إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من روائع الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله   مسألة إعجاز القرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من روائع الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله   مسألة إعجاز القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم


    مسألة إعجاز القرآن
    الشيخ صالح آل الشيخ
    حفظه الله

    فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى: {سأصيليه سقر}[المدثر: ۲۹] ومن وصف الله بمعنی من معاني البشر فقد کفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر.
    هذه الجمل اشتملت على تقرير مسألة عظيمة، وهي أن كلام الله - جل وعلا - لا يشبه قول البشر، ومن قال عن القرآن : إنه قول البشر أو إنه مخلوق أو هو كلام جبريل ونحو ذلك وليس بكلام الله - جل وعلا - فإن هذا كافر بالله العظيم.
    والمشركون وصفوا القرآن بصفات منها أنه كهانة وسحر وأساطير الأولين وشعر، فتحداهم الله عز وجل - أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله، فعجزوا عن ذلك؛ فسمى العلماء فعلهم ذلك أو عجزهم مسألة إعجاز القرآن؛ لأجل التحدي وعجز الكفار أن يأتوا بمثله.
    لتقرير هذه المسألة وهي مسألة إعجاز القرآن نجعل البحث فيها في مسائل، فنقول:

    - المسألة الأولى: إن لفظ الإعجاز لم يرد في الكتاب ولا في السنة ، وإنما جاء فيهما الآيات والبراهين، فلفظ المعجزة لم يأت؛ وإنما هو لفظ حادث ولا بأس باستعماله إذا عني به المعنى الصحيح. وهو أن القرآن تحدى الله - جل وعلا - به العرب أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو سورة من مثله، فعجز الكفار عن ذلك، فسمى العلماء فعلهم وعجزهم، مسألة إعجاز القرآن.

    - المسألة الثانية: أن كلام الله - جل وعلا - هو المعجز؛ وليس أن الله - جل وعلا . أعجز الناس. والفرق بين المسألتين أن الإعجاز صفة القرآن؛ فالإعجاز والبرهان والآية والدليل في القرآن نفسه؛ لأنه كلام الله - جل وعلا .. ولا يقال : إن الله - جل وعلا . أعجز الناس أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو صرفهم عن ذلك؛ لأنه فيه دليل على أنهم قادرون ولكن الله سلبهم القدرة على هذه المعارضة.

    - المسألة الثالثة: أقوال الناس في إعجاز القرآن :
    إعجاز القرآن دلیل من دلائل النبوة فلهذا اختلف الناس في وجه الإعجاز على أقوال :
    - القول الأول: ذهب إليه طائفة من المعتزلة ومن غيرهم؛ حتى من المعاصرين، قالوا: إن الإعجاز في القرآن إنما هو بصرف البشر عن معارضته، وإلا فالعرب قادرة على معارضته في الأصل. وهذا الصرف بقدرة الله - جل وعلا - وحده. ويرد على هذا القول بأدلة منها:
    الدليل الأول: من القرآن قوله تعالى : ﴿ قُل لَّئنِ ٱجتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلجِنُّ عَلَىٰۤ أَن يأۡتُوا۟ بِمِثلِ هَـٰذَا ٱلقُرۡءَانِ لَا يأۡتُونَ بِمِثلِهِۦ وَلَو كَانَ بَعضُهُمۡ لِبَعضࣲ ظَهِيرࣰا[الإسراء ٨٨]
    وهذا فيه إثبات لقدرتهم على الاجتماع وعلى المعارضة، لكنهم سيعجزون مع قدرتهم التي ستجتمع.
    الدليل الثاني: عقلي : وهو أن الأمة أجمعت على أن الإعجاز ينسب ويضاف إلى القرآن ولا يضاف إلى الله - جل وعلا - وهذا يدل على أن القرآن معجز في نفسه.

