بسم الله الرحمن الرحيم
إرشاد الحلماء
إلى معرفة منزلة -محبّ العلم-
من العلم والعلماء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء36] .
قال شيخ الاسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله وغفر له وكان سئل عن تفسير هذه الآية الكريمة: على ظاهرها: أن الله ينهى عن كون الإنسان يتكلم فيما لا يعلم (ولا تقف ما ليس لك به علم) يعني: لا تقل في شيء ليس لك به علم بل تثبت (إن السمع) يقول: سمعت كذا وهو ما سمع (والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً) الإنسان مسئول عن سمعه وقلبه وبصره، فالواجب عليه ألا يقول: سمعت كذا إلا عن بصيرة، ولا يقل: نظرت كذا إلا عن بصيرة ولا يحكي عن أو يعتقد بقلبه شيء إلا عن بصيرة لابد هو مسئول.
فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني؛ حتى لا يتكلم إلا عن علم ولا يفعل إلا عن علم ولا يعتقد إلا عن علم؛ ولهذا قال جل وعلا: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، فالإنسان يتثبت في الأمور والله يقول جل وعلا: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33] جعل القول على الله بغير علم فوق هذه الأشياء كلها.
فالواجب على الإنسان أن يتعلم حتى يقول عن علم، يتبصر فلا يقول: سمعت ولا يقول: رأيت ولا يقول كذا وكذا إلا عن بصيرة عن علم. اهـ من موقع الشيخ رحمه الله تعالى على الشبكة.
قال الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: فَلْيَسْعَ امْرُؤٌ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ، فَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. اهـ سير أعلام النّبلاء للذّهبيّ: [13/ 313].
قال جامعه عفا الله عنه:
فهذه نصيحة غالية لو كتبت بماء العينين لكان قليلا، ثم اعلم يا مريد النجاة من عذاب الله تعالى يوم القيامة، وقد بان لك مما تقدم أن الكلام في دين الله أمره خطير، وشره مستطير، وعاقبته وخيمة، وعقوبة فاعله شديدة أليمة، أيقنت أن الواجب على كل عاقل أن يسعى لفكاك نفسه، وطلب نجاتها، وعلى كل من رام الكلام في دين الله تعالى أن يحمل نفسه على الصدق والإخلاص، وقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي اتباعه النجاة والخلاص، وعليه بلزوم العدل والاعتدال، ودوام المراقبة والخشية للواحد المتعال، ومعرفة العبد قدر نفسه وما يحق له الكلام فيه، وما ينبغي له السكوت عنه ويحرم على مثله الخوض فيه، وهذا الذي دلت عليه آية الاسراء المتقدم ذكرها، وغيرها في كتاب الله تعالى كثير، منها ما جاء في سورة هود وذلك قوله سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الآية112]. ومنها أيضا قوله جل وعلا في سورة براءة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [الآية119]. فمعرفة العبد قدره، والظهور في حجمه من الصدق الذي أمر الله به، وهو من صفات الصالحين، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعطه كلابس ثوبي زور. رواه البخاري.
قال الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير آية براءة:
يقول تعالى ذكره للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: (يا أيها الذين آمنوا)، بالله ورسوله (اتقوا الله)، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده (وكونوا)، في الدنيا، من أهل ولاية الله وطاعته, تكونوا في الآخرة (مع الصادقين)، في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم.
وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا, كما قال جل ثناؤه: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) [سورة النساء: 69].اهـ من تفسير سورة التوبة.
وفقنا الله وكل إخواننا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا. آمين
فهذه نصيحة عظيمة في بابها، كما تقدم يجب أن يجعلها كل من تصدى لنشر العلم بكل وسائله من كتابة وتأليف وفتوى وغيرها من أساليب نشر العلم نصب عينيه، هذا من جهة مبلغ العلم.
ومن جهة متعلم العلم ومريد معرفة الشرع، فإنه يجب على المسلمين أجمعين وخاصة أهل السنة منهم، أن يعتنوا بأصول أهل السنة عناية تامة في كل الأبواب بما في ذلك -معرفة عمن يؤخذ العلم- قال محمد ابن سيرين رحمه الله تعالى: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وكذلك مما ينبغي أن يعلم في هذا الباب أن الواجب علينا معاشر الأحبة أن ننزل الناس منازلهم، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)[المائدة 77].
قال شيخ الاسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
الغلو في الدين الزيادة، يقال غلت القدر إذا زادت، الغلو معناه الزيادة والنبي عليه الصلاة والسلام قال: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين والله يقول سبحانه: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) [النساء:171] يعني لا تزيدوا يعني لا يزيد على ما شرع الله. اهـ من موقع الشيخ رحمه الله على الشبكة.
قال النووي رحمه الله تعالى في كتابه الفذ رياض الصالحين:
باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلَى غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم
قَالَ الله تَعَالَى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ)[الزمر:9].
1/348- وعن أَبي مسعودٍ عُقبةَ بنِ عمرٍو البدريِّ الأنصاريِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِراءَةِ سَواءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُد في بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: فَأَقْدمُهُمْ سِلْمًا بَدل سِنًّا، أَيْ: إِسْلامًا.
وفي روايةٍ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، وأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِراءَتُهمْ سَواءً فَيَؤُمُّهم أَقْدمُهُمْ هِجْرةً، فَإِنْ كَانوا في الهِجْرَةِ سوَاءً فَلْيَؤُمّهُمْ أَكْبرُهُمْ سِنًّا.
2/349- وعنه قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ يَمْسحُ منَاكِبَنَا في الصَّلاةِ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا وَلا تَخْتلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنكُمْ أُولو الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يلونَهم رواه مسلم.
3/350- وعن عبداللَّه بنِ مسعودٍ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ –ثَلاثًا- وإِيَّاكُم وهَيْشَاتِ الأَسْواقِ رواه مسلم.
