إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بين ضعف الأسباب وقوتها، وانعدامها ووفرتها تظهر حكمة الله بأنها مندرجة تحت قضائه وقدره.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [جديد] بين ضعف الأسباب وقوتها، وانعدامها ووفرتها تظهر حكمة الله بأنها مندرجة تحت قضائه وقدره.


    بسم الله الرحمن الرحيم


    بين ضعف الأسباب وقوتها وانعدامها ووفرتها؛
    تظهر حكمة الله بأنها مندرجة تحت قضائه وقدره




    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فإن من ثمار مدارسة العلم، ونِتَاجِ مذاكرته؛ تَفَتُقُ الذهن واتساع مداركه، وتنوُّر الفِكْرِ وبُعد مقاصده؛ وكان من توفيق الله وكَرَمِه، وجُودِهِ ونِعَمِه أن يَسَّرَ لنا في هذا الشهر الفضيل مع مجموعة طيبة من الإخوة الحريصين على الخير مدارسة كتاب سلفي أصيل، لعالم أثري جليل اسمه: (المواهب الربانية من الآيات القرآنية) للإمام العلامة المفسر النحرير عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
    وإنَّه ليكفي الطالب معرفةً بقيمة هذا الكتاب ما أجراه الله عزوجل على يد مؤلفه -بعدما عكف عليه، وشغل باله فيه، وقصر نظره في استخراج جواهره، وأجال فكره في قصد منائره في شهر رمضان لعام 1347 هـ- حيث وهبه ربه ليلة الثامن والعشرين منه هبتان:
    الأولى: سعى في تحصيلها، وبذل الغالي والنفيس في تكميلها؛ فكان له ما أراد، وتكرم عليه ربه وجاد عليه بختم الكتاب بخاتمةٍ تدل على استشعاره لطف الله به، واستعماله له في خدمة دينه.
    الثانية: لم تخطر على باله، ولم يتصورها في خياله؛ بل هي محض امتنان، وخالص إكرام من الرب الشكور الذي من شكره أن يُذِيقَ عبده حلاوة طاعته، ولذيذ قربته؛ فكان في سابق عِلْمِ الله أن تُوافق ليلة ختم (المواهب الربانية) ميلاد هبة رحمانية تمثلت في ازدياد العلامة الصالح محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وحسبك بها هبة حينما تستشعر أنه تتلمذ على السعدي وكان من نتاجه في ميزان حسنات شيخه عشرات الكتب، ومئات الأشرطة، وألوف الفتاوى...
    وأثناء مدراسة هذا الكتاب العظيم -الذي هو فتوح إلهية، وغيوث قرآنية- وعند وصولنا إلى الفائدة السابعة المتعلقة بأمر الله لزكريا بالذكر بالعشي والإبكار بعد البشارة له بيحيى عليه السلام؛ وبعد التأمّل في قصتهما من أولها إلى آخرها ساقنا الحديث إلى الكلام عن اتخاذ الأسباب ضعفا وقوة، وانعداما ووفرة، وظهور حكمة الله فيها ظهورا جليا؛ فانتهى بنا الأمر إلى استخراج ثلاثة نماذج عميقة في ذلك، وذكرت على إثرها لإخواني شيئا من نظائرها في كتاب ربنا؛ فاقترح علينا أحد الإخوة جمع ما تيسر منها، وتسليط الأنوار عليها في ضوء كلام المفسرين؛ فكتبت حينها -أمسية الحادي عشر من شهر رمضان- تغريدة قلت فيها: (فإنه -سبحانه- كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره) اهـ.
    من تأمل كتاب الله حق التأمل وجده مشحونا مملوءا بأمثلة كثيرة رائعة([1]) مندرجة تحت هذه الفقرة من كلام الإمام السعدي رحمه الله؛ يسر الله لأهل القرآن اقتناصها).
    فلعل الله أذن في اقتناص بعضها قبل انصرام الشهر ليكون بها مسك الختام في هذا المقال.
    وشروعا في المقصود أقدم بمقدمة عقدية تظهر فيها سعادة أهل السنة والجماعة بتوفيق ربهم لهم بالسير على الصراط السوي، والمنهج القويم في هذا الباب الذي تنكَّب فيه فئام، وزلَّت فيه أقدام، وضلَّت فيه أفهام:
    -المشهور من أقوال المخالفين ثلاثة أقوال:
    القول الأول:
    هو قول الفلاسفة...الذين ينكرون أن الله عزوجل له صفة أو فعل، فليس لله فعل مباشر في خلقه، ولا أثر حقيقي يقوم به أو يؤثر في خلقه -تعالى الله عن قولهم-؛ فالأسباب والسببية تعود عندهم إلى طبائع الأشياء؛ فالشمس طبيعتها الضوء والحرارة، وطبيعة الماء الري، وطبيعة الطعام الشبع، وطبيعة النار الإحراق، وطبيعة الحجر إذا دحرج السقوط إلى أسفل، وطبيعة النار الصعود إلى أعلى...
    القول الثاني:
    قول المعتزلة، وهم ينكرون أن الله خالق أفعال العباد، ويقولون: (إن العباد هم الخالقون لأفعالهم)؛ فالأسباب ومسبباتها عندهم هي من فعل العباد ولا فاعل لها سواهم، ولا ينسب إلى الله عزوجل شيء من ذلك سوى خلق ذواتهم.

