إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطريق الصحيح في الاهتداء الصريح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطريق الصحيح في الاهتداء الصريح


    بسملة​



    الطريق الصحيح
    في الاهتداء الصريح

    ------​





    إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
    ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾[آل عمران: ١٠٢].
    ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا﴾ [النساء: ١].
    ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيماً﴾ [الأحزاب: ٧٠ و٧١].

    أما بعد:
    فإن الإنسان لا سبيل له إلا بالاهتداء بالله جل وعلا ، و أن يهديه سبحانه وتعالى إلى الطريق المستقيم . وهذا هو أَجَلّ المطالب وأعظمها. ونيله هو أزكى المواهب وأشرفها، وجب على كل مسلم معرفة كيفية سؤاله مع الاجتهاد في ضبطه وتحصيله.
    وقد علَّم الله جل وعلا عباده كيفية سؤاله وأمرهم أن يتقدموا إليه بحمده وثنائه، وتمجيده الذي يستلزم توقيره وإفراده في كل ما يستحقه جل وعلا. فكان المؤمن يدعو الله جل وعلا في كل صلواته الخمس أن يهديه إلى الطريق المستقيم، طريق النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. فيتوسل العبد حينها إليه جل وعلا بأسمائه وصفاته وبعبودتيه، وهاتان الوسيلتان لا يكاد أن يرد معهما الدعاء.
    والاهتداء هو طلب الهداية من الله. ويقصد بها هنا هداية التوفيق التي خصّها الله لنفسه. ولا يملكها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.كما بيّن في قوله تعالى : ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[القصص:٥٦]
    قال ابن القيم رحمه الله : فوصف هذا الطريق المستقيم يتضمن قربه. واستقامته تتضمن إيصاله إلى المقصود ، ونصبه لجميع من يمر عليه يستلزم سعته . وهذا يتحتم على من سأله أن يعلم هذا الصراط والذرائع المؤدية إليه ، ويتجنب غيره والدعاوى التي تؤدي إليه.
    فكان المؤمن يدعو ربه في كل صلاته أن يهديه الصراط المستقيم، لأن الهداية لابد أن تكون دائمة متجددة لكي ينال مطلوبه وينجو من محظوره . ويبقى على الهدى ويبعده الله عن الردى. فإن كان من أهل الطريق المستقيم فإنه يجرد نفسه لله جل وعلا . وذلك بالاستجابة لأمره والابتعاد عن نهيه وهذا هو مقتضى التقوى، قال ابن السعدي رحمه الله : التقوى أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية فتقي نفسك الحر بلبس الثياب والبرد بإكثارها وقد عُرفت شرعا بتعاريف كثيرة عند السلف والجامع المانع فيها أن تفعل المطلوب وتنتهي عن المحظور.
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : فعل الأوامر و الانتهاء عن المعاصي مع استحضار النية في الفعل والترك هي التقوى.
    فمسألة الثبات على الطريق المستقيم الذي هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطيبين رضي الله عنهم أجمعين ومنهج التابعين بإحسان إلى يوم الدين من الأئمة والعلماء الربانين؛ هو الوسيلة الصحيحة في معرفة طريق الاهتداء الحق لله جل وعلا ، وتبيان هدي المصطفى عليه الصلاة والسلام. وما ضرب بها السلف أروع الأمثلة العظام في حرصهم دائما على الاستقامة والثبات على طريق المنهج الحق . متبعين غير مبدلين ولا مبتدعين ، وهذا هو حالهم في المنشط والمكره وفي العسر واليسر. لأن المؤمن لا طاقة له على مواجهة الفتن الظاهرة أو الباطنة ، ومقاومة المحن الهائجة . والابتعاد عن السبل الهالكة ، إلا بالرجوع إلى سبيل العصمة الدائمة ومنبع الحكمة الزاكية وسلامة النحلة الصافية.
    فأما سبيل العصمة الدائمة ، فهو التمسك بكتاب الله جل وعلا والعمل بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأسيا واقتداء. كما قال عليه الصلاة والسلام : « إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا : كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي » [1] .
    ولا يكون منبع الحكمة الزاكية إلاّ بتحقيق هديه صلى الله عليه وسلم ، وإشباع النفس به كما في قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة : ٢ ] .
    قال الشيخ الألباني رحمه الله : الكتاب والسنة مصدر واحد لا فصل بينهما أبدا. بل يجب اعتبار ذلك كما أشار إلى ذلك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: « أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، يعني السنة.
