بسم الله الرحمن الرحيم
تنبيه العامة
ببيان الخطأ الوارد في منشور
(( أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة))
تنبيه العامة
ببيان الخطأ الوارد في منشور
(( أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة))
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن الناظر فيما عليه المسلمون اليوم من البعد عن النهج القويم والصراط المستقيم الذي أمر الله عباده بلزومه والسير عليه في قوله: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (الأنعام 153).
ظهر له وتأكد عنده شدة تحتم الرجوع بالناس إلى حقيقة الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله عز وجل على من آتاه الله العلم والفقه في الدين. إذ من المتقرر عند أهل السنة قاطبة أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا أريد به وجهه الكريم، صوابا على وفق ما سنه رسوله المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
قال ابن القيم رحمه الله:
قال قتادة: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فيسأل عن المعبود وعن العبادة. اهـ
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله ومتع الأمة بعلمه:
لأن هذا هو الأمر الأولي والأساس، لأن الصلاة والزكاة والحج وغيرها من العبادات لا تصح إذا لم تبن على أصل العقيدة الصحيحة وهي التوحيد الخالص لله عز وجل. اهـ من شرح القواعد الأربع ص 8 ط مؤسسة الرسالة.
ومن المسائل العقدية التي ينبغي لأهل السنة أن يعتنوا ببيانها للناس بيانا شافيا تزول معه كل أدران الشك والريب، منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام وولاة الأمور سواء كانوا أتقياء بررة أم فساقا فجرة، ما لم يكفروا كفرا بواحا يكون للناس من الله فيه برهان.
وهذا الباب كثرت فيه المخالفات حتى لا تكاد تقابل من المسلمين اليوم على كثرتهم إلا خارجيا، ولو كان يعد من عامة الناس، لا يكاد كلامه في يومه وليلته يخرج عن ذكر مثالب ولاة الأمور، ومحاولة الإطاحة بهم والانقلاب عليهم، بل كثر في هذا الباب الخلط ومجانبة نهج أهل السنة حتى ممن ينسب إلى العلم والسنة، والله المستعان.
ومما رأيناه كما رآه غيرنا في تقرير هذا الأصل القبيح ومحاولة تشكيك البقية الباقية على النهج القويم، ما كتبه المدعو صالح البكري أصلحه الله تعالى في رسالة بعنوان : ذم الحكام الجائرين الغاشين ومشروعية الإنكار عليهم علنا وغيبتهم وبغضهم والدعاء عليهم والتحذير من الدنو منهم.
وقد أورد البكري في كتابه هذا من المتشابه من شرع الله ما يدل العقلاء على سوء منهجه وطريقته.
وقد كفانا شيخنا الشيخ الإمام محمد بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى مؤنة بيان بطلان ما جاء به حيث قال معلقا على عنوان الرسالة: كل جملة طامة لوحدها.
ولما قيل له: نقرأ عليك شيئا من رسالة البكري قال: يكفي العنوان. وهذا نقله الأخ الفاضل محمود الشنقيطي وفقه الله تعالى عن الشيخ محمد حفظه الله ورعاه وهو منشور بصوت الأخ الشنقيطي وفقه الله.
ومما يذكر فيشكر ما يقوم به شيخنا الهمام عبد المجيد جمعة حفظه الله تعالى من حث طلاب العلم على تعليم الناس أصول السنة وتدريس الكتب التي ألفت في بيان العقيدة الإسلامية الصحيحة، والمنهج القويم، وزيادة على حث الطلاب على ما تقدم فهو عاكف على تحقيق كتب السنة حريص على إبرازها في أحسن مظهر وأبهى حلة، مساهمة منه في خدمة الإسلام وأهله، فجزاه الله خيرا وبارك فيه وفي عمره، هو وكل قائم لله بحق. آمين.
ومما يجب التنبيه عليه في باب النهي عن الخروج على ولاة أمر المسلمين، حرمة الخروج عليهم بالقول وتأليب الرعية عليهم وتهييج الغوغاء ضدهم بذكر أخطاءهم علنا وإن دثر ذلك بدثار النصيحة والتنبيه.
فهو مخالف للهدي النبوي في النصح لولاة الأمور، قال عليه الصلاة والسلام: ((من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن استجاب فذاك وإلا فقد برئ)). رواه الإمام أحمد في مسنده.
قال الإمام الذهبي في السير:
وذكر هلال بن أبي حميد ، عن ابن عكيم قال : لا أعين على دم خليفة أبدا بعد عثمان ، فقيل له : يا أبا معبد ! أو أعنت عليه ؟ قال : كنت أعد ذكر مساويه عونا على دمه .
قال الشيخ الإمام زيد بن هادي المدخلي رحمه الله تعالى:
فنصيحة السلطان تختلف عن نصيحة بقية الأمة لما له من الأهمية، ولما للنصيحة السرية للسلطان والمناصحة الخاصة من الفائدة ما لا يكون من النصيحة العلانية، فكم من خطأ يرتكبه من يقف على المنبر ويذكر مثالب السلطان ومثالب الدولة، وإن كان واقعا.
نعم يخطئ كل الخطأ لأنه ما حل مشكلة، ولا استبدل معصية بطاعة، وإنما يثير فتنة ويؤلب ضعفاء العقول والعلم والإيمان على الوالي، فتكون الفوضى وتنتشر الفتنة بين الناس، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من الالتزام بما دلت عليه النصوص من طاعة ولاة أمور المسلمين وعونهم على الطاعة والصبر عليهم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك، أي الوالي، وأخذ مالك فاسمع وأطع.
