إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأَيَّامُ الزَّاهِيَّةُ فِي مَصْرعِ قَرْنَيْ حِمَارِ (الْمُتَعَالِمِ الكَذَّابِ اللَّئِيِم البَلِيدِ)- خالد حَمُّودَةُ أنْمُوذَجًا- (09)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأَيَّامُ الزَّاهِيَّةُ فِي مَصْرعِ قَرْنَيْ حِمَارِ (الْمُتَعَالِمِ الكَذَّابِ اللَّئِيِم البَلِيدِ)- خالد حَمُّودَةُ أنْمُوذَجًا- (09)

    الأَيَّامُ الزَّاهِيَّةُ الزَّاهِرَةُ
    فِي مَصْرعِ قَرْنَيْ حِمَار (الْمُتَعَالِمِ الكَذَّابِ اللَّئِيِم البَلِيدِ)- خالدٌ حَمُّودَةُ أنْمُوذَجًا-
    الْحَلقَةُ التَّاسعة (09)

    ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، وتَقَوّلَ عَلَى اللَّهِ ، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ .... وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى «الْأَغْبِيَاءِ»، فَكَيْفَ يُشْتَبَهُ حَالُ هَذَا بِالْأَنْبِيَاءِ ؟! فَإِنَّ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَــــادِقًا أَوْ كَاذِبًا فَلَابُدَّ أَنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى برِّهِ ، أَوْ فُجُـورِهِ مَا ، وَأَظْهَرَ مِنَ الشَّمْسِ ، فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ «الْكَذَّابِ»- لَعَنَهُ اللَّه- لِمَنْ شَاهَدَهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ وَقْتِ الضُّحَى ، وَوَقْتِ نِصْفِ اللَّيْلِ فِي حِنْدَسِ الظَّلْمَاءِ، فَمِنْ سِيـمَا كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَلَامِهِ وَفِعَالِهِ يَسْتَدِلُّ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَذِبِ مُسَيْلِمَةَ([1])، وَالكَذِبُ هُوَ: الإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلاَفِ مَا هُوَ ، سَـوَاءٌ تَعَمَّدتَ ذَلِكَ ،أَم جَهِلتَهُ([2]).
    قَالَ شَيْخُ الاِسْلاَمِ (ت:728هـ) :" وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، كَمَا ثَبَتَ ... عَنْ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... لَمَّا قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ :«إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ عَامِرًا قَتَلَ نَفْسَهُ ، وَحَبَطَ عَـمَلُهُ ، فَقَالَ :" كَذَبَ مَنْ قَالَهَا ... »، وَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ لَـــمْ يَتَعَمَّدِ الْكَذِبَ ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا ... وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِيـمَا يُفْتُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ:«... إِنْ يَكُنْ خَطَأً فَهُوَ مِنِّي ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ ...»، فَإِذَا كَانَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ الْمَغْفُورُ لَهُ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ ؟! ... فَهَذَا كَذِبٌ آثِمٌ فِي ذَلِكَ ... فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِلُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ، وَيُوحِي بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ، وَيُطْرَدُ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لَهُ ، قَالَ تَعَالَى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان "اهـ([3]).
    قَال العَلَمُ بَكْــرٌ أَبُو زَيْدٍ (ت:1429هـ):"أَيْنَ هَؤُلَاءِ «الكَذَبَةُ» الْمُتَشَبِّعُونَ بِمَا لَم يُعْطَوا مِنْ هَدْيِ السَّلَفِ- رضي الله عَنْهُم- فِي أَمَانَتِهم ، وَتَحَرِّيهم ؟!([4]) أمَّا الصَّعْقَةُ الغَضَبِيَّةُ الَّتي يَتَنَاثَرُ الصَّبْرُ دُونَهَا فَهِيَ تِلكَ الْخُلَّةُ مِنْ بَعْضِ مَنْ أَخَـذَتْهُ «شِرَّةُ الشَّبَابِ ، وَسَطَوتُهُ» فِي تَعَالُمٍ ، وَرِيَاءٍ ، وَعُـجْبٍ وَكِبْريِاءٍ ، وَإعْلَانٍ لِضُعْفِ مِيرَاثِهِ مِن هَدْيِ النُّبُوَّةِ فِي أَدَبِ الْحَدِيثِ وَالْمُجَالَسَةِ ، «وَإنْزالِ النَّاسِ مَنَازِلَهُم»([5])، ومَازَالَ النَّاسُ يُبْتَلَونَ بِهَذَا الطِّرَازِ النَّكَدِ مِنَ الْخُنْفُشَارِيِّينَ، فَعَلَى جَادَةِ الْمِثَالِ: خَبِيرُ «النَّعْنَعِ» "اهـ([6]).
    وَفي هَذَا الْمَقَال :
    فَقِيهُ «البِيطْرَافِ»، لأنَّهُ ضَحيَّةٌ من ضَـحايا الفِتَنةِ وَالاِستِشْرَافِ ، وَمَنْ يُشْرِفْ للفِتَنِ تَسْتَشْرِفْهُ([7])، أَيْ: مَنْ طَلَعَ فِيهَا بِشَخْصِهِ قَابَلَتْهُ بِشَرِّهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكونَ الْمُرَادُ مَنْ خَاطَرَ فِيـهَا بِنَفْسِهِ أَهْلَكَتْهُ([8])، قَالَ العَلَّامَــــةُ رَبيع :"فَقَدْ «يَغْتَرُّ» الإنسَانُ بِعِلْمِهِ ، أَو بجَاهِهِ ، أَو سُلْطَانِهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي انْهِيَارِهِ ، وَزَلَّةِ قَدَمِهِ ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ «طَالِب عِلْمٍ» "اهـ([9]).

    قَالَ شَيْخُنَا :"فَالنَّاظِرُ إِلَى مَا يجْرِي في السَّاحَةِ الدَّعَوِيَّةِ الْمُحَلِّيَّةِ يَـجِدُ دِفَاعًا مُستَمِيتًا ؛ لِتَصْحِيحِ مَوَاقِفِ رِجَالٍ مِنَ الدُّعَاة الَّذِينَ رَكِبُوا مَنْهجَ التَّمْيِيع في الْجُملَةِ ... وجنَّدُوا لَهُ ـ بإمْلَاءَاتِهِم ـ«شَبَابًا» مِنْ ذَوِي «العَجَلَةِ»... تَمَكَّنَتْ مِنهُم «حُظُوظُ النَّفْسِ وَالهَوَى»، وَغَابَتِ الأَمَانةُ في النَّقْل، وَتحَرِّي الدِّقَّـــة ، وَطَلبِ الْحَقِّ ، وَحَلَّ مَحَلَّها «الكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ»؛ فَعَابُوا كَلَامَ «أكابرِهم» في السِّنِّ وَالعِلمِ وَالدِّرَايَةِ وَالأَدَبِ ، وَتَجَرَّؤُوا عَلَيهم ... وَحَمَلهُم «جَهْلُهُم» ، وَقِلَّةُ زَادِهم عَلَى أَنْ «أنْزَلُوا أَنْفُسَهُم مَنْزَلةَ أَهْلِ الْحَلِّ والعقد» "اهـ([10]).
    والشَّبَابُ «مَطِيَّةُ الْجَهْلِ»([11])، وَقَدْ يكُونُ أَحَدُهم«أجْهَلَ مِنْ حِمَارِ» أَهْلِهِ([12])، وَهَؤلَاءِ الْمُجَنَّدُونَ «اِسْتَسْمَنُوا ذَا وَرَمٍ»([13])، وَ«جَاؤُوا بِقَرْنَيْ حِمَارٍ» أي: بِالكَذِبِ وَالبَاطِلِ([14])؛ لأَنَّ الْحِمَارَ لَا قَرْنَ لَهُ ، فَكَأَنَّهُ جَاءَ بِمَا لَا يُمكِنُ أَن يَكُونَ([15])، وَنَفسُ الْكَاذِبِ مُعْرِضَةٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ الْمَوْجُودَة ، نَزَّاعَةٌ إِلَى الْعَدَمِ ، مُؤثِرَةٌ لِلبَاطِلِ([16]).
    وَاتَّخَذُوا شِعارَ«نَحْنُ مَعَ الأكَابر»«حِمَارَ حَاجَاتهم»([17])، أيِ: امْتَهنُوهُ فِي جَلِيلِ أَمْرٍ وَدَقِيقِهِ([18])، فَقَالَ الصَّعْفُوقُ مَنْصُورٌ شَايِبْ:"لَم أَجِد تَعلِيقًا عَلَى هَذا«الاِسْتِحمَارِ» لِلأتبَاعِ إِلَّا قَولَ الشَّيخِ رَبِيعٍ عَنِ الْحَدَّادِيَّة ..."اهـ([19])، وَاستَنكَرَ صَعْفُوقٌ مَا نَشَرتُهُ قَائِلًا:"هُم « كَالْحَمِير»، وَاللهِ «الْحِمَارُ» أَفْضَـلُ مِنْـهُم "اهـ، ثمَّ وقَّعَ خَدَنُهُ "عَبْدُ الْحَكِيـم حَفْنَاوِي" مُعجَبًا بِقَوْلَتِهِ ، فَلَمَّا استَنكَرْتُ أَجَابَ حَفْنَاوِي بكلِّ ثِقَةٍ :"سَـمَّاكُـم الشَّيخُ رَبيعٌ بِغَالًا ، فَهَنِيئًا لَكَ "اهـ([20])، وقَالَ الآخر:"الْحَمْدُ للهِ ، نَحْنُ نَأخُـــذُ العِلمَ مِنَ العُلمَاءِ، وَأَنتُم تَأخُذُونَهُ مِنَ «الْحَمِيرِ»... لقَدْ صَدَقَ الشَّيخُ رَبِيعٌ لَمَا أَطَلقَ عَلَى الْمُصَعْفِقَة لَقَبَ «البِغَالِ»"اهـ([21]).
    ولا يَزَالُ الأقزامُ يُراوِدُونَ حِمَارَ الْجَهلِ ، مَعَ قَلَّةِ زَادهم ، بَلْ "إنَّهُ لَزَادُهُم «الْهَابِطُ»«التَّعَالُمُ»، عَتَبَةُ الدُّخُــولِ الفَاجِرَةِ ، إِلَى خُطَّةِ السُّوءِ الْجَائِرَةِ : «القَوْلُ عَلَى الله بِلاَ عِلِمٍ»([22])؛ وَلَا يَزَالُون يُراوِدُونَ حِمَارَ الْجَهلِ الْمُرَكَّبِ؛ حتَّى حَمَلَهُم عَلَى أَنْ أنْزَلُوا أَنْفُسَهُم مَنْزَلةَ أَهْلِ الْحَلِّ والعَقْدِ ،"قَال الْمُتَنَبِيُّ :
    وَمِنْ جَاهِلٍ لِي وَهُوَ يَجْهَلُ جَـهْلَهُ ******** وَيَجْهَلُ عِلْمِي أَنَّهُ بِي جَاهِلٌ


    وَ«الْجَهلُ الْمُرَكَّبُ» عَيْبٌ ، لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِالتَّعَلُّمِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ «يَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَالِمٌ»؛ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّعَلُّمِ([23])، وَيَمْنَعُهُ مِن إِدْرَاكِ الْحَقِّ ، وَيُوجِبُ تَكْذِيبَ الْمُحِقِّ([24])، أَمَّا صَاحِبُ الْجَهْلِ البَسِيط فَيَعْرِفُ أَنَّهُ جَاهِلٌ ، وَيَقِفُ عِنْدَ حَدِّهِ([25])، وَمِنْ هُنَا قَالُوا :الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ شَرٌّ مِنَ البَسِيطِ ،وَمَا أَلْطَفَ مَا قِيلَ :
    قَالَ «حِمَارُ الْحَكِيـمِ» تَوْمَا ******** لَوْ أَنْصَفُونِي لَكُنْت أَرْكَبُ
    لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ ******** وَرَاكِبِي جَـهْلُهُ مُرَكَّبُ([26])

    مَا أَكَثُرَ «الأَدْعِيَاءَ الْمُحَاوِلينَ لِإِسْقَاطِ العُلمَاءِ» ! تَرَى الوَاحِدَ مِنْهُم «يَصُـولُ وَيَجُـولُ»([27])، وكَأَنَّهُ «الأُصُوليُّ السَّجُولُ»([28])، مِنْ مِثِلِ «سَيِّدِ الشَّبَابِ([29])العَجُـولِ»، وَالفَقِيهِ في «حُـمْرَةِ» الشَّواهِدِ وَالبِيطْرَافِ وَالْخَجُولِ ، وَالنَّابِغَةِ فِي فَنَّيِ «الاِسْتِدْرَاكِ وَالفُضُولِ»، إنَّهُ لَـ«خُنْفُشَارٌ» مِنْ قَطِيعٍ حَقًّا هُم«الْغُولُ»، اِستحَقَّ- زَعَمًا- أَن يُنَازلَ العُلَمَاءَ وَيَقُولَ ، كَمَا اِستَحَقَّتِ الدُّودَةُ اللَّزِجَةُ الْحُقُولَ ، قَالَ بَكْرٌ أَبُو زَيْدٍ (ت:1429هـ):" فَهَؤُلَاءِ الْمُنَازِلُونَ فِي سَاحَةِ العِلْمِ ، وَلَيْسَ لَدَيْـهِم مِن عُدَّةٍ فِيهِ سِوَى «القَلَمِ والدَّوَاةِ»، هُم «الصَّحَفِيَّةُ ، الْمُتَعَالِمُونَ» مِنْ كُلِّ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ ، وَلَيْسَ بِعَالِم ، «شَخْصِيَّةٌ مُؤْذِيَّةٌ»«تَتَابَعَتِ الشَّكْوَى»مِنْهُم عَلَى مَدَى الْعُصُورِ، وَ«تَتَوَالَى النُّذُرُ» سَلَفًا وَخَلَفًا ... هَذَا القَطيعُ حَقًّا هُم «غُولِ العِلم»، بَلْ «دُودَةٌ لَزِجَةٌ» ...
    هُوَ الوَزِيرُ وَلَا أَزَرٌ يُشَدُّ بِهِ ******** مِثْلُ العَرُوضِيّ لَهُ بَحْرٌ بِلَا مَاءِ "اهـ([30]).

    إنَّهُ حَقًّا كَهَـذِه «الدُّودَةِ»، حـَمَلَهُ «حِـمَارُ الْجَـهْلِ» عَلى أَنْ يَرَى الأَعْنَاقَ إِلَيْهِ مَمْــدُودَةً([31])، وَأنَّ تَدَخُّلَهُ السَّافِرَ سَنَنٌ مَحْمُودَةٌ ، إنَّهُ - كمَا تَرْجَمَ لَهُ الدّكتُورُ بُوفَلجَةَ القَدِيِمُ - الْحَدَثُ ، الصَّغِيرُ«خَالِدٌ حَمُّودَةُ»، الْمَنعُوتُ بـ«الطَّعَّانِ العَيَّابِ»، الَّذِي أَبَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَأسًا مَتبُوعًا فِي الضَّلَالَةِ، وَلَم يَقْنَعْ بِأَن يَكُونَ تَابِعًا، فَيَسْلَم مِنَ التَّبِعَاتِ، لَا لَهُ ، وَلَا عَلَيْهِ ، بَل أَبَى إِلَّا أَن يَتَحَمَّلَ وِزرَهُ ، وَوِزْرَ مَنْ يُضْلِلِهُم مِن السُّذَجِ ، الرِّعَاعِ ، وَالْهَمجِ وَالْجُهَّالِ ، مِمَّنْ لَا عَقَل لَهُم ، وَلَا فَهْمَ "اهـ([32])، وَمِنْ بَلِيَّةِ «الكَذِبِ»: أَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى صَاحِبِه ذَنْبَ غَيْرِه([33])، وَمِنْ دَوَاعِيهِ حُبُّ التَرَّؤُسِ([34])، وَأكْثَرُ «مَصَارِعِ العُقُولِ» تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ([35]).
    فَلَعَلَّ عَرْشَ «النَّوَازِلِ»ـ زَعَمًا ـ يَشْرَئِبُّ إلى هَذَا الفَقِيهِ الْمُنَازِلِ ؛ وَركْنُ «الفَتَاوَى» في تِلكَ الْمَجَلَّةِ أَضْحى للعَنْكُبُوتِ أَمْتعَ الْمَنَازِلِ ، وَحِمَارُ أَبِي الْحُمْرَةِ استَعْلَى بِهِ مَخَاطِرَ وَنَوَازِلَ ، وَآلَ يُنَاطِحُ ـ زَعَمًاـ «بِقَرْنَيْ حِمَارِه» أَفَاضِلَ وَبَوَازِلَ ، وَيَنَافِحُ عَنْ خَدَنِهِ العَابِط الهَازِلِ ، أَمَّا الْجُمهورُ فَيُصَفّقُونَ عَلى مَا يُوقِّعانِ مِن غَباوةٍ وَكذِبٍ وَحُمْقِ وَلُؤْمٍ وَمَهازِلَ .
    قَال أبُو الْحُمْــــرةِ في مَعْرضِ الذَّبِّ عَن نَفْسِهِ :"عَدَمُ الفَهمِ الَّذِي يُعَابُ بِهِ طَالِبُ العِلمِ هُوَ« عَدمُ الفَهْمِ مُطلقًا الْمُرَادِفُ لِلبَلَادَةِ» وَاستِغَلاقِ الذِّهْنِ ، أَمَّا أَنْ يَقِفَ عِنْدَ مَسْأَلَةٍ أَو قَضِيَّةٍ تُشْكِلُ عَلَيْه فَلَا يَفْهَمُهَا فَهَذَا لَيْسَ بِعَيْبِ، وَلَا يُمكِنُ أَنْ يَفهَمَ أَحَدٌ كُلَّ العِلمِ ، وَلَا يَدَّعِي ذَلِكَ عَاقِلٌ"اهـ([36]).
    قُلْتُ : هَذَا صَحِيحٌ، قَال شَيْخُنَا العَلَّامةُ فَركوسٌ: "لَا أَدَّعِي العِصْمَةَ فِي فَتَاوَايَ وَكِتَابَاتي، وَلَا آمَنُ مِنَ الزَّلَلِ في مُناقَشَتِي لِلمَسَائِلِ ... نَتِيجةً لِقُصُورِ فَهْمٍ، أو اجْتِـهَادٍ خَاطِئٍ ، أَو عَدَمِ اسْتِقصَاءٍ فِي البَحْثِ ، أَو غَلَطٍ فِي التَّصَوُّرِ ، وَنحْوِ ذَلِكَ "اهـ([37])،أمَّا البَلَادَةُ فَهِيَ بِمَعْنَى عَدَمِ الفَهْم([38])، لَكنّ لَيس مُطلقًا ، وَيَظهَرُ ذَلِكَ مِنْ ستَّةِ وُجُوهٍ :
    الوَجهُ الأَوَّلُ : الْحِمَارُ يُضْرَبُ بِه الْمَثَلُ فِي الْبَلَادَةِ([39])، فَيُقَالُ«أبلَدُ مِنْ حِمَارٍ»([40])، وَمَع ذَلكَ فَقَدْ عَرَفَ الصَّوْتَ الَّذِي يُلتَمَسُ بِهِ وُقُوفُه ، وَالَّذِي يُلْتَمَسُ بِهِ سَيْرُهُ([41]).
    الوَجهُ الثَّانِي : قَالَ الْجُوَيْنِيّ(ت:438هـ): "أَعْلمُ بِالاضْطِرَارِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّم - كَانَ يَحضُرُ فِي مَجْلِسِهِ الشَّرِيفُ العاَلِمُ وَالْجَاهِلُ وَالذَّكِيُّ وَالبَلِيدُ ... ثمَّ لَا أَجِدُ شَيْئًا يَعْقُبُ تِلْكَ النُّصُوصَ الَّتِي كَانَ يَصِفُ رَبَّهُ "اهـ([42])، فَلْوْ كَانَ البَلِيدُ «لَا يَفهمُ مُطْلقًا» لَمْ يسْتَشْهِدِ الْجُوَيْنِيُّ بِهِ .
    الوَجهُ الثَّالِثُ : البَلَادَةُ : خِلَافُ الذّكَاءِ([43])، فَهَلْ إذَا فَهِمَ الْطَّالبُ بَعضَ العِلم قيل إنَّكَ ذَكِيٌّ ؟!
    الوَجـــهُ الرَّابِعُ : لَوْ كَانَتِ الْبَلَادةُ «عَدمَ الفَهْمِ مُطْلقًا» مَا خُوطبَ «البَليدُ» أبدًا .
    وَمِنْ البَلِيَّةِ : عَذْلُ مَنْ لَا يَرْعَوي ******** عَنْ غَيِّهِ وَخِطَابُ «مَنْ لَا يَفْهَمُ»([44])

    الوَجهُ الْخَامِسُ: قِيلَ : "إنَّ الْغَبَاوَةَ هي نِهَايَةُ الْبَلَادَةِ "اهـ([45])، وَمَعَ ذَلك ردَّ العَلَّامَةُ رَبيعٌ عَلَى فَالِح الْحَرْبيِّ قَائِلًا: "لِفَالِحٍ عَجَائِبِ وَغَرَائِبُ تَدُلُّ عَلَى «غَبَائِه» ... وَمِنْ عَجَائِبِهِ تَألِيفُ هَذَا الكِتَابِ ... نَقَلَ فِيـهِ عَن العُلَمَاءِ أَقْوَالاً كَثِيرَةً ؛ مِنْـهَا مَا يَفْهَمُهُ ، وَمِنْـهَا مَا لَا يَفهَمُه "اهـ([46])، فَأثبَتَ الشَّيْخَ ربِيعٌ الغَبَاءَ لَفالِح ، كَـمَا أَثْبَتَ لَهُ بَعضَ الفَهم .
    الوَجهُ الْسَّادِسُ : إنَّ الذَّكَاءَ وَالبَلَادَةَ خُلقَانِ([47])، وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِنَ الأخْلاَقِ مَا هُوَ غَرِيزَةٌ ، وَمِنْهُ مَا يُكْتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ ، وَالِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ([48])، وَبِالكَذِبِ ، وَالتَّناقُضِ ، قَالَ العَلَّامـــــةُ رَبِيعٌ ردًّا عَلَى صَديق فَالِحٍ: "وَدَلِيلُ هَذِهِ البَلَادَةِ وَالغَبَاءِ : كَذِبُكَ الْمكْشُوفِ ، وَتَنَاقُضُكَ الْمَفضُوحِ "اهـ([49]).
    و
    قَال ابن مَنْظُورٍ(ت:711هـ):"وَيَنْشَعِبُ مِنَ الطَّيشِ سُوءُ الصَّنِيعِ ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى سُوءُ صَنِيعِه ...وَالغَبَاءُ ... وَيَنْشَعِبُ مِنَ العَجَلَةِ ... قِلَّةُ الفَهْمِ"اهـ([50])، وَقَالَ ابنُ عُثَيْمَينَ(ت:1421ه):"«سُوءُ الإرادَةِ الَّتي تَسْتَلزِمُ سُوءَ الفَهْمِ»؛ لأنَّ الإنْسَانَ إِذَا كَانَ يُرِيدُ شَيئًا ؛ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَنتَقِلَ فَهْمُهُ
    إِلَى مَا يُريدُ ، ثُمَّ «يُحَرِّفُ» النُّصوصَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ مِنَ القَواعِدِ ... «استَدَلْ ثُمْ اعْتَقِدْ»"اهـ([51]).
    وَقَالَ الْمُحَدِّثُ العَبَّادُ :"«حَداثةُ السِّنِّ مَظِنَّةُ سُوءِ الفَهْمِ»، وأنَّ الرُّجُـــوعَ إِلَى أَهْلِ العِلم فِيهِ الْخَيْرُ وَالسَّلاَمَةُ "اهـ([52])، وَلَاسِيَّمَا فِي قَضَايَا خَطِيرَةٍ ، كَـ :«العَلَمِ الَوَطَنِيِّ» وَ «الإنْكارِ العَلَنِيِّ عَلَى وُلَاة الأُمُورِ»، قَالَ ابْنُ حُصيْنٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- :"إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ ، لَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ "اهـ([53])، وَقَالَ الشَّاطِبيُّ(ت:790 هـ):" الْعَالِمُ إِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْعُلَمَاءُ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ بَاقٍ عَلَى الْأَصْـلِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ ؛ حَتَّى يَشْهَدَ فِيهِ غَيْرُهُ، وَيَعْلَمَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ مَا شُهِدَ لَهُ بِهِ ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ ، أَوْ عَلَى شَكٍّ ؛ فَاخْتِيَارُ «الْإِقْدَامِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى الْإِحْجَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى »"اهـ([54]).
    وَلَقد أقدَم أَبُو الْحُمْرَةِ عَلَى «رَمزِيَّةِ العَلَمِ»؛ لأنَّ اللَّئِيمَ ذُو وَقَاحَةٍ وإقْدَامٍ([55])، واللَّئِيمُ- عِنْدَ العَرَبِ - الشَّحِيحُ ، الْمُهِينُ النَّفْس، الْخَسِيسُ الآبَاءِ([56])، وَأَلْأَمُ اللُّؤْمِ الفُجُورُ([57])؛ وَالْكَرَمُ فِي الْأَحْرَارِ، كَما أَنَّ اللُّؤْمَ فِي الْعَبِيدِ([58])، وَلَوْ أَنَّ اللُّؤْمَ يُنْسَبُ كَانَ عَبْدًا([59])، والصَّعْفُوقُ- عَلَى رأيٍ- هُو اللَّئِيمُ مِنَ الرِّجَالِ ، وَكَانَ آباءُ الصَّعَافِقَةِ عَبِيدًا([60])، لَكنَّ فَقِيهَ البِيطْرَاف :
    غُلاَمٌ أَتَاهُ اللُّؤْمُ مِن شَطْرِ نَفْسِهِ ******** وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ شَطْرِ أُمٍّ وَلاَ أَبِ([61]).
    إنْ كَانَ للظُّرْبَانِ جُحْرٌ مُنتِنٌ ******* فَلَريـحِ «لُؤْمِكَ» - يَا خُوَيْلِدُ - أنتَنُ([62])

    ذَلِكَ أنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ كَرِهُوا أَنْ يُطْلِقُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ ؛ تَحَرُّزًا مِنْ التَّجَاوُزِ فِيهِ، وَتَنْزِيـهًا عَنْ التَّمَلُّقِ بِهِ([63])، لَكِنَّ الْجَاهِلَ اللَّئِيمَ عَدُوُّ كُلِّ أَحَدٍ إلَّا مَنْ نَفَعَهُ([64])؛ وَلو بِمَدْحٍ كَاذِبٍ ، فلِهَذَا لَم يُفَرِّقْ أَبُو الْحُمْرَةِ طَابُورَ«غُلُوِّ الْمَدَّاحِينِ» فِيهِ ، الَّذِينَ صَفَّقُوا عَلَى تَهَوُّرِه في«رَمزِيَّةِ العَلَم»؛"وَمِنْ مَنْهَجِ الْحَدَّادِيَّةِ : «ادِّعَاءُ تَفَوُّقِ الْحَدَّادِ فِي العِلْمِ»؛ لِيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إِلَى «إِسْقَاطِ كِبَارِ أَهْلِ العِلمِ» وَالْمنهَجِ السَّلفِيِّ ، وَإيصَالِ شَيْخِهم إِلَى مَرتَبَةِ الإمَامَةِ بِغَيْرِ مُنَازِعٍ"([65])، وَيُضْـرَبُ لِلوَضِيعِ يَأتي أَمْرًا فَيَتَّبِعُهُ أَقْرَانُه :«بَالَ حِمَارٌ فَاسْتَبَالَ أَحْـمِرَةً»([66]).
    قَالَ الألبَانِيُّ(ت:1420هـ):"مُشْكِلَةُ الشَّبَابِ اليَوم كَـمَا يقال«عَصَا تَجْمَعُهُم ، وَعَصَا تُفَرِّقُهُم»، لَا يَعرِفُونَ أَهلَ العِلمِ ، فَكُلّ مَن تَكَلَّم ، وَتَفَاصَحَ فَهُو يُصْغِى إِلَيهِ، وَيُسمَعُ لَهُ ، هَذَا خَطَأ ، وَمِنْ هُنَا تَأتِي البَلْبَلةُ وَالقَلْقَلَةُ ... فأنا جَالِسٌ ، وَحَوْلنَا كَهَذَا العَدَدِ أَو أكثَرَ ، فَإذَا بِهَذَا- الْمعَتَزليِّ - يَقُومُ ... يُنْكِرُ عَلَيَّ ، وَمَا عِنْدَهُ إِلَّا الصَّيَاحُ ... تَكَلَّمْتُ مَعَهُ .... بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ اِتَّصَّــــلَ ... فَقُلْتُ لَهُ لَيْسَ عِنْدِي اسْتِعْدَادٌ ... تَتْرُكْ الصِّيَاحَ، وَإلَّا أَنَا أُسَـمِّيك «بِأَبي صِيَاح»؛ لِأَنَّ «البَحْثَ العِلْمِيُّ لَا يَقْبَلُ الصِّيَاحَ ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى هُدُوءٍ وَأنَاةٍ » ... وَصَـارَ لِقَاءٌ عِندِي ... لَكِـنّ قُلِبَتِ الْجَلْسَةُ إِلَى جَلْسَةِ صِيَاحٍ... لِذَلِكَ نَحْنُ نَنْصَحُ الشَّبَابَ ... بِأَنَّهُ «لَيْسَ كُلّ مَا صَاحَ صَائِحٌ ... فَنَسْمَعُ لَهُ» ... يُعْجِبُني أَحْيَانًا تَشَدُّدَ بَعْضِ السَّلَفِ فِي نَهْيِهِم عَنْ مُجَالِسَةِ أَهْلِ البِدَع ؛ حَتَّى كَانُوا يَخْشَونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَهَذَا مِنَ العَجَائِبِ ... هَؤُلَاءِ لَا يَجُـوز الإصْغَاءُ لَهُم ، وَإنَّمَا يُقَالُ لَهُم يُوجَدُ هُنَاكَ عُلَمَاءٌ وَطَلَبَةُ عِلمِ تَقْدِرُ أَن تَتَفَاهَمَ مَعَهُم ... "اهـ([67]). قُلتُ : ومَا أكثَرَ «الصَّائِـحِينَ» ! وَمَا أَغبَى هَؤلَاءِ الشَّبَابِ «الْمَدَّاحِينَ» ! وَما أصَدقَ القائل! :
    تَرَى نَـهِيقَ الْحِمَار يُطرِبُـهُمْ ********* ويُنكِـرُونَ الْجَوَادَ إن صَهَلَا([68]).