قال شيخ الاسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه ينبغي إكرام العلماء، والأخيار، والذين لهم قدم صدقٍ في الإسلام، وأن تكون لهم مراتب على قدر علمهم وفضلهم؛ لما في ذلك من التَّشجيع على الخير، والترغيب في الخير، وتقدير أهل الخير، ولهذا يقول جلَّ وعلا: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، فلا شكَّ أنه لا يستوي أهلُ العلم وغيرهم، ولا يستوي الأخيارُ والفُسَّاق، ولا يستوي كبارُ السن وصغارُ السن، فينبغي إنزال الناس منازلهم، ولهذا يُروى عنه ﷺ أنه قال: أَنْزِلُوا الناسَ منازلهم، فكلٌّ له منزلته التي قدَّرها الله له على حسب علمه وأعماله واجتهاده ومنزلته في الإسلام. اهـ من موقع الشيخ على الشبكة.
قال جامعه عفا الله عنه:
وما أكثر الغلو ومجاوزة الحد من إخواننا في باب رفع طلاب العلم إلى مصاف العلماء بل منهم من يحسب كثيرا من طلبة العلم الصغار أئمة مجتهدين، وذلك لأمور، من أبرزها:
1- جهلهم بدين الله وهذا أساس كل شر، نسأل الله العافية والسلامة.
2- زهدهم في مجالس العلماء، إذ مجالس العلماء يعرف قدرهم وقدر من تشبه بهم وليس منهم.
3- عدم ربط صغار طلبة العلم الناس بالعلماء الربانين، بل منهم من يلمزهم ويزهد الناس فيهم.
4- كذب الحال الذي يقع فيه كثير من طلاب العلم إلا من رحم الله، وذلك بعدم التواضع والظهور في صورة تكبر ما هم عليه بكثير، والله المستعان. وغيرها من الدواعي التي جرت على الناس الويلات من الزمن القديم إلى وقت الناس هذا. والله المستعان.
قال الحافظ ابن رجبٍ رحمه الله تعالى:
«وقد فُتن كثيرٌ من المتأخِّرين بهذا، فظنُّوا أنَّ من كثُر كلامُه وجداله وخصامه في مسائل الدين فهو أعلم مِمَّن ليس كذلك، وهذا جهلٌ محضٌ، وانظر إلى أكابر الصحابة وعلمائهم كأبي بكرٍ وعمر وعليٍّ ومعاذٍ وابن مسعودٍ وزيد بن ثابتٍ كيف كانوا ؟ كلامُهم أقلُّ من كلام ابن عبَّاسٍ وهُم أعلم منه.
وكذلك كلام التابعين أكثر من كلام الصحابة والصحابةُ أعلم منهم، وكذلك تابعو التابعين، كلامُهم أكثر من كلام التابعين والتابعون أعلم منهم. فليس العلم بكثرة الرواية ولا بكثرة المقال، ولكنَّه نورٌ يُقذف في القلب، يفهم به العبد الحقَّ، ويميِّز به بينه وبين الباطل، ويعبِّر عن ذلك بعباراتٍ وجيزةٍ محصِّلةٍ للمقاصد. اهـ فضل علم السلف على علم الخلف [57ـ58].
قال جامعه عفا الله عنه:
هذا في زمن فيه أمثال شيخ الاسلام ابن تيمية وتلاميذه الحفاظ أمثال ابن القيم والذهبي والمزي، وتلاميذ تلاميذه الحفاظ أمثال ابن كثير وابن رجب وغيرهم رحم الله الجميع، فكيف لو رأى الذهبي رحمه الله ما نحن فيه، لطار لبه.
ولا يزول هذا الداء العضال إلا بمعرفة قدر العلماء الربانيين ولزوم غرزهم، والرجوع لأصول أهل السنة والسير على خطى السلف الكرام في هذا الباب وغيره ففي ذلك الخير الكثير، قال مالك بن أنس رحمه الله تعالى: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
واعلم يا باغي الحق وفقنا الله وإياك، أن مما تقرر عند أئمة العلم والسنة في هذا الباب العظيم، ما تقدمت الإشارة إليه في كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى، وهو: أن العلم ليس بكثرة الرواية والتشدق بمسائل العلم، وإنما العلم لزوم خشية الله ودوام مراقبته، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر 28].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:
( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به; لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى - كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل ، كانت الخشية له أعظم وأكثر .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير .
وقال ابن لهيعة ، عن ابن أبي عمرة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : العالم بالرحمن من لم يشرك به شيئا ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ، وحفظ وصيته ، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله .
وقال سعيد بن جبير : الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل .
وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب ، ورغب فيما رغب الله فيه ، وزهد فيما سخط الله فيه ، ثم تلا الحسن : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ) .
وعن ابن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال : ليس العلم عن كثرة الحديث ، ولكن العلم عن كثرة الخشية .
وقال أحمد بن صالح المصري ، عن ابن وهب ، عن مالك قال : إن العلم ليس بكثرة الرواية ، وإنما العلم نور يجعله الله في القلب .
قال أحمد بن صالح المصري : معناه : أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية ، وأما العلم الذي فرض الله ، عز وجل ، أن يتبع فإنما هو الكتاب والسنة ، وما جاء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، ومن بعدهم من أئمة المسلمين ، فهذا لا يدرك إلا بالرواية ويكون تأويل قوله : " نور " يريد به فهم العلم ، ومعرفة معانيه .
