إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[صوتية وتفريغها]: (الصداقة والأصدقاء) لفضيلة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب العقيل حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] [صوتية وتفريغها]: (الصداقة والأصدقاء) لفضيلة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب العقيل حفظه الله

    الصَّداقَةُ والأَصْدِقَاء

    لفضيلة الشَّيخ: مُحمَّد بن عبد الوهَّاب العقيل
    حفظه الله تعالى ورعاه، وثبَّته على الإسلام والسُّنَّة، وجزاهُ عنا خير الجزاء




    (
    تصفح التفريغ)
    (تحميل التفريغ)
    (تحميل الصوتية)



    التَّفريغ:







    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}
    [آل عمران:102].
    {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
    [النساء:1].
    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
    [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإنّي أبدأ بشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه العظيمة؛ نعمة الإسلام، ونعمة الأمن والأمان، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة الاجتماع لذكره وشكره، نشكره سبحانه وتعالى على القرآن، نشكره سبحانه على الإسلام، نشكره سبحانه على أن جعلنا من أمة بدر التمام ومسك الختام نبينا محمد ﷺ.
    ثم أشكر بعد شكر الله عز وجل الإخوةَ القائمين على هذا الملتقى الذين جمع الله عز وجل بهم هذه الجموع الطيبة على ذكره وشكره، وأسأل الله عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسنات الجميع.

    أحبتي في الله:
    بشارة بشّر بها النبي ﷺ كلّ من اجتمع يذكر الله عز وجل، يقول ﷺ في الحديث المتفق عليه: «إن لله ملائكة سيارة فضلى يلتمسون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا وحفّ بعضهم بعضا، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا انصرف أهل المجلس عرج الملائكة إلى ربهم سبحانه وتعالى» عرجوا أي صعدوا؛ لأن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه وعرشُه فوق سماواته، تصعد هذه الملائكة المباركة الذين يشاركوننا المجلس؛ يصعدون إلى الله عز وجل بعد الفراغ من المجلس، فيسألهم سبحانه وتعالى -وهو العليم بنا وبهم-: «أي ملائكتي، من أين جئتم؟ فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يذكرونك ويسألونك ويستعيذونك ويستغفرونك، قال الله عز وجل لملائكته: وماذا يسألوني؟ قالت الملائكة: يسألونك جنتك، قال ربنا عز وجل: وهل رأوا جنتي؟ قالت الملائكة: ما رأوها يا ربّ، قال الله: فكيف لو رأوها. قال الله: وممَّ يستعيذونني؟ قالت الملائكة: يستعيذونك من نارك، قال الله للملائكة: وهل رأوا ناري؟ قالوا: ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها. قالت الملائكة: ويستغفرونك»، اسمعوا البشرى معاشر الأحبة، «قال الله للملائكة: أشهدكم -أي ملائكتي- أني قد أعطيتهم ما سألوا» أي: الجنة «وأجرتهم مما استجاروا» أي: النار «وغفرت لهم، تقول الملائكة: أي رب، فيهم فلان عبدٌ خطّاء، إنما جاء لحاجة فجلس، قال الله: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
    فنسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الجنة، وأن يُجيرنا من النار، وأن يغفر ذنوبنا ولكل من حضر هذا المجلس المبارك.

    أيها الأحبة في الله:
    موضوعُ هذه الكلمة موضوعٌ مهم، ولما أردت البحث فيه ظننتُ أن الموضوع سهلٌ جدا، وأنّ مفردات هذا البحث قليلة، ولكنْ بعد أن دخلتُ فيما كتبه العلماء في هذا الموضوع -أي: أعني موضوع الأصدقاء- وجدته موضوعا طويلا جدا، واكتشفتُ اكتشافا وهو أنّي مُقصّرٌ أشد التقصير في حقوق الأصدقاء، فضلا عن حقوق الإخوان في الله، لأني قرأتُ في معنى الصداقة عجبًا؛ أمورا عجيبة في معنى الصداقة، ومَن هو الصديق، وماذا يجب للصديق على صديقه!
    قرأت أمورا عجيبة، وحِكما عجيبة، وأمثالا كثيرة، اكتشفتُ بعدها أن هذا الموضوع في الحقيقة موضوع مهم؛ لأننا نُمضي مع أصدقائنا وقتا لا يُمضيه أحدنا مع أبيه وأمه أبدا، ولو سألتُ عامة الحضور: مع من حضر إلى هذا المكان؟ لقال: حضرت مع أصدقائي، ولو سألناه: أين كنت قبل أن تحضر إلى هنا؟ لقال: كنت مع أصدقائي، ولو سألناه: إلى أين تنوي الذهاب بعد هذا الدرس؟ لقال: أذهب إلى أصدقائي.

    فالأصدقاء شريحةٌ هامةٌ في المجتمع الآن، والوقت الذي يُمضيه الإنسان مع صديقه وأصدقائه وقتٌ طويل جدا، والفوائد التي يجنيها الإنسان من أصدقائه إن كانوا أصدقاء خيرٍ كثيرةٌ جدا، يعود نفعها عليه في الدنيا والآخرة، والأمور التي قد تنتج عن الصديق السّيّء كثيرة جدا على الإنسان في الدنيا والآخرة.

    ولكن لعلنا نذكر أهمّ هذه الأمور من باب التذكير، وبيان أهمية الموضوع، ثم يبدأ الإنسان يبحث عن هذا الأمر في مظانّه.