    فَلَا عَجَبَ أنْ تُصْدَمَ بِنَحْوِ هَذِه الفُسَيْفِسَاءِ من الأحَاسِيسِ وَالْمَشَاعرِ :"«جَزاكَ اللهُ خَيرًا شَيْخَنَا عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُحَبَّرةِ الْمُحَرَّرَةِ»،«أَمْتعتَنَا بِهَذَا التَّحْرِيرِ وَالأُسلُوبِ الأَخَّاذِ- شَيخُ خالِدُ- وَالفَوائِدِ النَّفِيسَةِ وَحُسُنِ الرَّأيِ وَالتَّنْظِيرِ»،« وَأَيم اللهِ لَقَد طَوَّفْتَ بِنَا فِي الفِقهِ وَالأُصُولِ وَالعَقِيـدَةِ وَالْمَنْهَج وَالوَعْــظِ»،« كِتَابَةٌ قَيِّمَةٌ نَافِعَةٌ ، وَتَأْصِيلٌ قَوِيٌّ مَتِينٌ ، لَا يَجْرؤُ الثُّلَاثِيُّ عَلَى الإِتيَان بِمثِلِهِ، وَدُونَ ذَلِكَ خَرْطُ القَتَادِ»،« لَقَدْ أَعْطَيْتَ فَرْكُوس وَزَبَانِيَّتَهُ دَرْسًا عِلمِيًّا ، وَتَحْقِيقًا دَقِيــــقًا فِي هَذِهِ الْمَسألَةِ الَّتِي رَكِبُوهَا، وَجَعَلُوهَا مَطِيَّةً لِلظُّلمِ وَالبَغٍيِ »،«مَقَالٌ كُتُبِ بِلُغَةِ العِلمِ وَالأَدَبِ ، تَأصِيــــلٌ وَتَمثِيلٌ وَمُحَاجَّةٌ ، وَإِبْطَالُ كُلِّ ذَلِكَ بِأُسْلُوبٍ سَلِسٍ ، وَعِلْمِيٍّ ، لَا قِبَل لِذَلِكَ الْمَجْهُولِ وَشِيعَتِهِ بِالرّدِّ عَلَيْهِ»، «فِي هَذَا الرَّدِّ نُكْهَةٌ خَاصَّةٌ ، وَهِيَ إِفَادَاتُ الشَّيْخ خالدٍ فِي مَسَائِلَ أُصُولِيَّةٍ رَسَبَ فِيهَا الدّكتُورُ، مِمَّا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً أَنَّ وَصْفَهُم لَهُ بِالعَلَّامَةِ الأُصُولِيُّ غُلُوٌّ فَاحِشٍ»، وَقَالَ العَابِطُ محمَّدٌ مُرَابِطُ:" جَزَاكَ اللهَ خَيْرًا - شَيْخُ خالدُ - عَلَى الدَّرسِ العِلمِيِّ التَّأصِيليِّ لِهَؤُلَاءِ الأَقْزَامِ ، لَقَدْ عَـجَزَ الدّكتُورُ ، وَعَجَزَت كَتِيبَةُ الدِّفَاعِ الأُولَى (جُمعَةُ ، جَلوَاحُ ، عِلجَت ، يَطُّو ، بُوسنَّة) عَنْ مُوَاجَـهَةِ الرِّجَالِ بِالعِلمِ وَالْحُجَّةُ ، وَهِي - إِنْ شَاءَ الله - قَرِينَةُ خَيْرٍ عَلَى قُربِ انتِـهَاءِ هَذِهِ الفِتنَةِ "اهـ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَجيدِ تَالِي :"مَا حَبَّرَهُ أَخُونَا الشَّيْخُ خَالِدٌ حَمُّودَةُ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ عَيْنُ لِسَانِ العِلمِ، الَّذِي يُصَوِّرُ القَضِيَّةَ تَصْويرًا شَرْعِيًّا عِلمِيًّا ، وَيُنَاقِشُ ... فِي إِطَارِ مَوَازِيـنِ العِلمِ وَأَهلِهِ ، أُسْلُوبٌ يَجْعَلَكَ تَسْتَحِضرُ الصُّـورَةَ العِلمِيَّةَ لِلمَسْألَةِ ، وَتَتَصَّوَرُهَا ، وَيُجَلِّي فِي الْمُقَابِلِ الزَّخَمَ الَّذِي لَا يُسْمِنُ ، وَلَا يُغنِي عَنهَا ، مَعَ كَشْفِهِ عَنْ أُسْلُوبِ أَهْلِ العِلمِ وَمَنْهَجِهِم فِي التَّعَامُل مَع الأحداثِ "اهـ([69]).
    قُلتُ: قَالَ شُيُوخُ الْمَجَلَّةِ :"أَضْـحَى النَّكِرَةُ مُعَلِّمًا مُوَجّهًا ، وَبَاتَ الغَمْرُ نَاقِدًا نَاصِحًا ، نَاهِيكَ عَن الفَتَاوِي الشَّاذِةِ، وَالآرَاءِ الغَرِيبَةِ، وَالتَّصَوُّرَاتِ البَاطِلَةِ، وَالنّقَاشِ العَقِيم ، مَعَ سُوءِ أَدَبٍ ، وَتَطَاوُلٍ وَتَجَرُّؤٍ ، وَافتِئَاتٍ عَلَى أَهْلِ العِلمِ الكِبَارِ ، وَالإِعْجَابِ بِالرَّأيِ ، وَحُسْنِ الظَنِّ بِالنَّفسِ ، وَالاِغْتِرَارِ وَعَدَم الْمُبَالاَةِ بِالعَوَاقِبِ وَالْمَآلاتِ، مِمَّا أَفَرَزَ ضَلاَلَةً كَبِيرَةً، وَهِيَ :«تَحْقِيرُ العُلَمَاءِ الكِبَارِ ، وَتَعْظِيمِ الأَدْعِيَاءِ الصِّغَارِ» "اهـ([70]).
    وَقَالَ الْمَاوَرْدي(ت:45هـ):"لِلْإِعْجَابِ أَسْبَابٌ : فَمِنْ أَقْوَى أَسْبَابِهِ :« كَثْرَةُ مَدِيـحِ الْمُتَقَرِّبِينَ» ... وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ بِالْمَدْحِ يُسْرِفُ مَعَ الْقَبُولِ ، وَيَكُفُّ مَعَ الْإِبَاءِ "اهـ([71])، لَكنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ لَم ينْهَ مَدَّاحًا، فَظَهَرَ «العُجْبُ» مُتَلَأْلِئًا في قَالِهِ هُنَا وهنَاكَ ، وَمُعْرِبًا عَنْ تَأَثُّرِه بِالْمَدْحِ الكَاذِبِ ، وفَرَحِهِ به ،"وَمِنْ خِصَالِ الأَحْمَقِ :«فَرَحُهُ بِالكَذِبِ مِنْ مَدْحِهِ» وَتَأَثُّرُهِ بِتَعْظِيـمِه، وَإنْ كَانَ غَيرَ مُسْتَحِّقٍ لِذَلِك "([72])، وَأَصْلُ الكَذِب استِعَذَابُ الْمُنَى ، وَهُو «أَضْغَاثُ فِكرِ الْحَمْقَى»([73]).
    والعُجْبُ: فَضْلَةٌ من الْحُمْقِ([74])، قال ابنُ حَجَــرُ الهَيْتَمي(ت: 974هـ):"قَدْ يَنْتَهِي الْحُمْقُ وَالْغَبَاوَةُ بِبَعْضِ الْعِبَادِ إلَى أَنَّهُ إذَا أُوذِيَ يَتَوَعَّدُ مُؤْذِيهُ ، وَيَقُولُ : سَتَرَوْنَ مَا يَحِلُّ بِهِ"اهـ([75])، مِنْ مِثْلِ قَـوْلِ أَبِي الْحُمْرَةِ :"وَلَا أَزَالُ إِلَى الآنَ مُمْسِكًا قَلمي عَن الدّكتُورِ، رَاجِيًا أَنْ يَجْعَلَ اللهُ لَنَا فَرَجًا مِن هَذِهِ الفِتنَةِ ، مَعَ أَنَّ عِنْدِي مَقَالَاتٍ مَكتُوبَةً وَمُحَرَّرَةً مُنذُ مُدَّةٍ ، فَهَلْ أَنتُم مُنْتَهُون ؟!"اهـ([76]).

    قُلتُ :"خَيْرُ مَا فِي «اللَّئِيمِ» أَنْ يَكُفَّ عَنْك شَرَّهُ"([77])، قَالَ ابنُ حِبَّانِ(ت:354هـ):"الوَاجِبُ عَلَى العَاقِلِ أَن يُعَوِّدَ نَفْسَهُ لُزُومَ الْحَيَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَإنَّ مِنْ أَعْظَم بَركَتِهِ تعْويدَ النَّفسِ رُكُوبَ الْخِصَال الْمَحمُودَةِ ، وَمُجَانَبَتُهَا الْخِلَالَ الْمَذْمُومَةَ ... لأَنَّ ابْنَ آدَمَ مَطْبُوعٌ عَلَى الكَرَمِ وَاللُّؤْمِ مَعًا فِي الْمُعَامَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَالعِشْرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَإذَا قَوِيَ حَيَاؤُهُ قَوِيَ كَرَمُهُ ، وَضَعُفَ لُؤْمُهُ، وَإذَا وَإذَا ضَعُفَ حَيَاؤُهُ قَوِيَ لُؤمُهُ ، وَضَعُفَ كَرمُهُ "اهـ([78]).
    وَلقَدْ وَقَّعَ أَبُو الْحُمْرةِ - في مَطْلَعِ هَذِه الأَحْدَاثِ الْجَاريَّة - مَعَ أَخْدَانِه قَائِلِينَ:"الْمَشَايِـخُ وَطَلَبَةُ العِلْمِ لَـم يَطْعَنُوا فِي الشَّيْخِ الدُّكتُورِ مُحَمَّدٍ عَليٍّ فَركُــوسٍ - وَفَّقَه الله -، فَهُم يَعرِفُونَ مُنذُ القَدِيـم مَنْزِلَتَهُ وَمَكَانَتَهُ "اهـ([79])؟! فَلِمَاذَا يُطْعَنُ فِيهِ اليَومَ طَعْنًا ؟! قَالَ العلاَّمَةُ عَبد الرَّزَّاقُ البَدر:"مِن عَلاَمَاتِ أَهلِ الأَهْوَاءِ :الوَقيِعَةُ فِي أَهلِ الْحَدِيثِ وَالأَثَر، وَهَذَا مِن أَعظَمِ العُقُوقِ، وَ«أَشَدِّ اللُّؤمِ»، إِذْ أَهْلُ الْحَدِيثِ لَم يَأتِ مِنهُم إِلاَّ الأَيَادِي البَيضَاءُ ، وَالْجَمِيلُ ، وَالإحسَانُ "اهـ([80])، وَقَال الشَّاعِر :
    إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ******** وَإِن أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا([81])
    إنَّ ذَا اللُّؤْمِ إذَا أكْرَمْتَهُ ********* حَسِبَ الإكْرَامَ حَقًّا لَزِمَكَ([82])

    وَلقَدْ وَقَّعَ أَبُو الْحُمْــرةِ قَبْلَ الأحْدَاثِ قَائِلًا: "فَقَدْ كَتَب ... (مِيلُود البَاتْنِي) رِسَالةً فِي التَّعْقِيبِ عَلَى الشَّيخِ الكَبِير ، والعَلَمِ الْمُستَنِيرِ ، أَبي عَبْدِ الْمُعَزِّ مُحمَّدٍ عَلِيٍّ فَركُوسٍ ... رَعَى اللهُ عَزِيزَ أنفَاسِهِ بِكَرِيم أَلْطَافِه، قَد صَارَ مِحْنةً يَتَميَّز بِهَا السُّنِّي الصَّادِق مِنَ الْمُبتَدِعِ الغَارِقِ ، كَمَا أنَّهُ لِمَا حَبَاهُ اللهُ مِنَ القَبُولِ في مَشَارِقِ البِلَادِ وَمَغَارِبِهَا ، وَسَيْرُورَةِ فَتَاوِيهِ فِيهِم مَسِيرَةَ الشَّمس فِي مَضَارِبِهَا ، صَارَ كلُّ مَنْ رَامَ الذِّكْـرَ وِالاِشتِـهَارَ يُعْلِنُ بِالوَقِيعَةِ فِيهِ ، وَمِنْ مِنَّة اللهِ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ أَلْهَمَهُ الإِعْرَاضَ عَنهُم ؛ لِيَمُوتُوا بِدَاءِ الكَمَدِ ، الَّذي شَوَى أكبَادَهُم ، فَهَذَا الهَالِكُ شَمسُ الدِّين البُورُوبِيُّ ... وِمِثْلُهُ البُوقُ الْمُستَأجَرُ عَبْدُ الفتَّاح حَمْدَاشٌ ... وهَكَذَا الفَاجِرُ البَذيءُ عَبْدُ القُدُّوسِ منَاصرَةٌ ... كَذَلِكَ فَرْخُ الْحَدَّادِيَّة الآخَرُ يُوسُفُ العنَّابِيُّ ... وَقَدِ التَحَقَ بِالرَّكْب آخِرًا عَبدُ الْحَمِيــــدِ العَرَبِيّ "اهـ ([83]).
    ثُمَّ رَكِبَ
    أَبُو الْحُمْرَةِ حِـمَارَ الدَّاءِ([84])؛ "لِيُعْلنَ الرَّكْضَ فِي مَيْدَانِ الْخَسَارَة"([85])وَالأَعْدَاءِ ، وَيُنَافِسَ بِحِمَارِهِ أَحـْمِرَةَ الكَذَبَةِ الْحَمْقَى اللّؤمَاءِ البُلَدَاء ، حتَّى صَـاحَ مُفتَخِرًا بالاِعِتِدَاء ، وَلاحَ مُعْتزا به في هَذَا النِّدَاءِ :"ابْتِلينَا بِرَجُل ممَّن يَصْدُقُ عَليهِ أَنَّهُ نِصْفُ فَقِيهٍ، وَلَعَلَّهُ دُونَ النِّصْفِ ؛ فَتَصَدَّرَ لِلكَلَامِ فِي النَّوَازِلِ الكَبَارِ مُنفَردًا بِرَأيِهِ وَنَظَرِهِ ، وَبِضَاعتُهُ تَصَــوُّرٌ فَاسِدٌ ، وَنَظَرٌ قَاصِرٌ ، وَأُصُولٌ مَخْلُوطَةٌ فَلِذَلِكَ تَخرُجُ مِنهُ مِثلُ هَذِهِ الفَتاوِي الغَرِيبَةُ ، وَالأَقْوَالُ الْمُنكَرَةُ "اهـ([86]).
    قُلتُ : لِمَاذَا نَسخَ أَبُو الْحُمْرَةِ ثَناءَه السَّالفِ اليوم؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ(ت:450هـ):"اعْلَمْ أَنَّ الْكَرِيمَ يُجْتَدَى بِالْكَرَامَةِ وَاللُّطْفِ ، وَاللَّئِيمُ يَـجْتَدِي بِالْمَهَانَةِ وَالْعُنْفِ ، فَلَا يَجُودُ إلَّا خَوْفًا ، وَلَا يُجِيبُ إلَّا عُنْفًا ، كَـمَا قَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
    رَأَيْتُك مِثْلَ الْجَوْزِ يَمْنَعُ لُبَّهُ ******* صَـحِيحًا وَيُعْطِي خَيْرَهُ حِينَ يُكْسَرُ "اهـ([87])

    وَيُنشَدُ فِيـمَن يُحسِنُ إِلَيكَ خَوْفًا ، لَا كَرَامَةً :
    فَلَو لَبِس «الْحِمَارُ» ثِيَابَ خَزّ ******* لقَالَ النَّاسُ: يَا لَكَ مِنِ «حِـمَارِ»([88])


    فَالكَرِيمُ يَصْبِرُ اختيَارًا ، وَاللَّئِيمُ يَصْبِرُ اضْطِرَارًا([89])، كَـمَا أَنَّ «الْحِمَارَ البَلِيــــدَ » لَا يَخِفُّ رَاكِبُه إِلَّا بِالعَصَا، فَكَذَلِكَ الْجَاهِلُ لَا يَقْبَلُ الأَدَبَ إِلَّا مِنْ حَذَرِ الضَّرْبِ([90])، وَيَقالُ «أَصْبَرُ مِنْ حِمَارِ»([91]).
    فَعِنْدَمَا ذَهَبَ زَمَنُ الْخَوْفِ قَاءَ اللَّئيمُ أَبُو الْحُمْرةِ مَا في الْجَوفِ ، فقَالَ مُطْمَئِنًا :"جُمعَةُ رَجلٌ مَاكِرٌ جِـدًّا ، مِن مَكَائِدِهِ([92])أَنَّهُ بْدَا يْنَفَخْلْهُم فِي الشَّيْخِ فَرْكُوسٍ ، مُفْتِي الْمَغْرِبِ الإسْلاَمِيِّ ... وِإلاَّ قَبْلَ سَنَوَاتٍ فَقَط هُنَاكَ أَفْرَادٌ مِنَ الإِخْوَةِ يَعْتَقْدوا فِيهِ أَنَّه عِالِمٌ ، عَامَّةُ الإِخـوْةِ كَانُوا يَعْتَقْدُوا أَنَّهُ شَيْخٌ مِنَ الْمَشَايِخ أَو كَبِير الْمَشَايِخ ... لَكِنّ لَمَّا جَاتْ الفِتنَةُ فَجْأَةً وَلَّى عَلَّامَةً ، عَالَمَ الْمَغْرِبِ الإسْلاَمِيّ ... الشَّيْخُ كَغَيْرِهِ مِن الْمَشَايِـخِ ، كَسَائِر الدَّكَاتِرَةِ الأَكَادِمِيِّينَ ... بَصَّـحْ مَا تَرْفْعُوهْشْ إِلَى مَرَاتِبِ العُلَمَاءِ ، وَإلى مَصَافِّ العُلَمَاءِ "اهـ([93]).
    قَالَ الْجَاحِظُ(ت:255 هـ):"إذا رَأَيتَهُ يَعُقُّ أَبَاهُ ، وَيَـحْسُــدُ أَخَاهُ ، وَيَظْلِمُ الضَّعِيفَ ، وَيَسْتَخِفُّ بِالأَدِيبِ، فَلاَ تُبْعِدْهُ مِنَ الْخِيَانَةِ، إِذْ كَانَتِ «الْخِيَانَةُ» لُؤْمًا، وَلاَ مِنَ «الكَذِبِ»، إِذْ كَانَ الكَذِبُ لُؤْمًا "اهـ([94]). وَلقد تَضَمَّنَ تَهْرِيجُ أَبِي الْحُمْرةِ السَّابِقِ خَمسَ كِذباتٍ في أَقَلِّ مِن40 ثانيةً :
    لَبَعْضُ جِيفَةِ كَلْبٍ خَيْرُ رَائَحَةٍ ******* مِنْ كِذْبَةِ الْمَرْءِ في جِدٍّ وفي لعِبِ([95])

    الكِذْبَةُ (01): قَولهُ :"جُـمعَةُ رَجُلٌ مَاكِرٌ جِدًّا ، مِن مَكَائِدِهِ أَنَّهُ بْدَا يْنَفَخْلْهُم فِي الشَّيْخِ "اهـ، فَهَلِ الْمَكرُ وَالكَيد أم الشَّيخُ جُمَعةَ أَجَبرَ أَبا الْحُمْرةِ عَلى قَوْلِه :"الشَّيخِ الكَبِيرِ، والعَلَمِ الْمُستَنِيرِ ... قَد صَارَ محْنةً يَتَميَّز بِهَا السُّنِّي الصَّادِق مِنَ الْمُبتَدِعِ الغَارِقِ ... الِخ "اهـ، فَنعوذ باللهِ منَ التَّنَاقُضِ .
    الكِـذْبَةُ (02) : قَولُهُ :"قَبْلَ سَنَوَاتٍ فَقَط هُنَاكَ أَفْرَادٌ مِنَ الإِخْوَةِ يَعْتَقْدوا فِيهِ أَنَّه عِالِمٌ ، عَامَّةُ الإِخوْةِ كَانُوا يَعْتَقْدُوا أَنَّهُ شَيْخ ..."اهـ، فَاعَتَبَرَ أَبَو الْحُمْرةِ نَفسَهُ كَأنَّهُ مِنْ أَهْلِ الاِستقرَاءِ التَّامِ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِ ، فَسَبَر أَحْوَالهُم ، وَاستَقْرَأ أَقوَالَهُم ؛ فَخَرَجَ بِهذه النَّتِيجَةِ([96])، إلَّا أنْ يكُونَ الإِخْوَةُ - عَلَى مِيزَانِهِ- تَصلِهُ مَوَاقِفُهُم وَهُوَ في بيتِهِ ، بلْ عَلَى فِرَاشِهِ بِواسطَةِ الوَسَائِلِ الْحَدِيثَةِ([97]) وَحينئذٍ فَليَذْكُر لَنَا عَدَدَ الإخْوةِ في الْجَزَائِر ولوْ تَقْريبًا .
    الكِـذْبَةُ (03): قَولُهُ :" قَبْلَ سَنَوَاتٍ فَقَط هُنَاكَ أَفْرَادٌ مِنَ الإِخْوَةِ يَعْتَقْدوا فِيهِ أَنَّه عِالِمٌ"اهـ، وَمنَ الإخْوَةِ بِميزانِ أَبِي الْحُمرة :العَلاَّمةُ رَبيعٌ ؛ لأنَّهُ قَبْل عَشَرِ سَنَوَاتٍ فَقَط قَالَ:"عُلَمَاءُ الْجَزَائِرِ وَعَلَى رَأْسِهِم :الشَّيْـخُ محَمَّدٌ عَلِيٌّ فَركُــوسٌ "اهـ([98])، فَإنْ كَان أَبَو الْحُمْرةِ يَقْصِدُ بِالسّنَوَاتِ ذلك الزَّمَنَ العَمِيقَ فَإنَّ شَيْخَنَا حَقَّقَ «تَقْرِيبَ الوُصُولِ» فِي: 1409ه، الْموافق لِعَام: 1988م ، أي : أنَّ أَبَا الْحُمْرةِ بَلغَ السَّادِسَةَ ، أَو قريبًا([99]).
    الكِـذْبَةُ (04) : قَولُهُ :"لَمَّا جَاتْ الفِتنَةُ فَجْأَةً وَلّى عَلَّامَةً "اهـ؛ لأَنَّ قُبَيْلَهَا بِبضْعِ أشهُر- في جُمَادى الآخرة 1438هـ- قَال العَلّامةُ محْيِ الدِّينِ :"حَمَلَ هَذَا العِلمَ العُلَمَاءُ الرَّبَانِيُّونَ ... وَفي كُلِّ مَكَانٍ يُنْشِئُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَ- مِن ذَلِكَ ، وَمِنْ جُـمْلَةِ مَا أَنشَأَ ، وَعَرَفْنَا فِي بِلاَدِ الْجَزَائِرِ الْمُبَارَكَةِ بِلاَدِ الْمُجَاهِدِينِ : الشَّيْخُ محَمَّدٌ فَرْكُوسٌ "اهـ([100])، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ شَيْخَنا مِنَ الرَّبَانِيِّينَ ،"وَالرَّبَّانِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا زِيَادَةَ عَلَى فَضْلِهِ لِفَاضِلٍ ، وَلَا مَنْزِلَةَ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ لِمُجْتَهِدٍ، وَقَدْ دَخَلَ فِي الْوَصْفِ لَهُ بِأَنَّهُ رَبَّانِيٌّ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعِلْمُ لِأَهْلِهِ وَيَمْنَعُ وَصْفَهُ بِمَا خَالَفَهَا وَمَعْنَى الرَّبَّانِيِّ فِي اللُّغَةِ : الرَّفِيعُ الدَّرَجَةِ فِي الْعِلْمِ، الْعَالِي الْمَنْزِلَةِ فِيهِ ، وَعَلَى ذَلِكَ حَـمَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾،﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ([101]).
    الكِـذْبَةُ(05) : في قَـوْلِهِ :"بَصَّحْ مَا تَرْفْعُوهْشْ إِلَى مَرَاتِبِ العُلَمَاءِ "اهـ؛ لأَنَّ الَّذِينَ رَفَعُوا الشَّيخَ فركُوسًا عُلَمَاء أكابِرُ، ولَيسَ أَحِبَّته ، كَمَا تَقَدَّمَ في الْحَلْقَةِ الأُولَى، بَلْ قَبْلَ شَهْرٍ فَقَطْ قَال العَلَّامَةُ مُحيِ الدٍّينِ :"الآن يُريدُونَ «إِسقَاطَ الشَّيخِ فَركُوسٍ»، طَالِبٌ «عَرفَنَاهُ» فِي الْجَامِعَةِ ، مِنْ خِيرَةِ الطُّلَّابِ ، وَمَا شَاءَ اللهُ ، فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَمَشَى ، الآنَ الصُّوفِيَّةُ وَالْحِزبِيَّةُ وَالشِّيعَةُ وَالرَّافِضَـةُ في الْجزائر، كُلُّهُم قَائِمُونَ عَلَى الشَّيخ فَركُوسٍ ، لِمَاذَا؟! لأَنَّهُ - مَا شَاءَ اللهُ- يَنشُرُ العِلمَ بِإحسَانٍ وَأَدَبٍ ، وَادْخلُوا فِي الْمَوْقِعِ ، وَشُوفُوا فَركُوس إيش هُوَ؟ «عَالِمٌ مِن عُلمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، أَثنَى عَلَيْهِ العُلمَاءُ» اهـ([102]).
    فَتَضَمَّنَت كَذِبُةُ أَبِي الْحُمْرَةِ دَعْوَةً إلى تَهْميشِ تَزْكِيَّاتِ العُلَمَاءِ ، وَالاِلتفَاتِ إلى أَمِثَالِهِ الْخُنفشاريِّين الكَذبةِ الأغْبِيَاءِ ، لَكنَّ لِسانَ حَالِ العَاقِلِ يقولُ :
    وَلَا أكُونُ كَـمَنْ ألْقَى رحالَتَهُ ***** عَلَى «الْحِمَارِ» وَخَلَّى صَهْوَةَ الفَرَس([103])