    وأما سلامة النِحلة الصافية في التشبه والاقتداء والتأسي بمنهج سلفنا الصالح في كل كبيرة وصغيرة ، يتحقق بالرجوع إلى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أولي الفهم والعزم أصحاب المنهج الزكي. الذي ارتضاها الله جل وعلا للعالمين ورضيها للمستجيبين المخلصين. قال الشيخ الألباني رحمه الله : فمن كان يريد حقا الرجوع إلى الكتاب والسنة فيلزمه الرجوع إلى ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباعهم من بعدهم فهم الذين عاصروا الرسول وفهموا التنزيل وكانوا أهل الفصاحة والبيان وهم أعلم بأسباب النزول وكلام النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام من غيرهم.
    فمن هنا يُفهم أن الدعوة بالرجوع إلى فهم السلف ، هي دعوة إلى المنهج الصحيح وإلى الطريق المستقيم . قال الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي رحمه الله : أقام سلفنا الصالح دين الله كما يجب أن يقام، واستقاموا على طريقته أتم استقامة، وكانوا يقفون عند نصوصه من الكتاب والسنة، ولا يتعدونها ولا يتناولونها بالتأويل، وكانت أدواتهم لفهم القرآن، روح القرآن، وبيان السنة، ودلالة اللغة والاعتبارات الدينية العامة، ومن وراء ذلك فطرة سليمة وذوق متمكن ونظر سديد وإخلاص غير مدخول واستبراء للدين، قد بلغ من نفوسهم غايته، وعزوف عن فتنة الرأي وفتنة التأويل، أدبهم قوله تعالى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣]. وقوله تعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥۹] . فكانوا أحرص الناس على وفاق، وكانوا كلما طاف بهم طائف الخلاف في مسألة دينية بادروه بالرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله فانحسم الداء وانجابت الحيرة. [«آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (١/ ١٦٤)]
    ولا سبيل إلى الاهتداء الصحيح الذي يورث الإيمان الصادق والعمل الصالح -فيكون سببا في تثبيت صاحبه على المنهج الحق- إلا بتحقيق هذه الشروط . ليكون محقق هذه الشروط ذا منهج قويم واستقامة حسنة، لا تزعزعه الفتن ولا تحيره الشبه.
    • الشرط الأول: هو الإخلاص لله جل وعلا:
    قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد (ص ١٦٤): الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا . والنعيم المقيم في الآخرة ، وكما أن ثمر الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك. والشرك والكذب شجرة في القلب ثمارها في الدنيا الخوف والغم والهم وضيق الصدر وظلمة القلب ، وثمارها في الآخرة الزقوم والعذاب المقيم.
    فهذا يقتضي أن المؤمن لابد أن يكون مخلصا في هذه المسألة . وهي الاهتداء بالله جل وعلا بأن يدعوه بتثبيته على الطريق المستقيم . لا يبتغي بذلك شيئا إلا وجه الله ورضاه . كما أنه قد يعتريه ما يعتريه من تشويش في إخلاصه لله . إلا أن الصادق يبقى يجاهد نفسه على تحقيقه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. قال ابن القيم رحمه الله : لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبَّة المدحَ والثناء والطمع فيما عند الناس إلَّا كما يجتمع الماء والنار، والضبُّ والحوت، فإذا حدَّثتك نفسك بطلب الإخلاص فأَقْبِلْ على الطمع أوَّلًا فاذبحه بسكِّين اليأس، وأَقْبِلْ على المدح والثناء فازهد فيهما زُهْدَ عُشَّاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبحُ الطمع، والزهد في الثناء والمدح سَهُلَ عليك الإخلاص. [«الفوائد» لابن القيِّم (١۹٥ ـ ١۹٧)]
    • الشرط الثاني: حسن التأسي والاقتداء بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم
    ومن حسن التأسي، الإكثار من الدعاء الثابت عنه عليه الصلاة والسلام المستلزم لمحبته صلى الله عليه وسلم. فهذا يسميه العلماء الإلحاح على الله تعالى بالدعاء الصادق بأن يثبتك الله و أن لا يزيغ قلبك بعد أن هداك . فقد حكى الله عن الأئمة الراسخين كيف كانوا يفزعون ويخافون من عدم التثبيت كما قال تعالى: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ۝ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب﴾ [آل عمران:٧]. فكانوا أفهم الناس بحقيقة التأسي والاقتداء. وإن من دونهم هم أحوج الناس إلى هذا الدعاء. وقد ثبتت النصوص الكثيرة في السنة منها ما أخرج الترمذي في سننه بسند حسن « كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ. فقلتُ: يا نبيَ اللهِ آمنَّا بكَ وبما جئتَ بهِ فهل تخافُ علينا. قالَ: نعم إنَّ القلوبَ بينَ أصبعينِ من أصابعِ اللهِ يقلِّبُها كيفَ يشاءُ » [2].