هذا موقف أهل السنة والجماعة، إذ ليسوا كالخوارج في كل زمان ومكان الذين يخرجون على الوالي بالكلمة السيئة، فتؤثر في قلوب الرعية فيكون موقفهم من الوالي موقفا رهيبا بالبغض وبالكلام في المجالس وبالتخطيط المخيف، والتنظيم السري الذي يقوم به الخائنون والخائنات للانقلاب عليه وأذاه، فتسوء الحال. اهـ من التعليقات اللطيفة على أصول السنة المنيفة ص 114.
قال الشيخ الإمام أحمد بن يحي النجمي رحمه الله تعالى:
ثم اعلم أن الخروج ينقسم إلى قسمين:
الخروج بالقول: وهو ذكر المثالب علنا في المجامع وعلى رؤوس المنابر، لأن ذلك يعد عصيانا لهم، وتمردا عليهم، وإغراء بالخروج عليهم، وزرعا لعدم الثقة فيهم، وتهييجا للناس عليهم وهو أساس للخروج الفعلي وسبب له. اهـ من المورد العذب الزلال. ص 25.
وقال الشيخ الإمام محمد علي فركوس حفظه الله ووفقه:
فإنَّ طريقةَ أهلِ السنَّة السلفيِّين في الإنكار على وُلَاةِ الأمرِ ومَوْقِفَهم مِنْ إبداءِ النصيحةِ لهم هي وَسَطٌ بين الخوارجِ والروافض، حيث إنَّ الخوارج والمعتزلة يُجيزون الخروجَ على الحاكم إذا فَعَلَ مُنْكَرًا، بينما الروافضُ يَكْسُون حُكَّامَهم ثوبَ القداسة، ويُنْزِلونهم مرتبةَ العصمة؛ أمَّا سبيـلُ أهلِ السنَّة والجماعة السلفيِّين فوجوبُ الإنكار، لكِنْ بالضوابط الشرعية الواردةِ في السنَّة المطهَّرة التي كان عليها سَلَفُ الأُمَّة.
فمَنْهَجُ أهلِ السنَّة والجماعة في مُناصَحةِ وُلَاةِ الأمر فيما صَدَرَ منهم مِنْ مُنْكَراتٍ أَنْ يُنـاصِحُوهم بالخطاب وعظًا وتخويفًا مِنْ مَقامِ الله تعالى وبالسرِّ وبالرِّفق لقوله تعالى ـ مُخاطِبًا موسى وهارون عليهما السلام حين أَرْسَلَهما إلى فرعون ـ: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ ٤٤﴾ [طه]، هذا إِنْ وصلوا إليهم، أو بالكتابة والوساطة إِنْ تَعَذَّرَ الوصولُ إليهم؛ إذ الأصلُ في وَعْظِهم أَنْ يكون سِرًّا، وإذا طلبوا تقديمَ النصيحةِ أمامهم عَلَنًا وفَتَحوا على أَنْفُسهم بابَ إبداءِ الرأي والانتقادِ وأَذِنوا فيه؛ فيجوزُ نصيحتُهم بالحقِّ مِنْ غيرِ هَتْكٍ للأستار ولا تعييرٍ لمُنافاتِهما للجانب الأخلاقيِّ، ولا خروجٍ ـ بالقول أو الفعل ـ لمُخالَفتِه لمنهج الإسلام في الحكم والسياسة، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وقال جماهيرُ أهلِ السنَّةِ مِنَ الفُقَهاء والمُحدِّثين والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق والظلمِ وتعطيلِ الحقوق، ولا يُخْلَعُ ولا يجوز الخروجُ عليه بذلك، بل يجب وَعْظُه وتخويفُه للأحاديثِ الواردةِ في ذلك»(٦)، مع تحذيرِ الناسِ مِنْ هذه المُنْكَراتِ والبِدَعِ والمَعاصي عمومًا دون تعيينِ الفاعل أو الإشارةِ إليه أو تخصيصِ بعضِ صفاته التي يُعْرَفُ بها، كالتحذير مِنَ الزِّنا والرِّبا والظلمِ وشُرْبِ الخمر ومُحْدَثات الأمور ونحوِها عمومًا مِنْ غيرِ تعيينٍ، أي: يكفي الإنكارُ على المَعاصي والبِدَعِ والتحذيرُ منها دون تعيينِ فاعِلِها بالسبِّ أو اللعن أو التقبيح؛ فإنه يُفْضي إلى الحرمان مِنَ الخير والعدل، قال بعضُ السلف: «ما سَبَّ قومٌ أميرَهم إلَّا حُرِموا خيرَه»(٧)، وقال آخَرُ: «مَنْ لَعَنَ إمامَه حُرِمَ عَدْلَه»(٨).
