إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ما في زوايا الجامعات من خبايا الفتن والشبهات تقييم ندوة أستاذ جامعي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما في زوايا الجامعات من خبايا الفتن والشبهات تقييم ندوة أستاذ جامعي

    بسم الله الرحمن الرحيم


    ما في زوايا الجامعات من خبايا الفتن والشبهات
    تقييم ندوة أستاذ جامعي
    ــ . ــ


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين وعلى من سلك سبيلهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وبعد:
    لقد نمي إلي وبلغ مسامعي أن أستاذا جامعيا من مدينتنا، وهو ممن يدرس في الجامعة عندنا، هيأ له القائمون على الجامعة ندوة علمية، ليلقي محاضرة على مسامع ثلة من الطلبة والأساتذة، وكانت المحاضرة بعنوان:" إشكاليات الموروث الروائي في الفكر الإسلامي" ومن ضمن ما قاله لي ذلكم الشخص الذي بلغني: أن الأستاذ تطاول على مقام الصحابة الأكرمين، وشكك في نصوص من سنة النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؛ فحداني هذا الذي بلغني إلى أن أطلب سماع هذه المحاضرة، وأن أطلع على مضامين تلكم الندوة المصورة، ولما اطلعت عليها وسمعت ما جاء فيها تأسفت الأسف الشديد، وحزنت للمستوى الذي بلغه بعض الأساتذة عندنا وهو الحضيض، وبيان ذلك كالتالي:
    تقييم المحاضرة:
    وسأبدأ إن شاء الله بتقييم محاضرة الأستاذ شكلا ثم ألج بعد ذلك في المضمون للكلام على شبهاته التي أوردها، وآرائه التي حاول أن يقنع الحاضرين بها.
    أولا: تقييم المحاضرة شكلا:
    للأسف أن المحاضر لم يعد للكلام عدته، ولا هيأ للموضوع وسائله، فمن المفترض في مثل هذه الندوات، وأمثال تلكم المحاضرات؛ أن يأتي المحاضر على الأقل بأوراق معه، قد كتب عليها معلومات عن الموضوع الذي يريد أن يطرقه؛ من نصوص ينقلها، ومصادر يستقي معلوماته منها ذاكرا الجزء والصفحة ونحوها، حتى يعطي بذلك لكلامه مصداقية، ولحديثه قوة علمية، هذا من جهة.
    ومن جهة أخرى أن عدم الإعداد يدل على استهانة بالحاضرين، وازدراء للمستمعين المتلقين؛ لأن ذلك يوحي بأن المحاضر وكأنه يراهم من قبيل العوام؛ الذين لا علاقة لهم بالعلم، ولا نصيب لهم من الفهم، فهم يتلقون المعلومة كالحقيقة المسلمة، والواقع أن الحاضرين من طلبة العلم بل وفيهم أساتذة بلغوا درجة من الرقي في الفهم، فكيف يلقي على أمثال هؤلاء كلاما دون إحالة تدعمه ولا توثيق يؤكده؟
    قد يقول القائل: أولم يحل الأستاذ في كثير من المرات؟
    فالجواب: أن الأستاذ أحال لكن دون توثيق لكلامه بذكر النص بلفظه وذكر المصدر الذي استقى المعلومة منه والجزء والصفحة، حتى يتمكن الطلبة والأساتذة من التحقق من نقله والتأكد من دقته، هذا أولا.
    وثانيا: سيأتي بإذن الله ذكر حال إحالاته وبيان وهاء نقولاته.
    - ومما يتعلق بالموضوع شكلا: عنوان المحاضرة والذي كان:" إشكاليات الموروث الروائي في الفكر الإسلامي" ولي على هذا العنوان ملاحظتان:
    الملاحظة الأولى: على قوله "إشكاليات" هذه الكلمة كانت واضحة في أن المحاضر سيذكر لنا جملة إشكاليات متعلقة بالمورث الروائي ولكنه:
    أولا: لم يطلعنا على هذه الإشكاليات محددة مرتبة فيقول مثلا: الإشكالية الأولى كذا وكذا، الإشكالية الثانية كذا وكذا، والحقيقة التي سيأتي بيانها أنه لم يذكر إلا إشكالية واحدة فما بال العنوان يشير إلى إشكاليات متعددة.
    ثانيا: جزمه بأن الإشكالية إنما هي في الموروث الروائي لا غير مع أن القسمة في الموضوع ثلاثية على حسب ما يقتضيه العلم ويستلزمه حسن التدبر والفهم وهي كالتالي:
    القسم الأول: أن يكون الإشكال في النص والذي سماه الأستاذ بالموروث الروائي.
    القسم الثاني: أن يكون الإشكال في القارئ للنص الذي استشكل شيئا صعب عليه فهمه، أو فَهِمَهُ على وفق فكره ومنهجه[1] فرده وأنكره.
    القسم الثالث: أن يكون الإشكال فيهما معا.
    فَجَزْمُ الأستاذ على أن الإشكال في الموروث الروائي حتى ولو كان المستشكل نصرانيا ينكر الموروث الروائي كاملا هذا في حد ذاته إشكال يطعن في مصداقية صاحبه وقصده ونيته، ألم يذكر الأستاذ كلام النصرانية التي طعنت في رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على نصوص استعملتها على وفق معتقداتها وهي لا تؤمن أصلا بها وجعل ذلك دليلا على وجود الإشكال في الموروث الروائي؟
    إذا لابد للباحث النزيه أن يحدد موطن الإشكالية هل هو في الموروث نفسه، أم هو فيمن يقرؤه؟ بمعنى هل هو إشكال حاصل في الموروث يُبصره كل من اطلع عليه، أو على الأقل يدركه كل من أُرشد إليه، أم هو في قارئه الذي أشكل عليه أمر لم يدركه فهمه، ولم يصل إليه علمه.
    ومن أجل هذا على الباحث في مثل هذه المسائل أن يسلك طريق التحقيق العلمي، لا العبث الفكري، والميل العاطفي، والتحكم الشخصي، وفي مسألتنا هذه لابد أن يكون البحث العلمي على الشكل التالي:
    - فإذا كان الإشكال في الموروث الروائي فلابد من ذكر البراهين على وجوده مع بيان الطريق العلمي الذي أعان على كشفه واستخراجه، حتى نصل إلى النتيجة الواجبة وهي نفيه وإنكاره وتنزيه الموروث الروائي منه.
    - وإذا كان الإشكال في القارئ فينبغي أن ينظر في السبب الذي دعاه إلى استشكال بعض هذا الموروث الروائي لنعامله بعد ذلك على وفق معرفتنا به، وبالدوافع التي دفعته لقوله واستشكاله، فإذا كان المتلقي المستشكل مسلما، وكانت الأحاديث التي أشكلت عليه محصورة، عومل معاملة المؤمن بالوحي وبالتالي يناقش في الأحاديث المعينة مناقشة مبناها على دراسة الإشكالات التي يوردها على النصوص بعد تحديد المنهج العلمي لقبولها من رفضها، أما إذا كان المتلقي المستشكل كافرا، وكان الدين هو الذي أشكل عليه بأكمله؛ عومل معاملة الجاحد المكذب وبالتالي نبدأ معه ببيان براهين صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأدلة صحة الدين الذي بعث به، وبعد ذلك ننتقل معه للكلام على الروايات التي وصلتنا وعلى طريق إثباتها الذي سلكه علماؤنا وما هي الضمانات التي تؤكد لنا صحة ما صححوه من مروياتنا.
    - وإذا كان الإشكال فيهما معا فلابد حينئذ من نظرة مزدوجة للموروث الروائي وللقارئ المتلقي.
    وبناء على هذا أقول: أن الأستاذ المحاضر لم يسلك هذا الطريق العلمي، وإنما رأسا قرر أن الإشكال موجود في الموروث الروائي، لكن ما هو الطريق الذي سلكه في إثبات قوله، وما هو المنهج الذي اتبعه لتقرير رأيه؟ هذا ما سيأتي بيانه إن شاء الله عند تقييم المحاضرة مضمونا.
    الملاحظة الثانية: على قوله:" في الفكر الإسلامي" الإسلام هو دين الله الذي أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فهو ليس فكرا من أفكار البشر، ولا رأيا من آرائهم، فينبغي التنبه لمثل هذه الألفاظ التي نلوكها بألسنتنا، ونتبع فيها غيرنا، ولا نشعر بخطورتها، ولا المفاسد المترتبة عليها، وللعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله فتوى معروفة في ذلك.
    - ثانيا: تقييم المحاضرة مضمونا:
    وسيكون ذلك في نقاط بإذن الله:
    النقطة الأولى: في بيان مجازفاته فيما نقله في محاضرته:
    فمن مجازفاته: نقله روايات عن كتب الشيعة وادعاؤه أنها موجودة في كتب السنة مثل قوله:" في كتاب السنة نجد رواية تتحدث عن تهديد عمر بن الخطاب لأمنا فاطمة عليها رضوان الله تعالى بأنه سيحرق بيتها إن اجتمع فيه مرة أخرى الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله وأن عمر قد جاء بالنار بغية حرق فاطمة وهذه الرواية موجودة في كتب السنة كما هي موجودة في كتب الشيعة" ما هو كتاب السنة الذي ذكر هذه الرواية هل هو كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أو لأبي داود أو لأبي بكر الأثرم أو لعبد الله بن أحمد أو لأبي القاسم اللالكائي وغيرهم كثير وكل منهم ألف كتابا باسم السنة فمن المقصود يا ترى؟
    ننتظر الإجابة من الأستاذ وإلا كان هذا النقل من قبيل اللغو الذي لا يعتد به ولا يلتفت إليه فإذا أطلعنا الأستاذ عليه نظرنا إلى حكم العلماء عليه ولا أظنه استقاه إلا من كتب الرافضة المتشيعة.
    ثم إن عدم تحديده للكتاب الذي يزعم أن الرواية موجودة فيه يطعن في مصداقيته ويوهن من نقله ويجعلنا نطرحه ولا نعتبره ولا نثق في الأحكام التي بناها عليه.
    ومن مجازفاته: قوله:" في شيء آخر أيضا في هذه الروايات التي وجدتها ملفتة للنظر في صحيح البخاري حينما يتحدث عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه يقول: أن! اجتمع الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه طبعا الرواية طويلة جدا تتحدث عن نقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة وجاء الصحابة ليعودوا رسول الله فكان من بين الصحابة الذين حضروا هو وبين قوسين هنا لماذا نجد شخصية عمر بن الخطاب كشخصية محورية تدور حولها كل أحداث هذه الروايات، هذا سؤال يجب أن نلتفت إليه، لماذا عمر بن الخطاب بالذات دون غيره من سائر الصحابة؟ وسأجيبكم لماذا، أنا أولا فقط في البداية أنا أعطيكم بعض الروايات التي تلفت الانتباه، ثم بعد ذلك بإذن الله سنجد لها الجواب، من بين الذين أتوا هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني بصحيفة أكتب لكم فيها وصية لن تضلوا بعدها أبدا فقال عمر: أهجر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإني أنزه عمر من أن يقول مثل هذه الكلمة في حضرة رسول الله..."
    أولا: هذه الرواية بهذا اللفظ غير موجودة في صحيح البخاري يا أستاذ.
    وثانيا: ليس عند البخاري ولا عند مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" أهجر رسول الله"، وقد ذكر البخاري هذا الحديث في سبعة مواطن ليس في واحدة منها ما أضافه الأستاذ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما أضيف هذا القول لعمر رضي الله عنه في روايات الشيعة، فهل صحيح أن الأستاذ عاد للبخاري ونظر فيه وأخرج الرواية التي استشكلها منه؟ هذا السؤال كما يقول الأستاذ يبقى مطروحا. أما نص الرواية وما استشكله الأستاذ منها فسيأتي الكلام عليه وذكر توجيه العلماء له.
    ومن مجازفاته: في نقله لهذه الرواية التي استشكلها قوله:" اجتمع الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه طبعا الرواية طويلة جدا تتحدث عن نقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة".
    أقول: الرواية التي فيها تلكم الكلمة التي أشكلت عليه، وردت عند البخاري في سبعة مواطن، وعند مسلم في ثلاثة أخرى، فالمجموع الروايات في الصحيحين إذا عشرة؛ لم يُذكر في واحدة منها نقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة، وليست بالطويلة في كل تلك الروايات جميعها، فمن أين استقيت معلوماتك التي تنسبها للبخاري يا أستاذ أمن صحيح البخاري أم من غيره؟.
    ومن مجازفاته: قوله وهو ينقل الحديث المتقدم:" فشجر خلاف بين عمر بن الخطاب ومن رأوا رأيه وعبد الله بن عباس ومن وقف إلى جانبه".
    أقول: ليس في صحيح البخاري ولا مسلم أن الخلاف شجر بين عمر ومن معه رضي الله عنهم من ناحية وبين عبد الله بن عباس ومن معه رضي الله عنهم من ناحية أخرى، فلعله أيضا استقى هذه المعلومة من كتب الشيعة، فأين هي الأمانة العلمية في النقل والتوثيق، وأين هي المصداقية في البحث والتدقيق؟ سؤال يبقى مطروحا أيضا على حد قول الأستاذ المحاضر؟!
    ومن مجازفاته: قوله:" ما فائدة عمر بن الخطاب من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب هذه الوصية..." إلى أن قال:"...ونحن نجدها تملأ بطون كتبنا السنية ونقرؤها صباح مساء دون أن نتوقف عندها".
    أقول: أين هي الكتب التي امتلأت بها هذه الرواية على الوجه الذي نقلته والسرد الذي أتيت به؟ يا أستاذ هلا دللت على صحة قولك وصدق ادعائك؟
    ومن مجازفاته: قوله وهو يتكلم على الرواية المتقدمة والكلام الذي نسبه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" بعضهم أراد أن يتوقف عند هذه الرواية كالشيخ ابن عثيمين في تحقيقه لصحيح البخاري فقال: نعتذر لهذا الحديث، لم يجد شيئا يقوله: قال نعتذر لهذا الحديث" وهذا الكلام أيضا من مجازفاته حتى لا أقول من افتراءاته وبيانه:
    لا يُعرف أن الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله حقق صحيح البخاري فكيف يزعم الأستاذ أن الشيخ قال ذلك في تحقيقه عليه، هذا شيء عجيب وأمر غريب، يا أستاذ أثبت العرش ثم انقش كما يقولون.