    —*فأول أمر -معاشر الأحبة-: تعريف الصداقة، ما هي الصداقة؟
    الصداقة -معاشر الأحبة-: هي المودَّة والمُخالّة والمُصاحبة، الصديق هو الذي تُحبه من أقرانك، تُحب الجلوس معه، تُحب الذهاب إليه، تُحب أن يأتيك، تُحب أن تزوره، تُحبّ أن تُؤدّي إليه خدمة، تفرح إذا ذُكر اسمه، تُكثر مِن ذكر اسمه، تُحبّ أن تُمضيَ وقتا طويلا معه، تُحب أن تُؤدي إليه خدمة بلا مقابل.
    فإن قيل: ما الفرق بين الصديق والأخ في الله عز وجل؟
    فالجواب: الناس بالنسبة للتعارف ثلاثة أنواع:
    —
    النوع الأول: المعارف، الذين تعرف أسماءهم وأوصافهم، وربما التقيت معه المرة والمرتين، هذا بينك وبينه معرفة، لكن ليس بينك وبينه ميلٌ قلبيّ.
    —
    والمرتبة الثانية: مرتبةُ الأخوّة في الله عز وجل، وهي أوثق عرى الإيمان التي قال عنها النبي ﷺ: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله»، وقال عنها النبي ﷺ: «سبعة يُظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله...» ذكر منهم: «...ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا عليه، وافترقا عليه»، وهذه مرتبةٌ عاليةٌ جدا، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا إياها.
    —
    لكن هناك -أحبتي في الله- مرتبة، إنسان بينك وبينه علاقة قويّة، لكن ما وصلت هذه العلاقة إلى درجة الأخوّة في الله، ما وصلت، ولا سيما إذا كنا في الالتزام وسطا أو في التدين وسطا أو في التعاون على البر والتقوى وسطا، ما اسم هذه العلاقة؟ اسمها الصداقة، صداقة، بيني وبينك مودة، تحبني وأحبك، وقلبك يميل إليّ وقلبي يميل إليك، أفرح بلقائك، أُحبّ أن أمضيَ وقتا طويلا معك، أفرح بزيارتك، تفرح بزيارتي، وين جاي؟ جاي لصديقي فلان، وين رايح؟ رايح لصديقي فلان، هذه مرتبة وسط، لا نقول أنّ بين هذين الشابين أُخوَّة في الله، الأمور ما وصلت إلى هذه الدرجة، ولا نقول بينهما مجرد معرفة عابرة، كيف معرفة عابرة وأنت وإياه من سنوات تخرجان جميعا وتدخلان جميعا!
    هذه هي أحبتي في الله مرتبة الصداقة، المرتبة الوسط بين ُمجرّد المعرفة وبين الأخوّة في الله عز وجل.


    * كيف تختار صديقك؟
    سؤال مهم، ولا سيما لأبنائي في مرحلة الشباب.
    الجواب على هذا: إنَّ اختيار الصديق قد يأتي بالاختيار، وقد يأتي بالاضطرار.


    أولا: الرُّوح لها دور كبيرٌ في اختيار الصديق، كما نقول: الإنسان مُبرمَج، الإنسان يألَف ويُؤلَف، هكذا خلق الله عزوجل الإنسان، الإنسان يقول: ما سُمّي الإنسان إنسانا إلا لأنه يأنس بالناس، ويأنس الناس به، يُحبّ أن يختلط بالناس، يُحبّ أن يختلط به الناس، يُحبّ أن يزور الناس، يُحبّ أن يزوره الناس.
    لكنّ الناس أجناس، منهم ماس، ومنهم غير ماس، الماس تعرفونه؛ يعني الجوهر الجيد هذا، كما قال النبي ﷺ: «الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».

    إيش معنى تجد أن الناس اليوم ينقسمون إلى عدة شرائح؟ اذهب الآن إلى أي تجمّع من التجمّعات تجد أناسا هكذا قد اجتمعوا على شيء معين، كما نقول باللغة الدراجة: أوتوماتيك؛ أوتوماتيكيا هكذا، يعني بدون إرادة. تدخل مكانا لا تعرف فيه أحدًا، مباشرة تجد أن مجموعة من الناس قد تآلفوا واجتمعوا، مجموعة أخرى قد تآلفوا واجتمعوا، مجموعة ثالثة قد تعارفوا واجتمعوا وتآلفوا، إيش الذي جمعهم؟ الذي جمعهم هذه الروح.

    الروح -معاشر الأحبة- مخلوقٌ موجود في أجسادنا، ما من إنسان إلا وفيه روح، وهذه الروح مخلوق عجيب جدا، نعم نحن نؤمن ونُقرّ قال ربنا عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا}
    [الإسراء:85]، ما رأينا أرواحنا ولا ذقنا أرواحنا ولا شممنا أرواحنا ولا لمسنا أرواحنا، لكننا نؤمن بوجودها ونرى أثر وجودها، فالطفل في بطن أمه يكون جنينا ميتا بلا حراك ثم بعد المائة والعشرين يوما يأتي الملَك بهذه الروح -الله أعلم من أين أحضرها- فينفخها في بطن هذا الجنين فتنبني على هذا النفخ أحكام كثيرة، يُصبح جنينا له وزنه وله قيمته، تشعر الأم بالحركة، يفرح الأب، دائما تجد الأب يلمس بطن المرأة؛ يرى ابنه ويشعر بوجود ابنه، كل هذا بعد نفخ الروح.
    هذه الأرواح خلقها الله عز وجل على أشكال، ولذلك النبي ﷺ يقول: «الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف».
    قد تكون روحُك روحا جيدة تتبع الجيدين الطيبين، قد يكون في روحك شيء تحتاج إلى معالجة ومداواة.

    يقول بعض السلف -رحمهم الله-: دخلنا بلدة فعرفنا خيار أهلها من شرار أهلها في يومين، دخل بلدا كاملا عرف شرار أهلها من خيار أهلها في يومين، قالوا كيف يرحمك الله؟ قال: دخلنا هذه البلدة ومعنا خيارُنا ومعنا شرارنا، فذهب خيارنا إلى خياركم فعرفنا أنهم خيار؛ طيبين يعني، وذهب شرارنا إلى شراركم فعلمنا أنهم شرار؛ يعني ناس أشرار.

