إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تقريب الأفهام إلى ما في مباحث النية من الأحكام للشيخ فركوس حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تقريب الأفهام إلى ما في مباحث النية من الأحكام للشيخ فركوس حفظه الله

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، أمّا بعد:

    فيغلب استعمال لفظ النيّة عند الفقهاء للدلالة على القصد بمعنيَيْه:

    قصد الفعل المراد تحقيقه وإحرازه أوّلاً، وهو قصد العبادة ويسمّى النيّة المباشرة أو النيّة الأولى.
    والثاني قصد الغاية المبتغاة من وراء تلك العبادة أو ذلك الفعل، وهو قصد المعبود، ويسمّيه علماء التوحيد والسلوك ب «الإخلاص» أو النيّة غير المباشرة أو النيّة الثانية، وقد نصّ ابن تيميّة (1) رحمه الله (ت: 728) على هذا التّقسيم بقوله: «أنّ النيّة المعهودة في العبادات تشتمل على أمرين: على قصد العبادة وعلى قصد المعبود.
    وقصد المعبود هو الأصل الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيّنة: 5]، وقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (2) فإنّه صلّى الله عليه وسلّم ميّز بين مقصودٍ ومقصودٍ، وهذا المقصود -في الجملة- لا بدّ منه في كلّ فعل اختياريّ ..
    وأمّا قصد العبادة فقصدُ العمل الخاصّ، فإنّ من أراد اللهَ والدّارَ الآخرة بعمله: فقد يريده بصلاةٍ وقد يريده بحجٍّ، وكذلك مَن قصد طاعتَه بامتثال ما أمره به فقد أطاعه في هذا العمل، وقد يقصد طاعته في هذا العمل، فهذا القصد الثاني مثل قصد الصلاة دون الصوم، ثمّ صلاة الظهر دون صلاة العصر، ثمّ الفرض دون النفل، وهي النيّة التي تُذْكَر غالبًا في كتب الفقه المتأخّرة، وكلّ واحدة من النيّتين فرضٌ في الجملة.
    أمّا الأولى: فبها يتميّز من يعبد الله مخلصًا له الدّين ممّن يعبد الطّاغوتَ أو يشرك بعبادة ربّه، ومن يريد حرث الآخرة ممّن يريد حرث الدّنيا، وهو الدّين الخالص لله الذي تشترك فيه جميع الشّرائع، الذي نهى الأنبياءَ عن التّفرّق فيه كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشّورى: 13].
    وأمّا النّيّة الثانية: فبها تتميّز أنواع العبادات وأجناس الشرائع، فيتميّز المصلّي من الحاجّ والصائم، ويتميّز من يصلّي الظهر ويصوم قضاء رمضانَ ممّن يصلّي العصر ويصوم شيئًا من شوّالٍ، ويتميّز من يتصدّق عن زكاة ماله ممّن يتصدّق من نذرٍ عليه أو كفّارةٍ.
    وأصناف العبادات ممّا تتنوّع فيه الشرائع، إذ الدينُ لا قِوامَ له إلاّ الشريعة، إذ أعمال القلوب لا تتمّ إلاّ بأعمال الأبدان، كما أنّ الروح لا قوام لها إلاّ البدن» (3) [بتصرّفٍ].
    وهذا المعنى أفصح عنه ابن حزمٍ (4) رحمه الله (ت: 456) من قبلُ حيث اعتبر النيّة «سرّ العبوديّة وروحها، ومحلّها من العمل محلّ الرّوح من الجسد، ومحالٌ أن يُعتبر في العبوديّة عملٌ لا روح له معه، بل هو بمنزلة الجسد الخراب» (5).
    هذا، والنّيّات تشكّل مباحثَ هامّةً في مختلف العلوم وأبواب الفقه، وهي غير محصورةٍ بعددٍ، وإن صرّح الشّافعيّ -رحمه الله- أنّ حديث النّيّة يدخل في سبعين بابًا من الفقه، وما ترك لمبطلٍ ولا مضارٍّ ولا محتالٍ حجّةً إلى لقاء الله تعالى (6)، فقد علّق النّوويّ (7) رحمه الله (ت: 676) على ذلك بأنّه لم يُرِدِ انحصار أبوابه في هذا العدد، بل إنّها أكثر من ذلك (8)، وقال السيوطيّ (9) رحمه الله (ت: 911) في آخِرِ قاعدة «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ما نصّه: «اشتملت قاعدة «الأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا» على عدّة قواعدَ كما تَبيّن ذلك مشروحًا، وقد أتينا على عيون مسائلها، وإلاّ فمسائلها لا تحصى وفروعها لا تستقصى» (10).
    لذلك كان أمر النيّات محلّ عناية العلماء على اختلاف تخصّصاتهم، فحظيت موضوعاتها بالتّأليف والتناول، وأُفردت لها مؤلفاتٌ ورسائلُ، منها: ما ألّفه ابن تيميّة رحمه الله (ت: 728) في كتابٍ فريدٍ سمّاه «الأعمال بالنّيّات» (11)، كما وضع أبو العبّاس القرافيّ (12) رحمه الله (ت: 684) مؤلَّفه الموسوم ب «الأمنية في إدراك النيّة» (13)، وشرح السيوطيّ رحمه الله (ت: 911) حديث النيّات في كتاب بعنوان: «منتهى الآمال شرح حديث: إِنَّمَا الأَعْمَالُ» (14)، وكذا شرحه محمد عارف بن أحمد في مؤلَّفٍ سمّاه: «الذّخيرة المَرْضِيّة في شرح: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» (15)، وللدكتور صالح بن غانم السدلان كتابٌ بعنوان: «النيّة وأثرها في الأحكام الشرعيّة» (16)، وللدكتور عمر سليمان الأشقر -أيضًا- مؤلَّفٌ موسومٌ ب «مقاصد المكلَّفين فيما يُتعبَّد به لربّ العالمين» أو «النيّات في العبادات» (17)، وكذا لمحمّد رؤوف بهنسيّ مؤلَّفٌ بعنوان: «النيّة في الشريعة الإسلاميّة» (18) وغيرهم.
    ونظرًا لعظيم موقع النيّات وخطرها على الأعمال؛ فقد رأيت من المفيد أن أُسْهِمَ في تقريب مادّتها وموضوعاتها إلى الأفهام، وإظهار حقيقتها وما يتّصل بها من أحكامٍ في هذه الرسالة المتواضعة التي سمّيْتُها: «تقريب الأفهام إلى ما في مباحث النيّة من الأحكام».
    وأخيرًا أسأل اللهَ تعالى العونَ والتوفيق والسداد في تحقيق المبتغى والمزيد من كلّ عملٍ جادٍّ، فهو نِعْمَ المعين على الخير، وخير كفيلٍ بالثّواب، وصدق الشاعر إذ يقول:
    إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى فَأَوَّلُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ (19)
    وقال آخَرُ:
    إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى أَتَتْهُ الرَّزَايَا مِنْ وُجُوهِ الفَوَائِدِ (20)
    وقال آخَرُ:
    إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى فَكُلُّ مُعِينٍ مَا عَدَا اللهَ خَاذِلُ (21)

    والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، وسلّم تسليمًا.

    الجزائر في: 23 من ذي القعدة 1431 ه
    الموافق ل: 31 أكتوبر 2010 م


    https://ferkous.com/home/?q=maqalate-taqrib

    يتبع....

  • #2
    المبحث الأوّل: معنى النيّة في اللغة والاصطلاح

    النيّة في -الاشتقاق اللغويّ- مصدر نوى الشيء ينويه نيّةً ونواةً، وأصلها «نِوْيَة» بكسر النّون وسكون الواو، ووزنها فِعْلَة اجتمعت الواو والياء وسُبِقَتْ إحداهما بالسّكون فقُلبتِ الواو ياءً وأُدغمت في الياء (22)، والنّيّة وإن كانت مصدرًا فإنّها تُجمع على نيّاتٍ باعتبار تنوّعها.


    والنّيّة في مدلولها اللّغويّ تدور على القصد، وإن كان غالب استعمالها على العزم، قال الفيوميّ (23): «خُصّت النّيّة في غالب الاستعمال بعزم القلب على أمرٍ من الأمور» (24)، وجاء في «اللّسان»: «نويتُ نيّةً ونواةً أي عزمتُ وانتويتُ مثله» (25).


    والنّيّة في الاصطلاح الشّرعيّ لها ثلاثة معانٍ: أعَمُّ وعامٌ وخاصٌّ.

    أ- النّيّة بمعناها الأعمّ هي: «عمل القلب» (26) كما عرّفها ابن القيّم (27) رحمه الله (ت: 751) أو «وجهة القلب» (28) كما عرّفها التّيميّ (29) رحمه الله (ت: 172)، لكنّ هذا التّعريف السابق بعمومه المطلق غير مانعٍ من اشتماله على ما ليس بقصدٍ ولا عزمٍ إن كان إرادةً، إذ الإرادة قد لا تكون نيّةً كالشّهوة والمشيئة والهمّ والهاجس والخاطر وحديث النّفس، ومن جهةٍ أخرى فإنّ عمل القلب ووجهته قد لا يكون إرادةً بل رغبةً أو رهبةً أو خجلاً أو كراهيةً أو خوفًا أو حبًّا وما إلى ذلك، لذلك كان تعريف النّيّة بأنّها عمل القلب ووجهته أعَمَّ من المعرَّف.

    ب- النّيّة بمعناها العامّ: فقد عرّفها القرافيّ (30) رحمه الله (ت: 684) بقوله: «قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله» (31)، والقاضي البيضاويّ (32) رحمه الله (ت: 685) بأنّها: «عبارةٌ عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافِقًا لغرضٍ من جلب نفعٍ أو دفع ضرٍّ حالاً أو مآلًا» (33)، والتّعريف مقيَّدٌ بما يميّزه عمّا عداه، وتظهر شموليّة هذا المعنى العامّ للأعمال الدّنيويّة والأخرويّة، فضلاً عن عموم تناوُله للإرادة الجازمة منها وغير الجازمة.

    ج- أمّا النّيّة بمعناها الخاصّ فقد عرّفها البيضاويّ (34) رحمه الله (ت: 685) ـ أيضًا ـ بأنّها: «الإرادة المتوجّهة نحو الفعل ابتغاءً لوجه الله تعالى وامتثالاً لحكمه» (35)، أو هي: «قصد الطّاعة والتّقرّبُ إلى الله تعالى في إيجاد الفعل (36) أو الكفِّ عنه».