    القول الثالث:
    قول الأشاعرة ومن وافقهم، الذين ينكرون أن تكون الأسباب أسبابا، وهؤلاء يقولون: (إن الله عزوجل يفعل عند التقاء السبب بالمسبب الأثر المطلوب)، فالنار ليست محرقة بنفسها ولكن الله عزوجل أجرى العادة بأن يقع الإحراق عند التقائها بما هو قابل للاحتراق، فهم ينكرون أن يكون للعباد أثر في وقوع الفعل، ويقولون: (إن قدرة العبد غير مؤثرة في وقوع الفعل وأن الفعل في حقيقته منسوب إلى الله عزوجل، فعليه يقولون: (إن الله يخلق المسبب عند وقوع السبب)، لهذا عرفوا السبب بذلك.
    وقد تفرَّع عن قول الأشاعرة في إنكار الأسباب قولٌ آخرٌ باطلٌ، وهو إلغاء الأسباب اعتمادا على القدر، وقال بهذا بعض الصوفية الذين أبطلوا الأسباب وعطَّلوها وزعموا أن لا أثر لها في وجود الأشياء، وسموا فعلهم ذاك توكلا)([2]) اهـ.
    وأسعد الناس في هذا الباب أهل السنة الذين سلموا من فرث المتكلمين والمعتزلة، ودم الأشاعرة والصوفية؛ فإنهم وسط في النِّحل كما أن أهل الإسلام وسط في الملل توقد مصابيح معارفهم من: {شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيتُونَةٖ لا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمسَسهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ} [سورة النور:35 ]؛ فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله إنه قريب مجيب رحمه الله ([3])اهـ.
    قال ابن تيمية الحفيد رحمه الله:
    (وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، وَمُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَمُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ.
    وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - عَنْ إِسْقَاطِ الْأَسْبَابِ نَظَرًا إِلَى الْقَدَرِ ، فَرَدَّ ذَلِكَ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ فَقَالَ:(لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ).
    وَهُوَ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ، وَخَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ بِسَبَبٍ مِنْهُ، لَكِنَّ الْأَسْبَابَ كَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو حَامِدٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمَا: (الِالْتِفَاتُ إِلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا تَغْيِيرٌ فِي وَجْهِ الْعَقْلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ).
    وَالتَّوَكُّلُ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مِنْ مَعْنَى التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلُ وَالشَّرْعُ، فَالْمُوَحِّدُ الْمُتَوَكِّلُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأَسْبَابِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، وَلَا يَثِقُ بِهَا، وَلَا يَرْجُوهَا، وَلَا يَخَافُهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ سَبَبٌ يَسْتَقِلُّ بِحُكْمٍ، بَلْ كُلُّ سَبَبٍ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أُمُورٍ أُخْرَى تُضَمُّ إِلَيْهِ، وَلَهُ مَوَانِعُ وَعَوَائِقُ تَمْنَعُ مُوجِبَهُ، وَمَا ثَمَّ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِحْدَاثِ إِلَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا شَاءَ خَلَقَهُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يُحْدِثُهَا وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْمَوَانِعَ، فَلَا يَجُوزُ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ)([4]) اهـ.
    فإذا تقرر عندك عقيدة أهل السنة بكلام هذا الإمام المجاهد، وعقدت عليه قلبك، وخالطته بروحك، واستودعته جنبات صدرك؛ فانظر بعين بصيرتك إلى أدلة ذلك كله في هذه الأمثلة المذكورة، والنظائر المذخورة تسعد في الدارين.
    ونبدأ رحلتنا-مستعينين بالله- من الموضع الذي وقفنا فيه من المواهب الربانية في ذكر قصة زكريا ويحيى وقبلهما مريم عليهما السلام وننطلق منها إلى غيرها.
    المثال الأول والثاني والثالث-ويظهر فيهم انعدام السبب في الأول والثاني ظاهرا و حصول أثره، ووفرته وكماله في الثالث وتخلف أثره-:
    قال تعالى مثنيا على مريم -عليها السلام- ذاكرا نشأتها، واعتنائه بشأنها وبيانه لفضلها: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٖ وَأَنۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنٗا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا ٱلمِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقاۖ قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٍ ٣٧} [سورة آل عمران:37 ].
    قال السعدي v: ©{ لَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا ٱلمِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقاۖ } أي: من غير كسب ولا تعب، بل رزق ساقه الله إليها، وكرامة أكرمها الله بها، فيقول لها زكريا { أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ } فضلا وإحسانا {إِنَّ ٱللَّهَ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيرِ حِسَابٍ} أي: من غير حسبان من العبد ولا كسب، قال تعالى:
    {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجا٢ وَيَرۡزُقهُ مِنۡ حَيثُ لَا يَحتَسِبُۚ } [سورة الطلاق: 2-3].
    وفي هذه الآية دليل على إثبات كرامات الأولياء الخارقة للعادة كما قد تواترت الأخبار بذلك، خلافا لمن نفى ذلك، فلما رأى زكريا عليه السلام ما من الله به على مريم، وما أكرمها به من رزقه الهنيء الذي أتاها بغير سعي منها ولا كسب، طمعت نفسه بالولد)([5]) اهـ.
    قال ابن عثيمين رحمه الله:
    {قَالَ يَٰمَرۡيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ} أي من أين لك هذا؟! وخاطبها بقوله: {قَالَ يَٰمَرۡيَمُ}إشارة إلى أنها في حال لا تقتضي أن يكون عندها ذلك؛ لأنها امرأة لا تكتسب، امرأة منقطعة للعبادة، والمنقطع للعبادة ولو كان ذكرًا قد لا يتيسر له الرزق، ولهذا ناداها باسمها قال: {يَٰمَرۡيَمُ}يعني انتبهي أيتها الأنثى، كيف يجيكِ هذا الرزق؟! {أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ }، فكان جوابها جوابًا عجيبًا: { قَالَتۡ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ})([6]) اهـ.