    وَقَد سُئِلَ العَلَّامَةُ محيِ الدِّين عَن أَخْطَاءِ الشّيخِ فَركُوسٍ، فَأَجَابَ قَائلاً :"حَتىَّ لَو اطَّلَعَتُ عَلَيهَا أَسأَلُ اللهَ أَن يَغفرَ لَنَا وَلَهُ ، يُنصَحُ لَهُ ، وَيُبَيَّنُ لَهُ بِالرِّفقِ ، وَلَيسَ بِالتَّشنِيعِ، وَهُوَ وَالْحَمدُ لله مِنَ الِإخوَةِ السَّلَفِيِينَ الفُضَلاَءِ وَمِن خِيَارِ العُلَمَاءِ ، وَالْحَمدُ لله لَهُ جُهدٌ فِي مُحَارَبَةِ الصُّوفِيَّةِ ، وَأَربَابِ البِدَعِ ، فَلاَ يُشَنَّعُ عَلَيهِ بِهَذِهِ الأَخطَاءِ ، وَإن شَاءَ الله لاَ تُخرِجُهُ مِنَ السَّلَفِيَّةِ ، وَلَكِنّ الطُّلاَبَ الصِّغَارَ - هَدانَا الله وَإيَّاهُم - يُنَفِّرُونَ عَن هَذِهِ الأَخطَاءِ ، وَيُكَبِّرُونَهَا ، وَأَظُنُّهم بَهَالِيلَ ، «فَهمُهُم رَدِيءٌ»، وَقَد يَكُونُ بَينَهم أرَبُابُ فِتَنٍ ، يُرِيدُونَ تَفرِيقَ السَّلِفِيِينَ ، وَضَربَ بَعضِهِم بِبَعض ، لِذَا يَا مُحِبُّ ابتَعِد عَن مِثلِ هَذِهِ الْمُهَاتَرَاتِ ، وَاشتَغَل بِالعَلمِ خَيرًا لَكَ "اهـ([104]).
    وَإنَّ «زَلَّةَ العَالِم يُضْرَبُ بِـهَا الطَّبْلُ ، وزَلَّةَ الْجَاهِلِ يُخْفِيـهَا الْجَهْل»([105])، لأَنَّ الْمُتَعَالِمِينَ «زِيادَةٌ» عَلَى أَنْصَبَاءٍ أَهِلِ العِلم ، كَواوَ عمْرٍو ، وَنُونِ الإلْحاقِ([106])، وَالْمُتَطَاوِلَ - كَبَتَ اللهُ بَاطِلَهُ - يَسِلُّ لِسَانَهُ عَلى العِبَادِ ؛ فيَتَّقِيهِ الْمُؤمِنُونَ ، وَيَتَرَفَّعُونَ عَنْ مُنَازَلَتِهِ([107])، تَـهميشًا ، أَيْ:"«يُتْرِكَ جَوْفَ حِمَارِ» ؛ لأَنَّ جَوْفَه لَا يُنتَفَعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ([108])، قَالَ بَكْـرٌ أَبو زَيدٍ(ت:1429هـ):"مَا لَنَا وَلِهَؤُلَاءِ ؟! شَغَلونَا بـ «رَخِيصِ عِلمـهم»؟! إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِـرُ "اهـ([109])، وَقَالَ أبوَ الْحُمْـــرةِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ:"مَا لِلحَدَّادِيَّةِ - أَصْحَابِ العُقُولِ الْمُغَلَّفَةِ - وَهَذَا الكَلاَمُ ؟! فَإنَّمَا هَمُّ الوَاحِدُ مِنْهُم الطَّعْنُ ... لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ بِدعَوَى نُصْرَةِ الْحَقِّ ... لَكنّ أَعْوَزَنَا مَنْ يَـحِلُّ مَحَلَّ فَرْكُـوسٍ "اهـ([110]).
    وَالْحَدَّادِيَّةُ حِزْبٌ لَئِيمٌ([111])، وَمِن عَلَامَاتِ اللَّئِيمِ الْمُخَادِع أَن يَكُون مُتَوَسِّعًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ([112])، فَلا يُسْتَغربُ أَنْ يَتَوَسَّعَ أَبُو الْحُمْرةِ إِلَى النَّوَازِلِ؛ حَيْثُ اِستَدرَكَ عَلَى فَتَوْى شَيْخِنَا فَرْكُوسٍ فِي ذَلِكَ الْمُتَحَوَلِّ جِنْسِيًّا ، هَل يُصَلِّي مع الرِّجَالِ أم مَعَ النِّساء؟ وَمِنْ تُرّهَاتِ اسْتِدْرَاكَاتِهِ :" الشَّرعُ حَكَمَ بِأَنَّ الْخَمَرَ إِذَا خُلِّلَتْ لَم تَصِرْ بِذَلِكَ مُبَاحةً "اهـ([113]).
    فَأَوهَمَ أَبُو الْحُمْرةِ القَارِئَ بِأَنَّ مَن صَيَّرها مُبَاحَةً فَقَد خَالَفَ الشَّرْعَ ، وَكَأنَّ أَبَا الْحُمْرةِ اِسْتَقْرَأَ كُلَّ مَذَاهِبَ الفُقَهَاءِ سَلفًا وَخَلفًا، لَكنَّ "ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالرَّاجِحَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهَا، وَيَكُونُ التَّخْلِيلُ جَائِزًا أَيْضًا، لأِنَّهُ إِصْلاَحٌ، وَالإِصْلاَحُ مُبَاحٌ ، قِيَاسًا عَلَى دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ "([114])، وَاسْتَثْنَى بَعْضُ العُلمَاءِ خَمْرَةَ الْخَلاَّل ، وَقَالَ: إِنَّهُ يجُوزُ تَخليلُها ؛ لأَنَّ هَذِهِ هِي كلُّ مَالِهِ ، فَإِذَا مَنَعنَاهُ مِنِ التَّخْلِيلِ أَفْسَدنَا عَلَيْهِ مَالَهُ([115]).
    فَالصَّحِيحُ أَنْ يَقُولَ :"لَم تَصِرْ بِذَلِكَ مُبَاحةً عَلَى الرَّاجحِ"اهـ، بَلِ اللَّازِمُ ابتِدَاءً أَنْ يرفَعَ تِلْكَ النَّازِلَةَ إلَى العُلَمَاءِ أو شُيُوخِهِ عَلَى الأَقَلِّ ، لَكنَّه أَبَى إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيهِم؛ وَ"يُنْبئَ عَمّا فِي نَفْسيَتهِ مِنَ الغُرُورِ ، وَالتَّطَاوُّلِ ، وَالإعْجَابِ بِالنَّفْس"([116])والرَّأيِ بِتِلكَ التُّرُّهَاتِ ، فَهَيْـهَاتَ هَيْـهَاتَ ، قَالَ ابن السَّلْمَانِ (ت:1422هـ):"وَقَلَّمَا تَـجِدُ مُعْجَبًا بِعِلْمِــــهِ شَامِخًا بِأَنْفِهِ إِلَّا وَهُوَ :«قَلِيلُ الْعِلْمِ»، «ضَعِيفُ الْعَقْلِ»؛ لأَنَّهُ يَجْهَلُ قَـدْرَهُ ، وَيَحْسِبُ أَنَّهُ نَالَ مِنْهُ أَكْثَرَهُ "اهـ([117])، وَمِنْ مَعِيـن تَـجْربِتِه قَوْلُهُ :"لَـوْ تَتَبَّعْتَ أَكْثَرَ الْمَشَاكِلِ وَالْمُنَازَعَاتِ وَالْمُخَاصَـمَاتِ وَالْمُجَادَلاتِ لَوجَدْتَ سَبَبَـها الْوَحِيدَ «التَّدَخُلَ فِيـمَا لا يَعْنِي»"اهـ([118]).
    ومن ذَلِكَ : «رَمْزِيَّةُ العَلَم» الَّتِي سَوَّدَهَا أَبُو الْحُمْرةِ في صَفَحَاتٍ عَشْرٍ ، اِستَعْرَضَ فِيهَا عَضَلَاتِ غُرُورِهِ ، أمَّا كَلَامُ العُلَمَاء فَمَا اسْتَجْلَبَ مِنْهُ - فِيـمَا أذكُرُ- إلَّا تَعْلِيقًا يَسِيرًا لابنِ حـجَرٍ، وَجوابًا مُقْتَضَبًا لابْنِ بازٍ، قَالَ ابنُ عثَيْمين (ت:1421هـ):"أَرَادَ- أي: البَهُوتِيّ- أَن يَبْدَأَ بِالإجمَاعِ ... لأَنَّ الإجْـمَاعَ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ ، بِخِلَافِ النَّصِّ فَالنَّصُّ قَد يَكُونُ فِيهِ مَدْخَلٌ لِمُؤَوِّلٍ ، فَلَا يُوَافِقك مَنِ استَدلَلتَ عَلَيْهِ بِهِ عَلَى مَا استَدلَلتَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَلِكُلٍّ وِجـهَةٌ ، فمَنْ قَالَ : أَبْدَأُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإجْمَاعِ فَلَهُ نَظَرٌ"اهـ ([119]).
    لَكِنَّ أَبَا الْحُمْرةِ في «رَمْزِيَّةِ العَلَم» بَدأَ بِنَفْسِهِ الْمِسْكِينَةِ ؛حَيثُ قَالَ :"اِستَفَتَحَ الكَاتِبُ مَقَالَهُ بِقَوْلِهِ عَنِّي ..."اهـ([120])، ثمَّ ذَبَّ عن نَفْسِهِ ، فقال:" شَيْءٌ قَدْ أَلِفْنَاه مِنْ هَذِهِ الفِئَةِ البَاغِيَّةِ الغَالِيَّة ، الَّتِي طَعَنَتْ مِنَّا فِي كُلِّ شَيٍّءٍ "اهـ، فَصَيَّرَ نَفْسَهُ - عَلَى مَذْهَبِهِ - «مِحْنَةً»؛ حَيْثُ قَال في مَطْلَعِ هَذِه الأَحْدَاثِ الْجَارِيَّةِ :"مِنَ الغَرَائِبِ الَّتي تَكَادُ تَقِفُ عَلَيهَا فِي الرُّدُودِ : أَنْ يَرُدَّ شَـخْصٌ عَلَى آخَــرَ بِأنَّهُ طَعَنَ فِيهِ ؛ فيَجْعَلُ نَفْسَهُ «مِحْنَةً» "اهـ([121])، بَلْ قَبْلَهَا بِقَلِيل قَال :"طَعَنَ فيَّ طَعْنًا شَدِيدًا بِكَلَامٍ قَبِيحٍ ... "اهـ([122])، فَنَعُوذُ بالله مِنَ التَّنَاقُضِ .
    فَمِنْ مَظَاهِرِ الكَذِبِ وَالغَبَاوَةِ : «
    التَّناقُضُ»، "وَلِلحَــدَّادِيِّ فَالِحٍ عَجَائِبِ وَغَرَائِبُ تَدُلُّ عَلَى «غَبَائِه وَجَـهلهِ»، وَمِنْهَا :«التَّنَاقُضُاتُ الغَرِيبَةُ» الَّتِي لَا تَصدُرُ إِلَّا مِنْ أَمثَالِه([123])، كَأَبِي الْحُمْرَةِ ، وَما أكثرَ تنَاقُضَاتِهِ ! ومِنْهَا : قَولهُ :" وَلَيْسَ الغَرَضُ الاِحتجَاجَ لِلعَلَمِ فِي نَفْسِهِ ، فَالأَمْـرُ فِيهِ ظَاهِرٌ ، وَيَكفِي أَنَّهُ كَانَ مَوجُودًا مُنذُ عُقُودٍ ، وَلَم يَتَعَرَّضْ عُلمَاؤُنَا لِلكَلامِ فِيــهِ ، فَيَسَعُنا -بحَمِد اللهِ- مَا وَسِعَهُم وَيَكِفِينَا ما كفاهم "اهـ([124])، ثمَّ مَا وَسِعَهُ إلَّا أن يُخَرْبِشَ :«رَمْزِيَّةَ العَلَم» .

    وَمن تَنَاقُضَاتهِ : قَوله : "إذَا كَانَت هَذِهِ الأَحْكَامُ سَلِفِيَّةً فَمَنْ قَرَّرَهَا منِ العُلمَاءِ الْمُعتَبَرينَ؟ وَأينَ نَجِدُ تَحْرِيمَهم لِلرَّايَاتِ الَّتي تَتَّخِذُهَا الدُّوَل؟ ... لِيَنْقُلُوا عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَولَ شَيْخِهُم هُوَ قَولِ عُلمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ "اهـ([125]).
    قُلْتُ : وَلِمَاذَا لَم يَنْقُلْ أَبُو الْحُمْـــرَةِ عَنـهم مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَيْخَنَا مُخَالفٌ لَهم ؟! وَ كَيفَ يُطَالِبنَا بِذَلِكَ، ثمَّ نَرَاهُ يُثَرْثَرُ بفَهْمِهِ ورَأيِهِ، وَيَتَهَوَّرُ في قَضِيَّةٍ وَصَفَها بِـ «الْخَطِيرَةِ»مُتقَدِّمًا بَينَ يَدي العُلمَاءِ وَشُيُوخِهِ؟! قَال أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِي اللهُ عَنـهُم-:"عَلَامَـةُ الْجَهْلِ ثَلَاثٌ : الْعُجْبُ ، وَكَثْرَةُ الْمَنْطِقِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، وَأَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَيَأْتِيَهُ "اهـ([126])، والْجَهْل هُنَا الْحُمْقُ([127])، وَقَالَ إحْسَانٌ إلَهِي ظَهِيـرٌ(ت:1407هـ):"انظُـرْ التَّنَاقُضَ وَالتَّعَارُضَ وَالتَّخَـالُفَ ، وَهَذَا كُلُّهُ مِن لَوَازِمِ الكَذَّابِ الأَفَّاكِ الْمُفتَرِي، تُنكِرُ شَيْئاً ، ثُمَّ تَأتِيهِ؟! "اهـ([128]).
    وَكَلَامُ الأَحْمَقِ أَقْوَى الأَدِلَّةِ عَلَى حُمقِهِ([129])، فَتأمَّل هَذَا الشَّاهدَ حَيث قَالَ أَبو الْحُمْرَةِ كاذِبًا:"وَلَا يَسَعُهُ، وَلَا يُسْعِفُهُ أَنْ يَسْتَشْهِدَ هُنَا بِآثَارِ السَّلَفِ فِي تَحْدِيثِ العَامّةِ بـ«مَا يَعقِلُونَ»؛ لأَنَّ صَاحِبَهُ جُـمعَةَ أَنكَرَ هَذَا فِي رِسَالَةٍ مَشْهُورَةٍ أَيَّدَهَا الدّكتُور فركُوسٌ ، وَهَذَا الكَاتِبُ، وَكلُّ الْمُفَرِّقِينَ ، وَلَم يُنكِرُوا عَلَى جُمعَةَ مِنْهَا شَيئًا ، قَالَ جُمعَةُ فِي «رِسَالَةِ إِلَى خالدٍ حَـمُّودَةَ ... »: «هَلْ صَارَتِ الدَّعْـوَة السَّلَفِيَّةُ صُوفِيَّةً إِخوَانِيَّةً لَهَا كَلَام فِي العَامِ، وَكَلَامٌ فِي الْخَاص ؟! أَم أَنَّ مَا نَقُولُهُ لِلخَوَاصِ لَا نَقُولُهُ للعَوَامِ «حَتَّى لَا نُفْضَح»؟! "اهـ([130]).
    قُلْتُ : الظَّاهِرُ منْ حُجَّةِ أَبِي الْحُمْرَةِ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ جُمُعَةَ أَرْجَحُ وَأَقْوَى مِنْ آثَارِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عِنْدَ أَتبَاعِهِ ؛ لأَنَّ الشَّيْخَ فَركُوسًا أَيَّدَهُ - فيما يَظْهَرُ- بالسُّكِوتِ ، وَلَم يُنْكِرُوا شَيئًا ، وَهذَا كَذِبٌ وَبَاطِلٌ، قَالَ شَيْخُنَا:"«لاَ يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلُ قَائِلٍ»؛لأنّهُ قَد يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يَلزَمُهُ ، وَهُوَ ذَاهِلٌ عَنْ فَسَادِ اللاَّزِمِ ، وَلَو كَانَ قَريبًا ، لِقُصُورِ عِلم الْمَخْلُوقِ ، وَعَدَمِ عِصْمَتِهِ "اهـ([131])، وَقَال الشَّيخُ
    جُمعة:"«السُّكُوتُ في مَعْرَضِ الْحَاجَةِ بَيَانٌ»؛ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ أَي:إذَا سَكَتَ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الكَلَام فِي مَعْرَضِ كَانَتِ الْحَاجَــــةُ تَقْتَضِي أَن يَتَكَلَّمَ ، فَإِنَّ سُكُوتَهُ يُعتَبَرُ كَالكَلَامِ وَالبَيَانِ ، وَكَانَ دِلَالَةً عَلَى الْمُوَافَقَةِ "اهـ([132]).
    قُلْتُ : وَلَا حَاجَةَ لِلْبَيَانِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّ "اللهَ يَأبَى إِلَّا أَنْ يَفْضَحَ الْمُفتَرِيَ الْكَذَّابَ ، وَيُنْطِقَهُ بِمَا يُبَيِّنُ بَاطِلَهُ([133])؛ حيثُ نَقَلَ أَبُو الْحُمْرَةِ عَنِ الشَّيْخِ جُمُعَةَ العِلَّةَ «لَا نُفْضَـحَ»، بَيْنَمَا العِلَّةُ عِنْدَ السَّلَفِ «مَا يَعْقِلُونَ» فَالفرْقُ وَاضِـحٌ بَينَ العِلَّتَيْنِ ، لَكن لاَ عَجَبَ ؛ لِأَنَّ فَالِحًا "قَد يَسُوقُ كَلَامًا يَرُدُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشعُرُ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ تَعَلُّقُهُ بِالتَّقْلِيدِ البَاطِلِ([134]).
    أمَّا
    سَبَبُ أَبِي الْحُمْرَةِ فَهُوَ «سُوءُ الإرادَةِ ، الَّتي تَسْتَلزِمُ سُوءَ الفَهْمِ»، حَيْثُ أَنكَرَ- في مَطْلَعِ هَذِهِ الأحْدَاثِ - عَلَى صَاحِبِهِ العَابِطِ قائلا:" بِخُصُوصِ كَلَامِ محمَّدٍ الله الْمُستَعَانُ ، أَنا أَعْرِفُ قَصْدَهُ بِه وَقَدْ هَوَّلَ وَبَالَغَ وَعمَّم ، وَسَأُطَالِبُهُ بِتَدَارُكِ الأَمرِ ، فَلَعَلَّهُ يُصْلِحُهُ إن شَاءَ اللهُ "اهـ، ثم لَمَّا رَاجَعَهُ كَتَبَ رِسَالةً إِلَى الشَّيْخِ جُمُعَةَ يقُولُ فيهَا :"... أَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَلَامٌ خَاصٌّ فِي مَجْمُوعَةٍ مُغْلَقَةٍ ..."اهـ،
    فَعَلَّقَ الشَّيْخِ جُمُعَةَ بقوله :"هَلْ صَارَتِ الدَّعْوَة السَّلَفِيَّةُ ... حَتَّى لَا نُفْضَح ؟! "اهـ([135])، ثمَّ أجَابَ أَبُو الْحُمرَةِ مُدَافِعًا عَن صَاحِبِهِ العَابِطِ بِقَوْلِهِ :"بَوَّبَ البُخَارِيّ ... «بَابَ مَنْ خَصَّ بِالعِلمِ قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ ؛ كَرَاهِيَّةَ أَن لَا يَفهَمُوا» ... "اهـ([136]).
    فَبَيَّنَ وَوضَّحَ لهُ الشَّيخُ جُمُعَةُ الفَرْقَ بَينَ العِلَّتَيْنِ ؛ حَيثُ قَالَ :"
    وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُـهَا : أَنّ الْمُدْهَشَاتِ هِي قِيَاسُكَ الْجَلَسَاتِ السّرّيَّةِ ، وَالْمَجْمُوعَاتِ الْمُغْلَقَة ، وَمَا يُبَثُّ فيهَا مِن الغَمْزِ وَاللَّمزِ عَلَى تَخصِيصِ قَومٍ بِالعِلمِ دُونَ آخَرِينَ؛ وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِن قِيَاسِ الشَّبَهِ ... الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفِ ؟! الوَجهُ الثَّانِي: أَنّ الإمَامَ البُخَارِيَّ ذَكَرَ العِلَّةَ فِي التَّرْجَمَةِ؛ فَقَالَ: «كَرَاهِيَّةُ أَن لَا يَفهَمُوا»...وقَدْ نَقَلْتُ هَذِهِ العِلَّةَ، وَأَبَيتَ إِلَّا أَن«تُنَزِّلَهَا» عَلَى غُرَفِ صَاحِبِكَ الْمُغلَقَةِ ؛ وَكَأَنَّهُ خَصَّ فِيهَا قَوْمًا بِالعِلمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ ... ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ... اهـ([137]).

    قُلتُ : فَجَوَابُ الشَّيْخِ جُمُعَةَ واضـحٌ جِدًّا جدَّا في الفَرْقِ بَيْنَ العِلَّتَيْنِ ، لَكن ذِهْنَ أَبِي الْحُمْرَةِ عَجَزَ عَن الاِنتِقَالِ مِنَ النَّظَرِيِّ إِلَى الوَاقِعِ، حَيْث أنكَرَ عَلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ دَافِعَ عَنْهِ بِمَا بَوَّبَ لَهُ البُخَاريِّ في صَـحيحه ، فَأَظَهَرَ لَهُ الشَّيخُ جُـمُعَةُ سُوءَ فَهْمِه مِنْ حَيثُ «التَّنْزيلِ» ، لا مِنْ حَيْثِ استَوَاءِ الصُّورِ - الَّتي يَشُوبُهَا الكَتْمُ وَالسِّريَّةُ - فِي الْحُكم .
    فَالشَّيخُ جُمُعَةُ يُفَصِّلُ ويُفَرِّقُ في هَذَا البَابَ ، ونُكْتَةُ اعْتِرَاضِه في التَّنزيلِ ، لَا التَّأصِيلِ ، وَيَشْــهَدُ عَلَى هَذَا قَولهُ:«
    وَأَبَيتَ إِلَّا أَن تُنَزِّلَهَا عَلَى عُرفِ صَاحِبِكَ»، أَيْ : أنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ نَزَّلَ النَّصَّ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، لَكن لَا غَرَابَةَ ؛ لأَنَّ العَلَّامَةَ رَبيعٌ قَال في ردِّهِ عَلَى فالِح:"وَهَذَا الْمِسْكِينُ لِحَمَاقَتِهِ «وَضَعَ هَذِهِ النُّقُـولَ كُلَّهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا»؛ لأنَّ جُـهدَهُ كُلَّهُ قَامَ عَلَى أَسَاسٍ كَاذِبٍ ، وَهُوَ أَنِّي أُحَرِّمُ «التَّقلِيــــدَ مُطْلَقًا»، وَوَاقِعِي يُكَذِّبُه "اهـ([138])، وَهَذَا الْمِسْكِينُ أَبُو الْحُمْرَةِ لِحَمَاقَتِهِ «وَضَعَ نقُولًا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا»؛ لأنَّ جُـهْدَهُ كُلَّهُ قَامَ عَلَى أَسَاسٍ كَاذِبٍ، وَهُوَ أَنَّ مَشايخِنَا يُبيِحُونَ «التَّقْلِيـــدَ مُطْلَقًا»، فَلَا عَجبَ أن يُبَارِكَ «بَيَانَ التَّأسِيسِ لإبْطَالِ الْمَنهَجِ الْخَسِيس ، مَنْهَجِ التَّفرِيقِ وَالتَّهمِيشِ وَالتَّقْدِيسِ».

    لَكنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ - لِغَبَاوَتِهِ أوْ خُبْثِه - ظَنَّ النِّزَاعَ في التَّأْصِيل ، لَا التَّنزيلِ ؛ فلِهَذَا قَالَ :"الكَـلَامُ عَنْ أَصْلِ تَخصِيصِ بَعضِ النَّاسِ ، لَا عَن خُصُـوصِ مَا يُقَالُ لَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْمُعَيَّنَةِ ... فَالكَلِمَةُ الَّتي أُنْكرَتْ عَلى محمَّد يَعلَم جُمعَة أَنِّي أَنكَرتُهَا ... وَكَلَامِي مَعَهُ إِنَّمَا هُو تَأصِيلُهُ الفَاسِدُ الَّذي أَطَلقَ بِأنّ كَتْـمَ بَعْضَ الكلَامِ عَنْ بَعضِ النَّاسِ طَرِيقَةٌ إِخوَانِيَّةٌ ، صُوفِيَّةٌ ، فَنَقَلَ هُوَ الكَلَامَ عَلَى قَضِيَّةٍ الْمَجمْوعَةِ "اهـ([139])، قَالَ العَلَّامَــــةُ رَبِيع في مَعْرَضِ ذَمِّ أهْلِ البِدَعِ :"ألَا إِنُّه الكَذِبَ الَّذِي يُرَافِقُهُ الغَبَاءُ الشَّدِيدُ([140])، وأَهْلُ البِدَعِ عِنْدَهُم بَلَادَة غَبَاوَة ، أَو خُبْثٌ "اهـ([141]).
    فَالتَّنبِيهُ الْمَقْصُودُ أنَّ تَنَاقُضَاتِ أَبِي الْحُمَرَةِ لَدَلِيلٌ عَلى «الكَذِبِ - ضُعْفِ التَّأصِيلِ وَالتَّنْزِيل - وسُوءِ الإرادَةِ الَّتي تَسْتَلزِمُ سُوءَ الفَهْمِ»؛ فِلذَا قَالَ في «رَمْزِيَّةِ العَلَم»:"لِمَاذا يَسْتَخْفِي فَركُوس بِهَذِهِ الأَحْكَامِ ؟!... وَلِمَاذَا تَنفرُ مِنهَا العَامَّة ؟! لأَنَّها أَحْكَامٌ بَاطِــلَةٌ ... وَلَا يَزَالُ أَهلُ السُّنَّةِ ظَاهِرِينَ ... وَقَدْ قَـرَّرُوا أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يَسْتَخْفِي بِهِ أَصْحَابُه دُونَ العامَّة ضَلَالةٌ وَبِدعَةٌ "اهـ([142])، لَكنَّه فِي مَطْلعِ الأَحْدَاثِ الْجاريَّةِ قَال :"بَعْضُ الكَلَامِ - وَإنْ كَانَ الرَّجُــــلُ يَعْتِقِدُ أَنَّهُ حَقٌّ - فِإِنَّهُ إِن خَشِيَ مَفسَدَةً مِن إذَاعَتِهِ فِي عَامَّةِ النَّاسِ لَم يَكُن لَهُ أَن يَفْعَلَ ، وَلَيسَ هَذَا مِمَّا عُرِفَ عَنْ أَهلِ البِدَع من التَكَتُّم عَنْ مَذَاهِبِهِم وَضَلَالَاتِهم "اهـ([143]).
    وَمِمَّا يُعرِّفُكَ بِضُعْفِ أَبِي الْحُمْرَةِ فِي التَّأصِيلِ وَالتَّنْزِيلِ : مَا انتهَجَهُ فِي «رَمْزِيَّةِ العَلَم» ؛ حيثُ شَرعَ - زَعَمًا- في «كَشفِ شُبُهَاتٍ» عَنْ قَضِيَّةٍ خَطيرَةٍ تَتَصِّلُ بالإيِمَانِ وَالتَّوحِيدِ وضِدِّهِمَا ، كَـمَا يَظْهَرُ مِنَ الْمُصْطلَحَاتِ الوَارِدَة في هَذِهِ الْخَرْبَشةِ ، بَينَمَا التَّأصيلُ العلِمِيُّ يَفْرِضُ تَـهْيِئَةَ القَارِئِ بِمَا يُصَوِّرُ لَهُ الْمَسْألَةَ تَصْويرًا شَرْعِيًّا صَحيحًا ؛ ويُبيّنُ نِسْبَتَهَا بِأَبْوَابِ العَقَيدَةِ ؛ لأَنَّ الْحُكُمَ عَلَى الشّيءِ فَرْعٌ عَن تَصَوُّرهِ ، وَلَا سِيَّمَا مَسْألَةٍ يَعِزُّ أنْ تَجِدَ فِيهَا بَحْثًا مُسْتْقَلًا كـ«العَلَم الوَطَنِيّ»، قَالَ العَلَّامَةُ صَالِحٌ آل الشّيْخ :"الَّذِيـنَ لَم يُحْكِمُوا كِتَابَ التَّوحِيــدِ ، وَلَم يُحكِمُوا ثَلَاثَةَ الأُصُولِ ، وَدَخَلُوا فِي كَشفِ الشُّبُهَاتِ مُبَاشَرَةً، أَو مَا ضَبَطُوا تِلكَ الكُتُبَ فَلَا يَحْسُنُ أَن يُجِيبُوا عَن الشُّبَهِ، إِلَّا بَعْد أَن يُحْكمُوا الأُصُولَ([144])، هَذِهِ الرَّسَالةُ- أي: كَشفُ الشُبُهَاتِ - ثَمَّ تَرَدُّدٌ في شَرْحِهَا عِنْدِي ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ أَنَّ مُستَوَى الْحُضُورِ مُتَفَاوِتٌ ، وَالتَّفَاوُتُ هَذَا يُحرِجُ الْمُلْقي الْمُتَكَلِّمَ ، مِن جِهَةِ أَنَّ مُستَوى الكَلَامِ قَدْ يَفْهَــمُهُ البَعْضُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ بَعْضٌ آخَـر ، وَإذَا لَم يَفْهَمْ رَدَّ الشُّبـْهَةَ «قَد تَبْقَى الشُّبْـهَةَ عِنْدَهُ بِلَا رَدٍّ»، وَهَذَا فِيهِ حَرَجٌ([145])؛ لأنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ فِي قَلْبِهِ شُبهَةٌ أَصْلًا ، فَإذَا وَرَدَت الشُّبْـهَةُ ، وَبَعْدَهَا الرَّدُّ قَدْ تَعْلَقُ الشُّبْـهَةُ، وَلَا يَفْهَمُ الرَّدَّ "اهـ([146])، وَأكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ ، وَالشُّبَهَ خَطَّافَةٌ([147]).
    فَصَدَقَ الشَّيخُ جُمعَةُ عِندَمَا وَصفَ أَبا الْحُمْرَةِ بَأَنَّه لَا يَصْلُحُ لِلدَّعْوَةِ ، وَلَا لِلتَّعِليم([148])، وَظَهَرَ مِن حَالِ أُولئِكَ الْمَدّاحِينَ كَـ «العَابِط مُرَابِطٍ ، عبدالْمجيد تَالِي» أَنّهُمَ أَجْهَلُ مِنْ حِمَارِ الْحَكيم بِحقَيقَةِ التَّأصِيلِ العلميِّ، وِفَاقًا لِفَالِحٍ، قَالَ العَلَّامَةُ الْجابريَّ :"مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصِفُ الشَّيْخَ فَالِحًا الْحَرْبيّ بِأَنَّهُ عَالِمٌ ، وَيَنْبَغي أنْ يُرجعَ إلَيْهِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ التَّبْجِيل وَالثَّنَاءِ، وَأَنَا أَعْرِفُ الشَّيْخَ فَالِحًا مُنْذُ أكثَر مِن ثَلَاثِينَ سَنَةً ، أَقُولُهَا كَلَمِةَ حَقٍّ إنَّ الرَّجُل عِنْدَهُ عِلمٌ ، وَسعَةُ اطّلَاعٍ ، وَرَغمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةٌ لِلتَّحْقِيقِ ، وَدِقَّةِ الاِستِنْبَاطِ ، لَكِن هلْ أفَادَتِ الأُمّةُ مِنْهُ ذَلِكَ؟! هَلْ رَدَّ النَّاشِئَةَ عَلَى مَا كَانَ يَسُوقُهُ العُلَمَاءُ ، مِنْ تَرْبيَّةِ النَّاسِ عَلى فِقْهِ أَحْكَامِ اللهِ مِنْ الكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَفَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِح ؟! وَأَنَا أتَحدّى هَؤُلَاءِ أَنْ يَأتُوا دَلِيلًا عَلى مَا يَصـفُونَ بهِ الشَّيخَ فَالِحًا ... أَتَحَدَّاهُم أَنْ يَأتُوا بِكَتَابٍ صَغِيرٍ أكْمَلهُ الشَّيْخُ فَالِحٌ خَاليًا من السَّبِّ والشَّتْمِ، وَ «الْخُرُوجِ عَن تَأْصِيلِ أَهْلِ العِلْم ، وَتَقْعِيدِهِمْ»، بَلَ ثَبَتَ لَدَينَا أَنَّهُ فِي دَورَةِ ... عام 1423هـ نَفَّـرَ أَرْبَعينَ طَالِبًا ... وَذَلِكم أَنَّهُ لَمْ يَسْلكْ مَسْلكَ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَالفُقَهَاءِ ... وَإنَّمَا أَمْضَى الوَقْتَ فِيـمَا كَانَ النَّاسُ فِي غِنًى عَنْهُ ، وَلَمْ تُعْقَدْ مِن أَجْلهِ تِلكم الدَّورَةَ "اهـ([149]).
    قُلتُ : تَأَمَّلْ- يا مُنِصِفُ- قَولَ العَلَّامةِ الْجابرِيّ :«مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصِفُ الشَّيْخَ فَالِحًا الْحَرْبيّ بِأَنَّهُ عَالِمٌ »، ثمَّ تَأمَّـــل قولَ العَابِطِ :"فَالِحٌ الْحَربيُّ كَانَ عَالِمًا بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ "اهـ([150])، ثُمَّ تَأَمَّل قَولَ الْجَـابرِيّ :«الْخُرُوجِ عَن تَأْصِيلِ أَهْلِ العِلْم ، وَتَقْعِيدِهِمْ» ، ثـمَّ تأَمَّل قَولَ الْعابط: «الدَّرسِ العِلمِيِّ التَّأصِيليِّ ... »، وَلَا تأصيلَ .
    لَكـنَّ مِيزَانَ أَبِي الْحُــمْرَةِ رَفَعُ الْعَابِطَ إِلَى رُتْبَةِ التَّأْهِيلِ ؛ حَيثُ نَفَــخَ فِيهِ قَائِلًا :"أَخُـونَا مُرَابِطٌ مِنْ طُلَّابِ العِلمِ «الكِبَارِ» فِي بَلَدِنَا "اهـ، وَهذَا النَّفخُ الكَاذِبُ وَقَّعَهُ أَبُو الْحُمْرَةِ جَوَابًا قُبَيْلَ الأَحْداث الْجَاريَّةِ ، فَلمَّا رُفِعَ الْجَوابُ سَارَعَ الْمُشْرِفُونَ إِلَى حَذْفِه ، لَكِن هَيْهَات ؛ لأَنّ الْحَلَبِيّينَ طَــــارُوا بِهَ فَرَحًا ، وَصَدَّرُوهُ تَحَتَ عُنوَانِ : «مِن آخِـرِ نُكَتِ الغُلاة بَعضِهِم مَع بَعْضٍ ... ».
    ومِمَّا يُعَرِّفُكَ بِميزَانِ أبي الْحُمْرَةِ : قَولُهُ :"قَبْلَ سَنَوَاتٍ فَقَط هُنَاكَ أَفْرَادٌ مِنَ الإِخْوَةِ يَعْتَقْدوا فِيهِ أَنَّه عِالِمٌ ، عَامَّةُ الإِخوْةِ كَانُوا يَعْتَقْدُوا أَنَّهُ شَيْخٌ مِنَ الْمَشَايِخ ... "اهـ([151])، فَصَار أَبُو الْحُمْرَةِ يَتَمَسَّكُ بِمَا هَبَّ وَدبَّ ؛ فَاستشْهَدَ بالإخْوَةِ على ارْتِفَاعِ الرَّجُلِ إلَى طَبَقَةِ العُلَمَاءِ ؛ وَجَـهلَ أَنَّهُ :"لا يَعْرِفُ العُلمَاءَ إلاَّ مَنْ هُو مِنْهُم"([152])، وَهُوَ الَّذِي يدَّعِي أنَّه طَلَبَ العِلم؛ كَيْ لَا يَكُونَ إمّعَةً([153])، وَكَذَلكَ لِفَالِح عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ تَدُلُّ عَلَى غَبَائِهِ ، وَجَهْلِهِ ، وَ«تَعَلُّقِهُ بِمَا هَبَّ وَدبَّ»([154]).
    ومِمَّا يُعَرِّفُكَ بِميزَانِ أَبِي الْحُمْرَةِ :«سُوءُ الإرادَةِ ، الَّتِي تَسْتَلزِمُ سُـوءَ الفَهْمِ»، أمَّا سُـوءُ الإرادَةِ فقَد تَرْجَمَ عَنهَا مُعَرِّضًا بِالشَّيخِ فَركُوسٍ ؛ حيثُ قَالَ في «رَمْزِيَّةِ العَلَم»:" وَكُلُّ صَـحِيحِ الفِطرِةِ ، سَلِيمِ النَّظَرِ ، غَيْرِ مُلَوَّثٍ بِفِكْرِ الْخَــوَارِجِ فَإِنَّهُ سَيَرَى أَنَّ الْمُعَادَلَةَ الثَّانِيَةَ أَوْلَى مِنَ الأُولَى "اهـ([155])، أَمَّـا سُـوءُ الفَهْمِ فقَد مَثَّلَ لَهُ بقوله :"أَخْتمُ بِمثَالٍ آخَرَ مِن تَصَرُّفِ فَركُوسٍ، يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ لَا يَزِنُ بِميزَانِ أَهْلِ العِلمِ ، وَلَا يُقَدِّرُ الْمَسَائِلَ كَتَقْدِيرِهِم لَها "اهـ([156]).
    قُلْتُ : وَهَذَا الْمِثَالُ مَفَادَهُ أَنَّ «هَيَئَةَ كِبَارِ العُلمَاءِ» في عَهْدِ الإمَامِ ابنِ بازٍ صَدَّرُوا غِلَافَ مَجَلةِ «البُحُوثِ الإسلاميَّة» بصُورةٍ للحَـرَمِ الْمِكيّ في العَدَدِ الأَوَّلِ ، ثمَّ النَّبويّ في العَدد الثَّاني، ثمَّ بَيْتِ الْمَقْدسِ في الثَّالثِ ، فَاعْترضَ طَالِبُ عِلمٍ عَلى «هَيْئَةِ كِبَارِ العُلمَاءِ»، فَأجابهُ ابنِ بَاز، فَاستَنْبَطَ أَبُو الْحُمْرةِ مِنْ هَذِهِ القصَّةِ قَـولَهُ الآتي :"لَم يَقُلِ الشَّيخَانِ ابنُ بازٍ وَعَفِيفِي إنَّ تَصْوِيرَ القُبَّة رِضًا بِالشِّركِ وَالوَثَنِيَّةِ ، كَـمـَا قَالَ ذَلِكَ الطّالِبُ "اهـ.
    قلتُ : لَو كَانَ أَبُو الْحُمْرةِ يُدرِكُ القِيَاسَ لَعَلِم أنَّه قِيَاسٌ مَعَ الفَارِقِ؛ لأَنَّ الْمُعْتِرضَ صَغِيرٌ، اِعْترضَ عَلى أَكَابرَ، فَلزِمَهُ «عَدَمُ التَّوسَّعِ فيـمَا لا يَعْنيهِ»، أَمَّا اعترَاضُ شَيْخِنَا فركُـوسٍ عَلَى شُيُوخ الْمَجَلَّةِ فَهُو اعتراضُ عَالِمٍ كَبِيرٍ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ عِلمًا وَسِنًّا ، وَقَد نُبِّهُ أَبُو الْحُمْرةِ ، وَلَم يَنْتَبِهْ ، فَقد غَرَّدَ أَخُونَا رِزقُ اللهِ سُلَيْمَانُ قَائلًا:"أَيُّـهَا العَيَّابُ ، سَلِيطُ اللِّسَانِ (خَالِدٌ حمُّودَةُ)، الَّذِي قَالَ بِعَدَمِ جَــــوَازِ وَضْعِ صُورَةِ العَلَمِ عَلَى الْمَجَلَّةِ ، وَأَنْكَرَ ذَلَكَ بِشِدَّةٍ هُو :الشَّيْخُ رَبِيعٌ - حَفِظَهُ الله - اِسْأَلْ بُوشَامَةَ وَعِزّ الدِّين يَومَ زَارُوا الشَّيخَ رَبِيعًا فِي بَيْتِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ، فَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ أيُّهَا اللَّئِيم ؟!"اهـ([157])
    وَكَذَلِكَ نَبَّهَهُ ذَلكَ الكَاتِبُ ؛ حَيْثُ قَالَ أَبُو الْحُمرةِ :"الكَاتِبُ نَفسُهُ نَقَلَ فِي آخِرِ مَقَالِهِ عَنِ الشَّيْخِ رَبِيعٍ - حَفِظَهَ اللهُ - أَنَّهُ أَنكَــرَ عَلَى مَشَايِخَ الإصْلَاحِ وَضْعَهم العَلَم عَلَى مَجَلَّتِهِم ، وَأَنَا لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ هَذَا صَـحِيحًا أَم لَا ؛ لأَنِّي لَا أَعْلَمُ مَنْ ذَكَرَهُ غَيرَ لَزْهَر ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَخبَارَهُ شِبهُ الرِّيَحِ ، لَكِنَّهُ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَنَّ فَركُوس عَلَى خِلَافِ طَريِقَةِ العُلمَاءِ ، فَلَوْ سَلَّمنَا أَنَّ الشَّيخَ رَبِيعًا لَم يَرْضَ مَا فَعَلَهُ الْمَشَايِخُ فَهُو لَم يُشنِّع عَلَيْهِم ، وَلَم يُحَذِّرْ مِنهُم ، وَلَم يَقُل : إِنَّ هَذِهِ هِيَ القَطْرَةُ الَّتِي أَفَاضَتِ الكَأَسَ "اهـ([158]).
    قُلْتُ : "إنَّ البَحْثَ العِلمِيَّ ... يحتَاجُ إِلَى هُدُوءٍ وَأَنَاةٍ"([159])، وَمِن التّأنِّي : البَحْثُ فِي الْخَبَرِ سَنَدًا وَمتْنًا ، فَلِمَاذَا لَمْ يَتَثَبَّتْ أَبُو الْحُمْرَةِ قَبْلَ أنْ يُجيبَ ؟! قَالَ ابن حبَّان(ت:354هـ):"مِنْ عَلَامَاتِ الْحُمْقِ- الَّتِي يَجِبُ لِلعَاقِلِ تَفَقُّدُهَا مِمَّن خَفِيَ عَلَيْهِ أَمرُهُ -:سُرْعَةُ الْجَوَابِ، وَتَرْك التَثَبُّتِ"اهـ([160])
    وَإنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ لَقَادِرٌ على التَثَبُّت مِن شُيُوخِه ؛ حَيْثُ قَال:"الوَسَائِلُ الْحَدِيثَةُ الْمَوجُودةِ في كُلِّ بَيتٍ "اهـ([161]) ، فَلِمَاذَا أَعْرَضَ عَن التَثَبُّت ؟! قَال الْمُتَنَبِّي :
    وَلَم أَرَ في عُيُوبِ النَّاسِ شَيئًا ******* كَنَقْصِ القَادِرينَ عَلَى التَّمَامِ

    وَلِمَاذَا لَمْ يَسَألْ أُولَئِكَ الْمَدَّاحُونَ الشَّيْخَ رَبِيعًا ، وَيَسْتَفسِرُوا مِنهُ؟! لأَنَّهم بَبَغَاوَاتٌ، قَالَ شَيْخُهم عَبدُ الغَنِي :"عَبِّرْ بِتَعْبِيرٍ صَرِيِحٍ، خَاصَّةً إِذَا كَان النَّاسُ «بَبَغَاوَاتٍ»، مَسَاكِينٌ ، لاَ يَفقَهُونَ ، وَلاَ يَعقِلُونَ ، «لاَ يَسأَلُونَ ، وَلاَ يَسْتَفِسِرُونَ» "اهـ([162]).
    يَا أَبَا الْحُمْرةِ : عَبِّرْ بِتَعْبِيرٍ صَـرِيِحٍ عن صِـحَّةِ الْخَبَرِ أَو كَذِبِهِ ، وَلَا تتَغَابَى بقَوْلِكَ السَّابِقِ :«أَنَا لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَم لَا»، وَلَا بقَوْلِكَ: «لَا أَعْلَمُ مَنْ ذَكَرَهُ غَيرَ لَزْهَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَخبَارَهُ شِبهُ الرِّيـحِ»، بَلْ إنَّكَ قَبْلَ قَلِيلٍ قُلتَ :"أَلَيْسَ فَركُوسٌ هُوَ الَّذِي نَقَلَ عَنهُ لَزْهَرُ جَوَاز التَّسْجِيلِ خُفْيَةً - فِي حُدُودٍ ضَيِّقَةٍ-؟! "اهـ([163])، فَفي مَقَالٍ وَاحِدٍ تُكَذِّبُ الشَّيخَ لَزْهَرَ، وَتُصَدِّقهُ ؟! فَنَعُوذُ بالله مِنَ التَّنَاقُض .
    يَا أَبَا الْحُمْرةِ : عَبِّرْ بِتَعْبِيرٍ صَـرِيِحٍ عن صِحَّةِ الْخَبَرِ أَو كَذِبِهِ ، وَلَا تَتَملَّصْ مِن التَثُّبُتِ غَبَاوَةً ، أَو خُبْثًا ، فَتقُولُ :«لَوْ سَـلَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ رَبِيعًا لَم يَرْضَ ...»؛ لأَنَّ ذَلِكَ الكاتِبَ أَوْرَدَ عَلَيك مَوْقِفَ الشَّيْخِ رَبِيع مِنْ بَابِ ثُبُوتِ الإنْكَارِ ، لَا التَّحْذِيرِ ، وَ«الإنْكَارُ لا يَستَلْزِمُ التَّحْذِيرَ».
    يَا أَبا الْحُمْرَةِ : عَبِّرْ بِسُؤَالٍ صَـرِيِحٍ لأَهْلِ الذِّكِرِ ، وَلَا تَتَغَابَى بقَولِكَ :"بَحَثْتُ كَثِيرًا عَمَّن قَالَ بِـهَذَا القَولِ غَيْرَ الدّكتُورِ؛ فَلَم أَجِدْ قَائِلًا بِه إلَّا رَأسَ الْخَوَارِج أَبَا محَمَّدٍ الْمَقدِسِيِّ "اهـ([164])، وَكَأَنَّ أعناقَ النَّاسِ تَشْرِئِبُّ إلَى بَحْثِكَ ، وَتَفْتَقِرُ إلَى رَأيِك عَلَى وَجْـــهِ الْخُصُوصِ في مِثْل هَذِه القَضَايا وَالنَّوَازِل الْحَسَّاسَةِ.
    لَيْتَ أبَا الْحُمْرةِ وَعَظَ نَفْسَه بِقَولِه القَدِيمٍ؛ حيث قال:"بحَثْتُ مَسْألَةً لِيَومَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجْتُ بِنَتيجَةٍ ظَنَنتُهَا غَيرَ مَسبوقَةٍ تَحْريـرًا وَتَقسـيـمًا ، وَجَــدتُ الفَوزَانَ قَد لَخَّصَها في كَلمَتَينِ جَوابًا عَن سُؤالٍ في مُحاضرةٍ "اهـ([165]).

    فَلِمَاذا لَم يتَوَّجَهْ أَبُو الْحُمْرَةِ إلَى العُلَمَاءِ ابتِدَاءً واخْتِصَارًا؟! قَالَ أَبُو الْحُمْرَةِ :"فَصْلٌ: «دِلَالَةُ تَحْريـمِ الدّكْتُورِ لِلعَلَمِ»، قَد تَأَمَّلتُ فِي أَسْبَابِ هَذِهِ الفِتنَةِ ، فَوجَدتُ أَنَّ مِن بَيْنِ أَهَـمِّ أَسبَابِهَا: أَنَّهُ تَصَدَّرَ للدَّعْـوَةِ السَّلَفِيَّةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأهْلِ ، فَالدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةُ كَانَ يَقُودُهَا عُلَمَاءٌ ... فَلَمَّا شَاءَ اللهُ تَعَالَى أَن يَتَغَيَّر الْحَالُ ، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِن عُلَمَاءِ السُنَّةِ ، وَضَعُفَ نَشَاطُ بَعضِهِم بِسَبَبَ الكِبَر والْمَرَض ذَرَّ قَرْنُ البِدَعِ "اهـ([166]).
    فَإذن مَاتَ كَثِيرٌ مِن العُلَمَاءِ حَقيقَةً أَو حُكمًا، فَنَابَ عَنهم أَبُو الْحُمْرَةِ وَنَحوُهُ! فَخَرَجَ بِهَذَا البَحْثِ النَّادر،"وَمِنَ الْمُتَعَالِمِينَ : الغَنَادِرُ ، جـمعُ غُندرُ ، وَهُوَ الْمُشَاغِبُ الْمُتَطَاوِلُ بِلسَانِهِ ، الوَارِثُ لِمَا لَا يُورَثُ، مِنَ التَّسَلُّطِ عَلى العِبَادِ بِدَاءِ الفُحْشِ ، وَالبَذَاء ، الْمَحْـرُومُ مِنْ مِيراثِ الأنْبيَاءِ في عِفَّةِ اللِّسَانِ، وَصِيَانَتِهِ مِنْ الْخَنَا([167])، و«الكَذِبُ» نَوْعٌ مِنَ الفُحْشِ ، وَضَرْبٌ مِنَ الدَّنَاءَةِ([168])، وَشَرُّ غَوائِل العِلمِ([169])، وَهذَا الْمتعالِمُ الغُندرُ :
    يُمَارسُ نَفْسًا بَيْنَ جَنبَيْهِ كَزًّةً ******* إذا هَمَّ بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ : لَهُ مَهْلا([170])

