَن أبي هُرَيْرَة: أَن أَبَا بكر بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره عَلَيْهَا رَسُول الله قبل حجَّة الْوَدَاع فِي رَهْط يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر: أَن لَا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان. ثمَّ أرْدف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعلي بن أبي طَالب، وَأمره أَن يُؤذن بـ"بَرَاءَة ".

    قال ابن الجوزي رحمه الله:
    وَقد ظنَّ قوم أَن فِي بَعثه عليا رضي الله عنه ليقْرَأ " بَرَاءَة " نقضا لأبي بكر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أجْرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَرَب فِي نقض العهود على عَادَتهَا، فَكَانَ لَا يتَوَلَّى ذَلِك على الْقَبِيلَة إِلَّا سيدهم أَو رجل من رهطه دينا، كأخ، أَو عَم، أَو ابْن عَم. وَقد كَانَ للْعَرَب أَن يَقُولُوا: إِذا تَلا عَلَيْهِم نقض العهود من لَيْسَ من رَهْط رَسُول الله: هَذَا خلاف مَا نعرفه، فأزاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعلَّة بِمَا فعل، وَمِمَّا يزِيل الْإِشْكَال أَن أَبَا بكر كَانَ الإِمَام فِي تِلْكَ الْحجَّة، فَكَانَ عَليّ يأتم، وَأَبُو بكر الْخَطِيب وَعليٌّ يسمع . _رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة_

    الحَدِيث الْخَامِس:
    قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: لما توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واستخلف أَبُو بكر، وَكفر من كفر من الْعَرَب، قَالَ عمر لأبي بكر: كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ، وحسابه على الله " فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة؛ فَإِن الزَّكَاة حق المَال، وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله لقاتلتهم على منعهَا. وَفِي لفظ آخر: عقَالًا كَانُوا يؤدونه. فَقَالَ عمر: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَن شرح الله صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق.

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    قد اعْترض على هَذَا الحَدِيث بعض الرافضة فَقَالَ: لَا يَخْلُو أَن يكون هَؤُلَاءِ كفَّارًا أَو مُسلمين: فَإِن كَانُوا كفَّارًا فَكيف قَالَ: لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَجعل عِلّة قِتَالهمْ ترك الزَّكَاة لَا الْكفْر؟ ثمَّ كَيفَ يشكل قتال الْكفَّار على عمر؟ وَإِن كَانُوا مُسلمين فَكيف اسْتحلَّ قَتلهمْ، وَسبي ذَرَارِيهمْ؟ كَيفَ قَالَ: لَو مَنَعُونِي عنَاقًا - أَو عقَالًا - والعناق والعقال لَا يؤخذان فِي الزَّكَاة؟ ثمَّ كَيفَ يَقُول عمر: رَأَيْت الله قد شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق، وَظَاهر هَذَا أَنه وَافقه بِلَا دَلِيل؟
    وَالْجَوَاب: أَن أهل الرِّدَّة فِي زمن أبي بكر انقسموا فرْقَتَيْن: ففرقة عَادَتْ إِلَى الْكفْر، وهم المذكورون فِي قَوْله: وَكفر من كفر من الْعَرَب. وَفرْقَة فرقت بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فأقرت بِالصَّلَاةِ دون الزَّكَاة، فَهَؤُلَاءِ بغاة، غير أَنهم لم يسموا بذلك لدخولهم فِي فريق الْمُرْتَدين، فأضيف الِاسْم إِلَى الرِّدَّة لكَونهَا أعظم الْأَمريْنِ.
    وأرّخ مبدأ قتال الْبُغَاة بأيام عَليّ رضي الله عنه، إِذْ كَانُوا فِي زَمَانه منفردين لم يختَلطوا بالمشركين. وَإِنَّمَا سميناهم بغاة لقرب الْعَهْد وجهلهم بِأَمْر الشَّرْع، بِخِلَاف مَا لَو سعت الْيَوْم طَائِفَة تجحد الزَّكَاة، فَإِنَّمَا نسميها كَافِرَة لَا باغية؛ لِأَن وجوب الزَّكَاة قد استفاض. وَفِي أَحْوَال أُولَئِكَ الْبُغَاة وَقعت الشُّبْهَة لعمر، فراجع أَبَا بكر تعلقا بِظَاهِر لفظ الرَّسُول قبل أَن يتَأَمَّل الْمَعْنى. فَقَالَ أَبُو بكر: إِن الزَّكَاة حق المَال، يُفَسر لَهُ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِلَّا بِحقِّهِ " فَبَان الدَّلِيل لعمر، فَوَافَقَ لذَلِك لَا بالتقليد، وَهُوَ المُرَاد بقوله: فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت الله شرح صدرأبي بكر لِلْقِتَالِ: أَي فهمه مَا يُوجب عَلَيْهِ أَن يُقَاتل.
    وَأما مَا جرى على أُولَئِكَ من السَّبي، فَأمر رَأَتْهُ الصَّحَابَة من بَاب الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك الْوَقْت، واستولد عَليٌّ جَارِيَة من سبي بني حنيفَة فَولدت لَهُ مُحَمَّد بن عَليّ. ثمَّ لم ينقرض ذَلِك الْعَهْد حَتَّى تغير اجْتِهَاد الصَّحَابَة فاتفقوا على أَن الْمُرْتَد لَا يسبى.