    وعن شهر بن حوشب ، قال « قلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ ؟ قالَت : كانَ أَكْثرُ دعائِهِ : يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت : فقُلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ ؟ قالَ : يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ ، فمَن شاءَ أقامَ ، ومن شاءَ أزاغَ . فتلا معاذٌ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا» [3].
    وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم دعاء قنوت الوتر للحسن والحسين رضي الله عنهما: « اللَّهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيتَ ، وعافِني فيمَن عافَيتَ ، وتَولَّني فيمَن تولَّيتَ ، وبارِكْ لي فيما أعطيتَ ، وقِني شرَّ ما قضَيتَ . فَإنَّك تَقْضي ولا يُقضَى عليك . إنَّه لا يَذِلُّ مَن والَيْتَ ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ ، تَباركتَ ربَّنا وتَعالَيتَ »[4].
    والنصوص في السنة كثيرة ومتنوعة ، التي تدل على الافتقار لله جل وعلا . وأنه لا مهتدي إلا من هدى الله ولا معصوم إلا من عصمه الله ، ولا ثابتا على الحق إلا من ثبته الله جل وعلا.
    • الشرط الثالث : إتباع السلف الصالح في الأقوال والأفعال إتباعا حقيقيا ليس إدعاء
    فلقد ضربوا الأمثال العظام في مسألة الاهتداء الحقيقي بكلام الله والعمل بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، والثبات على ذلك متبعين غير مبدلين ولا مبتدعين . وهذا هو المنهج الذي كان عليه الصدر الأول وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجاءت النصوص الكثيرة بالثناء عليهم والترضي على منهجهم وأمَرَ المؤمنين بأن يسلكوا مسلكهم كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ﴾ [البقرة:١٣٧-١٣٨] . و قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء:١١٥].
    قال الشيخ ابن سعدي في تفسير هذه الآية : ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به من بعد ما تبين له الهدى بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية. ويتبع غير سبيل المؤمنين وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم نوله ما تولى أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله.كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول، ويتبع غير سبيل المؤمنين، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام:﴿كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ أي: بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء، وكذلك كل مخلص، كما يدل عليه عموم التعليل. وقوله: ونصله جهنم أي: نعذبه فيها عذابا عظيما. وساءت مصيرا؛ أي: مرجعا له ومآلا. إهـ.
    إن منهج السلف الذي وصل إلينا عن طريق الأئمة كابرا عن كابر في السلفية التي توفرت فيها حقيقة الاتباع بإحسان . أهلها لا يقدمون على كلام الله وكلام رسوله وفهم السلف الصالح رأي أحد كان من كان ، ويتشرفون بالانتساب إلى هذه الجماعة الحق التي إمامها رسول الله. قال العربي بن بلقاسم التبسي في«مجلَّة الشهاب» (٤/ ١٤۹)؛ بعنوان شرف الانتساب إلى السلفية: وهذه الطائفة السلفية التي تعد نفسها سعيدة بالنسبة إلى السلف، وأرجو أن تكون ممن عناهم حديث مسلم «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين يوم القيامة» الحديث، قد وفقوا إلى تقليد السلف في إنكار الزيادة في الدين، وإنكار ما أحدثه المحدثون وما اخترعه المبطلون ويَروْن أنه لا أسوة إلَّا برسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أو من أمرنا بالائتساء به فلمَّا شاركوا السلف وتابعوهم في هذه المزية الإسلامية نَسبُوا أنفسهم إليهم، ولم يَدَعِّ أحدٌ منهم أنه يدانيهم فيما خصَّهم الله به من الهداية التي لا مطمع فيها لسواهم.
    • الشرط الرابع: تعظيم العلم والعلماء
    العلم الذي هو البصيرة في الدين، وهو واجب على كل مستطيع استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى : ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾[ محمد : ١۹]. وقوله تعالى ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [ يوسف:١٠٨]
