إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القول الأظهر في طِلبة مُسلمة الفتح التبرك بذات أنواط: هل هو شرك أكبر أم أصغر؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مذاكرة] القول الأظهر في طِلبة مُسلمة الفتح التبرك بذات أنواط: هل هو شرك أكبر أم أصغر؟


    بسم الله الرحمن الرحيم


    القول الأظهر
    في طِلبة مُسلمة الفتح التّبركَ بذات أنواط

    هل هو شرك أكبر أم أصغر؟


    الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الجود والكرم والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بصفات الجلال والجمال، وأن محمدا عبده ورسوله المبعوث لإتمام مكارم الخِلال، وآله وصحبه ومن تبعهم من السّادة الأبطال، أما بعد:

    فإن أولى ما تصرف فيه الأوقات، وتنفق فيه الساعات، توحيد رب البريات، ومدراسة ما يشكل فيه من المعضلات، والبحث عن جواب ما يطرح بخصوصه من السؤالات.

    ومن ذلكم ما أخرجه الترمذي في جامعه في كتاب ©الفتن®، ©باب: ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم® تحت رقم ©2180® عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ©سُبْحَانَ اللَّهِ، هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ©اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ®، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ® اهـ.

    هذا الحديث العظيم استدل به شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتابه النّافع والمفيد ©كتاب التوحيد®، ©باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما® واستنبط -رحمه الله- من أدلة الباب اثنين وعشرين مسألة، ومعلوم أن فقه الإمام برز في أعمق صوره في مسائل الكتاب كما هو مقرر مزبور([1]).

    ومن تلكم المسائل المهمة قول المصنف -رحمه الله- في المسألة الثانية: ©معرفة صورة الأمر الذي طلبوا®.
    فيا ترى:

    -ما هي حقيقة مطلب الصّحابة في هذا الحديث؟
    -وما هو حكمه؟
    -وما هي الآثار المترتّبة عليه في حقّ الصّحابة؟
    -وما هي الفوائد المستنبطة منه؟
    -وهل تشبيه النّبي صلى الله عليه وسلم طلب الصّحابة تشبيه كلّي من كلّ وجه، أم تشبيه جزئي في بعض الوجوه دون البعض الآخر؟
    كل هذا وذاك سأحاول الإجابة عليه -بتوفيق الله وعونه- مسترشدا بأقوال العلماء، خاتما ذلك بفوائد ثمينة، ودروس متينة؛ فأرعني سمعك وبصرك وقلبك تكن من المفلحين.

    بحثت عن جواب لهذا السّؤال عند السّلف فلم أظفر من ذلك بشيء، ورجعت من فقه حديث غزوة حنين بخفي حنين، فلما تأمّلت أقوال المتأخّرين وجدتهم تعرضوا لهذه القضيّة بالشّرح والبيان، بدءا بشراح التّرمذي كالمباركفوي في تحفته، وابن العربي في عارضته، وانتهاء بشراح كتاب التوحيد في شروحاتهم وتوضيحاتهم.
    وقبل الشّروع في سرد أقوالهم، وانتخاب أفهامهم، يحسن بنا أن نعرف باختصار حالات اعتقادات الناس في الأشجار من جهة التّبرك بها.
    فالحالة الأولى: طلب البركة من الشجرة؛ فهذا شرك أكبر.

    والثانية: طلب البركة من الله بسبب الشجرة؛ وهذا شرك أصغر لأن الشارع لم يجعلها سببا.
    والثالثة: طلب البركة من الله عند الشّجرة لاعتقاده مزيّة فضل في ذلك المكان؛ فهذا أمر بدعي لعدم ورود النّص بأفضلية المكان.

    وقد أشار شيخنا العلامة محمد علي فركوس إلى هذا التّقسيم في كلام سيأتي قريبا فارتقبه بعد حين.
    وعلى ضوء هذا التّقسيم اختلف أهل العلم في طِلبة مُسلمة الفتح هل هو شرك أكبر أم أصغر؟ وسأسوق أقوالهم مرتّبة ثمّ أظهر بعدها بعض الأوجه المرجّحة لأحد القولين على الآخر.

    القول الأول: أنه شرك أكبر.
    قال العلامة محمد حامد فقي في تعليقه على المسألة الثانية التي استبطها الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- من الحديث: ©يعني أنهم لم يطلبوا منه أن يجعل لهم إلها يعبدونه من دون الله، لأنهم كانوا أجل وأعقل من ذلك، وإنما طلبوا شجرة يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها فيتبركون بها ويعلقون عليها أسلحتهم دون أن يطوفوا حولها، أو يعكفوا عندها أو يتصدقوا لها، فبين لهم أن ما طلبوا من التبرك ولو لم يكن صلاة ولا صياما ولا صدقة: هو الشرك بعينه.
    وفيه إبطال لشبهة مشركي هذا الزمان وزعمهم أن ما يفعلونه إنما هو تبرك وتعظيم لا بأس®([2])اهـ.