    يتبع

    تعليق


    • #3
      المبحث الثّاني: في حكم النّيّة والحكمة منها:

      أوّلاً: في حكم النّيّة
      النّيّة سرّ العبوديّة وروح العمل ولبّه وقوامه، وقد اختلف العلماء في حكمها في العبادات على أقوالٍ:
      فمذهب الأحناف والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة أنّ النّيّة في العبادات شرطٌ في صحّتها (37)، لاقتضاء حديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» معنى الشّرط، أي أنّ الحديث يفيد عدم صحّة المشروط عند انتفاء الشّرط، ولأنّ النّيّة متقدِّمة على العبادة وخارجةٌ عن ماهيّتها، بل العبادة متوقّفة عليها لا تصحّ إلاّ بها، إذ لو كانت ركنًا لاحتاجت إلى نيّة أخرى تندرج فيها، وهو محال لِلُزوم الدّور.
      أمّا أكثر الشّافعيّة فإنّ النّيّة في العبادات -عندهم- ركنٌ في صحّتها لأنّ ركن الشّيء ما يتمّ به وهو داخلٌ فيه، والنّيّة داخلةٌ في العبادة لاقترانها بها وانتظامها مع سائر الأركان.
      وذهب أبو حامدٍ الغزّاليّ (38) رحمه الله (ت: 505) إلى عدّ النّيّة ركنًا في الصّوم دون الصّلاة، ونفى أن تكون من الأركان (39). ووقع عند بعض الشّافعيّة العكس حيث عدّوا النّيّة في الصّلاة ركنًا وفي الصّوم شرطًا من جهة أنّ النّيّة في الصّوم متقدِّمةٌ عليه.
      ويرجع سبب الخلاف -عند التّأمّل- إلى اعتبار النّيّة متقدِّمةً على العبادة أو مقارِنةً لأوّلها ومنتظِمَةً في الأركان وجوبًا، فمَنْ اعتبر الأوّلَ قال بأنّ النّيّة شرطٌ، ومن رأى الثّانِيَ قال بأنّها ركنٌ، ومن خصّص تقدُّمَها في بعض العبادات دون أخرى قال بالتّفصيل.
      وما اختاره العلائيّ (40) رحمه الله (ت: 761) من تفصيلٍ بين ما يتوقّف اعتبار الصّحّة أو حصول الثّواب له وجاهتُه حيث يقول: «فما كانتِ النّيّة معتبَرةً في صحّته فهي ركنٌ فيه، وما يصحّ بدونها ولكنْ يتوقّف حصول الثّواب عليها، كالمباحات والكفّ عن المعاصي فنيّة التّقرّب شرطٌ في الثّواب» (41).
      ثانيًا: في الحكمة من النّيّة (42)
      والحكمة من مشروعيّة النّيّة تظهر في شقّين، ويستتبع بفرعٍ عنهما:
      الشّقّ الأوّل: تمييز العبادات عن العادات
      فالنّيّة تميّز بين العبادات والعادات لوجود تداخُلٍ وشراكةٍ بينهما، حيث إنّ أكثر العبادات لها مثيلٌ في العادات، الأمر الذي يقتضي وجوب التّمييز بينهما، لذلك شُرِعَتِ النّيّةُ لأجل هذه الحكمة في شقّها الأوّل.
      فمِن أمثلة ذلك ما يلي:
      1) الغسل: فقد يكون للعبادة ابتغاءَ الأجر كالغسل من الأحداث، وقد يكون لغرض التّبرّد والتّنظّف والاستحمام وإزالة الأقذار أو يكون للمداواة. وتردّدُ الغسل بين هذه المقاصد يستدعي نيّةً تميّز بينها لينالَ فاعله الثّواب باعتبار فعله قربةً إلى الله عزّ وجلّ عمّا يُفْعَل عادةً لأغراضِ العبادِ.
      2) الجلوس في المسجد: قد يكون لمجرَّد ابتغاء الرّاحة فيعدّ من العادات، وقد يكون انتظارًا للصّلاة أو لغرض الاعتكاف فيكون من العبادات، ولا يفرِّق بين الفعلين السّابقَيْنِ إلاّ النّيّة المميِّزة.
      3) الإمساك عن المفَطِّرات: قد يصوم الممسك عن المفَطِّرات قربةً لله تعالى فيعدّ من العبادات، وقد يكون إمساكه عنها لغرض الحمية أو التّداوي، أو لعدم الحاجة إليها فيكون من العادات، فوجبَتِ النّيّة ليحصلَ التّمييز بين الذي لله عزّ وجلّ وبين ما عداه.
      4) الضّحايا والهدايا: فقد يتردّد الذّبح بين مقاصدَ مختلفةٍ، فقد يكون لتغذية الأبدان وضيافة الضّيفان فيكون مشروعًا مباحًا أو مستحَبًّا، أو يضحّي تقرُّبًا إلى الله تعالى فتكونُ أضحيته المقدَّمة عبادةً مأجورًا عليها، أو يذبح لغير الله تقرُّبًا لقبرٍ أو صنمٍ فيكونُ شركًا محرَّمًا، مأزورًا صاحبُه مؤاخَذًا عليه، فلمّا تردّد الذّبحُ بين هذه المقاصد وجب تمييز ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى عمّا يفعله لغيره، لأنّ النّيّة تؤثّر في الفعل الواحد فيصير بها تارةً حرامًا وتارةً حلالاً (43).
      5) دفع المال: متردِّدٌ بين غرضٍ دنيويٍّ كالهبة والهديّة وغيرهما من سائر التّبرّعات وبين غرضٍ أخرويٍّ يُتقرَّب به إلى الله تعالى امتثالاً لأمره كالزّكاة والصّدقات والكفّارات، والنّيّة تميّز بين هذه الأفعال.
      الشّقّ الثّاني: تمييز مراتب العبادة
      فالنّيّة تميّز بين مراتب العبادات بعضها عن بعض، فمن أمثلة ذلك:
      في العبادات المحضة: تميّز النّيّة مرتبة صلاة الفرض غير المنذور عن المنذور، كما تميّز في الفرض غير المنذور بين صبحٍ وظهرٍ وعصرٍ ومغربٍ وعشاءٍ، وهذه إلى أداءٍ وقضاءٍ.
      وتميّز النّيّة رتبة الفرض من النّفل، والنّفل الرّاتب من المطلق، والرّاتب من غير الرّاتب.
      وتميّز بين ركعتَيِ الفريضة وركعتَيِ الاستسقاء والعيد والجمعة وتحيّة المسجد وركعتَيِ التّطوّع ونحو ذلك. وفي الصّوم تميّز النّيّة بين صوم الفرض والنّفل والكفّارة والقضاء والنذر.