وقال سفيان الثوري ، عن أبي حيان [ التميمي ] ، عن رجل قال : كان يقال : العلماء ثلاثة : عالم بالله عالم بأمر الله ، وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله ، وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله . فالعالم بالله وبأمر الله : الذي يخشى الله ويعلم الحدود والفرائض . والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله : الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض . والعالم بأمر الله ليس بعالم بالله : الذي يعلم الحدود والفرائض ، ولا يخشى الله عز وجل . اهـ من تفسير القرآن العظيم تفسير سورة فاطر
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: ثُمَّ العِلْمُ لَيْسَ هُوَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَلَكِنَّهُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي القَلْبِ، وَشَرْطُهُ الاِتِّبَاعُ وَالفِرَارُ مِنَ الهَوَى والاِبْتِدَاعِ، وَفَّقَناَ اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ. اهـ سير أعلام النّبلاء للذّهبيّ: [13/ 313].
هذه تذكرة وإلى المقصود بعون الله:
لا يخفى على علم كثير من المسلمين فضلا عن أهل السنة منهم ما عليه العلماء اليوم من اختلاف في مسألة التباعد أثناء صلاة الجماعة في المساجد أيام ـ وباء كورونا ـ الذي نسأل الله تعالى أن يرفعه عنا بمنه وكرمه. آمين.
قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء83].
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره على الآية من سورة النساء:
هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى (الرسول وإلى أولي الأمر منهم)، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة.
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيقدم عليه الإنسان؟ أم فيحجم عنه؟
ثم قال تعالى: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته) أي: في توفيقكم وتأديبكم، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون، (لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) لأن الإنسان بطبعه ظالم جاهل، فلا تأمره نفسه إلا بالشر. فإذا لجأ إلى ربه واعتصم به واجتهد في ذلك، لطف به ربه ووفقه لكل خير، وعصمه من الشيطان الرجيم. اهـ من تيسير الكريم الرحمن.
قال مقيده عفا الله عنه:
وإذا لم يتأدب طالب العلم بهذا الأدب الرباني، ولا يكون هو من يمتثل أمر الله تعالى، فمن يمتثل أمر الله سبحانه بعده؟ والله المستعان.
هذا وإذ نحن في أيام الوباء والناس يتطلعون لكلام علماء أهل السنة وأكابرهم طلع علينا ـ محب الحق ـ بما ساء علماء أهل السنة وطلابهم وتكلم بعضهم بكلام شديد.
ومع ذلك وبعد أيام فقط طلع علينا -محب العلم- بسلسلة الفوائد القيمة والتأصيلات المؤسسة في مسألة التباعد بين المصلين، كما وسمها صاحبها هداه الله ووفقه.
وما بلغني منها إلا الفائدة الثانية والرابعة في وقتها، وما أردت النظر فيها لجهلي بحال وعين كاتبها، إلا شيئا يسيرا من الفائدة الثانية كما ستأتي الإشارة إليه في موضعه، جريا على أصول أهل السنة وقواعدهم.
وبعدها بأيام وصلني كغيري من الناس ما كتبه في منشوره المعنون بـ: أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة، فاستعنت الله تعالى وشاورت علماءنا في بيان الخطأ الوارد في منشوره، وكتبت عليه: تنبيه العامة ببيان الخطأ الوارد في منشور أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة، وعلى إثره كثرت علينا الردود والانتقادات من بعض إخواننا من طلبة العلم، وملخص ما كان منهم:
1- أن -محب العلم- معروف عند بعضهم.
2- أنه يكتب بإذن الشيخ الفلاني.
3- إخلال الكثير منهم بتعلم أصول أهل السنة، وهذا الذي يدفع الناس لمثل هذه الأمور. والله المستعان.
فالشاهد أنه بعد كلامهم رجعت للفائدة الثانية من سلسلته المتقدم ذكرها، وأنا على سفر وقلت لبعض إخواني ممن سافر معي: إقرأ علينا هذه الفائدة من كلام -محب العلم- فقرأ فتعجبت من فهمه واستغربت أن يكون هذا بإقرار عالم من العلماء، ففي كلامه ما لا يقره عليه طلاب العلم فضلا عمن بلغ الإمامة في دين الله تعالى، والله المستعان.
فاستعنت الله تعالى في كتابة هذه السطور نصيحة له ولغيره من المسلمين راجيا من الله تعالى التوفيق والسداد وأن ينفع بها عباده المؤمنين. آمين
قال المؤسس -محب العلم- وفقه الله:
والحاصل هذا ما أردت التنبيه عليه لفائدة إخواني طلبة العلم، شاكرا الله عز وجل على ما أنعم به علينا من بركة تقريرات مشايخنا أهل العلم والفضل لأصول السلف -رحمهم الله تعالى- التي أحيت فينا روح التمسك بالدليل والتجرد للحجة والتسليم لها، ونبذ التقليد وترك التعصب، وسلوك جادة علماء الأمة في باب تأصيل المسائل الفقهية تقعيدا وتفريعا، فجزاهم الله عنا خير الجزاء. اهـ
قال مقيده عفا الله عنه:
والحاصل من الحاصل أن -محب العلم- ليس مقلدا وهذا من أجل نعم الله تعالى على عبده بأن يوفقه للإسلام ويوفقه فيه لما يتطلع إليه كل من سمت همته وهو العلم بما جاء في هذه الشريعة الغراء، والمكلفون أمام الشرع ثلاث:
مجتهد: وهو خير الثلاثة وأفضلهم، ومتبع: وهو دون المجتهد في الفضل والخيرية وهو على خير كثير، ومقلد: وهذا لا يحل إلا لمضطر.
والظاهر من كلام المؤسس -محب العلم وفقه الله- أنه في هذه المسألة من المجتهدين، فإذا قال قائل: هذا تحامل وظلم.
