إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(رثاء عالم لعالم) رثاء العلامة السلفي الطيب العقبي البسكري للعلامة محمد المكي بن عزوز البسكري -رحمهما الله-.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (رثاء عالم لعالم) رثاء العلامة السلفي الطيب العقبي البسكري للعلامة محمد المكي بن عزوز البسكري -رحمهما الله-.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (رثاء عالم لعالم)
    رثاء العلامة السلفي الطيب العقبي البسكري
    للعلامة محمد المكي بن عزوز البسكري
    رحمهما الله

    هدية مني لحافظ الود:
    أبي أحمد محمد أحمد قبلي
    بمناسبة مناقشته رسالة الماجستر اليوم الأحد 28 شعبان لعام 1442 هـ
    بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية.
    ـــــ . ـــــ



    الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فهذه قصيدة عصماء، وشعر أصيل بقلم العالم الجليل الطيب العقبي كتبه بالمدينة النبوية بعدما فُجِعَ بخبر هلاك العالم السليل محمد المكي بن عزوز رحمهما الله؛ ارتأيت نشرها والاعتناء بها تعريفا بـ:
    - الراثي: ببيان علو كعبه، وسيلان قلمه لما كتب قصيدة بليغة ومؤثرة يحكي فيها ما أصابه من حزن وحسرة بعد فقد عالم نفع الله به في المشرق والمغرب.
    - المرثي: بإبراز مكانته العلمية الراقية، وجهوده الدعوية الكبيرة؛ وحكاية قصة توبته من ضلالات الصوفية إلى هدايات السلفية، واحتفال العلماء بذلك، وفرحهم بها.
    ونبدأ بالمرثي الذي ولد وترعرع في بلدة نفطة التونسية تحت كنف والده مصطفى الذي هاجر من موطنه، برج بن عزوز، بطولقة بعد تضييق الخناق عليه من طرف سلطات الاستدمار؛ حيث أنشأ في نفطة زاوية تدعى بـ: زاوية سيدي مصطفى.
    فنشأ المرثي تحت رعاية والده الذي لقنَّه مبادئ العلوم على العقيدة الأشعرية، والطريقة الصوفية، والعصبية الفقهية؛ فارتضع لبانها، وكان من أبرز فرسانها تحت شعار إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون.
    إلا أن الله أراد له الخير، ويسر له الهداية، وأرشده إلى الحق؛ لما كتب كتابا سمَّاه: (السّيف الربّاني في عنق المعترض على الغوث الجيلاني)، جريا على شعاره المذكور أعلاه، وسيرا على نهج سلفه: منكرا من ردّ كرامات الجيلالي، متهجّما على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -لجهله بها-، حيث نشره في الآفاق، وقلَّده في الأعناق حتى وصل بتقدير خبير عليم، وبرحمة رحمن رحيم إلى العلامة السلفي محمود شكري الألوسي -رحمه الله- الذي لم يتوانى في تأدية واجب النصيحة، بلغة وعظية فصيحة، وأرسل له كتابا لأحد أئمة الدعوة النجدية طلب منه أن ينظر فيه ويطَّلع عليه بعين الحق والإنصاف؛ فوجد -برحمة من الله وفضل- قلبا خاليا من الهوى، ونفسا متعطشة للهدى.
    يقول جمال الدين القاسمي مراسلا الألوسي -ولم يدر حينها ما جرى بين الألوسي والمكي-: إن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصَّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.
    وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي في تأليف سماه: السيف الرباني في الرد على القرماني .. ثم إنَّ الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب. وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الأستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له([1]) اهـ.
    وقد أرود محمد بن ناصر العجمي كتاب ابن عزوز إلى البيطار المشار إليه آنفا في جمعه للرسائل المتبادلة بين الألوسي والقاسمي، وهذا نصه:
    كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
    وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
    فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم.
    وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد.
    وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في: (تاريخه) من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: {تِلكَ أُمَّة قَد خَلَت لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبتُم وَلَا تُسألُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعمَلُونَ}[سورة البقرة:134] .
    فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: {وَإِذَا قُلتُم فَٱعدِلُواْ}[سورة الأنعام:152] .
    واعملوا أنّ من البلايا المتسلّطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبويّ الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي.
    وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكّة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري!!
    فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان –وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له {سَلَٰمٌ عَلَيكُمۡ لَا نَبتَغِي ٱلجَٰهِلِينَ}[سورة القصص:55] ، وقال تعالى: {وَأَعرِض عَنِ ٱلجَٰهِلِينَ}[سورة الأعراف:199] . وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد.
    وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور.
    أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منـزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:
    ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهمٌ:::::اللـه يعـلم أني لم أقل فندا
    إني لأفتـح عيني حين أفتحها:::::على كثير ولكن لا أرى أحداً


    فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:
    جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.
    والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.
    سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني:
    وأثبتن للأوليا الكرامه ٌ::::: ومن نفاها فانبذن كــلامه


    فانظروا الدليل وتنـزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة ، وهو من الضروريات.
    ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟
    وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:
    إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت ٌ::::: ولن تلين إذا كانت من الخشب

    وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: {كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيكُمۡ}[سورة النساء:94]؛ لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد (أستغفر الله)؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي...إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.
    والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.
    وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع...إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّاهُمۡ عَن قِبلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلمَشرِقُ وَٱلمَغرِبُۚ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٖ ١٤٢}[سورة البقرة:142]، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    في ذي الحجة سنة 1327 حافظ ودكم . محمد المكي بن عزوز التونسي([2]) اهـ.
    فانظر إلى ما حوته هذه الرسالة الصادقة اللهجة من عظيم الحرص على اتباع الحق، وجميل حمد الله بنعمة الهداية بعد نقمة الضلالة.
    وبعد ورود رسالة القاسمي الأولى للألوسي أجابه بما نصه: (سرَّني ما كان من المراسلة بين السيد محمد المكي وبين السلفيين في دمشق. وهذا الرجل أعرفه منذ عدة سنين؛ فإن كتابه "السيف الرباني" لما طُبع في حضرة تونس أرسل منه لنقيب بغداد عدداً كثيراً من نسخه، فأعطاني النقيب يومئذ نسخة منه، فطالعتها فرأيت الرجل من الأفاضل، غير أنه لم يقف على الحقائق، فلذلك استحكمت الخرافات في ذهنه فتكلم على السلفيين، وصحح بعض الأكاذيب التي يتعلق بها مبتدعة الصوفية، وغير ذلك من تجويز الاستغاثة، والتوسل بغير الله، وإثبات التصرف لمن يعتقد فيهم الولاية، والاستدلال بهذيان ابن دحلان ونحوه... كما ترى بعضاً من ذلك في الورقة المنقولة عن كتابه. فأرسلت له كتاب "منهاج التأسيس" مع التتمة المسماة "بفتح الرحمن"، وذلك سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، وكان إذ ذاك في تونس لم يهاجر بعد، ولم أعلمه بالمرسل، ويخطر لي أني كتبت له كتاباً أيضاً التمست منه أن يطالع الكتاب كله مع التمسك بالإنصاف، ولم أذكر اسمي ولا ختمته بختمي، وأرسلت كل ذلك إليه مع البريد الإنكليزي. وبعد ذلك بمدة هاجر إلى القسطنطينية، وكان يجتمع كثيراً مع ابن العم علي أفندي ويسأله عن كتب الشيخين ويتشوق إليها.
    وقد اجتمع به ابن العمّ في هذا السفر الأخير وأخبرني عنه أنه الآن تمذهب بمذهب السلف قولاً وفعلاً وأصبح يجادل أعداءه، ويخاصم عنه. ولم يزل يتحفني بسلامه، ويتفضل علي بالتفاته([3]) اهـ.