    قال ابن عثيمين رحمه الله بعدها مباشرة في قوله تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ٣٨}:
    -من فوائد قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ٣٨} [سورة آل عمران:38 ]...
    2- ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القياس، من أين؟ لأنه لما رأى أن الله يرزق هذه المرأة بدون سبب معلوم علم أن الذي يسوق لها الرزق وهي امرأة منقطعة عن التكسب في محرابها قادر على أن يرزقه ولدًا، فيكون انتقال من الشيء إلى نظيره، وهذا هو نفس القياس، صح؟ إذن هو استدل أو أخذ من هذه القصة عبرة وهو أن يسأل الله أمرًا وإن كان مستبعدًا)([7])اهـ .
    وبعد أن بشَّر الله نبيه زكريا بيحيى عليه السلام طلب من ربه أن يعطيه آية في وجود الولد فقال: {قَالَ رَبِّ ٱجعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلعَشِيِّ وَٱلإِبكَٰرِ ٤١} [سورة آل عمران:41 ].
    قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية:
    ©{رَبِّ ٱجعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ } أي: علامة على وجود الولد قال {ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمزٗاۗ} أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز؛ وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره، فامتنع من الكلام ثلاثة أيام، وأمره الله أن يشكره ويكثر من ذكره بالعشي
    والإبكار...) ([8]) اهـ.
    المثال الرابع: كما أكرم الله مريم -عليها السلام- بالرزق من دون سبب في حالة تيأس فيها عادة منه لكونها أنثى صغيرة منقطعة للعبادة وفي كفالة غيرها؛ أكرمها مرة أخرى في موقف عسير جدا تمنت فيه الموت فقالت {يَٰلَيتَنِي مِتُّ قَبلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسيا مَّنسِيّا ٢٣} [سورة مريم:23 ]، فأرشدها لحصول الرزق إلى بذل سببٍ يتفق أهل الشأن أنه ضعيف لا يحصل منه المراد؛ لأن نخلة عاتية لا يستطيع هزها أعتى الناس فكيف بامرأة ضعيفة تعاني ويلات المخاض؛ لكن ليقضي الله أمره بربط الأسباب بمسبباتها -ولو ضعفت في أعين الناس- قال لها:{وَهُزِّيٓ إِلَيكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيكِ رُطَبا جَنِيّا ٢٥} [سورة مريم:25 ] ([9]).
    قال القرطبي رحمه الله: (الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الرِّزْقَ وَإِنْ كَانَ مَحْتُومًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ وَكَلَ ابْنَ آدَمَ إِلَى سَعْيٍ مَا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَمَرَ مَرْيَمَ بِهَزِّ النَّخْلَةِ لِتَرَى آيَةً، وَكَانَتِ الْآيَةُ تَكُونُ بِأَلَّا تَهُزَّ.
    الثَّالِثَةُ- الْأَمْرُ بِتَكْلِيفِ الْكَسْبِ فِي الرِّزْقِ سُنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ، خِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ جُهَّالُ الْمُتَزَهِّدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَالْخِلَافُ فِيهِ.
    وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ غَيْرِ تَكَسُّبٍ كَمَا قَالَ: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيهَا زَكَرِيَّا ٱلمِحرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزۡقاۖ } [سورة آل عمران:37 ].
    فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمِرَتْ بِهَزِّ الْجِذْعِ.
    قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا كَانَ قَلْبُهَا فَارِغًا فَرَّغَ اللَّهُ جَارِحَتَهَا عَنِ النَّصَبِ، فَلَمَّا وَلَدَتْ عِيسَى وَتَعَلَّقَ قَلْبُهَا بِحُبِّهِ، وَاشْتَغَلَ سِرُّهَا بِحَدِيثِهِ وَأَمْرِهِ، وَكَلَهَا إِلَى كَسْبِهَا، وَرَدَّهَا إِلَى الْعَادَةِ بِالتَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ فِي عِبَادِهِ)([10])اهـ.
    المثال الخامس والسادس في قصة يوسف s وقد اندرج تحتهما كثير من النماذج الرفيعة المتفرعة عنها:
    فالخامس أنَّ الله رحمه الله بعدما ابتلى نبيه يعقوب بفراق ابنه قرابة ثلاثين سنة وهو الذي كان لا يطيق فراقه ساعة من نهار كما في قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحزُنُنِيٓ أَن تَذۡهَبُواْ بِهِۦ} [سورة يوسف:13 ] تمكَّن الداء منه واستفحل فيه حتى إنه {ٱبيَضَّتۡ عَينَاهُ مِنَ ٱلحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيم ٨٤} [سورة يوسف:84 ]؛ فقال له أولاده حينها: {تَٱللَّهِ تَفتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلهَٰلِكِينَ ٨٥} [سورة يوسف:85 ]، فأجابهم بقوله: {إِنَّمَآ أَشكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعلَمُونَ ٨٦}[سورة يوسف:86 ].
    وبعد كل هذه المعاناة الشديدة، والآلام المهلكة أكرمه الله بشفاء دائه بخلاف العادة؛ حيث خصَّه بدواء رباني لا تدركه العقول، بل تذهل عنه الألباب([11]).
    قال السعدي رحمه الله:
    -وفيها: أن شفاء الأمراض ، كما يكون بالأدوية الحسية يكون بأسباب ربانية .