    وقال بعد ذلك تعليقا على المسألة العاشرة التي قال فيها الإمام محمد بن عبد الوهاب: ©أن الشرك فيه أكبر وأصغر، لأنهم لم يرتدوا بهذا®: ©ليس ما طلبوه من الشرك الأصغر؛ ولو كان منه لما جعله النبي صلى الله عليه وسلم نظير قول بني إسرائيل (اجعل لنا إلها) وأقسم على ذلك، بل هو من الشرك الأكبر كما أن ما طلبه بنو إسرائيل من الأكبر، وإنما لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بالإسلام؛ ولأنهم لم يفعلوا ما طلبوه ولم يقدموا عليه بل سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل®([3])اهـ.

    قال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- في تيسير العزيز الحميد: ©وفيها أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم طِلبتهم كطِلبة بني إسرائيل ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط؛ فالمشرك وإن سمى شركه ما سماه كمن يسمي دعاء الأموات والذبح لهم والنذر ونحو ذلك تعظيما ومحبة فإن ذلك هو الشرك وإن سماه ما سماه، وقس على ذلك وفيها أن من عبد فهو إله لأن بني إسرائيل والذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يريدوا من الأصنام والشجرة الخلق والرزق، وإنما أرادوا البركة والعكوف عندها فكان ذلك اتخاذ إله مع الله تعالى®([4])اهـ.

    ©أما الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط يعلقون بها أسلحتهم فهؤلاء كانوا حديثي عهد بكفر، وقد طلبوا فقط، ولم يفعلوا فكان ما حصل منهم مخالفا للشرع وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يدل على أنهم لو فعلوا ما طلبوا كفروا®([5])اهـ.

    القول الثاني:أنه شرك أصغر، وأن ما طلبوه من باب الوسائل والذرائع للشرك الأكبر.

    قال المباركفوري -رحمه الله-: ©(سبحان الله) تنزيها وتعجبا، (هذا) أي: هذا القول منكم (كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها؛ كما لهم آلهة) لكن لا يخفى ما بينهما من التفاوت المستفاد من التشبيه؛ حيث يكون المشبه به أقوى([6])®([7])اهـ.

    وقال ابن العربي -رحمه الله-: ©(اجعل لنا) مثلها، فأنكر ذلك النبي عليه السلام لوجهين:
    أحدهما: أن الصواب أن يجعل كل أحد سلاحه مع نفسه لا يفارقه في حالة الجهاد.
    الثاني: الاقتداء بهم، وذلك داعية إلى اتباعهم فيما لا يحل فعله، ولذلك ضرب النبي عليه السلام المثل لهم بقول بني إسرائيل لموسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (الأعراف: 138) فالشر لجاجة والخير عادة، ثم أخبر بأنه لا بد أن نركب سنن من قبلنا شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه.
    المعنى: إن اقتصروا في الذي ابتدعوه فتقتصرون، وإن بسطوا فتبسطون، حتى لو بلغوا من الانقباض إلى الغاية لبلغتموها.
    قال ابن العربي رحمه الله: حتى كانت تقتل أنبياءها، فلما عصم الله رسوله عليه السلام قتلوا خلفاءهم تحقيقا لتصديق الرسول عليه السلام، وضرب المثل في الغاية بدخول جحر الضب الخرب، وتفكرت برهة في وجه ضرب المثل بالضب فتعرضت لي في الخاطر معان، فأشبهها الآن أن الضب عند العرب يُضرب به المثل للحاكم من الإنسي، والحاكم يأتي إليه الخلق بأجمعهم فيما يعرض من الأمور لهم، فلا يتأخر أحد عنه، فكان المعنى تغييرهم بذلك، والله أعلم®([8])اهـ.

    وقال الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي -رحمه الله-: ©قوله: (فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا الخ) يعني إن هذا مثل سؤال قوم موسى في كونه سؤالا عما لا يجدي شيئا، ولا يكون إلا سببا لما فوقه من اللهو واللعب حتى تصل النوبة إلى الكفر والشرك كما يشاهد في زماننا هذا®([9])اهـ.

    قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام: ©وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاط، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: ©هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا® الْحَدِيثَ، فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَاتِ أَنْوَاطٍ يُشْبِهُ اتِّخَاذَ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَا أَنَّهُ هو بعينه فلذلك لا يلزم في الاعتبار بالمنصوص عليه أن يكون مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وجه، والله أعلم®([10])اهـ.

    وقال الشيخ عبد الله الدويش -رحمه الله- في شرحه على مسائل كتاب التوحيد:
    ©الحادية عشرة: (أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا) أي لما شبه مقالتهم بمقالة بني إسرائيل وجعل ذلك إتخاذ إله مع الله صار هذا شركا أصغر ولو كان أكبر لأمرهم بتجديد إسلامهم والذي منعهم من الردة كونهم لم يفعلوا®([11])اهـ.