قيل: يدل على ذلك أمور، منها:
1ـ أن العلماء اعتبروا هذه نازلة، والمعلوم عند كل من له أدنى دراية بما يتعلق بالنوازل أن النازلة لا يتكلم فيها إلا العلماء المجتهدون، قال الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله مبينا من يحق له الاجتهاد:
لا يجتهد إلا الكفؤ الذي تزود من علوم الكتاب والسنة واللغة وغيرها، هذا يجتهد وينظر فيما ينفع المسلمين حينما تنزل بهم النوازل، وأما طلاب العلم فيفهم ما يستطيعه من فهم النصوص ولكن في الحوادث والنوازل يعني لا يتكلم فيها إلا أفذاذ أهل العلم، حتى كثير من العلماء قد لا يرتفع إلى هذا المستوى، ولهذا قال الله عز وجل ((وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم))، أولوا الأمر هم العلماء والحكام، وليس كل واحد منهم يستطيع أن يواجه الأحداث بالاستنباط والتغلغل في معرفة الأحكام، إلا الأفراد، فالآن إذا جاءت الأحداث خاض الناس، يخوض الرجال والنساء والأطفال وصغار طلاب العلم!
هذه الأمور تسند إلى أولي أمر المسلمين وإلى من هو أرقى وأعرف بمواجهة الأحداث، هذه الأمور -يا إخوة- الآن ما الذي يجعل كثيرا من الطيبين يختلفون؟ هو الخوض في أمور لا يحسنونها، فهذه الأمور والأحداث والنوازل ترجع إلى نوعية خاصة من العلماء بارك الله فيكم، لا لكل أحد. اهـ من شريط بعنوان: إزالة الإلباس عما اشتبه في أذهان الناس. مفرغ على الشبكة
2- أن الكاتب وفقه الله تعالى يسلك جادة علماء الأمة -في باب تأصيل المسائل الفقهية تقعيدا وتفريعا- كما أخبر عن نفسه. فتأمل
3- أن كلامه فيما يتناوله في المسألة المبحوثة -تأصيل مؤسس وفوائد قيمة- وهذا غالبا لا يستطيعه إلا من وفقه الله تعالى، من صفوة علماء هذه الأمة الكريمة.
4- وهو ما يزيد الأمر وضوحا معرفة هذه المنازل الثلاث (الاجتهاد -الاتباع- التقليد) وعرض -محب العلم- عليها ورؤية منزلته فيها مما تقدم بيانه، قال الإمام المصلح عبد الحميد ابن باديس رحمه الله تعالى:
الاِجْتِهَادُ:
الاِجْتِهَادُ هُوَ: «بَذْلُ الجُهْدِ فِي اسْتِنْبَاطِ الحُكْمِ مِنَ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ بِالقَوَاعِدِ المُتَقَدِّمَةِ».
وَأَهْلُهُ هُوَ: المُتَبَحِّرُ فِي عُلُومِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ذُو الإِدْرَاكِ الوَاسِعِ لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَالفَهْمِ الصَّحِيحِ لِلْكَلَامِ العَرَبِيِّ .
التَّقْلِيدُ:
التَّقْلِيدُ هُوَ: «أَخْذُ قَوْلِ المُجْتَهِدِ دُونَ مَعْرِفَةٍ لِدَلِيلِهِ».
وَأَهْلُهُ هُوَ: مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى فَهْمِ الدَّلِيلِ، وَهُمُ العَامَّةُ غَيْرُ المُتَعَاطِينَ لِعُلُومِ الشَّرِيعَةِ وَاللِّسَانِ.
الاِتِّبَاعُ:
هُوَ: «أَخْذُ قَوْلِ المُجْتَهِدِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ، وَمَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ لِلْحُكْمِ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ حَسَبَ القَوَاعِدِ المُتَقَدِّمَةِ».
وَأَهْلُهُ هُمُ: المُتَعَاطُونَ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَاللِّسَانِيَّةِ، الَّذِينَ حَصَلَتْ لَهُمْ مَلَكَةٌ صَحِيحَةٌ فِيهِمَا؛ فَيُمْكِنُهُمْ -عِنْدَ اخْتِلَافِ المُجْتَهِدِينَ- مَعْرِفَةُ مَرَاتِبِ الأَقْوَالِ فِي القُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَاخْتِيَارُ مَا يَتَرَجَّحُ مِنْهَا، وَاسْتِثْمَارُ مَا فِي الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ مِنْ أَنْوَاعِ المَعَارِفِ المُفِيدَةِ فِي إِنَارَةِ العُقُولِ وَتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ وَتَقْوِيمِ الأَعْمَالِ.
وَلِهَذَا كَانَ حَقًّا عَلَى المُعَلِّمِينَ وَالمُتَعَلِّمِينَ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَاللِّسَانِيَّةِ أَنْ يَجْرُوا فِي تَعْلِيمِهِمْ وَتَعَلُّمِهِمْ عَلَى مَا يُوصِلُ إِلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ عَلَى الكَمَالِ. اهـ من الفتح المأمول شرح مبادئ الأصول.
قد يقول قائل: -محب العلم- في منزلة الاتباع كما تقدم.
قيل: المتبع لا يفتي ولا يتكلم مع وجود من هو أولى منه وهو المجتهد، وإن اطمأنت نفسه لقول مجتهد عزاه إلى قائله وبين مأخذه فيه، لا إلى نفسه وهذا من بركة العلم، إلا إن كان يرى نفسه في منزلته، وما تقدم ذكره من قرائن تدل على الاجتهاد والله أعلم.