    وِمن مَعْروفِ الغُنْدُرِ أبِي الْحُمْرةِ: قَوْلُهُ :"يَعْلَمُ الله تَعَالَى أَنِّي « كَارِهٌ لِلكَلَامِ فِي هَذِهِ القَضِيَّةِ»، وَلَم أُرِدْ أَنْ تُثَارَ عَلَى الدّكتُور ، لَكِــن لَمَّا نُشِرَتْ كَانَ لَابُدَّ مِن بَيَانِ الْحُكمِ فِيــهَا ، فَهِيَ «قَضِيَّةٌ ذَاتُ خَطَرٍ» "اهـ ([171]).
    قَالَ العَلَّامَةُ صَالِحٌ آلُ الشَّيْخِ :"مَنِ الَّذِي يُلْزِمُـــكَ بِأَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلسٍ ، أَوْ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كُلِّ مُجتَمَعٍ بِمَا تَرَاهُ حَقَّاً فِي الفِتَنِ؟! فَالْحَقُّ «يُبَيِّنُهُ عُلَمَاءُ السنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ»، فَإنْ كَانَ عِنْدَكَ رَأيٌ أَو فَهْمٌ فَاعْرِضْهُ عَلَيهِم ، فَإنْ قَبِلُوا فَذَاكَ ، وَإِلَّا فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ مِن اطِّلَاعِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَأيِكَ"اهـ([172]).
    لَكِن لِمَاذَا لَمْ يَعْرِضْ أبُو الْحُمْرةِ بَحْثَهُ عَلَى العُلَمَاءِ؟! قِيلَ:"الأَحْمَقُ مَنْ قَطَعَهُ العُجْبُ بِنفَسِهِ عَنِ الاِستِشَـارَةِ "اهـ([173])، وَقَال ابنُ عثَيْمِين (ت:1420هـ) :"بعضُ النَّاسِ يَتَسَــرَّعُ فِي الرُّقيِّ إِلَى العُلُوِّ بِمَا يُلَفِّقُهُ ، وَيُوهِمُ النَّاسَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ عِندَهُ عِلمٌ وَاسِعٌ ، وَأَنَّهُ عَبْقَرِيٌّ ، وَأَنَّهُ فِي كُلِّ فَنِّ لَهُ يَدٌ ، وَمَا أَشبَهَ ذَلِكَ ، وَهَذَا لَا شَكَ أَنَّهُ غَلَطٌ عَظِيمٌ ، فَهُوَ مَعَ جَمْعِه «الكَذِبَ» فِيهِ خِيَانَةٌ للنَّاسِ، وَإيهَامُهُم بِخِلَافِ الوَاقِعِ، وَفِيهِ أَيضًا التَّغْرِيرُ بِالنَّفسِ، أَنَّ الإنسَانَ يَزهُو بِنْفسِهِ حَتَّى يُحَجِّمَهَا ، وَيُكَبِّرَهَا وَهِي دُونَ ذَلِكَ ، وكم مِنْ إنسَانٍ هَلَكَ بِمِثل هَذَا ؟!"اهـ([174]).
    وَكأنَّ أبَا الْحُمْرَةِ اِسْتَغَنَى بِفهْمِهِ وَالكِتَابِ، قَالَ العَلَّامَــةُ صَالِحٌ آلُ الشَّيخِ :"هُنَاَك أَشيَاءٌ لاَ تُدرُكُهَا بقرَاءَتِكَ لِلكُتُبِ ، وَلِـهَذَا عَابَ بَعضُ أَهلُ العِلمِ بعضَ الفُحُــولِ فِي مَسَائِلَ ؛ لِأَنَّهم اقتَصَــرُوا عَلى مَا قَرَؤُوا، أَخطَأَ ابنُ حَزم فِي مَسَائِلَ فِي الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَهَا وَمَا حَجَّ ، وَرَأَى الـمَشَاعِرَ ، وَشَيخُ الإسلاَمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ كَتَبَ مَنسَكًا مِن الْمَنَاسِكِ عَلَى مَا هُوَ مَوجُودٌ عِنْدَهُ فِي الكُتُبِ ، ثُمَّ لَمَّا حَجَّ غَيّرَ رَأيَهُ في مَسَائِلَ كَثيرَةً ، كَذَلِكَ ابنُ القَطَّانِ لَـم يَأخُــــذْ عِلمَ الـحَدِيثِ عَن رِوَايةٍ ، وعنْ أهْلِ العِلمِ ، وَإنَّمَا كَانَ - كَمَا ذكر الذّهَبِيّ - أكثرُ أَخْذِهِ لِذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ القِرَاءَةِ ، وَوَقَعَ في أَشْيَاء كَثِيرَةٍ لَا يَقَعُ فِيـهَا أَمْثَالُهُ مِنْ أَهْلِ العِلمِ "اهـ([175]).
    وَلعَلَّ أَبا الْحُـمْرَةِ قَصَدَ إثباتَ شَـخْصَيَّتَهِ في البَحْثِ ، قَالَ بَكــرٌ أَبُو زَيدٍ(ت:1429هـ):"مِنْ أَسْوَأ ظَوَاهِرِ التَّعَالُمِ :(إثباتُ الشَّخْصِيَّةِ في الرَّسَائِلِ) بِمَا تَلَقَّاهُ عَدَدٌ مِنَ الطُّلَّابِ فِي إِعْدَادِ رَسَائِلِهم عَنْ أَسَاتِيذِهم فِي الإِشْرَافِ وَالْمُنَاقَشَةِ مِنْ أَنَّ وَسِيــــلَةَ القَبُولِ ، وَعُنْوَانَ النَّجَــــاحِ ، وَقَائِدَ الاِمتِيَازِ أَنْ يَخُوضَ الطَّالِبُ غِمَارَ التَّرجِيحِ وَالاِختِيَارِ وَالقَبُولِ وَالرَّدِّ ، ولهذا تَرَى الرَّسَائِلَ مَحشُورَةً سُــطُورهَا بِهَذِهِ العِبَارَاتِ السَّمجَةِ : تَرْجِيُحُنَا ، اِخْتِيَارُنَا ، رَأَيْنَا ، وَنَحنُ نَرفُضُ هَذَا القَولَ ، وَنَحنُ نَرَى ... وَهَكَذَا فِي بَلَاءٍ مُتَنَاسِــلٍ "اهـ([176]).
    ومِنْ هَذَا البَلَاءِ قَولُ أَبِي الْحُمْـرَةِ في بَحْثِهِ «رَمْــزِيَّة العَلم»:"الَّذِي نَرَاهُ اليَومَ هُوَ تَصْدِيقٌ لِحَدِيثِ رَسُول الله- صَلَّى الله عَليهِ وَسلَّم- :«يَا مَعْشرَ مَنْ أَسلَمَ ... رَحْلِهِ» ... قَدْ تَأمَّلتُ فِي أَسبَابِ هَذِهِ الفِتنَةِ ؛ فَوَجَدت أَنَّ مِن بَيْنِ أَهم أَسبَابِـهَا : أَنَّه تَصَدَّرَ لِلدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّة مَن لَيْسَ لَهَا بِأهْلٍ ... فِي هَؤُلَاءِ الْمُتَصَدِّرينَ صِفَاتٌ تُسَبِّبُ الفُرْقةَ ... وَمِنْ أَهمّهَا : سُوءُ تَصَوُّرِ الْمَسَائِلِ ، الْخَلَلُ فِي تَقدِيرِ دَرَجَاتِـهَا ، حُبُّ الزَّعَامَــةِ ... هَذِهِ الثَّلَاثَةُ كُلُّهَا تَبَيَّنَ أَنَّـها مَوجُودَةٌ فِي رُؤُوسِ التَّفْرِيقِ عِندنَا فِي الْجَزَائِرِ : فَركُــوسٌ جُمُعَةُ ، لَزْهَرُ "اهـ([177]).
    قُلتُ :مَا أعَظمَ حُسْنَ ظَنِّ أَبِي الْحُمْرَةِ بِنَفْسِهِ ! فَأَوهَمَهَا بِأنَّهَا «مِيزَانٌ وَمَرْجِعٌ»، لَقَدْ صَدَقَ الشَّيخُ جُمُعَةُ في مَعْرَضِ الْجَوابِ عَنْ جَوَابِه ؛ حَيْثُ قَال لَهُ :"تُوِهِمُ بِذَلِكَ : أَنّ مِثْلَكَ لَا يَأْتي ، بَلْ يُؤْتى إِلَيْهِ، وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي النَّوَازِلِ الْمُدلَهِمَّةِ ، وَيُستَشَارُ فِي القَضَايَا الدَّعَوِيَّةِ "اهـ([178])، وَيَشهَدُ عَلى هَذَا قَولُ أبِي الْحُمْرةِ في بَيَان سَبَبِ بحثِهِ «رَمْزِيَّةِ العَلَمِ»:"أَرْسَلَ لي هَذِهِ الكِتَابةَ بَعْضُ مَنْ أَعْرِفُ فَضْلَهُ وَعَقْلَهُ ، وَرَأَى أنَّه يَنْبَغِي الرَّدَّ عَليهَا... تَأمَّلتُ الأَمرَ ؛ فَوجَدتُهُ كمَا قَالَ ... لِذَلِكَ كَتَبتُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكِ في مُنَاقَشَةِ مَا احتَجَّ بِهِ الدكتُورُ فِي تَحْرِيمِ العَلَمِ "اهـ([179]).
    قُلت : لَوْ كَانَ هَذَا الْمُرْسِلُ ذَا فَضْـلٍ وَعَقْلٍ لَتَأَوَّلَ «نَحْنُ مَعَ الأَكَابرِ»، وَلأَشْفقَ عَلى أبِي الْحُمْرةِ كَمَا أشْفَقَ ابْنُ خَلْدَةَ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَائلًا:" يَا رَبِيعَةُ ، إِنِّي أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحَاطُـوا بِكَ ، فَإِذَا سَأَلَكَ الرَّجُلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَا تَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَهُ ، وَلَكِنْ لِتَكُنْ هِمَّتُكَ أَنْ تُخَلِّصَ نَفْسَكَ"اهـ([180])، وَلعَلَّ الْمُرْسِلَ غَفَلَ عَن ذلَك ؛"لِتَشَابـُهِهِمَا فِيه مِنْ حَيْثُ غُرُورُهَمَا ، وَتَطَاوُلُهُمَا وَإعْـجَابُهمَا بِأَنفسُهُمَا؛ وَالنَّظِيرُ يُلحَقُ بِنَظِيرِه ، وَالشَّبِيهُ بِشَبِيهِهِ ، وَالطُّيُورُ عَلَى أَشْكَالِهَا تَقَع"([181]).
    سَوْفَ تَرَى إِذَا انجَلَى الغُبَارُ ******** أَفَرَسٌ تَحتَكَ أَمْ «حِمَارُ»([182])

    ومِمَّا يُعَرِّفُ يِميزَانِ أبي الْحُمْرَةِ: قَولُه :" دَلَّ الوَاقـِعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَمْيِيزَ عِنْدَهُم فِي مَرَاتِبِ العُلَمَاء، مَا يَعَرْفُوا يْقِيسُوا العُلمَاءَ، كِيفَاشْ تَعْرَف هَذَا عِالِم، وَهَذَا مَشِي عِالِم؟مَا عِنْدَهُمْش مِيزَانٌ "اهـ([183]).
    قُلتُ : كَذَلكَ كَانَ فَالِحٌ الْحَرْبيُّ"مَغْرُورًا، يَذهَبُ بِنَفسِهِ بَعِيدًا، وَيَرفَعُ نَفْسَهِ إِلَى مَرتَبَةٍ عَالِيَّةٍ فَوقَ العُلمَاءِ ، وَسَائِرِ النَّاسِ([184])، ثمَّ إنَّ أبَا الْحُمْرَةِ أَجْهَلُ مِنْ حِمَارِ الْحَكِيم بِمَراتِبِ الطُلاَّبِ ، فَكَيْفَ لَهُ أَن يُمَيِّزَ العُلَمَاءَ وَمَرَاتِبَهم؟! وَإذَا كَانَ لَا يُمَيِّزُ فَلِمَاذَا يَعِيبُ عَلَى مَنْ لَا يُمَيِّزُ ذلكَ؟! لَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ :"إِذَا أَرَدتَ أَنْ تَرَى العُيُوبَ جَـمَّةً ، فَتَأَمّلْ «عَيَّابًا»، فَإنَّهُ إِنَّمَا يَعِيبُ بِفَضْــلِ مَا فِيهِ مِنَ العَيْبِ "اهـ([185]).
    لَكن مَنْ شَابَهَ شَيْخَهُ فَمَا ظَلَمَ ، فَهَا هُوَ أستاذُ أبي الْحُــمْرَةِ عُثْمَانُ عِيسي يَقُـــــولُ :"حَسَن آيِت عِلجَت مَرَّتَين احْمَرْ،مَا نَعْرَف يَاكلُو«البِيطرَافَ» بَزَّاف ولَا؟"اهـ([186])، فَضَحِكَ الْحَاضِرُونَ ، وَلَمَّا انزَعجَ السَّلفيُّونَ قَال الأُسْتَاذُ :"لَم يَرُدُّوا عَلَى النِّقَاطِ الْمَذْكُورَةِ فِي صَوتِيَّةٍ تَزِيدُ عَلَى 13 دَقِيقةٍ، مَا وَجَدُوا إِلاَّ كَلِمَةَ «البِيطرَاف» الَّتِي هِي حَلاَلٌ ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الْحُمرَةِ الْمُزَيَّفَةِ ، سُبَحَانَ الله! لَو لَم تَكُن «البِيطرَافَ» لَكَانَ شَيئًا آخَرَ ... وَاللهِ مَا استَعمَلتهَا لِلإسْتِهزَاءِ "اهـ([187]).
    قُلتُ :"مِن شُرُوطِ وَآدَابِ الرَّدِّ عَلى الْمُخَالِفِ :التِزَامُ لِسانِ العَربِ فِي الصِّياَغةِ ، مِن غَيرِ إغْرابٍ وَلاَ تَعقيدٍ"([188])، فَهلِ العَربُ - يَا أُستَاذُ- وَضَعُوا «البِيطرَافَ» كِنَايَةً عَنِ الْحُمرَةِ الْمُزَيَّفَةِ؟! أَم أنَّ
    السِّياقَ هُوَ الَّذِي يُتَرْجِمُ دَورَهَا؟ بَل إنَّ أبَا الْحُمْرَةِ كَذَّبَ أُستَاذَهُ، وَرَشَّحَ «البِيطْرَافَ»لَقَبًا عَلى شَرِيحَةٍ وَاسِعَةٍ مِن أَهلِ السُنَّةِ ، وَمنهم عُلَمَاءٌ وَشيُوخٌ - وَاللَّقبُ : مَا أشَعَرَ بِمَدحٍ، أَو ذَمٍّ - حَيثُ تَوتَر مُتَأَوِّلاً:" صَدِّقُوا يا إخْوة ، عن مَعْرِفَةٍ أَقُولُ: «البِيطرَافِيُّون» لَم يُزعْجهم البيطَرَافُ أَبَدًا، كَيفَ وَهُو طَعَامٌ طَيِّبٌ ، لَهُ فَوَائِدُ صِحِيَّةٌ عَالِيَّةٌ ، الّذِي أَزعَجَهُم هُوَ نَبْرَةُ الشَّيخِ عُثْمَانَ ، الَّتِي تُشِعُّ صِدقًا وَثَبَاتًا ، وَقَد شَعَرُوا مِن خِلاَلِهَا بِالْهَوَانِ وَالوَهَنِ ، الّذِي وَصَلَ إِلَيهِ شُيوخُهُم "اهـ([189])
    قُلتُ : فَـ«النَّبْرَةُ» الَّتي سِيقَتْ فِيهَا كَلِمَةُ «البِيطرَافْ» ، وَ«ضحِكُ» الْحَاضِـرين الَّذِي وَلِيهَا لَدَلِيلٌ كَافٍ عَلى اسْتِهزَاءِ الأُسْتَاذِ بِشُيُوخِنَا، فَكَيفَ إذا انضَمَّ اعتِرافُهُ بِأنَّه اِستَعَارَهَا لِلكِنَايَةِ عَن«الْحُمرَةِ الْمُزَيَّفَةِ» ، وكَذَا«الْهَوَانُ» وَ«الْوَهَنُ» الَّلذَان استَشْعَرَهمَا أَبُو الْحُمْرَةِ مِنَ انْزِعَاجِ السَّلَفِيِّينَ ؟! قَالَ
    العَلَّامَةُ عَطِيَّةٌ سَالِمٌ(ت:1420هـ):"لاَ نَرَى مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ قَطُّ ، إِلاَّ وَيَزْدَرِي الْآخَرِينَ "اهـ([190]).
    قَالَ أبُو الْحُمْرَةِ :"البِيطرَافِيُّونَ جَمَعُوا بَيْنَ سُـمٍّ نَاقِعٍ ، وَحَيَاءٍ مُصطَنَعٍ "اهـ([191]).
    قُلتُ : وَمِنْ فَيْـضِ حَيَاء أَبِي الْحُـمْرَةِ : التَّوَرُّعُ عَنْ أَلفَاظٍ نَـحْو «هُوليُوود»؛ حَيْثُ انتَقَدَ الشَّيْخَ جُمعُةَ عِندَمَا استَعْمَلَهَا ؛ فعَلَّل أَبُو الْحُمْرَةِ قَائلا :"هَذَا مِنْ كَلَامِ السُّوقَة ، وَلَقَدْ تَنَزَّلتُ فِي قَوْلي إِنَّها سُوقِيَّةٌ ، فَلَو كَتَبَ عَامِيٌّ سُوقِيٌّ رَدًّا لَتَجَنَّبَ هَذِهِ الكَلِمَةَ ، وَأَنِفَ مِنهَا "اهـ([192]).

    قُلتُ : هَذَا كَذِبٌ صَارِخٌ ، وَبَاطلٌ شَامِــخٌ ؛ لَأنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أنَّ أَبا الْحُمْرةِ استَقَرَأَ النُّفُوسَ ، وَإلَّا فَمَنْ هُوَ دُونَ العَاميِّ السُّوقِيُّ ؟! لَقَد وَرَدَت كَلِمَةُ «هُوليُوود» في كِتاب :(الفَنِّ الوَاقِعِ وَالْمَأمُول ، قِصَصُ تَوْبَةِ الفَنَّانِينَ وَالفَنَانَاتِ ص101- 129) بتقديم العَلَّامَتَيْنِ عَبدِ الله الْجِبرين(ت:1430هـ) وَعبدِ الله الْمَنِيعِ، عُضوِ هَيئَةِ كِبَارِ العُلمَاءِ مُنذُ سنة 1971م ، وَوردَت أيضا فِي(مَجَلَّةِ البُحُوثِ الإسلاميَّةِ) ، الَّتِي تَصْدُرُ عَنِ الرَّئَاسَةِ العَامَةِ لإدَارَاتِ البُحُوثِ العِلمِيَّة وَالإفتَاءِ وَالدَّعوَةِ وَالإرشَادِ ( السّعُوديّة)، وَورَدَت أكثَر مِن سَبعِ مَرَّاتٍ في(مَجلَّةِ الرِّسالَةِ) لأَحمدَ بَاشَا(ت: 1388هـ)، كان عُضْوًا في بَعضِ الْمَجَامِعِ اللُّغَوِيَّة ، ونظمَ بَعضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَصِيدَةً رَائِقَة ، صُنِّفَت كأَجمَلِ القَصَائِدِ الوَاقِعِيَّةِ ، وَمِنْهَا هَذَا البيت :
    وَلَوْ دَعَوَتَهُم لِلكَعْبَةِ اعتَذُرُوا ******** وَيُقبِلُونَ عَلَى «هُولِيوُود» فِي نَـهَمِ([193])