    - القول الثاني: القرآن معجز بألفاظه، فألفاظ القرآن بلغت المنتهي في الفصاحة، فالفصاحة هي دليل إعجاز القرآن. وهذا ليس بجيد؛ لأن القرآن اسم للألفاظ والمعاني، والله - جل وعلا - تحدي أن يؤتى بمثل هذا القرآن أو بمثل عشر سور مثله، وهذه المثلية إنما هي باللفظ وبالمعنى جميعا.
    - القول الثالث: إن الإعجاز في المعاني، وأما الألفاظ فهي على قارعة الطريق - مثلما يقول الجاحظ - وهذا لا شك أن فيه قصور مثل القول الثاني ؛ لأن القرآن مشتمل على فصاحة الألفاظ وعظمة المعاني جميعا.
    - القول الرابع: إن القرآن معجز في نظمه، ومعنى النظم: الألفاظ المتركبة والمعاني التي دلت عليها الألفاظ وما بينها من الروابط في صور بلاغية ونحوية عالية وهذا المجموع سموه: النظم.
    فتألف الألفاظ والجمل مع دلالات المعاني البلاغية واللفظية وما بينها من صلات نحوية عالية.
    وهذا القول جيد، ولكن لا ينبغي أن يقصر عليه إعجاز القرآن.
    - القول الخامس: إعجاز القرآن فيما اشتمل عليه من أمور غيبية وتشريعية ومخاطبة وهداية للبشر، لا يمكن أن تكون من عند بشر.
    ويشكل عليه: أن إعجاز القرآن الذي تحدى الله به العرب، والعرب حينما خوطبوا به خوطبوا بكلام مشتمل على أشياء كثيرة و كان التحدي واقعا أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعشر سور مثله مفتريات - كما زعموا - وهذا يؤول إلى ما تميزت به العرب من ورفعة الكلام وبلاغته وفصاحته.
    فهم خوطبوا بكلام من جنس ما يتكلمون به من جهة اللفظ والحروف، لكنهم عجزوا عن الإتيان بذلك لأنه كلام الله - جل وعلا -
    - القول السادس: أن القرآن معجز لأنه كلام الله - جل وعلا - وكلام الله - جل وعلا - لا يمكن أن يشبه كلام المخلوق، وهذا القول هو الذي ذكره الطحاوي ولم يتطرق إليه شارحوا هذه العقيدة، وهو من أرفع وأعظم الأقوال؛ بل هو القول الحق في هذه المسألة. فالكلام له صورة وهيئة من سمعها ميز بين القائلين، فكلام الله لا يمكن أن يصل إلى مثله البشر؛ لأنه صفة من صفاته - جل وعلا - ومن حاول معارضته افتضح وتبين الفرق.

    إذا تبين هذا فنقول: کلام الله - جل وعلا - في كونه لا يشبه كلام البشر له خصائص أوجبت أن يكون كلام الله - جل وعلا . ليس ككلام البشر، وهذه الخصائص:
    أولا: اشتمال القرآن على ألفاظ العرب جميعا ولا يستطيع أحد أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خلق اللغات وهو رب العالمين.
    ثانيا: أن ألفاظ القرآن جميعا بلغت في الفصاحة منتهاها وأعلاها. سواء كانت مفردة أو مركبة.
    ثالثا: معاني القرآن، فلا يمكن لأحد أن يأتي بمثل تلك المعاني العظيمة؛ بل لا بد أن تجد في كلامه خللا وقصورا .
    رابعا: النظم، القرآن فيه المنتهي من ناحية الفصاحة والبلاغة، فألفاظه ومعانيه والروابط بينها تدل على الغاية في البيان.
    خامسا: القرآن له سلطان على النفوس، لا يمكن لها أن تقاومه، فالترهيب والترغیب والوعظ والوعد والوعيد والأحكام، تجعل للمستمع مجالا رحبا للتأثر.
    سادسا: أن القرآن فيه الفصل في الأمور الغيبية التي لم يظهر وجه بيانها وحجيتها إلا في العصر الحاضر، وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي..
    سابعا: سلطانه الخاص على من يقرأه من المؤمنين، فكلما ازداد المؤمن قراءة وتلاوة ازداد إيمانا وحبا لله - جل وعلا -، وهذه لا تكون في کلام البشر إطلاقا. بل كلما ازداد المؤمن تلاوة أحب الازدياد أكثر وأكثر ، خلافا لكلام البشر الذي يمل عند تکراره وتعافه ويثقل على النفوس.

    [ الوافي في اختصار شرح عقيدة أبي جعفر الطحاوي ( ٧٠-٧٤) الطبعة الثانية ١٤٣٢ ه‍ دار الإمام أحمد ]
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-09-10, 06:26 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X