    ومن مجازفاته: قوله:" هل نكفر الشيخ الألباني الذي أعاد النظر في صحيح البخاري وله كتاب الجامع الصحيح للشيخ الألباني وضعف أحاديث كثيرة كنا نعتقد أنها صحيحة وصحح أحاديث كنا نظن أنها ضعيفة"
    أقول: وفي هذا الكلام أغلاط لا يقع فيها طالب علم فضلا عن أستاذ جامعي وهي:
    الأولى: أن الشيخ الألباني رحمه الله لم يعد النظر في صحيح البخاري رحمه الله؛ بل هو على قول أئمة الحديث في اعتبار صحيح البخاري أصح الكتب المصنفة، وأن أحاديثه كما يقررون قد جاوزت القنطرة.
    الثانية: أن الشيخ الألباني رحمه الله لا يعرف له كتاب بعنوان "الجامع الصحيح".
    الثالثة: وإذا كان الأستاذ يقصد كتاب "صحيح الجامع" فهو كتاب وضعه العلامة الألباني على كتاب الجامع الصغير للسيوطي وليس للبخاري رحم الله الجميع، فالعلامة الألباني خدم كتاب الجامع الصغير للسيوطي والذي لم يشترط فيه صاحبه الصحة ولذلك جمع فيه كل ما وصل إليه من أحاديث ترفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الألباني رحمه الله فخدم الكتاب وفصل صحيحه عن ضعيفه في كتابين معروفين الأول صحيح الجامع الصغير في مجلدين والثاني ضعيف الجامع الصغير في مجلد واحد.
    فما هذا الخلط والخبط يا أستاذ، وهذه مضحكة مبكية!
    ومن مجازفاته: قوله:" أيضا من ناحية أخرى إن أول ما يثير الشبهة في مسألة الروايات وهنا لا أتحدث فقط عن الحديث لا بل حتى عن السيرة، نحن نعلم أن عماد أو عمدة كتب السيرة هو سيرة ابن هشام سيرة ابن هشام كما هو معروف أنه أخذها رواية عن شيخه ابن إسحاق وإذا قرأتم سيرة ابن هشام ستجدون دائما حدثنا ابن اسحاق قال صحيح أم لا؟ في كثير من الروايات، طيب الشيخ ابن إسحاق في حد ذاته مطعون في أهليته للرواية وأنتم تعلمون هذا، أن كثيرا من مشايخ الفقه في مدرسة الصحابة يرفضون رواية ابن إسحاق لماذا؟ لأمرين اثنين: أما الأمر الأول أن ابن إسحاق كان فيه نوع من التشيع فأنتم تعلمون أن أباه كان من أنصار من؟ من أنصار آل البيت وأن جده حارب مع من؟ مع علي بن أبي طالب في موقعة صفين فهو ابن إسحاق هذا مطعون في أهليته للرواية، وبالتالي إذا طعنوا في أهليته للرواية كيف يكون كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام هو عمدة كتب السيرة مع أنه رواية عنه، هذا سؤال نطرحه".
    ولي على كلامه هذا ملاحظات عدة وهي:
    الأولى: أنك ذكرت أن أهل الحديث والسنة طعنوا في ابن إسحاق رحمه الله لأمرين اثنين ومع ذلك لم تذكر إلا أمرا واحدا ولا بأس من ذلك لأن الكلام ينسي بعضه بعضا وبخاصة من لم يعد له عدته ولا هيأ وسائله قبل أن يخوض فيه.
    الثانية: أن ابن اسحاق رحمه الله لم يطعن علماء الحديث والسنة في روايته لأنه كما زعمت وادعيت كان فيه نوع من التشيع، وإنما تكلم العلماء فيه من قِبَلِ تدليسه الذي اشتهر عنه، وحديثه من أجل هذا ليس مرفوضا جملة بل هو حسن إذا صرح بالتحديث كما قرر علماء الحديث، ولأجل هذا روى له الأئمة وحَسَّنَ العلماء حَدِيثَه الذي توفرت فيه الضوابط العلمية، والشروط الحديثية، فقبول حديثه ورفضه عند علماء الحديث لم يكن مبناه على ما زعمت وادعيت ولكن على علم دقيق وأصول متينة.
    الثالثة: اعلم أن علماء السنة لم يعتمدوا في سيرة رسول الله على كتاب ابن هشام وحده وإنما عمدتهم في ذلك على كتاب الله سبحانه، وما صح من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأخيرا على كتب السيرة المشهورة، وليس ابن إسحاق هو أول من تكلم في السيرة ودونها بل تقدمه أقوام اشتهروا بعنايتهم بها وانشغالهم بجمعها ومنهم: أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه المتوفى سنة 35 هجرية، وعروة بن الزبير رحمه الله المتوفى سنة 94 هجرية، وشرحبيل بن سعد المتوفى سنة 123 هجرية، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم المتوفى سنة 120 هجرية تقريبا، وعاصم بن عمر بن قتادة المتوفى حوالي سنة 119 هجرية، وابن شهاب الزهري رحمه الله المتوفى سنة 124 هجرية، وموسى بن عقبة المتوفى حوالي سنة 141 هجرية وغيرهم.
    النقطة الثانية: في بيان ضعف آرائه وتهافت أفكاره:
    المثال الأول:زعم وهو يتكلم على تدوين القرآن الكريم أن الثقافة الإسلامية ليست ثقافة شفاهية بل هي ثقافة مكتوبة حيث قال:" وهذا التراث كما تعلمون، أن الثقافة الإسلامية هي ليست ثقافة شفاهية كما يحاول البعض أن يصورها ويرسمها"
    وهذا الكلام ليس بصحيح على إطلاقه لأن المسلمين حفظوا الوحي المنزل على سيد الأنبياء والمرسلين بطريقتين اثنتين: الحفظ في الصدور، والحفظ في السطور، فالمسلمون من بدايات الإسلام وإلى زمن الناس اليوم يعتنون بحفظه في صدورهم، وحفظه في كتبهم، ومما يدل على هذا ما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قال الله تعالى:" بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)" سورة العنكبوت. وما رواه مسلم من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ:" ...وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"، ومما يدل على ذلك واقع المسلمين من الزمن الأول وإلى اليوم؛ لم يزل القرآن عندهم محفوظا يتعلمونه شفاهيا وكتابيا، ومن شك فليذهب إلى كتاتيب تعليم القرآن ولينظر إلى طريقة تلقينهم كتاب الله؛ ليعلم أن الوحي حفظ بالطريقتين المتقدمتين.
    أما استدلاله فهو بعيد لأنه استدل بدليلين:
    الأول: بنزول قول الله "اقرأ" حيث قال:" لأنها أولا تنبع من خصوصية النص القرآني الذي يؤسس حيثياتها المرجعية، فالنص القرآني أول ما ابتدأ بالنزول ابتدأ بالكلمة "اقرأ" هذه الكلمة التي تحيل إلى ما هو مدون أو مكتوب" وهذا دليل ضعيف لأن الأمر بالقراءة لا يقتضي المدون المكتوب، لأن القارئ قد يقرأ من كتابه، كما أنه قد يقرأ من حفظه، ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم المأمورَ بالقراءة هنا لم يكن قارئا ولا كاتبا والدليل على ذلك قول الله تعالى:" وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)" سورة العنكبوت. وقوله تعالى:" الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ" سورة الأعراف من الآية 157. وغير ذلك من الآيات.
    الثاني: واستدل أيضا بخلق الله للقلم وأمره أن يكتب حيث قال:" وكذا أولية الخلق فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب مصائر القوم إلى يوم يبعثون"" اهـ. وذِكْرُ القلم فيه إشارة إلى المكتوب والمدون لكن أين وجه الاستدلال في هذا الذي استدل به على أن الثقافة الإسلامية ليست ثقافة شفاهية؟ زد على ذلك أن الأستاذ وقعت له أخطاء في هذا الاستدلال ينبغي التنبيه عليها:
    الأول: أن الحديث لم يأت بهذا اللفظ الذي ذكره المحاضر ولذلك أنا قلت أنه كان ينبغي عليه أن يحضر معه أوراقا فيها النصوص التي يريد أن يحتج بها، مع ذكر مصادرها؛ تجنبا للخطأ، وتوثيقا للكلام، وأيضا تحقيقا لما قاله من أن الثقافة الإسلامية ليست ثقافة شفاهية بل هي ثقافة مكتوبة، فأين الكتابة يا أستاذ؟.
    الثاني: أن الحديث ورد في اللوح المحفوظ الذي كتبت فيه مقادير الأشياء إلى قيام الساعة، فما هي علاقته بصفة الثقافة الإسلامية، قد يقول الجواب ما قلته وهو:" وبهذه الهالة القدسية كان لفعل الكتابة في التراث الإسلامي أثره في تشكيل المنظومة الحضارية الإسلامية" فالجواب: لماذا تحتج بالشيء البعيد؟ وكان يمكنك أن تحتج على أهمية الكتابة في دين الله بقول الله تعالى:" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)" سورة العلق. وبقوله صلى الله عليه وسلم:"قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ" رواه الخطيب في تاريخه وابن عبد البر في جامعه وغيرهما عن أنس رضي الله عنه وعن غيره وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع رقم4434، ومع ذلك فليس فيهما أن الثقافة الإسلامية ليست ثقافة شفاهية كما تقدم.
    ومما يوضح لك هذا بإذن الله ما قاله الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله في مقدمة كتابه تقييد العلم ص13[2]:" أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِلْعُلُومِ مَحِلَّيْنِ: أَحَدُهُمَا الْقُلُوبُ، وَالْآخَرُ الْكُتُبُ الْمُدَوَّنَةُ، فَمَنْ أُوتِي سَمْعًا وَاعِيًا، وَقَلْبًا حَافِظًا، فَذَاكَ الَّذِي عَلَتْ دَرَجَتُهُ، وَعَظُمَتْ فِي الْعِلْمِ مَنْزِلَتُهُ، وَعَلَى حِفْظِهِ مُعَوَّلُهُ؛ وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الْحِفْظِ قَلْبُهُ، فَخَطَّ عِلْمَهُ وَكَتَبَهُ، كَانَ ذَلِكَ تَقْيِيدًا مِنْهُ لَهُ، إِذْ كِتَابُهُ عِنْدَهُ آمِنٌ مِنْ قَلْبِهِ، لِمَا يَعْرِضُ لِلْقُلُوبِ مِنَ النِّسْيَانِ، وَيَنْقَسِمُ الْأَفْكَارُ مِنْ طَوَارِقِ الْحَدَثَانِ".
    المثال الثاني: قال وهو يتكلم على سيرة ابن هشام رحمه الله:" وفي هذا الكتاب بالذات هناك روايات لا يمكن للمنطق أن يتصورها بكل صراحة لماذا؟ سأسألكم سؤالا بسيطا، لماذا يركزون في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على الحروب دون التركيز على شخصية النبي صلى الله عليه وسلم؟ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأنبياء بني إسرائيل النبي المحارب أبدا".
    التعليق: ولي على هذا الكلام جملة من الملاحظات والتعليقات:
    الأولى: أن الأستاذ لا يعلم -ولا مؤاخذة- أصل العلوم، ولا مبدأ تأليف الكتب؛ فمن المعلوم عند العلماء أن أصل السيرة هو الاهتمام بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ التي ذكرت في القرآن الكريم، وتحدث عنها ربنا في كلامه المبين، فاهتم الصحابة والتابعون بالكلام على وقائعها وأحداثها، وأماكن وقوعها، ومن شارك فيها، ثم بعد ذلك أضاف إليها بعض العلماء الكلام على رسول الله: على مولده، وزواجه، ومبعثه، ودعوته، ومعاملة خصومه له، ومحاربته لهم، وغزوه لبلادهم، ثم قدوم الوفود عليه، وإعلانهم الإسلام بين يديه، ومبايعتهم له، ثم وفاته صلوات الله وسلامه عليه، أما ما يتعلق بشخصيته فقد اعتنت بها كتب أخرى يا أستاذ، وهي: إما كتب مفردة وهي المعروفة بكتب الشمائل؛ كالشمائل المحمدية، وكتب الأدب؛ كالأدب المفرد الجامع للآداب النبوية، وإما كتب اشتملت على شمائله وصفاته وهديه في شأنه كله، وهي: كتب السنة قاطبة؛ كالصحيحين والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات وغيرها كثير، فلم يركز أهل السير على حروب رسول الله دون شخصيته لأنهم لم يريدوا الكلام على شخصيته، وما يتعلق بها، وإنما لأن كتب السير ليس هذا مجالها الذي وضعت له، ولا مراد أصحابها الذي ألفت من أجله.
    الثانية: أن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تدعي أنهم أهملوها ولم يعتنوا ببيانها لا يوجد في الوجود شخصية اعتنى أتباعها بإبراز أدق التفاصيل عنها كشخصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الأستاذ يتكلم بعقول غيرنا، ويستقي علمه من كتب وأقوال أعدائنا، ولا يكلف نفسه البحث في مصدرنا؛ التي يحاول جاهدا أن يعيد النظر فيها، والكلام على مضامينها، وأقول: اعلم أيها الأستاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتنى المسلمون من عهد أصحابه الكرام رضوان الله عليهم وإلى زمن الناس اليوم به، وبكل ما يتعلق به، فتكلموا على هديه في: حله وترحاله، وأكله وشربه، ونومه واستيقاظه، ومشيه وجلوسه واتكائه، وكلامه وصمته، وسلمه وحربه، وفرحه وحزنه، وضحكه وبكائه، ومسابقته ومصارعته، وآدابه عند قضاء حاجته، وخطبه وعباداته، ورسائله التي بعث بها لدعوة غيره، ومعاملته للصغير والكبير، وصديق والعدو، والعالم والمتعلم، والأقارب والأباعد، بل وذكروا كل ما له علاقته به صلوات الله وسلامه عليه؛ كذكر أولاده، وأعمامه، وأزواجه، وسراريه، ومواليه، وخدمه، ومؤذنيه، وأمرائه، وحرسه، وشعرائه، وخطبائه، وحداته، ومن كان يقيم الحدود بين يديه، بل وذكروا سلاحه، وأثاثه، ودوابه، وملابسه، وسراويله، ونعله، وخاتمه، وغير ذلك مما لا يمكن حصره في هذه العجالة، ومن شاء أن يطلع على ذلك فليرجع لكتب أهل العلم، ومن أقربها كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" للإمام ابن القيم رحمه الله.