    ©وفي الحَدِيثِ: «مَرُّوا في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ عَلى دَوْحِ سِدْرَةٍ خَضْراءَ عَظِيمَةٍ، فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنا ذاتَ أنْواطٍ»، وكانَتْ ذاتُ أنْواطٍ سَرْحَةً لِبَعْضِ المُشْرِكِينَ يُعَلِّقُونَ بِها أسْلِحَتَهم، ولَها يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ إلَيْها، فَأرادَ قائِلُ ذَلِكَ أنْ يَشْرَعَ الرَّسُولُ ذَلِكَ في الإسْلامِ، ورَأى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلى عِبادَةِ تِلْكَ السَّرْحَةِ فَأنْكَرَهُ، وقالَ: «اللَّهُ أكْبَرُ قُلْتُمْ واللَّهِ كَما قالَ بَنُو إسْرائِيلَ»®([12]) اهـ.

    قال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-: ©أن الشرك فيه أكبر وأصغر لأنهم لم يرتدوا بهذا، فهم طلبوا مجرد طلب، فهذا منهم شرك في الأقوال لم يصل منهم إلى الشرك الأكبربالتبرك بشجرة أو بحجر أو تعليق الأسلحة أو التمسح بها®([13]) اهـ.

    ومسك ختام هذه النقولات البديعة نص رفيع المستوى، عظيم المقدار، لشيخنا العلامة مفتي الديار محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- في فتوى له بعنوان: «في الاحتجاج بواقعة ذات أنواط»:
    «فإنَّ التوجيه المطلوب لهذه الواقعة يظهر بوضوحٍ في أنَّ أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إنما طلبوا مجرَّدَ المشابهة للمشركين لا عَيْنَ الشِّرك، حيث إنَّ سؤالهم له اتِّخاذَ ذاتِ أنواطٍ يشبه سؤالَ بني إسرائيل لموسى عليه السلام اتِّخاذَ الآلهة مِن دون الله لا أنه هو بعينه؛ ذلك لأنَّ التشابه في وجهٍ أو فردٍ لا يَلزم منه التشابهُ بينهما من كلِّ وجهٍ وفردٍ، كتعلُّق قلبِ المدمن بالخمر في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مُدْمِنُ الخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ»، فوجهُ التشابه بينهما أنَّ المدمنَ لا يكاد يمكنه أن يَدَع الخمرَ، كما لا يَدَعُ عابِدُ الوثن عبادتَه، ولم يقُلْ أحدٌ: إنَّ مدمن الخمر مشركٌ بهذه المشابهة في بعض الأفراد.
    ويمكن الاستئناس بأثر عليٍّ رضي الله عنه لَمَّا مرَّ على قومٍ يلعبون بالشطرنج قال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ فشبَّههم بالعاكفين على التماثيل، لذلك فالتشبيه مِن هذا الوجه لا يَلزم منه بالضرورة المشابهةُ بينهما من كلِّ وجهٍ.
    قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «هذا وعيدٌ شديدٌ، وتهديدٌ ما عليه مزيدٌ؛ لأنَّ عابد الوثن أشدُّ الكافرين كفرًا، فالتشبيه لفاعل هذه المعصية بفاعل العبادة للوثن مِن أعظم المبالغة والزجر».
    ومثله قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ»، قال ابن أبي العزِّ ـ رحمه الله ـ: «وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيهًا لله، بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية، لا تشبيه المرئيِّ بالمرئيِّ».
    فلذلك لم يطلب القومُ الشركَ الأكبر يقينًا، وإنما طلبوا أن تكون لهم شجرةٌ ينوطون بها السلاحَ، ويستمدُّون مِن الله بها البركةَ والنصر، ولا يستمدُّون منها، لقيام الفرق بين طلب النصر والقُوَّة والبركة من الشجرة ـ وهو شركٌ أكبرُ لصرف عبادة الدعاء والسؤال لغير الله تعالى ـ وبين طلبِ ذلك مِن الله عندها أو بسببها، فهذا إنما يدخل في البدعة والشرك الأصغر، فشأنُه كمن يعبد اللهَ وحده لا شريك له عند القبور، فهذا مُوَحِّدٌ لم يشرك بالله غيرَه، إلَّا أنه مبتدعٌ؛ لأنه فضَّل مكانًا بغير مستنَدٍ شرعيٍّ، فانتقل من السُّنَّة إلى البدعة، وضمن هذا المعنى يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولمَّا كان للمشركين شجرةٌ يعلِّقون عليها أسلحتَهم ويُسمُّونها ذاتَ أنواطٍ، فقال بعض الناس: «يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواطٍ كما لهم ذات أنواطٍ»، فقال: «اللهُ أَكْبَرُ، قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ﴿ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰها كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةۚ﴾، إِنَّهَا السُّنَنُ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»، فأنكر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مجرَّدَ مشابهتهم للكفَّار في اتِّخاذ شجرةٍ يعكفون عليها، معلِّقين عليها سلاحَهم، فكيف بما هو أعظمُ مِن ذلك مِن مشابهتهم المشركين أو هو الشركُ بعينه؟
    فمن قصد بقعةً يرجو الخيرَ بقصدها ولم تستحِبَّ الشريعةُ ذلك؛ فهو من المنكرات، وبعضُه أشدُّ من بعضٍ، سواءٌ كانت البقعةُ شجرةً أو عينَ ماءٍ أو قناةً جاريةً أو جبلًا أو مغارةً، وسواءٌ قصدها ليُصلِّيَ عندها، أو ليدعوَ عندها، أو ليقرأ عندها، أو ليذكر الله سبحانه عندها، أو ليتنسَّك عندها، بحيث يخصُّ تلك البقعةَ بنوعٍ من العبادة التي لم يُشرع تخصيصُ تلك البقعةِ به لا عينًا ولا نوعًا».
    فالحاصل أنَّ أصحابَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يطلبوا الشركَ الأكبرَ، وإنما طلبوا مجرَّدَ المشابهة حيث قالوا: «اجعَلْ لنا ذاتَ أنواطٍ»، فإنه يشبه قولَ بني إسرائيل: «اجعَلْ لنا إلهًا»، فاتِّخاذُ ذات أنواطٍ يشبه اتِّخاذَ الآلهة مِن دون الله لا أنه هو نَفْسُه، فحذَّرهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وغلَّظ عليهم مع أنهم طلبوا ولم يفعلوا، والتغليظُ كما يَرِدُ في الشرك الأكبر يَرِدُ ـ أيضًا ـ في الشرك الأصغر، فمثلُه: قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في قولِ مَن قال له: «ما شاء الله وشئتَ»، فقال: «أَجَعَلْتَنِي للهِ عَدْلًا؟»، فكان في زجره صلَّى الله عليه وسلَّم لهم عن هذه المشابهة خشيةُ أن يؤول أمرُها إلى الشرك الأكبر، فقطع مادَّةَ المشابهة من أساسها وجذورها حملًا لهم على السُّنَّة والمعتقَد السليم؛ لأنَّ البدع بريد الشرك الأكبر.
    قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يكن مِن قصدهم أن يعبدوا تلك الشجرةَ أو يطلبوا منها ما يطلبه القبوريون مِن أهل القبور، فأخبرهم صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ ذلك بمنزلة الشرك الصريح، وأنه بمنزلة طلب آلهةٍ غير الله تعالى»([14])اهـ.