    فالروح أخي الشباب: الروح هذه مخلوق عجيب جدا، لها دور كبير في اختيار الأصدقاء، فإن كانت روحا صادقة؛ نفسا مطمئنة تدعوك دائما إلى صحبة الأخيار، وإن كانت نفسا فيها دخن تدعوك دائما إلى صحبة الأشرار.

    وعلاجُ روحك هذه بيدك، إن رأيت روحك دائما تدعوك إلى صحبة الأشرار فقل لها: قفي اتق الله فيّ، عالجها؛ اقرأ عليها القرآن، ذكّرها بالله عز وجل، ذكّرها بالنبي ﷺ، اقرأ عليها النصوص الواردة في فضل صحبة الأخيار وفي النهي عن صحبة الأشرار، وإن كانت روحا طيبة اسْأَل الله عز وجل أن يُثبّتها وأن يُعينها فإنها تهديك بإذن الله إلى كل خير.
    إذن، هذا الأمر الأول في اختيار الأصدقاء؛ الطور الكوني الاضطراري الذي لا قدرة لك فيه، وهذا أمر سيؤثر على مستقبلك في الدنيا والآخرة.

    سأل الصحابة النبي ﷺ: فيم العمل يا رسول الله؟ أفي أمر قد فُرغ منه أم في أمر جديد؟ قال: «بل في أمر قد فُرغ منه»، قالوا ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: «اعملوا، فكل مُيسَّر لما خُلق له».
    اعمل، الجنة طريقها معروف، والنار طريقها معروف، انظر أنت الآن {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}
    [الإسراء:14]، أنت تعرف أن الأخيار في الجنة، وأنت تعرف أن الفجار في النار، وأنت تعرف {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:7-8].
    فإن كان صحبة الأخيار أمرٌ قد يُسّر لك فاحمد الله على هذا، واعرف أنك كما يسَّرَ الله لك صحبة الأخيار في الدنيا ستكون صاحبا لهم يوم القيامة، فإن المرء مع من أحبّ.
    وإن كان المُيسَّر لك -والعياذ بالله- صحبة الأشرار فانتبه لنفسك! فأنت لا تحبّ أن تكون مع الأشرار يوم القيامة، قل يا نفسي: قفي يا نفسي، لا تضطريني إلى صحبة الأشرار يوم القيامة. ولذلك لما قال النبي ﷺ: «المرء مع من أحب» قال أنس كما في البخاري: «فوالله ما فرحنا بعد الإسلام بمثل هذه الكلمة، فأنا والله أحب رسول الله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم في الجنة، وإن لم أعمل بأعمالهم، ولكن بحبي لهم».
    فمحبة الأخيار وصحبة الأخيار دليلُ حُبّ الله عز وجل لك، ودليلُ إرادة الله عز وجل لك الخير، ودليل أنك سائرٌ في طريق الجنة، وإن كانت الأخرى فالأخرى والعياذ بالله.
    هذا الأمر الأول، إذن الروح لها دور عظيم جدا.


    الأمر الثاني: لا بدّ أن تختار صديقا ديّنا صاحب دين، فإنّ «المرء على دين خليله» كما قال النبي ﷺ، والقرين بالمقارن يقتدي.
    أقلّ شيء أن لا تصاحب فاسقًا، إن استطعت أن تصحب أهل الدين أهل العلم أهل الفضل أهل التقوى الذين يُعينونك على كل خير؛ الذين يُشجعونك على عملك الصالح؛ يُعلّمونك إذا جهلت، يُذكرونك إذا نسيت، ما استطعت أن تصحب هذه الطائفة الفاضلة أقلّ شيء لا تصحب الفساق، من الفساق؟ الفساق المصرون على الكبائر، المجاهرون بها، يقولون: «لا تصحب الفاسق فإنه يبيعك بكلمة أو أقلّ منها»، لا تصحب.
    اصحب أهل الدين، أو أقلّ شيء اصحب إنسانا عاديا؛ إنسانا ابن حلال مستور الحال يُصلّي فرضه ويخاف ربه؛ ما عنده ذاك التدين الزائد لكن ما عنده فسق، قالوا: «لا ينبغي للمسلم أن يُدنّس عرضَه بصحبة الفساق»، وقالوا: «ما الدخان على النار بأدلّ عليها من الصاحب على صاحبه»، وقالوا:
    عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي






    لو سألوني عن فلان: إيش رأيك بفلان؟ أقول: والله ما أعرفه لكني أعرف ممشاه؛ يُماشي فلانا وفلانا، يقولون: ونِعم الرجل، لأن فلانا رجل صالح وفلانا رجل صالح، ما يمشي مع الصالحين إلا صالح، لكن والله فلان ما أعرف حاله لكني أرى ممشاه مع فلان الذي لا يصلي وفلان المصر على الذنوب وفلان المجاهر بالمعصية، قالوا: بئس الرجل فلان، أعوذ بالله كيف؟ قالوا: مِن ممشاه عرفناه.
    إذن، إذا ما استطعت أن تصحب رجال العلم والدين والفضل أقلّ شيء أن تصحب الإنسان العادي، لعلك أن تتعاون أنت وإياه على الخير، فيصلح هو وتصلح أنت.


    الأمر الثالث، وهو أمر مهم معاشر الأحبة: لا تصحب إلا رجلا على السنة، والسنة ضدّ البدعة، والبدعة فنون وطرق وأشياء كثيرة لا حصر لها، نعوذ بالله منها.
    الفِسْق يكون في الشهوات، والبدعة تكون في الشبهات، ولذلك يقولون: إذا وُفّق الشاب لصديق من السنة أو إمام من السنة هُدي، وإذا وُفق الشاب لصديق أو إمام أو شيخ من أهل البدع ضلّ، وكان السلف رحمهم الله يقولون: «لا تُصاحبوا أهل البدع فيُمرضوا قلوبكم»، تمرض.

    والثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي ﷺ فلما أُخبروا عنها كأنهم تقالّوها، فتعاهدوا على الزيادة في العبادة، فبلغ ذلك النبي ﷺ فغضب وخطب الناس، وقال: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إنّ أعلمكم وأتقاكم بالله أنا»، ثم قال: «فمن رغب عن سُنّتي فليس مني».
    فأنت إذا صاحبت صاحب البدعة صاحبت إنسانا تبرأ منه النبي ﷺ.

    فلا بدّ أن تعرف ممشاك أخي الشاب المسلم، لا بدّ أن تتأكد من هذا الذي تمشي معه: هل هو على السنة أم على البدعة؟ إن كان على السنة فعضّ عليه بنواجذك؛ طبعا معنويا لا حسيا، لا تعضه حسيا وإنما يعني تمسك به، وإن كان على البدعة فانبذه نبذَ النواة، لأن المبتدع -حفظكم الله- يضرُّك من حيث لا تشعر، لا تشعر أبدا، يضرُّك ويهديك إلى طرق الضلالة من حيث لا تشعر.

    ونحن الآن معاشر الشباب معاشر الأحبة في زمان غُربة، وفي زمان فتن، يجب على طالب العلم أن يتقي الله عز وجل، ويجب على الشاب المسلم أن يحتاط لدينه؛ لأنه ربما ظن أنه على خير وهو على خلاف ذلك.

    فصحبة أهل البدعة هلاكٌ في الدنيا والآخرة، والأرض تموج بأهل البدع، يقول ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»، ويقول: «إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، واحدة التي قال عز وجل عنها: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}
    [آل عمران:103].
    وقال: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}
    [الأنعام:153].

    فالله الله معاشر الشباب في دينكم، الله الله في عقائدكم، الله الله في من تتلقَّوْن عنه العلم، الله الله فيمن تصحبونه؛ لا بدّ أن يكون على السُّنّة، وهذه الفرق كلها ظاهرها الخير، وظاهرها الصلاح، وظاهرها الدعوة إلى الله! كما قال النبي ﷺ في حديث حذيفة، قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا».
    فانتبه أخي الشاب الحبيب، لا تصاحب مبتدعا ولو فَرَش لك الأرض بالحرير، فاللهُ أحبّ إلينا منه، ونبينا ﷺ أحبّ إلينا منه.
    إذا قدمتَ يوم القيامة وقد رضي الله عز وجل عليك وسخط عليك الناس، هل تخاف شيئا؟ ولو قدمتَ يوم القيامة وقد سخط الله عنك ورضي عليك الناس هل ينفعك شيئا.
    إذا صحّ منك الودّ يا غاية المنى *** فكلّ الذي فوق التراب تراب






    والنبي ﷺ يقول: «أنا فرطكم على الحوض، وإنه ليُذاد بأناس من أمتي عن حوضي، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا -أحدثوا يعني: ابتدعوا- بعدك، إنهم لم يزالوا منقلبين على أعقابهم منذ فارقتهم»، قال: «فأقول سحقا سحقا -بُعدا بُعدا- لمن فرّق سنتي وتركها بعدي».
    ما يشفع له النبي ﷺ، ولا يشرب من حوضه ﷺ.


    الأمر [الرابع] -حفظكم الله-: أن يكون حَسَن الخلق.
    إذا أردت أن تصحب إنسانا فانظر إلى مدى تمسكه بالأخلاق الفاضلة الأخلاق الشريفة الأخلاق المباركة، انظر إلى عقله، انظر إلى حِلمه، انظر إلى كرمه، انظر إلى إخلاصه، انظر إلى صدقه، انظر إلى شجاعته، انظر إلى عفّته، أقلّ شيء لا تصحب سيء الخلق، إن كنت ما تميز إياك أن تصحب سيء الخلق، لا تصحب الفاسق، لا تصحب الكذاب، قالوا: «لا تصحب الكذاب، فإن صحبته كالسراب..»، السراب معروف؛ هذا الضوء الذي تراه من بعيد تظنه ماء {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء}
    [النور:39]، «..فإنه يُقرّب البعيد ويُبعد القريب»، لا تصحبه أبدًا، «ولا تصحب البخيل فإنه يخذلك في أحوج الأوقات إليه»، لا تصحب إلا صاحب الخلق الحسن.
    وصاحبُ الخلق الحسن -معاشر الأحبة- يُؤثر على صاحبه، وكم استفاد أصدقاء من أصدقائهم خُلقا حسنا، كرما، عدلا، صدقا، أمانة، حياء، وكم استفاد الآخرون من أصدقائهم صفات غير جيدة.

    ولذلك اختبر صديقك، انظر هذا الرجل الذي تُريد أن تُعطيه قلبك، الذي تُريد أن تُؤثِرَه على نفسك، الذي تريد أن تتّصل معه وتتصف به، الذي تُريد أن يكون مرآة لك؛ إذا ذُكِر ذكرتُ وإذا ذُكرتُ ذُكِر، لا بدّ أن يكون صاحب أخلاق شريفة.

    ومنزلة الخلق الحسن في الإسلام منزلة عالية، قال الله عن نبينا المصطفى ﷺ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم}
    [القلم:4]، وقال النبي ﷺ: «ما من شيء يوضع في ميزان العبد المسلم يوم القيامة أثقل من الخلق الحسن»، وقال ﷺ: «إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة القائم الذي لا ينام والصائم الذي لا يُفطر».