ومعنى ذلك أنَّ أهل السنَّةِ السلفيِّين يُنْكِرون ما يأمر به الإمامُ مِنَ البِدَعِ والمَعاصي ويُحذِّرون الناسَ منها ويأمرونهم بالابتعاد عنها مِنْ غيرِ أَنْ يكون إنكارُهم على وُلَاةِ الأمور في مَجامِعِ الناسِ ومَحافِلِهم، ولا على رؤوسِ المَنابِرِ ومَجالِسِ الوعظ، ولا التشهيرِ بعيوبهم ولا التشنيعِ عليهم في وسائلِ الإعلام بأنواعها المُخْتَلِفةِ: المَرْئيَّةِ والمسموعةِ والمكتوبة، بالكتابة في الصُّحُف والمَجَلَّات أو بالصُّوَرِ الكاريكاتورية ونحوِ ذلك؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى تأليبِ العامَّة، وإثارةِ الرَّعاع، وإيغارٍ لصدور الرعيَّة على وُلَاةِ الأمور وإشعالِ الفتنة، ويُوجِبُ الفُرْقةَ بين الإخوان، وهذه النتائجُ الضارَّةُ يأباها الشرعُ وينهى عنها، و«كُلُّ مَا يُفْضِي إِلَى حَرَامٍ فَهُوَ حَرَامٌ»، و«الوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ المَقَاصِدِ»، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إنَّ أوَّلَ نِفاقِ المرءِ طَعْنُه على إمامه»(٩)، وقال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: «نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قَالَ: «لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ وَلَا تَغِشُّوهُمْ(١٠) وَلَا تَبْغَضُوهُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ الأَمْرَ قَرِيبٌ»»(١١)، وضِمْنَ هذا المعنى قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «مذهبُ أهلِ الحديث: تَرْكُ الخروجِ بالقتال على الملوك البُغاةِ والصبرُ على ظُلْمِهم إلى أَنْ يَسْتريحَ بَرٌّ أو يُسْتراحَ مِنْ فاجرٍ»(١٢).
فكان منهجُ أهلِ السنَّةِ السلفيِّين: جَمْعَ قلوبِ الناسِ على وُلَاتهم، والأمرَ بالصبر على ما يَصْدُرُ عنهم مِنْ ظُلْمٍ للعباد أو استئثارٍ بالمال، والدعاءَ لهم بالصلاح والعافية؛ ففي ذلك لزومُ جماعةِ المسلمين وإمامِهم وعدمُ الشذوذِ عنهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ١٠٥﴾ [آل عمران]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ١٥٩﴾ [الأنعام]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ»(١٣).
ولزومُ الإمام والجماعةِ هو حَبْلُ اللهِ الذي أَمَرَ اللهُ بالاعتصام به كما جاء عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه(١٤) في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ ١٠٣﴾ [آل عمران]، وفي الحديث:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: «لِمَنْ؟» قَالَ: «للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(١٥)، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا: يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ المَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ»(١٦).
ويُشْتَرَطُ في الآمرِ بالمعروف والناهي عن المُنْكَرِ: أَنْ يكون على علمٍ بما يأمر به وما ينهى عنه، موضوعًا وزمنًا ومكانًا واستعدادًا، وأَنْ يكون رفيقًا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرًا على ما يَلْقاهُ مِنَ الأذى، سواءٌ مِنْ حاكمٍ أو محكومٍ، قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣﴾ [العصر]، وقال تعالى ـ حاكيًا قولَ لقمانَ الحكيمِ لابنه وهو يَعِظُه ـ: ﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ﴾ [لقمان: ١٧].
وأَخْتِمُ بقولِ عمرِو بنِ العاصِ لابنه رضي الله عنهما: «يا بُنَيَّ، احْفَظْ عنِّي ما أُوصِيكَ به: إمامٌ عدلٌ خيرٌ مِنْ مَطَرٍ وَبْلٍ، وأَسَدٌ حَطومٌ خيرٌ مِنْ إمامٍ ظَلومٍ، وإمامٌ ظَلومٌ غَشومٌ خيرٌ مِنْ فتنةٍ تدوم»(١٧).
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. اهـ من كلمة بعنوان في حكم التشهير بالحكام والتشنيع عليهم من موقع الشيخ على الشبكة.
قال مقيده عفا الله عنه:
ومن هذا الخروج المشار إليه، ما تشهده كل بلاد الإسلام إلا من رحم الله في هذه الأيام كما نرى ونسمع في هذه الوسائل التي نشط فيها أهل الباطل نشاطا عجيبا، من ذكر قضية قرار غلق المساجد في أول أيام حلول الوباء ـ وباء كورونا ـ على ألسنة خوارج العصر، حيث جعلوا قرارات ولاة الأمر بغلق المساجد ـ ولو بنيت على اجتهاد مزدوج ديني وطبي ـ من البراهين الواضحة على كراهية الحكام لشريعة الله تعالى بما فيها هذه الشعيرة العظيمة ـ الصلاة ـ وأن الوباء ما هو إلا سبب وافق ما في نفوسهم من إرادة تعطيل شرع الله.
ومع الأسف فقد لقي كلامهم هذا آذانا صاغية وقلوبا مريضة طالما شحنت بذكر شبه الخوارج، فتمكنت منها أيما تمكن وصيرتهم خوارج بالقول لا يحول بينهم وبين الخروج بالسيف إلا أوان أوانه. والله المستعان.
ومما يعتصر منه القلب أسى أن يشارك القوم بعض من ينتسب للسنة والعلم جهلا منه أو تساهلا في هذا الباب الخطير. والله المستعان
نشرت قناة السلف الدعوية عبر وسائل التواصل منشورا بعنوان: _ أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة _ لصاحبه القائل عن نفسه محب العلم والعلماء.
فلعلنا نلزم منشوره تعليقا يبين بعض ما جاء فيه، نصيحة للمسمين وبيانا لمنهج السلف الصالحين، والتعليق على كلامه يبدأ بالتعليق على عنوان منشوره.
وهو قوله: أمران يشدان انتباه الخاصة والعامة.