    وكان ممن احتفل بتوبته هذه وفرح بها رائد النهضة الجزائرية العلامة عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- حيث قال:
    (من آثار علمائنا المصلحين في هذا العصر الحديث: العلاَّمة الأستاذ الشَّيخ المكِّي ابن عزوز رحمه الله.كان هذا العالم الجليل -قبل رحلته إلى الشَّرق- من أساطين الطُّرقيَّة، فلمَّا رحل للشَّرق وطالع كتب السُّنَّة أصبح سلفيًّا مصلحًا من أكابر السَّلفيِّين المصلحين، وقد كنَّا نشرنا عنه كتابةً حافلةً في أحد الأجزاء الماضيَّة وتضمَّنت تلك الكتابة ما يفيد ما ذكرنا من سلفيَّته وإصلاحه، وقد اطَّلعنا هذه الأيام عند أخينا الشَّيخ حمزة بوكوشة على كتابين من الشَّيخ المكِّي إلى السَّيِّد البشير أبي الشَّيخ حمزة رحمه الله، فنقلنا منهما الكلمتين الآتيتين تخليدًا لآثار الأستاذ وتذكيرًا لإخواننا الطُّرقيِّين بكلام من كان ضالاًّ مثلهم ثمَّ هداه الله، لعلَّ أن يهديهم كما هداه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم: -التَّوحيد في التَّوجُّه إلى الله.«ومن أراد أن يستجاب له سريعًا فليجعل التَّوجُّه إلى الله وحده، ولا يُدْخِل فيه وليًّا ولا ملَكًا؛ لأنَّه هو التَّوحيد الخالص»، تاريخ الكتاب: يوم المولد النَّبوي سنة (1312)-. الاحتجاج على المخطئين من جميع النَّاس.«والشَّريعة المحمَّديَّة محفوظة من التَّبديل والتَّغيير، وهي مبنيَّة على الأدلَّة والحجج، فإذا أخطأ فيها أحد من علمائها وصلحائها أقام الله من شاء من خلقه وعلمه وألهمه الحجَّة الَّتي يتميَّز بها خطأ من أخطأ، وقد قال تعالى: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقدَامَكُمۡ} [سورة محمد:7]،
    وقال: { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ}[سورة الحج:40]، ومنذ بدء الإسلام لم تنهزم راية محقٍّ في المناظرة قطُّ تصديقًا لوعد الله المصرَّح به في الآية، وقال تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلغَٰلِبُونَ}[سورة الصافات:173]»، تاريخ الكتاب: في 8 شعبان سنة 1328) اهـ ([4]).
    فهذه قصة توبة العلامة محمد المكي بن عزوز، واعتناء العلماء بها، وهو الذي كان على علاقات وطيدة، وانتقالات عديدة، ومراسلات مفيدة كالرسالة التي أرسلها إلى علامة الكويت عبد العزيز الرشيد -شارح الواسطية- عندما ظفر به، وانتهى مسيره إليه، وحط رحاله لديه؛ فقال له فيها: (وربما أجد في مليون من الخلق واحداً، فأنا أشد فرحاً من ولادة ولدٍ ذكرٍ لابن الستين الفاقد البنين، ولهذا سررت بكم بعدما تتبعت كتابكم الذي أهديتموه لي، لأني طالما انخدعت للمدعين بطريقة السلف اعتقاداً وتحري السنة تفقهاً، فأجد من آثارهم عند إمعان النظر، أنهم ليسوا الذين أريد، ولذلك وقفت النظر في كتابكم، وأنا معذور، إذ لم يسبق بيننا تعارف ولا مذاكرة، فوجدتكم والحمدلله من الضالة التي أنشدها، وأيده كتابكم الخصوصي الذي أرسلتموه لي، فجزى الله علامة العراق خيراً السيد شكري، حيث دلكم على إجراء وسيلة التعارف بيننا، وكذلك صديقنا الكامل السني السيد محمد نصيف في اطلاعكم على رسالتنا التوحيدية، وهذا كله يظهر مصداق الحديث الشريف: (الأرواح جنود مجندة) الخ...
    أحبابنا غرُّوكم بالعاجز، فكما أنه لا يقبل قدح العدو في عدوه، فكذلك لا يقبل إطراء الحب لحبيبه، والذي نفسي بيده إني لخال مما تظن ويظنون فلا علم ولا عمل ولا صلاح ولا إخلاص، ووالله ما هو من هضم الأفاضل أنفسهم تواضعاً بل الإنسان على نفسه بصيرة، وأحمق الناس من ترك يقين نفسه لظن الناس، وأنا أحكي لكم مقدار بضاعتي تحقيقاً كأنكم ترونني رأي العين، والله على ما نقول وكيل. أما الأصل والنسب فلا نتعرض له كما قيل:
    إن الفتى من يقول ها أنا ذا ٌ::::: ليس الفتى من يقول كان أبي

    فأنا قد ربيتُ في معهد العلم من صغري، وقد وسّع الله علينا من رزقه، ما سهل به القراءة زمان التعلم والإقراء على شيوخ عديدة على اختلاف مشاربهم وتفاوت درجاتهم تفنناً وأخلاقاً، وارتحلت إلى بلدان عديدة، فجمعت بعض ما كان متفرقاً من العلوم والحمد لله، ولكن لهو الشباب حال بيني وبين الاستكمال في العلم والتهذيب، وأيضاً لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالاً، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شددنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنّه لا يتبعه فيما يقول، ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كتبي في مكسرة، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية، فصار يعتذر بمسكنة كأنه فعل خيانة، أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فورك الله ما نظرت فيها سطراً لنفرة قلوبنا منها، ومن جهل شيئاً عاداه. لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلمّا ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطّلعت على كتب أهل هذا الشّأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أمّا كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.