قال المؤسس -محب العلم- وفقه الله:
فائدة عزيزة وتأسيس قيم في مسألة التباعد بين المأمومين في الصلاة، والاستدلال على جوازها بكلام لشيخ الاسلام رحمه الله تعالى حيث قال:
فإن جميع واجبات الصلاة من الطهارة بالماء، واستقبال الكعبة، وستر العورة، واجتناب
النجاسة، وقراءة القرآن، وتكميل الركوع والسجود، وغير ذلك، إذا عجز عنه المصلي سقط، وكانت صلاته بدون هذا الواجب خيرًا من تأخير الصلاة عن وقتها فضلاً عن تركها، فكذلك الجماعة متى لم تكن إلا بترك واجباتها سقط ذلك الواجب، وكانت الجماعة مع ترك ذلك الواجب خيرًا من تفويتها وصلاة الرجل وحده. اهـ
ومفاده: أن كل واجبات الصلاة في سقوطها بالعجز على السواء، وأداؤها في وقتها مع فوات ذلك الواجب للعجز أفضل من تأخيرها حتى يخرج وقتها مع تحصيله، ومثله صلاة الجماعة بالنسبة لصلاة الرجل وحده، فعمدوا إلى كلامه رحمه الله فأنزلوه على مسألة الباب، والتعليق عليه من وجوه:
الوجه الأول:
من المعلوم لدى العلماء أن الاجتهاد على ضربين:
فالأول: ربط الحكم بعلته من أدلته.
والثاني: تنزيله على محله المعين بتحقيق مناطه.
والكلام هنا على الثاني لا على الأول، لأنه لا يلزم من وجود الأول تحقق الثاني ومطابقته لمحله، لاختلاف أنظار المجتهدين عند التنزيل.
فإذا تقرر هذا، فإن كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله لا إشكال فيه، فإنه موافق للأصول ومطابق لقواعد الشريعة وكلياتها، ومراع لمقاصد الدين من تشريع الأحكام.......إلى آخره
يقال والله الموفق وعليه التكلان:
إن الواجب على من تصدى لمثل هذه الأشياء الدقيقة بالنقد والتعليق والبيان أن يبذل جهده في تحقيق مناط ما هو بصدد بيانه، وذللك ببحثه بحثا دقيقا لا يبقى معه ما يفسد عليه حكمه، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره كما هو معلوم.
ومحب العلم أخل بهذا الأصل في هذه الكتابة فحاد عن الصواب وأبعد النجعة، وبنى كلامه على ما فهمه، وهو في حقيقة الأمر لم يفهم، ففسد البناء لفساد الأصل -وما بني على فاسد فهو فاسد- ولو أنه رجع إلى فتوى شيخ الإسلام رحمه الله التي اقتبس منها الكلام لزال عنه الإشكال، هذا إن لم يرجع، فإن كان رجع إليه ولم يفهم فهو كمن قيل فيه:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
فإن لم تقرأ كلام شيخ الإسلام رحمه الله كله في فتواه فتلك مصيبة، وإن قرأته وكتبت ما كتبت لعدم فهمه فالمصيبة أعظم.وقبل التعليق على كلامه لا بد من بيان أمر مهم وهو:
حكم صلاة الجماعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قال رحمه الله:
والمقصود هنا : أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلوات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات وأجل القربات ومن فضل تركها عليها إيثارا للخلوة والانفراد على الصلوات الخمس في الجماعات أو جعل الدعاء والصلاة في المشاهد أفضل من ذلك في المساجد فقد انخلع من ربقة الدين واتبع غير سبيل المؤمنين . {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } .
ولكن تنازع العلماء بعد ذلك في كونها واجبة على الأعيان أو على الكفاية أو سنة مؤكدة على ثلاثة أقوال : فقيل : هي سنة مؤكدة فقط وهذا هو المعروف عن أصحاب أبي حنيفة وأكثر أصحاب مالك وكثير من أصحاب الشافعي ويذكر رواية عن أحمد .
وقيل : هي واجبة على الكفاية وهذا هو المرجح في مذهب الشافعي وقول بعض أصحاب مالك وقول في مذهب أحمد .
وقيل هي واجبة على الأعيان ; وهذا هو المنصوص عن أحمد وغيره من أئمة السلف وفقهاء الحديث وغيرهم . وهؤلاء تنازعوا فيما إذا صلى منفردا لغير عذر هل تصح صلاته ؟ على قولين ؟ ( أحدهما لا تصح وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد ذكره القاضي أبو يعلى في شرح المذهب عنهم وبعض متأخريهم كابن عقيل وهو قول طائفة من السلف واختاره ابن حزم وغيره .
والثاني تصح مع إثمه بالترك وهذا هو المأثور عن أحمد وقول أكثر أصحابه . اهـ مجموع الفتاوى.
قال مقيده عفا الله عنه:
فشيخ الإسلام رحمه الله ذكر في المسألة أربعة أقوال:
أولا: أن صلاة الجماعة مستحبة.
ثانيا: أنها فرض كفاية.
ثالثا: أنها واجبة تصح من المتخلف عنها لغير عذر مع الإثم.
رابعا: أنها واجبة لا تصح من المتخلف عنها لغير عذر مع الإثم -أي شرط صحة-.
ومذهبه هو رحمه الله أنها شرط صحة لظاهر حديث ابن عباس: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر. رواه ابن ماجه وغيره وصححه الشيخ الألباني.
قال الشيخ الإمام الألباني رحمه الله:
هذا قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول له بأن الذي لا عذر له ولا يصلي فصلاته باطلة ، لظاهر هذا الحديث.
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين:
فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى أن صلاته باطلةٌ؛ لأنه يرى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة . اهـ من موقع الشيخ على الشبكة.
فإذا علم هذا تبين للقارئ اللبيب أن شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه الذي نقله -محب العلم- يتكلم عن صلاة الجماعة التي هي عنده شرط صحة لا تقبل صلاة المتخلف عنها إلا لعذر، فترك الجماعة مع القدرة عند شيخ الإسلام رحمه الله كترك الواجب في صلاة الفريضة مع القدرة عليه.