يقال جوابا عليه:
في عنوان منشوره محاولة شد انتباه عامة أهل السنة ممن قل نصيبهم من العلم والفقه، إن كان يريد بالخاصة خاصة أهل السنة وهم العلماء.
أضف إلى العنوان ما تضمنه المنشور من مخالفة لسبيل أهل السنة وموافقة سبيل أهل الباطل في باب التعامل مع أخطاء ولاة الأمور إن كانت أخطاء بينة فضلا على مسألة فقهية لأهل العلم والسنة فيها قولان على ما يأتي بيانه بإذن الله.
وقد تضمن كلامه أيضا تأليبا للعامة على ولاة الأمور من جهة، وهذا بين لكل ذي عينين، وتأليبا لولاة الأمور على من نصح للناس وبين لهم ما ينبغي عليهم، بناء على ما استبان له من نصوص الكتاب والسنة وفعل السلف رضي الله عنهم، والنظر في حال الناس وواقعهم، وهذا يراه أهل العلم والبصيرة في الدين. وسيأتي بيانه في موضعه بعون الله تعالى.
كل هذا تحت اسم مستعار، وهذا بمجموعه يدخل الكاتب في حيز الإتهام، ويوجب سوء الظن به. والله المستعان.
قال صاحب المنشور أصلحه الله:
الأول: المعلوم أن الجهات التي قننت جملة من الإجراءات اللازمة للوقاية من الوباء ومنها التباعد، هي الجهات نفسها التي باركت وسمحت ورخصت للتنظيمات الرياضية الجماعية منها والفردية، بممارسة نشاطاتها مع العلم أن ذلك يؤدي حتما إلى التقارب وعدم التباعد.
يقال جوابا على كلامه هذا:
أولا: معلوم عند كل من له علم بما عليه بلدنا الطيب الجزائر وغيره من البلدان، من تقسيم المسؤوليات أي مسؤوليات إدارة الدولة، على عدة وزارات، فما تعلق بالصلاة والمساجد فهو تابع لوزارة الشؤون الدينية وما تعلق بالألعاب والرياضة تابع لوزارة الرياضة، ويشارك كلا منهما في المشاورة والتقرير في أيام الوباء ـ وباء كورونا ـ وزارة الصحة والسكان، وقد أسند ولي الأمر عندنا وعند غيرنا بما فيها بلاد الحرمين الأمر إلى من وكله على عمل يقوم به يراعي فيه المصلحة والمفسدة ويتصرف بما يقتضيه المقام على وفق حاجات الناس ومطالبهم، وما فيه حفظهم ومصلحتهم، بل حتى الولاة ورؤساء الدوائر عندنا لهم حقهم من الاجتهاد في هذا الباب، وهذا مشاهد معيش.
فيحسن بنا في هذا المقام أن نبين أمرا مهما لزوما للعدل وقولا لكلمة الحق انطلاقا من قوله تعالى (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[الأنعام 152].
أن دور وزارة الصحة في أيام الوباء السهر على الحفاظ على صحة الناس، وإحصاء أعداد المصابين والموتى بسبب هذا الوباء، ومن كتب الله لهم الشفاء على مدار ساعات اليوم والليلة، فجزاهم الله خيرا وبارك فيهم.
وبناء على معطيات وزارة الصحة تبنى قرارات غيرها من الوزارات من التضييق والفتح، وهذا قد علمه كل الناس قاصيهم ودانيهم. إلا من عاند وكابر.
فبان أن الجهات المسؤولة عن المساجد غير الجهات المسؤولة عن الرياضة والنقل وغيرها.
ثانيا: قوله هي الجهات نفسها التي باركت وسمحت ورخصت ....الخ.
فيه كما يقال دغدغة ولعب بمشاعر الجهال وعوام أهل السنة، فما الداعي لقوله: باركت، وهل هو إلا إشعار بفرح ومسارعة لما ذكره من السماح والترخيص، وهل يدل هذا إلا على حنق الكاتب على من يذكره وينسب الأمر إليه. فتأمل
ومما يؤكد ما سبق ذكره قوله بعد: فمن باب أولى أن تلتفت هذه الجهات نفسها للمصلين فتسمح وترخص لهم بإقامة الصلاة بالتراص ....الخ.
فقوله: تلتفت. فيه نسبة الإعراض إليهم عما تعلق بأمور الشرع وما يتعلق بالآخرة.
وقوله عن الجهات المسؤولة: فتسمح وترخص. وقد كان في الأول قال عنها: باركت وسمحت ورخصت. فلم يذكر المباركة فيما يتعلق بالصلاة وذكرها فيما يتعلق باللهو واللعب، ليستقر في ذهن القارئ أنهم لا يباركون فيما تعلق بأمور الآخرة. فتنبه
والواجب عليه وعلى كل مسلم أن يحسن الظن بولاة أمره، سيرا منه على منهج أهل السنة، وتحقيقا لمراد الله ورسوله صلى الله عليه و سلم بدلا من تتبع العثرات وإساءة الظن.
