إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[شحذُ الهِمَمْ مِن فوائد قولهِ: ﷺ (دَبَّ إليكُم داءُ الأُمَمْ)]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [شحذُ الهِمَمْ مِن فوائد قولهِ: ﷺ (دَبَّ إليكُم داءُ الأُمَمْ)]

    بسم الله الرحمن الرحيم


    شحذُ الهِمَمْ
    مِن فوائد قولهِ صلى الله عليه وسلم:
    (دَبَّ إليكُم داءُ الأُمَمْ)



    الحمد لله رب العالمين، وصلَّىٰ اللهُ وسلَّم وبارَك علىٰ رسُولهِ الكريم وعلىٰ آلهِ وأصحابهِ ذوي الخلق القويم. أمَّا بعدُ:
    فعنِ الزُّبير بن العوام رضِي اللهُ عنهُ أن رسُول الله صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم قال: (دبَّ إليكُم داء الأُمم قبلكُم: الحسدُ والبغضاء: هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين). أخرجهُ أحمد(١) والترمذي مطولًا واللفظ لهُ(٢) والمنذري وجوَّد إسناده(٣) وحسَّنهُ الألباني(٤).
    هذا الحديث حديث عظيم، وفي طيَّاتهِ نفائس لمن فقهها من قول النَّبي الكريم ولعلنَّا نعرِّج أولًا علىٰ بيان معانيهِ ثمَّ نختم ببيان شيء من فوائد هذا القولِ الوجِيه فنقول بحول الله وقوَّتهِ:
    قولهُ صلى الله عليه وسلم: (دبَّ) معناه سرىٰ ومشىٰ بخفيةٍ(٥) فالدبُّ هو المشي الخفيف ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر ويستعمل أيضا فِي الشَّراب والبلىٰ ونحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسَّه(٦) فيكون معناه سرىٰ فيكم ومشىٰ بخفية وخفةٍ وبطىء فهو صعب الإدراك فلا يشعر به الشخص حتّىٰ يتمكن منهُ فيرديه ويكون سببًا لهلاكهِ وهلكتهِ إن لم يسارع بعالجهِ ومعالجتهِ.
    وقولهُ صلى الله عليه وسلم: (داء الأمم قبلكم) الداء هو اسمٌ جامعٌ لكل مرض أو عيب ظاهرًا كان أو باطنًا وجمعهُ أدواء (٧) فهو يريد صلى الله عليه وسلم أن داء الأمم السابقة قد تسلل لبعض أهل الإسلام وهذا لتحذيرهم، فهو يخبر أن بعضًا من عيوب الأمم السابقة وأمراضها قد تسللت إليهم فوجب علىٰ المؤمنين بهذا التحذير الامتثال له للحذر منها والحرص علىٰ محاربتها ويروىٰ موقوفًا عن عبد الله بن مسعود قال: السعيد من وعظ بغيره (٨).
    وقولهُ صلى الله عليه وسلم: (الحسد والبغضاء) هما الداءان الَّذان أخبر بدبهما لأمة الإسلام وعنهما نبه وحذر إذ هما من كبائر الذنوب ومن أصعب الأمراض والعيوب. فالحسدُ هو تمني زوال نعمة المحسود إليك(٩) وهو محرم و كبيرة من كبائر الذنوب قال تعالىٰ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ قال ابن عثيمن: والآية تدل علىٰ تحريم الحسد(١٠) وقد نهىٰ رسُول الله صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم عنهُ؛ كما في حديث أنس فقال: (ولا تحاسدُوا)(١١) لأنّ الحسد مجامع الشرور الإنسانية(١٢) وحقيقته أن تنافس أخاك في الشيء حتىٰ تحسده عليه فيجر ذلك إلىٰ الطعن والعداوة(١٣) فالواجب علىٰ العاقل مجانبة الحسد علىٰ الأحوال كلِّها فإنَّ أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده (١٤) وأما البغضاء فمن البغض وهو ضد الحب والمراد بها العداوة الظاهرة(١٥) وفي حديث أنس السابق أن النَّبِي صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم قال: (ولا تباغضوا)(١٦) والتباغض مراد إبليس عياذًا بالله منه وسلاح من أسلحته الموجهة نحو أهل الإيمان قال سبحانهُ: ﴿إنما يريد الشيطانُ أن يُوقع بينكم العداوة والبغضاء﴾. فهما مرضان يفتكان بالمؤمن إذا تمكنا منهُ.
    وقولهُ صلى الله عليه وسلم: (هي الحالقة) أي: البغضاء كما جاء ذلك صريحًا في بعض الروايات(١٧) وبعضهم قال أو كل واحدٍ منهما(١٨) ومعنىٰ الحالقة أي القاطعة قاطعة للمحبة والإلفة والصلة والجمعة(١٩).
    وقولهُ صلى الله عليه وسلم: (لا أقول تحلق الشعر) هذا بيان للمعنىٰ إذ أنّ الحلق يطلق ويراد به حلق الشعر غالبا فالحاء واللام وَالقاف أصول ثلاثة: فالأول تنحية الشعر عن الرأس ثم يحمل عليهِ غيره (٢٠).
    وقولهُ صلى الله عليه وسلم: (ولكن تحلق الدين) أي تفسده وتوهنُ أمره بل تقطعهُ كقطع الشعر عن الرأس وهذا تحذيرٌ شديد وبيان أن البغضاء وتنافر الناس مما يفسد دينهم إذ الدِّين علىٰ خلاف ذلك ففي حديث أبي موسىٰ الأشعري أنَّ النَّبِي صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهُ بعضا)(٢١) وعن النعمان بن بشير أن النَّبِي صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكىٰ منه عضو تداعىٰ لهُ سائر الجسد بالسهر والحمىٰ)(٢٢) والله عز وجل يقول: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾ ويقول: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾.