وهذا نص فتواه رحمه الله التي اشتملت على ما نقله محب العلم:
وأما السؤال عن الإمام إذا استقبل القبلة في الصلاة هل يجوز لأحد أن يتقدم عليه؟ وهل تبطل صلاة الذين يتقدمون إمامهم؟
والجواب: إن السنة للمؤتمين أن يقفوا خلف الإمام مع الإمكان، كما كان المسلمون يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صلى الإمام بواحد أقامه عن يمينه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن عباس لما قام يصلي معه بالليل، فوقف عن يساره، فأداره عن يمينه، وحديثه في «الصحيحين». وكذلك في الصحيح -مسلم- من حديث جابر: أنه أوقفه عن يمينه، فلما جاء جبار بن صخر أوقفهما جميعا خلفه، فلهذا كانت السنة إذا كان المأمومون اثنين فصاعدا يقفوا خلفه. وإن وقف بين الاثنين جاز؛ كما وقف ابن مسعود بين علقمة والأسود وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذلك. وقد قيل: إنما ذاك لأن أحدهما كان صبيا. وأما الوقوف قدام الإمام [ففي صلاة المأموم ثلاثة أقوال: أحدها: أنها تصح مطلقا، وإن قيل إنها تكره] فهذا هو المشهور في مذهب مالك، والقول القديم للشافعي. والثاني: لا تصح الصلاة مطلقا، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي في الجديد، وهو المشهور من مذهب أحمد عند كثير من أصحابنا، على ما نقل عنه من إطلاق القول، ولكن نصوصه تدل على الفرق كما سنذكره. والثالث: أنه إن تقدم لحاجة صحت الصلاة وإلا فلا، وهذا مذهب كثير من أهل العلم، وهو قول في مذهب أحمد. وأهل هذا القول يقولون: إذا لم يمكن الصلاة خلفه لزحمة أو غيرها -كما قد يحصل في الجمع في بعض الأوقات، وكما قد يحصل في الجامع أحيانا- فالصلاة أمامه جائزة، وقد نص أحمد على ما مضت به السنة في حديث أم ورقة الأنصارية: أن المرأة تؤم الرجال عند الحاجة، كقيام رمضان إذا كانت تقرأ وهم لا يقرؤون، وتقف خلفهم لأن المرأة لا تقف في صف الرجال ولا تكون أمامهم، فنص على أن المأمومين في هذا الموضع يكونون قدام الإمام كما جاء في الحديث، وذلك لئلا تكون المرأة في صف الرجال أو تكون أمامهم، فهنا كان تقدم المأموم على الإمام أولى في الشرع من تقدم النساء على الرجال أو مصافة المرأة للرجال. مع أنه سئل عن المرأة إذا وقفت في صف الرجال هل تبطل صلاة الرجال الذين يحاذونها؟ فتوقف في ذلك. ومسائل التوقف تخرج على وجهين.
وتنازع أصحابه في ذلك فقالت طائفة ببطلان الصلاة كمذهب أبي حنيفة، وهو قول أبي بكر وأبي حفص، وقالت طائفة: لا تبطل، كمذهب الشافعي، وهو قول أبي حامد والقاضي وأتباعه. وهذا التفريق بين حال وحال. وجواز التقدم على الإمام للحاجة هو أظهر الأقوال، فإن جميع واجبات الصلاة تسقط عند العجز وتصلى بدونها، وكذلك ما يشترط للجماعة يسقط بالعجز ويصلى بدونه، كصلاة الخوف التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة، والتزم لأجل الجماعة أمورا لا تجوز لغير الحاجة، مثل تخلف الصف الثاني عن متابعته كما في صلاة عسفان. ومثل مفارقة الطائفة الأولى له قبل سلامه، وانتظار الطائفة الثانية القعود، كما في صلاة ذات الرقاع. ومثل استدبار القبلة والعمل الكثير، كما في حديث ابن عمر إلى أمثال ذلك.
ومن ذلك المسبوق يقعد لأجل متابعة الإمام مما لو فعله منفردا بطلت صلاته، مثل كونه إذا رآه ساجدا أو منتصبا دخل معه، ومثل كونه يتشهد في أول صلاته دخل معه، فدل على أنه يجوز لأجل الجماعة ما لا يجوز بدون ذلك، ومع هذا فوقوف المأموم عن يسار الإمام للحاجة، ووقوفه وحده خلف الصف للحاجة أحق بالجواز من تقدمه على الإمام للحاجة. وبهذا تأتلف النصوص جميعها، وعلى ذلك تدل أصول الشريعة، فإن جميع واجبات الصلاة من الطهارة بالماء، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة، وقراءة القرآن، وتكميل الركوع والسجود، وغير ذلك إذا عجز عنه المصلي سقط، وكانت صلاته بدون هذا الواجب خيرا من تأخير الصلاة عن وقتها فضلا عن تركها، فكذلك الجماعة متى لم تكن إلا بترك واجباتها سقط ذلك الواجب، وكانت الجماعة مع ترك ذلك الواجب خيرا من تفويتها وصلاة الرجل وحده. ولهذا كان مذهب أحمد وغيره أنهم مع قولهم بالمنع من [الصلاة] خلف الفاسق والمبتدع، يأمرون بأن يصلى خلفه ما يتعذر صلاته خلف غيره كالجمعة والعيدين وطواف الحج، ونحو ذلك من الجمع والجماعات، التي أن تصلى خلف ذلك الفاسق والمبتدع خير من أن يصلي الرجل وحده. وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمر الأمير ثم يتبين له فيما بعد أنه كان مذنبا فيعزله، ولا يأمر المسلمين أن يعيدوا ما صلوه خلفه، كما أمر أميرا فلم ينفذ أمره فقال: «ما منعكم أن تنفذوا أمري أو أن تولوا من ينفذ أمري». وإصراره على ترك تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقدح في دينه، ولم يأمرهم بإعادة ما صلوه خلفه، وقد أمر الذي أمر أصحابه بدخول النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو دخلوها لما خرجوا منها» ولم يأمرهم بإعادة ما صلوا. والوليد بن عقبة بن أبي معيط ولاه فأنزل الله: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} [الحجرات: 6] لما أخبره بمنع الذين أرسله إليهم بمنع