    يَا مُنصِفُ ، هَل هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ وَالشُّعَرَاءُ وَالأدَبَاءُ أَقَلُّ شَأنًا مِنْ العَامِيِّ السُّوقِيّ ؟! إلَّا أنْ يَكُونَ كَذِبُ أَبِي الْحُمْرةِ خَرجَ مَخْرَجَ«الْمُبَالغَةِ»، أَوْ أنَّهُ«ذَوقٌ وَمِيزَانٌ»، أَوْ أَنَّ شُيُوخَنَا«وَاقِعَةُ عَيْنٍ» لَا عُمُومَ لَها، مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسْتَهْزِئَ بِهِم ، وَيُـهِينَهُم ، وَ كَذَلِكَ" فَالِحٌ جَعَلَ نَفسَهُ هُو «الْمِيزانُ»، فَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ البَاطِلُ ، وَمُستَعِدٌّ أَن «يُـهِينَ» كُلَّ مَنْ يُخَالِفُهُ ... وَمَا وَافَقَ هَوَاهُ ... «يُبَالِغُ»فِي نُصْرَتِهِ وَلَوْ بِـ «الأكَاذِيبِ»([194]).
    وَمن تَنَاقُضَاتهِ : الَّتِي تَرْسُـمُ تَقَاسيـمَ تلِكَ «الغَبَاوَةِ الْمَحْشُوَّةِ بالْخُبْثِ وَالكَذِبِ»: قَوْلُهُ في«التَّعْلِيقِ الْمُرَصَّعِ» :"لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلَى القَرَائِنِ وَالسِّيَاقاتِ ؛ لِتَحْرِيفِ الكَلَامِ الصَّرِيح ، أَوْتَأوِيلِ الكَلَامِ الوَاضـِـــح ... وَلَوْ فُعِلَ ذَلِكَ مِن أَجْلِ إخْرَاجِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ « كَانَ جِنَايَةً عَلَى الكَلَامِ ، وَكَذِبًا عَلَى الْمُتَكَلِّم ، وَخِيَانَةً لِلمُتَلَقِّي» ... وَإنَّمَا قَامَتِ الْحُرُوبُ بَينَ أَهلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهم مِنَ الطَّوَائِفِ بِسَبَبَ إِخْرَاجِ الكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ ، وِالاِتِّكَالِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَحْشِيِّ اللُّغَةِ ، وَغَرِيبِ الْمَعَانِي وَمُسْتَكْرَهِ التَّخْرِيجَاتِ ، وَمُستَجْلَبِ القَرَائِنِ "اهـ([195]).
    قُلتُ : وَمِنْ تِلَكَ القَرَائِنِ الغَرِيبَةِ : لَوْنُ«الْحُمْرَةِ» ، الَّتِي تُمَيَّزُ بِهَا كَلِمَةٌ أَوْ كَلِمٌ لِغَرَضٍ مَا ؛ حَيثُ اِسْتَجَلَبَهَا أَبُو الْحُمْرَةِ سُلَّمًا ؛ لِيُخْرِجَ اِسْتِشْهَادَ العَلَّامَــةِ فَرْكُوسٍ عَنْ ظَاهِرِهِ ، وَيُتَرجِمَ - زَعمًا- عَنْ سُوءِ فَهْمه وَإرَادَتهِ ، فَابْتُلِيَ كَمَا تَقُولُ العَربُ:«جَاءَ الْحِمَارُ يَطْلْبُ قَرْنًا، فَجُدِعَت أُذُنُهُ»، وَيَضْرِبُونَهُ فِي مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ ، فَآلَ إِلَى النُّقْصْانِ([196])، وَيُضْـرَبُ فِي طَلَبِ الأَمْـرِ يُؤدِّى صَاحِبَه إِلَى تَلَفِ النَّفْسِ([197]).
    فَتَأمَّلْ- يَا مُنصِفُ - مَا خَرْبَشَهُ أَبُو الْحُمْرَةِ في «نَقْدَ فَتوَى الإنكَارِ العَلَنِيِّ»؛ حَيثُ انتَهَى إلى كَلامِ الإَمامِ ابنِ بَازٍ(ت:1420هـ)، الَّذِي اسْتَشهَدَ بِهِ العَلَّامَةُ فَرْكُوسٍ عَلَى جَوَازِ الإنكَارِ العَلنِيِّ بقُيُودٍ وَضَوابِطَ ، وَليسَ مِنْهَا «حُضُورُ الْحَاكِـم»؛ حَيثُ سُئلَ ابنُ بَازٍ - رَحِمَهُ الله -:"مَـا ضَابِط الإنْكَارِ مِنْ حَيْثُ الإسْرَار ، والْجَهْر بِه ، وَإذَا لَم يُجْدِ الإسرَارُ فَهَلْ يَجْهَرُ بِالإنْكَارِ؟ هَل هُنَالِكَ فَرْقٌ بَيْنَ «الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ» فِي هَذِهِ الْمَسْألةَ ؟ وَكَيفَ نُوَجِّــــهُ قِصَّةَ أبي سَعِيدٍ الْخُدريِّ مَعَ «الْخَلِيفَةِ »فِي تَقِديم الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ ... وَغَيْرِهِا مِن الوَقَائِع؟
    قَال- رَحِمَهُ الله - مُجيبًا :"الأَصْلُ أَنَّ الْمُنْكِرَ يَتَحَرَّى مَا هُوَ الأَصْلَحُ ، وَالأَقْرَبُ إِلَى النَّجَاحِ ، فَقَد يَنْجَحُ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ «أَمِيرٍ»، وَلَا يَنْجَحُ مَعَ «الأَمِيرِ» الثَّانِي... فَإذَا كَان جَهْرُهُ بِالنَّصِيحَةِ فِي مَوْضِعٍ يَفُوتُ الأَمْرُ فِيهِ ، مِثْلُ قِصَّةِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَالرَّجلُ الَّذِي أَنكَرَ عَلَى مَرْوَانَ إِخرَاجَ الْمَنْبَرِ، وَتَقْدِيـــمَ الصَّلَاةِ فَهَذَا لَا بَأسَ ؛ لأنَّهُ يَفُوتُ ، أمَّا إِذَا كَانَ الإنْكَارُ عَلَى أُمُورِ وَاقِعَةٍ ، وَيَخْشَى أَنَّهُ إِن أنْكَــرَ لَا يُقبَلُ مِنهُ ، أَو تَكُونُ العَاقِبَةُ سَيِّئَةً فَيَفْعَلُ مَا هُو الأَصْـلَحُ ، فَإذَا كَانَ فِي مَكَانٍ ، أَو فِي بَلَدٍ مَعَ أَيِّ شَخْصٍ وَيَظْهَرُ لَهُ وَيْرَتَاحُ إِلَى أَنَّ الأَصْلَحَ مُبَاشَرَةً الإنْكَارُ بِاللِّسَانِ ، وَالْجَـهْرُ مَعَهُ فَلْيَفْعَلِ ذَلِكَ ، وَيَتَحَرَّى الأَصْلَحَ ؛ لأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلَفُونَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِل ، فَإذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ أَلَا يَجْــــهَر ، وَأَنْ يَتَصِّلَ بِهِ كِتَابَةً أَو مُشَافَهَةً فَعَلَ ذَلِكَ ؛ لأَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ النَّاسِ .
    وَكَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ يَحْرِصُ عَلَى السِّتْرِ مَهمَا أَمكَنَ، وَيَزُورُهُ، أَو يُكاتِبُهُ ، وَإذَا كَانَ يَرَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ أَنَّهُ إِذَا جـَهَرَ قَالَ : فُلَانٌ فَعَلَ كَذَا، وَلَم تَنْفَعْ فِيهِ النَّصِيحَةُ السِّرِّيَّةُ، وَرَأى مِن الْمَصْلَحَـةِ أنَّهُ يَنْفَعُ فِي هَذَا الشَّيءِ، فَيَفْعَل الأَصْلَحَ ، فَالنَّاسِ يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا ، وَالإنسَانُ إِذَا جَـهَرَ بِالْمُنَكَرِ فَلَيسَ لَهُ حُرمَةٌ إِذَا جَهَرَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ ، فَلَيْسَ لِمُجْهرِ الفِسقِ حُرمَـــةٌ فِي عَدَم ِالإنْكَارِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الغَيْبَةَ فِي حَقِّ مَنْ أَظْهَرَ الفِسقَ لَا تَكُونَ غَيبَةً إِذَا أَظْهَرَهُ ، وَلَم يَسْتَحِ "اهـ([198]).
    قُلتُ : جَوابُ ابنِ بَازٍ وَاضِحٌ جِدًّا جدًّا في مُوَافقَتهِ لشَيْخِنَا؛ حَيْثُ قِيلَ لهُ :"هَل هُنَالِكَ فَرْقٌ بَيْنَ «الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ » "؟ فَجَعَل ابنُ بَازٍ ثُلُثَي جَوابهِ لِلْحاكـم ، وَالثُّلُثَ الثَّالثَ للْمَحْكُـــومِ ، فَبَدَأ بـ «الْحَاكِـمِ »، ومن شَوَاهِدِ ذَلكِ قَولهُ :( الأَصْلُ أَنَّ الْمُنْكِرَ يَتَحَرَّى مَا هُوَ الأَصْلَحُ وَالأَقْرَبُ إِلَى النَّجَاحِ، فَقَد يَنْجَحُ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ «أَمِيرٍ»، وَلَا يَنْجَحُ مَعَ «الأَمِيرِ» الثَّانِي).
    ثُم انتقَلَ- رَحِـمَهُ الله - إلى «الْمَحْكُومِ»؛ فَقَالَ :«وَكَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ ... لَم يَسْتَحَ »، وَهُوَ الْمَوضِعُ الَّذِي قَصَــدَ أَبُو الْحُمْرَةِ أن يُشِغَلَ بِهِ البَبَغَاوَاتِ ؛ وَيَجْـعَلَهُ فرَارًا مِن الزَّحْفِ ؛ واستَجْلَبَ «الْحُمْــرَةَ» قَرينةً في «بَتْرِ اِسْتِشْهَادِ العَلَّامَـةِ فَرْكُوسٍ» بِكلامِ الإمَـام ابنِ بَازٍ ؛ لِيُخْرِجَ الاِسْتِشْهَادَ عَنْ ظَاهِرِهِ ، قَالَ أَبُو الْحُمْرَةِ :"وَهُوَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ عِندَ الدّكتُورِ ؛ لأنَّهُ كَتَبَه بِالْحُمْرَةِ "اهـ([199]).
    قُلتُ : وَهَلِ اِلتَزَمَ أَبُو الْحُمْرَةِ تِلْكَ الْحُمْرَةَ في كُلِّ شَاهدٍ؟! لَعلَ كَلَامَ الإمَام ابن بازٍ هُنَا «واقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا»، ثَمَّ إنَّهُ لَو كَانت تِلكَ الْحُمرَةُ تَفي بِالْمَقْصُودِ لكَانَ غَيْرُهَا ثَرْثَرةً ؛ لَكنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ مَعْذَورٌ هُنَا؛ لأنَّهُ «اعتَقَدَ» في أوَّلِ مَقالهِ أَنَّ الله "بَرَّأَ عُلمَاءَ الْمُسلِمِينَ مِنْ أَنْ يُجِيزَ أَحَـدُهم الإنكَارَ العَلَنِي عَلَى الوَجْــــهِ الَّذِي يَقصِدُهُ الدّكتُورُ"([200]). وكَأنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ ظَفرَ بِإجـمَاعٍ ، أوِ اسْتقرَأَ مَقَالَاتِ العُلمَاءِ وَأَحوَالَهُم شِبْرًا بِشِبْرٍ ، أَو تَأَثَّرَ بِمَنْـهجِ «فَالِحٍ الْحَرْبِيِّ» ، الَّذِي" جَعَلَ نَفسَهُ هُو «الْمِيزانُ»، فَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ البَاطِلُ، وَمُستَعِدٌّ أَنْ يُــهِينَ كُلَّ مَنْ يُخَالِفُهُ ... وَمَا وَافَقَ هَوَاهُ - وَلَوْ كَانَ خَطَأ أو بَاطِلاً - يُبَالِغُ فِي نُصْــــرَتِهِ ، وَلَوْ بِالأكَاذِيبِ وَالتُّرهَاتِ ، وَادِّعَاءِ الإجمَاعِ»([201]).
    لَكن «يَأبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يَفْضَـحَ الْمُفتَرِيَ الْكَذَّابَ ، وَيُنْطِقَهُ بِمَا يُبَيِّنُ بَاطِلَهُ »([202])، حَيثُ نَقَضَ أَبُو الْحُمْـرَةِ مَا رَقَمَهُ بِقَولِه في ذَيْلِ مقَالِهِ :"لَيْس فيـمَا جَاَءَ بِهُ الدكتُورُ شَيءٌ صَريـحٌ فِي تَـجْويـزِ الإنْكَارِ العَلَني فِي غَيْبَةِ وَلِيّ الأَمْرِ إلاّ كَلَامَ الشَّيخِ مُقبِلٍ وَالشَيخَ ابنَ قَعُودٍ رَحِمَهُمَا اللهُ"اهـ([203])،﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ﴾.
    بَلَى ، إنَّ أَبَا الْحُــمرَةِ «اعتَقَدَ» بِأَنَّ شَيْخَنَا فَرْكُـوسًا "الدّكتُورَ مَعْلُومٌ عَنْهُ قِلَّةُ اشْتِغَاِلهِ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَضُعْفُ تَحْقِيقِهِ لِمَسَائِلهَا ، يَغْلِطُ فِي أَمُور وَاضِـحَةٍ ، لَا يَغْلِطُ فِيهَا مَنْ لَهُ اشتِغَالٌ وَفَهْمٍ فِي العَقِيدَةِ"([204])،ثمَّ أَرَادَ أنْ «يَسْتَدِلَّ» عَلَى ذلِكَ وَلَوْ بانتحَالِ «البَتْرِ الغَبِيِّ البَليدِ»؛ حَيْثُ تَوَجَّهَ أَبُو الْحُمْـرَةِ إلَى «الثُّلُثِ الأَخِيرِ» مِنْ جَوَابِ ابنِ بَاز ، وَقَطَعَ النَّظـــرَ عنِ «الثُّلثَينِ السَّابِقَيْنِ» مِنْ جَوَابِهِ - رَحِمَهُ اللهُ- ؛ مُتَعَلِّلًا بِتِلْكَ «الْحُمرةِ» .
    وَلَعَلَّ أَبَا الْحُمْرَةِ شَعَرَ بِشِدَّةِ بَلَادَتِهِ وَسَذَاجَتِهِ ؛ فَاحْمَرَّتْ - واللهُ أعْلَمُ - أَرْنَبَةُ أَنْفِهِ احْمِرَارًا ، حتَّى تَدَفَّقَتْ تِلكَ الْحُمْرَةُ مِنْ وَطْأَةِ الْخَجَلِ ، فَلَم يَجِدْ أَبُو الْحُمْرَةِ مَا يَسْتُرُ بِهِ حُمرَةَ الْخَجَلِ ، سَوى أنْ يَرْكَبَ «الْمَعَاريضَ ، فالْكَذِبَ»، فَسَارعَ يُشْغِلُ البَبَغَاوَاتِ بِـحُمْرةٍ صَادَفَها حَيْثُ وَقَفَ ؛ لِيُوهِمَهم
    بأنَّ هَذِهِ الْحُمْرَةَ هِيَ لُبُّ استِشهَادِ شَيْخِنَا فَرْكُوسٍ ، وَكأنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ أَرَادَ - زَعَـمًا- إنصَافَهُ ،«ألَا إِنُّه الكَذِبُ الَّذِي يُرَافِقُهُ الغَبَاءُ الشَّدِيدُ([205])، قَالَ بَكْرٌ أَبُو زَيْدٍ(ت:1429هـ):"احِذَرْ أنْ تَمرُقَ مِنَ الصِّدقِ إِلَى الْمَعَارِيضِ ، فَالكَذِبِ ، وَأَسْوَأُ مَرامِي هَذَا الْمُرُوقِ (الكَذِبُ فيِ العِلمِ) ؛ لِدَاءِ مُنَافَسَةِ الأَقرَانِ، وَطَيَرَانِ السُّمعَةِ فِي الآفَاقِ"اهـ([206]).
    وَلَقَدْ أَيْقَنَ أَبَو الْحُمْرَةِ بِأَنَّ رُقْعَةَ بَتْرِ اسْتِشهادِ شَيْخِنَا بَيِّنٌ عَوَرُهَا ، وَأنَّهُ مَغْلوبٌ ؛ فَاستنصَرَ بِبدْعٍ مِنَ القَولِ ؛ فِرَارًا من الزَّحْفِ ؛ فقَالَ :"لَا أَدْري كَيفَ استسَــاغَ الدّكتُورُ أَنْ يَنسبَ الشَّيْخَ إِلَى مَذْهَبِهِ ، وَيَزْعُمَ مُوَافَقَتَهُ لَهُ بِهَذَا الكَلَامِ البَعِيدِ عَنِ الاِحتِمَالِ ، الوَاضحِ فِي مُرَادِ الشَّيْخِ ، مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الوَاضِحِ في هَذِهِ الْمَسْألةِ الَّذي قَالَ فِيهِ :"لَيْسَ مِنْ مَنهَجِ السَّلَفِ التَّشْهِيرِ بِعُيُوبِ الوُلَاةِ ، وَذِكْـر ذلك عَلَى الْمَنَابِرِ ؛ لأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الفَوْضِى ، وَعَدَمِ السَّمع وَالطَّاعَةِ في الْمَعرُوفِ ، وَيُفْضِي إِلَى الْخَوْضِ الَّذِي يَضُرُّ ، وَلَا يَنفَعُ ، وَلَكِنّ الطَرِيقَةَ الْمُتَبَعَةَ عِندَ السَّلَفِ النَّصيحَةُ فيـمَا بَيْنَهُم وَبَين السُّلطَانِ، وَالكِتَابَةُ إِلَيْهِ ، أوِ الاتِّصَالُ بِالعُلمَاءِ الَّذِين يَتَّصِلُونَ بِه ؛ حتى يُوَجِّهَ إِلَى الْخَيْرِ "، وَذَكَر فِيهِ أَنَّ قَتْل عُثْمَانَ وَعَلِيّ ، وَقَتَلَ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةَ - رَضِي الله عَنهم - وَغَيرَهُم كَانَ بِسَبَبِ الإنكَارِ العَلَنِي وَذَكْرِ العُيُوبِ عَلَنًا "اهـ([207]).
    قُلتُ : يَا أَبَا الْحُمْرَةِ - أصْلَحَــكَ الله - ، لِمَاذَا اِسْتَجَلْبَتَ قَولَ ابنِ بازٍ - رَحِـمِهُ الله- ( لَيْسَ مِنْ مَنهَجِ السَّلَفِ ... الْخَيْرِ ) ؟! إلَّا أَن يَكُونَ أوضَـحَ في بَابِ الإنْكَارِ العَلَنِيِّ ، وأَقْوَى مِمَّا اِسْتَجْلَبَهُ شَيْخُنَا ؛ وَلأَنَّه « مَعروفٌ بِهِ» عِندَكَ ، وَكَأنَّ مَا اِسْتَجَلْبَهُ أَبُو الْحُمْرَةِ « نَصٌّ ، مُحْكَمٌ»، لَا يقبَلُ التَّأويلَ ، أَمَّا مَا اِسْتَجَلْبَهُ شَيْخُنَا فَهوُ «مُتَشَابِهٌ، مجْمَلٌ»، وَهذَا مَا رَقَمَهُ أَبُو الْحُمْرَةِ قَائِلًا :"لَيْسَ فِيـمَا جَاءَ بِهِ الدُّكتُورُ شَيءٌ صَرِيحٌ فِي تَجْوِيزِ الإنْكَارِ العَلَني فِي غَيْبَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ ، إلاَّ كَلَامَ الشَّيخِ مُقْبْل ، والشَّيخِ ابنِ قَعُودٍ - رَحِـمَهُمَا اللهُ -، وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيس مَعَهُ إِلَّا تَأْويلُ الصَّريـح ، وَالتَّمسُّكُ بـ «الْمُجْمَـــلِ»، وَوَضْعُ القَوَاعِدِ فِي غَيْرِ موَضِعِهَا ، وَتَنْزِيلُهَا عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا ، وَإلغَاءُ مَا اعْتَبَرهُ الشَّارِعُ في الأَحْكَامِ ، وَإنَاطَةُ الْحكمُ بِمَا ألغَاهُ ، مَعَ تَحْمِيلِ كَلَامِ العُلمَاء مَا لَا يَحْتَمِلُه ، وَ «نِسبَتُهم إلى خِلَافِ مَا هُم مَعْرُوفُون بِهِ»، وَمَا عَسَى مَنْ يَتْرُك صَرِيحَ النُّصُوصِ وَصِحَاحَ الآثَار أَنْ يَـجِدَ مِن مُتَعَلَّقٍ غَيرَ أَنْ يَلجَأَ إِلَى هَذِهِ السُّبُل الْمُلتَوِيَّةِ ؟! وَمَــا مِنْ مُبتَدَعٍ عَلَى وَجْــــهٍ الأَرْضِ ، أَو صَاحِب هَوَى إِلَّا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَن يَنتَصـِرَ لِرَأيِهِ بِمِثلِ هَذِهِ الطُّرُقِ ، وَمَا هُوَ أَقْوَى مِنهَا ، وَلَكِنّ «طَريقَةَ العُلمَاءِ لزومُ الْمُحكَمِ وَالقَولُ بِه ، وَرَدُّ الْمُتَشَابِهِ إِلَيْه » "اهـ([208]).
    قُلتُ : سُبْحَانَ الله! يَا أَبَا الْحُمْرَةِ ، هَذَا يُذَكِّرنَا بِقَــــوْل شَيخِكَ:" أنْتَ رَأَيتَ كَلَامًا عِنْدَ أَهْلِ العِلم ، وَاشْتَبَهَ عَلَيْكَ ، فَأَنتَ لَا تَأخُــــذُ مَا قَالَهُ لِكَي تُشَنِّع عَلَيْهِ ، أَو تُجَرِّحَـــه مِنْ غَيْرِ حَقٍّ ، بَلْ يَنبَغِي أَنْ تَأخُذَ مُجُملَ كَلَامِــــهِ الْمَبثُوثِ هُنَا وَهُنَاكَ ، وَتَرُدَّ الْمُتَشَابَهَ إلَى الْمُحَكَم ؛ لأَنَّ هَذِهِ هِي طَرِيقُ الرَّاسِخِينَ فِي العِلمِ "اهـ([209])، وَكَأنَّ أَبَا الْحُمرَةِ يُخَاطبُ شَيْخَنَا قَائلًا :" كَلَامُ ابنِ بَازٍ- رَحِمَهُ الله - وَاضِـحٌ جِدًّا عِندنَا ، فَإنِ اشْتَبَهَ عَلَيْكَ ، فَيَنبَغِي أَنْ تَأخُذَ مُجُملَ كَلَامِهِ هَنَا ، ثمَّ تَرُدَّهُ إلَى مُحْكَمِ ومُفَصِّلِ قَوِلهِ هناكَ، من مثلِ جَوابِهِ عَنِ السُّؤالِ التَّالِي :(هَلْ مِنْ مَنْهَج السَّلفِ نَقْدُ الوُلَاةِ مِنْ فَوْقِ الْمَنَابِرِ؟ فَأجابَ :"لَيْسَ مِن مَنْهج السَّلَفِ التَّشهير بِعُيُوبٍ الولاة ... الِخ)؛ لأنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عن ابنِ بازٍ - رَحِمَهُ الله - "اهـ . وَهذَا السَّقْطَةُ وَقَّعَ عليهَا شَبَابٌ وَشُيُوخٌ كَالدُّكتُورَيْن مَاضِي ، وَبُوفَلجَةَ ، ومن لَطيفِ القَولِ :
    شَبَابُـهُم وَشِيبـهُم سَوَاءٌ ******* فَهُم فِي اللَّوْمِ أَسنَانُ «الْحِمَارِ» ([210])

    قَال العَلَّامَــــةُ رَبِيعٌ في مَعْرضِ الرَّدِّ على فَالِحٍ :"مِنْ تَلَوُنَاتِكِ الْحِرْبَائِيَّةِ أَنَّكَ كُنْتَ مَعَ السَّلَفِيِّينَ فِي الإنْكَارِ عَلَى مَنْ يَقُولُ بحَمْلِ الْمُجْمَل عَلَى الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَادَكَ الظُّلمُ وَالبَغْيُ وَالفُجُورُ فِي الْخُصُـومَةِ أَن تَنْضَـمَّ إِلَى حِزْبِ سَيِّد قُطْبٍ فِي القَولِ بِـحَمْلِ الْمُجْمَـلِ عَلَى الْمُفَصَّلِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْبَحَ مَذْهبًا لَكَ ، فَلِمَاذَا لَم تَحمِلْ مُجمَلِي عَلَى مُفَصَّلِي؟! "اهـ"([211]).
    قُلتُ: وَلِمَاذَا- يا أَبَا الْحُمرَةِ- لَم تَحْمِلُوا - مجْمَلِ كَلَامِ شَيْخنا عَلَى مُفَصَّلِهِ، مِنْ مِثَلِ كَلِمَتِهِ الشَّهْريَّة (فِي حُكمِ التَّشْهِيرِ بِالْحُكَّامِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَيهِم) ،الَّتي نشرها في عَام: 1434هـ الْمُوَافق 2013م، ومنْ مُفصَّــــلِ قَولِه :"أَهْلَ السُّنَّةِ السَّلَفِيِّين يُنْكِرون مَا يَأمرُ بِهِ الإمامُ مِنَ البِدَعِ وَالْمَعَاصِي ، ويُحَذِّرُونَ النَّاسَ مِنهَا ، وَيَأمرُونَهُم بِالابِتِعَادِ عَنْهَا ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ إِنكَارُهم عَلَى وُلَاةِ الأُمـــــور في مَجامِعِ النَّاسِ وَمَحَافِلِهم، وَلَا عَلَى رُؤُوسِ الْمَنَابِر ، ومجَالِسِ الوَعْظِ ، وَلَا التَّشْهِيرِ بِعُيُوبِهِم ، وَلَا التَّشْنِيعِ عَلَيهم في وَسَائِلِ الإعلَامِ بِأنوَاعِهَا الْمُخْتَلِفةِ : الْمَرْئيَّةِ، وَالْمَسْموُعَةِ ، وَالْمَكتُوبَةِ بِالكِتَابِةِ فِي الصُّحُفِ وَالْمَجَلَّات ، أو بِالصُّوَرِ الكَارِيكَاتُورِيَّةِ ، وَنحوِ ذَلِكَ ؛ لأنَّ ذَلَكَ يُؤدِّي إلى تَألِيبِ العَامَّة ، وإثَارَةِ الرَّعَاعِ ، وإيغَارٍ لِصُدُورِ الرّعِيَّة عَلَى وُلَاةِ الأمُورِ ، وَإشْعَالِ الفِتْنَةِ ، وَيُوجِبُ الفُرْقةَ بَيْنَ الإخْوَانِ وَهَذِهِ النَّتَائِجُ الضَّارَّةُ يأباهَا الشَّرْعُ، وَيَنْهَى عَنْهَا ، و«كُلُّ مَا يُفْضِي إِلَى حَرَامٍ فَهُوَ حَرَامٌ» اهـ([212]).
    فَالْمَقْصُودَ : أَنَّ أبَا الْحُمْرةِ حَمُّودَةَ «بَتَرَ» اسْتِشْهَادِ شَيْخِنَا بِكَلامِ ابن بازٍ ؛ حيثُ حَصَرَ أبَو الْحُمْرةِ ذِهْنَهَ في الثُّلثِ الأَخِيرِ : منِ قَوْلِه -رَحِمَهُ الله- «وكَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ ... لَم يَسْتَحَ»، لَكنَّ أبا الْحُمْرةِ أَغْفَلَ مَا قَبْلَهُ من مُحْكَمِ وَاضحِ جَلِيِّ ، وَهُوَ لُبُّ استِشهادِ شَيْخِنَا فَركُوسٍ ، قَالَ العَلَّامَــةُ رَبِيعٌ :"مَاذَا صَنَعَ فَالِحٌ بِهَذِهِ النُّصُوصِ هُنَا ؟ لَقَد أَوسَعَهَا بَتْرًا وَتَقْطِيـعًا لأَوْصَــــالِهَا ، عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَقْرَأ قَولَهُ تَعَالَى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّيــــنَ ، وَيَسْكُتُ عَمَّا يُبَيِّنُ هَذَا الوَعِيدُ مِمَّا بَعْدَهُ مِن كلَامِ اللهِ الْمُحكَمِ الوَاضِـــحِ الْجَلِيِّ ؛ لِيُفهِمَ النَّاسَ أَنَّ اللهَ يَتَوَعَّدُ عَلَى الصَّلَاةِ "اهـ([213])، وفي مَوْضِعٍ قاَل عَن الْحدَّادِيَّةِ الْجَدِيدَة :"وَلِلقَومِ أكَاذِيبُ ، وَافْتِرَاءَاتٌ ، وَخِيَانَاتٌ ، وَ«بَتْرٌ» مَتَعَمَّدٌ لِكَلَامِ مَنْ يُريدُونَ أَن «يُلصِقُوا بِهِ تُهْمَةً» مِن التُّهَمِ الكَبِيرَةِ "اهـ([214]).
    لَكنَّ أبَا الْحُمْرةِ بَترَ بِطَريقَةٍ غَبِيًّةٍ شَدِيدَةٍ ، يُرَافِقُهَا الكَذِبُ ؛ مُبَالَغَةً في نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ ، قَال الشَّيْخُ جُمعَةُ مُخَاطبًا أبَا الْحُمْرةِ :" مَا كُنتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ «غَبِيٌّ، سَيِّئُ الفهم» "اهـ([215]). وَقَال ابنُ عثَيْمِين (ت:1420هـ):"وَالْخَطَأُ فِي الفَهْمِ قَدْ يَكُونُ أَشَدُّ خَطَرًا مِنَ الْخَطَأِ بِالْجَــهْل ؛ لأَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يُخْطِئُ بِجهْلِهِ يَعْرِفُ أَنَّهُ جَاهِلٌ، وَيَتَعَلَّم ، لَكِنّ الَّذي فَهِم خَطَأ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ([216])، وَرُبَّمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَعْلمُ مِن الإمَامِ أحْمَد وابن تَيْمِيَّةَ - رَحِمُهُمَا الله- "اهـ([217])؛ فَـلِهَذَا﴿ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ .
    قُلتُ : وَهَلِ اِلتَزَمَ أَبُو الْحُمْرَةِ تِلْكَ الْحُمْرَةَ في كُلِّ شَاهدٍ ؟! تَأمَّلْ- يَا مُنْصِفُ - تَحْقيقَهُ في مَقْطَعٍ لابنِ قَعُـودٍ(ت:1426هـ)، وَرَدَ جَوَابًا في آخَـــرِ مَادَّةٍ صَوتيَّةٍ ذَاتِ 90 دَقيِقَةً ، وَاستَشْهَدَ بِهِ شَيْخُنَا فَركوسٌ ؛ حَيْثُ غَلَبَتِ الْحُمْرَةُ عَلَى الشَّاهِدِ مِنْ هَذَا الْمَقْطَعِ ، لَكنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ اتَّخَذَ الْحُمْرةَ وَرَاءَهُ ظِهْرِيًّا ؛ لأنَّ كَلَام ابن قَعُودٍ "صَرِيحٌ فِي تَجْوِيزِ الإنكَارِ العَلَنِيِّ "([218]). فَاضْطُرَّ أَبُو الْحُمْرَةِ - فيـمَا يَظْهَرُ- إِلَى أنْ يُنَقّبَ في مَادَّةٍ ذَاتِ(90 دقيقة)، بَيْنَمَا الشَّاهِدُ في أَقَلٍّ مِنْ دَقِيقَةٍ ؛ حتَّى ظَفَرَ بِـ«قَرِينَةٍ تُحَقِّقُ سُوءَ قَصْدِه»، فَاسْتَجَلْبَهَا قَائلا :"الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بن قَعَودٍ ... عَالِمٌ ... لَكِن كَانَت لَهُ آرَاءٌ غَيرُ سَدِيدَةٍ في قَضايَا الْجَمَاعَاتِ، وَالإنْكَارِ عَلَى الوُلَاةِ ... حَسْبُكَ أَنَّهُ فِي نَفْسِ الشَّرِيطِ الَّذِي أَحَالَ إِلَيْه الدُّكتُورُ دَافَعَ - الشَّيخُ ابنُ قَعُود - عَن حَسَنٍ البَنَّا ... فَهَل يحتجُّ بِهِ ؟! ... أَحْزَنَنِي كَثِيرًا أَنَّ الدُّكتُورَ ذَهَبَ يَسْتَخْرِجُ كَلَامَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللهُ - ؛ لِيَحْتَجَّ بِهِ لِمَقَاَلَتِهِ، فَيُشَهِّر بَيْنَ النَّاسِ خَطَأَهُ ... مِنَ الْمَعْلُومِ أنَّ النَّاس اليَوْمِ لَا يَسْمَعُون إلى الأشْرِطَةِ ... فَلَوْ كَانَ الدّكتُورُ وَقَفَ عَلَى كَلَامِ ابنِ قَعُودٍ فِي مَوضِعِهِ لأَحَالَ عَلَى رَابِطِ الدَّرسِ، لَا عَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ الشَّـرِيط ، وَالإحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُنتَشَـرَةٌ بِنَصِّهَا فِي مَوَاقِع الأَنتَرِنت ، وَكُتيّبَاتِ أَتباعِ الْجمَاعَاتِ الْحِزْبِيَّةِ ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّه لَم يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ فِي مَوضِعِهِ ، بَلْ وُقِفَ عَلَيْهِ ... الْمَقْصُودُ هُوَ : أَنَّ عَلَى مَنْ يُرِيدُ تَحقِيقَ الصَّوَابِ وَتَحَرِّي الْحَقِّ بِإنصَافٍ وَنَزَاهَةٍ أَنْ يَبْحَثَ عَن كَلَامِ العَالِم في مَكَانِهِ ، فَيَقِفَ عَلَى سِيَاقِهِ وَسِبَاقِهِ ، وَيَعْرِفَ غَرَضَهُ ، وَيفْهَمَ قَصْـــدَه ، ثُمَّ يَنسِبَ إِلَيهِ مَا تَحَقَّقَ عِندَهُ من قَـوْلِهِ وَمَذْهَبِهِ ، وَلَا يَكْتَفِي بِمَا يُنشَرُ مِنَ الْمَقَاطِعِ الْمُجْتَزَأَةِ ، الَّتِي قَدْ يَخْفَى مَعَهَا وَجَهُ الصَّوَابُ "اهـ([219]).
    قُلتُ : إنَّ هَذِهِ «القَرِينَة» لقَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي مَكْرِ وَغَبَاوَةِ أَبِي الْحُمرَة مِن ثَمَانيَةِ وُجُـــوه:
    الَوجْهُ الأَوَّلُ : إِنَّ شَيْخَنَا أَحَالَ عَلى الْمَصْدَرِ الأَصْلِيِّ ، طِبْقًا لِلعُرْفِ العِلْميِّ ، وصِدْقًا في تَوْثِيقِ الشّاهِدِ ، فَلَوْ كَانَ شَيْخُنَا يُرِيدُ إِيهَامَ القارئِ لأَحَالَه على الْمَقْطَعِ أَو رَابِطٍ مُعَطَّلٍ .
    الَوجْهُ الثَّاني : إنَّ ذَلِكَ الْمقْطعَ جَوَابٌ عَلَى آخِرِ سُؤَالٍ طُرِحَ عَلَى ابنِ قَعُودٍ ، فَلَا مَعْنَى للنَّظَرِ فِي السِّيَاقِ وَالسِّبَاقِ ، وَلاَ مَعَنى لِكَوْنِ الْمقْطعَ مُجْتزَأً أو لَا، وَلَا مَعنَى لَكونِهِ وُقِفَ عَليهِ ، أو وقفَ بِنَفْسِهِ .
    الَوجْهُ الثَّالثُ :قَالَ الْحَدَّادِيُّ البَحريِنيُّ:" رَبِيعٌ ذَكَرَ مَقَاطِعَ أَو مَقْطعًا مِن ذَلِك ، لَكِن لَوِ اطَّلَعَ رَبِيعٌ عَلَى كَلَامِ ابنِ مَنْدَهٍ كَامِلاً شَامِلاً لَتَبَيَّنَ لَهُ بِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالإيِمَانِ الإسْلَامَ "اهـ
    فَردَّ العَلاَمَّةُ رَبِيعٌ قَائِلًا:"انظُر إِلَى هَذَا الْمَنْهَجِ العِلمِيِّ فِي البَحْثِ وَالنَّقلِ عَنِ العُلمَاءِ مِن كُتبُهِم عِنْد هَذَا الرَّجُلِ العَظِيمِ ، فَمَن أَرَادَ فِي مَنْهجِه نَقْلَ شَيْءٍ مِنْ كِتَابٍ مَا فَعَلَيْهِ أنْ يَطَلَّعِ عَلَى كَلَامِ ذَلِكِ العَالِم كَامِلا شَامِلاً ؛ لِيَتَبَيَّنَ لَهُ مَقصِدُ ذَلِكَ العَالِم ، أَمَّا أَن يَطَّلِعَ عَلَى مَقْطَعٍ مِن كَلَامِهِ أَو مَقَاطِعَ فَهَذَا يُؤَدِّي إِلى الغَلَطِ وَسُوءِ الفَهْمِ "اهـ([220]).
    الَوجْهُ الرَّابِعُ : الظَّاهِرُ أنَّ أَبَا الْحُمْرَةِ اسْتَقْرَأَ مَوَاقِعَ الأَنتَرِنت ، وَكُتيّبَاتِ أَتباعِ الْجمَاعَاتِ ، فَلِهــــذَا قَالَ:"الإحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُنتَشَرَةٌ بِنَصِّهَا فِي مَوَاقِعِ الأَنتَرِنت ... إلِخ)، وَهذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ .
    الَوجْهُ الْخامسُ : إنَّ الْمَقْطَعَ وُجِدَ بِصِيغَةِ (يُوتيُوب) بِدُونِ إِحَالَةٍ([221])قَبْلَ أَنْ يَنشُـرَ شَيْخُنَا مَقَالَتَهُ الثَّالِثَةُ ؛ فَيَجُـوزُ أَنَّهُ "وُقِفَ عَلَيْهِ"، تُمَّ وَقَفَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ في مَوضِعِهِ الأَصْليِّ .