    بل يحصل بهذا النوع من أنواع الشفاء ما لا يحصل بغيره؛ فيعقوب s قد ابيَّضت عيناه من الحزن وذهب بصره، فجعل الله شفاءه وإبصاره بقميص يوسف حين ألقاه على وجهه، فارتد بصيرا لما كان فيه من رائحة يوسف الذي كان داء عينيه من حزنه عليه، فصار شفاؤه الوحيد مع لطف الله في قميص جسده.
    ومن قال: إن القميص من الجنة ؛ فليس عنده بذلك دليل .
    والله قادر على أن يشفيه من دون سبب، ولكنه حكيم جعل الأمور تجري بأسباب ونظامات قد تهتدي العقول إلى معرفتها وقد لا تهتدي .
    ونظير ذلك أيوب رحمه الله وصل به المرض والضر إلى حالة تعذر منها الشفاء وأعيت الأطباء، فحيث أراد الله شفاء أمره أن يركض برجله الأرض فأنبع له عينا باردة وأمره أن يشرب منها ويغتسل ، فأذهب الله ما في باطنه وظاهره من هذا الضرر ، وعاد كأحسن ما أنت راء .
    قال تعالى : {ٱرۡكُضۡ بِرِجلِكَۖ هَٰذَا مُغتَسَلُۢ بَارِد وَشَرَاب ٤٢} [سورة ص:42 ] ([12])؛ فهو تعالى يشفي العباد بأدوية وأسباب حسية، وبأسباب ربانية معنوية: {وَإِن يَمسَسكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ} [سورة الأنعام:17].
    كما أنه تعالى يوجد الأشياء بأسباب حسية معلومة، وبأسباب ربانية لاتهتدي العقول إليها، كما في معجزات الأنبياء و کرامات الأولياء وآياته النفسية والكونية، وهو المحمود على هذا وعلى هذا)([13])اهـ .
    أما المثال السادس الذي في نفس القصة فستغمرك الراحة والسكينة عند قرائتك لجواب سؤال أورده السعدي رحمه الله فقال:
    -إذا قيل: كيف خفي موضع يوسف على يعقوب وما بينه وبينه إلا مسافة قليلة مع طول المدة وقوة الداعي الملح، وعلمه أنه على الوجود وحرصه الشديد على لقياه؟
    فالجواب: ليس ذلك بغريب على قدرة الله ، فإن الأسباب وإن قويت جدا ، لا خروج لها عن قضاء الله وقدره؛ فإن الله تعالی أراد ألا يحصل الاجتماع إلا في الوقت الذي أجَّله، والحالة التي أرادها، لما له في ذلك من الحكم العظيمة، ومتى أراد الله شيئا في وقت مخصوص قدر من الأسباب الحسية أو المعنوية ما يمنع حصوله قبل ميقاته، كما يقدر من الأسباب ما يحصل به ما أراد؛ فالأسباب بيد العزيز الحكيم.
    وليس هذا بأغرب من قضية بني إسرائيل في التيه، وهم أمة عظيمة والتيه مسافة قصيرة، وهم بين أظهري قرى ومدن كثيرة.
    والمدة أربعون سنة، لم يهتدوا طريقا إلى مقصدهم، ولم يتيسر لهم من يرشدهم إلى قصدهم.
    وكذلك أصحاب الكهف مكثوا في كهفهم ثلثمائة وتسع سنين وهم في غار قريب من مدينة عظيمة لم يصل إليهم أحد في هذه المدة الطويلة لأمر يريده الله.
    فهذه الأمور وما أشبهها دليل على كمال قدرة الله وحكمته، مع أن يوسف s بقي مدة الله علم بها وهو في بيت العزيز، ثم مدة وهو في السجن، ثم ترقى إلى تدبير الملك.
    ومتى يخطر ببال أحد أن ينتقل من الرق والسجن إلى الملك العظيم؟ ثم إنه وقت توليه يغلب على الظن أنه اشتهر عند الناس باسم المنصب والوزير للملك، ولا يكاد أحد يعرف اسمه، كما هو الغالب على الملوك وأشباههم، ولهذا تردد إخوته عليه فعرفهم وهم لا يعرفونه، لما هو فيه من بهجة الولاية؛ وأيضا قد فارقوه وهو صغير ولم يروه إلا بعدما كبر.
    ومعلوم أن أوصاف الإنسان تتغير إذا وصل إلى سن الكهولة، والله أعلم.
    هذا من جهة يعقوب وأولاده، أما من جهة يوسف فإنه قد علم وقصد التأخير ليبلغ الكتاب أجله، ولهذا تردد عليه إخوته وقد عرفهم ولم يعرفهم بنفسه، ولم يستدع بأبويه وأهله إلا في نهاية الأمر)اهـ([14]) .
    المثال السابع:
    في تقليب الله لأصحاب الكهف وهم نيام رسالة لنا بأن ربط الأسباب بمسبباتها من سنن الله الماضية؛ فالله قادر أن يوحي إلى الأرض أن لا تأكل أجسامهم المتصلة بها طول هذه المدة؛ لكنه قلبهم لتقرير هذا الاعتقاد الكبير.
    قال السعدي رحمه الله:
    -{وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ }[سورة الكهف:18]، وهذا أيضا من حفظه لأبدانهم؛ لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله أن قلبهم على جنوبهم يمينا وشمالا بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض من غير تقليب؛ ولكنه تعالى حكيم أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها)اهـ.
    قال أبو أحمد القصاب رحمه الله:
    -حجة في تثبيت الأسباب، ورد على جهلة الصوفية فيما يزعمون أن التوصل إلى الرزق بالطلب والسعي والحركة نقص في التوكل؛ وذلك غلط غير مشكل، ألا يرون أن الله تعالى كان قادرًا على إزالة البِلى عن أصحاب الكهف بغير تقليب، فهل يزعمون -ويحهم- أن تقليبه إياهم يمينًا وشمالاً نقص في قدرته، أم يرجعون عن قولهم فيعلمون أن الله تعالى لما جعل سبب البلى طول المكث على جنب قلبهم إلى الآخر ليزول البلى عن القوم بالسبب الذي جعله لهم ولغيرهم.