    وَفِي الحَدِيث السَّادِس:
    أَن فَاطِمَة وَالْعَبَّاس أَتَيَا أَبَا بكر يلتمسان ميراثهما من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حنئيذ يطلبان أرضه من فَدَكَ، وسهمه من خَيْبَر، فَقَالَ أَبُو بكر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة، إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال " وَإِنِّي لَا أدع أمرا رَأَيْت رَسُول الله يصنعه فِيهِ إِلَّا صَنعته، إِنِّي أخْشَى إِن تركت شَيْئا من أمره أَن أزيغ. فَأَما صدقته بِالْمَدِينَةِ فَدَفعهَا عمر إِلَى عَليّ وعباس، فغلبه عَلَيْهَا عَليّ، وَأما خَيْبَر وفدك فَأَمْسَكَهُمَا عمر وَقَالَ: هما صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَتَا لحقوقه الَّتِي تعروه ونوائبه، وَأَمرهمَا إِلَى من ولي الْأَمر.

    قال ابن الجوزي رحمه الله:
    وَفِي هَذَا الحَدِيث أَن فَاطِمَة هجرت أَبَا بكر. وَرُبمَا أشكل هَذَا، فَقَالَ قَائِل: أتراها اتهمته فِيمَا روى؟
    وَالْجَوَاب: أَنَّهَا خرجت من عِنْده غَضبى؛ لِأَنَّهَا سَمِعت قولا يُخَالف مَا عَلَيْهِ النَّاس من التَّوَارُث، فَكَأَنَّهَا ظنت فِي أبي بكر أَنه شبِّه عَلَيْهِ فِيمَا روى مِمَّا يُخَالف الْكتاب، وَاتفقَ مَرضهَا وامتد، فَقيل: هجرت أَبَا بكر، وَوَافَقَ ذَلِك امْتنَاع عَليّ من مبايعته ظنا مِنْهُ أَن النّسَب يُؤثر فِي الْولَايَة كَمَا أثر فِي حمله " بَرَاءَة " إِلَى أَن بَان لَهُ الصَّوَاب فَبَايع أَبَا بكر، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
    وقال رحمه الله تعالى:
    فَإِن قيل: إِذا كَانَ عَليّ رضي الله عنه انْقَطع عَن الْبيعَة، وَوَافَقَهُ جَمِيع بني هَاشم، فَكيف يُقَال: إِن بيعَة أبي بكر ثبتَتْ بِالْإِجْمَاع؟
    فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن:
    أَحدهمَا: أَن الْقَوْم انْقَطَعُوا عَن الْبيعَة وَمَا أنكروها، وَإِذا تكلم بعض الْعلمَاء فِي مَسْأَلَة، وَسكت بَعضهم، لم يقْدَح سكُوت السَّاكِت فِيمَا أجمع عَلَيْهِ المتكلمون؛ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون السَّاكِت سكت رَاضِيا، أَو لينْظر.
    وَالثَّانِي: أَنه مَا انقرض ذَلِك الْعَصْر حَتَّى انْعَقَد الْإِجْمَاع، فَبَايعهُ من تقاعد مِنْهُ.
    وقال رحمه الله :
    وَفِي هَذَا الحَدِيث: وَكَانَ لعَلي وَجه من النَّاس، أَي جاه عِنْدهم.
    وَفِيه: فضرع إِلَى مصالحة أبي بكر: أَي سَأَلَ الصُّلْح.
    وَفِي هَذَا الحَدِيث: فَأرْسل عَليّ إِلَى أبي بكر: أَن ائتنا، وَلَا تأتنا مَعَك بِأحد. الَّذِي يظنّ أَنه أَشَارَ بالأحد إِلَى عمر، وَقد كَانَ فِي عمر شدَّة، فَلم يَأْمَن عتابه إِيَّاه فِي التَّخَلُّف.
    وَقَول عَليّ: وَلَا نفاسة عَلَيْك: النفاسة: الْحَسَد.
    وَقَوله: قد كُنَّا نرى أَن لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا: يجوز أَن يُرِيد بِهِ الْولَايَة، وَيجوز أَن يُرِيد بِهِ الْمُشَاورَة.
    وَقَوله: موعدك العشيَّة: أَرَادَ أَن يبايعه وَالنَّاس يسمعُونَ.