    الثالثة: اعلم يا أستاذ أن حروب رسول الله ومغازيه والتي أزعجك ذكرها في كتبنا، وأقلقك وجودها في مصنفات علمائنا، قد ذكرها الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله، وتكلم عليها في الكثير من سوره وآياته، فهل ننكر ما جاء في كتاب ربنا إرضاء لأعدائنا الذين ينكرون كل ما جاء في ديننا؟.
    الرابعة: اعلم أيها الأستاذ أن سيرة ابن هشام وغيرها من السير لم تركز على الحروب والمغازي كما زعمت وادعيت، والقارئ لها والدارس لمضامينها يجد الحروب والمغازي -وإن كانت كما تقدم هي أصل هذه المصنفات ومبدؤها- لا تمثل إلا الربع أو أقل، ولقد قمت باختصار سيرة ابن هشام ورصد ما جاء فيها فلم أجده ركز على الحروب كما ادعيت وزعمت، ولولا خشية الإطالة لذكرت لك المختصر بأكمله، وهو عندي فإن احتجت لإبرازه أبرزته ونشرته.
    الخامسة: كيف تقول يا أستاذ أن:" النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأنبياء بني إسرائيل النبي المحارب أبدا" وغزواته وجهاده أشهر من أن يذكر، وهو مذكور في كتاب الله سبحانه، وما صح من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكيف تقول هذا يا أستاذ والقرآن مملوء بذكر الجهاد، وأحكام القتال، والفيء، والتحريض على قتال الكفار والمشركين، ولا أريد أن أسرد عليك الآيات بأكملها، ولكن أنصحك بالرجوع إلى كتاب الله وإلقاء نظرة سريعة عليه لترى ما يذهلك، ويرد قولك، ويبطل رأيك، وأكتفي هنا بذكر آية واحدة وهي:
    قول الله تعالى:" فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)" سورة النساء، وأسألك سؤالا واحدا هو: هل طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الإلهي الذي وجه إليه أم تركه ولم يلتفت إليه؟ أجب عن السؤال وستتبين لك حقيقة الحال.
    ثم أَقِتَالُ أعداء الله من الكفار الحربيين والمشركين المعاندين صفة ذم أم وصف مدح؟ فإذا كان وصف مدح فلماذا تريد نفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان صفة ذم فهل الله يأمر نبيه بالاتصاف بالصفات المذمومة؟ وهل أنبياء بني إسرائيل الذين وصفتهم بالأنبياء المحاربين وشهدت لهم بما نفيته عن النبي الأمين لا بأس من أن يتصفوا بالصفات المذمومة أم هي في حقهم مدح وفي حق نبينا ذم؟
    فإما أنك متناقض يا أستاذ أو أنك ممن يفرق بين المتماثلات التي لا يقر العقل السليم بالتفريق بينها.
    المثال الثالث:ومن أمثلة أفكاره المتهافتة وآرائه الضعيفة قوله:" الرواية تقول وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى أو يكنى أو يلقب بالضحاك القتال هل قتل أمك حتى تقول له هذا، النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قتالا أيها الإخوة، النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليصنع الحياة وليس ليهدي الموت للناس، النبي صلى الله عليه وسلم بعد موقعة بدر ونحن نتلوا هذه الرواية صباح مساء ولا نتوقف عندها ماذا فعل؟ رحمة بالقتلى ورأفة عليهم ذهب إلى القليب يكلمهم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا، هذه الرواية موجودة وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يتحسر على هؤلاء الذين قتلوا كفارا، أن الرواية التي تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى في جنازة يهودي فقالوا ما يبكيك يا رسول الله قال: نفس يعني ضاعت مني إلى جهنم. هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي للرحمة ليس نبيا للقتل في سيرة ابن هشام وفي غيرها من السير لا نجد إلا السيف".
    التعليق: وهذا الكلام متهافت ضعيف وبيانه كالتالي:
    - استشكل رواية ساقها ولم يستسغها وهي:" الرواية تقول وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمى أو يكنى أو يلقب بالضحاك القتال هل قتل أمك حتى تقول له هذا":
    أولا: لا ذكر لهذه الرواية التي نقلها الأستاذ في كتبنا المعتمدة، ولا مصادرنا الحديثية الموجودة؛ فلا وجود لها في الصحيحين، ولا السنن الأربع، ولا المسانيد، ولا غيرها من كتب الحديث المعروفة عند أهل السنة والجماعة، وإنما ذكرها -وليس باللفظ الذي ساقه الأستاذ- الحافظ السيوطي رحمه الله في كتابه "الخصائص" بدون سند يعتمد ومع ذلك فليس فيها من حيث المعنى ما ينكر، ولا في مضمونها ما يخالف الشرع فيستنكر، يوضحه:
    ثانيا: أن علماء السنة وفقهاء الملة لم يجدوا فيها ما يخالف الكتاب والسنة، ولا ما يناقض حقيقة النبي صلى الله عليه وسلم الواقعة، بل ذكروا أن معنى هذا الأثر موافق للنصوص القرآن الكريم، ولوصف النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ج1 ص93:وَأَمَّا الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، فَاسْمَانِ مُزْدَوِجَانِ لَا يُفْرَدُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ ضَحُوكٌ فِي وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ عَابِسٍ وَلَا مُقَطِّبٍ وَلَا غَضُوبٍ وَلَا فَظٍّ، قَتَّالٌ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ لَا تَأْخُذُهُ فِيهِمْ لَوْمَةُ لَائِمٍ" اهـ.
    قلت: ومعناه مطابق لقول الله تعالى:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" سورة الفتح من الآية 29. فهل ننكر القرآن إرضاء للكفار.
    ومطابق لما رواه أبو مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسمِّي لَنَا نفسَهُ أَسْمَاءً فَقَالَ:" أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ والمُقَفِّي والحاشِرُ وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ" رواه ابن حبان في صحيحه وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في التعليقات الحسان رقم6281.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد ج1 ص93: وَأَمَّا نَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، فَهُوَ الَّذِي بُعِثَ بِجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، فَلَمْ يُجَاهِدْ نَبِيٌّ وَأُمَّتُهُ قَطُّ مَا جَاهَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ، وَالْمَلَاحِمُ الْكِبَارُ الَّتِي وَقَعَتْ وَتَقَعُ بَيْنَ أُمَّتِهِ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ أُمَّتَهُ يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَعْصَارِ، وَقَدْ أَوْقَعُوا بِهِمْ مِنَ الْمَلَاحِمِ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ أُمَّةٌ سِوَاهُمْ.
    وَأَمَّا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَرُحِمَ بِهِ أَهْل الْأَرْضِ كلّهُمْ -مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ-، أَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَنَالُوا النَّصِيبَ الْأَوْفَرَ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَأَهْلُ الْكِتَابِ مِنْهُمْ عَاشُوا فِي ظِلِّهِ وَتَحْتَ حَبْلِهِ وَعَهْدِهِ، وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَأُمَّتُهُ فَإِنَّهُمْ عَجَّلُوا بِهِ إِلَى النَّارِ وَأَرَاحُوهُ مِنَ الْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي لَا يَزْدَادُ بِهَا إِلَّا شِدَّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ".
    ثالثا: من غرائبك يا أستاذ وعجائبك قولك:" النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قتالا أيها الإخوة، النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليصنع الحياة وليس ليهدي الموت للناس".
    أولا: أقول هذا الكلام أقرب إلى الكلام الشاعري منه إلى الكلام العلمي، وأنا قد أجد لك بعض العذر كونك أستاذا في الأدب فتغلب عليك شاعرية الأدباء من أن تتصف بدقة العلماء، ولكن الذي لا تعذر فيه أنك ولجت مولجا ما كان ينبغي لك أن تلجه، ونزلت منزلا لا يليق بك نزوله، وعلى حد قول المثل السائر:" لَيْسَ بعشك فادرجي".
    ثانيا: كيف تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمره الله به، وعلم من دينه وتاريخه بالضرورة أنه من العبادات التي تقرب بها إلى ربه.
    ثالثا: قولك:" جاء ليصنع الحياة" كلام شاعري كما تقدم.
    رابعا: قولك:" وليس ليهدي الموت للناس" تعميم لا يليق بطلبة العلم فضلا عن أستاذ جامعي يفترض فيه التدقيق في عباراته والتحقيق لما يأخذه ويبثه، وذلك أن الناس يا أستاذ كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على أقسام كل قسم له حكمه ومعاملته التي تليق به وإليك البيان:
    القسم الأول: المسلم المؤمن وهؤلاء كان يعاملهم بالرأفة والرحمة كما أخبر الله عنه في القرآن الكريم:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)" سورة التوبة.
    القسم الثاني: أهل النفاق الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فهؤلاء كان يعاملهم معاملته للمسلمين ويتصرف معهم كتصرفه مع المؤمنين وكان ينهى من اطلع على أحوالهم أن يتعرض لهم خشية أن يقال محمد يقتل أصحابه كما هو مشهور عنه.
    القسم الثالث: الكافر الذمي وهو الذي يعيش في بلاد المسلمين من اليهود والنصارى ومثله المستأمن الذي دخل بلد الإسلام بعهد أمان، فهؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم وحرم إذايتهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم– قَالَ:" مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" رواه البخاري رحمه الله، وعن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" رواه أبو دواد وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 1241.
    القسم الرابع: المحارب الذي عقد معه ولي أمر المسلمين هدنة وعقد معه عهدا فهذا يجب الوفاء له وعدم الغدر به، أولا: لأن الله حرم الغدر على المسلمين، وثانيا: لقول الله تعالى:" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)" سورة التوبة.
    القسم الخامس: الكافر الحربي من اليهود والنصارى ومن كان على شاكلتهم فهؤلاء شرع النبي صلى الله عليه وسلم معاملتهم على ثلاثة وجوه: إما الإسلام وإما دفع الجزية وإما القتال، وفي كتب العلماء تفاصيل هذه المسائل وأدلتها فمن شاء فليرجع إليها.
    خامسا: أما أدلتك التي سقتها لإثبات قولك فهي بعيدة عن السياق الذي أوردته ولا تدل على المعنى الذي أردته وإليك البيان:
    دليلك الأول: قولك:" النبي صلى الله عليه وسلم بعد موقعة بدر ونحن نتلوا هذه الرواية صباح مساء ولا نتوقف عندها ماذا فعل؟ رحمة بالقتلى ورأفة عليهم ذهب إلى القليب يكلمهم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا، هذه الرواية موجودة وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يتحسر على هؤلاء الذين قتلوا كفارا".
    والكلام على هذ الدليل من وجوه:
    الأول: أن دليلك فيه إثبات القتل وأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الكفار هو وأصحابه وقتلوهم فأين نفيك المطلق المتقدم في قولك:" النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليصنع الحياة وليس ليهدي الموت للناس".
    الثاني: مَنْ مِن أهل العلم قال أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب قتلى الكفار عند القليب قليب بدر ذلكم الخطاب رحمة بهم ورأفة عليهم وتحصرا على موتهم على الكفر من سبقك إلى هذا القول وعلى من تعتمد في فهمك هذا وتعول؟.
    الثالث: أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إنما كان توبيخا وتقريعا لهم ويدل على ذلك الآتي:
    - أنه جاء في رواية الإمام البخاري: عَنْ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ" فهل يتحصر ويخاطب بالرحمة والرأفة من قتله وألقاه في بئر خبيث مخبث؟.
    - جاء في رواية من روايات البخاري أيضا:" حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ "يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا" فقوله:" أيسركم" واضح في التأنيب والتوبيخ لا التحصر وغيره مما ذكرت يا أستاذ.
    - جاء في آخر الرواية عند البخاري أيضا: قَالَ قَتَادَةُ (وهو الراوي عن أنس بن مالك عن أبي طلحة تابعي جليل): أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا" فأين قولك يا أستاذ من قول قتادة رحمه الله وهو من هو في العلم والفضل والفهم؟.
    دليلك الثاني: قولك:" أن الرواية التي تقول أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى في جنازة يهودي فقالوا ما يبكيك يا رسول الله قال: نفس يعني ضاعت مني إلى جهنم. هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي للرحمة ليس نبيا للقتل في سيرة ابن هشام وفي غيرها من السير لا نجد إلا السيف".
    والكلام على هذا الدليل من وجوه:
    الأول: من روى هذه الرواية وأين هي في كتبنا المعتمدة.
    الثاني: أتعجب لرجل يريد أن يشكك في الصحيحين ليعيد النظر في أحاديثهما يذكر روايات لا يسندها ولا يخبر عن درجتها وحكم العلماء عليها ومع ذلك يحتج بها ويسلم بصحتها لا لشيء إلا لأنها توافق ما يريده وتطابق مقصده.
    الثالث: هو نبي الرحمة حقا ولكن لا ينافي ذلك كونه نبيا للملحمة كما تقدم بيانه، والأدلة على ذلك كثيرة يا أستاذ وأنصحك بقراءة كلام الله ومطالعة كلام أئمة التفسير عليه لتتأكد بنفسك من وهاء قولك، وأقرب مثال أيضا على ما أشرت إليه ونبهتك عليه قول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)" سورة التوبة. الله سبحانه يأمره بجهادهم والغلظة عليهم وأنت تزعم أنه كان يخاطبهم رحمة بهم ورأفة عليهم؟.