    فإذا صحبتَ صاحب الخلق الحسن أثّر عليك؛ يُعديك عدوى طيّبة، تصير تستحي مثل ما يستحي، تصير طيبا مثل ما هو طيب، تتعلم منه الكرم، تتعلم منه الشجاعة، تتعلم منه الصدق، الإخلاص؛ هكذا، أما إذا صحبتَ الآخر -والعياذ بالله- تعلمت منه الأخلاق الأخرى.
    إذن لا بد -حفظكم الله- من صحبة صاحب الخلق الحسن.


    * أنواع الأصدقاء بحسب الصحبة نوعان، ولكل نوعٍ من هذين النوعين حقوق:
    - النوع الأول: «الصحبة الاضطرارية»، نحن نصحب أناسا ليس على شرطنا وليس على مذهبنا، وأرواحنا مع أرواحهم متنافرة، نصحب أناسا في السفر ولهم علينا حقوق، نصحب أناسا في المدرسة ولهم علينا حقوق، نصحب أناسا في العمل ولهم علينا حقوق، نصحب أناسا في الحيّ ولهم علينا حقوق؛ وإن لم يكونوا على مذهبك وإن لم يكونوا على شرطك، فلهؤلاء الذين تصحبهم حقوقا لا بدّ من تأديتها.

    وإليكم -معاشر الأحبة- بعض القواعد الذهبية في معاملة من اضطُرِرْت إلى صحبته في المدرسة أو في العمل أو في الحيّ أو السفر ممن يُخالفك معتقدًا أو يُخالفك عادة أو طبعا أو نحو ذلك:


    القاعدة الأولى: قول الله عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم}[فصلت:34-35].
    إذا اضطُرِرتَ إلى مصاحبة غير المسلمين في العمل أو في الدراسة هنا أو في الخارج أو في السفر أو في الحي أو في الدراسة أو في نحو ذلك من الأمور {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ






    أحسن إلى هذا الذي اضطررت إلى صحبته تستعبدْ قلبَه، وهكذا كان ديدنُ النبي ﷺ في معاملته للكفار، وفي معاملته للمنافقين الذين كانوا يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر، كان يدفع بالتي هي أحسن -ﷺ- وكان يتآلف قلوبهم وكان يردّ سيّئهم بالإحسان، أتاه يهودي يوما من الأيام وقال: «السام عليك يا محمد»، وكانت أمنا الصديقة بنت الصديق عائشة ا حاضرة قالت: «عليك السام واللعنة»، النبي ﷺ قال: «وعليك»، راعى حقّ الصحبة وحق الزيارة؛ زاره هذا في بيته «ولمن دخل بيتك حقّ عليك»، وحق الصحبة، فقال النبي ﷺ: «وعليك»، قالت عائشة: «ما سمعت ما قال؟» قال لها: «وأنت ما سمعت ما قلتُ؟» قالت: قال السام عليك، يعني: الموت عليك، قال: «وأنا قلت: وعليك»، والله يستجيب دُعاء النبي ﷺ في اليهودي ولا يستجيب دعاء اليهودي في النبي ﷺ.

    ويذكر لي واحد يقول: كنت في مجلس فيه أهل سنة وأهل بدعة، فقال بعض أهل البدعة لما رأى سُنّيّا يدخل المجلس، مسك سِنّه هكذا فقال: آه؛ يتأوه من الألم، آه لعنة الله عليك يا سني، فهمتَ؟ لعنة الله عليك إيش؟ يا سني، الجالسين يظنون أنه يلعن سِنّه لأن سِنّه يؤلمه، وهو لا؛ يدعو يلعن أهل السنة! فغضب هذا قال: الله يلعنك ويلعن سنّك، وهذا خطأ على كل حال، ذاك مبتدع أخطأ، وهذا خطأ، قال الله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

    فهذه قاعدة ذهبية في معاملة من اضطررت إلى صُحبته من غير المسلمين أو من غير أهل السنة «ادفع بالتي هي أحسن»، لا تُكثر من الأعداء، أعداؤك كثير؛ الشيطان والنفس والهوى والمبتدعة والكفار؛ كثير جدا، فلا تُكثر أعداءك {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
    هذه القاعدة الأولى -حفظكم الله-.


    القاعدة الثانية: قال ربنا عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}[الأعراف:199]، يقول المفسرون: «هذه أجمع آية في الأخلاق».
    {خُذِ الْعَفْوَ} يعني: اصبر على الناس، وعامل الناس بالخلق الحسن، واقبل ما جاء منهم عفوَ الخاطر، ولا تُفتّش ما وراءهم.
    {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}الأمر بالمعروف أصل من أصول ديننا مع النهي عن المنكر.
    {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين} لا تُناشب الناس؛ كلّ واحد أخطأ عليك أخطأت عليه! لا سيما من رزقه الله عز وجل استقامة، قال النبي ﷺ: «العلماء ورثة الأنبياء»، وماذا قال الله لنبيه ﷺ؟ {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}
    [الأحقاف:35] يعني: أنك تصبر على الناس، «الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالطهم ولا يصبر على أذاهم».

    ولو ذهبنا الآن في سؤالٍ -معاشر الأحبة- إلى طبيب الأسنان وقلنا: يا طبيب الأسنان، كم مرة من المرات تعرضت لعضّ اليد وللضرب؟ لقال: مرات لا تُحصى! مئات المرات يعض المريضُ طبيبَ الأسنان ويضرب المريض طبيب الأسنان ويدفعه بكل قوة! لكن اسألوا طبيب الأسنان كم مريضا عضضتَ؟ وكم مريضا ضربت؟ أبدا، ولا ضرب واحدا ولا عضّ واحدا، ليش؟ لأنه طبيب، المريض معذور بمرضه، أما الطبيبُ طبيب.