    و الأولى بالدعوة: هذه النفس، التي لابد لها أن تتبصر بالحق لكي تعمل به ولابد لهذا العلم أن يكون نافعا. قال الذهبي رحمه الله في حقيقة العلم النافع: تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن وفسَّره الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قولًا وفعلًا ولم يأتِ نهيٌ عنه، قال عليه السلام: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ، فعليك يا أخي بتدبُّر كتاب الله، وبإدمان النظر في «الصحيحين» و«سنن النسائي» و«رياض النواوي» و«أذكاره» تُفْلِحْ وتُنْجِحْ ، وإيَّاك وآراء عُبَّاد الفلاسفة ، ووظائفَ أهل الرياضات ، وَجُوع الرهبان ، وخطابَ طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكلُّ الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فوا غَوثاه بالله ، اللهمَّ اهدِنا إلى صراطك المستقيم. [سير أعلام النبلاء (١۹/ ٣٤٠)]
    وفي «الردّ على البكري» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال ص(٢٥١) : أئمَّة السنَّة والجماعة وأهل العلم والإيمان: فيهم العلمُ والعدل والرحمة، فيعلمون الحقَّ الذي يكونون به موافقين للسنَّة سالمين مِن البدعة، ويعدلون على مَن خرج منها ولو ظلمهم كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٨]، ويرحمون الخلقَ فيريدون لهم الخيرَ والهدى والعلم، لا يقصدون الشرَّ لهم ابتداءً ، بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأَهم وجَهْلَهم وظُلْمَهم؛ كان قصدُهم بذلك بيانَ الحقِّ ورحمةَ الخلق والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر وأن يكون الدينُ كلُّه لله، وأن تكون كلمةُ الله هي العليا.
    وهذا الوصف هو الذي - والحمد لله - يتصف به علماء السلفية المخلصين أصحاب المنهج الواضح . الذي ندعو الله أن يكثرهم وأن يجليهم للعالمين . فهم مصابيح الدجى، والنجوم التي بها يهتدي . فيستفيد كل مخلص محب للحق عند الرجوع إليهم في كل صغيرة وكبيرة مستنصحا بأقوالهم ومسترشدا بتوجيهاتهم مقبلا على الحق غير مدبر الرشد والهدى بإذن الله جل وعلا. غير الصعافقة والاحتوائيين أصحاب المناهج المميعة والمنحرفين. نسأل الله أن يهدي ضالهم ويصلح حالهم.
    • الشرط الخامس: الصدق في الاهتداء
    إن الإنسان يجب عليه أن يكون صادقا في استهدائه بالله جل وعلا . وطلبُهُ أن يثبته سبحانه وتعالى. قال ابن القيِّم رحمه الله في كتابه الفوائد ص(٢٦٦) : ليس للعبد شيءٌ أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمَّد: ٢١]، فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل، فصدق العزيمة جمعها وعدم التردد فيها، بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوم، فإذا صدقت بقي عليه صدق الفعل وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه، وأن لا يتخلف عنه شيء من ظاهره وباطنه، فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكُّل، فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله.
    • الشرط السادس: الاتصاف بالعدل والحذر من الظلم
    فإن الاتصاف بالعدل هو سمات أهل الحق المتأسين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأعدل الناس أحبهم إلى الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [ المائدة :١٢٠]
    قال ابن سعدي رحمه الله في تفسيره : أي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " بما أُمِرُوا بالإيمان به قوموا بلازم إيمانكم بأن تكونوا " قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ " بأن تنشط للقيام بالقسط، حركاتكم الظاهرة والباطنة. وأن يكون ذلك القيام لله وحده لا لغرض من الأغراض الدنيوية . وأن تكونوا قاصدين للقسط الذي هو العدل لا الإفراط ولا التفريط في أقوالكم ولا في أفعالكم. وقوموا بذلك على القريب والبعيد والصديق والعدو" وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ " أي لا يحملنكم " شَنَآنُ قَوْمٍ " أي: بُغْضهم" عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا " كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط. بل كما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له فلو كان كافرا أو مبتدعا. فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق لا لأنه قاله: ولا يرد الحق لأجل قوله فإن هذا ظلم للحق.
    " اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى " أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم فإن تم العدل كملت التقوى.
    " إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " فمجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها صغيرها وكبيرها جزاء عاجلا وآجلا.إهـ.
    أما الظلم ، فالواجب الحذر منه ومن الأسباب المؤدية إليه ، وإن من أعظمها الحسد والبغضاء . فعن عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم»[5]