قال الشيخ الإمام محمد علي فركوس حفظه الله تعالى:
لذلك كان إحسانُ الظنِّ بولاةِ الأمرِ مُتَحَتِّمًا، ومِنْ لوازمِ طاعتهم: مُتابَعتُهم في الصوم والفطر والتضحية: فيصوم بصيامهم في رمضان، ويفطر بفِطْرهم في شوَّالٍ، ويضحِّي بتضحِيَتِهم في عيد الأضحى؛ ومِنْ لوازمِ طاعتهم ـ أيضًا ـ عَدَمُ إهانتهم، وتركُ سَبِّهم أو لَعْنِهم، والامتناعُ عن التشهير بعيوبهم، سواءٌ في الكتب والمصنَّفات والمجلَّات، أو في الدروس والخُطَب، أو بين العامَّة؛ كما ينبغي تجنُّبُ كُلِّ ما يُسيءُ إليهم مِنْ قريبٍ أو مِنْ بعيدٍ؛ ذلك أنَّ علَّةَ المنع: تَفادي الفوضى، وتركِ السمعِ والطاعة في المعروف، والخوضِ فيما يضرُّ نتيجةَ سبِّهم وإهانتهم؛ الأمرُ الذي يفتح بابَ التأليبِ عليهم، ويجرُّ ذلك إلى الفساد، ولا يعود على الناس إلَّا بالشرِّ المستطير؛ ولهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»(١١)، و«سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (١٢)، وبيَّن خُلُقَ المؤمنِ بأنه: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»(١٣)؛ ولا شكَّ أنَّ الاتِّصاف بهذا الخُلُقِ الذميمِ مع ولاةِ الأمورِ والأئمَّةِ مِنْ علامات الخوارج، وقد جاء على لسانِ رجلٍ منهم قولُه للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم: «اعْدِلْ»(١٤)، وقال آخَرُ منهم لعثمان رضي الله عنه عندما دَخَلَ عليه ليقتله: «يا نَعْثَلُ»(١٥)؛ وإنما أُمِرْنا أَنْ نَدْعُوَ لهم بالصلاح ونُعينَهم عليه، ولم نُؤمَرْ أَنْ ندعوَ عليهم ـ وإِنْ وَقَعَ منهم الجَوْرُ والظلم ـ كما يفعله فينا مَنْ لم يتَّضِحْ له مذهبُ السلفِ في مُعامَلةِ ولاةِ الأمور؛ ذلك لأنَّ ظُلْمَهم وجَوْرهم على أَنْفُسهم، أمَّا صلاحُهم فلِأَنْفُسهم وللأمَّة كُلِّها: العبادِ والبلاد، وقد جاء عن بعضِ علماءِ السلفِ قولُه: «إذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطان فاعْلَمْ أنه صاحِبُ هوًى، وإذا رأيتَ الرَّجلَ يدعو للسلطان بالصلاح فاعْلَمْ أنه صاحِبُ سُنَّةٍ ـ إِنْ شاء اللهُ ـ»(١٦).
هذا، وإذا أُمِرْنا بأَنْ ندعوَ لهم فقَدْ أُمِرْنا ـ أيضًا ـ بنصيحتهم ـ حالَ الاستطاعةِ والإمكان ـ مِنْ غيرِ تعنيفٍ ولا بأسلوبِ الفجاجةِ والغلظةِ وبكلمات السوء والمُنكَر، وإنما يكون نُصْحُهم مَبْنِيًّا على الوعظ والتخويف، تذكيرًا لهم بالله تعالى، وتحذيرًا لهم مِنَ الآخرة، وترغيبًا لهم في الصالحات؛ فإنَّ مُناصَحةَ أئمَّةِ المسلمين مُنافِيَةٌ للغِلِّ والغشِّ، كما أخبر به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم فيما أخرجه الترمذيُّ وغيرُه مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ـ وفي لفظٍ: طَاعَةُ ذَوِي الأَمْرِ ـ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»(١٨).
وقَدْ شَرَحَ الإمامُ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ في «مفتاح دار السعادة» هذا النصَّ شرحًا دقيقًا قيِّمًا بقوله: «وقولُه: «ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ...» أي: لا يحمل الغِلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنها تَنْفي الغلَّ والغشَّ ومُفْسِداتِ القلبِ وسَخائِمَه.
فالمُخْلِصُ لله إخلاصُه يمنع غِلَّ قلبه، ويُخْرِجُه ويزيلُه جملةً؛ لأنه قد انصرفَتْ دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربِّه؛ فلم يَبْقَ فيه موضعٌ للغلِّ والغِشِّ كما قال تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ٢٤﴾ [يوسف]، فلمَّا أَخْلَصَ لربِّه صَرَفَ عنه دواعيَ السوءِ والفحشاء؛ فانصرف عنه السوءُ والفحشاءُ؛ ولهذا لَمَّا عَلِمَ إبليسُ أنه لا سبيلَ له على أهلِ الإخلاص استثناهم مِنْ شَرْطَتِه التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ٨٣﴾ [ص]، قال تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ٤٢﴾ [الحِجْر]، فالإخلاصُ هو سبيلُ الخلاص، والإسلامُ هو مَرْكَبُ السلامة، والإيمانُ خاتَمُ الأمان.
وقولُه: «وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ»: هذا ـ أيضًا ـ مُنافٍ للغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ النصيحة لا تُجامِعُ الغِلَّ إذ هي ضدُّه؛ فمَنْ نَصَحَ الأئمَّةَ والأمَّة فقَدْ بَرِئَ مِنَ الغِلِّ.
وقولُه: «وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»: هذا ـ أيضًا ـ مِمَّا يُطهِّر القلبَ مِنَ الغِلِّ والغشِّ؛ فإنَّ صاحِبَه ـ لِلُزومه جماعةَ المسلمين ـ يحبُّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، ويسوؤه ما يسوؤهم، ويسرُّه ما يسرُّهم.