    و من أَفْرَاد البُخَارِيّ:
    فِي الحَدِيث الأول
    تأيَّمت حَفْصَة من خُنَيْس بن حذافة(7)

    قال ابن الجوزي رحمه الله:
    وَقَوله: فَلَقِيت أَبَا بكر فعرضتها عَلَيْهِ فَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا، فَكنت عَلَيْهِ أوجد مني على عُثْمَان. وَذَلِكَ لشيئين: أَحدهمَا: أَنه كَانَ أقرب إِلَى صداقته ومخالطته من عُثْمَان. وَالثَّانِي: أَن عُثْمَان أفْصح لَهُ بِالرَّدِّ فأراحه، وَأَبُو بكر صمت فَتَركه على الترقب. وَلذَلِك اعتذار أبي بكر عَن الْإِمْسَاك، بِأَنَّهُ سمع رَسُول الله يذكرهَا.

    وَفِي الحَدِيث الثَّانِي:
    ارقبوا مُحَمَّدًا فِي آل بَيته.

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    الْمَعْنى راقبوه وراعوه واحفظوه فيهم، وَذَلِكَ يكون بحبهم وتوقيرهم ومراعاة حُقُوقهم.

    وَفِي الحَدِيث الثَّالِث:
    قَالَ زيد بن ثَابت: أرسل أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة(8)

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    وَقَوله: كَيفَ نَفْعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ من يُؤثر الِاتِّبَاع، ويخشى الابتداع، وَإِنَّمَا لم يجمعه رَسُول الله لِأَنَّهُ كَانَ بِعرْض أَن ينْسَخ مِنْهُ وَأَن يُزَاد فِيهِ، فَلَو جمعه لكتب، فَكَانَ الَّذِي عِنْده نُقْصَان يُنكر على من عِنْده الزِّيَادَة. فَلَمَّا أَمن هَذَا الْأَمر بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمعه أَبُو بكر، وَكَانَ مَكْتُوبًا فِي الرّقاع والعسب.
    وقال رحمه الله تعالى:
    فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ يثبت الْقُرْآن بِخَبَر وَاحِد؟
    فَالْجَوَاب: أَن خُزَيْمَة أذكرهم مَا نسَوه، وَلِهَذَا قَالَ زيد: وَجدتهَا مَعَ خُزَيْمَة، وَلم يقل: عرفني أَنَّهَا من الْقُرْآن، وَقد صرح زيد بِهَذَا الْمَعْنى فَقَالَ فِي رِوَايَة: فقدت آيَة كنت أسمعها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} [التَّوْبَة: 128] فالتمستها فَوَجَدتهَا مَعَ خُزَيْمَة ابْن ثَابت. وَزيد من جملَة من حفظ الْقُرْآن قبل موت رَسُول الله، غير أَن الْحَافِظ قد يَسْتَعِين بِغَيْرِهِ، وبالمسطور.
    وقال رحمه الله:
    اعْلَم أَنهم لما نسخوا الْقُرْآن فِي زمن أبي بكر كَانَت تِلْكَ الصُّحُف عِنْده، فَلَمَّا مَاتَ أَخذهَا عمر، فَلَمَّا مَاتَ أَخَذتهَا حَفْصَة. وَكَانَ أَبُو بكر قد جمع الْقُرْآن وَلم يمْنَع من عِنْده مِنْهُ شَيْء من تِلَاوَة مَا عِنْده، وَكَانَ مُرَاد عُثْمَان أَن يجمع النَّاس على مصحف وَاحِد وَيمْنَع من تِلَاوَة غَيره، لِأَنَّهُ قد كَانَ الشَّيْء يُتْلَى ثمَّ ينْسَخ أَو يُزَاد فِيهِ وَينْقص مِنْهُ، حَتَّى اسْتَقر الْأَمر على الْعرض الْأَخير الَّذِي عرضه رَسُول الله على جِبْرِيل. وَكَانَ الَّذِي تولى جمعه فِي زمن عُثْمَان زيد بن ثَابت أَيْضا فِي آخَرين.