    - وأخيرا: هناك سؤال يجب طرحه ومعرفة جوابه وهو: ما هو الدافع الذي دفع الأستاذ المحاضر لنفي ما نفاه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟:
    الجواب: لقد صرح الأستاذ المحاضر به ولم يتركنا نخمنه ونبحث عنه حيث قال:" وما جعلني أقول هذا هو شيء حز في نفسي أنه في يوم من الأيام بين قوسين في يوم من الأيام وأنا من المتابعين للقنوات الدينية المسيحية وجدت دكتورة في علم النفس هي لبنانية دكتورة في علم النفس من لبنان تتحدث عن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم انطلاقا من مروياتنا، من مروياتنا، ليس من عندهم من عندنا، وتقوم بدراسة نفسية لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له شخصية نرجسية وكان (كلمة غير مفهومة) ويحب الدماء، وقالت: اتحدى والله بالكلمة أتحدى علماء المسلمين أن يثبتوا لي العكس، طبعا لا نستطيع إثبات العكس لأن مروياتنا تقف ضدنا بأي شيء سنثبت، ما عندنا لأن كل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قتل كذا وقتل كذا وقتل كذا، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما تحدثنا عن الصحابة وكان شجاعا وقتل عشرة في بداية المعركة طيب وماذا بعد ذلك ( قالها بالدارجة طيب ومنبعد) لماذا نتحدث فقط عن القتل، لماذا نتحدث فقط عن القتل".
    وهذا الكلام يدل على ما وراءه وكما قيل إن من وراء الأكمة ما وراءها ولي عليه بعض التعليقات:
    الأول: أن كلام الأستاذ هو مجرد ردة فعل وليس بكلام علمي مؤصل.
    الثاني: أن الذي يباح له السماع للمخالفين من الكفار والمشركين هو من تشرب العلوم الشرعية وعرف شبهات أعداء الملة الإسلامية حتى يمكنه ردها ودحضها وبيان وهائها وضعفها.
    الثالث: أن السامع لهم إذا لم يكن عالما بشريعة الإسلام التي يدرأ بها ما عند القوم من شبهات وأوهام فلا أقل من أن يرجع للعلماء الملة ويسألهم عن شبهاتهم التي يعرضونها وتشكيكاتهم التي يوردونها عملا بقول الله تعالى:" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" سورة النحل من الآية 43. وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه:" ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاءُ العِيِّ السؤال" رواه أبو داود وغيره من حديث جابر رضي الله عنه وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود رقم 364.
    الرابع: كيف تأخذ بقول أعدائنا وتسلم لهم فيه وتبني التشكيك في السنة عليه مع أن المفروض فيك وأنت مسلم أن تشكك في قولهم وأن لا تسلم لهم وأن تحاول بالعلم الرد عليهم فإن لم يمكنك لعدم علمك رجعت كما تقدم إلى من هو اعلم منك يقوم بالذي لم تقدر عليه؛ فإن المعهود من كلامهم التهافت والضعف الشديد ولا يَنْفُقُ إلا على من لا علم عنده ولا بصيرة لديه.
    الخامس: قولك:" طبعا لا نستطيع إثبات العكس لأن مروياتنا تقف ضدنا بأي شيء سنثبت" يا أستاذ إذا كنت لا تقوى على رد شبهاتهم ودحض أباطيلهم فلماذا تحكم على غيرك بأنه لا يمكنه ذلك كمثلك، يا أستاذ لا يليق بأستاذ في مثل مستواك أن يعمم في الأحكام وأن يطلق في الكلام.
    السادس: ومن تعميماتك التي لا تليق بأستاذ في مستواك قولك:" لأن كل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قتل كذا وقتل كذا وقتل كذا، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما تحدثنا عن الصحابة وكان شجاعا وقتل عشرة في بداية المعركة طيب وماذا بعد ذلك ( قالها بالدارجة طيب ومنبعد) لماذا نتحدث فقط عن القتل، لماذا نتحدث فقط عن القتل".
    أولا: كيف تقول يا أستاذ أن كل ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قتل كذا وقتل كذا أين هذه الكلية وكأنك تتحدث عن كُتُبٍ كُتِبَتْ بالهيروغليفية لا يقرأها إلا قلة من الناس، إن مروياتنا ليس فيها ما تدعيه ولا ما تزعمه.
    ثانيا: كيف تزعم أن حديثنا عن الصحابة ليس فيه إلا الكلام عن القتل وسيرهم وتراجمهم بعيدة عن هذا التعميم وفيها من ذكر تعبدهم وزهدهم وحكمهم ورجاحة عقولهم وإحسانهم وحسن تعاملهم ما لا يخفى على القارئ لها والمطلع عليها.
    ثلثا: كيف تزعم يا أستاذ أن حديثنا كله عن القتل، هل تتحدث عن حديث أهل الإسلام في كتبهم فالكتب ترد قولك أم تتحدث عن حديثهم بألسنتهم فمجالسهم تفند زعمك، وهذه مجالس علماء الإسلام اليوم والحمد لله مسجلة أتحداك أن تخرج لنا عينة من عيناتهم كل حديثه بل أقول غالب حديثه في القتل بل أقول لو وجدت فيهم واحدا يتكلم على القتل عشرة في المائة لسلمت لك ولعذرتك ولكنك وللأسف الشديد يا أستاذ تلقي الكلام على عواهنه وتظن أن السامع سيسلم لك فيه.
    السابع: اعذرني يا أستاذ أن أقول لك ومن فواقرك قولك معللا لمجازفاتك وتعميماتك:" لأن العقلية العربية التي دأبت على الهزيمة في كل ميدان فرحانة باسترجاع بعض البطولات ولو خياليا، نحب أن نعيش بطولاتنا انطلاقا من بطولات ماذا أسلافنا، فنجد نفسنا نؤشر ببطولاتهم حتى ماذا؟ نعوض عن هزيمتنا النفسية والثقافية والحضارية، وانتكاساتنا الحضارية نبررها بالموروث هذا من ناحية".
    أولا: والله ما فهمتك يا أستاذ هل الشيء الذي يُذكر عن أسلافنا منتقد تريد أن ترده بتضعيف الروايات التي تنقله أم هو بطولات ينبغي إحسان استعمالها وعدم الاتكال عليها ورؤية النفس من خلالها؟ يا أستاذ ما بالك تنتقد الشيء ثم تقره وتذمه ثم تمدحه؟.
    ثانيا: الهزيمة التي تذكرها وتُعَيِّرُ إخوانك المسلمين بها هل كان سببها التمسك بمروياتنا أم تنكب سبيل نبينا وأسلافنا؟ وبتعبير آخر متى أصابت الهزيمة أهل الإسلام هل أصابتهم في زمن أسلافهم الذين تمسكوا بمرويات دينهم أم أصابتهم بعد أن تركوا دينهم وجهلوا تعاليم نبيهم صلى الله عليه وسلم؟.
    ثالثا: أيُذم المسلم إذا ذكر مآثر أسلافه والتي ينبغي عليه أن يحدو حدوها وأن يحاول استرجاعها؟ اعلم يا أستاذ أن مما تقرر عند الأمم أنه لا مستقبل لمن لا ماضي له، ولذلك تجد الدول المتقدمة اليوم تبحث لها عن ماضي مشرف تنتسب إليه وتفتخر به، وأنت تريد من المسلمين أن ينقطعوا عن جذورهم بقطع الحديث عن مفاخر أسلافهم؟ يوضحه:
    رابعا: اعلم يا أستاذ أنه لا ينبغي لمن يريد أن يصلح حال المسلمين وينفض الغبار عليهم ويبدل من حالهم برفع أسباب هزيمتهم أن يقطعهم عن ماضيهم بل إن السبيل الأوحد لفعل ذلك هو ردهم إلى جذورهم وربطهم بالأسباب التي رفعت قدر أسلافهم، والشجرة إذا قطعت عن جذورها تموت وتضمحل، والثمرة إذا قطفت من غصنها تفسد أو تؤكل.
    خامسا: اعلم يا أستاذ أن هذا الذي تنكره مما توهمت أن المسلمين يفعلونه وهو الكلام على مآثر الأسلاف وآثارهم وشجاعتهم وبسالتهم أنه كان ديدن هؤلاء الأسلاف وأننا خالفناهم فيه ولم نحافظ عليه، فهم كانوا يذكرون حروبهم لأعداء الله ويجعلونها من ضمن العلوم التي يتعلمونها أما نحن فلا علم الإسلام تعلمنا ولا مآثر الأسلاف استرجعنا ولذلك نحن على ما نحن عليه، فكلامك في واد وحقيقة الواقع المعاش في واد آخر يا أستاذ.
    وأختم بذكر ما يدل على أهمية علم المغازي عند السلف مع أنهم لم يركزوا عليه كما تدعي يا أستاذ:
    - قال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الماتع: "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" ج2 ص195:
    تحت مبحث: كَتْبُ أَحَادِيثِ الْمَغَازِي:
    تَتَعَلَّقُ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ فَيَجِبُ كَتْبُهَا وَالْحِفْظُ لَهَا
    ثم روى بأسانيده الآثار التالية:
    - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّي الزُّهْرِيَّ، يَقُولُ:" فِي عِلْمِ الْمَغَازِي عِلْمُ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا".
    - عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:" كَانَ أَبِي يُعَلِّمُنَا مَغَازِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَعُدُّهَا عَلَيْنَا، وَسَرَايَاهُ وَيَقُولُ: يَا بَنِيَّ هَذِهِ مَآثِرُ آبَائِكُمْ فَلَا تُضَيِّعُوا ذِكْرَهَا".
    - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَقُولُ:" كُنَّا نُعَلَّمُ مَغَازِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ".
    النقطة الثالثة: في بيان اضطرابه وتضارب أقواله وفوضوية فكره:
    - من الأمور التي تدل على اضطرابه وتضارب أقواله وفوضوية فكره: أنه زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن النبي المحارب حيث قال:" النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كأنبياء بني إسرائيل النبي المحارب أبدا" ثم مباشرة نقض قوله وهدم ما كان يبنيه فقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم حارب أعداءه وعَدَّد القتلى الذين سقطوا في حروبه حيث قال:" سأقول لكم شيئا، هل تستطيعون أن تعددوا لي ولأنفسكم عدد القتلى من المشركين في حروب رسول الله؟ يعني ثلاثمئة وخمسين كأقصى تقدير" والسؤال المطروح يا أستاذ أكان النبي صلى الله عليه وسلم محاربا أم لم يكن كذلك؟ ما هذا التنافر الموجود في أفكارك والذي تدل عليه أقوالك.
    - ومن الأمور التي تدل على اضطرابه وتضارب أقواله وفوضوية فكره: أنه مدح الرافضة الشيعة وأثنى عليهم بأنهم أعادوا النظر في مورثهم الروائي، وتكلموا في تراثهم الديني، وذكر منهم كمال الحيضري الذي بين أن تسعين بالمئة من موروثهم هو من الإسرائيليات، وغالب رواياتهم من الموضوعات الواهيات، ثم ذم مقارنا بهم أهل السنة والجماعة الذين لم يفعلوا فيما زعم كفعلهم ولم تكن لهم الشجاعة الأدبية ليصنعوا كصنيعهم، لكنه سرعان ما هدم ما قرر، ونقض كلامه السابق دون أن يشعر؛ لما راح يخبر أن الألباني رحمه الله أعاد النظر في الموروث الروائي السني، فصحح أحاديث كنا نظنها ضعيفة، وضعف أحاديث كنا نظنها صحيحة؛ وهاك كلامه من محاضرته حيث قال وهو يتكلم عن الألباني رحمه الله:" طبعا بين قوسين أديولوجيا نتفق أو نختلف مع الشيخ لكن لا نبخس الرجل حقه قام بمجهود عظيم وأعاد القراءة في المدونة الحديثية السنية" ألا تدل هذه التناقضات العلمية على تلكم الفوضى الفكرية؟ أنا أقطع أنها تدل على ذلك ولكني أترك الحكم للقارئ.
    لكن قد يقول الأستاذ: أنا أقصد إعادة النظر في الصحيحين لا في سائر الكتب الأخرى، وهذا هو الذي أقام محاضرته من أجله، وأبرق وأرعد محاولا إثباته، وإيصال السامعين إليه. فأقول مجيبا: وحتى هذا وقعت في نقضه على نفسك، وبسببه فضحت مقدار فكرك أمام طلابك؛ ففي الوقت الذي قررت فيه أن أهل السنة لم تكن لهم الشجاعة الأدبية لفعله، أخبرت أن الألباني رحمه وهو من أهل السنة والجماعة فعله حيث قلت:" هل نكفر الشيخ الألباني الذي أعاد النظر في صحيح البخاري وله كتاب الجامع الصحيح".
    والحقيقة أن الألباني رحمه الله كما تقدم لم يعد النظر في صحيح البخاري رحمه الله لاعتقاده -كسائر أئمة هذا الشأن، والمتخصصين في هذا الفن- أن صحيح البخاري وصحيح مسلم قد جاوزا القنطرة، لأنهما بلغا أعلى درجات الصحة، وذلك بناء على أسس علمية متينة، وقواعد حديثية رصينة، لا يشك من عرفها، واطلع عليها؛ طرفة عين فيما قالوه وقرروه وحكموا به، وإنما الذي تكلم عليه الألباني وغيرُه من أئمة هذا الشأن من المتقدمين والمعاصرين هي الكتب والمدونات التي لم يشترط أصحابها الصحة فيها، ولذلك يذكرون فيها السليم والسقيم، والصحيح والضعيف، هذه هي الكتب التي تكلم عليها أمثال الألباني ليميزوا صحيحها عن ضعيفها، وسليمها عن معلولها، كمثل: العديد من الكتب التي خدمها الألباني رحمه الله:
    مثل الجامع الصغير للسيوطي الذي ميز صحيحه عن ضعيفه، فصدر له صحيح الجامع الصغير في مجلدين، وضعيف الجامع الصغير في مجلد، وكسنن أبي داود الذي ميز صحيحه من ضعيفه؛ فصدر له صحيح سنن أبي داود في ثلاثة مجلدات، وضعيف أبي داود في مجلد، وهكذا فعل مع سنن النسائي وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه والترغيب والترهيب للمنذري وغيرها.