    فالجاهل والمبتدع وغير المسلم والفاسق إذا أخطأ عليك تَعذُره؛ تقول: مسكين! كما قال النبي ﷺ عن نبي من الأنبياء ضربه قومه فشجّوا رأسه فصار يمسح الدم عن رأسه ويقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون».

    وإذا رأيت ضالا وأنت على الهداية لا تظنّ أن هدايتك بيدك، ولا بحولك ولا قوتك، لا والله، الهداية هديّةٌ من الله عز وجل بلا حولٍ منك ولا قوةٍ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}
    [الإنسان:1]، ما كنت شيئا حتى هديت نفسك {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان:2-3].

    ولذلك إذا رأيت مبتلى بكفرٍ أو بدعة أو فسق قل: الله يرفع عنك ولا يَبْلاني، اللهم كما هديتني بلا حول مني ولا قوة أسألك أن تثبتني على الهدى. الله هدانا بلا حول منا ولا قوة، نسأل الله الثبات.
    لذلك {خُذِ الْعَفْوَ} أخي الفاضل {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين}.


    القاعدة الثالثة -حفظكم الله-: أن تأتي الناس بمثل ما تحب أن يأتوك به، التوسط والعدل والرفق وأن تأتي الناس بمثل ما تحب أن يأتوك به.
    كيف تحب أن يعاملك الناس عامل الناس.


    القاعدة الرابعة: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ}[المائدة:8].
    خلِّك إنسانا عادلا، لا تكن إنسانا ظالما، لا يجوز لك أن تظلم، «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا»، لا يجوز للمسلم أن يظلم أحدا؛ لا يظلم كافرا ولا يظلم مبتدعا ولا يظلم فاسقا ولا يظلم غيره، ما تظلم أحدا، عامل الناس بالعدل، إذا عاملت الناس بالعدل والله ِأحبَّك الناس، وإن كانوا أعداء لك في المذهب والدين والعقيدة لعلّ عدلك هذا يؤثر عليهم، ولو أردنا أن نذكر مئات القصص في من استجلبه عدلُ النبي إلى الإسلام أو عدل الصحابة إلى الإسلام لطال بنا المقام.


    الأمر -حفظكم الله- الخامس من القواعد الذهبية: الحرص على أن تكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر.
    كن أخي الفاضل، أخي الشاب المسلم، كن في كل مكان تنزل فيه مفتاحا للخير مغلاقا للشر، يقول النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب وهو يُعطيه الراية لحرب اليهود: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»، رجل واحد يهديه الله عز وجل بك -وهم في معركة- خيرٌ لك من حمر النعم.

    وهذه الأمة التي تراها من مشرق الأرض إلى مغربه كلها أمة النبي ﷺ مسلمهم وكافرهم وعربيهم وعجميهم، والله الذي لا إله غيره إن نبينا محمدا ﷺ يُحب أن تُسلم كل هذه الأمم ويُحب أن تدخل كل هذه الأمم الجنة، والله، وما يحبّ ﷺ أن يدخل إنسان على وجه الكرة الأرضية النار، ﷺ، قال الله عزوجل: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}
    [المائدة:118] قام بها النبي ﷺ ليلة كاملة، أفلا تحبّ أخي الشاب المسلم أخي الداعية أخي طالب العلم أن تَخْلُف النبي ﷺ في أمّته بخير؟ ألا تحب ما يُحب النبي ﷺ؟ أما تكره ما يكره النبي ﷺ؟

    النبي يحب هداية هذه الكرة الأرضية كلها، ويكره ضلال هذه الكرة الأرضية كلها، فكن أخي الشاب مفتاحا للخير مغلاقا للشر في كل مكان تنزل به، «فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم».
    والله عز وجل يقول: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
    [المائدة:32]وهكذا في الهداية والضلال، نسأل الله الثبات.

    - «الصداقة القلبيَّة» أخي الفاضل، «الصداقة الاختيارية»: اخترتَ صديقا من بين مليارين في الكرة الأرضية؛ اخترت صديقا لك، ما حقُّ هذا الصديق عليك؟ إيش حقه؟ اخترته.
    والله أنا لما قرأت حقوق الأصدقاء الحقيقة عرفت أني والله أوّل واحد مقصّر، أبدًا والله ما خدمت أصدقائي ولا قمت بحقوقهم، أستغفر الله من ذلك، وأسأل الله عز وجل أن يُعينني على أداء حقوق أصدقائي في المستقبل.


    * شيء عجيب جدا حقوق الأصدقاء، اسمعوا -حفظكم الله- بعضها على وجه الاختصار:
    الحق الأول -حفظكم الله-: «المحبة القلبية»، «المحبة الصادقة»، ليس محبة النفاق، إذا يعني جاءك ما شاء الله فتحتَ له الكشرة، حتى يرى أسنان التركيبة آخر الضروس، وإذا غاب سَلَقْتَه، نسأل الله العافية! كما قال يعني:
    يُعطيك من طرف اللسان حلاوةً *** ويروغ منكَ كما يروغ الثعلبُ

    ألا رُبّ من تدعو صديقًا ولو ترى ***مقالته بالغيبِ ساء ما يفري
    مقالته كالشهد ما كان شاهدا *** وفي الغيب مأثور على ثغرة النحر







    إذا كنت أمامه يا هلا ويا سهلا ويا مرحبا و[....] ذبح وسلخ، نعوذ بالله من هذا، ما هذا حق الأصدقاء، وأنت لست صديقا في الحقيقة، أنت عدوّ مُغلّف، يعني أخذوك إلى أصحاب التغليفات والهدايا وغلفوك بكيس بلاستيك [...].