    الَوجْهُ الْسَّادِسُ: إِذَا كَانَ اسْتِشْهَادُ شَيْخِنَا بِقَوْلِ ابنِ قَعُودٍ تَشْهِيرًا بِخَطَئِه ، وَحَمْلًا عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ فَمَاذَا يُسَمِّي أَبُو الْحُمْـــرَةِ قَولَهُ :"الشَّيخُ عَبْدُ اللهِ بن قَعُودٍ ... عُرِفَ عَنْه مُخَالَفَتُهُ لِلعُلَمَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ اْلْمسَائِلِ... كَانَت لَهُ آرَاءٌ غَيْرُ سَدِيدَةٍ فِي قَضَايَا الْجَمَاعَاتِ ، وَالإنْكَارِ عَلَى الوُلَاةِ ... دَافَع ... عَنْ حَسَنِ البَنَّا وَسَفَر الْحَوَالِي ، وَعَنْ بَعْض الْجَامِعَاتِ الْحَزْبِيَّةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ "اهـ([222])؟! فَأعُوذ بِاللهِ مِنَ هَذَا التَّنَاقُضِ الغَبِيِّ .
    الَوجْهُ الْسَّابعُ : مِنَ أَوْضَحِ الوَاضِـحَاتَ : أَنَّهُ "لَا يُنتَصَـرُ لِشَخْصٍ انتِصَارًا مُطْلقا إِلَّا لِرَسُولِ الله- صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم-، وَلَا لِطَائِفَةٍ انتِصَارًا مُطلقًا عَامًّا إِلَّا لأَصْحَابِه"([223])، فَلِمَاذَا يُنْكِرُ أَبُو الْحُمْرَةِ قَائِلاً:" دَافَعَ - أعني الشَّيخُ ابنُ قَعُود- عَن حَسَنٍ البَنَّا ، وَسَفَر الْحَوَالِي ، وَعَنْ بَعْض الْجَامِعَاتِ الْحَزْبِيَّةِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ... فَهَل يُـحتجُّ بِهِ ؟!"اهـ؟! نَعُوذُ بِاللهِ مِن الْمكْرِ وَالغَبَاوَةِ .
    الَوجْــــهُ الثَّامِن : قَالَ شَيْخُنَا :"الْمُشَاركَةُ الاِجْتِـهَادِيَّةُ فِيـهَا لَم تَخْرُج عَنْ فَهْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِي الله عَنهُم وَتَقْرِيرَاتِ عُلمَاءِ السُّنَّةِ العَامِلِينَ ، الَّذِين أَثبَتُوا ـ فِي الْجُمَلَةِ ـ الإنَكَارَ العلنيَّ بِضَوَابِطِهِ ... فَإذِا نُسِب الْخَطأُ وَالشُّذُوذُ إِلَى هَذِهِ الفَتْوَى فَإِنَّمَا يُنسَبُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَنقُول عَنهم مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ الله عَنهُم وَالعُلمَاء الأثبَات مِنْ بَابٍ أَوْلى "اهـ([224]).
    فَاعْتِرَاضُ شَيْخِنَا وَاضِحٌ ، لَكنَّ امتِعَاضَ أَبي الْحُمَرَةِ سَائِحٌ ، مُنتَهَاهُ الْحَيْدَةُ عَنِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ، قَالَ العَلاَمَّةُ رَبِيعٌ :"لَمَّا أُصِيبَ فَالِحٌ فِي مَقَاتِلِهِ، وَفُضِحَ بِفَسَادِ تَأصِيلِهِ وَأَحْكَامِهِ ، وَظَهَرَ جَهْلُهَ ، ذَهَبَ يَتَعَلَّقُ بِأَشيَاءٍ لَيْسَتْ «أَسَاسِيَّةً فِي النِّزَاعِ» ؛ لِيُلهيَ النَّاسَ عَنْ جَـهَالاَتِه الأَسِاسِيَّةِ ، وَتَأْصِيلاَتِهِ الفَاسِدَةِ "اهـ([225])، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِن الْمكْرِ وَالغَبَاوَةِ .
    أمَّا كَلام الأَلْبَانِيِّ(ت:1420هـ)، الَّذِي اسْتَشْهدَ بِهِ شيْخُنَا : فَصَريِحٌ جدًّا جدًّا ، فِلِذَا لَم يَجِد أَبُو الْحُمْرَةِ قرينَةً ، سِوَى أَنْ يُجْمِلَهَا قَاِئلاً:"هُو مِثلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَابن القَيِّم وَابنِ بَازٍ وَابنِ عُثَيْمَين وَغَيرِهم "اهـ([226]).
    أَمَّا ابن عُثيْمين(ت:1421هـ) فقَد سُئلَ السُّؤال الآتي: "هُنَاك مَنْ يَقُولُ : إنَّ الإنكَارَ عَلَى الوُلَاةِ عَلنًا مِنْ مَنْهجِ السَّلَفِ ، وَيَسْتَشْهِد بحدِيثِ أَبي سَعِيدٍ الْخُدري في إنْكَارِهِ عَلَى مَروَانِ بنِ الْحكَم ... فَهَل هَذَا كَلَامٌ صَـحِيحٌ ؟ وَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الآثارِ الصَّحِيحَةِ وَبَيْن قَولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَام: (مَنْ أَرادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلطَانٍ ..) نَرُجُو التَّفْصِيلَ ... الَخ .
    فَاسْتَفتَحَ الشَّيْخُ-رَحمه الله- مُجيبًا :"لَا شَكَّ أَنَّ إنكَارَ الْمُنكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كلِّ قَادِر عَلَيْهِ، لِقَولِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالى:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ... ... «لتأمرنَّ بِالْمَعْرُوفُ ..» ... ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ ... كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، وَلَكِن يَجبُ أَنْ نَعْلَم أَنَّ الأَوَامِرَ الشَّرْعِيَّةَ فِي مِثلِ هَذِه الأُمُـورِ لهَا مَجَال ، وَلَابُد مِنِ استِعمَالِ الْحِكمَةِ ، فَإذَا رَأَينَا أَنَّ الإنْكَارَ عَلنًا يَزُولُ بِهِ الْمُنْكَرُ وَيَحْصُلُ بِهِ الْخَير فَلْنُنْكِرْ عَلَنًا، وَإذَا رَأَينَا أَنَّ الإنكارَ عَلنًا لَا يَزُولُ بِهِ الشَّرُ، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْخَيْر بَل يَزْدَادُ ضَغْطُ الوُلَاةِ علَى الْمُنْكِرِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ ، فَإنَّ الْخَيرَ أَن نُنْكِر سِرًا، وَبِهَذَا تَجتَمِعُ الأَدِلةُ ، فَتَكُونُ الأَدِلَّةُ الدّالَة عَلَى أَنَّ الإنكارَ يَكُونُ عَلنًا فِيـمَا إِذَا كُنَّا نَتَوَقَّعُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ ، وَهِيَ حُصُولُ الْخَيرِ ، وَزَوَالُ الشَّرِ ، وَالنُّصُوصُ الدَّالَةُ عَلَى أَنَّ الإنْكَارَ يَكُونَ سِرًا فِيـمَا إِذَا كَانَ إِعْلَان الإنكَارِ يَزْدَادُ بِه الشَّرُّ ، وَلَا يحصُلُ بِهِ الْخَيْرُ "اهـ([227]).
    قُلْتُ : تأَمَّلْ - يَا مُنصِفُ - السُّؤالَ وَالْجَوابَ ؛ حَيثُ اسْتَفتَحَ الشَّيخُ -رَحِمَه الله- جوابَهُ مُحْتَجًّا بِعُمُومِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهي عَن الْمُنكَرِ ، فَهل صَارَ الشَّيخُ - رَحِمه الله- علَى سَننَ الْخَوارجِ في الاِستِدْلَالِ؟! قال ابنُ قَيِّم الْجَوزيَّةِ(ت:751هـ):"وَمُشَارَكَةُ أَهْلِ البَاطِلِ لِلمُحِقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَدُلُّ على بُطْلَانِهَا، وَلَا تَكُونُ إِضَافَتُها لَهُم مُوجِبَةً لِبُطْلَانِهَا مَا لَم يَخْتَصُّ بِهَا اهـ([228])، لَكنَّ الْعلَّامَةَ أَبَا الْحُمْرَةِ قَالَ في مَعرَضِ الرَّدِّ عَلى شَيْخِنا فركوس :"اِحتِجَاجُهُ بِعُمُومَاتِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهي عَن الْمُنكَر غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَهُو مِن جِنسِ احتِجَاجِ الْخَوَارِج "اهـ([229]).
    قُلْتُ : وَالآنَ تأَمَّلْ- يَا مُنصِفُ - قَولَ السّائِلِ : "وَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الآثارِ الصَّحِيحَةِ ، وَبَيْن قَولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَام: ( مَنْ أَرادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلطَانٍ ...."اهـ، ثمَّ تَأَمَّلْ جَوابَ الشَّيخِ - رَحمَه الله- :«وَبِهَذَا تَجتَمِعُ الأَدِلةُ»، فَتعَارُضُ الأَدِلَّةِ عِنْدَ شَيْخِنَا ، واجتهَادُه في الْجَمعِ بَينهَا سَبَقَهُ إلَيْهِ ابنُ عثُيْمين ، لَكنَّ أَبَا الْحُمرَةِ جَعَلَ نفسَهَ «الْمِيزانَ» ؛ فَنَطَـح- زَعَمًا - شَيْخَنا بَقَرْنَيْ حِـمَارِه قَائلا:"زَعَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَقُتَضَى الْجمع بَيْنَ الأَدِلَّةِ ، مَعَ أَنَّه ليس في الأدلة مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ بَلِ النُّصوصُ العَامَّةُ وَالقَوَاعِدُ ... كُلُّهَا تُؤيِّدُ الْحَدِيثَ "اهـ([230]).
    كَذَلِكَ تَأمَّلْ أيْضًا قَرنَيْ حِمَارِ أَبي الْحُمرَةِ في قَولِهِ :"قِيلَ لَهُ- أي:- لابن عُثَيْمِين - إِنَّ الآثَارَ الوَارِدَةَ عَنِ الصَّحَابِة فِي الإنْكَارِ كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْحَاكــــمِ ، فَبَيَّنَ الشَّيْخَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُــرَادُهُ ، وَمَعَ هَذَا لَا يَزَالُ الدُّكتُورُ مُصِرًّا عَلَى نِسْبَةِ هَذَا القَولِ إِلَيهِ ، وَكَتَمِ آخِرَ كَلَامِهِ ، نَسَبَه إِلَيْهِ فِي الفَتْوَى الأُولَى وَأَعَادَهُ فِي الثَّالِثَةِ "اهـ([231]).
    قُلْتُ : وهَذا كَذِبٌ صَريحٌ ، يَظْهَرُ مِن ثَلاثَة أَوجُهٍ :
    الوَجهُ الأوَّلُ : الظَّاهرُ مِن جَوَابِ أَبي الْحُمْرَةِ أَنَّ «الإنكارَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ» وَرَدَ في آخِـرِ كَلَامِ ابن عُثَيِميْن - رَحِمَه الله-، لَكنَّ شَيْخَنَا كَتَمَهُ ، وَهذَا كَذِبٌ محْضٌ ، وَإنَّما قيدُ «الإنْكارِ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ» وَردَ في سُؤَالٍ آخِرَ مَسْتَقِلِّ ، بَعْدَ سُؤَالَين من السُّؤالِ الّذِي اِعْتَمَدَهُ شَيْخُنُا ، وَهذَا مَا غَرَّدَ بِهِ خَدَنُ أَبي الْحُمرَةِ (وَلد عمَر) قَائِلًا :"مَا لَم يَذْكُرهُ الدّكتُورُ فَركُوسٌ فِي فَتَوَاهُ مِن كَلَامِ العَلَّامَــةِ ابن عثَيْمين ، وَهُوَ فِي الشَّرِيطِ نَفْسِهِ ، بَعْدَ الكَلَامِ الَّذِي نَقَلَهُ بِسُؤَالَيْنِ فقط "اهـ([232]).
    وَالظَّاهِرُ - والله أعلَم- أنَّ
    أَبَا الْحُمْرَةِ هُنَا اعتَمَدَ على وَسَائِطَ ، أيُ : أنَّه لَم يراجِعْ الأصْـــلَ ، وإنَّمَا اعتَمَد - والله أعلَم- عَلَى مقَطعٍ «يُوتِيوب»، نُشِرَ في 21 أوت«2012م»، تَحت عُنوَان :(الفَتَوَى الكَامِلَةُ فِي الإنْكَارِ العَلَنِيِّ عَلَى الْحَاكِم ابن عثيَمين )، وقد صُدِّرَ «اليُوتِيوبُ» قَبْلَ أَن يَبدَأَ جَــوَابَ ابن عثيْمين بِفِقْرَةٍ نَصُّهَا كَالآتِي : «وَضَعَ بَعضُ أَصْحَابِ الأَهوَاءِ كَلَامًا مَبتُورًا لِلعَلَّامَة ابن عُثَيْمِينِ فِي الإنكَارِ العَلَنِي عَلَى الْحَاكِم، وَلِكَيْ لَا يُلَبِّسَ أَهْلُ الأَهوَاءِ عَلَى العَوَامِ وَغَيْرِهم فَهِذِهِ الفَتَوى الكَامِلةُ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ الله تَعَالَى - مِنْ لِقَاء البَابِ الْمَفتُوحِ الشَّرِيطِ 62 ».
    قلتُ : إنَّ صَاحِبَ «اليُوتِيوب» ذَكَرَ جَـــوَابَ السُّؤَالِ الَّذِي اعتَمَدَه شَيْخُنَا ، ثمَّ أعَقبَهُ بِالْجَوَابِ الَّذِي اعتَرضَ بِهِ أَبُو الْحُمْرَةِ علَى شَيْخِنَا ، بَيْنَمَا في الشَريِطِ الأصلِيِّ يُوجَــــدُ سُؤَالاَنِ بعَدَ جوابَ السُّؤَالِ الَّذِي اعتَمَدَه شَيْخِنَا ، فَأَوهَم صَاحِبُ «اليُوتِيوب»- مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ- السَّامِعَ بثبوت بَترٍ في آخِــر جواب الشَّيخِ - رَحمهِ الله - .

    الوَجهُ الثَّانِي : الظَّاهرُ مِن جَوَابِ أَبي الْحُمْرَةِ أَنَّ ذلَكَ السَّائِلَ هُوَ الّذِي اِسْتَدْرَكَ ، أَوْ ذَكَّر ، أَوَ نَبَّهَ ابنَ عُثَيْمِين عَلى تَقْيِيدِ (الإنْكَارِ بِحَضْرَةِ الْحَاكمِ)، ثمَّ (بَيَّنَ الشَّيْخَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُ ) ، وَهذَا كَذِبٌ مَحْضٌ ؛ ومَنْ رَامَ الدَّلِيلَ فَلْيُرَاجِعْ الصَّوتِيَّة ، وإلَّا فلْيَسْتَأنِسْ بِالْمُفَرَّغِ الآتي :
    السَّائِلُ : فِيه ضَابِطٌ مُهِمٌّ - يَا شَيخُ - في سُؤَال الأَخ لَو ذَكَرت ، لَكِنّ مَا يحسَبُ عَلَيَّ سُؤَالُ.
    الشَّيخُ : لَا، سُؤَاُلكَ فَقَط.
    السَّائِلُ : لَكِنّه ضَابِط مُهِمٌّ ، ضَابِطٌ مُهِمٌّ لَو تَذكُرهُ يَا شَيخ.
    الشَّيخُ : نَعَم .
    السَّائِلُ : أَنَّهُ مَنِ الَّذِي يُقَرِّرُ أَن يُنكِر عَلَنِي فِي مُنكَراتٍ مَعْرُوفَةٍ فِي الْمُجتَمع هُم العُلمَاءُ .
    الشَّيخُ : نَعَم.
    السَّائِل : أَم هُم الدُّعَاةُ؟
    الشيخ : مَسْألةُ التَّقْرِير هُو أَنْ يَتَكَلَّمَ عَن الإنْكَارِ عَلَى الوُلَاةِ .
    السَّائِلُ : نَعَم .
    الشَّيخُ: مَا هُو عَلَى الْمُنكَراتِ الشَّائِعَة، يعني: -مثلاً- عندنا الآن في الآن مثلا ايش؟ مُنكَــراتٌ شَائِعَةٌ مِثلُ الرِّبَا وَالْمَيْسِر ، وَالتَّأمِينَاتُ الآنَ الْمَوجُــودَةُ عِندَنَا أكثَرُهَا مِنَ الْمَيْسِر ، وَالغَرِيبُ أَنَّ النَّاسَ أَخَــــذُوهَا بِالقَبُولِ ، وَلَا تَكَادُ تَجِدُ أحَدا يُنكِرُهَا مَعَ أَنَّ اللهَ قَرنَهَا بِالْخَمِرِ وَالأَنصَابِ والأَزْلَامِ وَلَكِــنَّ النَّاسَ - سُبحَانَ اللهِ- لَا تَجِدُ أَحَدًا يُنكِرُهَا ، تُؤمِّنُ عَلَى سَيَارَتِكِ ، أَو عَلَى بَيتِكِ ، تُسَلِّم دَرَاهِمَ وَلَا تَدْرِي ، هَل تَخْسَر أكثَر أَم أَقَل ، وَهَذَا هُوَ الْمَيِسـِرُ ، فَأَقوُلُ: أَمَّا الْمُنكَراتُ الشَّائِعَةُ فَأنكِرْهَا، لَكِنَّ كَلَامَنَا عَلَى الإنكَارِ عَلَى الْحَاكِم ، مِثلُ أنْ يَقُومَ الإنسَانُ- مَثَلاً- فِي الْمَسْجِدِ ـ وَيَقُولُ الدَّولَةُ ظَلَمَتِ، الدَّوْلَةُ فَعَلَت ، فَيَتَكَلَّمُ فِي نَفسِ الْحُكَّامِ ، «ثُمَّ» هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الأَمِيرُ أَوِ الْحَاكمُ الَّذِي تُريد أَنْ تَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَيْنِ يَدَيْكَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا ؛ لأَنَّ جَمِيعَ الإنكاَرَاتِ الوَارَدَةِ عَنِ السَّلَفِ إنكَارَاتٌ حَاصِلةٌ بَيْنَ يَدَي الأَمِيرِ أَوِ الْحَاكِم ..... الِخ "اهـ([233]).
    قُلتُ: تَأَمَّـلْ - يَا مُنْصِفُ - سُؤَالَ السَّائِلِ ، ثم جَوَابَ ابْنَ عُثَيْمِين ، ثمَّ أَخْبِرْنِي عَنْ مَصْـدر قَولِ أَبِي الْحُمرَةِ الكَذَّابِ :"قِيلَ لَهُ- أي: ابن عُثَيْمِين- إِنَّ الآثَارَ الوَارِدَةَ عَنِ الصَّحَابِة فِي الإنْكَارِ كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْحَاكمِ ، فَبَيَّنَ الشَّيْخُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُ "اهـ([234])، وَيُنشَدُ فِي تَكِذِيب خَبَرٍ وإبْطَالِهِ :
    إِذَا ذَهَبَ «الْحِمَارُ» بِأُمّ عَـمرٍو ******* فَلَا رَجَعَتْ وَلَا رَجَعَ «الْحِمَارُ»([235])

    الوَجْهُ الثَّالثُ : قَالَ أَبُو الْحُمْرَةِ :"فَبَيَّنَ الشَّيْخُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُ "اهـ، أيْ: أنَّ الشَّيْخَ أرَادَ في الْجوابِ الأَوَّلِ تَقْيِيدَ (الإنْكَارِ العَلَنِيِّ بِحَضْرَةِ الْحَاكمِ )، لَكنَّ التَّعْبِيرَ خَانَهُ ، أوِ السَّامَعِينَ لَم يَفْهَمُــوا عَنْهُ ذَلِكَ ، وَهَذَا تَحريفٌ بَلِيـدٌ ، وَمِنْ تَحمِيلِ الكَلامِ مَا لا يحْتَمِلُ ، وإلَّا فَلْيَسْتَخَرِجْ أَبُو الْحُمْرَةِ مِنَ الْجَوَابِ الأَوَّلِ ذلِكَ القَيدَ ، ثمَّ لَا يَنْسَ أَنْ يتَأمَّلَ هَذا الشَّاهِدِ الآتي :
    قَرَأ الطَّالِبُ عَلَى ابنِ عُثَيْمِين قَوْلَ الْحَافِظ :"وَفِيهِ الاِكتِفَاءُ فِي إِنكَارِ الْمُنكَرِ بِالقَولِ «وَلَوْ فِي غَيبَةِ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ »؛ لِيَتَعِظَ مَنْ يَسْمَعُهُ ؛ فَيَحْذَرَ مِنَ الوُقُوعِ فِيِه "اهـ .
    الطَّالبُ : هَذَا الفِعْلُ ، هَلْ يَشْمُلُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الإنسَانُ حَاكمًا أَو مَحكومًا ، عِلمًا بِأَنَّكُم - شَيخَنَا - أَفْتَيتُم فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَّةِ أَنَّ غَيْبَةَ وُلَاةِ الأُمُورِ وَغَيْبَة العُلمَاءِ لَا تَجُوزُ لِمَا فِي ذَلِك مِنَ الْمَفْسَدِةِ؟
    الشَّيخُ : نَعَم لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الْمَفْسَــــدَةِ ، أَمَّا «إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَالْمَصْلَحَةُ مُبتدَأَةٌ ، وَتَكُونُ الغَيبَةُ هُنَا نُصْحًا ، لَا مُجَرَّدَ غَيْبَةٍ ».

    الطَّالبُ: سَألتُ مَرَّةً يَا شَيخُ ، قُلتُ إِذَا رَأَيتَ مُلَاحَظَةً عَلَى رَجُلٍ مَسؤُولٍ أَو أَحَدِ وُلَاةِ الأُمُورِ تُخَاطِبُهُ أَمَامَهُ ، وَتُوَجِّهُ إِليهِ الْخِطَابَ بِأَنَّكَ أَخْطَأتَ فِي كَذَا أَمَامَهُ ، وَلَيسَ فَكَيفَ؟
    الشَّيخُ : صَحِيحٌ، إِذَا كَانَ أَمَامَنَا مَا هُوَ غَيْبَةٌ الغَيبَةُ مَأخُوذَةٌ مِنَ الغَيبَةِ إِذَا كُنتَ غَائِبًا عَنْهُ ؛لأنَّ فِيهَا مَفسَدَةٌ ، وَفِيهَا أَنَّها قَد تُزَادُ الكَلمَةُ ، وَيُنسَبُ لِلقَائِلِ مَا لَم يَقُل . "اهـ([236])
    (الْخَاتِمَةُ)

    فالْحَاصِلُ وَالْمَقْصُــودُ : مِنْ تَصْويـرِ مَكْـرِ أَبِي الْحُمْرَةِ وَتَنَاقُضَاتِهِ وَغَبَاوَتِهِ في فَهْمِ كَلَام العُلَمَاء هُوَ أن نردَّ عَلَيْه دَاءَهُ ، الَّذِي رَمَى بِهِ الشَّيْخَ جمُعَةَ ، ثمَّ انْسَلَّ "مِنْ أَنَّهُ يَستِعْمِلُ القَرَائِنَ ؛ لِتَحْرِيــــفِ الكَلَامِ الصَّرِيح ، لَا تَفْسِيرَ الْمُجُمْلِ أَوْ الْمحتَمَلِ ، فَالبَيَانُ الَّذي يَنْتَقِدُهُ وَقَعَ فِيهَا التَّنْصِيصُ"([237]) عَلَى جَوَازِ الإنْكَارِ العَلَنِيِّ بِغَيْرِ حَضْـرةِ الْحَاكِـمِ بِضَوابِطَ ، قَالَ أَبُو الْحُــــمْرَةِ :"قَال ابنُ القَيِّمِ : « لَمَّا كَانَ وَضْعُ الْكَلَامِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَكَانَ مُرَادُهُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِكَلَامِهِ ، انْقَسَمَ كَلَامُهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا: مَا هُوَ نَصٌّ فِي مُرَادِهِ لَا يَقْبَلُ مُحْتَملًا غَيْرَهُ ... يَسْتَحِيلُ دُخُولُ التَّأْوِيلِ فِيهِ ، إِذْ «تَأْوِيلُهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ »"اهـ([238])، وَمِنْ أخَلاَقِ الْحدَّادِيَّةِ : الرُّدُودُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ بِالكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ ، وَبَتْرُ النُّصُوصِ وَتَحْريِفهَا ، وَتَحْقِيرُ عُلمَاءِ السُّنَّةِ وَتَشْوِيهُهم([239]).
    وَقَالَ العَلَّامَةُ فَركوسٌ في مَعْرَضِ الرَّدِّ عَلى أهْلِ الأهواء :"وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ هَذِه الدَّعوى: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَاكِرًا يُريدُ الْمَنْقَصَةَ ، وَالتَّهوِيلَ ، وَالبُعدَ عن الْحَقَّ؛ لِيَصْرِفَ النَّاسَ عَنْهُ، فَهَذا يَتَوَلَّاهُ رَبِّي بِعَدْلِهِ ؛ وإمَّا أَنْ يَكُون «ضَيِّقَ الأُفُقِ ، سَقِيمَ الفَهْمِ ، يَفْهَمُ الكَلَامَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ ، وَبِخلَافِ مُرادِ صَاحِبِه وَقَائِلِه ، فيُحُرِّفُ ألفَاظَه ، ويُغيِّر مَعانِيَه» ؛ فَهَذَا حَالُهُ كَمَا قَال الْمُتَنَبِّي:
    وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ******* وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ
    وَلَكِنْ تَأْخُذُ الأَذْهَانُ مِنْهُ ******* عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ وَالفُهُومِ

    فَمَاذَا عَسَاني أَنْ أقولَ لِلْغَوِيِّ أَو العَيِيِّ الَّذِي لَم يَفهَمْ مَقَالِي؟! إنَّ الْحُكم بِالتَّكفِيرِ قَبْلَ فَهْمِ مُرَادي حُمقٌ وبَلَادةٌ ، قال البُحْتُرِيُّ:
    عَلَيَّ نَحْتُ القَوَافِي مِنْ مَقَاطِعِهَا *******وَمَا عَلَيَّ إِذَا لَمْ تَفْهَمِ البَقَرُ "اهـ([240]).