    كذلك الغرور بالنفس . كونه يحمل الأنفس على تنكب طريق السلف الصالح ، واللحوق بطريق أهل الظلم والبغْي الذي يكون ناتجا عن قلة الإخلاص وأبعد للاقتداء بالنبي والسلف الصالح.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أهل السنة هم خير الناس للناس وهم أعلم الناس بالحق وأرحم الناس على الخلق خيرهم للناس نازل وشر الناس إليهم صاعد. ومن سماتهم محبة الخير لكل الناس . وهذا لا يمنع من النّصح ورد الباطل بعد إقامة الحجة ونصرة الحق وأهله. قال ابن القيم رحمه الله: فليس للقلب أنفع من معاملة الناس باللطف وحب خير لهم فإن معاملة الناس بذلك إما أجنبي فتكتب صحبته ومودته وإما عدو مبغض فتطفئ بلطفك جمرته وتكتفي شره ومن حمل الناس على المحامل الطيبة وأحسن الظن بهم سلمت نيته وانشرح صدره وعوفي قلبه وحفظه الله من السوء والمكاره. [مدارج السالكين (٢/٥١١)]
    • الشرط السابع: المحافظة على الجماعة الحق، أصحاب المنهج الواضح الجلي
    الجماعة الحق هي التي أمرنا الله جل وعلا ورسوله أن نكون معها ، وخاصة في أزمنة الشر وكثرة الفتن . فهي لا تقل أهمية على ما سبقها من أنها سبب في الثبات على الحق . قال عليه الصلاة والسلام « يدُ اللَّهِ مع الجماعَةِ ومن شذَّ شذَّ إلى النار» [6] .وقال من حديث عمر رضي الله عنه «من أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فعليهِ بالجماعةِ، فإنَّ الشَّيطانَ معَ الفذِّ» [7] .وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الجماعة رحمة، والفُرقة عذاب» [8].
    هذه الأحاديث ، وقول الله جل وعلا ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [ آل عمران ١٠٣]. خاصة بالجماعة الموصى بها. شعارها : [ قال الله ، قال رسوله. قال الصحابة هم أولو العرفان ] .
    لهذا وجب علينا أن نذكر بعض صفاتهم بإيجاز.
    • الجماعة الحق هي ماكان شعارهم الحق نصرة لقول الله ورسوله وقول سلف هذه الأمة . منهجها الدليل من التنزيل ، لا أقوال أحد من العالمين . والعصمة لقول الله ورسوله وما عداهما يحتج له لا يحتج به.
    • تحقيق قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وفق ما يحبه الله ويرضى . وما وضح سبيله العلماء بتحقيق ومراعاة قاعدة [جلب المصالح ودرء المفاسد]، وهي تدخل في الصدع بالحق . قال الامام الذهبي رحمه الله : الصدع بالحقِّ عظيمٌ يحتاج إلى قوَّةٍ وإخلاصٍ، فالمخلص بلا قوَّةٍ يعجز عن القيام به، والقويُّ بلا إخلاصٍ يُخْذَل، فمن قام بهما كاملًا فهو صدِّيقٌ، ومن ضَعُفَ فلا أقلَّ من التألُّم والإنكار بالقلب، ليس وراء ذلك إيمانٌ، فلا قوَّة إلَّا بالله. [«سير أعلام النبلاء» للذهبي (۹/ ٤٣٤)]
    • الاشتغال بالأسماء وضبطها قبل الأحكام وتنزيلها . وهذا يلزم أن لا تكون الأحكام إلا من معتبر ، فليس كل من هب ودب ينزل الأحكام ويوظفها . فلا بد أن يكون أهلا لها، وهذا لا نعرفُهُ إلا بثناء المشايخ عليه وتزكيته والنصح به.
    • الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح ، والبدء بالأهم فالمهم . فلا يأخذ أهلها العلم إلا عن الموثوقين والربانيين بتطبيق قاعدة [إن هذا العلم دين فلينظر أحدكم عمن يأخذ دينه]
    • إجتماعهم على الحق ، وهو لا ينافي قاعدة الولاء والبراء . فيحبون ما أحب الله ورسوله ويبغضون ما كره الله ورسوله ، ويوالون أهل الحق لا لأجل الأصحاب والأنساب وذرائع الدنيا. وينصحون في السر ولا يقرون المخالفات والمنكرات خلافا للمخذلة أصحاب المنهج الأفيح. الذين يكتلون على حساب الدين ، ويتصفون بالمداهنة لأجل مصالحهم الخاصة. فعن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: « مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا» [9]
    • إجتماعهم يكون على حقيقة الأخوة الإيمانية . قال الشيخ أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله : فإن الأخوة الإيمانية قد عقدها الله وربطها أتم ربط بعقيدة التوحيد الذي هو الغاية من إيجاد الخلق وإرسال الرسل وإنزال الكتب وهو دعوة المجددين في كل عصر وزمان إذ لا تخلوا الأرض من قائم لله بالحجة فلا تنقطع دعوة الحق عن هذه الأمة من العهد النبويّ إلى قيام الساعة «وَ لَن تَزَال طَائِفَةٌ مِن أُمَتِي ظَاهِرينَ عَلى الحَقّ لاَ يَضُرُهُم مَن خَذَلَهُم ولاَ مَن خَـالَفَهُم حَتىّ يَأتِيَ أَمرُ اللهِ وهُم عَلى ذَلِك» ،ومزية أهلها معروفة بمواقفها في كلّ جيل ببيان التوحيد والتحذير من الشرك بمختلف مظاهره، وبيان السنّة من البدعة، ونصرة أهل الحقّ والعلم والإكثار منهم، ونبذ أهل الشرك والبدع وإذلالهم، لا يمنعهم تفرّق الناس عليهم أن يؤتمر بهم فيما يأمرون به من طاعة الله تعالى، وما يدعون إليه من دين ويفعلونه ممّا يحبّه الله تعالى، إذ الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو أحقّ بها، ولا ينتصرون لشخص انتصاراً مطلقاً سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لطائفة إلاّ للصحابة رضوان الله عليهم مع ترك الخوض فيهم بمنكر من القول والتنَزّه عن الكلام في واحد من الصحابة بسوء؛ فأهل هذا الموقف متّفقون على أنّ كلّ واحد يؤخذ من قوله ويترك إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. إهـ