الصدقة. هذا إن كان معه جماعة يصلي بهم. وقد أخبر عن الأمراء الذين يكونون بعده أنهم يستأثرون ويظلمون الناس، وأنهم يمنعون الناس حقوقهم ويطلبون حقهم، ومع هذا فنهى عن قتالهم وأمر بالصلاة خلفهم من غير إعادة، حتى إن من كان منهم يؤخر الصلاة عن وقتها أمر المسلمين أن يصلوا الصلاة لوقتها، ويصلوا خلفهم ويجعلوها نافلة. فلم يأمر بالثانية لنقض الأولى لكن لتحصيل الجماعة والنهي عن الفرقة. وقد صلى أصحابه -كابن عمر وغيره- خلف الحجاج بن يوسف، وخلف الخوارج، وخلف المختار بن أبي عبيد، وأمثال هؤلاء من أهل البدع والفجور، ولم يعد أحد من الصحابة خلفهم، مع أنه قد ثبت في «صحيح مسلم» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في ثقيف كذاب ومبير». فالكذاب هو المختار، والمبير هو الحجاج، وقد صلى الصحابة خلف هذا وهذا، ولم يأمر أحد من الصحابة بالإعادة. وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين الاصطفاف في الصلاة وأمر بإقامة الصف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن خلف الصف»، ورأى رجلا يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، ومع هذا فصلى بأنس مرة والصبي اليتيم والمرأة خلفهما، فجعل المرأة وحدها صفا لأجل الحاجة، إذ كانت السنة في حقها أن لا تقف مع الرجال، والإمام يقف وحده لأجل الإمامة؛ فمن سوى بين الإمام والمرأة، وبين الرجل المؤتم في الانفراد فقد خالف السنة، ومن جعل وقوف الفذ لا يجوز بحال فقد خالف السنة، فعلم أن الاصطفاف مأمور به، ونهيه عن وقوف الرجل وحده مأمور به مع القدرة، وأما مع الحاجة فوقوف الإنسان وحده خير له من أن يدع الجماعة، ونظائر هذا كثيرة، والله أعلم. اهـ من المسائل والأجوبة
قال مقيده عفا الله عنه:
فسياق كلام شيخ الإسلام وسباقه ولحاقه يدل على أنه يتكلم عن صلاة الجماعة، وعلى هذا فقول -محب العم-:
فإن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في عامته متعلق بآحاد الناس، لأن العجز نسبي، ومنه ما هو موكول إلى دين المرء وتقواه، فمن ذرعه قيء ، أو أصيب باضطراب، أو دوخة، أو شيء من الآلام سقط عنه وجوب القيام، وصلى جالسا، ومن لم يستطع أن يستمر في صلاته خرج منها ولا شيء عليه، فهذه كلها منوطة بالقدرة، ولا تخيير بين مقدور ومقدور في ذلك، فتعميم كلامه رحمه الله على المأمومين من دون تحقيق مناط الحكم وهو العجز عليهم فردا فردا، لا يصح نسبته إليه.
يستقيم أن نجيب عليه بكلام -محب العلم نفسه- فنقول:
وإنما حصل الخلل من جهة التنزيل، في عدم تحقق مناط كلام شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، لأن الأحكام الشرعية متعلقة بالمناطات وجودا وعدما، فإذا وجدت العلة كان الحكم تابعا لها، وإذا انتفت انتفى. اهـ
وأما قوله وفقه الله:
ولا بد من تحقق العجز المسقط لواجب التسوية والتراص لأن -الأصل بقاء ما كان على ما كان- حتى يثبت الناقل ويكون أقوى من الأصل، خاصة ما تعلق بالعبادات، لاستنادها لقاعدة التوقيف وحسما لمادة الابتداع في الدين، فإن كمال الدين وتمامه معلوم من الضرورة.
وعليه، فإيراد كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى والاستدلال به في هذا الباب خارج عن محل النزاع، لأن المأمومين باستطاعتهم التسوية، وإنما تركوها بناء على التعليل بالضرورة غير المحققة التي أسسوا عليها حكم العجز وهو الإسقاط. اهـ
فيقال جوابا عليه:
الضرورة هاهنا لا يقدرها -محب العلم- اللهم إلا إن كان من الأطباء أهل الاختصاص فهم أهل الذكر في هذا الباب وقد أمرنا الله بالرجوع لأهل الذكر فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل43].
وانظر إلى ما جاء في بيان هيئة كبار العلماء وعلى ما بنيت فتواهم:
فقد اطلعت هيئة كبار العلماء في دورتها الاستثنائية الخامسة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض يوم الثلاثاء بتاريخ 22 / 7 / 1441هـ على ما يتعلق بجائحة كورونا وسرعة انتشارها وكثرة الوفيات بها واطلعت على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة المشمولة بإيضاح معالي وزير الصحة لدى حضوره في هذه الجلسة التي أكدت على خطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدد أرواحهم وما بينه معاليه من أنه ما لم تكن هناك تدابير احترازية شاملة دون استثناء فإن الخطورة ستكون متضاعفة مبيناً أن التجمعات تعتبر السبب الرئيس في انتقال العدوى.
وقد استعرضت هيئة كبار العلماء النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس من ذلك قول الله عز وجل : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة ) البقرة : 195 ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء : 29.
وهاتان الآيتان تدلان على وجوب تجنب الأسباب المفضية إلى هلاك النفس، وقد دلت الأحاديث النبوية على وجوب الاحتراز في حال انتشار الوباء كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُورِد ممرض على مصح ) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فر من المجذوم كما تفر من الأسد ) أخرجه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ) متفق عليه.