    وَالكَذِبُ أَقْوَى أَسبَاب الْجَرْحِ([241])، قَالَ العَلَّامَةُ رَبيعٌ :"وَكَفَى بِالكَذِبِ «بِدْعَةً»، وَلَا سِيَّمَا عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَمَنْهَجِهِم ، وَكُتُبِهم "اهـ([242])، وَقَدْ يَلْجَأ بَعْضُ نُقَّادَ الْحَدِيثِ إلى استِعمَالِ أَوْصَافٍ وَأَلفَاظ شَدِيدَةٍ قَاسِيَّةٍ ؛ غَيْرَةً مِنهُم عَلَى الدِّينِ ، وَتَحْذِيرًا مِن الكَذِبِ ، وَتَنْفِيرًا مِن أَهْلِهِ، مِن مِثَل قَولِهم : أكذَبُ مِنْ رَوْثِ حِمَارِ الدَّجَّالِ ، أكذَبُ مِن حِمَارِي هَذَا([243]).
    وإنَّ صِيَاحَ أَبِي الْحُمْــرةِ في البَحْثِ والنَّقد ، وَإيغَالَهُ في التَّنْقِيبِ عَن«القَرَائِنِ»، الَّتِي يَجْعَلُهَا «سُلَّمًا» إِلَى «بَتْر» الْمَنْطُوقِ لَتَنْبِيهٌ «أَحْمَرُ» عَلَى خِفَّةِ عَقْلِه ، وَثِقَلِ فَهمِه ، وإصْرارهِ عَلى الْخَطَإ ، وَ"مِنْ مَنْهَجِ فَالِحٍ :أَنَّهُ «لَا يَعْتَرِفُ» بِأَخْطَائِهِ الْجَسِيـمَةِ ، وَيَسْتَحِيلُ عِنْدَهُ الاِعترَافُ بِأَخْـــطَائِهِ ، وَإعلَانُ تَوْبَتِهِ وَرُجُوعِهِ عَنهَا؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ العُيُوبِ فِي الْمَنْهَج الْحَدَّادِيُّ([244])، يَا أبَا الْحُمْرَةِ ، كَفَاكَ صِيَاحًا وَكَذِبًا ، فَـ﴿اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾، وَكُنْ ﴿مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ .
    ( يتبع إن شاء الله )




    ـــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) ( تفسير القرآن العظيم ) ابن كثير (ت: 774هـ)
    ([2])(الأذكار النووية ص582 ) النووي(ت: 676هـ)،(القول المفيد 2/274 ) العثيمين (ت: 1421هـ)،( تطريز رياض الصالحين 1/ 862) فيصل المبارك النجدي (ت: 1376هـ)
    ([3]) (الفتاوى الكبرى لابن تيمية 1/191) ابن تيمية (ت: 728هـ)
    ([4])( التعالُم ص27 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([5])( التعالُم ص81 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([6])( التعالُم ص17 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([7])( صحيح البخاري تحت رقم : 3601 ) .
    ([8])(فتح الباري 13/31 ) ابن حجر العسقلاني(ت: 852هـ) .
    ([9]) ( النصر العزيز على الرد الوجيز - حوار مع عبدالرحمن عبدالخالق - ص 14 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([10])(نصيحة وتوجيه ، إلى منتدى التصفية والتربية ) العلّامة د/ محمد فركوس .
    ([11])(مجمع الأمثال 1/367) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([12])(مجمع الأمثال 1/189) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)، قال الشيخ جمعة :" فهذا حسن بوقليل:(وهو من شيوخ النت والفجأة، وهو أجهل من حمار أهله)"اهـ، انظر ( رسالة إلى خالد حمودة و من كان على شاكلته)
    ([13]) من الأمثال السائرة، يضرب لمن يخيب الرجاء فيه. قال الحريري في المقامة الثانية: لقد استسمنت يا هذا ذا ورم ونفخت في غير ضرم. وأشار إليه المتنبي في قوله: أعيذها نظرات منك صادقة ***** أن تحسب الشحم فيـمن شحمه ورم.( أنوار الربيع في أنواع البديع ص44 ) ابن معصوم (ت: 1119هـ)
    ([14])(نثر الدر في المحاضرات 6/161)منصور الرازي (المتوفى: 421هـ)
    ([15])(مجمع الأمثال 1/166) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([16])(الفوائد ص135) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([17])(مجمع الأمثال 1/135) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([18])(جمهرة الأمثال 1/381) أبو هلال العسكري (ت: نحو 395هـ)
    ([19])(دفع تهمة السرقات العلمية عن الشيخ رضا بوشامة وبعض إخوانه ... ) منصور شايب منتديات التصفية والتربية .
    ([20])حساب عبد الحكيم حفناوي ( الفيس بوك )، وهي مصورة عندي .
    ([21])تويتر أبو عبد الرحمن الجزائري في 30 يناير 2019 .
    ([22])( التعالُم ص 10-11 ) بكر أبو زيد ( ت: 1429هـ )
    ([23])(غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 3/297 ) أبو العباس الحموي الحنفي (ت: 1098هـ)
    ([24])(روح المعاني 11/61 ) شهاب الدين الألوسي (ت: 1270هـ)
    ([25])(شرح الأصول الثلاثة ص 41 ) العلامة د/ صالح بن فوزان الفوزان
    ([26])(روح المعاني 11/61 ) شهاب الدين الألوسي (ت: 1270هـ)
    ([27])( فلانٌ يَصُول ويَجُول: يفعل ما يشاء دون رادع ، له سلطة كبرى )( معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 1337) . قال الشيخ ربيع :" كثر الأدعياء الآن وكثر المحاولون لإسقاط العلماء ... ترى الواحد منهم يصول ويجول كأنه هو الوحيد إمام الإسلام!! ورائد الأمة الإسلامية وحامل لواء السلفية!! (كلمة توجيهيه وتحذير من الأدعياء ص1 ) .
    ([28]عين سجول» : غزيرة الدمع. «عنز سجول» : غزيرة اللبن (الرائد ص 433 معجم لغوي معاصر)
    ([29])قَالَ محمد مرابط :" لازلت أذكر جيدا آخر جلسة مع فضيلة الشيخ محدث المدينة مفلح الرشيدي قبل 7 سنوات عندما ذكر أخي الفاضل خالد حمودة وقال: ذاك سيّد شباب الْجزائر "اهـ (24/01/2015م)
    ([30])( التعالُم ص 10-11 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت : 1429هـ)
    ([31])سيأتي - إن شاء الله -في موضعه (الجواب عن الجواب، وردع الطَّاعن العَيَّاب الحلقة 02 )
    ([32])من كلام الدكتور بوفلجة قبل أن يتصعفق من رسالة ( واتساب) أرسلها لي أخي الحبيب أبو عائشة مراد بن معطي .
    ([33])(سراج الملوك ص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([34])(الذريعة إلى مكارم الشريعة ص196) أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت: 502هـ)
    ([35]) (مجمع الأمثال 2/162 ) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([36]) ( التعليق المرصع على الحلقات الأربع ص 8) خالد حمودة
    ([37])(تفنيدُ شُبُهاتِ المُعتَرِضين على فتوى: «الإنكار العلني ـ بضوابطه ـ على وُلَاة الأمور») العلامة د/ محمد فركوس .
    ([38]) (نضرة النعيم 8/4101‏)عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي .
    ([39]) (هداية الحيارى 2/590 ) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([40])(شفاء العليل ص74) ابن القيم(ت: 751هـ)،(شرح رياض الصالحين 3/347) ابن عثيْمين (ت: 1421هـ) ( الإمتاع والمؤانسة ص234) أبو حيان التوحيدي (ت: نحو 400هـ)
    ([41]) (الحيوان 7/54 ) الجاحظ (المتوفى: 255هـ)
    ([42])(رسالة في إثبات الاِستواء والفوقية ...ص32 ) عبد الله الجويني(ت: 438هـ)
    ([43]) (جمهرة الأمثال1/259) أبو هلال العسكري (ت: نحو 395هـ) ، (نضرة النعيم 9/4097 )
    ([44])(ديوان المتنبي )
    ([45]) (‏تحفة الحبيب 2/59 ) سليمان البُجَيْرَمِيّ (ت: 1221هـ)
    ([46])(النهج الثابت الرشيد ص5-7) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([47]) (‏مختار الصحاح ص39 )
    ([48]) (المنهاج 15/79 ‏حديث (2322) ) النووي (ت: 676هـ)
    ([49])(إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص13) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([50]) (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 26 /397 ) ابن منظور (ت: 711هـ)
    ([51]) (‏فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة، وتبرئة دعوة وأتباع محمد بن عبدالوهاب من تهمة التطرف والإرهاب ص211)
    ([52]) (‏بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهادا؟!! ص15 ) عبد المحسن العباد البدر.
    ([53]) (إبطال الحيل ص62 ) ابن بَطَّة العكبري (ت: 387هـ)
    ([54])(الاِعتصام 2/738 ) الشاطبي (ت: 790هـ).
    ([55])(نهاية الأرب في فنون الأدب3/351) النويري (ت: 733هـ)
    ([56]) (الزاهر في معاني كلمات الناس 2/71 ) أبو بكر الأنباري (ت: 328هـ)
    ([57])(معالم التنزيل 4/265 ) أبو محمد البغوي (ت:510هـ)
    ([58])(البحر المحيط في التفسير 4/21 ) لأبي حيان الأندلسي (ت: 745هـ)
    ([59]) (الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي 11/26 ) أبو عبد الله القرطبي (ت: 671هـ) انظر معاني الصعفوق في الحلقة الخامسة الموسومة بـ ( مصرع تدخل الأقزام ... )
    ([60])( العين 2/289 ) الفراهيدي(ت:170هـ)،(المحكم والمحيط الأعظم 2/ 399 ) أبو الحسن الْمرسي (ت:458هـ)
    ([61])(أمالي أبي علي القالي 2/82) أبو علي القالي (ت: 356هـ)
    ([62])هذا البيت غيّرت منه كلمة (محمد) إلى خويلد (الحيوان 1/162) الجاحظ (ت: 255هـ) .
    ([63]) ( أدب الدنيا والدين 1/240 ) الماوردي (ت: 450هـ)
    ([64])(أدب الدنيا والدين ص340 ) الماوردي (ت: 450هـ)
    ([65])(منهج الحدادية ص 2 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([66])(المستقصى في أمثال العرب 2/5 ) أبو القاسم الزمخشري (ت: 538هـ)
    ([67])( سلسلة الهدوء والنور رقم 678 )
    ([68])(خريدة القصر وجريدة العصر ص456) عماد الدين الكاتب الأصبهاني (ت: 597هـ)
    ([69]) من تعليقات الأعضاء بعد الْمَقال ( رمزية العلم ).منتديات التصفية والتربية
    ([70])( افتتاحية العدد : فضيلة الصمت ) مجلة الاصلاح – الجزائر - العدد 21 .
    ([71]) ( أدب الدنيا والدين 1/240 ) الماوردي (ت: 450هـ
    ([72])( أخبار الحمقى والمغفلين ص 36 ) جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597هـ)
    ([73])(سراج الملوك ص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([74])(تهذيب اللغة 1/247 ) لأزهري الهروي، أبو منصور (ت: 370هـ)
    ([75])(الزواجر عن اقتراف الكبائر ص120 ) أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتَمي (ت: 974هـ)
    ([76])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([77])(أدب الدنيا والدين ص172 ) الماوردي (ت: 450هـ)
    ([78])(روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص 58 ) ابنُ حِبَّانِ البستي (ت:354هـ)
    ([79]) بواسطة (عون ناصر الحق في بيان الباطل الوارد في بيان " إحقاقا للحق" كتبه : عمر مكي .
    ([80])( التحفة السنية شرح منظومة ابن أبي داود الحائية ) عبد الرزاق البدر ص 113
    ([81]) ( ديوان الْمتنبي ص372 )
    ([82]) (بهجة المجالس وأنس المجالس ص136 ) ابن عبد البر (ت: 463هـ)
    ([83])(التَّنكيل بما جاء به ميلود الباتني من أباطيل في تعقُّبه على الشَّيخ الجليل) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([84])الداء هنا الجهل بنوعيه ، قال ابن القيم : والْجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان ( النونية )
    ([85])(التَّنكيل بما جاء به ميلود الباتني من أباطيل في تعقُّبه على الشَّيخ الجليل) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([86])( روضة المحبين ) كانت في 6/6/1441 الموافق 31/01/2020
    ([87]) (أدب الدنيا والدين ص200 .) أبو الحسن بالماوردي (ت: 450هـ)
    ([88])(الأمثال المولدة ص338) محمد الخوارزمي، أبو بكر (ت: 383هـ)
    ([89])(عدة الصابرين ص 52 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([90])(البصائر والذخائر 7/21 ) أبو حيان التوحيدي (ت: نحو 400هـ)
    ([91])(مجمع الأمثال 1/417) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([92])هَذه الجملة لَا توجد في المقطع الّذي رفعه عبد الله محمد ؛ فاستدركته من جهة أخرى ، لكنني لم أقيد مكانه .
    ([93])هذا الْمقطع صوتي رفعه أخونا عبد الله محمد في 07 يوليو 2019 م ( التويتر) يبدأ من قوله :( أنه بدا ....)
    ([94]) (الرسائل الأدبية 1/136 ) الجاحظ (ت: 255 هـ )
    ([95])(سراج الملوك ص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([96])هذا جواب قاله الشيخ جمعة وها هو يقع في نفس الخطأ ، انظر (الجواب عن الجواب الحلقة 03 ).
    ([97])( التعليق المرصَّع على الحلقات الأربع ص 49 ) خالد حمودة.
    ([98])( حكم المظاهرات في الاسلام ص 93 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([99])لأنَّ محمد مرابط قَال :" كنتُ في فتنة فالِح في الرابعة والعشرين من عمري ، أمّا الشيخ خالد حمودة فلم يتجاوز العشرين "اهـ ( حوار هادئ مع ... الحلقة 03 )
    ([100])يوتيوب بعنوان : " دفاع الشيخ عبد الرحمن محي الدين عن الشيخ فركوس حفظهَما الله تعالى " ، فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة في 25 جمادى الآخرة 1438هـ ( منتديات الآجري )
    ([101])(الفقيه والمتفقه 1/182 ) الخطيب البغدادي (ت: 463هـ)
    ([102]) مقطع مرئي منتشر في 13 جويليّة 2021 ، انظر مثلا توتير أبو عائشة مراد بن معطي .
    ([103])(الوساطة بين المتنبي وخصومه ص377) أبو الحسن الجرجاني (المتوفى: 392هـ)
    ([104]) منقول من مقال (‏ و تتوالى البشائر و لله الحمد ، تزكيات لمشايخنا أسود السنة في الجزائر) منتديات التصفية والتربية
    ([105])(مجمع الأمثال 1/325 ) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([106])( التعالُم ص 10-11 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت : 1429هـ)
    ([107])( التعالم ص 91 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([108])(مجمع الأمثال 1/189) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([109])( التعالُم ص80 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([110])(هل يعلم غلام السوء يوسف العنابي لماذا يُعرض الفضلاء عن الرد عليه؟). خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([111]) (إزهاق أباطيل عبد اللطيف باشميل ص 11 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([112])(الأدب الصغير والأدب الكبير ص41 ) ابن المقفع (ت:142هـ)
    ([113])(تُرَّهَات محمَّد كربوز ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([114])(الموسوعة الفقهية الكويتية 5/28 ) صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت
    ([115])(الشرح الممتع 1/432) محمد بن صالِح العثَيْمين (ت:1421هـ)
    ([116])هذا الْحكم قال الشيخ جمعة قديما قبل مقاله «رَمْزيَّةِ العَلَم» ، وقد صدق انظر (الجواب عن الجواب الحلقة 01 ) .
    ([117]) ( موارد الظمآنِ 2/18 ) عبد العزيز السلمان (ت : 1422هـ)
    ([118])(موارد الظمآن 6/392) عبد العزيز السلمان (ت: 1422هـ)
    ([119])(الشرح الممتع على زاد المستقنع 8/94 ) محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت:1421هـ)
    ([120])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام )
    ([121]) ( التعليق المرصع على الحلقات الأربع ص 7) خالد حمودة
    ([122]) ( التعليق المرصع على الحلقات الأربع ص 4) خالد حمودة
    ([123])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح - الحلقة الأولى ص5-7)
    ([124])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([125])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية
    ([126]) (جامع بيان العلم وفضله 1/569 ) ابن عبد البر (ت: 463هـ)
    ([127]) (أخبار الحمقى والمغفلين ص34 ) أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597هـ)
    ([128]) (الشيعة وأهل البيت ص120 ) إحسان إلهي ظهير الباكستاني (ت: 1407هـ).
    ([129]) (أخبار الحمقى والمغفلين ص33 ) أبو الفرج ابن الجوزي (ت: 597هـ)
    ([130]) ( التعليق المرصع على الحلقات الأربع ص 8) خالد حمودة .
    ([131]) (في حكم التكفير بلازم المذهب ) العلامة د/ محمد علي فركوس
    ([132]) ( التصريـح ، في الردّ على توفيق عمروني في بيان التَّوضيح) الشيخ د/ عبد المجيد جمعة .
    ([133]) (مفتاح دار السعادة 2/185) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([134])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح - الحلقة الأولى ص5-7) العلامة د ربيع بن هادي .
    ([135])(رِسَالَةً إِلَى خالدٍ حَمُّودَةَ ومن كان على شاكلته) ) الشيخ د/ عبد المجيد جمعة ، أرشيف منتديات الإبانة .
    ([136]) (جواب رسالة الشيخ جُمعة إليَّ ...) خالد حمودة ، مدونة مشارق الأنوار
    ([137]) (الجواب عن الجواب وردع الطَّاعن العَيَّاب 03 ) الشيخ د/ عبد المجيد جمعة ، أرشيف منتديات الإبانة .
    ([138])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح - الحلقة الأولى ص5-7) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([139]) (التعليق المرصع ص 38 ...) خالد حمودة .
    ([140])(الانْتِصار لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار ص184) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([141]) (‏فتاوى في العقيدة والمنهج (الحلقة الأولى) 19 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([142]) ( التعليق المرصع على الحلقات الأربع ص 8) خالد حمودة
    ([143]) (جواب رسالة جمعة إلي ) خالد حمودة مدونة مشارق الأنوار
    ([144])( كشف الشبهات ص 262 ) مفرغ ( الشاملة ) الوجه الأول من الشريط الحادي عشر.
    ([145])( كشف الشبهات 1/16 ) مفرغ ( الشاملة ) )( الوجه الأول من الشريط (01))
    ([146])( كشف الشبهات 1/14 ) مفرغ ( الشاملة )( الوجه الأول من الشريط (01))
    ([147])(سير أعلام النبلاء 6/641 ) الذهبي (ت: 748هـ)
    ([148])(الجواب عن الجواب وردع الطَّاعن العَيَّاب 03 ) الشيخ د/ عبد المجيد جمعة ، أرشيف منتديات الإبانة
    ([149])(نصيحة إلَى فالِحٍ الحربيّ وكتّاب شبكةِ الأثري ) منتديات الآجري
    ([150])غرّدَ بِذَلِك محمد مرابط في ( 06/06/2018 ).
    ([151])مقطع صوتي رفعه عبد الله محمد على حسابه التويتر .
    ([152])( العواصم والقواصـم 2/130 ) ابن الوزير (ت:840هـ)
    ([153])(الجواب عن الجواب الحلقة 03 ) الشيخ الشيخ د/ عبد المجيد جمعة ، أرشيف منتديات الإبانة
    ([154])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح - الحلقة الأولى ص5-7) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([155])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([156])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([157])في 01 فبراير 2020 ( التويتر)
    ([158])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([159])( سلسلة الهدوء والنور رقم 678 )
    ([160]) (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص119 ) محمد بن حبان أبو حاتم (ت: 354هـ)
    ([161])( التعليق المرصَّع على الحلقات الأربع ص 49 ) خالد حمودة.
    ([162]) ( كلمة بعنوان "التعليق على قاعدة التهميش " ) صوتية .
    ([163])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية
    ([164])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية
    ([165])(29 ديسميبر 2016م )( تويتر خالد حمودة ) .
    ([166])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([167])( التعالم ص 91 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([168])(سراج الملوكص57 ) أبو بكر الطرطوشي المالكي (ت: 520هـ)
    ([169]) (التعالُم ص 25 ) بكر بن عبد الله أبو زيد (ت : 1429هـ)
    ([170])( التعالم ص 91 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([171])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد منتديات التصفية والتربية .
    ([172]) (الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن ص 37 ) صالِـح آل الشيخ
    ([173]) (الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 149) الراغب الأصفهانى (ت: 502هـ)
    ([174])( شرح حلية طالب العلم ص 221 ) محمد صالح العثيمين ( ت:1420هـ)
    ([175]) مادة صوتية مفرغة ( أدب السؤال ــ صالح آل الشيخ )
    ([176])( التعالم ص 71 ) بكر أبو زيد (ت:1429هـ)
    ([177])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([178]) (الجواب عن الجواب، وردع الطَّاعن العَيَّاب الحلقة 02 )
    ([179])( رمزيَّة العَلَم مناقشاتٌ في مسألة في تحريم العَلَم وما بُني عليها من أحكام ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([180]) (إبطال الحيل ص 63 ) ابن بَطَّة العكبري (ت: 387هـ)
    ([181])(الجواب عن الجواب الحلقة 03 ) الشيخ الدكتور عبد المجيد جمعة
    ([182])(مجمع الأمثال 1/344) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([183])مقطع صوتي تويتر ( عبد الله محمد )
    ([184])( النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالِح ... الحلقة الأولى ص 9 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([185]) ( البخلاء ص27 ) الجاحظ (ت: 255هـ) .
    ([186]) مقطع صوتي تويتر – عبد الله محمد - .
    ([187])تويتر كمال بن سعيد في 28 يونيو 2019م .
    ([188]) ( الردود ) ص 67 بكر أبو زيد ( ت: 1429هـ ) .
    ([189])تويتر خالد حمودة في 26 جوان 2019 م.
    ([190]) ( أضواء البيان 9/165 ).
    ([191]) تويتر (مشارق الأنوار) في 28 يونيو 2019 .
    ([192]) ( التعليق المرصع ص24 ) خالد حمودة
    ([193]) وهذه القصيدة منتشرة ، كتبها الدكتور مصطفى البيومي رئيس مجلس قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة المنيا مصر .
    ([194])( براءة الأمناء ص 33 ) العلامة د/ ربي بن هادي .
    ([195]) (التعليق المرصع ص 55-56 ...) خالد حمودة .
    ([196]) (الوسيط في تراجم أدباء شنقيط‏ ص 553 ) أحمد بن الأمين الشّنْقِيطي (المتوفى: 1331هـ)
    ([197])(مجمع الأمثال 2/139) أبو الفضل الميداني (ت: 518هـ)
    ([198])موقع (دروس للشيخ عبد العزيز بن باز) [ضابط الإنكار للحاكم والمحكوم]
    ([199])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([200])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([201])( براءة الأمناء ص 33 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([202]) (مفتاح دار السعادة 2/185) ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ)
    ([203])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([204])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([205])(الانْتِصار لِكتَابِ العَزيز الْجبَّار ص184) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([206])( شرح حلية طالب العلم ص 221 ) محمد صالح العثيمين ( ت:1420هـ)
    ([207])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([208])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([209])(وَقفَاتٌ مَعَ تَراجُعِ عز الدِّين رَمَضَانِي عَنِ القَولِ بِقَاعِدَةِ حَملِ المجمَلِ عَلَى المفَصَّل ) ابراهيم بويران .
    ([210])(البيان والتبيين 2/15) الجاحظ (ت: 255هـ)
    ([211])(براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء ص17 ) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([212])((فِي حُكمِ التَّشْهِيرِ بِالْحُكَّامِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَيهِم ) العلامة د/ محمد فركوس .
    ([213])( النهج الثابت الرشيد ص 16 ) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([214])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص 121 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([215])( الجواب من الجواب الحلقة 03 ) الشيخ الدكتور عبد المجيد جمعة .
    ([216])(مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 29/96 )
    ([217])(الشرح الْممتع 4/78) محمد صالح العثيمين (ت: 1421هـ)
    ([218])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([219])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([220])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص 121 ) العلامة د/ ربيع بن هادي .
    ([221])نُشِرَ الْمقطعُ بِعنوَانِ (حكم الإنكار العلني لفضيلة الشيخ عبد الله بن حسن بن قعود رحمه الله وهو عضو هيئة كبار العلماء).
    ([222])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([223])(حاشية الروض المربع 1/19 ) عبد الرحمن قاسم الحنبلي (المتوفى: 1392هـ)
    ([224])(تفنيدُ شُبُهاتِ المُعتَرِضين على فتوى: «الإنكار العلني ـ بضوابطه ـ على وُلَاة الأمور») العلامة د/ محمد فركوس .
    ([225]) (هل يجوز التنازل عن الواجبات مراعاة للمصالح والمفاسد ص 3 ) العلامة د ربيع بن هادي
    ([226])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([227])(سلسلة لقاء الباب المفتوح-062a ) ابن عثيمين(ت:1421هـ)
    ([228]) (مفتاح دار السعادة 1/30 ) ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)
    ([229])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([230])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([231])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([232])(03 يونيو 2021 م ) التويتر ( عباس ولد اعمر )
    ([233])( الشَّرِيطِ 62/الوجه الثّانيِ ) لقاء الباب المفتوح ، في الأصل ثم وليس الواو لذا وضعت ثم بالأحمر .
    ([234])(نقد فتوى الإنكار العلني وما لحقها من كتابات ) خالد حمودة منتديات التصفية والتربية .
    ([235])(الأمثال المولدة ص329 ) أبو بكر الخوارزمي، (ت: 383هـ)
    ([236])شرح صحيح البخاري (شرح كتاب الفتن والأحكام الشريط 03 / الوجه الثاني دقيقة 30/ ثانية 20 )
    ([237])(التعليق المرصع ص 58 ...) خالد حمودة .
    ([238]) (التعليق المرصع ص 56 ...) خالد حمودة .
    ([239])(كشف أكاذيب وتحريفات وخيانات فوزي البحريني ص24 ) العلامة د/ ربيع بن هادي
    ([240]) (تبيين الحقائق للسالك ، لِتَوقِّي طُرُق الغواية وأسبابِ المهالك‏ ) العلامة د/ محمد فركوس .
    ([241]) ( السلسلة الضعيفة 1/93 )
    ([242]) (براءة الأمناء مما يبهتهم به أهل المهانة والخيانة الجهلاء ص 27 ) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    ([243]) مقطع بعنوان ( من ألفاظ الجرح الشيديد ...) للشيخ محمد رسلان - فرغه أبو هريرة موسى بختي -
    ([244])(النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح ص41 ) العلامة د/ ربيع بن هادي.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-08-14, 12:13 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيراً أخي عبد الرحمان

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X