    فلماذا لم يعمد أئمة هذا الشأن إلى الصحيحين ولم يتكلموا على أحاديثهما؟ ليس لأنهم ليست لهم الشجاعة الأدبية للكلام على الموروث الروائي كما قلت وزعمت وإنما لاعتقادهم المبني على العلم المتين أن كل ما جاء في الصحيحين قد بلغ درجة عالية من الصحة، وتوفرت فيه شروط الصحة المعروفة، وهي كما قال البيقوني رحمه الله:
    أوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصل ... إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ
    يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِه ... مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِه
    وهذا علم لا يحسنه الأستاذ وكما قيل قديما: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
    قد يقول الأستاذ أو غيره: لكن يمكن أن يكون في الصحيحين ما هو ضعيف ولم يتفطن له كل هؤلاء العلماء وما قلته أنا في المحاضرة هو أكبر دليل على ذلك حيث أثبت وجود إشكالات في الصحيح؟.
    والجواب:
    أولا: كيف يغيب عن جهابذة النقاد من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين من أهل التخصص في علم الرواية والدراية ما تعلمه أنت الجاهل بهذا العلم والغريب عن هذا الفن؟.
    ثانيا: أن الإشكالات التي توردها على النصوص الشرعية وتريد أن تبني عليها إعادة النظر في كتب السنة النبوية هي ليست مبنية على علوم منضبطة متينة وقواعد علمية بينة وإنما مبناها على العقل والفكر والمنطق والنظر وهذه ولا مؤاخذة ليست علما ولا يَبْنِي عليها العلماء المتخصصون حكما وذلك بسبب عدم انضباطها واختلاف الناس فيها، وسيأتي مزيد كلام عليها إن شاء الله في آخر المقالة.
    ثالثا: أن ما قلته في المحاضرة إنما استشكلت فيه أحاديث في غير الصحيحين إلا حديثا واحدا في صحيح الإمام البخاري، ومعلوم أن ما كان في غير الصحيحين لم يشترط أصحابها الصحة فيها بل فيها كما يقرر علماؤنا الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فكونك تقرر أن فيها ما لا يصح هذا لا يكون دليلا على أن الصحيحين فيهما ما لا يصح.
    ولأجل هذا إذا كنت تريد أن تثبت وجود الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في الصحيحين فكان الواجب عليك والمفروض في حقك أن تعمد إليهما وتتكلم على نصوص منهما وأنت لم تذكر إلا حديثا واحدا من صحيح البخاري لم تورده بلفظه، وزدت فيه تبعا للمتشيعة ما ليس منه، وخبطت بناء على ذلك خبطا كبيرا في فهمه، وسيأتي الكلام على معناه وما تضمنه بإذن الله تعالى.
    فاستشكالاتك التي ذكرتها كانت على قسمين:
    القسم الأول:ما استشكلته من كتب السنة والسيرة؛ التي لم يشترط أصحابها الصحة فيها، وهذا هو الغالب عليك، مع التنبيه أنك لم تذكر كما تقدم المصادر حتى نرجع إليها؛ لنتأكد أولا من وجودها، وثانيا من دقة نقلك لها، وهذه والحمد لله علماء السنة رجعوا إليها، وتكلموا على مضامينها، وحققوا كثيرا منها، وميزوا بين صحيحها وسقيمها، فالزعم أنهم لم يرجعوا لهذا الموروث الروائي تجني عليهم وظلم لهم، أو جهل بهم وعدم معرفة بجهودهم وآثارهم؛ وفي كلا الحالتين موقفك غير محمود على حد قول الشاعر:
    فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
    القسم الثاني:ما استشكلته من كتب السنة التي يشترط أصحابها الصحة فيها؛ وبالتعيين صحيح البخاري، ولم تستشكل منه إلا رواية واحدة، فهل يحق لك من خلال رواية واحدة استشكلتها أن تزعم أن صحيح البخاري والكتب الصحيحة فيها إشكالات تدعوا للريبة فيها، وإعادة النظر في متونها؟ مع العلم أنك اعتمدت في نقل الرواية كما تقدم على أعداء الدين والسنة، الرافضة المتشيعة؛ أهل البهتان والزور بشهادتك أنت في محاضرتك. فلماذا لا يكون الإشكال فيك لضحالة علمك، وقلة فهمك، وضعف إدراكك، وانعدام تحقيقك في النصوص التي تجعلها عمدة موضوعك، وللأسف هذا هو واقعك الذي تدل عليه محاضرتك، وتوضيحه الآتي:
    - أمثلة من القسم الأول:
    - الرواية الأولى: أول ما استشكلتَه ملقي للكلام على عواهنه دون التدليل على صحته؛ قولك:" وأيضا بعض الروايات التي قالوا: إنها صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأسف هذه الروايات موجودة أيضا في كتب السنة من بينها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر عليا أن بعده ماذا سيظلمه الصحابة وسيبخسونه حقه وهذه الروايات موجودة في كتبنا ليس فقط في كتبهم حتى في كتبنا كيف انسلت إلينا هذا هو السؤال الذي أريد أن أطرحه بشكل تفصيلي من خلال هذه الندوة، كيف انسلت إلينا هذه الروايات ونجدها في أمهات مصادرنا الحديثية".
    فأقول: أين هي هذه الروايات في مصادرنا الحديثية؟ أعطيك سنة كاملة لتدلنا عليها، وترشدنا إليها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر عليا رضي الله عنه بأن الصحابة سيظلمونه ويبخسونه حقه؟ يا أستاذ لا تأخذ معلوماتك من كتب الرافضة ثم تزعم أنها موجودة في كتبنا المعتمدة، يا أستاذ أين بَيِّنَتُكَ على دعواك؟ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي «شَرْحِهِ لِلنَّوَوِيِّ» أَنَّهُ قَالَ: وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ «الْبَيْهَقِيِّ» بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ زِيَادَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا:" لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ على المدَّعي واليمينَ على مَنْ أنكر".
    - الرواية الثانية: ومن الأحاديث التي استشكلتها ما ذكرته بالحرف قائلا:" فيه رواية مثلا وقفت عليها تقول: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يجمع الأحاديث ويدونها وأنه بلغ ما دونه من الأحاديث أكثر من خمسمئة حديث ولكنه في صبيحة وهي الرواية عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: بات أبي مهموما يتقلب فقلت: يا أبتاه ما شغلك، بمعنى الرواية ليس حرفيا، ما شغلك قال: إنما كنت قد جمعت حديث رسول الله فخشيت أن يكون ما جمعت هو يعني غير مطابق لما قال، فأتني بها لأحرقها، فجاءته بالصحف التي كان يكتب فيها الحديث ثم حرقها وهنا ربما كأول إشكالية نطرحها: إذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو المعروف بملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم وباتباع منهجه دون أن يخالفه، كيف يعقل أن يجمع أبو بكر الصديق أحاديث والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك؟ هنا أضع نقطة استفهام".
    وكلامك هذا عليه ملاحظات:
    الأولى: أين وقفت على هذه الرواية ما هو مصدرك حتى نعرف قدره وننظر الرواية فيه.
    الثانية: أن علماء السنة لا يبنون الأحكام ويضعون نقاط الاستفهام إلا بعد معرفة درجة الحديث ولذلك أثر عنهم: التأويل فرع التصحيح.
    الثالثة: أن النهي عند علماء الإسلام الذي يصدر عن النبي عليه الصلاة والسلام قد يكون للتحريم، وقد يكون للتنزيه، وقد يكون معلقا بسبب وعلة فإذا زال سببه وذهبت علته أمكن فعله؛ وبخاصة إذا وجدت القرائن الدالة على ذلك، ومن أمثلة ذلك: تدوين الحديث النبوي؛ فإن العلة كما قرر العلماء كانت خشية اختلاط الحديث بالقرآن في أول عهد الإسلام، فلما زالت العلة، ووجدت الحاجة، مع كثرت القرائن؛ تتابع العلماء على تدوين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تلكم القرائن:
    - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ". فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" إِلاَّ الإِذْخِرَ". فَقَامَ أَبُو شَاهٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- فَقَالَ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ". قُلْتُ: لِلأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم–" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
    - وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قال: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ" رواه البخاري رحمه الله.
    - عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ سُئِلَ عَلِيُّ أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَيْءٍ فَقَالَ مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلاَّ مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا -قَالَ- فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا:" لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا" رواه مسلم وغيره.
    - ومن أوضح القرائن الحديث الذي تقدم نقله: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابِ" رواه الخطيب في تاريخه وابن عبد البر في جامعه وغيرهما وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع رقم4434.
    وغير هذه الأحاديث مما جاء فيها الإذن بالكتابة بعد النهي، وهي قرائن تدل على الجواز، ومن شاء الاستزادة فعليه بكتب أهل العلم التي ألفت في هذا الباب، ومنها "تقييد العلم" للخطيب البغدادي رحمه الله.
    - الرواية الثالثة: ومن الأحاديث التي استشكلتها ما ذكرته بالحرف قائلا:" طيب هناك رواية أردت أيضا أن أطرقها في الأخير حتى أذهب إلى الحلول وليس فقط أحكي هكذا، هناك آية في القرآن الكريم يرتكز عليها سلمان صاحب آيات شيطانية سلمان رشدي ليكتب كتابه آيات شيطانية، آية الغرانيق معروفة "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى" هذه الآية قالوا ان الشيطان هو الذي تلاها على لسان رسول الله يعني بصوته فسجد رسول الله وسجدت قريش، رسول الله يسجد للآلهة؟ ما هذا أيعقل أن رسول الله يسجد للغرانيق؟ ويفتخرون بهذه الرواية، لست أدري أي (كلمة غير مفهومة) للافتخار فيه، يجعلونها يعني مدونة وصحيحة ولا يجوز أن تنتقدها فجاء سلمان رشدي الخبيث لماذا لا يكون القرآن كله مثل آية الغرانيق، ألا يمكن أن يكون وحيا من الشيطان وليس من رب العالمين، سؤال طرحه لكن من الذي أعطاه الأهلية لوضع هذا السؤال؟ هو نحن، هو نحن لأننا نضع روايات ونقدسها، طبعا أنا لا أطعن في السنة يا جماعة حتى نكون نمشي في نفس الخط أنا لست من القرآنيين ممن يسمون بالقرآنيين لست منهم وأختلف معهم شكلا ومضمونا لأن إلغاء السنة هذا هبل وسفه فكري اليوم تتعرض له الأمة الإسلامية وطبعا هؤلاء جاؤوا انطلاقا من ماذا؟ من التشكيك في الموروث الروائي".
    ولي على كلامك هذا ملاحظات عدة وهي:
    الملاحظة الأولى: قولك:" طيب هناك رواية أردت أيضا أن أطرقها في الأخير حتى أذهب إلى الحلول وليس فقط أحكي هكذا" لم نرك أعطيت بعد هذه القصة وهذا الاستشكال حلا فضلا عن حلول وهذا مما يدل على أنك إنما أردت إيراد الشبهات ولم يكن بحثك علميا تعطي به حلولا للمشكلات.
    الملاحظة الثانية: قلت:" هذه الآية قالوا ان الشيطان هو الذي تلاها على لسان رسول الله يعني بصوته فسجد رسول الله وسجدت قريش، رسول الله يسجد للآلهة؟ ما هذا أيعقل أن رسول الله يسجد للغرانيق؟" ليس في روايات الغرانيق أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للآلهة المزعومة فمن أين جئت بهذه المعلومة؟.
    الملاحظة الثالثة: قولك:" ويفتخرون بهذه الرواية، لست أدري أي (كلمة غير مفهومة) للافتخار فيه، يجعلونها يعني مدونة وصحيحة ولا يجوز أن تنتقدها" أقول:
    أولا: من هم هؤلاء الذين يفتخرون بهذه الرواية ويجعلونها مدونة وصحيحة ولا يجوز أن تنتقدها؟ أطلب من الأستاذ أن يسمي لنا واحدا افتخر بهذه الرواية وقرر صحتها وأفتى بعدم جواز انتقادها؟ هذه مبالغات كثيرة ومجازفات خطيرة، أين هو التحقيق العلمي يا أيها الأستاذ الجامعي؟. يوضحه:
    ثانيا: أن رواية الغرانيق لم يروها أحد من أصحاب الكتب المعتمدة عندنا في رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يروها لا البخاري ولا مسلم ولا أصحاب السنن الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ولم يروها أصحاب المسانيد كالإمام أحمد في مسنده ولا أصحاب الموطآت كالإمام مالك في موطئه ولا غيرهم من أصحاب كتب الحديث المعتمدة وإنما ذكرت في بعض كتب التفسير المسندة وبعض كتب أسباب النزول التي تجمع الغث والسمين والصحيح والضعيف.
    ثالثا: كيف تزعم أيها الأستاذ أنهم لا يجوزون انتقادها مشيرا إلى علماء السنة والحديث وهم قد تكلموا عليها وبينوا بطلانها بل وألفوا رسائل خاصة فيها مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله الذي كتب في بيان بطلانها رسالة وهي: "نصب الماجنيق لنسف قصة الغرانيق" وقد نسفها حقا كما جاء في عنوان الرسالة.