    وبعد حشد الأقوال، وعرض النصوص، أستسمح القارئ الكريم في التطفل على الرفوف، والتسلل بين الصفوف لأذكر ما خطر بالبال، وعلق في الذهن من معان تبدت قد ترجح القول بأن طِلبة مُسلمة الفتح شرك أصغر مندرج ضمن الوسائل والذرائع المفضية للشرك الأكبر؛ ذلك أن المتأمل في القصتين يدرك يقينا اختلاف حال الطائفتين من وجوه متعددة، واختلاف الأحوال يستأنس في مثل هذه الأحوال، مع ما ذكر سابقا من الأقوال، ودونك بعضها:

    أولا: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- نادوه بأشرف الأوصاف حيث قالوا له : «يا رسول الله»، وهو الوصف الذي ذكره الله في كتابه عن نبيه بقوله: «محمد رسول الله»، أما أصحاب موسى عليه السلام- فنادوه باسمه مجردا كأنهم ينادون شخصا من عوام الناس؛ الأمر الذي يدل على قلة أدبهم، وجلف طباعهم.

    ثانيا: ©أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: ©اجعل لنا ذات أنواط®، فهي ليست صريحة في الشرك من حيث اللفظ، وأما عبارة الإسرائيليين فهي قولهم: ©اجعل لنا إلها كما لهم آلهة® فهي صريحة في طلب الشرك®([15])اهـ.