      يتبع

      تعليق


      • #4
        وفي العبادات الماليّة: تميّز النّيّة مرتبة الزّكاة الواجبة من الصّدقة النّافلة، والواجبة من المنذورة والنّافلة وتميّز بين مرتبة الحجّ والعمرة، وبين الحجّ المفروض والمنذور والنّافلة، ولمّا تباينت مراتبها احتيج إلى نيّةٍ فاصلةٍ فشُرِعَتْ لأجل التّمييز بينها.
        - فرعٌ توضيحيٌّ
        يتفرّع عن المقصود من مشروعيّة النّيّة أنّ العبادة الخالصة التي لا تكون عادةً ولا تلتبس بغيرها لا تُشترَط فيها نيّةٌ زائدةٌ عن قصد الفعل: كالإيمان بالله، ومعرفته، وتعظيمه والخوف منه، ورجائه، والحياء من جلاله، والمهابة من سلطانه، والتّوكّل عليه والمحبّة له، والتّسبيح له والتّهليل، وقراءة القرآن وسائر الأذكار، لأنّها قرباتٌ متميِّزةٌ بصورتِها لا لَبْسَ فيها فلا تحتاج إلى نيّة الإضافة إلى الله تعالى إلاّ إذا كانت منذورةً فيُشترَط فيها نيّة التّمييز بين الفرض وغيره (44).
        قال الزّركشيّ (45) رحمه الله (ت: 794): «قال الشّيخ عزّ الدّين (46): لا مدخل للنّيّة في قراءة القرآن والأذكار وصدقة التّطوّع ودفن الميّت ونحوها ممّا لا يقع إلاّ على وجه العبادة» (47).

        فالعبادات المحضة -إذن- التي لا تتداخل مع غيرها تصير طاعةً بقصد فعلها، فلا تحتاج إلى نيّة الإضافة ولا إلى نيّة التّخصيص؛ لأنّها منصرِفةٌ إلى الله تعالى بطبيعتها لا يستحقّها سواه، فيكفي فيها القصد إلى الفعل وإلاّ لَلَزِمَ أن تحتاج النّيّة إلى نيّةٍ أخرى، الأمرُ الذي يؤدّي إلى التّسلسل والدّور وهما محالان. وهذا بخلاف ما يلتبس بغيره من العادات والعبادات؛ فإنّه لا يكفي مجرَّد قصد الفعل، بل لا بد من نيّةٍ زائدةٍ مميِّزةٍ لتردُّدِ الأعمالِ بين كونِها طاعةً وغيرَ طاعةٍ، ولأنّ المقصود من النّيّة تمييز العمل وتمييز المعمول له، والقرباتُ الخاصّةُ لله المستحَقَّة له التي لا تلتبس بالعادات لا تحتاج إلى نيّةٍ مميِّزةٍ لعدم اللَّبس والاشتباه (48).
        هذا، والمعلوم أنّ الأفعال الاختياريّة لا تصدر إلاّ بقصدٍ وإرادةٍ، والنّيّة اللاّزمة المتعيِّنة للعبادات إنّما هي نيّة إرادة وجه الله تعالى بالإخلاص له، والأفعالُ والقربات الواقعة من غير قصدٍ لا اعتبارَ لها شرعًا، فلو اشتغل أهلُ الأعذار كالمجنون والمعتوه والمخطئ والساهي والغافل والنّائم بشيءٍ من العبادات فإنّه لا يُعْتَدّ بها إن كانت طاعاتٍ، ولا يُعاقَبون عليها إن كانت معاصِيَ لقوله تعالى: ?لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا? [البقرة: 286]، ومَن نام عن صلاةٍ أو نَسِيَها حتّى خرج وقتُها فلْيُصَلِّها إذا ذكرها ولا إثم عليه ولا تفريطَ؛ لثبوت الحديث في ذلك (49)، ومَن أكل أو شرب ناسيًا فلا إثم عليه وصومُه صحيحٌ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ نَسِيَ -وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ» (50)، ولقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (51)، ومن كان مرائِيًا بعمله أو طالبًا لثناءٍ أو محمدةٍ؛ فإنّ عملَه يَبْطُل لانتفاء شرط الإخلاص لقولِه تعالى: ?وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ? [محمد: 33] أو ينقص ثوابه بقدر نقص إخلاصه.