    ولما جعل الرزق موصولا إليه بالسعي والحركة حركهم للطلب ليصير إليهم رزقهم بالسبب الذي جعله له، ولم يكن سعي الساعي وحركته في طلب الرزق بالسبب المجعول له نقصا في التوكل، ولا تداوي المريض يكون نقصا في التوكل على هذا المعنى)([15])اهـ.
    قال الطبري رحمه الله:
    -ففي هذه الآية إبانةٌ من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوِّفة المنكرين طلبَ الأقوات بالتجارات والصناعات([16]) اهـ.
    وبعد ذكر باقة عزيزة من الأمثلة الخفية المشحونة بالنكت الوفية في تقرير هذا الاعتقاد النافع؛ يحسن بنا -خطوات قبل الختام- أن نتوِّج هذه الأمثلة بما حصل لخليلي الرحمن اللذين تبوءا أعلى المقامات في التوكل على الله تعالى
    ونبدأ بخليل الرحمن، وعمود العالم، وإمام الحنفاء ابراهيم عليه السلام في
    المثال الثامن:
    وذلك أنه لما أراد به قومه كيدا بإلقائه في النار نجَّاه الله منهم وجعلهم الأسفلين الأخسرين؛ فخرج من عندهم مهاجرا إلى ربه راجيا أن يهديه سبل السلام؛
    وَلما اتَّخذهُ ربه خَلِيلًا والخلة هِيَ كَمَال الْمحبَّة وَهِي مرتبَة لَا تقبل الْمُشَاركَة والمزاحمة؛ وَكَانَ قد سَأَلَ ربه أَن يهب لَهُ ولدا صَالحا فوهب لَهُ إِسْمَاعِيل فَأخذ هَذَا الْوَلَد شُعْبَة من قلبه، فغار الْخَلِيل على قلب خَلِيله أَن يكون فِيهِ مَكَان لغيره؛ فامتحنه بذَبْحه ليظْهر سر الْخلَّة فِي تَقْدِيمه محبَّة خَلِيله على محبَّة وَلَده؛ فَلَمَّا استسلم لأمر ربه وعزم على فعله وَظهر سُلْطَان الْخلَّة فِي الْإِقْدَام على ذبح الْوَلَد إيثاراً لمحبة خَلِيله على محبته نسخ الله ذَلِك عَنهُ وفداه بِالذبْحِ الْعَظِيم؛ لِأَن الْمصلحَة فِي الذّبْح كَانَت ناشئة من الْعَزْم وتوطين النَّفس على مَا أَمر بِهِ؛ فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة عَاد الذّبْح مفْسدَة، فنسخ فِي حَقه فَصَارَت الذَّبَائِح والقرابين من الْهَدَايَا والضحايا سنة فِي أَتْبَاعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)([17]) اهـ
    قال السعدي رحمه الله:
    -{فَلَمَّآ أَسلَمَا}أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده، امتثالا لأمر ربه، وخوفا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربه، ورضا والده، {وَتَلَّهُۥ لِلجَبِينِ ١٠٣}أي: تل إبراهيم إسماعيل على جبينه، ليضجعه فيذبحه، وقد انكب لوجهه، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه.
    {وَنَٰدَينَٰهُ}في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش: {أَن يَٰإِبرَٰهِيمُ قَدۡ صَدَّقتَ ٱلرُّءۡيَآۚ} أي: قد فعلت ما أمرت به، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك، وفعلت كل سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجزِي ٱلمُحسِنِينَ } في عبادتنا، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم)([18]) اهـ.
    قال ابن جزي رحمه الله:
    -فإن قيل: إنه أمر بالذبح ولم يذبح، فكيف قيل له: صدقت الرؤيا؟ فالجواب أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يَفْدِه الله لذبحه، ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه، فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله، وقد قضى إبراهيم ما عليه([19]) اهـ.
    وحفظا لجناب القرآن من الزيادة عليه بلا دليل منه في قصص الأنبياء، نسوق كلام ابن عثيمين رحمه الله في التعقيب على من ذكر أن ابراهيم عليه السلام
    مرر السكين على حلق ابنه فلم تؤثر فيه بشيء، قال رحمه الله:
    -يقول: أَمَرَّ السكين على حلقه فلم تعمل شيئا بمانع من القدرة الإلهية، هذا أيضا يحتاج إلى دليل، وليس في القرآن الكريم أنه أَمَرَّ السكين على حلقه، فالواجب علينا أن نتوقف في هذا، لا نصدِّق ولا نكذِّب، لأن القرآن لم يصدق ذلك ولم يكذبه، لكن عندي -والله أعلم- أن هذا لو وقع لكان من الحكمة أن يُذْكَر؛ لأن فيه دلالة على آية من آيات الله وهي عدم تأثير السكين في حلقه، ولو وقع مثل هذا لذكره الله تعالى لما فيه من الدلالة على آية عظيمة من آيات الله، والذي نجزم به الآن أنه وقع أنه تله للجبين ليذبحه فقط، وكفى بذلك فخرًا أنه لم يَبْقَ إلا أن يمر السكين على حلقه)([20]) اهـ.
    المثال التاسع:
    قوله تعالى: { وَمَا رَمَيتَ إِذۡ رَمَيتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ} [سورة الأنفال:17].