    ولقد تواتر النصح من علمائنا ومشايخنا حفظهم الله على محافظة السلفيين لهذه الجماعة. الحق فأردت أن أسرد بعض النصائح المأخوذة من العلماء في حال واقعنا اليوم، التي تحافظ على جماعة الحق وتبعدها عن الاختلاف فيما بينهم ، وهي على شكل مسائل :
    • المسألة الأولى: انشراح الصدر عند وقوع النصح وإقامة الحجة .لأن شعار أهل الحق قبوله ، والشكر لمن قدمه ، والثناء عليه ، لأنه من قبيل المعروف الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بمكافأة أهله . قال ابن الوزير رحمه الله : والقاصد لوجه الله لا يخاف أن يُنقد عليه خَلَلٌ في كلامه، ولا يَهاب أن يُدَلَّ على بطلان قوله، بل يحب الحق من حيث أتاه، ويقبل الهدى ممَّن أهداه، بل المخاشنة بالحق والنصيحة أحبُّ إليه مِن المُداهنة على الأقوال القبيحة، وصديقك مَن أَصْدَقَكَ لا من صدَّقَك، وفي نوابغ الكلم وبدائع الحِكم: (عليك بمَن يُنذر الإبسال والإبلاس وإيَّاك ومَن يقول: لا باس ولا تاس). [«العواصم والقواصم» لابن الوزير (١/ ٢٢٤)]
    • المسألة الثانية: تحقيق مقتضى الصبر على الأخوة ، وأن يكونوا رحماء فيما بينهم . بخفض جناح الذل بعضهم لبعض ، وأن يُحترم الكبير ويُوقر الصغير . وليعرف كل ذي قدر قدره وهذا أدعى للمحافظة على بعضهم البعض . ويكون النصح فيما بينهم باللين و الحكمة والبصيرة والهدى.
    • المسألة الثالثة: أن لا يتركوا سبيلا لمن يفرق شملهم ، ويوقع بينهم الحسد والبغضاء . وأن يربطوا أنفسهم وإخوانهم بالرجوع للمشايخ والعلماء . وهذا للقضاء على فتنة التصدّر، وحب الزعامة ، والظهور كما قال السلف : حب الظهور يقصم الظهور.
    • المسألة الرابعة: أن لا يشتغلوا بمن يريد تضعيف همتهم وتكسير شوكتهم لينال منهم. وهذا حال المخذلين والمميعين الذين يتربصون للانتقام بكل ما أوتوا من قوة بالكذب والافتراء والطعن في العلماء وطلبة العلم خاصة.
    • المسألة الخامسة: أن يبنوا هذه الدعوة فيما بينهم على مسألة التصفية والتربية ، وأن يربوا بعضهم على نصرة الحق وأهله . وهذا أدعى للثبات على المنهج الحق ، فالغاية هي الاعتصام بحبل الله جميعا على هدي رسوله بفهم سلف هذه الأمة. فإن أخلص أحدنا بما قصد به من صدق الاهتداء ، فإنه يهدى إلى الهدى ويجنبه الله جل وعلا الردى لقوله تعالى ﴿إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال ٧٠]. لأن الخطأ وارد ، والتقصير حاصل في المعاملات وفي السلوك وما أشبه ذلك. والمعصوم من عصمه الله .
    فمن وقع في هذا التقصير فليتق الله وليتب إليه ، وليصلح حاله وليجلي صلاحه على قدر ما علم من فساده ما استطاع إلى ذلك سبيلا . وهذا أبرأ لذمته وأحفظ لمكانته ، لأن أهل الانحراف يتصيدون الأخطاء والعثرات ويتتبعون الزلات ويصطادون في الماء العكر.
    هذه النصائح تخص أهل المنهج الواضح، الذين هم على السبيل المرتضى والطريق المهتدى حفظهم الله جل وعلا وجعلهم شوكة في حلق أهل الأهواء. وهي نصيحة غالية من عالمنا وإمامنا العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، إذ قال : الآن الهرج كثير والقال والقيل كثير وذلك مما يقسى القلوب ، وفقنا الله وإياكم للإيمان الصادق والعمل الصالح. وأوصيكم يا إخوتاه بالتآخي فيما بينكم والبعد عن أسباب الشقاق والخلافات. ولا تُثر أنت مسألة تؤدي إلى الخلاف وأنت لا يجرك الشيطان بمجرد أن يخطأ أخوك يجرك إلى الخلاف والخصومة. تعلموا الصبر، تعلموا الحكمة أنتم الآن في هذا الوقت بأشد الحاجة إلى الحلم والصبر والحكمة واللطف.. لا نقول : اسكت وجامل وداهن، انصح واصبر واحلم لوجه الله تبارك وتعالى . والله ستستقيم أموركم يا أبناءنا وتتلاحمون وتتآخون فيما بينكم. أنا أوصيكم يا إخوة بتقوى الله ومراقبته والتآخي والتعاون على البر والتقوى والبعد عن أسباب الفتن وأسباب الخلافات. [الذريعة إلى بيان مقاصد كتاب الشريعة (م٢ ص٥٧٦)]