    ففي الحقيقة أنت لست صديقا، أنت في الحقيقة سُمّ بعسل، نعوذ بالله من هذا، لو أنك جاي هكذا لربما انتبه إليك صديقك، هذا النوع من الأصدقاء الذي يقول عنه صاحب المثل: «احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة».
    وتفسير هذا بالمثل العامي عندنا يقولون: «الخبري شين»، الخبري الذي خبرك، كما قيل كذلك: «من عرفك صغيرا حقرك كبيرا»، قال فرعون لموسى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِين}
    [الشعراء:18]، رأيتم! الذي يعرفك ويعرف أصلك وفصلك وصغرك وكبرك هذا خطير جدا تنبَّه.

    ولذلك مِن حقّ صديقك عليك أن تكون صديقا له في المُشاهد وصديقا له بالغيب، تُحبه محبّة الصديق إلى صديقه، لا تكن محبة نفاق، نسأل الله العافية.

    —
    الأمر الثاني: «التحية الصالحة وإفشاء السلام والبشاشة عند اللقاء»: حياك الله يا أبا فلان، أهلا بأبي فلان، مرحبا بأخي أبي فلان، واحد قال: والله أنا أعرف النحو كله، لكن مرة يقولون أبو فلان، ومرة يقولون أبا فلان، ومرة يقولون أبي فلان! [...] متى تكون أبو ومتى تكون أبا ومتى تكون أبي؟ قال: إذا كان الرّجّال رجّال قل أبو فلان؛ حياك الله يا أبو فلان، وإذا كان وسطا قل حياك الله يا أبا فلان، وإذا كان مشّي حالك قال حياك الله يا أبي فلان، بدل من الجر المسيكين كسّره.

    فحفظك الله، التحية الصالحة وبشاشة الوجه عند اللقاء وإفشاء السلام من أعظم حقوق صديقك عليك، والنبي ﷺ وهو يُبين لنا الأمور التي تتآلف فيها قلوبنا قال: «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا» ما فيه جنة إلا للمؤمنين، «ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلَا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا -أفشوا: أظهروا، أشيعوا- السلام بينكم».
    كلما دخلتَ قل: السلام عليكم ورحمة الله، حياك الله يا أبا فلان، يلّا صبحوا بالخير يلّا مسوا بالخير يلّا حيوا، يا أهلا ويا سهلا ويا مرحبا، هذا من حقّ -حفظكم الله- صديقك عليك، [.......].

    وقالوا من الأمثال العامية باللغة السودانية عن البشاشة سمعتها في السودان، يقولون: «دجاجة مُباشر ولا ذبيحة مُكاشر»، «دجاجة مباشر» يعني: إنسان عزمك وقدّم لك دجاجة لكنه يضحك: يلّا حيوا يا أهلا وسهلا، «ولا ذبيحة مكاشر»: واحد عزمك على ذبيحة لكنه مُقطّب؛ تفضل على عشاكم حياك الله هكذا ومكشّر، الله المستعان.

    وعندنا في الحجاز باللغة العامية يقولون: «لاقيني ولا تُغديني»، يعني: لاقني بوجه طلق ولا تُغديني، فالناس شبعانة الحمد لله؛ لا سيما وهذه المطاعم السّفري والتوصيل المجاني، نحمد الله ونشكره، في القديم ما كان فيه مطاعم سفري ولا توصيل مجاني، ربما جاء الضيف إلى صاحب البيت فاضطرّ أن يذبح له شاته الغالية أو فرسه، وربما اضطر أن يذبح له ابنه كما تعرفون القصيدة المشهورة عن ذاك العربي الذي أراد أن يذبح ابنه، ما عندهم توصيل مجاني وإلا ما اضطر أن يذبح ابنه، نسأل الله العفو والعافية.

    —
    الأمر الثالث -حفظكم الله-: «أن تكون نافعا لصديقك دنيويا وأخرويا»، لابدّ أن تُقدّم لصديقك نفعا، يعني أنت صديقي وتحبّني وتزعم أنك تحبني وبيني وبينك علاقة، ومضيّع أنا تقريبا ثلاثة أرباع وقتي معك، ورايح لفلان وجاي من فلان وما استفدت من صحبتك شيئا لا في دنياي ولا آخرتي! وهذا أمر يجب علينا -حفظكم الله- أن نتنبّه إليه.

    لا بد أن تكون لصديقك عونا؛ نِعم العون، في أمور دنياه تشير عليه بالرأي الطيب، إذا احتاج إلى قرض تُقرضه، إذا احتاج إلى مال تُعطيه، إذا احتاج إلى أن توصله توصله، سيارة تُعيره، وهكذا من الأمور، أو الأمور الأخروية؛ إذا رأيته على معصية تنصحه، إذا رأيته ثقُل في الصلاة تُعينه، إلى غير ذلك من الأمور، فوالله إنها أمور مهمة جدا.

    جاءني شاب -حفظكم الله- وقال: صديقي ما يصلي إيش أفعل معه؟ وله مدة هل أهجره؟ قلت له: لا، اصبر حفظك الله، خذ لك مدة من الوقت تتألف قلبه، تألّف قلبه بالهدايا والممازحة والمضاحكة وحسن العشرة وغير ذلك، إن صلى فالحمد لله، قال: إن ما صلى؟ قلت: انتقل بعد هذا إلى الكيّ، إيش الكي؟ قلت: اهجره، قل: يا صديقي والله ما أكلمك ولا تكلمني، كلامك عليّ حرام وكلامي عليك حرام وبيتك عليّ حرام وطعامك عليّ حرام وشرابك [...] حتى تُصلي، طيب قال: إن هجرته وما صلى؟ قلت: اكتب ورقة وَرُحْ للهيئة قل: فلان ما يصلي، قال: الله أكبر أشتكي صديقي؟ قلت: نعم تشتكي صديقك، يروح عند الهيئة وتأتي الهيئة وتُخرج ورقة من الدّرج: ترى آخر مرة ولّا يا ويلك، إيش اللي يسوّونه الهيئة؟ يأخذون على [...] ويرغبونه؛ يخوّفونه من الله عز وجل: اتق الله، يُهدونه شريطا، يهدونه مطوية لعل الله أن يهديه، قال: صعبة يا أخي أشتكي صديقي، قلت: يا سبحان الله! تشتكيه لعل الله أن يهديه فيدخل الجنة أو تتركه فيموت فيدخل النار، أيهما أحسن؟ قال: لا والله أشتكيه للهيئة لعل الله أن يهديه فيدخل الجنة أحسن من أن أتركه فيموت كافرا فيدخل النار، هذا من حق صديقك عليك -حفظك الله وحماك-.