        (1) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (28).
        (2) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب ما جاء أنّ الأعمال بالنيّة والحسبة ولكلّ امرئٍ ما نوى (1/ 20)، ومسلم في «الإمارة» (2/ 920) رقم (1907)، من حديث عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
        (3) «مجموع الفتاوى» لابن تيميّة (26/ 23 - 25).
        (4) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (243).
        (5) «إحكام الأحكام» لابن حزم (2/ 706 - 707).
        (6) انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (9)، «فيض القدير» للمناوي (1/ 32).
        (7) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (401).
        (8) انظر: «شرح البخاري» للعيني (1/ 22).
        (9) هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المصري الشافعي، الإمام الفقيه، الحافظ المحدّث، المؤرّخ الأديب، له مصنّفات كثيرةٌ نافعةٌ منها: «الأشباه والنظائر في فروع الشافعيّة»، و «الأشباه والنّظائر في العربيّة»، و «طبقات الحفّاظ»، و «طبقات المفسّرين»، و «الحاوي للفتاوي»، توفّي رحمه الله سنة (911).
        انظر ترجمته في: «حسن المحاضرة» للسيوطي (1/ 335)، «الكواكب السائرة» للغزّي (1/ 226)، «شذرات الذهب» لابن العماد (8/ 51)، «البدر الطالع» للشوكاني (1/ 328)، «الضوء اللامع» للسخاوي (4/ 65)، «الفكر السامي» للحجوي (2/ 4/ 351).
        (10) «الأشباه والنظائر» للسيوطي (49).
        (11) وهو كتاب مطبوع حقّقه وخرّج أحاديثه عبد الله حجّاج - دار الشهاب - باتنة - الجزائر.
        (12) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (22).
        (13) طبع مرّات عديدة، وممّن حقّقه د. مساعد بن قاسم الفالح، ونشرته مكتبة الحرمين - الرياض (1408 ه/ 1988 م).
        (14) وهو كتاب مطبوع ومتداول حقّقه: مصطفى عبد القادر عطا - دار الكتب العلميّة - بيروت - لبنان، الطبعة الأولى (1406 ه/ 1986 م).
        (15) كتاب مخطوط بدار الكتب الظاهريّة - دمشق.
        (16) نشرته مكتبة الخريجي - الرياض - سنة (1404 ه/ 1984 م).
        (17) نشرته مكتبة الفلاح - الكويت - سنة (1401 ه/ 1981 م).
        (18) طبع ثانية سنة (1407 ه/ 1987 م) - مؤسسة الخليج العربي - القاهرة.
        (19) انظر: «نفح الطيب» للمقري (6/ 177).
        (20) انظر: المصدر السابق (6/ 310، 314).
        (21) انظر: «ديوان عبد الغفّار الأخرس» (903).
        (22) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (81).
        (23) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيّومي المصري ثمّ الحموي الشامي، فقيه ولغوي، من مؤلفاته: «المصباح المنير في غريب الشرح الكبير» و «نثر الجمان في تراجم الأعيان» وديوان خطب، توفّي سنة (770).
        انظر ترجمته في: «الدرر الكامنة» لابن حجر (1/ 314)، «بغية الوعاة» للسيوطي (170)، «كشف الظنون» لحاجي خليفة (1710)، «الأعلام» للزركلي (1/ 224)، «معجم المؤلّفين» لكحالة (1/ 281).
        (24) «المصباح المنير» للفيومي (2/ 632).
        (25) «لسان العرب» لابن منظور (14/ 343).
        (26) «بدائع الفوائد» لابن القيم (3/ 192).
        (27) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (344).
        (28) «شرح البخاري» للكرماني (1/ 18)، «عمدة القاري» للعيني (1/ 23)، «منتهى الآمال» للسيوطي (82).
        (29) هو أبو محمد سليمان بن بلال القرشي التيمي الفقيه المفتي، أحد علماء البصرة، قال ابن سعد: «كان بربريا جميلا، حسن الهيئة عاقلا، وكان يفتي بالبلد، وولي خراج المدينة .. وكان ثقة كثير الحديث»، توفّي سنة (172).
        انظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (5/ 420)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (4/ 103)، «سير أعلام النبلاء» للذهبي (7/ 425)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (4/ 175)، «طبقات الحفاظ» للسيوطي (71)، «شذرات الذهب» لابن العماد (1/ 280).
        (30) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (22).
        (31) «الذخيرة» للقرافي (1/ 240)، «مواهب الجليل» للحطاب (2/ 230).
        (32) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (223).
        (33) انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (30)، «فيض القدير» للمناوي (1/ 30)، «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (24).
        (34) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (223).
        (35) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (81).
        (36) انظر: «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (24).
        (37) انظر: «المغني» لابن قدامة (1/ 110)، «الإنصاف» للمرداوي (1/ 142)، ويستثني الأحناف الوضوء والغسل فإنّ النية فيهما سنة [«حاشية ابن عابدين» (1/ 80)].
        (38) انظر ترجمته في مؤلّفي: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» ص (378).
        (39) انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (43).
        (40) هو أبو سعيد صلاح الدين خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي، كان إماما في الفقه والأصول والنحو، متفنّنا في علم الحديث ومعرفة الرجال، أديبا شاعرا، من مؤلّفاته: «تنقيح الفهوم في صيغ العموم»، و «المجموع المذهّب في قواعد المذهب»، و «جامع التحصيل في أحكام المراسيل»، و «الأربعين في أعمال المتّقين»، توفّي سنة (761).
        انظر ترجمته في: «الدرر الكامنة» لابن حجر (2/ 90)، «طبقات الشافعية» للسبكي (6/ 104)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 109)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/ 190)، «معجم المؤلفين» لكحالة (1/ 688).
        (41) «الأشباه والنظائر» (43)، «منتهى الآمال» (141) كلاهما للسيوطي.
        (42) انظر: «قواعد الأحكام» لابن عبد السلام (1/ 201)، «الأشباه والنظائر» لابن السبكي (1/ 57)، «الأشباه والنظائر» للسيوطي (12)، «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (24).
        (43) انظر: «منتهى الآمال» للسيوطي (119).
        (44) انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي (12)، «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (25).
        (45) هو أبو عبد الله بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الفقيه الأصولي المحدّث، له مصنفات منها: «البحر المحيط»، و «شرح جمع الجوامع»، و «سلاسل الذهب» في الأصول، و «تخريج أحاديث الرافعي»، و «البرهان في علوم القرآن»، توفّي رحمه الله سنة (794).
        انظر ترجمته في: «الدرر الكامنة» لابن حجر (3/ 397)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (3/ 167)، «إنباء الغمر» لابن حجر (3/ 138)، «شذرات الذهب» لابن العماد (6/ 335)، «الفتح المبين» للمراغي (2/ 217).
        (46) هو أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الشافعي، المعروف ب «العز بن عبد السلام» وب «الشيخ عزّ الدين»، برع في علوم شتّى، وتولى مناصب متعدّدة، ومن أشهر كتبه: «قواعد الأحكام في مصالح الأنام»، و «شجرة المعارف»، و «مجاز القرآن» المسمّى ب «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز».
        انظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» للسبكي (8/ 209)، «فوات الوفيات» لابن شاكر (1/ 594)، «مرآة الجنان» لليافعي (4/ 153)، «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 84)، «البداية والنهاية» لابن كثير (13/ 235)، «طبقات المفسّرين» للداودي (1/ 315)، «حسن المحاضرة» للسيوطي (1/ 314)، «شذرات الذهب» لابن العماد (5/ 301).
        (47) «المنثور في القواعد» للزركشي (3/ 288)، «منتهى الآمال» للسيوطي (121).
        (48) «قواعد الأحكام» لابن عبد السلام (1/ 178).
        (49) أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر ولا يعيد إلا تلك الصلاة (1/ 146)، ومسلم في «المساجد ومواضع الصلاة» (1/ 308) رقم (684)، من حديث أنس رضي الله عنه.
        (50) أخرجه البخاري في «الصوم» باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا (1/ 462)، ومسلم في «الصيام» (1/ 512) رقم (1155)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
        (51) أخرجه ابن ماجه في «الطلاق» باب طلاق المكره والناسي (2045)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وللحديث طرق أخرى منها: حديث أبي ذر، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وابن عمر رضي الله عنهم، قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (371): «ومجموع هذه الطرق يظهر أنّ للحديث أصلاً»، وحسّنه النووي في «الأربعين» (328) وأقره الحافظ في «التلخيص الحبير» (1/ 281)، وصححه ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (350)، والألباني في «إرواء الغليل» (1/ 123).