وقد تقرر في قواعد الشريعة الغراء أنه : " لا ضرر ولا ضرار ". ومن القواعد المتفرعة عنها : " أن الضرر يدفع قدر الإمكان " .
وبناء على ما تقدم فإنه يسوغ شرعاً إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان، ويستثنى من ذلك الحرمان الشريفان، وتكون أبواب المساجد مغلقة مؤقتاً، وعندئذ فإن شعيرة الأذان ترفع في المساجد، ويقال في الأذان: صلوا في بيوتكم؛ لحديث بن عباس أنه قال لمؤذنه ذلك ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث أخرجه البخاري ومسلم. اهـ ففتوى الهيئة كما ترى مبنية على معطيات أهل الذكر في هذا الباب وهم الأطباء الموثوقون.
وسئل أيضا شيخ الاسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله:
يسأل ويقول: ما حكم الإجهاض في الإسلام، وهل يجوز في مدة معينة؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب:
هذا فيه تفصيل فأمره عظيم، الإجهاض أمره عظيم وفيه تفصيل:
إذا كان في الأربعين الأولى فالأمر فيه أوسع إذا دعت الحاجة إلى إجهاض؛ لأن عندها أطفال صغار تربيهم ويشق عليها الحمل؛ أو لأنها مريضة يشق عليها الحمل فلا بأس بإسقاطه في الأربعين الأولى.
أما في الأربعين الثانية بعد العلقة أو المضغة ... هذا أشد، ليس لها إسقاطه إلا عند عذرٍ شديد مرضٍ شديد يقرر الطبيب المختص أنه يضرها بقاؤه فلا مانع من إسقاطه بهذه الحالة عند خوف الضرر الكبير.
وأما بعد نفخ الروح فيه بعد الشهر الرابع فلا يجوز إسقاطه أبداً، بل يجب عليها أن تصبر وتتحمل حتى تلد إن شاء الله، إلا إذا قرر طبيبان أو أكثر مختصان ثقتان أن بقاءه يقتلها سبب لموتها فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه حذراً من موتها؛ لأن حياتها ألزم، عند الضرورة القصوى بتقرير طبيبين فأكثر ثقات أن بقاءه يضرها وأن عليها خطراً بالموت إذا بقي فلا بأس، إذا وجد ذلك بالشروط المذكورة فلا حرج في ذلك إن شاء الله.
وهكذا لو كان مشوهاً تشويهاً يضرها لو بقي يكون فيه خطر عليها قرر طبيبان فأكثر أن هذا الولد لو بقي عليه خطر الموت لأسباب في الطفل، فهذا كله يجوز عن الضرورة إذا كان عليها خطر، خطر الموت بتقرير طبيبين أو أكثر مختصين ثقتين. اهـ من موقع الشيخ رحمه الله.
فتأمل قوله: إلا إذا قرر طبيبان أو أكثر مختصان ثقتان أن بقاءه يقتلها سبب لموتها فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه حذراً من موتها.
ففي كلامه اعتبار لحكم أهل الشأن والاختصاص في هذا الباب وهم الأطباء الموثوقون، وهو متعلق بآدمي نفخت فيه الروح، والأمر من الخطر بمكان، ومع ذلك يعتبر قولهم ويفتى بما علمت، فتقرير حصول الضرر وعدمه للأطباء والحكم عليه من جهة الشرع قبولا وردا للعلماء، وهذا هو الفقه في دين الله.
وأما قوله وفقه الله:
إن تنزيل كلام ابن تيمية رحمه الله في الموازنة بين أفضلية صلاة الجماعة مع التباعد على صلاة الرجل وحده لا يصح. اهـ
فيقال قال شيخ الإسلام رحمه الله في فتواه المنقول منها الكلام:
وقد سن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين الاصطفاف في الصلاة وأمر بإقامة الصف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن خلف الصف»، ورأى رجلا يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، ومع هذا فصلى بأنس مرة والصبي اليتيم والمرأة خلفهما، فجعل المرأة وحدها صفا لأجل الحاجة، إذ كانت السنة في حقها أن لا تقف مع الرجال، والإمام يقف وحده لأجل الإمامة؛ فمن سوى بين الإمام والمرأة، وبين الرجل المؤتم في الانفراد فقد خالف السنة، ومن جعل وقوف الفذ لا يجوز بحال فقد خالف السنة، فعلم أن الاصطفاف مأمور به، ونهيه عن وقوف الرجل وحده مأمور به مع القدرة، وأما مع الحاجة فوقوف الإنسان وحده خير له من أن يدع الجماعة. اهـ
قال مقيده عفا الله عنه:
فكلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في غاية الوضوح، فقوله: فعلم أن الاصطفاف مأمور به، ونهيه عن وقوف الرجل وحده مأمور به مع القدرة، وأما مع الحاجة فوقوف الإنسان وحده خير له من أن يدع الجماعة. اهـ
فكيف يقال لا يصح وتتكلف له الاعتبارات لبيان فساده؟ والله المستعان.
هذا مايسر الله بيانه نصيحة لمحب العلم وللمسلمين ليعرف الناس أصول أهل السنة فيلتزموها ويعرفوا منزلة المتكلم ونصيبه من التحقيق، ويسند الأمر إلى أهله ويعرف كل واحد من المسلمين قدره ومنزلته ويصدق الله تعالى في السير إليه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعلنا وكل إخواننا من أهل السنة من الراشدين والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب:
أبو عبد الرحمن عمر مكي التيهرتي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
يوم الإثنين 23 شعبان 1442 هـ الموافق لـ 05 أبريل 2021 م
منطقة العرشية مقاطعة الرشايقة تيهرت الجزائر حرسها الله وسائر بلاد المسلمين.
تعليق