    رابعا: أن هذه الرواية لا تصح سندا ولا متنا كما قرر العلامة الألباني رحمه الله وقد ردها جملة من علماء السنة في كتبهم وممن سمى منهم العلامة الألباني رحمه الله في رسالته هذه حيث قال:"
    فلا جَرَم تتابع العلماء على إنكارها، بل التنديد ببطلانها، ولا وجه لذلك من جهة الرواية إلا ما ذكرنا، وإن كنت لم أقف على من صرّح بذلك كما ذكرت آنفًا. قال الفخر الرازي في "تفسيره 6/193":
    "روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة؟ فقال: "هذا من وضع الزنادقة"، وصنّف فيه كتابًا. وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: "هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل" ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم، وأيضًا: فقد روى البخاري في "صحيحه" أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "النجم" وسجد وسجد فيها المسلمون والمشركون، والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق وروى هذا الحديث من طرق كثيرة، وليس فيها البتة حديث الغرانيق.
    وقد تبع هؤلاء جماعة من الأئمة العلماء، وهاك أسماءهم على ترتيب وفياتهم:
    1- أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن العربي توفي سنة "542"، في تفسيره "أحكام القرآن".
    2- القاضي عياض بن موسى بن عياض "544" في كتابه "الشفا في حقوق المصطفى".
    3- فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن الرازي "606" في تفسيره "مفاتيح الغيب: 6/193-197" وقد مضى بعض كلامه في ذلك.
    4- محمد بن أحمد الأنصاري أبو عبد الله القرطبي في "أحكام القرآن: 12/80-84".
    5- محمد بن يوسف بن علي الكرماني من شرّاح "البخاري: 786"، وقد نقل كلامه في ذلك الحافظ في "الفتح: 8/498".
    6- محمود بن أحمد بدر الدين العيني "855" في "عمدة القاري: 9/47".
    7- محمد بن علي بن محمد اليمني الشوكاني "1250" في "فتح القدير: 3/247-248".
    8- السيد محمود أبو الفضل شهاب الدين الآلوسي "1270" في "روح المعاني: 17/160-169".
    9- صديق حسن خان أبو الطيب "1307" في تفسيره "فتح البيان".
    10- محمد عبده المصري الأستاذ الإمام "1323" في رسالة خاصة له في هذه القصة" اهـ.
    قلت: ثم نقل جملة من كلام بعضهم وتحقيقاتهم في بيان ضعفها وبطلانها فراجعه إن شئت الاستفادة.
    الملاحظة الرابعة: قولك:" فجاء سلمان رشدي الخبيث لماذا لا يكون القرآن كله مثل آية الغرانيق، ألا يمكن أن يكون وحيا من الشيطان وليس من رب العالمين، سؤال طرحه لكن من الذي أعطاه الأهلية لوضع هذا السؤال؟ هو نحن، هو نحن لأننا نضع روايات ونقدسها".
    أين التقديس يا أستاذ لمثل هذه الرواية والعلماء أنكروها وأبطلوها وبينوا وهاءها ولكنهم فعلوا ذلك بناء على قواعد علمية لا على كلمات حماسية لا يقتنع بها أحد ممن يحترم نفسه لا من الأصدقاء ولا من الأعداء.
    أما ما ثبتت صحته وقامت الأدلة والبراهين على ثبوته فهذا لا مجال للتشكيك فيه ولا التوقف للأخذ به ليس لأنه من موروثنا الروائي وإنما لثبوته بالدليل العلمي.
    تنبيه:وهنا لابد من تنبيه مهم وهو: أن كثيرا ممن تكلموا في هذه القصة وأنكروها إنما كان الغرض من وراء كلامهم عليها ونقدهم لها هو الطعن في السنة وأهلها فجعلوها مطية لأغراضهم الدنيئة، وسبيلا لتحقيق مقاصدهم الحقيرة.
    ومنهم من كان الذب على الإسلام همه، والرد على طعونات أعداء الدين مقصده، وهؤلاء انقسموا إلى قسمين: قسم ضعف القصة بالحماسة العاطفية وبالكلمات الحماسية وقسم ضعف القصة بالأساليب العلمية والقواعد الحديثية.
    ومما ينبغي أن يقرر أن طريقة الحماسيين لا تنفع الإسلام ولا المسلمين؛ ذلك لأن الذي يقتنع بها إنما هم أهل الحماسة من الموافقين، أو من يثق بالمتكلم من المسلمين، أما بالنسبة لغيرهم ممن هو على غير سبيلهم، ولا على مثل دينهم؛ فهؤلاء لا يقتنعون بكلمات المتحمسين، ولا تأثر فيهم جعجعة العاطفيين، بل يعمدون إلى ردها بيسر وسهولة، ويطعنون في خصرها بأدنى جهد وحيلة؛ لأنه لا برهان يدعمها، ولا دليل يؤيدها.
    أما الذي ينفع الإسلام والمسلمين فهي طريقة المحدثين، وسبيل العلماء الراسخين؛ وهي نقض القصة سندا ومتنا بالقواعد العلمية، والضوابط الحديثية؛ كما فعل العلامة الألباني رحمه الله في كتابه المشار إليه سابقا، وهذه الطريقة تقوي حجة الموافق، وتقيم الحجة على المخالف، وهي الطريقة العلمية المثلى، التي لا يقوم أمامها عدو مهما تسربل بالمكر والخديعة.
    وأقول: ويؤسفني أن أقرر أن طريقة الأستاذ إنما هي طريقة الحماسيين العاطفيين، لا طريقة أهل العلم الراسخين، وكان غرضه من وراء إيرادها التشكيك في كتب الصحاح عند أهل السنة، فهي شر وسيلة لشر غاية.
    الملاحظة الخامسة: على قولك:" طبعا أنا لا أطعن في السنة يا جماعة حتى نكون نمشي في نفس الخط أنا لست من القرآنيين ممن يسمون بالقرآنيين لست منهم وأختلف معهم شكلا ومضمونا لأن إلغاء السنة هذا هبل وسفه فكري اليوم تتعرض له الأمة الإسلامية وطبعا هؤلاء جاؤوا انطلاقا من ماذا؟ من التشكيك في الموروث الروائي".
    أقول: نفيت عن نفسك أن تكون من القرآنيين وبينت أنهم انطلقوا لإلغاء السنة النبوية من التشكيك في الموروث الروائي وهذا الذي تقوم به وتفعله: شككت في محاضرتك هذه في الموروث الروائي فحتى لو لم تكن ممن يتبنى فكرهم ويسير على دربهم فأنت بفعلك وكلامك تلتقي في النتيجة معهم، فلا ينفعك والحالة هذه أن تتبرأ منهم ولا أن تزعم مخالفتك لهم، لأن العبرة بالنتائج لا الوسائل والمناهج.
    - المثال الوحيد من القسم الثاني:الرواية الوحيدة التي استشكلتها من صحيح الإمام البخاري هي التالية وسأنقل كلامك كما هو حرفيا:
    قلت:" في شيء آخر أيضا في هذه الروايات التي وجدتها ملفتة للنظر في صحيح البخاري حينما يتحدث عن مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه يقول: أن، اجتمع الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه طبعا الرواية طويلة جدا تتحدث عن نقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة وجاء الصحابة ليعودوا رسول الله فكان من بين الصحابة الذين حضروا هو وبين قوسين هنا لماذا نجد شخصية عمر بن الخطاب كشخصية محورية تدور حولها كل أحداث هذه الروايات، هذا سؤال يجب أن نلتفت إليه، لماذا عمر بن الخطاب بالذات دون غيره من سائر الصحابة؟ وسأجيبكم لماذا، أنا أولا فقط في البداية أنا أعطيكم بعض الروايات التي تلفت الانتباه، ثم بعد ذلك بإذن الله سنجد لها الجواب، من بين الذين أتوا هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني بصحيفة أكتب لكم فيها وصية لن تضلوا بعدها أبدا فقال عمر: أهجر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإني أنزه عمر من أن يقول مثل هذه الكلمة في حضرة رسول الله، أتعلمون ما معنى هجر رسول الله بالدارجة "أبقى يخرف" "بدا يخرف السيد" وأنا أنزه عمر رضوان الله عليه أن يقول مثل هذه الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا فما بالك حاضرا فشجر خلاف بين عمر بن الخطاب ومن رأوا رأيه وعبد الله بن عباس ومن وقف إلى جانبه فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اخرجوا عني، فخرج الصحابة دون أن يكتب رسول الله هذه الوصية، والسؤال المطروح: ما هي الوصية التي كان يريد رسول الله أن يكتبها لهم حتى لا يضلوا بعده والآية تقول:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" سورة المائدة من الآية 3، هذا من ناحية".
    - التعليق وسأجعله في نقاط:
    - النقطة الأولى: تقدم الكلام في مجازفاته أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقل تلكم الكلمة، وأن الأستاذ إنما أخذ ذلك من كتب الشيعة، ولم يأخذ ذلك من صحيح البخاري كما ادعى في أول كلامه هذا حيث قال:" في هذه الروايات التي وجدتها ملفتة للنظر في صحيح البخاري" فإذا كنت قارئا في كتب الشيعة يا أستاذ فلا أقل من أن ترجع للمصادر لتتأكد من صحة قولهم، ودقة نقلهم، وبخاصة وأنت الذي قلت في محاضرتك هذه:" فأقول لكم أن تسعة وتسعين بالمئة منه كذب وزور وبهتان وليس من باب الأيديولوجيا أو الانتماء، لا! قرأت كتاب الكليني وقرأت كتاب بحار الأنوار للمجلسي وقرأت كتبا عديدة للشيعة يعني كتب أقولها صراحة كتب ميثولوجيا كتب أساطير وليست كتب فكر أو عقل أو منطق".
    - النقطة الثانية: تقدم في مجازفاته أيضا أنه لم يأت في روايات البخاري ولا مسلم أن شجارا وقع بين عمر بن الخطاب ومناصريه وبين عبد الله بن عباس ومن كان على رأيه، والسؤال أيضا من أين أخذت معلوماتك يا أستاذ؟.
    - النقطة الثالثة: في تحقيق الكلام على كلمة "هجر رسول الله" التي أشكلت على المحاضر ولم يستسغها، وراح يشكك من أجلها في الكتب الصحاح عندنا، والتي أطبق على الوثوق بها علماؤنا، وهذه بعض المسائل المتعلقة بها، والتي تجعل المسلم إن شاء الله على علم بحقيقة معناها:
    المسألة الأولى: أن هذه الكلمة التي زعم الأستاذ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالها واصفا النبي صلى الله عليه وسلم بها لم تثبت عن عمر رضي الله عنه إطلاقا، وإنما قالها بعض الحاضرين، ففي جميع الروايات التي في الصحيحين لم يعين قائلها، بل ذكرت منسوبة إلى جمع منهم، لا إلى فرد واحد دونهم، فجاءت في الروايات بأكملها:" فقالوا ما شأنه أهجر" ونحوها، كلها بصيغة الجمع كما تقدم، قال الآلوسي رحمه الله في مختصر التحفة الاثنى عشرية ص250:" من أين يثبت أن قائل هذا القول هو عمر مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع".
    المسألة الثانية: أن هذه الكلمة ليس فيها طعن على من قالها وتكلم بها، أيا كان شخصه، ومهما كانت منزلته، وما ادعاه المحاضر من أن قائلها وصف النبي صلى الله عليه وسلم "بالخرف" شيء باطل من وجوه عدة:
    الوجه الأول: أن الثابت في كل الروايات التي في الصحيحين أن هذه الكلمة جاءت بلفظ "أهجر" ولم تأت بلفظ "هجر أو يهجر" إلى في رواية واحدة عند البخاري ومسلم رحمهما الله، وهي إما رواية مرجوحة كما قرر العلماء، أو بمعنى (أهجر) كما نبه عليه بعض شراح الحديث الفقهاء:
    - قال الإمام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ج8 ص133: وحاصله أن قوله هجر الراجح فيه إثبات همزة الاستفهام وبفتحات على أنه فعل ماض.
    - وقال القاضي عياض المالكي رحمه الله في الشفا ج2 ص886: وإنما الأصح والأولى أهجر؟ على طريق الإنكار على من قال لا يكتب، هكذا روايتنا فيه في صحيح البخاري من رواية جميع الرواة في حديث الزهري المتقدم، وفي حديث محمد بن سلام عن ابن عيينة، وكذا ضبطه الأصيلي بخطه في كتابه وغيره من هذه الطرق، وكذا رويناه عن مسلم في حديث سفيان وعن غيره، وقد تُحمل عليه رواية من رواه هجر على حذف ألف الاستفهام والتقدير أهجر؟.
    - وقال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ج11 ص92: وْقَوْلُهُ أَهَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، أَهَجَرَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ أصح من رواية من روى هَجَرَ وَيَهْجُرُ، لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ مَعْنَى هَجَرَ هَذَى، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ اسْتِفْهَامًا لِلْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ لَا تَكْتُبُوا؛ أَيْ لَا تَتْرُكُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُوهُ كَأَمْرِ مَنْ هَجَرَ فِي كَلَامِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهْجُرُ".
    - قال الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه "المفهم" ج4 ص559:" وقوله:" أهجر؟ استفهموه" كذا الرواية الصحيحة في هذا الحرف (أهجر؟) الرسول صلى الله عليه وسلم بهمزة الاستفهام. و(هَجَرَ) بالفتح بغير تنوين على أنه: فعل ماض. وقد رواه بعضهم: (أَهُجرًا) بفتح الهمزة، وبضم الهاء، وتنوين الراء، على أن يجعله مفعولا بفعل مضمر. أي: أقال هُجْرًا...
