الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن حال المندس وسط الصف كحال السوس داخل الشجر ينخر الخشب من الداخل دون أن يُشعر به؛ لا يُشعر به إلا والخشبة قد كُسرت لأنها كانت تؤكل من الداخل، فالفأس الذي يضربها من الخارج ليس أشد خطرا من هذا السوس الذي يمهد هذه الخشبة للفأس بحيث ضربة واحدة منه تكفي لكسرها، لذا كان التحذير منهم أولى من المخالف، كما أن التحذير من أهل البدع أولى من اليهود والنصارى.

قال الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله : (استمرار أهل السنة في الرد على المندسين في صفوف أهل السنة الذين ينخرون من الداخل ويخذلون من الداخل ويضعفون الجبهة الداخلية هو الأولى. ففهمه أهل الإسلام منذ القدم، وقاموا بالواجب عليهم رحمة الله في هذا الباب أتم قيام، يعني شيخ الإسلام الجهمية موجودين في زمانه لكن البلاء في الأشعرية فالكلام عليهم، الإمام أحمد رحمة الله عليه ومن معه المعتزلة انكسر أمرها لما كشف الله الفتنة، هل وقّف أحمد؟ لا يا إخوان ما وقّف أحمد، هل وقّف أئمة السنة؟ ماوقفوا، لا من الرد ولا من التصريف في كشف هؤلاء).
قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله؛ لما سُئل متى يُحذر من الفتانين المندسين بين صفوف أهل السنة: (من مميّزات أهل السنة أنهم إذا اندس بينهم فتان يتسلط على إخوانه بالقول والفعل ويكيد لهم بالتهم الباطلة فإنهم يخوفونه بالله أولا ويذكرونه باليوم الآخر ويحذرونه من هذا الظلم فإن تاب ورجع عن هذا التسلط على إخوانه شكروه وأثنوا عليه خيرا وجعلوه بينهم واحدا منهم، أما إذا أصر على الأذى بقول أو فعل وعاند وكابر فإنهم يحذرون منه على الملأ لعله يرجع عن أذية إخوانه).
نقل ابن حجر في الفتح فائدة عن الوزير ابن هبيرة بيّن فيها لِمَ كان قتال الخوارج أولى من الكفار؟ فقال: (إنّ في قتالهم -أي الخوارج- حفاظا على رأس المال وفي قتال الكفار جلبا للفائدة، والحفاظ على رأس المال أولى من جلب الفائدة)
وهكذا الحال مع المندسين، فتنقية الصف أمر مهم جدا.
‏قال الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله؛ كما في الرد على منكري تصنيف الناس: (فأهل السّنة مهما اندس بينهم مندس، ومهما تزيا بزيهم ماكر فإن الله سوف يهتك ستره ويفضح أمره، فما أسر عبد سريرة إلا أخرجها الله سبحانه وتعالى على فلتات لسانه وقسمات وجهه)
كما أن الرد لايلزم منه التحذير، والتحذير لايلزم منه التبديع، بل غالبا ما تكون الشدة في الرد على من كان له مكانة بين أهل السنة حتى لا يُغتر به أويُتابع في خطئه.
قال العلامة المُعلمي رحمه الله كما في رفع الاشتباه : (وأهلُ العلم إذا بلغهم خطأ العالم أو الصالح وخافوا أن يغترّٙ النّٙاس بجلالتهِ ربما وضٙعُوا من فضلهِ وغبَّروا في وجه شُهرته مع محبتهم له ومعرفتهم بمنزلته ولكن يُظْهِرون تحقيره لئلا يفتتن به الناس).
ويورد بعضهم شبهة في هذا وهي قولهم: (سلم منكم كلّ الفرق ولم يسلم منكم إخوانكم)! بناء على قاعدة: (الرّد على قدر الانحراف)!.
وقد أبطل العلماء قديما وحديثا هذه القاعدة وأزالوا اللّبس عن الشبهة وردوها وقاعدتهم في ذلك: (الرد على قدر الحاجة إلى البيان)! فقد تكون الحاجة للردّ على الموافق ممّن أخطأ أولى من غيره.
والمقصود هنا الرّد لا من كان ديدنه تتبع زلّات إخوانه واصطياد عثراتهم ثم التشهير بهم بعد ذلك، فهناك فرق بين الأمرين، فالأوّل إنكار للمنكر وذبّ عن دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني هوى متبع وجهل معقد وتنطع وليس من منهج السلف في شيء، بل صاحبه متوعد من الله بفضحه وهتك ستره ولو في جوف بيته.
​​​​​تعليق الشيخ عبد الرحمن محي الدّين حفظه الله على المقال: (الله أكبر! نعم الشّدة على العالم الذى يخطئ هو المنهج النّبوي، هجر الثلاثة الذين خلفوا، وهي أعظم شدة واجهوها فى حياتهم، لصدق إيمانهم، بخلاف المتخلفين المعذورين من الأعراب والمنافقين: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنّهم رجس ومأواهم جهنم بما كانوا يكسبون) الإعراض عن المضطربين والمتردّدين فى صحة منهج السلف بين السّلفيين وبين الإخوانيين الخوارج والتّبليغين وغيرهم ممن لا يرفع رأسه بمذهب ومنهج السّلف حالهم كحال المنافقين كالشّاة العائرة بين القطيعين).