    ويلحق بها كتب السفاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل والحمد لله (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً).
    ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى : {سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّاهُمۡ عَن قِبلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلمَشرِقُ وَٱلمَغرِبُۚ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٖ ١٤٢}[سورة البقرة:142].
    والحاصل: فما ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط، وإنما أنا محب لأهلها، وذاب عنهم، وناصر لهم، ولعله يشملني حديث (المرء مع من أحب) فمن وصفني بما زاد على ذلك، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم([5]) اهـ.
    فهذا تعريف بالمرثي وقد أطلنا النفس فيه إذ هو المقصود بالمقال، وننتقل الآن للتعريف بصاحب القول العلامة الطيب العقبي -رحمه الله- حين ترجم لنفسه ترجمة مختصرة بعد طلب من صديقه محمد الهادي الزاهري أوردها في كتابه (شعراء الجزائر في العصر الحاضر)، ومما جاء فيها -مما نحن بصدده- قوله (ص129 وما بعدها):
    (كيف تعاطيت الشعر؟
    وإن تسأل كيف تعاطيت الشعر وكيف ابتدأ نظمي له فخذ الحقيقة:
    تعاطيت نظمه قبل الحُلُم (بالمدينة النبوية)، وقبل أن أتمكن من أساليبه العربية؛ فكنت أخلط الغث بالسمين، والصحيح بالسقيم حتى جمعت منه ما سميته (ديوانا).
    ولكن بعد أخذي بحظ من العلم، وذوق العربية الفصحى حكمت على شعري ذلك بالإعدام للمرة الأولى، ثم جمعت ما يكاد يقرب من ذلك الديوان للمرة الثانية وأنا بالمدينة المنورة؛ فطوَّحت بي طوائح الحرب، والإبعاد عن تلك البلاد بغتة ودون استعداد منا لمواجهة ذلك البعد والبين؛ فحالت بيني وبين كتبي وكل نظمٍ ونشرٍ لي تركته بالمدينة -التي أخرجت منها ليلة 23 محرم 1335 هـ -فذهب ذلك الديوان أيضا، وأصبح الشعر بعد أن تدرجت في مدارج الرقي الكوني، والنمو البشري أمرًا لا يهمني كثيرا، وطالما صرفتني عنه الصوارف؛ ولكنِّي على كل حال أستطيع قول الشعر، وأنظم اليوم غير أني تارة أجيد الرماية وأصيب الغرض فلا أكاد أخطئ، وتارة يستعصي عليَّ ولا تكاد تجود القريحة إلا بما لا يسمن ولا يغني من جوع؛ وكل ذلك لفقد الدواعي، وقلة البواعث...