    - الوجه الثاني: أن الكلمة جاءت على شكل الاستفهام والإنكار، لا على سبيل الوصف للنبي المختار، وهو ما يدل على إجماع الصحابة على تنزه النبي صلى الله عليه وسلم عن المعنى الغير اللائق به للكلمة المذكورة:
    قال الإمام القرطبي رحمه الله في المفهم ج4 ص560:" والهُجْرُ: يراد به هذيان المريض، وهو الكلام الذي لا ينتظم، ولا يعتد به لعدم فائدته. ووقوع مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في حال مرضه، أو صحته محال لأن الله تعالى حفظه من حين بعثَه إلى حين قبضَه عما يخلُّ بالتبليغ. ألا تسمع قوله تعالى:" وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)" سورة النجم. وقوله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)" سورة الحجر. وقد شهد له بأنه على صراط مستقيم، وأنه على الحق المبين. ولذلك قال:" خذوا عني في الغضب والرضا، فإني لا أقول على الله إلا حقا". ولما علم أصحابه هذا: كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته، حتى في هذا الحالة، فإنَّهم تلقوا عنه، وقبلوا منه جميع ما وصى به عند موته، وعملوا على قوله:" لا نورث"، ولقوله:" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، و"أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم" إلى غير ذلك. ولم يتوقفوا ولا شكوا في شيء منه. وعلى هذا: يستحيل أن يكون قولهم: أهجر. لشكٍّ عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه، وإنما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكأ عنه، فكأنه يقول: لمن توقف: كيف تتوقف، أتظنُّ: أنه قال هذيانا؟ فدع التوقف وقرِّب الكتف، فإنه إنما يقول الحقَّ، لا الهجر. وهذا أحسن ما يحمل ذلك عليه".
    قلت: وبه تبطل دعوى الأستاذ المحاضر من أصلها حيث جعل هذه الكلمة أساسا له للتشكيك في صحيح البخاري رحمه الله.
    وخلاصة الوجهين السابقين: أن الكلمة جاءت بلفظ الاستفهام الإنكاري، وقد قالها بعضهم لمن توقف في الكتابة ملزما له بما تقرر عنده من أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهجر، فهو إجماع من الصحابة الكرام على أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من معنى ذلكم الهجر المعلوم.
    الوجه الثالث: أن الهجر يأتي بمعنيين اثنين، والحديث يفسر بالمعنى اللائق بالأنبياء والمرسلين، لا بالمعنى المخالف لنصوص الوحيين، وكما يقول العلماء الجمع أولى من الترجيح، قال العلامة الألوسي رحمه الله في مختصر التحفة الاثنى عشرية ص277: وتحقيق ذلك أن الهجر في اللغة هو اختلاط الكلام بوجه غير مفهم، وهو على قسمين: قسم لا نزاع في عروضه للأنبياء، وهو عدم تبيين الكلام لبحّة الصوت، وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، كما في الحميات الحارة..... والقسم آخر: وهو جريان الكلام غير المنتظم، أو المخالف للمقصود على اللسان بسبب الغشي العارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر. وهذا القسم وإن كان ناشئا من العوارض البدنية ولكن قد اختلف العلماء في جواز عروضه للأنبياء، فجوزه بعضهم قياسا على النوم، ومنعه آخرون، فلعل القائل بذلك القول أراد القسم الأول يعني أنا نرى هذا الكلام خلاف عادته صلى الله عليه وسلم فلعلنا لم نفهم كلامه بسبب وجود الضعف في ناطقته فلا إشكال".
    وخلاصة هذا الوجه: أن كلمة "هجر" لا تطلق على معنى واحد؛ وهو المعنى الذي ينزه عنه الأنبياء، بل تطلق أيضا على معنى يجوز عليهم، ولا يقدح إثباته فيهم صلوات الله وسلامه عليهم، فحتى لو قررنا –تنزلا- أن قائلها لم يقلها استفهاما انكاريا وإنما قالها خبرا ووصفا فيكون القائل إنما قصد المعنى الجائز في حقهم، لا المعنى المستحيل عليهم، وهنا قاعدة مهمة وهي: إذا كان اللفظ له أكثر من معنى تعين حمله على المعنى اللائق المقبول، لا المعنى المستحيل المرذول.
    ومما يقوي حمله على المعنى الأول الجائز قوله بعدها:" استفهموه".
    الوجه الرابع: أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة للقائل عليها يدل على صحتها وأن لا شيء فيها وأن من فهم معنى باطلا منها فبسبب هوى نفسه أو قلة علمه وأحلاهما مر:
    قلت: وقد ذكر هذا الكلام الإمام القرطبي رحمه الله في المفهم ج4 ص560 حيث قال:" فلو قدرنا: أن أحدا منهم قال ذلك عن شك عرض له في صحَّةِ قوله، كان خطأً منه. وبعيد أن يقرَّه على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة، وكبرائهم، وفضلائهم. هذا تقدير بعيد، ورأي غير سديد".
    الوجه الخامس: أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة على المتكلم بها إن كانت الكلمة وصفا منه للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على عذرهم له لشيء قد قام به فمن طعن فيه بعد عذرهم له فهو ممن يبتغي الفتنة ويريد الضلالة؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله في المفهم ج4 ص560:" ويحتمل أن يكون هذا صَدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم، والمصاب الجسيم، كما قد أصاب عمر وغيره عند موته".
    - النقطة الرابعة: على قولك:" وبين قوسين هنا لماذا نجد شخصية عمر بن الخطاب كشخصية محورية تدور حولها كل أحداث هذه الروايات، هذا سؤال يجب أن نلتفت إليه، لماذا عمر بن الخطاب بالذات دون غيره من سائر الصحابة؟ وسأجيبكم لماذا، أنا أولا فقط في البداية أنا أعطيكم بعض الروايات التي تلفت الانتباه، ثم بعد ذلك بإذن الله سنجد لها الجواب"
    هذا الكلام مبناه أولا على قول الرافضة المتشيعة الذين نسبوا الكلمة إلى عمر رضي الله عنه وقد تقدم أنها لم تنسب في الصحيحين إليه رضي الله عنه وإنما نسبت وأضيفت إلى جمع من الحاضرين، وهذا مما يدل يا أستاذ على ضحالة علمك، وانعدام التوثيق عندك، وأنك تأخذ الكلام من الخصم وتسلم به ثم تستعمله في الحكم على الخصم الذي لم تسمع منه وهو الظلم بعينه والجور بذاته.
    وثانيا: قلتَ متسائلا:" لماذا نجد شخصية عمر بن الخطاب كشخصية محورية تدور حولها كل أحداث هذه الروايات" ووعدت بأنك ستجيب على ذلك السؤال، ولكنك تركت الجواب عليه، ولم تشر ببنت شفة إليه، وأنا أجيبك لماذا تدور أحداث هذه الروايات بأكملها على عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ لأن الرافضة تريد أن تلصق كل نقيصة به، وتنسب كل خطيئة إليه، ولو بالكذب والافتراء، والبهتان والادعاء، لأن أجدادهم الفرس أصيبوا بالويلات على يديه، وبالنكبات في أيام خلافته، فأكل الحقد قلوبهم فصاروا يطعنون فيه جهدهم، ومن أعظم الأدلة على ذلك هذا الحديث الذي بين أيدينا والذي نسبوا فيه إليه ما لم يقله ولم يثبت عنه، وهذا في الحقيقة ليس بغريب لكن الغريب أن ينقل عنهم أستاذ جامعي ينتمي إلى أهل السنة، ويُظهر عليها وعلى أهلها الغيرة؛ ثم لا يتحقق من قولهم، ولا يمحص كلامهم.
    - النقطة الخامسة: في التعليق على قولك:" فخرج الصحابة دون أن يكتب رسول الله هذه الوصية، والسؤال المطروح: ما هي الوصية التي كان يريد رسول الله أن يكتبها لهم حتى لا يضلوا بعده والآية تقول:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" سورة المائدة من الآية 3، هذا من ناحية".
    أولا: ليس في الآية ما يدل على عدم ورود وصية بعد نزولها وانظر كتب علوم القرآن كالإتقان للإمام السيوطي رحمه الله والبرهان للزركشي رحمه الله فيفها ما يدل على أن هذه الآية ليست هي آخر ما نزل من القرآن الكريم وأما إكمال الدين الذي جاء فيها فقد نبه العلماء على معناه ومنهم الإمام الطبري شيخ المفسرين رحمه الله حيث قال:" الْأَوْلَى أَنْ يَتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ بإفرادهم بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِجْلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُ حَتَّى حَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ لَا يُخَالِطُهُمُ الْمُشْرِكُونَ. ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُسْلِمُونَ يَحُجُّونَ جَمِيعًا، فَلَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ، وَحَجَّ الْمُسْلِمُونَ لَا يُشَارِكُهُمْ فِي الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.
    ثانيا: الوصية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبها ثم ترك ذلك لعلمه بما قدر الله كونا من وقوعها، وأن الله لابد يحققها ولو لم يوص بها، هي: الوصية لأبي بكر بالخلافة، وقد قال بهذا القول المحققون من أئمة أهل السنة؛ كسفيان بن عيينة، وغيره من المتقدمين، ومن جاء بعدهم من أئمة السنة المعروفين؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقرطبي وغيرهما:
    - قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم ج11 ص90: قال البيهقي وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك، كما هم بالكتاب في أول مرضه حين قال وارأساه ثم ترك الكتاب وقال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة".
    - قال القرطبي رحمه الله في المفهم ج4 ص558:" وهذا المعنى الذي هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته يحتمل أن يكون تفصيل أمور مهمة؛ وقعت في الشريعة جملية؛ فأراد تعيينها. ويحتمل أن يريد به بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن، ومن أولى بالاتباع والمبايعة. ويحتمل أن يريد به بيان أمر الخلافة، وتعيين الخليفة بعده. وهذا أقربها. والله تعالى أعلم".
    - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية ج6 ص23-24:" وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه، فقد جاء مبينا كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَرَضِهِ:" ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ أَنَا أَوْلَى. وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ" رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
    وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:" قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا رَأْسَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ". قَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلَاهُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنَّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهُ. لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدُ: أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ، وَيَدْفَعَ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ".
    وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، وَسُئِلْت: مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَ؟ قَالَتْ: أَبُو بَكْرٍ، فَقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَتْ: عُمَرُ. قِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَنْ بَعْدَ عُمَرَ؟ قَالَتْ: أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ الْجَرَّاحِ، ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا" انتهى المقصود من كلامه.
    - قلت: ولقد ذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله جملة طيبة من الأدلة التي كانت تدل على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في شرحه على صحيح البخاري رحمه الله ج1 ص300-301:" مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى خلافته، فهو نائبه في الحج عام تسع[3]؛ فإن أبا بكر حج بالناس في السنة التاسعة بالاتفاق[4].
    وَتَخْلِيفُهُ في إمامة الناس في الحج إشارة إلى أنه هو الخليفة من بعده في إمامة الناس في مسائل الخلافة.
    ثانيا: أن الرسول خلفه في أمته في الصلاة حتى إنه قال:" ادع لي أبا بكر"[5] فحاولوا أن يكون عمر، فأبا إلا أبا بكر.
    وثالثا: أنه قال:" يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر"[6].
    ورابعا: أن امرأة أتته فقال:" ارجعي إلي" فقالت: إن لم أجدك؟ فكأنها تشير إلى الموت قال:" إن لم تجديني فأتي أبا بكر"[7].
    فكل هذا فيه إشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة، فإذا انضم إلى ذلك اختيار الصحابة صار هذا أبلغ في ثبوت الخلافة، وعدم فرضها، واقتناع الناس بها" انتهى المقصود من كلامه.
    - لكن قد يقول قائل: أن هذا ما يزعمه أهل السنة والجماعة ولكن يخالفهم فيه المتشيعة؛ حيث يزعمون أن الكتاب الذي أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتبه هو الوصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالخلافة، وجواب هذه الشبهة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية ج6 ص25:" وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَانَ بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ فَهُوَ ضَالٌّ بِاتِّفَاقِ عَامَّةِ النَّاسِ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَمُتَّفِقُونَ عَلَى تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ وَتَقْدِيمِهِ. وَأَمَّا الشِّيعَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى إِمَامَتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَصًّا جَلِيًّا ظَاهِرًا مَعْرُوفًا، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى كِتَابٍ".
    الخلاصة:وهناك أمور أخر ضربت صفحا عنها ولم أرد أن أطرقها وأتكلم عليها لأن الكلام قد طال فأكتفي بهذا المقال وبالإجابة على ما يقتضيه المقام وهو آخر سؤال: ما هي القواعد التي بنى عليها الأستاذ استشكالاته وقرر بسببها لزوم إعادة النظر في كتب السنة الصحيحة؟
    والجواب: للأسف الشديد أن الأستاذ لم يعرض لنا قواعد علمية يمكن الاعتماد عليها، والرجوع في الحكم على المرويات إليها، فهو حاول التشكيك في الكتب الصحيحة ولكنه لم يعطنا منهجية علمية يمكننا من خلالها التمييز بين الأحاديث الضعيفة والصحيحة، والمقبولة والمردودة، وإن حاول أن يظهر بمظهر المحقق المدقق صاحب المنهجية العلمية في دراسة المتون الحديثية، بل ويصرح في آخر محاضرته أنه يريد إعادة:" قراءة التراث الروائي وفق آليات وطرائق للتحليل المنهجي" ولكنه لم يذكر لنا تلكم الآليات والطرائق التي اعتمدها وينصح باعتمادها حتى ننظر فيها، وندرسها لنعلم إن كانت صالحة لتحقيق المراد.
    ومع أنه لم يصرح ولا ذكر منهجيته بشكل واضح إلا أن الناظر في طريقته وأسلوبه وبعض الكلمات التي نطق بها أثناء حديثه يعلم جازما أن الأستاذ إنما يعتمد في نقد الأحاديث على: الفكر والمنطق والعقل وليس على علم محكم مؤصل.
    وإليك الأماكن التي تدل على منهجيته:
    المكان الأول:" قرأت كتاب الكليني وقرأت كتاب بحار الأنوار للمجلسي وقرأت كتبا عديدة للشيعة يعني كتب أقولها صراحة كتب ميثولوجيا كتب أساطير وليست كتب فكر أو عقل أو منطق".
    المكان الثاني:" ما هذا أيعقل أن رسول الله يسجد للغرانيق؟".