        يتبع

        تعليق


        • #5
          المبحث الثالث في التفريق بين العبادات المفتقرة إلى نية وغيرها

          اختلف العلماء في العبادات التي تفتقر إلى نيَّةٍ لأدائها من غيرها، ومنشأ الخلاف في دخولها في مسمَّى الأعمال من عدمه، واحتياجها إلى نيَّةٍ مميِّزةٍ أم لا.

          يمكن لتحقيق هذه المسألة أن نتعرَّض للمطالب التالية:

          المطلب الأول: الأقوال

          ونعني بالأقوال في هذا المطلب عمومَ الذكر الداخل في العبادة: كقراءة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغيرها، وقد ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنَّ هذه الأقوال لا تحتاج إلى نيَّةٍ مطلقًا لعدم دخولها في حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ» (1).

          والمذهب الصحيح: هو اعتبارها داخلةً في مسمَّى الأعمال، وهي مشمولةٌ بحديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه المتقدِّم، ويدلُّ عليه ما أخبر الله تعالى عنه من حال المحتضَر من الكافرين عند الموت بقوله: ?حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ? [المؤمنون: 99 - 100]، فقد فسَّر ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما العملَ في الآية بأنه قول: لا إله إلا الله (2)، كما يدلُّ عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ» (3)، فقد سمَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قولَ: لا إله إلا الله عملاً، لأن الرجل لم يعمل شيئًا غيره، وهذا المعنى يفيده -أيضًا- حديث معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ (4)» (5).

          وإذا ما اعتُبرت الأقوال داخلةً في مسمَّى الأعمال، فينبغي -درءًا للالتباس- أن يفرَّق بين حالتين من مقاصد المكلَّف: تتعلَّق الأولى بذات الفعل، والثانية بالإخلاص.

          فإذا قصد المكلَّفُ ذاتَ الفعل -وهي الحالة الأولى- فإنه يُفرَّق بين ما إذا كانت الأعمال من الأقوال وغيرها متميِّزةً بنفسها لا لَبْسَ فيها، فإنها لا تحتاج إلى نيَّة الإضافة لله تعالى أو نيَّة التخصيص: كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وغيرها، لأنها أعمالٌ في شكل أقوالٍ بطبيعتها منصرفةٌ إلى الله تعالى لا يستحقُّها سواه (6).

          ونظيرها خطبة الجمعة، فالأصحُّ أنه لا يُشترط فيها النيَّةُ لعدم التباسها بغيرها (7).

          أمَّا إن التبستْ بعض الأقوال ببعضها فإنَّ النيَّة ضروريةٌ للقول التعبُّديِّ تمييزًا لها عن غيرها، كمن نذر قراءة القرآن أو ذكرًا، فإنه تجب فيه النيَّة للتمييز بين المنذور وغيره، وكذلك الأذان فلا يحتاج إلى نيَّةٍ، وقد نقل العينيُّ (8) الإجماع على ذلك (9)، وقد يحتاج الأذان إلى نيَّةٍ للصلاة الفائتة سواء كانت مؤدَّاةً أو مقضيَّةً لشقِّها التوقيفيِّ دون الإعلاميِّ، تمييزًا عن الأذان للصلاة الحاضرة الذي يجتمع فيه الجانب التوقيفيُّ والإعلاميُّ، وكذلك يحتاج الأذان إلى نيَّةٍ مميِّزةٍ للصلاتين المجموعتين في وقتٍ واحدٍ واكتفاء المؤذِّن بأذانٍ واحدٍ.

          وجديرٌ بالتنبيه: أنَّ الألفاظ الصريحة في عموم باب المعاملات -في غير القربات- كالبيع والإجارة والهبة والمزارعة والسَّلَم والنكاح والطلاق وغيرها من الألفاظ الواردة في شيءٍ غيرِ متردِّدٍ، والدالَّة على مدلولها بالمطابقة، فإنها لا تحتاج إلى نيَّة تعيين المدلول لكونها تنصرف إليه مباشَرةً، وكذلك الألفاظ اللغوية التي يغلب عليها الاستعمال الشرعيُّ حتى أصبحت حقيقةً شرعيَّةً كلفظ الصلاة والزكاة والصوم والحج، فإنها تنصرف إلى حقيقتها الشرعية من غير حاجةٍ إلى نيَّةٍ، ولا تنتقل إلى المعاني اللغوية إلاَّ بنيَّةٍ معيِّنةٍ أو مدلولٍ يدلُّ عليها.