وهذا بخلافِ مَنِ انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيبِ والذمِّ لهم، كفعلِ الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرِهم؛ فإنَّ قلوبَهم مُمتلِئةٌ غِلًّا وغِشًّا؛ ولهذا تجد الرافضةَ أَبْعَدَ الناسِ مِنَ الإخلاص، وأَغَشَّهم للأئمَّة والأمَّة، وأشدَّهم بُعْدًا عن جماعة المسلمين.
فهؤلاء أشدُّ الناس غِلًّا وغِشًّا بشهادةِ رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم والأمَّةِ عليهم، وشهادتِهم على أنفسهم بذلك؛ فإنهم لا يكونون قطُّ إلَّا أعوانًا وظَهرًا على أهل الإسلام، فأيُّ عدوٍّ قام للمسلمين كانوا أعوانَ ذلك العدوِّ وبِطانَتَه.
وهذا أمرٌ قد شَاهَدَتْهُ الأمَّةُ منهم، ومَنْ لم يُشاهِدْ فقَدْ سَمِع منه ما يُصِمُّ الآذانَ ويُشْجِي القلوبَ.
وقولُه: «فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» هذا مِنْ أَحْسَنِ الكلام وأوجزِه وأفخمِه معنًى، شبَّه دعوةَ المسلمين بالسُّور والسِّياجِ المحيطِ بهم، المانعِ مِنْ دخول عدوِّهم عليهم، فتلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام وهُم داخلونها، لَمَّا كانت سُورًا وسِيَاجًا عليهم أَخبرَ أنَّ مَنْ لَزِم جماعةَ المسلمين أحاطَتْ به تلك الدعوةُ التي هي دعوةُ الإسلام كما أحاطَتْ بهم، فالدعوةُ تجمع شَمْلَ الأمَّةِ وتَلُمُّ شَعَثَها وتحيط بها؛ فمَنْ دَخَلَ في جماعتها أحاطَتْ به وشَمِلَتْه»(١٩). اهـ من المنهج القويم في معاملة الحكام من موقع الشيخ على الشبكة.
قال صاحب المنشور أصلحه الله:
وترخص لهم بإقامة الصلاة بالتراص لأنها عبادة شرعت بتلك الصفة ـ ولم يثبت غيرها ـ والشأن في ذلك أن المصالح الدينية مقدمة على المصالح الدنيوية، فضلا عن كون الصلاة أعظم شعائر الاسلام بعد التوحيد، والأخرى مرتبطة باللعب والترفيه وهذا أمر واضح بين لا غموض فيه.
يقال جوابا عليه:
أولا: تقدمت الإشارة إلى أن المسألة عدها علماؤنا مسألة اجتهادية، لكل صاحب قول حظه من النظر والاجتهاد، فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر الاجتهاد وخطؤه معفو عنه كما صح بذلك الخبر عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وممن قال بصحة الصلاة مع عدم التراص وراعى ما خلص إليه الأطباء في هذا الزمن من وجوب التباعد: اللجنة الدائمة، والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبد الرحمن محي الدين والشيخ سليمان الرحيلي والشيخ عبد المجيد جمعة وغيرهم حفظ الله الجميع.
قال الشيخ الإمام محمد علي فركوس حفظه الله تعالى:
القول بأنَّ مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيحٍ، كما بيَّن ذلك ابن القيِّم في «إعلام الموقِّعين» أتمَّ البيان، فحاصل ذلك أنه يُفرَّق بين المسائل الاجتهادية والمسائل الخلافية، ففي المسائل الخلافية فإنه يجب الإنكار على المخالف في قولٍ يخالف سنَّةً ثابتةً أو إجماعًا شائعًا، وكذلك يجب الإنكار على العمل المخالف للسنَّة أو الإجماع بحسب درجات إنكار المنكر.
أمَّا المسائل الاجتهادية فلا يجوز الإنكار فيها على المخالف إلاَّ بعد بيان الحجَّة وإيضاح المحجَّة. اهـ من الكلمة الشهرية خطورة التأصيل قبل التأهيل. من موقع الشيخ على الشبكة.
وقد من الله علينا بصوتية لفضيلة شيخنا الوالد أزهر سنيقرة حفظه الله تعالى: في بيان كيفية التعامل مع مثل هذه المسائل على وفق ما كان عليه أئمة الإسلام والسنة قديما وحديثا وكلامه موجود والرجوع إليه ممكن سهل والحمد لله.
فلماذا تطرق هذه المسائل بعد بيان أكابر أهل العلم لها.
ثانيا: قوله: والشأن في ذلك أن المصالح الدينية مقدمة على المصالح الدنيوية، فضلا عن كون الصلاة أعظم شعائر الاسلام بعد التوحيد، والأخرى مرتبطة باللعب والترفيه وهذا أمر واضح بين لا غموض فيه.
يقال: لعل هذا من النصيحة لولاة الأمر في بيان ما يصلح وينبغي، فهلا جعلتها على وفق ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا يبدها علانية. خاصة في هذا الزمن الذي ترى فيه جل الناس أسبوعيا يخرجون على ولاة أمرهم. والله المستعان.
قال صاحب المنشور أصلحه الله:
الثاني: إن استدلال المستدل باحتكاك الناس وتقاربهم في الأسواق مع ترك الاحترازات الوقائية من هذا الوباء دون غلقها من الجهات المعنية وتغاضيهم عن ذلك لعلمهم بحاجة الناس الشديدة لهذه الأماكن في حياتهم ومراعاتهم لمصالحهم الدنيوية، فلعل المراد والقصد من ذلك:
ـ تنبيه هذه الجهات لكي تلتفت إلى مراعاة حاجة المصلين الشديدة والملحة إلى الصلاة بصفوف متراصة على وفق السنة كما راعت أحوال الناس في الأسواق، وهذا مطلب شرعي لا إشكال فيه.