    فندعو الله أن يرزقنا الإخلاص وأن يجمعنا على خير وهدى وأن يبصرنا بالردى، إنه سميع مجيب. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


    أخوكم
    أبو أسامة فيصل الأهراسي

    سوق اهراس في: ٢٥ شوال ١٤٤١

    1. - صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (٢۹٣٧).
    2. - مشكاة المصابح ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ( ١/۹۹).
    3. - صحيح الترمذي (٣٥٢٢).
    4. - صحيح أبو داود (١٤٢٥).
    5. - حسَّنه الألبانيُّ في صحيح سنن التَّرمذي (٢٥١٠).
    6. - نيل الأوطار ( ۹/٢٣١).
    7. - تخريج كتاب السنة (٨٦).
    8. - السلسلة الصحيحة برقم (٦٦٧).
    9. - صحيح البخاري (٢٤۹٣).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أسامة فيصل الأهراسي; الساعة 2020-06-20, 02:20 PM.

  • #2
    مقال منهجي ماتع .. لا يُمل من قراءته ؛ به نصائح منهجية سلفية.
    وكذلك عرفناكم أخي فيصل ..
    فبارك الله فيكم وزادكم علما. ونفعا لإخوانكم.

    تعليق


    • #3
      احسن الله اليك وبارك الله فيك اخي

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X