    ثالثا: أن طلب أصحاب -النبي صلى الله عليه وسلم- لم يبادروا إليه من تلقاء أنفسهم، بل كان بعد مشاهدتهم المشركين وهم عاكفون على سدرتهم، ونظرا لما هم عليه من الجهل ببعض أصول الدين لحداثة عهدهم بالإسلام([16]) طلبوا ذلك ظنا منهم أن ذلك لا نكير فيه ولا تثريب عليه([17])؛ لأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يبقى فيه بقية منه، ولا يزول ذلك إلا بعد مدة طويلة؛ فكأنهم لما رأوا تبرك المشركين بسدرتهم تحرك ما بقي في قلوبهم من الباطل فطلبوا اتخاذ ذات أنواط وبقوا منتظرين جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية من الأدب والتقدير لرسولهم، بخلاف أصحاب موسى عليه السلام- فإن سياق الآيات يدل على أن طلبهم كان نتيجة عنادهم وتعنتهم بعدما رأوا الآيات، وشاهدوا المعجزات، فخاطبوا رسولهم بأسوء العبارات، وطلبوا منه صريح الشرك بأقبح الكلمات.
    «قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعد الآيات التي أريناهموها، والعبر التي عاينوها على يدي نبيّ الله موسى، فلم تزجرهم تلك الآيات، ولم تعظهم تلك العبر والبينات! حتى قالوا مع معاينتهم من الحجج ما يحق أن يذكُرَ معها البهائم، إذ مرُّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، يقول: يقومون على مُثُل لهم يعبدونها من دون الله «اجعل لنا» يا موسى «إلهًا»، يقول: مثالا نعبده وصنما نتخذُه إلهًا، كما لهؤلاء القوم أصنامٌ يعبدونها»([18])اهـ.
    ومن المعلوم أن هذا الطلب كان من مجموعهم ولم يكن من جميعهم، فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الذين طلبوا منه أن يجعل لهم ذات أنواط كانوا من مُسلمة الفتح الذين أسلموا حديثا ولم يكونوا من قدماء المهاجرين والأنصار الذين رسخت العقيدة في قلوبهم، أما موسى -عليه السلام-فكان معه السبعون ألفا الذين اختارهم لميقات ربه حيث يبعد أن يصدر منهم طلب اتخاذ إله بمجرد مرورهم على قوم يعكفون على أصنام لهم، بل الذين طلبوا ذلك طلبوه لشدة جهلهم المتجذر في قلوبهم، وتكبرهم المستقر في نفوسهم، ويدل لذلك قول موسى -عليه السلام- كما في قوله تعالى: «إنكم قوم تجهلون».
    قال الشوكاني رحمه الله-:«قالَ ﴿إنَّكم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ وصَفَهم بِالجَهْلِ لِأنَّهم قَدْ شاهَدُوا مِن آياتِ اللَّهِ ما يَزْجُرُ مَن لَهُ أدْنى عِلْمٍ عَنْ طَلَبِ عِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، ولَكِنَّ هَؤُلاءِ القَوْمَ: أعْنِي بَنِي إسْرائِيلَ أشَدُّ خَلْقِ اللَّهِ عِنادًا وجَهْلًا وتَلَوُّنًا، وقَدْ سَلَفَ في سُورَةِ البَقَرَةِ بَيانُ ما جَرى مِنهم مِن ذَلِك»([19])اهـ.
    قال الطاهر بن عاشور رحمه الله-: «وكانَ وصْفُ مُوسى إيّاهم بِالجَهالَةِ مُؤَكِّدًا لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ الجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِن كَوْنِ الجَهالَةِ صِفَةً ثابِتَةً فِيهِمْ وراسِخَةً مِن نُفُوسِهِمْ، ولَوْلا ذَلِكَ لَكانَ لَهم في بادِئِ النَّظَرِ زاجِرٌ عَنْ مِثْلِ هَذا السُّؤالِ»([20])اهـ.

    رابعا: أن لِحاق القصتين يبين اختلاف حال الطائفتين؛ فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-انتفعوا بزجر النبي صلى الله عليه وسلم-لما حذرهم من اتخاذ ذات أنواط، وحَسُن إسلامهم بعد ذلك بدليل أنهم لم يرو عنهم ما يخالف ذلك، بل رواي الحديث أبو واقد الليثي -رضي الله عنه-يروي هذه الحادثة في سياق تحذير الأمة من تتبع سنن من كان قبلنا واقتفاء آثارهم؛ بينما أصحاب موسى -عليه السلام- لم ينتفعوا بإنكار نبيهم عليهم، فكانت هذه الحادثة أول شبهة وقعت لهم وكانت سببا في عبادتهم العجل بعدها فنالهم «غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا».
    قال صديق حسن خان القنوجي رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: «فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم»: «قيل هؤلاء القوم الذي أتاهم بنو إسرائيل هم من لحم وجذام كانوا نازلين بالرقة يعني ساحل البحر كانت أصنامهم تماثيل بقر من نحاس، فلما كان عجل السامري شُبِه لهم أنه من تلك البقر، فذلك كان أول شأن العجل لتكون لله عليهم الحجة فينتقم منهم بعد ذلك»([21])اهـ.