    قال السعدي رحمه الله:
    -وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش وجعل يدعو اللّه، ويناشده في نصرته،ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها اللّه إلى وجوههم،فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها، فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم، وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا‏.‏ يقول تعالى لنبيه‏:‏ لست بقوتك -حين رميت التراب- أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا‏)([21])اهـ.
    قال القنوجي رحمه الله:
    -وقيل المعنى أن الرمية بتلك القبضة من التراب التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم، فأثبت الرمية لرسول الله تعالى لأن صورتها وجدت منه، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله تعالى...
    وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسباً وإلى الله خلقاً لا كما تقوله الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل للعبد ثم نفاه عنه وأثبته لنفسه، فصح هذا النفي والإثبات.
    قال الكرخي: نفى الفعل عنهم وعنه باعتبار الإيجاد إذ الموجد حقيقة هو الله تعالى، وإثباته لهم وله باعتبار الكسب والصورة) ([22])اهـ.
    وكما وُفقنا لحسن الابتداء بالانطلاق من سوق هذه الأمثلة من المواهب الربانية؛ نختم هاته التحفة البهية بها لضمان حسن الانتهاء، إشارة إلى أن هذا الجمع النافع تجلجل في جنبات الصدر برهة من الزمن، ويسر الله خروجه بهذه الصورة الحسنة بسبب المواهب الربانية؛ وهذا تظهر فيه بركة علم العلماء المخلصين الصادقين حين لم تقتصر عليهم فقط، بل تعدتهم إلى غيرهم ممن انشغل بعلومهم من بعدهم بأعمار متطاولة.
    وبعد الشدِّ من أزر الأمثلة الأولى بما ثبت عن خليلي الرحمن واستواءها على سوقها، ناسب أن يكون مسك الختام بمثال تطبيقي واقعي يمرر رسالة مشفرة لأهل الإسلام في حسن الظن بربهم في قتال عدوهم([23]) فك رموزها، واستخرج كنوزها العلامة السعدي في المواهب الربانية.
    المثال العاشر وهو الأخير:
    قال السعدي رحمه الله:
    -قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهلِ ٱلكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيثُ لَمۡ يَحتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعبَۚ يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِمۡ وَأَيدِي ٱلمُؤۡمِنِينَ فَٱعتَبِرُواْ يَٰأُوْلِي ٱلأَبصَٰرِ ٢} [سورة الحشر:2].
    ما أضعف اليقين في قلوب كثير من المؤمنين؛ تجدهم الآن قد استولى عليهم اليأس وظنوا أن أمر الإفرنج الغربيين الآن سيظهر وسيدوم، وأنَّ أهل الإيمان لا قيام لهم وأنهم لابُدَّ مغلوبون، وأعداؤهم لا بُدَّ غالبون، وسبب هذا نظرهم إلى الأسباب المدركة بالحس وقصروا النظر عليها، ولم يقع في قلوبهم أنَّ وراء الأسباب المشاهدة أسبابا غيبية أقوى منها، وأمورا إلهية لا تُعارض ولا تُمانع، وآفات تطري، وقوات تزول، وضعفا يزول، وأمورا لا تدخل تحت الحساب.
    فهؤلاء أهل الكتاب ذوو القوة والشوكة قد غرَّتهم أنفسهم، وظنوا أنَّ حصونهم مانعتهم، وأنَّهم يمتنعون فيها؛ ولم يخطر في قلوب المؤمنين خروجهم منها حتى جاءهم من الله ما لم يكونوا يحستبون، واستولى عليهم الضعف والخراب من حيث لا يشعرون وللكافرين أمثالها.
    فالمؤمن حقا هو الذي ينظر إلى قَدَرِ الله وقضائه وما لَهُ من العزة والقدرة، ويعلم أنَّ هذا لا تعارضه الأسباب وإن عظمت، وأنَّ نُمُوَ الأسباب ونِتاجها إذا لم يعارضها القدر، فإذا جاء القدر اضمحل عنده كل شيء؛ ولكنَّ الأسباب محل حكمة الله وأمره، فأمر المؤمنين بالاستعداد لعدوهم ظاهرا وباطنا؛ فإذا فعلوا المأمور ساعدهم المقدور)([24])اهـ.
    فهذه عشرة كاملة سقتها إليك غامسا قلمي في حبة قلبي سقيتك بها من أنهار القرآن المتفجرة، وغرفتها لك من محيطاته المتدفقة، ولك أن تتأكد من هذا إذا تأملت النسبة بين ما سقته لك من أمثلة عشرة، وبين ما ذكره ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل من اشتمال القرآن والسنة على أزيد من عشرة آلاف مثال يفيد إثبات الأسباب، وأنها مندرجة تحت قضاء الله وحكمته، وعلمه وقدرته؛ حجة بالغة، وحكمة دامغة؛ فهل من مشمر لاستخراج المزيد سعيا إلى هداية العبيد إلى التمسك بتوحيد الحميد المجيد.
    هذا ما وهبه الله من جمع ما تفرق، وضم ما تمزق، وأسأل الله أن ينفعني به، وأن ينفع به غيري، كما أسأله أن يتقبله مني سالما من كل شوب رياء وسمعة، وأن يدخره لي أجرا حسنا موفوارا يوم لقائه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) قال ابن القيم رحمه الله: (بل الموجودات كلها أسباب ومسببات والشرع كله أسباب ومسببات والمقادير أسباب ومسببات والقدر جار عليها متصرف فيها فالأسباب محل الشرع والقدر والقرآن مملوء من إثبات الأسباب...