          أمَّا الألفاظ الصريحة المتردِّدة بين شيئين -سواء تعيَّنتْ بالاستعمال الشرعيِّ أو العرفيِّ أو اللغويِّ-، فلا تنصرف عن مدلولها الذي وُضِعَتْ له وتعيَّنتْ فيه إلاَّ بنيَّةٍ أو قرينةٍ صارفةٍ، فإذا أُطلقتْ تعيَّنتْ في المعنى الذي وُضعتْ له ودلَّتْ عليه، فهي لا تحتاج إلى نيَّة تعيينٍ، وإنما تفتقر إلى نيَّة قصدٍ، فلو تلفَّظ بها من يجهل معانِيَها أو صدرتْ من غير مكلَّفٍ فإنه -على الصحيح- لا يُلزم بمدلولها (10).


          يتبع

          تعليق


          • #6
            أمَّا الحالة الثانية التي قصد بها الإخلاص؛ فإنَّ الأقوال لا تُقبل إلاَّ إذا كانت مبنيَّةً على إخلاص العبادة لله تعالى، وهو شرط القبول ولا يتمُّ إلا بنيَّةٍ وإرادةِ وجهِ الله عزَّ وجلَّ، وقد ذكر الله تعالى الإخلاص في عِدَّة مَوَاضِعَ من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: ?وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ? [البيّنة: 5]، وقوله تعالى: ?فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ? [الزمر: 2 - 3]، وقوله تعالى: ?قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي? [الزمر: 14]، ومنه قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» (11)، قال ابن تيميَّة -رحمه الله-: «وهذا الحديث يدخل فيه سائر الأعمال وهذه النيَّة تميِّز بين من يريد اللهَ والدارَ الآخرة بعمله، وبين من يريد الدنيا: مالاً وجاهًا ومدحًا وثناءً وتعظيمًا وغيرَ ذلك، والحديث دلَّ على هذه النيَّة بالقصد» (12).

            فالحاصل أنَّ لفظ النيَّة قد يراد به ذاتُ الفعل لتمييز عملٍ من عملٍ وعبادةٍ من عبادةٍ، فإن كانت من القربات التي لا لَبْسَ فيها فإنها لا تحتاج إلى نيَّة التخصيص والتعيين، وإن كانت الألفاظ نصوصًا في شيءٍ غير متردِّدٍ لم تحتجْ -هي الأخرى- إلى نيَّة تعيين المدلول لانصرافها بصراحتها إلى مدلولها، أمَّا إنِ التبستْ بغيرها من القربات، أو تردَّدتْ الألفاظ بين شيئين أو أكثرَ فتحتاج -حالتئذٍ- إلى نيَّة التعيين والتخصيص.

            أمَّا إن أريد بالنيَّة الإخلاص لتمييز معبودٍ عن معبودٍ ومعمولٍ له عن معمولٍ له فإنَّ الأعمال من الأقوال والأفعال لا تُقبل إلاَّ بها (13).

            (1) تقدَّم تخريجه.

            (2) انظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (12/ 150)، «فتح القدير» للشوكاني (3/ 593).

            (3) أخرجه البخاري في «بدء الخلق» باب صفةِ إبلِيس وَجنودِه (3293)، ومسلم في «الذكر والدعاء» (2691)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

            (4) يستفاد من الحديث أهمِّية الذكر وعظيمُ فضله، وأنه من أكبر أسباب النجاة من مخاوف عذاب الله يوم القيامة، وهو من المنجيات -أيضًا- من عذاب الدنيا ومخاوفها، ولذا وردت نصوصٌ في مواقف الجهاد والخطر يقرن الله تعالى فيها الأمرَ بالثبات لقتال أعدائه وجهادهم بالأمر بذكره، قال تعالى: ?إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [الأنفال: 45] [انظر: «سبل السلام» للصنعاني (4/ 213)].

            (5) أخرجه أحمد في «مسنده» (36/ 396)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5644).

            (6) انظر: «الأمنيَّة في إدراك النيَّة» للقرافي (21).

            (7) انظر «الأشباه والنظائر» للسيوطي (12).

            (8) هو أبو الثناء وأبو محمَّدٍ بدرُ الدين محمودُ بن أحمد بن موسى القاهري المصري الحنفي المعروف بالعيني، وهو حلبيُّ الأصل، كان إمامًا في علومٍ شتَّى، وبرع في الفقه والحديث والعربية، وتولَّى قضاءَ الحنفية، وله تآليفُ حسانٌ منها: «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»، و «شرح شواهد الرضيِّ»، وكتبٌ أخرى في الفقه والسيرة والتاريخ، له مآثرُ جمَّةٌ، تُوفِّي سنةَ (855 ه).

            انظر ترجمته في: «الجواهر المضيئة» للقرشي (2/ 165)، و «الضوء اللامع» للسخاوي (10/ 131)، و «حسن المحاضرة» للسيوطي (1/ 473)، و «البدر الطالع» للشوكاني (2/ 294)، «شذرات الذهب» لابن العماد (7/ 287)، «الفكر السامي» للحجوي (2/ 1/ 185).

            (9) «شرح البخاري» للعيني (1/ 35).

            (10) انظر «الأمنيَّة في إدراك النيَّة» للقرافي (22).

            (11) أخرجه البخاري في «العلم» باب من سأل، وهو قائمٌ، عالمًا جالسًا (123)، ومسلم في «الإمارة» (1904)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

            (12) «الأعمال بالنيَّات» لابن تيمية (21).