    خامسا: أن بعض أهل العلم استبعد قول من قال بأن أصحاب موسى -عليه السلام- لم يشكوا في توحيد الله عز وجل، بل استحسنوا ما رأوه من آلهة القوم وظنوا أن طلبهم ذلك لا يضر، كما قاله البغوي وابن عطية.
    قال القنوجي رحمه الله-: «قال البغوي: لم يكن ذلك شكاً من بني إسرائيل في توحيد الله وإنما المعنى اجعل لنا شيئاً نعظمه ونتقرب بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر، وفيه بعد»([22])اهـ.

    فإن قال قائل: تباين قول إمام الدعوة النجدية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- في هذه المسألة، فقد ذكر في «كشف الشبهات» أن طلبهم مندرج تحت جنس الشرك الأكبر([23])، وصرح في «كتاب التوحيد» أن طلبهم من الشرك الأصغر([24]).

    فالجواب ما ذكره الشيخ صالح العصيمي -حفظه الله- بقوله:
    «وقد صرح المصنف-رحمه الله تعالى- ههنا بكون ما فعله الصحابة من هذا الجنس-يعني الشرك الأصغر-، وأخرجه من كونه شركا أكبر بخلاف ظاهر كلامه في «كشف الشبهات»، فإن ظاهر كلامه في «كشف الشبهات» أنهم طلبوا أمرا عظيما هو من الشرك الأكبر، ولكنهم لم يرتدوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم فلم يفعلوا، ولو فعلوا لوقعوا في الشرك الأكبر.
    فيكون لإمام الدعوة-رحمه الله- في تحقيق الشرك الواقع في هذه الحكاية قولان:
    أحدهما: أنه شرك أصغر، وهو الذي ذكره في «كتاب التوحيد».

    والآخر: أنه شرك أكبر، وهو الذي ذكره في كتاب «کشف الشبهات».
    ولو كان بإمكان وجود هذا وذاك على اختلاف الأفراد كان ذلك ممكنا، وبه يحصل اجتماع القولين معا، فيكون منهم من أراد التبرك مع اعتقاد السببية فقط فيكون شركا أصغر، ومنهم من أراد التبرك على اعتقاد استقلالها بالتأثير، فيكون من الشرك الأكبر «لكن الأكمل في جناب الصحابة أن يقال: إن المطلوب هو شرك أصغر»([25])اهـ.

    من فوائد الحديث:

    الأولى:
    سرعة استجابة مُسلمة الفتح لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يمر على إسلامهم إلا أياما قليلة حتى ناداهم منادي الجهاد، وأقبلت عليهم فتنة بارقة السيوف، فلبوا النداء، وعرضوا أنفسهم للبلاء، راجين ثواب ربهم، طامعين في نيل موعود خالقهم بإحدى الحسنيين.

    الثانية:
    قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-« قوله: «ونحن حدثاء عهد بكفر» معناه: أنه يعتذر عما طلبوا، حيث طلبوا أن يجعل لهم ذات أنواط؛ فهم يعتذرون لجهلهم بكونهم حدثاء عهد بكفر، وأما غيرهم ممن سبق إسلامه؛ فلا يجهل ذلك.
    وعلى هذا؛ فنقول: إنه ينبغي للإنسان أن يقدم العذر عن قوله أو فعله حتى لا يعرض نفسه إلى القول أو الظن بما ليس فيه، ويدل لذلك حديث صفية حين شيعها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فمر رجلان من الأنصار، فقال: «إنها صفية بنت حيي»»([26])اهـ.

    الثالثة:
    قولهم: ©اجعل لنا ذات أنواط®:
    قال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-: ©لاحظ قول هؤلاء وانتبه له جيدا، قالوا اجعل لنا هذا الطلب يدل على قاعدة متأصلة عندهم أن الأمر لا يفعل إلا إذا أقره النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم هذا سائغ ومشروع، وأقول هنا لو أن هؤلاء الذين ضلوا في هذا الباب وتعلقوا بالقباب والأشجار والأضرحة فعلوا مثلما فعل الصحابة لما ضلوا®([27])اهـ.

    الرابعة:
    قال الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-: ©فإذا كان هذا الأمر خفي على هؤلاء وهم صحابة وأهل عقول وأهل بصيرة وأهل لغة وخفي عليهم هذا الأمر وقالوا هذه المقالة، ألا تخفى على الجهال الذين لا عقل لهم ولا بصيرة؟®([28])اهـ.

    الخامسة:
    قال الشيخ عبيد الجابري-حفظه الله-: ©وبهذا يرد على شبهة من قال كيف تكفروننا في اتخاذ ما نتخذ من العكوف عند القبور والتقرب إليها، والنبي لم يكفر حدثاء العهد؟ فالجواب: أنهم لم يفعلوا ذلك ولو فعلوا لكفروا ولكنهم بقي فيهم لقرب إسلامهم شيء من الرواسب رواسب الجاهلية فاقتلعه النبي بهذه الزواجر «الله أكبر إنها السنن» إلى آخره..®([29])اهـ.