    وهذه قصيدة قلتها وأنا بالمدينة المنورة أرثي بها الأستاذ العلامة الشيخ المكي ابن عزوز دفين دار السعادة لما بلغني خبر وفاته، وكان ممن يعِزُّ عليَّ كثيرًا لما بيني وبينه من المؤانسة وعظيم الوداد، ولم أرث أحدًا قبله، فهي أول مرثية لي:
    هِيَ الدَارُ في أحداثِها تَتَجَرَّمُ([6])ٌ:::::سُرُورٌ فَأَحزَانٌ فَعُرسٌ فَمَأتَمُ ([7])
    حَنَانيكَ! إنَّا للمَنِيِّةِ عُرضَةٌ:::::وكُل ابن أنثى فَهْوَ للمَوتِ مُسْلَمُ
    وكل بليغٍ مُصْقعٍ فهو عندهاٌ:::::إذا طَرَقَتْ يومًا من الدهر مُفْحَمُ
    وما المُكْثُ في دار الغرور لعالمٌٍ:::::حَقِيقَتُها إلا زعافٌ وعَلْقَمُ([8])
    عَجِبتُ لِذِي لُبٍ يُغَرُّ بِسِلْمِهاٌ:::::وما سِلْمُها إلا خسارٌ ومغرمُ
    أماتَ ابن عزوزٍ وأودت([9]) علومُهٌ:::::أم الركنُ ركنُ الدِّينِ أمسى يُهدمُ
    بلى إنها الأقدار وافت برَزئِه([10])ٌ:::::وما كان ظني أن يُدَكَّ يَلَمْلَمُ([11])
    أَتانِي نَعيُ الحَبْرِ في جُنْحِ ليلةٌٍ:::::ويا ليتها في الدهرِ لم تَكُ تُعلَمُ
    أَطارَ بِها (برقٌ) حديثُ وفاتِهٌِ:::::فَطارَ لها قلبي وما كادَ يسلمُ
    وَبِتُ كما بات (ابن ذبيان) ([12])ساهدًاٌ:::::ونَارُ الأسى بين الجوانِحِ تُضرَمُ
    وباتت دُموعُ العينِ تجري غُرُوبَها([13])ٌ:::::وقد كان دمعي في الشدائدِ يُعصَمُ
    فدمعي حلالٌ سكبُهُ بعد بُعْدِهٌِ:::::وصبري عنه ما حييتُ مُحرَمُ
    محمدُ يا المكيِّ مَالكَ راحلٌٌ:::::أزهدًا بنا أم في سبيلك مغنمُ
    إلى الله أشكو ما لفَقْدِكَ مسنيٌ:::::من البؤسِ والضراءِ والقلب يُكْلَمُ
    فقد كنتَ لي ركنًا شديدًا فخاننيٌ:::::زمانِي([14]) وأمرُ الله في الخلقِ مُبرَمُ
    تكنَّفَنِي جيشٌ من الحُزنِ عارمٌٌ:::::فولَّت له جيشاتُ صبري تُهزَمُ
    ونَادتْ بِيَ الأحلامُ حسبُكَ فَاتَئِد([15])ٌ:::::فأجرُكَ في (الأستاذِ) بالصبرِ أعظمُ
    أبا مُصطفَى هل تشرحنَّ قضيتِيٌ:::::بِرِزْئِكَ أم أَودَى الذي كنتَ تعلَمُ
    أبا مُصطفَى قد هاضني([16]) فِيكَ حادثٌٌ:::::لأمثاله قد كنتَ تُرجَى فَيُحسَمُ
    أبا مُصطفَى قد باحَ قَلْبِي بِسِرِّهٌِ:::::وما كل وجهٍ بالمحبين يُكتَمُ
    فلو نظرتْ عيناكَ ما بي رحِمتَنِي كما كنتَ لي عهدَ المودِّة تَرحَمُ
    نَدِمْتُ على التفريطِ فيمَا نَويتُهٌُ:::::وكلُ فتًى مِثلِي غدًا يَتَنَدَّمُ([17])
    عِفَاقُكَ([18]) عن قِيلِ الخنا ودُعَاتِهٌِ:::::قَضَى لعِدَاكَ الرِزقُ أن يتخرموا
    وكم صال صَلٌ منهمُ فقهرتهٌ:::::بخطِ يراعٍ إذ يراعُكَ أرقمُ
    لئن سَرَّ أعداءُ الإمام وفاتَهٌ:::::فقد ساءهم منه القضاء المحتمُ
    وقد بُشِّرُوا لو يعقِلُونَ بمثلهاٌ:::::ولكنَّهم صموا عن الحقِ إذ عموا
    ولو كان حيٌ يفتدِي من حِمَامِهِ([19])ٌ:::::لفضلٍ وعلمٍ لافتُدِي وهو أكرمُ
    ولكنَّها في الكونِ سنَّةُ من مضىٌ:::::وياتي وتلكَ الخلدُ أو هي سُلَّمُ
    أحبَّ لقاءَ اللهِ واختار رفقة الـٌ:::::عليِّ ففي فردوسِهَا يتنعمُ