    وَفِي الحَدِيث الرَّابِع :
    عَن أنس: أَن أَبَا بكر كتب لَهُ حِين وَجهه إِلَى الْبَحْرين: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم. هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله على الْمُسلمين وَالَّتِي أَمر بهَا رَسُوله(9)

    وَفِي الحَدِيث الْخَامِس:
    خرج أَبُو بكر يمشي وَمَعَهُ عَليّ، فَرَأى الْحسن يلْعَب، فَحَمله على عَاتِقه وَقَالَ: " بِأبي، شَبيه بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيها بعلي " وَعليٌّ يضْحك.

    قال ابن الجوزي رحمه الله:
    هَذَا الْكَلَام من جنس الرجز الَّذِي كَانَت الْعَرَب ترقص بِهِ أَوْلَادهَا. والترقيص للصَّغِير بالرجز وَنَحْوه من الْكَلَام الْمُرَتّب أسْرع لإيقاظ فطنته.
    وقال رحمه الله تعالى:
    وَكَانَ الْحسن شَدِيد الشّبَه برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أنس: لم يكن فيهم أحد أشبه بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحسن. وَمِمَّنْ كَانَ يشبه برَسُول الله جَعْفَر بن أبي طَالب، وَقثم بن الْعَبَّاس، وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث، والسائب بن عُبَيْدَة، وَكَانَ من التَّابِعين رجل يُقَال لَهُ كابس بن ربيعَة السَّامِي، من بني سامة بن لؤَي، كَانَ يُشبههُ، فَبعث إِلَيْهِ مُعَاوِيَة فَقبل بَين عَيْنَيْهِ، وأقطعه قطيعة، وَكَانَ أنس بن مَالك إِذا رَآهُ بَكَى.

    وَفِي الحَدِيث السَّادِس:
    لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ: لقد علم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مُؤنَة أَهلِي، وشغلت بِأَمْر الْمُسلمين، فيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال، ويحترف للْمُسلمين فِيهِ.

    وَفِي الحَدِيث السَّابِع:
    كَانَ لأبي بكر غُلَام يخرج لَهُ الْخراج، فجَاء يَوْمًا بِشَيْء فَأكل مِنْهُ أَبُو بكر. فَقَالَ: كنت تكهنت لإِنْسَان فِي الْجَاهِلِيَّة، فَهَذَا الَّذِي أكلت مِنْهُ. فَأدْخل أَبُو بكر يَده، فقاء كل شَيْء فِي بَطْنه.

    قال ابن الجوزي رحمه الله :
    وَأَبُو بكر أول من قاء من الشُّبُهَات تحرجا.

    وَفِي الحَدِيث الثَّامِن:
    أقبل أَبُو بكر من مَسْكَنه بالسُّنْح، فَدخل على عَائِشَة فَبَصر برَسُول الله مسجى بِبُرْدَةٍ، فكشف عَن وَجهه، وأكب عَلَيْهِ فَقبله، ثمَّ بَكَى وَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين.

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    السُّنح: نَاحيَة من نواحي الْمَدِينَة.
    وقال رحمه الله:
    وَكَانَ النَّاس قد شكوا فِي موت رَسُول الله، وَكَانَ عمر يَقُول: لم يمت، حَتَّى جَاءَ أَبُو بكر ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد فَقَالَ: من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ، وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت.

    وَفِي الحَدِيث التَّاسِع:
    لم يكن أَبُو بكر يَحْنَث فِي يَمِين حَتَّى أنزل الله كَفَّارَة الْيَمين. إِنَّمَا كَانَ يتْرك الْحِنْث لموْضِع التَّعْظِيم، فَلَمَّا نزلت كَفَّارَة الْيَمين، ثمَّ سمع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفِّر " صَار يفعل ذَلِك.