    السادسة:
    ©الخطر على من قال: إنا فهمنا التوحيد ولا داعي لكثرة المدارسة في العقيدة فقد يقع في أمور من الشرك لا يتفطن لها®([30])اهـ.

    السابعة:
    ©هذه القصة علم من أعلام نبوته «لتتبعن سنن من كان قبلكم، يعني طرق ومسالك السابقين من اليهود والنصارى ومن فارس والروم ولهذا يقولون أول من أحدث عبادة القبور في الإسلام الرافضة أخذوها عن اليهود®([31])اهـ.

    الثامنة:
    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مسائل الكتاب: ©أنه متقرر عندهم أن العبادات مبناها على الأمر فصار فيه التنبيه على مسائل القبر التي يسأل فيها الإنسان في قبره: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟®
    قال ابن عثيمين -رحمه الله-: ©ففي هذه القصة دليل على مسائل القبر الثلاث، وليس مراده أن فيها دليلا على أن الإنسان يسأل في قبره، بل فيها دليل على إثبات الربوبية والنبوة والعبادة.
    أما ©من ربك®؛ فواضح، يعني أنه لا رب إلا الله تعالى.
    وأما ©من نبيك®؛ فمن إخباره بالغيب، قال صلى الله عليه وسلم: ©لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة®؛ فوقع كما أخبر.
    أما ©ما دينك®؛ فمن قولهم: ©اجعل لنا الها كما لهم آلهة® أي: مألوها معبودا، والعبادة هي الدين.
    والمؤلف رحمه الله محمد بن عبد الوهاب فهمه دقيق جدا لمعاني النصوص؛ فأحيانا يصعب على الإنسان بيان وجه استنباط المسألة من الدليل®([32])اهـ.

    التاسعة:
    © الصدع بالعقيدة، والزجر عما يخالفها، وفي هذا رد على المقرِبين الذين لا يرون الصدع بالعقيدة بين الخالفين، فانظروا؛ القوم في مسير إلى غزو الكفار وهم يمثلون سدس الجيش أو خمسه، فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زجرهم هذا الزجر؛ هل كان في حال حرب أو سلم؟؛ ألم يكن سائرا إلى حرب ثقيف والطائف كي يدخلهم في الإسلام؟
    الجواب: بلى، ومع هذا لم يُثنه ذلكم عن زجر أولئك®([33])اهـ.

    العاشرة:
    ©أن المسميات لا تغير الحقائق؛ لأننا إذا تأملنا عبارة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهم-، وعبارة قوم موسى صلى الله عليه وسلم وجدناهما من حيث اللفظ تختلفان...ومع هذا سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين العبارتين؛ لأن النتيجة واحدة، فإذن الحقائق لا تغيرها المصطلحات البشرية، فمثلا: الآن يشرب الخمر في كثير من أقطار المسلمين؛ فالمشروبات الروحية وبعض المنبهات والمنشطات مادام كثيرها مسكرا؛ فهي خمر، وإن سميت بغير مسمى الخمر®([34])اهـ.

    فتلك عشرة كاملة حبرتها لك لتكون مسك الختام، وتجعلها بين يديك كالإمام، وأسأل الله جل في علاه أن ينفع بالمكتوب، ويجعله سببا قويا في محو المعاصي والذنوب، وأن يتقبله عنده بقبول حسن، إنّه جواد كريم




    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) لأن الشارح لم يستوف نصوصه كلها، خصوصا المسائل التي استنبطها شيخ الإسلام المؤلف رحمه الله، فإنها من أدل شيء على فقه الشيخ وقوة استنباطه؛ فهي لذلك من أعظم الفوائد® (مقدمة طبع كتاب ©فتح المجيد®) اهـ .
    قال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- في: (إعانة المستفيد في شرح كتاب التوحيد (1/13)):
    ©ثم إن الشيخ -رحمه الله- يذكر في آخر كل باب ما يستفاد من الآيات والأحاديث التي أوردها فيه من مسائل العقيدة؛ مما يعتبر فقها لنصوص الباب، بحيث يخرج القارئ بحصيلة علمية جيدة من كل باب® اهـ.
    ([2]) فتح المجيد(طبعة الصميعي)، ص123.
    ([3]) المصدر السابق، ص124.