    أسِفْتُ وما يُجدِي التأسُفُ فاقدًاٌ:::::على أنَّني لازلتُ في النَّاس أُظلَمُ
    ليعلم أنِّي لم أَخُنهُ بغيبِهٌِ:::::وإنِّي حفيظٌ حينَمَا يتيممُ
    فقد غربتْ شمسُ الحقيقةِ بعدَهٌُ:::::وقد غاض بحرٌ بالعلومِ غَطَمْطَمُ([20])
    علومٌ بِهَا ضاقَ الفضاءُ بغربِنَاٌ:::::فكان لها في الشرقِ للدِّين مقدمُ([21])
    فغاضت وأَرْوَت من عِطَاشٍ عصابةٌٌ:::::على حينِ أنَّ الشرقَ بالجهلِ أقتمُ([22])
    ومهما علت نفسٌ فتلكَ سبيلُهَاٌ:::::كما جاء نصٌ بالثبوتُ يسلَّمُ
    فابكيه يا دار الخلافةِ وانْدُبِيٌ:::::فقد كان في تلك البروج يقدمُ
    وابكيه يا (دار الفنون) فقد غداٌ:::::بأردائكِ القصوى وليدُكِ يُحرَمُ
    يبكي ويبكي درسُ وعظٍ وحكمةٌٍ:::::وآياتُ تفسيرٍ يُشادُ ويُحكِمُ
    كما قد بكى درس الحديث لفَقدِهٌ:::::وكيف ومن أخلاقه يتعلمُ
    بكت سنةٌ من بَعدِهِ وتألَّمتٌ:::::فقد كان أن مسَّت لها يتألمُ
    فكم قام في وجه الحسودِ مراغمًاٌ:::::يذبُ ويُرْدِي الخمعم لا يتلعثمُ؟! ([23])
    وقاوم جيش المارقين بعِزْمَةٍ وقدٌ:::::كان عند الحق لا يتجمجمُ ([24])
    فإن يقضِ في دار التقرب نَحْبَهٌُ:::::فحُقَ لَهُ إذ في الأقدمة مأثمُ
    وهل بقعةٌ حاشا المقامين فُضِلَت؟ٌ:::::كدارٍ بها عرشُ الخلافةِ يرأَمُ([25])
    لعمرك ما رُشدِي علي بآئبٌٍ:::::وقد وسَّدوكَ التُربَ لا تتكلمُ
    لك الله قد أودى بك العلم والتقىٌ:::::وأودى الهدى والجود بعدك يعدمُ
    حياةٌ فموتٌ فاذكارٌ فبعثةٌٌ:::::فجنةُ ماوى في دارها تحكمُ
    سأبكيكَ محمودَ المقاصِدِ ما بكتٌْ:::::مُطَوَّقةٌ في أيْكِهَا تترنمُ
    وتسكب عيني عبرةً بعد عبرةٌٍ:::::تؤازرها أخرى فرادى وتوأم
    عليك سلام الله حيًا وميَّتًاٌ:::::فآخر عهدي أنَّنِي بك مغرمُ) اهـ.
    هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.




    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي -تحقيق العجمي-، ص101.
    ([2]) المصدر السابق، ص101-110.
    ([3]) المصدر السابق، ص113-115.
    ([4]) (الشِّهاب)، (ج1،م13، محرم 1356 هـ -/ 14 مارس 1937 م، (ص26 ـ 27).
    ([5]) مجلة الكويت الجزء العاشر، العدد الأول، لصاحبها عبد العزيز الرشيد (منقول).
    ([6]) يُقَالُ: تَجَرَّم ذَلِكَ القَرْنُ أَيِ انْقَضَى وانْصَرَم، وَأَصْلُهُ مِنَ الجَرْم القَطْعِ. (لسان العرب 12/91).
    ([7]) (الأستاذ الشيخ المكي بن عزوز من عائلة مشهورة بالجزائر نشأ في أحضان العلم من صباه غير مشتغل عنه بزخرف من متاع الحياة الدنيا حتى أحرز على القسط الوافر منه في الصغر. ذو بصر ثاقب في الكتاب والسنة، له التصانيف العديدة، وفتاويه أكثر من أن تحصى: شريف النفس، عفيف عالي الهمة، كثير الذب عن حرمات الله، عامل في الجامعة الإسلامية. حالت أحوال، واعترضت دون مكثه بالجزائر عوارض؛ فاضطر إلى مغادرتها وهو الشغوف. بها غادرها إلى الأستانة حيث رُعي جانبه، وحفت به السعادة، ووجد فسحا من الحرية لبثِّ ما نيط به من أمانة العلم) (ز).