    —
    الأمر الرابع: «الحرص على تأليف قلبه بالإحسان والمعروف والهدايا مع ترك المنّ».
    الأصدقاء لا بد أن يكون بيننا وبينهم معروف، يُهدي إليّ وأُهدي إليه، والنبي ﷺ قال: «تهادوا تحابّوا»، ولا سيما إذا كان محتاجا فقيرا تقوم بشؤونه وتُعينه على نوائب دنياه لكن من غير أن تمنّ عليه، لا تمنّ عليه، إذا أهديته شيئا لا تمنّ عليه، والهديّة معروف تفعل فعلها؛ يعني طيبا في القلوب.

    —
    الأمر الخامس: «التسامح والعفو عن زلّات الصديق وقَبول عذره إذا اعتذر».
    العصمة هذه لرسول الله ﷺ، والناس كلهم خطّاؤون كما قال النبي ﷺ: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، فلا بد أن يقع صديقك في زلل ولا بد أن يُخطئ صديقك ولا بد أن يتلفظ عليك لفظة غير جيدة، فأنت عليك بالعفو والتسامح والصبر.
    إذا كنتَ في كلّ الأمور معاتبًا *** صديقكَ لم تلقَ الذي لا تُعاتبه






    الناس ليسوا معصومين، لا بد أن يظهر منهم يوما من الأيام خطأ، كيف تعامله؟ تُعامله بالتسامح والعفو عن الزلات، فإذا اعتذر إليك وَجَب عليك شرعا أن تَقْبَل عُذْرَه.

    —
    الأمر السادس -حفظكم الله-: «شُكره على إحسانه إليك، والدعاء له بظهر الغيب».
    يقول النبي ﷺ: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، فإذا أهدى إليك صديقك هديّة تشكره، ولا أقل -حفظكم الله- من رسالة بالجوال sms ... تقول: جزاك الله خيرا على هديتك، تدعو الله له بظهر الغيب، تشكره على الهدية.

    —
    الأمر السابع -حفظكم الله-: «توثيق الصداقة بأمر خطير جدا، إيش الأمر الخطير؟ توثيق الصداقة بالتصاهر»، تتزوّج منه، تتزوج أخته، طبعا ليس بزواج الشغار؛ وإنما الزواج الشرعي، توثيق العلاقة بالتصاهر هذه سُنّة من سنن النبي ﷺ، والذين تحدثوا عن الحِكم في كثرة زواج النبي ﷺ قالوا من الحِكم: أنّ النبي ﷺ أراد أن يُؤلّف قلوب بعض القبائل بأن يتزوج منها، فإذا تزوج منها أحبوه، إذا تزوّج الإنسان من الإنسان -حفظكم الله- أحبّه وصار ابنا له، وإذا كنت ما عندك بنات ولا أخوات خلّوا عديلا لك؛ عديلك، وعندنا في الحجاز في المدينة يقولون يعني: قالوا فلان إيش هو؟ قال: فلان أحبّ الناس إلي، عمك؟ قال: أقرب وأقرب، خالك؟ قال: أقرب وأقرب، أخوك؟ أقرب وأقرب، إيش أقرب من الأخ؟ قال: عديلي؛ زوجتي وزوجته أخوات، فالأصدقاء إذا أخذوا أخوات بعض في الحقيقة هذا يُديم الصداقة، وهذا أمر جرّبه غير واحد.

    —
    الأمر الثامن -حفظكم الله- وهو مهم: «محاولة أن نرفع درجة الصداقة إلى درجة الأخوّة في الله».
    الله أكبر! هذه الدرجة الشريفة، المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة.

    كيف نرفع -حفظك الله- درجة الصداقة إلى درجة الأخوة في الله؟
    نرفع مستوانا العلمي والديني، إذا ارتفع مستوانا العلمي والديني ارتفعت العلاقة بيننا إلى مرتبة الأخوة في الله، نتعاون على طلب العلم، نتعاون على أداء الشعائر الدينية، نتعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بهذا -حفظكم الله- ترتفع الدرجة.

    —
    الأمر التاسع: «الدعاء له بعد موته».
    كثير من الأصدقاء أُصيبوا بمصيبة عظمى بموت أصدقاء لهم، فهذا الصديق الميت تراه الآن في أمسّ الحاجة إليك، صديقك لا تنس الأيام الحلوة التي أمضيتها معه، لا تنس تلك الرحلات الجميلة، لا تنس تلك النزهات، لا تنس تلك النّكات، لا تنس تلك الضحكات، لا تنس الهديّة التي أهداها إليك، الآن مسكين هو في أمسّ الحاجة إلى دعائك لأنه الآن حسابٌ ولا عمل.اهـ

    فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
    15 / شوَّال / 1441هـ

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين


    - الصداقة والأصدقاء - الشيخ محمد بن عبد الوهاب العقيل.pdf
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن أسامة; الساعة 2020-06-08, 01:01 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      بورك أخي أبو محمد ، ما أحوجنا إليه اليوم ! جعل ذلك في ميزا حسناتك ، آمين .

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
      يعمل...
      X