    المكان الثالث:" طيب آخر شيء أقوله: أن كثيرا حتى أجمل الكلام أن كثيرا من الروايات التي نجدها في الصحاح هي من إفرازات الأيديولوجية السياسية بعيدة كل البعد عن الحقيقة وعن المنطق وعن العقل وبالتالي يجب أن نعيد قراءة التراث الروائي وفق آليات وطرائق للتحليل المنهجي" ثم لم يذكر الآليات ولا طرائق التحليل المنهجي.
    فأقول: يا أستاذ ألم تعلم أن جهابذة هذه الأمة قد أحدثوا علما يمكن من خلاله التأكد من ثبوت الحديث من عدمه وهو علم أبهر عقلاء العالم وأذكياء بني آدم ألا وهو علم الرجال والجرح التعديل ولقد اهتم علماء الإسلام بهذا العلم أيما اهتمام وأصلوا أصوله ووضعوا قواعده وألفوا المؤلفات الضخمة التي يرجع إليها من أراد أن ينظر في الأحاديث ويتكلم عليها.
    وهذا العلم من خصائص أمة النبي صلى الله عليه وسلم لم يشركهم فيه غيرهم وهو من توفيق الله لهم وتسديده إياهم ليحفظ به الدين الذي وعد سبحانه بحفظه لهم قال الله تعالى:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)" سورة الحجر.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج1 ص6:" وَخَصَّهُمْ بِالرِّوَايَةِ وَالْإِسْنَادِ الَّذِي يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْجَهَابِذَةُ النُّقَّادُ".
    قلت: وهذه من خصائص هذه الأمة وفضائلها ومن أعظم المميزات التي ميزها الله بها عن سائر الأمم التي سبقتها؛ فلا توجد أمة من الأمم اعتنت بالمنقول عن أنبيائها والوارد عن رسلها من حيث توثيقه والتثبت منه كما فعلت أمة نبينا مع نبيها صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال حفظ الله لهذا الدين أن ألقى في روع علمائها وقلوب محدثيها تأسيس هذا العلم الذي حفظوا به ومن خلاله حديث رسول الله من أن تدخله شائبة أو تخالطه كلمة مكذوبة، ولذلك أثر عن السلف من الكلام على الإسناد ما يدل على مكانته وأهميته وأنه من الدين الذي لابد منه ولا يمكن الاستغناء عنه:
    عقد الإمام مسلم عليه رحمة الله في مقدمة صحيحه بابا عنونه بـ: باب فِي أَنَّ الإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ وذكر تحته جملة من الآثار وهذه بعضها مع اختزال الأسانيد:
    - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.
    - وعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ.
    - وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ.
    - وعن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ. يَعْنِى الإِسْنَادَ.
    - وَقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالَقَانِيَّ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثُ الَّذِى جَاءَ:" إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ". قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَمَّنْ هَذَا قَالَ قُلْتُ لَهُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ. فَقَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ. قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ.
    قلت: وأصل الاهتمام بالإسناد مأخوذ من النصوص الشرعية وقواعد الإسلام الكلية، ومن هذه النصوص ما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ وَيُسْمَعُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْكُمْ: رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1487.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى بعد الكلام السابق ج1 ص6:" وَجَعَلَ هَذَا الْمِيرَاثَ يَحْمِلُهُ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ لِتَدُومَ بِهِمْ النِّعْمَةُ عَلَى الْأُمَّةِ وَيَظْهَرَ بِهِمْ النُّورُ مِنْ الظُّلْمَةِ، وَيَحْيَا بِهِمْ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَبَيَّنَ اللَّهُ بِهِمْ لِلنَّاسِ سَبِيلَهُ".
    قلت: وهذه من أعظم فضائل هذه الأمة أن ميراث نبينا عليه الصلاة والسلام لا ينقطع من الدنيا لأن الله يُبقي حملته يتتابعون على أخذه وحمله والقيام به وتبليغه وتنقيته مما قد يعلق به مما ليس منه والرد على المفسدين الذين يحاولون تبديله بآرائهم وتغييره بأهوائهم، ودليل هذه الفضيلة التي ذكرها وهو معتمد شيخ الإسلام رحمه الله في إثباتها هو:
    عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم:" يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين" رواه البيهقي وصححه العلامة الألباني رحمه الله في المشكاة رقم 248. هذا أولا:
    وثانيا: أن العقل والمنطق والفكر كل هذه الأمور لا يمكن الاعتماد عليها ولا إقناع المخالفين بها، لأنه لا يوجد عقل واحد يمكن الاتفاق عليه ثم الرجوع إليه، ولأجل هذا إذا اعتمدت على عقلك في رد حديث أمكن غيرك ان يعتمد على عقله في قبوله ولم يمكنك أن تقنعه ولا أن تقيم الحجة عليه.
    ثالثا: أن الفكر والعقل والمنطق قد يدعيه أقوام يتكلمون في الأديان كالملاحدة والمشركين وغيرهم، وهؤلاء ينكرون الدين جملة، ويكذبون بالنصوص مطلقا، ويزعمون أن العقل والمنطق يدل على صحة قولهم، وصدق ادعاءاتهم ومزاعمهم، فكيف يرد على أمثال هؤلاء؟ ومن قديم تسلط ملاحدة الفلاسفة على المتكلمين من الإسلاميين كالمعتزلة والأشاعرة وغيرهم بمثل هذا؛ فاحتجوا عليهم بقواعدهم العقلية التي أولوا بها النصوص الشرعية؛ فقالوا لهم: كما أولتم أنتم في الأسماء والصفات لاعتقادكم أنها ليست على ظاهرها، فنحن أيضا نؤول نصوص الجنة والنار، والعبادات كالصيام والصلاة، ونقول: أنها ليست على ظاهرها، والعقل الذي دلكم على ذلك هو الذي دلنا على هذا، وألزموهم لعدم وجود الفارق بين القولين، فهذا الكلام يا أستاذ فتح لباب الطعن في الإسلام.
    رابعا: أنه لا تعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح عند علماء السنة ولله الحمد والمنة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الماتع:" درء تعارض العقل والنقل أو موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول" فأنصح الأستاذ بقراءته، والتدبر فيه، ليستفيد العلم الجم منه.
    خامسا: أن التعارض الذي يقع لبعض الناس بين النصوص الشرعية كما وقع للأستاذ في تلكم الأحاديث النبوية، هو: في الغالب تعارض ذهني يحصل للإنسان لعدم معرفته بوجوه الجمع التي ذكرها علماء الإسلام وهي أكثر من مائة وجه، ولهذا وجب علينا أن نرجع لأهل العلم كما أمرنا ربنا سبحانه وتعالى، وهذا الذي كان يفعله الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ:" لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ. الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا". قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ:" وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا" فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:" قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا" رواه مسلم. فينبغي للإنسان إذا حدث عنده تعارض بين النصوص الشرعية أو طرأ عليه إشكال فيها أن يرجع إلى أهل العلم بها لا أن يردها ويشكك في صحتها.
    فالعيب ليس في حدوث التعارض عند العبد ولكن العيب أن لا يرجع لمن هو أعلم منه يسأله ويستفصل منه.
    التوصيات:
    وأخيرا أود أن أتقدم بجملة من التوصيات والنصائح التي أراها من الأهمية بمكان:
    النصائح الأولى: للأستاذ المحاضر أقول:
    أولا: عليك أن تتوب إلى الله من أفكارك هذه التي عرضتها على طلبتك؛ لأنها ضعيفة وغير سديدة، بل فيها مغالطات وأخطاء كثيرة كما تقدم بيانه.
    ثانيا: أن تطلب ممن نشر هذه المحاضرة في مواقع التواصل الاجتماعي كما يسمونها أن يقوم بحذفها، حتى لا يعظم التضرر بها.
    ثالثا: أن من تمام براءتك منها أن تعلن ذلك بين طلابك، ومن بلغتهم محاضرتك، وهذه هي الشجاعة الأدبية لا التسلط على النصوص الشرعية.
    رابعا: أن لا تخوض فيما لا تحسن مرة أخرى، وأن تعتني بفنك وما يدخل تحت تخصصك؛ فإن الحرص على ذلك يفيد طلابك، ومن يتلقى العلم عنك، والأدب مجال رحب، ومستزرع خصب، يمكن للإنسان أن يبدع فيه، وأن يجدد فيما خلف الماضون من فنونه، ولقد جربت ذلك بنفسي بسبب بعض الميول للأدب الذي من الله به علي؛ فكتبت أشياء أراها جيدة، وشاورت في بعضها من له علم واطلاع فعلق عليها بقوله:" فكرة مبتكرة" ونصحني بنشرها.
    النصائح الثانية: لطلاب الجامعة عندنا في مدينتنا وفي غيرها من المدن أقول:
    أولا: على الطالب أن يعلم أنه بلغ مرحلة من الطلب عالية لا يحسن به معها أن يكون متلقيا لكل ما يسمع، ومسلما لكل كلام يرد على السمع؛ بل عليه أن يمحص في الأقوال، ويتبصر في آراء الرجال، ثم يأخذ ويرد، ويقبل ويرفض؛ بناء على الأدلة والبراهين.
    ثانيا: أن يوطن نفسه على لزوم تخصصه، والاجتهاد في فنه، وأن لا يزري بنفسه ويعرضها لاحتقار غيره بالكلام فيما لا يحسنه، وليس من شأنه، واحترام التخصصات من كمال عقل المرء وفطنته، ومن تمام معرفته بقدر نفسه.
    ثالثا: أن يرجع في كل الأمور لأهلها المتقنين لها، وأن لا يتجاوزهم لغيرهم فيتضرر بهم؛ فيرجع في الطب للأطباء، وفي الأدب للأدباء، وفي الشعر للشعراء، وفي معرفة خواص المواد ومركباتها إلى أهل الكيمياء، وفي علوم الشريعة إلى علمائها النبهاء؛ الذين أمر الله بالرجوع إليهم وسؤالهم، ولم يربط الناس بغيرهم؛ قال الله تعالى:"فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" سورة النحل.
    رابعا: أن يجمع مع علمه وتخصصه تعلم العلم الشرعي أولا: لوجوبه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ" رواه ابن ماجه وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع رقم3913. والمقصود بالعلم هنا في هذا الحديث هو العلم الشرعي كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
    العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة أولو العرفان
    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فلان
    وثانيا: ليحصن نفسه من شبهات المشبهين، وتلبيسات الملبسين؛ فهو مستهدف في دينه من قبل أعداء الله ورسوله؛ من الكفار الأصليين، ومن المتأثرين بأفكارهم ومناهجهم من المسلمين.
    النصائح الثالثة: إلى إدارات الجامعات فأقول:
    أولا: عليكم أن تستحضروا هذه المسؤولية التي أنيطت بكم، وستسألون عليها بين يدي ربكم، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ورعيتكم التي وكلتم بها، وستسألون يوم القيامة عنها: هؤلاء الطلبة الذين ألقوا بقلوبهم إليكم، وجعلوها بين أيديكم، لتعمروها بالعلم والخير، فلا تمكنوا من يحاول إفسادها بزرع الشر فيها.
    ثانيا: أن المفترض فيكم أن لا تمكنوا أحدا من التكلم في غير تخصصه، والحديث في غير فنه؛ لأنكم من أهل العلم الذين يحترمون التخصصات، ولا يقبلون بتعدي الحدود، والتفلت من القيود، وأنا أتصور فيكم أنكم لن تسمحوا لمتخصص في الأدب أن يتكلم في الطب أو الفيزياء أو الكيمياء وغيرها فما بالكم سمحتم لمثله يتكلم في الدين وفي فن هو من أدق فنون شريعة رب العالمين ألا وهو علم الحديث رواية ودراية؟ وهل شريعة الله أصبحت كلأ مباحا لكل أحد من الناس وصارت أقل شأنا من سائر العلوم التي يعتني بها الناس.
    ثالثا: فإذا قلتم أن الجامعة هي منبر لعرض الآراء وتباحث الأفكار فلا نحرم أحدا من الكلام بما يريد، وعرض فكره دون أدنى قيود، فأقول لكم: إذا كانت هذه هي طريقتكم، وهذا هو سبيلكم؛ فأبشروا بفساد العلوم، وتسلط الجهلة منعدمي الفهوم، وأن تتبدل الحال وتضطرب الأحوال، وأن تختل الموازين ويظهر الشر الدفين، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    وأخيرا أقول: لولا ما بلغني من تأثر بعض الطلبة بكلام الأستاذ لقلة علمهم وضعف زادهم وأنهم صاروا يشكون في صحيح الإمام البخاري لما كلفت نفسي بالرد على هذا الأستاذ الجامعي لكثرة الأشغال وانشغال البال ووجوب الاهتمام بالأولى وتقديم الأعلى على الأدنى ولكن أخذ الله على من بصره الله ببعض العلم أن يفيد به من هو في حاجة إليه، وهذا جهد المقل وإني أعلم أن المسألة لو قام بها بعض طلبة العلم من مدينتنا فضلا عن غيرهم ممن تخصصوا في شريعة ربنا لكان كلامهم أقوم ومعولهم للباطل أهدم ولعل ما كتبته يكفي عن ردهم ويفرغهم لجدهم والله أعلم.
    وسبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
    ونشر يوم: الأربعاء: 06 ذو القعدة 1442هـ
    16 / 06 / 2021م


    ــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1]- أو كما يحلو للأستاذ أن يعبر به على وفق إديولوجيته.
    [2]- طبعة دار الاستقامة تحقيق سعد عبد الغفار علي.
    [3]- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رضى الله عنه- بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ" رواه البخاري ومسلم.
    [4]- وقد ذكر هذا الاتفاق الإمام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ج8 ص83 فراجعه غير مأمور.
    [5]- عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي مَرَضِهِ:" مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ". قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا" رواه البخاري ومسلم.
    [6]- قلت تقدم تخريجه ضمن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    [7]- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ. قَالَتْ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ. قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:" إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ" رواه البخاري ومسلم.

    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-06-21, 03:36 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد ونفع الله بكم

    تعليق


    • #3
      وإياك أخي الكريم بارك الله فيك

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
      يعمل...
      X