    من فوائد الحديث:
    أولًا
    : أن ذلك من علامات نبوتهِ وصدق رسالتهِ صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم.
    ثانيًا: أنّ ذلك خرج منهُ مخرج التحذير والإخبار فهو يريد من أمته التفطن لهذه الأدواء الفتاكة.
    ثالثًا: أن فساد الأمم التي كانت قبلنا إنما تمكنت فيها هذه الأدواء لحبهم لهذه الدنيا الفانية إذ أن هذه الأدواء لا تقع إلا في الأمور الدنيوية غالبًا غير ما نبه عليه المبعوث صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم فِي قولهِ: (لا حسد إلا فِي اثنتين): رجلٌ آتاه الله مالًا فسلّطهُ علىٰ هلكته في الحقِّ ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها(٢٣) والمقصود بالحسد هنا الغبطة وهي أن يرىٰ المغبوط في حال حسنة فيتمنىٰ لنفسهِ مثل تلك الحال الحسنة من غير أن يتمنىٰ زوالها عنهُ(٢٤).
    رابعًا: أن هاذان الداءان من أقبح الأدواء وأصعبهما معالجةً لذلك كانا سببا لفساد الأمم السابقة.
    خامسًا: بيان أن الحسد مرضٌ باطن قال ابن تيمية: فصلٌ ومن أمراض القلوب الحسد(٢٥) ولسانهُ هو البغض الظاهر.
    سادسًا: أن الواجب علىٰ العبد معاهدة نفسهِ بين الفينة والأخرىٰ لمراجعتها وسرعة معالجتها إذا ما وجد شيء من هذه الأدران القبيحة فيها.
    سابعًا: أنَّهُ لابد من بيان المراد من الألفاظ إذا أطلقت وكانت حمالة لمعانٍ عدَّة يدل علىٰ ذلك قوله: (لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين).

    هذا وباللهِ التَّوفِيق واللهُ أعلم وهُو أعزُّ وأكرم وصلَّىٰ اللهُ علىٰ نبيِّنا مُحمَّد وعلىٰ آلهِ وصحبهِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمِين.

    كتبهُ
    أبُو مُحمَّد بشيرٌ الطَّرَابُلُسِيُّ
    ليلة: ١٤/جمادىٰ الآخرة/١٤٤٢هـ

    ________________________
    (١) مسنده: (١٤١٢).
    (٢) سننه: (٢٥١٠).
    (٣) الترغيب والترهيب: (٣١/٤).
    (٤) صحيح سنن الترمذي: (٢٥١٠).
    (٥) تحفة الأحوذي: (١٧٩/٧).
    (٦) المفردات فِي غريب القرآن: (٣٠٦/١).
    (٧) لسان العرب: (٥/٣٢٢).
    (٨) قال ابن القيم في: شفاء العليل متواتر (١٠٥/١).
    (٩) الصحاح: (٤٤/٢).
    (١٠) تفسير الفاتحة والبقرة: (١/٣٦٠).
    (١١) رواه الشيخان.
    (١٢) مفاتيح الغيب: (١/٢٢٦).
    (١٣) المنتقىٰ للباجي: (٧/٢١٦).
    (١٤) روضة العقلاء: (١٣٣).
    (١٥) مرقاة المفاتيح (٢٤١/٩).
    (١٦) رواه الشيخان.
    (١٧) رواية المنذري في الترغيب والترهيب والبزار في البحر الزاخر (٢/١٩٢) والهيثمي في مجمع الزوائد (٨/٣٣) وغيرهم وفي إسنادهم ضعف.
    (١٨) مرقاة المفاتيح: (٩/٢٤١).
    (١٩) المصدر السابق.
    (٢٠) مقاييس اللغة: (٣١٥/١).
    (٢١) رواه مسلم.
    (٢٢) رواه مسلم.
    (٢٣) رواه الشيخان من حديث ابن مسعود.
    (٢٤) لسان العرب: (٧/٣٥٩).
    (٢٥) مجموع الفتاوىٰ (١٠/٩١).
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-01-27, 09:42 AM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا واحسن إليكم اخي بشير.

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
    يعمل...
    X