    وكل موضع رتب فيه الحكم على ما قبله بحرف أفاد التسبب وقد تقدم؛ وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلا لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب، وكل موضع صرح فيه بأن كذا جزاء لكذا أفاد التسبيب؛ فإن العلة الغائية علة للعلة الفاعلية؛ ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطر؛ ولهذا قال من قال من أهل العلم: (تكلم قوم في إنكار الأسباب فأضحكوا ذوي العقول على عقولهم ...)، وقد أنكر أصل الفعل والخلق جملة؛ ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب، فإذا رأى العقلاء أنه لا يمكن إثبات توحيد الرب سبحانه إلا بإبطال الأسباب ساءت ظنونهم بالتوحيد وبمن جاء به، وأنت لا تجد كتابا من الكتب أعظم إثباتا للأسباب من القرآن، ويا لله العجب إذا كان الله خالق السبب والمسبب وهو الذي جعل هذا سببا لهذا والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته منقادة لحكمه إن شاء أن يبطل سببية الشيء أبطلها كما أبطل إحراق النار على خليله إبراهيم وإغراق الماء على كليمه وقومه وإن شاء أقام لتلك الأسباب موانع تمنع تأثيرها مع بقاء قواها وإن شاء خلى بينها وبين اقتضائه لآثارها فهو سبحانه يفعل هذا وهذا وهذا فأي قدح يوجب ذلك في التوحيد وأي شرك يترتب على ذلك بوجه من الوجوه) (شفاء العليل (2 /108)).
    ([2]) موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة بتقديم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (1 /137).
    ([3]) بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله، ص 299.
    ([4]) منهاج السنة النبوية 5 /362.
    ([5]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص134.
    ([6]) تفسير آل عمران (1 /223).
    ([7]) تفسير آل عمران (1 /236).
    ([8]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص135.
    ([9]) قال الشنقيطي رحمه الله: مَسْألَةٌ:
    أخَذَ بَعْضُ العُلَماءِ مِن قَوْلِهِ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: :{وَهُزِّيٓ إِلَيكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيكِ رُطَبٗا جَنِيّا ٢٥}الآيَةَ، أنَّ السَّعْيَ والتَّسَبُّبَ في تَحْصِيلِ الرِّزْقِ أمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا وأنَّهُ لا يُنافِي التَّوَكُّلَ عَلى اللَّهِ تعالى، وهَذا أمْرٌ كالمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أنَّ الأخْذَ بِالأسْبابِ في تَحْصِيلِ المَنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ في الدُّنْيا أمْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا لا يُنافِي التَّوَكُّلَ عَلى اللَّهِ بِحالٍ؛ لِأنَّ المُكَلَّفَ يَتَعاطى السَّبَبَ امْتِثالًا لِأمْرِ رَبِّهِ مَعَ عِلْمِهِ ويَقِينِهِ أنَّهُ لا يَقَعُ إلّا ما يَشاءُ اللَّهُ وُقُوعَهُ، فَهو مُتَوَكِّلٌ عَلى اللَّهِ، عالِمٌ أنَّهُ لا يُصِيبُهُ إلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، ولَوْ شاءَ اللَّهُ تَخَلُّفَ تَأْثِيرِ الأسْبابِ عَنْ مُسَبَّباتِها لَتَخَلَّفَ.
    وَمِن أصْرَحِ الأدِلَّةِ في ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: {قُلنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبرَٰهِيمَ ٦٩}[سورة الأنبياء:69]، فَطَبِيعَةُ الإحْراقِ في النّارِ مَعْنًى واحِدٌ لا يَتَجَزَّأُ إلى مَعانٍ مُخْتَلِفَةٍ، ومَعَ هَذا أحْرَقَتِ الحَطَبَ فَصارَ رَمادًا مِن حَرِّها في الوَقْتِ الَّذِي هي كائِنَةٌ بَرْدًا وسَلامًا عَلى إبْراهِيمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ دَلالَةً قاطِعَةً عَلى أنَّ التَّأْثِيرَ حَقِيقَةً إنَّما هو بِمَشِيئَةِ خالِقِ السَّماواتِ والأرْضِ، وأنَّهُ يُسَبِّبُ ما شاءَ مِنَ المُسَبَّباتِ عَلى ما شاءَ مِنَ الأسْبابِ، وأنَّهُ لا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ إلّا بِمَشِيئَتِهِ رحمه الله.