    وَفِي الحَدِيث الْعَاشِر:
    دخل أَبُو بكر على امْرَأَة من أحْمَس، فرآها لَا تَتَكَلَّم، فَقَالَ: مَالهَا؟ قَالُوا: حجت مصمتة، فَقَالَ لَهَا: تكلمي؛ فَإِن هَذَا لَا يحل، فَقَالَت: مَا بقاؤنا على الْأَمر الصَّالح الَّذِي جَاءَ الله بِهِ بعد الْجَاهِلِيَّة؟ فَقَالَ: مَا استقامت بكم أئمتكم.

    قال ابن الجوزي رحمه الله:
    وَمعنى قَوْله: مَا استقامت بكم أئمتكم: يَعْنِي أَنَّهَا إِذا حادت ملتم عَن الصَّوَاب.

    وَفِي الحَدِيث الْحَادِي عشر:
    جَاءَ وَفْدُ بُزَاخَةَ من أَسد وغَطَفَان إِلَى أبي بكر يسْأَلُون الصُّلْح، فَخَيَّرهمْ بَين الْحَرْب المجلية وَالسّلم المخْزية. فَقَالُوا: هَذِه المجلية قد عرفناها، فَمَا المخزية؟ قَالَ: نَنْزِع مِنْكُم الْحلقَة والكُراع، ونغْنم مَا أصبْنَا مِنْكُم، وتردون علينا مَا أصبْتُم منا، وتَدُون لنا قَتْلَانَا، وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار، وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يُرِيَ الله خَليفَة رَسُول الله والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ. فَقَالَ عمر: نعم مَا قلت، إِلَّا أَن قَتْلَانَا قُتِلَت على أَمر الله، أجورها على الله، لَيْسَ لَهَا ديَّات. فتتابع الْقَوْم على مَا قَالَ عمر.

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    وَأما قَول عمر: لَيْسَ لقتلانا ديات، فغاية فِي الْحسن؛ لِأَنَّهُ لم يرض أَن يكون عرض الدُّنْيَا عوضا لنفوس الشُّهَدَاء الَّتِي ثومِنَت بِالْجنَّةِ، فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} [التَّوْبَة: 111] .

    وَفِيمَا انْفَرد بِهِ مُسلم من هَذَا الْمسند
    قَالَ أَبُو بكر لعمر بعد وَفَاة رَسُول الله: انْطلق بِنَا إِلَى أم أَيمن نزورها كَمَا كَانَ رَسُول الله يزورها(10)

    قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
    أم أَيمن اسْمهَا بركَة، وَهِي مولاة رَسُول الله وحاضنته، ورثهَا من أَبِيه وأعتقها حِين تزوج خَدِيجَة، فَتَزَوجهَا عبيد بن زيد، فَولدت لَهُ أَيمن، ثمَّ تزَوجهَا بعد النُّبُوَّة زيد بن حَارِثَة، فَولدت لَهُ أُسَامَة. وَكَانَت حِين هَاجَرت قد أَصَابَهَا عَطش فِي الطَّرِيق، فدلي عَلَيْهَا من السَّمَاء دلو برشا أَبيض، فَشَرِبت حَتَّى رويت، فَكَانَت تَقول: مَا أصابني عَطش بعد ذَلِك. وَقد تعرضت للعطش بِالصَّوْمِ فِي الهواجر فَمَا عطشت. وَحَضَرت أم أَيمن أحدا، فَكَانَت تَسْقِي المَاء، وتداوي الْجَرْحى. وَشهِدت خَيْبَر، وَتوفيت فِي خلَافَة عُثْمَان، وروت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة أَحَادِيث، إِلَّا أَنه لم يخرج لَهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ شَيْء، فَلذَلِك ذكرت أَخْبَارهَا هَاهُنَا.