    ([8]) علقم: سم زعاف يقتل سريعا. (ز).
    ([9]) أَوْدَى بِهِ الموتُ: ذَهَبَ بِهِ. (تاج العروس (40/180)).
    ([10]) الرزيئة: المصيبة. (القاموس المحيط، ص41).
    ([11]) يَلَمْلَمُ: اسم جبل من جبال اليمن. (ز).
    ([12]) ابن ذبيان: النابغة الذبياني، وفيه الإشارة إلى قوله:
    (فبتُّ كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في أنيابها السم ناقع)
    الضئيلة: الحيَّة الدقيقة. (ز).
    ([13]) لعله يشير إلى جريان دمعه كجريان الشمس عند غروبها كما في قوله تعالى: {وَٱلشَّمسُ تَجرِي لِمُستَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقدِيرُ ٱلعَزِيزِ ٱلعَلِيمِ ٣٨}[سورة يس:38].
    ([14]) معلوم أن الزمن لا يخون، فقد يدخل هذا في نسبة الفعل إلى الدهر وهو منهي عنه.
    وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: مجرد الخبر المحض بلا لوم؛ فهذا جائز، كقول لوط -عليه السلام- في قوله تعالى: {وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيب ٧٧}[سورة هود:77].
    الثاني: سب الدهر على أنه هو الفاعل؛ فهذا شرك أكبر لاعتقاده أن مع الله خالقا.
    الثالث: سب الدهر لأنه محل للأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم.
    أفاده العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- في القول المفيد، ص523.
    ([15]) من الأيد الذي هو القوة والشدة.
    ([16]) الهيضة: معاودة الهيض والحزن، والمرضة بعد المرضة. (القاموس المحيط، ص657).
    ([17]) كان شاعرنا نوى الارتحال إلى القسطنطينية ليرى الأستاذ؛ فتراخى ومات ولم يره؛ فندم على هذا التراخي ندامة الكسعي ولات حين مندم. (ز).
    ([18]) عفق: يعفق: غاب. (القاموس المحيط، ص909).
    ([19]) الحِمام ككتاب: قضاء الموت وقدره. (تاج العروس (32/6)).
    ([20]) الغطمُّ كهِجفُّ: البحر العظيم، كالغطيم والغطمطم. (القاموس المحيط، ص1142).
    ([21]) يشير إلى انتقاله من المغرب العربي إلى تركيا واحتفالهم به ومعرفتهم لقدره ومكانته.
    ([22]) الأقتم: الأسود. (القاموس المحيط، ص1146).
    ([23]) لا يتلعثم: أي لا يتوقف عيا. (ز).
    ([24]) لا يتجمجم: أي لا يتردد في الاصداع برأيه والتصريح بما هو المشهور والحق وإن انفرد فيه. (ز).
    ([25]) رئِم الشيء، كسَمِعَ: أحبَّه وألِفَهُ.(القاموس المحيط، ص1110).
    قال الزاهري -رحمه الله- معلقا على هذا البيت: (والمقامان بيت الله الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    ومعلوم أن هذا التفضيل محل نظرٍ؛ لأنه ثبت شرعا تفضيل بعض الأماكن بعد المقامين، كالمسجد الأقصى في قوله تعالى: {سُبحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأَقصَا ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِن ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١}[سورة الإسراء:1] .
    قال البغوي -رحمه الله-:
    ({ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَوۡلَهُۥ}: بِالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (سَمَّاهُ مُبَارَكًا لِأَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطُ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ، وَمِنْهُ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[معالم التنزيل 5/58].
    خصوصا إذا تذكَّرنا ما حصل ويحصل في دار الخلافة المزعومة بآخرة من إقرار العلمانية، وانتشار القبورية، وشيوع الرذيلة وغير ذلك مما يندى له الجبين، والله المستعان.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2021-04-11, 09:30 PM.

  • #2
    جزاك الله خيراً أخي أبا عبد الرحمن، ورحم الله العلامة الطيب العقبي وغفر لنا وله .

    تعليق


    • #3
      بورك فيك أخي أبا عبد الرحمن ، جعل عملك في ميزان حسناتك ، آمين .

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X