    وَمِن أوْضَحِ الأدِلَّةِ في ذَلِكَ: أنَّهُ رُبَّما جَعَلَ الشَّيْءَ سَبَبًا لِشَيْءٍ آخَرَ مَعَ أنَّهُ مُنافٍ لَهُ، كَجَعْلِهِ ضَرْبَ مَيِّتِ بَنِي إسْرائِيلَ بِبَعْضٍ مِن بَقَرَةٍ مَذْبُوحَةٍ سَبَبًا لِحَياتِهِ، وضَرْبُهُ بِقِطْعَةٍ مَيْتَةٍ مِن بَقَرَةٍ مَيْتَةٍ مُنافٍ لِحَياتِهِ؛ إذْ لا تُكْسَبُ الحَياةُ مِن ضَرْبٍ بِمَيْتٍ، وذَلِكَ يُوَضِّحُ أنَّهُ سبحانه يُسَبِّبُ ما شاءَ مِنَ المُسَبَّباتِ عَلى ما شاءَ مِنَ الأسْبابِ، ولا يَقَعُ تَأْثِيرٌ ألْبَتَّةَ إلّا بِمَشِيئَتِهِ سبحانه
    وَمِمّا يُوَضِّحُ أنَّ تَعاطِيَ الأسْبابِ لا يُنافِي التَّوَكُّلَ عَلى اللَّهِ قَوْلُهُ تَعالى عَنْ يَعْقُوبَ: {وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلحُكمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيهِ تَوَكَّلتُۖ وَعَلَيهِ فَليَتَوَكَّلِ ٱلمُتَوَكِّلُونَ ٦٧} [سورة يوسف:67] أمَرَهم في هَذا الكَلامِ بِتَعاطِي السَّبَبِ، وتَسَبَّبَ في ذَلِكَ بِالأمْرِ بِهِ؛ لِأنَّهُ يَخافُ عَلَيْهِمْ أنْ تُصِيبَهُمُ النّاسُ بِالعَيْنِ لِأنَّهم أحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أبْناءُ رَجُلٍ واحِدٍ، وهم أهْلُ جَمالٍ وكَمالٍ وبَسْطَةٍ في الأجْسامِ، فَدُخُولُهم مِن بابٍ واحِدٍ مَظِنَّةٌ لِأنْ تُصِيبَهُمُ العَيْنُ فَأمَرَهم بِالتَّفَرُّقِ والدُّخُولِ مِن أبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَعاطِيًا لِلسَّبَبِ في السَّلامَةِ مِن إصابَةِ العَيْنِ؛ كَما قالَ غَيْرُ واحِدٍ مِن عُلَماءِ السَّلَفِ، ومَعَ هَذا التَّسَبُّبِ فَقَدْ قالَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلحُكمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيهِ تَوَكَّلتُۖ وَعَلَيهِ فَليَتَوَكَّلِ ٱلمُتَوَكِّلُونَ ٦٧}[يوسف: ٦٧ ]، فانْظُرْ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ التَّسَبُّبِ في قَوْلِهِ: {لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ}، وبَيْنَ التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ في قَوْلِهِ: { عَلَيهِ تَوَكَّلتُۖ وَعَلَيهِ فَليَتَوَكَّلِ ٱلمُتَوَكِّلُونَ}، وهَذا أمْرٌ مَعْلُومٌ لا يَخْفى إلّا عَلى مَن طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ، واللَّهُ تعالى قادِرٌ عَلى أنْ يُسْقِطَ لَها الرُّطَبَ مِن غَيْرِ هَزِّ الجِذْعِ، ولَكِنَّهُ أمَرَها بِالتَّسَبُّبِ في إسْقاطِهِ بِهَزِّ الجِذْعِ، وقَدْ قالَ بَعْضُهم في ذَلِكَ:
    ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ قالَ لِمَرْيَمَ ::: وهُزِّي إلَيْكَ الجِذْعَ يَسّاقَطِ الرُّطَبُ
    وَلَوْ شاءَ أنْ تَجْنِيَهُ مِن غَيْرِ هَزِّهِ ::: جَنَتْهُ ولَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبُ) (أضواء البيان 4 /316).


    ([10]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي رحمه الله (13 /436).
    ([11]) قال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهلِكُمۡ أَجمَعِينَ ٩٣}[سورة يوسف:93]:
    -أي: قال يوسف عليه السلام لإخوته: {ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا } لأن كل داء يداوى بضده، فهذا القميص - لما كان فيه أثر ريح يوسف، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم - أراد أن يشمه، فترجع إليه روحه، وتتراجع إليه نفسه، ويرجع إليه بصره، ولله في ذلك حكم وأسرار، لا يطلع عليها العباد، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر) اهـ [تيسير الكريم الرحمن، ص468 ].
    ([12]) ونحوه ما ذكره الطبري رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: {رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيتِكَ ٱلمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجعَلۡ أَفئدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهوِيٓ إِلَيهِمۡ وَٱرۡزُقهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشكُرُونَ ٣٧} [سورة إبراهيم:37] عن اسماعيل عليه السلام وهو رضيع يدحض الأرض.
    قال -رحمه الله- قاصا حكاية أم اسماعيل: (فلما ظمئ اسماعيل جعل يَدْحَض الأرض بعقبه، فذهبت هاجر حتى علت الصفا، والوادي يومئذ لاخ، يعني عميق، فصعدت الصفا، فأشرفت لتنظر هل ترى شيئا؟ فلم تر شيئا، فانحدرت فبلغت الوادي، فسعت فيه حتى خرجت منه، فأتت المروة، فصعدت فاستشرفت هل ترى شيئا، فلم تر شيئا. ففعلت ذلك سبع مرّات، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل، وهو يَدْحَض الأرض بعقبه،وقد نبعت العين وهي زمزم. فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء، فكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها، وأفرغته في سقائها) اهـ (تفسير الطبري (13 /692).
    ([13]) فوائد مستنبطة من سورة يوسف عليه السلام ص45.
    ([14]) فوائد مستنبطة من سورة يوسف عليه السلام، ص54.
    ([15]) نكت القرآن الدالة على البيان للقصاب رحمه الله (2 /185).
    ([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري رحمه الله (6 /629).
    ([17]) (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على أفضل الأنام) لابن القيم رحمه الله، ص313.
    ([18]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص829.
    ([19]) التسهيل لعلوم التنزيل، (3 /678).
    ([20]) التسهيل لعلوم التنزيل، (3 /678).
    ([21]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص360.
    ([22]) فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي رحمه الله (5 /149).
    ([23]) ناسب هذا ما نشهده هذه الأيام من اعتداءات سافرة من شرذمة الصهاينة على الأقصى المبارك
    -عجَّل الله بزوال دولتهم، وكسر قوتهم-.
    ([24]) المواهب الربانية من الآيات القرآنية، ص102.
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2022-06-11, 11:54 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X