إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العلماء أرحم الأمة بالأمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلماء أرحم الأمة بالأمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    العلماء أرحم الأمة بالأمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    أما بعد:
    فعندما تجد العلم تجد الرحمة.
    قال الله تعالى: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما}.
    لما كان رسولنا عليه الصلاة والسلام في الدرجة الرفيعة في العلم تقلد أعلى مراتب الرحمة.
    قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء 107]. وقال تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة 128].
    فكان النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الرحمة المهداة.

    وقد حث عليه الصلاة والسلام على الرحمة وأمر بها.
    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال وهو على المنبر: ((ارحموا ترحموا)).

    أخرجه أحمد في ((المسند)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) والطبراني في ((مسند الشاميين)) والبيهقي في ((الشعب)) وصححه الألباني.
    فكان رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم مدرسة في الرحمة، فقد تعددت صور رحمته عليه الصلاة والسلام.
    جاء في ((صحيح)) مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا)).
    أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والبيهقي في ((الشعب)) و ((معرفة السنن)) و ((الآداب)) و ((المدخل)) والخلال في ((السنة)) وابن أبي الدنيا في ((النفقة على العيال)) والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) وهناد في ((الزهد)) وصححه الألباني.

    هذا من صور رحمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأطفال وحثه عليها، بل حث على رحمة جميع عباد الله عز وجل مؤمنهم وكافرهم.
    فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)) أخرجه البخاري وفي رواية لمسلم ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل)).


    وكذلك من صور رحمته عليه الصلاة والسلام الرحمة بالحيوان.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له)).

    قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا.
    فقال: ((نعم في كل ذات كبد رطبة أجر)).
    أخرجه البخاري.

    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم.
    فقال: ((من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال من حرق هذه قلنا نحن قال إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)).
    أخرجه أبى داود وصححه الإمام الألباني رحمه الله.


    وهذا دأب النبيين من قبله.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان)) (2/ 905) : ((إذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصل له أعظم غايتين مطلوبتين، بهما سعادته وفلاحه وكماله، وهما الهدى والرحمة.
    قال تعالى عن موسى وفتاه: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} [الكهف: 65]، فجمع له بين الرحمة والعلم، وذلك نظير قول اصحاب الكهف: {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} [الكهف: 10]، فإن الرشد: هو العلم بما ينفع والعمل به.
    والرشد والهدى إذا أفرد كل منها تضمن الآخر، وإذا قرن أحدهما بالآخر فالهدى هو العلم بالحق، والرشد هو العمل به، وضدهما: الغي واتباع الهوى)) اهـ.

    وأهل العلم ورثة النبي ورثوا العلم والرحمة.
    أنظر إلى أعلم الأمة بعد نبينا.
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: ((إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)).
    قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)).
    متفق عليه.
    قال العلامة الأثيوبي حفظه الله في ((البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج)) (38/ 366) : ((فيه دليلاً على أن أبا بكر - رضي الله عنه - أعلم الصحابة)) اهـ.
    فلما حاز أبو بكر قدم السبق في العلم ارتقى قمم منازل الرحمة.
    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمتي أبو بكر)).
    أخرجه أحمد في ((المسند)) والترمذي في ((الجامع)) وابن ماجه في ((السنن)) وصححه الألباني.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان)) (2/ 913-914) : ((وكان الصديق رضي الله عنه من أرحم الأمة، وقد روي عن النبي أنه قال: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر)) رواه الترمذي.
    وكان أعلم الصحابة باتفاق الصحابة، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمنا به يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -.
    فجمع الله له بين سعة العلم والرحمة. وهكذا الرجل، كما اتسع علمه اتسعت رحمته)) اهـ.

    وهكذا الصحابة رضوان الله عليهم حازوا العلم والرحمة، وهذا ما وصفهم الله به.
    قال لله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان)) (2/ 913-914) : ((ولما كان نصيب كل عبد من الرحمة على قدر نصيبه من الهدى، كان أكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم رحمة، كما قال تعالى في أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29])) اهـ.

    ولهذا تجد المحدثين أول حديث يرونه فيما بينهما، حديث المسلسل بالأولوية.
    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).

    أخرجه الترمذي واللفظ له وأبو داود وأحمد وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والحميدي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
    قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني.

    وعلى هذا درج أهل العلم والفضل فكانوا من أرحم الخلق بالخلق لأنهم يقتدون بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
    قال النضر بن شميل كما في ((سير أعلام النبلاء)): ما رأيت أرحم بمسكين من شعبة.

    ومن هذه الرحمة الرد على المخالف.
    ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تحذر الناس من سلوك طريقهم لئلا يضلوا عن الصراط المستقيم وينحرفوا عن المنهج القويم، فيقعوا في شباكهم، وعلى هذا يستحقون العذاب.