    ([4]) تيسير العزيز الحميد، ص353.
    ([5]) فتاوى اللجنة الدائمة 2/34.
    ([6]) هذا هو الأصل أن المشبه به أقوى من المشبه، وليس ذلك بلازم على الدوام.
    قال الشيخ عبد الكريم الخضير -عفا الله عنه- في شرح كتاب التوحيد:
    "©من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة": كأنه أعتق رقبة، وهنا أعتق رقبة، وبدلاً من أن يعتقها من الرق أعتقها من الشرك، وأيهما أفضل أن يُعتق الإنسان من رق مع كونه مسلماً يعبد الله ويؤدي حق مواليه، ويكون له الأجر مرتين، فيعتق هذا؛ أو يعتق شخص عليه خطر من الخلود في النار؟ نعم، لا شك أن إخراجه من الشرك أفضل من إعتاقه، وهنا المشبه أفضل من المشبه به أو العكس؟

    الأصل أن المشبه به هو الأقوى في وجه الشبه، والأدخل، وهنا المشبه الذي هو من أعتق هذا الشخص من هذا الشرك وأنقذه منه، كان كعدل رقبة، لكن هل هذا الثواب منوط بمجرد قطع التميمة ولو لم يمتثل صاحبها، ولو لم ينقذ من الشرك، وحينئذ يكون العتق أفضل منه، لكن إذا ترتب عليه أنه دعاه، واقتنع بما دعاه إليه، وقطع هذه التميمة لا شك أنه أفضل حينئذ من العتق.
    ©لعن المؤمن كقتله®، في الحديث الصحيح: ©لعن المؤمن كقتله® يعني وجه الشبه أن القتل قضاء على دنياه، ولعنه يقتضي طرده من رحمة الله فهو قضاء على آخرته، لكن اللعن لا يلزم منه القضاء على الآخرة، إلا على جهة التقدير، وإلا فإن كان مستحقاً لهذا اللعن، فهو بعمله استحق الطرد من رحمة الله، وإن كان لا يستحق لم يتضرر بهذا اللعن، ورجعت الكلمة إلى قائلها®اهـ.

    ([7]) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري، (6/410).
    ([8]) عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي لابن العربي (9/22).
    ([9]) الكوكب الدري على جامع الترمذي للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي (3/132).
    ([10]) الاعتصام للشاطبي، (3/189).
    ([11]) التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد، لعبد الله الدويش، ص72.
    ([12]) البحر المحيط لأبي حيان، (13/208).
    ([13]) شرح كتاب التوحيد، (الدرس التاسع، د66).

    ([14]) رابط الفتوى: ®https://ferkous.com/home/?q=fatwa-998©.
    ([15]) البيان المفيد في شرح كتاب التوحيد، ص151.
    وللعلم فإن الشيخ عبيدا -حفظه ربي- يرى أن المشابهة كلية في هذا الباب، وبناء على ذلك فإنه ذكر هذا في سياق الاستدلال بأن المسميات لا تغير الحقائق، فهو يرى أن هذه الفروق لا تؤثر ولا تغير في الحقيقة مادامت النتيجة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين العبارتين.

    ([16]) قال العلامة عبيد الجابري- حفظه الله- في البيان المفيد في شرح كتاب التوحيد (ص149) فيما يستفاد من الحديث: ©ثالثا: عذر المرء بالجهل فيما يخفى على أمثاله، وهذا في قول أبي واقد الليثي -رضي الله عنه-: ©ونحن حدثاء عهد بكفر® لأنه من مُسلمة الفتح، وما بين فتح مكة وغزوة حنين أيام معدودة؛ شهر على الأكثر، فلا يزال القوم في أذهانهم بعض أمور الجاهلية® اهـ.
    ([17]) قال الشيخ سليمان بن عبد الله -رحمه الله- في (تيسير العزيز الحميد، ص350):©قوله: ©فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط®: أي شجرة نعلق عليها ونعكف حواليها؛ ظنوا أن هذا أمر محبوب عند الله فقصدوا التقرب إلى الله بذلك، وإلا فهم أجل قدرا وإن كانوا حديثي عهد بكفر عن قصد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم®اهـ.

    ([18]) تفسير الطبري 13/80.
    ([19]) فتح القدير للشوكاني، (2/342).
    ([20]) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، (9/82).
    ([21]) فتح البيان للقنوجي، (4/445).
    ([22]) فتح البيان للقنوجي، (4/446).
    ([23]) راجع كشف الشبهات، ص88-تحقيق القحطاني-.

    ([24]) ويدل عليه كذلك أنه ذكر في المسألة الرابع عشرة أنه يستفاد من الحديث: ©سد الذرائع®اهـ.
    ([25]) شرح كتاب التوحيد للعصيمي، ص46 -من التفريغ-.
    ([26]) القول المفيد، ص134.

    ([27]) شرح كتاب التوحيد، (الدرس التاسع، د52).
    ([28]) شرح كتاب التوحيد، (الدرس التاسع، د61).
    ([29]) البيان المرصع شرح القواعد الأربع، ص52.
    ([30]) البيان المرصع شرح القواعد الأربع، ص53.
    ([31]) البيان المرصع شرح القواعد الأربع، ص53.
    ([32]) القول المفيد، ص137.
    ([33]) البيان المفيد ص150.
    ([34]) البيان المفيد ص151.




    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-03-09, 05:59 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي عبد الله

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X