ـ تنبيه هذه الجهات أن تراعي مصالح الناس الأخروية والتي هي مقدمة على كل المصالح الدنيوية فضلا عن أن يصدر منهم ما يؤدي إلى غلق المساجد ومنع الصلاة فيها وهذا أمر لا يخفى على أحد.
يقال جوابا عليه:
أولا: قوله: إن استدلال المستدل باحتكاك الناس وتقاربهم في الأسواق مع ترك الاحترازات الوقائية من هذا الوباء دون غلقها من الجهات المعنية وتغاضيهم عن ذلك لعلمهم بحاجة الناس الشديدة لهذه الأماكن في حياتهم ومراعاتهم لمصالحهم الدنيوية.
فيه دليل على سلوك العالم لمنهج أهل السنة في التنبيه بالحكمة، وذلك ببيان العلة الحاملة على المخالطة بين الناس لصعوبة الاحتراز أو تعذره، وأيضا ببيان سبب التغاضي من المسؤولين وهو حاجة الناس الشديدة لهذه الأماكن، وهذا الكلام قد تضمن التنبيه على صعوبة التحكم في فرض الاحترازات المأمور بها في هذا الباب وإذا كان الأمر كذلك والاختلاط حاصل والتقارب واقع فلا عبرة على حد نظرة المنبه ولا داعي والأمر كما علمت إلى الاحتراز في المساجد، وهذه وجهة نظر قد بينها بحكمة ليس فيها توجيه اتهام مبطن ولا تأليب ولا عجلة ولا تجد من الكلام حنقا ولا شيئا.
بخلاف ما يصنعه صاحب المنشور مما يكون سببا لبغض الرعية للقائمين على شؤون المسلمين مما تقدم ذكره. والله المستعان
وقد تقدمت الإشارة في أول الكلام إلى مسألة إيقاع الوحشة بين الحاكم والعالم، وها قد آن أوان بيانها.
فيقال: يظن القارئ لهذا المنشور وما في معناه أن مستند هذا الكلام هو قول الشيخ الفلاني، لتمسح الكاتب به وذكره لبعض أقواله، ومن هاهنا يظن بالعالم ظن السوء. وهذا لا يستقيم ولا ينبغي لأمور منها:
أولا: أن العالم ليس هو فلان المجهول، وكل مؤاخذ بما يصدر منه من قول أو عمل، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[38].
ثانيا: أن العالم ما نسب إليه نقل عنه عن طريق الرجل والرجلين، ولعل الناقل جعل واسطة في النصيحة بين العالم والحاكم، أو قيل بغرض التنبيه ولفت النظر، أو قاله العالم لبعض طلاب العلم تأييدا لما رجحه وذهب إليه، وهكذا، أما صاحب المنشور فقد كتب ونشر على رؤوس الخلائق فكان كالميزاب الذي يجمع الماء كدرا ويفرقه هدرا، فلا الزلال جمع ولا الأرض نفع. والله المستعان.
وأما قوله: تنبيه هذه الجهات أن تراعي مصالح الناس الأخروية والتي هي مقدمة على كل المصالح الدنيوية فضلا عن أن يصدر منهم ما يؤدي إلى غلق المساجد ومنع الصلاة فيها وهذا أمر لا يخفى على أحد.
ففيه نسبة عدم مراعاة حاجات الناس الأخروية وذلك بغلق بيوت الله، وجعل هذا مما لا يخفى على أحد.
وهذا أمر عجيب من مدعي حب العلم والعلماء كيف يوجه مثل هذه السهام إلى من يزعم حبهم وهم العلماء فضلا عن غيرهم، ولا يعتبر كلامهم ولا يعده شيئا.
ولا بأس بذكر كلام هيئة كبار العلماء في بيانها المتعلق بغلق المساجد في بلاد الحرمين وهذا نصه:
أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم ( 247 ) في 22 / 7 / 1441 هـ فيما يلي نصه :
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد :
فقد اطلعت هيئة كبار العلماء في دورتها الاستثنائية الخامسة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض يوم الثلاثاء بتاريخ 22 / 7 / 1441هـ على ما يتعلق بجائحة كورونا وسرعة انتشارها وكثرة الوفيات بها واطلعت على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة المشمولة بإيضاح معالي وزير الصحة لدى حضوره في هذه الجلسة التي أكدت على خطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدد أرواحهم وما بينه معاليه من أنه ما لم تكن هناك تدابير احترازية شاملة دون استثناء فإن الخطورة ستكون متضاعفة مبيناً أن التجمعات تعتبر السبب الرئيس في انتقال العدوى.
وقد استعرضت هيئة كبار العلماء النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس من ذلك قول الله عز وجل : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة ) البقرة : 195 ، وقوله سبحانه : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء : 29 .
وهاتان الآيتان تدلان على وجوب تجنب الأسباب المفضية إلى هلاك النفس، وقد دلت الأحاديث النبوية على وجوب الاحتراز في حال انتشار الوباء كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يُورِد ممرض على مصح ) متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فر من المجذوم كما تفر من الأسد ) أخرجه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها ) متفق عليه.
وقد تقرر في قواعد الشريعة الغراء أنه : " لا ضرر ولا ضرار ". ومن القواعد المتفرعة عنها : " أن الضرر يدفع قدر الإمكان " .