    ومن صور الرحمة المتمثلة في الرد على أهل البدع والأهواء أن تتألم لحالهم وتسعي جاهدا لأن تنتشلهم من مستنقع البدع والخرافات.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الفتوى الحموية الكبرى)): ((ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتَهم ورفقتَ عليهم)) اهـ.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((شرح العقيدة الأصفهانية)): ((وإنما المقصود هنا التنبيه على أن ما يجب إثباته لله تعالى من الصفات ليس مقصورا على ما ذكره هؤلاء مع إثباتهم بعض صفاته بالعقل وبعضها بالسمع فإن من عرف حقائق أقوال الناس وطرقهم التي دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة فعلم الحق ورحم الخلق، وكان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يتبعون الحق، ويرحمون من خالفهم باجتهاده حيث عذره الله ورسوله، وأهل البدع يبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم فيها)) اهـ.
    ويقول الإمام ابن باز رحمه الله في ((تعليقات على الفتوى الحموية)): ((ومن نظر إليهم بنظر ثان، وهو أنهم أصابتهم حيرة وشك وريبة، والتبست عليهم الأمور، من نظر إليهم بهذا النظر رحمتَهم، ورأى أن الواجب أن يعلموا وأن يوجهوا وأن يصبر عليهم لعلهم يهتدون، لعلهم يتبصرون.
    وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله صحيح في حق من لم يعاند، أما من عاند وكابر ولم يقبل الهدى ولم يقبل التوجيه؛ فليس له إلا ما قال الشافعي رحمه الله، وما هو أشد منه من ضرب عنقه وإراحة العالم منه، أو تخليده في السجون حتى يستريح الناس من شره وبلائه)) اهـ.
    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في ((الكافية الشافية)):
    فانظر بعين الحكم وارحمهم بها *** إذ لا ترد مشيئة الديان
    ونظر بعين الأمر واحملهم على
    *** أحكامه فهما إذن نظران
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح الكافية الشافية)) (1/214-215): ((فحينئذ لنا نظران:
    النظر الأول: أن تنظر إليهم بعين القدر، وهذا يقتضي الرحمة، والحنان عليهم، والتأوه لهم، وأن نحمد الله عز وجل أن عافانا مما ابتلاهم به، لأن هذا من أقدار الله عز وجل، فأنت إذ نظرت إلى هذا المخذول – والعياذ بالله – ترق له وتقول: هو مسكين، كيف صد عن الهدى، واتبع الهوى والردى؟!
    النظر الثاني: بعين الشرع، فهذا النظر يجب أن تحملهم على الشرع، ولو بالضرب، ولو بالحبس، قال الله – تبارك وتعالى -{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ } [النور: 2].
    فقال: { وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ }[النور: 2]، أما بعين القدر فارحمهم وتأوه لهم.
    قال الشافعي – رحمه الله-: حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال لهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام)) اهـ.
    وأخرج العقيلي في ((الضعفاء)) عن أبي صالح الضراء قال: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن. فقال: ذاك يشبه أستاذه يعنى الحسن بن حيي. قال: قلت ليوسف أما تخاف أن تكون هذه غيبة. فقال: لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من أمهاتهم وآبائهم أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتبعتهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم.
    حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين.
    فعلى هذا تكون الشدة على أهل الأهواء والبدع من الرحمة بهم.
    فأينما تجد العلم تجد الرحمة، كما يقال: وجهان لعملة واحدة.
    وقد قيل: العلم رحم بين أهله.

    بخلاف ما تجده عند صغار العلم تجد فيهم الكبر والتعالي واحتقار إخوانهم والترفع عليهم، مع فظاظة وغلظة مخلوطة بالسب والشتم، بل لم يسلم منهم أهل العلم والفضل.
    وإلى من اشتط عن هذا الطريق المستقيم وخالف هدي النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرحمة بعباد الله عز وجل، أذكره بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تنزع الرحمة إلا من شقي)).
    أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد في ((المسند)) وابن أبي شيبة في ((المصنف)) والبخاري في ((الأدب المفرد)) وابن حبان في ((صحيحه)) والطيالسي في ((المسند)) وأبو يعلي في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((الأوسط)) والبيهقي في ((الكبرى)) و ((الشعب)) وابن جرير في ((تهذيب الآثار)).
    قال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الألباني.
    هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    طرابلس الغرب: يوم الأحد 5 ذي الحجة سنة 1441 هـ
    الموافق لـ: 25 يوليو سنة 2020 ف


  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      وإياك أخي الفاضل أبا محمد.

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أخي عزالدين وبارك فيك

        تعليق


        • #5
          آمين أجمعين أخي الفاضل أبا صهيب.

          تعليق

          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
          يعمل...
          X