    وههنا ينتهي المنتخَبُ بهذه الموعظة العظيمة من الصحابية الجليلة أمِّ أيمن بقولها رضي الله عنها : (مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ) نسأل الله من فضله.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارْض اللهمَّ عن الصحابة والخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ وآل محمد.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1): ابن الجوزي: مقدمة كتاب شرح المشكل ج1ص5
    (2): سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان ج22ص93-118 وقد استوفى ترجمة جدَّه، رحم الله الجميع.
    (3): وقد اعتمدت طبعة علي حسين البواب.
    (4) ابن الجوزي : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج4ص53-68. انظرها جميعا.
    (5)أخرجه أبوداود [4607] والترمذي [2676] وابن ماجه [42/43/44] وأحمد [17079] . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
    (6)الحديث في البخاري : (3615)وانظر(2439/3652/3908/3917/5607) ومسلم (7521)وانظر(5238)، قال البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الحَسَنِ الحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ، فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلًا، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الغَدِ، حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ، لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ، فَنَامَ وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ، فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ، قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالقَذَى، قَالَ: فَرَأَيْتُ البَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ، فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَوِي مِنْهَا، يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ المَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا مَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا - أُرَى - فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، - شَكَّ زُهَيْرٌ - فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَجَا، فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا.
    (7) البخاري (4005) وانظر (5122/5129/5145) قال رحمه الله : حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ «خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ» فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا.
    (8) البخاري (4986) وانظر (2807) قال البخاري : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ، «فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ»، قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، «فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ»، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»، قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، " فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ العُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ".
    (9) قال الحميديّ [ج1/ص91-92-93] : (ذكره البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع من كِتَابه بِإِسْنَاد وَاحِد مقطعاً من رِوَايَة ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، عَن أنس بن مَالك: أَن أَبَا بكر الصّديق لما اسْتخْلف كتب لَهُ حِين وَجهه إِلَى الْبَحْرين هَذَا الْكتاب، وَكَانَ نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر.
    بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
    هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين، وَالَّتِي أَمر الله بهَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن سئلها من الْمُسلمين على وَجههَا فليعطها، وَمن سُئِلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْط.
    فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا، من الْغنم فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض أُنْثَى، فَإِن لم تكن ابْنة مَخَاض فَابْن لبونٍ ذكر. فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقةٌ طروقة الْجمل. فَإِذا بلغت وَاحِدَة وَسِتِّينَ إِلَى خمسٍ وَسبعين فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين إِلَى تسعين فَفِيهَا بِنْتا لبونٍ. فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة فَفِيهَا حقتان طروقتا الْجمل. فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون، وَفِي كل خمسين حقة. وَمن لم يكن مَعَه إِلَّا أَربع من الْإِبِل فَلَيْسَتْ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا، فَإِذا بلغت خمْسا من الْإِبِل فَفِيهَا شَاة.
    وَصدقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شاةٍ شاةٌ، فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان. فَإِذا زَادَت على مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه. فَإِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة فَفِي كل مائةٍ شاةٌ. فَإِذا كَانَت سَائِمَة الرجل نَاقِصَة من أَرْبَعِينَ شاةٍ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا. وَلَا يجمع بَين متفرقٍ، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة. وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمةٌ وَلَا ذَات عوار وَلَا تَيْس إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق. وَفِي الرقة ربع الْعشْر. فَإِن لم يكن إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا.
    وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده جذعةٌ وَعِنْده حقةٌ فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا لَهُ أَو عشْرين درهما. وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة وَلَيْسَت عِنْده الحقة وَعِنْده الْجَذعَة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة وَلَيْسَت عِنْده إِلَّا بنت لبون فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت لبون وَيُعْطِي شَاتين أَو عشْرين درهما. وَمن بلغت صدقته بنت لبون وَعِنْده حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت صدقته بنت لبون وَلَيْسَت عِنْده بنت لبونٍ وَعِنْده بنت مخاضٍ فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت مخاضٍ وَيُعْطِي مَعهَا عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت صدقته بنت مخاضٍ وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده بنت لبون فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. فَمن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض على وَجههَا وَعِنْده ابْن لبون فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَه شَيْء.
    قَالَ البُخَارِيّ: وزادتا أَحْمد - يَعْنِي ابْن حَنْبَل - عَن الْأنْصَارِيّ، وَذكر الْإِسْنَاد عَن أنس، قَالَ: كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَده وَفِي يَد أبي بكر، وَفِي يَد عمر بعد أبي بكر، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان، جلس على بِئْر أريس، وَأخرج الْخَاتم فَجعل يعبث بِهِ، فَسقط. قَالَ: فاختلفنا ثَلَاثَة أَيَّام مَعَ عُثْمَان ننزح الْبِئْر، فَلم نجده.
    وَهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا أَحْمد يَنْبَغِي أَن تكون فِي مُسْند أنس).
    (10) مسلم : (6318) قال مسلم: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: " انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ. فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا ".
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-09-12, 11:23 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X