وبناء على ما تقدم فإنه يسوغ شرعاً إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان، ويستثنى من ذلك الحرمان الشريفان، وتكون أبواب المساجد مغلقة مؤقتاً، وعندئذ فإن شعيرة الأذان ترفع في المساجد، ويقال في الأذان: صلوا في بيوتكم؛ لحديث بن عباس أنه قال لمؤذنه ذلك ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث أخرجه البخاري ومسلم.
وتصلى الجمعة ظهراً أربع ركعات في البيوت.
ومن فضل الله تعالى أن من منعه العذر عن صلاة الجمعة والجماعة في المسجد فإن أجره تام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) أخرجه البخاري.
هذا وتوصي هيئة كبار العلماء الجميع بالتقيد التام بما تصدره الجهات المختصة من الإجراءات الوقائية والاحترازية والتعاون معها في ذلك امتثالاً لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة : 2 ، والتقيد بهذه الإجراءات من التعاون على البر والتقوى، كما أنه من الأخذ بالأسباب التي أمرنا الشرع الحنيف بامتثالها بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى.
كما نوصي الجميع بتقوى الله عز وجل والإلحاح في الدعاء وكثرة الاستغفار، قال الله تعالى: ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ) هود : 52 والقوة هنا تشمل : سعة الرزق، وبسط الأمن، وشمول العافية.
نسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن عباده، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وحكومتنا الرشيدة خيراً لما يبذلونه من جهود مشكورة، وتدابير وإجراءات ساهمت – بفضل الله عز وجل – في الحد من تأثير هذا الوباء المنتشر عبر العالم.
كما نسأله سبحانه أن يحفظ الجميع بحفظه : ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) يوسف : 64 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فكيف يقول من اطلع على هذا الكلام وغيره لا يخفى على أحد.
ثم قال صاحب المنشور أصلحه الله تعالى:
وهذا التنبيه حقيق بأن يلقى منا جميعا الحمد والثناء والمباركة، والذي يدل على حرقة قائله وتشوقه للصلاة بالصفة المشروعة من التسوية والتراص ورفع التباعد الذي لم يبق معمولا به إلا في المساجد حسب ما نلحظه في الواقع.
يقال جوابا على كلامه هذا: كيف يلقى مثل هذا الكلام المخلوط بالباطل الظاهر الحمد والثناء والمباركة، إذا بورك هذا الكلام فقل على أصل النهي عن الخروج على ولاة الأمر السلام.
والله المستعان
ثم اعلم أرشدني الله وإياك إلى طاعته أن التشوق لأداء الصلاة على صفتها المشروعة لا يحمل صاحبه على معصية الله، والتطاول على أهل العلم والتقدم بين أيديهم وعدم الاعتبار لأقوالهم، وموافقة أهل الباطل بتقرير مذهب الخوارج، الذين قال فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم: يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يرى شيئاً وينظر في القدح فلا يرى شيئاً وينظر في الريش فلا يرى شيئاً ويتمارى في الفوق. رواه البخاري.
ولعلنا نختم بما قاله إمام أهل السنة الإمام أحمد وبينه الشيخ الإمام زيد بن هادي المدخلي رحم الله الجميع في بيان ما يجب على العامة والخاصة تجاه ولاة أمر المسلمين، لعل الكلام يجد إلى القلوب منفذا ومسلكا فيكون سببا للعيش الطيب في الدنيا والفوز برضوان الله في الآخرة :
قال الإمام أحمد رحمه الله:
والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك، وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض، ليس لأحد أن يطعن عليهم، ولا ينازعهم.
قال الشيخ الإمام زيد بن هادي المدخلي رحمه الله تعالى:
كذلك (ليس لأحد أن يطعن عليهم ـ أي على الولاة ـ ولا ينازعهم) بمعنى يعيبهم ويلمزهم ويشهر بمثالبهم، لأم هذا طريق لا ينتج عنه إلا الفوضى والشر المستطير وليس لأحد أن ينازعهم في ولايتهم ولو كان فاضلا، يعني إذا كان من له البيعة في أعناق الشعب، يوجد من هو أفضل منه، لكن تمت له البيعة أو تغلب على الناس بسلطانه فليس لأحد أن ينقض بيعة المفضول من أجل وجود الفاضل لما يترتب على ذلك من سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الواجب على المسلمين أن يحترموا ولاة الأمور لأن الله عز وجل يحفظ بهم المسلمين، وأمنهم وتؤمن بهم السبل وتقام بهم الحدود والشعائر الدينية ويأمن الناس فينطلقون في مقاصدهم ومآربهم في طلب العلم وفي البيع والشراء وفيما يصلح شأن دينهم ودنياهم بوجود الوالي وهذا أمر مشاهد فإن أي إقليم من أقاليم الأرض فقد الوالي لا تجد فيه إلا السلب والنهب والفوضى، وعدم إقامة شعائر الله وهجر المساجد وهجر دور العلم، ولا يشتغل الناس إلا بأنفسهم حملا للسلاح وتحقيقا لصد من يتوقع هجومه عليهم فالحمد لله فإنه إذا وجد الوالي المسلم أمن الناس في ضل ولايته بفضل الله عز وجل عليهم. اهـ من التعليقات اللطيفة على أصول السنة المنيفة ص 118.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وكتب: أبو عبد الرحمن عمر مكي التيهرتي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين يوم الأحد 16رجب 1442 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بمنطقة العرشية مقاطعة الرشايقة تيهرت حرسها الله وسائر بلاد المسلمين.
تعليق