            (13) ذكر ابن المنير -رحمه الله- ضابطًا لِما يُشترط فيه النيَّة من الأقوال، نقله السيوطيُّ -رحمه الله- في «منتهى الآمال» (125) بقوله: «وأمَّا الأقوال فتحتاج إلى النيَّة في ثلاثة مواطن: أحدها: التقرُّب إلى الله فرارًا من الرياء، والثاني: التمييز عن الألفاظ المحتمِلة لغير المقصود، والثالث: قصْد الإنشاء ليخرج سبْق اللسان».


            تعليق


            • #7
              المطلب الثاني: التروك

              المراد بالترك -لغةً- الطرح أو التخلية والدَّعَة، أي إهمال الشيء ومفارقة ما يكون العبد فيه، وإمَّا تركُه الشيءَ رغبةً عنه من غير الدخول فيه (1).
              والمعتمد من قول الفقهاء أنَّ النواهيَ من باب التروك، إذ يطلقون أفعال التروك على ما نُهي عن فعله (2)، فإنَّ المكلَّف يخرج من عهدة النهي بتركه وعدم القصد إليه وإن لم يشعر. قال القرافي -رحمه الله-: «المطلوب شرعًا: إما نواهٍ أو أوامرُ، فالنواهي كلُّها يخرج الإنسان عن عهدتها بتركها وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها» (3).
              ومذهب جمهور الأصوليين أنَّ الترك فعلٌ خلافًا لأبي هاشمٍ الجبَّائي (4) الذي يرى أنَّ الترك ليس بفعلٍ، واستدلَّ على ذلك «بأنَّ من دُعِيَ إلى الزنا ولم يفعله فإنَّ العقلاء يمدحونه على أنه لم يَزْنِ من غير أن يخطر ببالهم فعلُ ضدِّ الزنا، فعلمْنا أنَّ هذا العدم يصلح أن يكون متعلَّق التكليف» (5).

              والصحيح مذهب الجمهور من أنَّ الترك فعلٌ، ويدلُّ عليه الكتاب والسنَّة وكلام العرب والمعقول:
              - أمَّا بالكتاب: فبقوله تعالى: ?لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ? [المائدة: 63]، فقد سمَّى الله تعالى تَرْك النهي صنعًا، والصنع أخصُّ من مطلق الفعل.
              وبقوله تعالى: ?كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ? [المائدة: 79]، وفي هذه الآية تسمية عدم التناهي عن المنكر فعلاً.
              واستدلَّ السبكي (6) على أنَّ الترك فعلٌ بقوله تعالى: ?وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا? [الفرقان: 30] حيث قال: «الأخذ التناول، والمهجور المتروك، فصار المعنى تناولوه متروكًا أي: فعلوا تَرْكَه» (7).
              - أمَّا بالسنَّة فقد سمَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تَرْكَ الأذى وما لا يعني المسلمَ إسلامًا في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» (8)، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ» (9).
              - أمَّا بكلام العرب فبقول الراجز من الصحابة وقت بنائه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لمسجده بالمدينة (10):
              لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ لَذَاكَ مِنَّا العَمَلُ المُضَلَّلُ
              فسمَّى قعودَهم عن العمل وترْكَهم الاشتغالَ ببناء المسجد عملاً مضلَّلاً (11).
              - أمَّا بالمعقول فلأنَّ النهي تكليفٌ بمقدورٍ، والعدم الأصلي نفيٌ محضٌ ليس بمقدورٍ لا يدخل في وُسْعه، لذلك كان لزامًا أن يكون له أثرٌ وجوديٌّ من جهةٍ، ولأنَّ العدم الأصليَّ حاصلٌ باستمراره -من جهةٍ أخرى-، والحاصل لا يمكن تحصيله ثانيًا، وإذا ثبت أنَّ مقتضى النهي ليس العدمَ فإنَّ العقلاء إنما يمتدحونه على الترك من جهةِ كونِ امتناعه عن الفعل أمرًا وجوديًّا ينافي المنهيَّ عنه وهو فعلُه الضدَّ، وهو تركُ ما نُهِيَ عنه فحصل المطلوب (12).
              هذا، وإذا تقرَّر أنَّ الترك فعلٌ فإنَّ مذهب جمهور العلماء أنَّ التروك لا تفتقر إلى نيَّةٍ (13)، ذلك لأنَّ الترك هو اجتناب المنهيِّ عنه، فيخرج المكلَّف من عهدة الامتثال ولو لم تخطر المناهي بباله، إذ إنَّ استحضار النواهي واستذكار نيَّة الاجتناب على وجه اللزوم تكليفٌ بمشقَّةٍ وهي مرفوعةٌ بنصِّ قوله تعالى: ?لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة: 286]، ?وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ? [الحج: 78].
              أمَّا مذهب بعض أصحاب الشافعيِّ وأحمد فيعتبرون النيَّة في الترك عملاً بالقياس على الأفعال المأمور بها كرفع الحدث، ولا شكَّ أنَّ هذا القياس ظاهر البطلان للفرق بين طهارة الحدث التي هي من باب الأفعال المأمور بها وبين طهارة الخبث فإنها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث، وقد اعتبر ابن تيمية -رحمه الله- هذا القول شاذًّا مخالفًا للإجماع مع مخالفته لأئمَّة المذاهب (14).

              هذا، وما تقرَّر عند عامَّة أهل العلم أنَّ الترك لا يحتاج إلى نيَّةٍ، إلاَّ أنَّ تحقيق المسألة يحتاج إلى التفصيل التالي:
              أنَّ المكلَّف -وإن كان يحصِّل بنيَّته العامَّة الأجرَ والثواب على عموم امتثال الأوامر واجتناب النواهي- إلاَّ أنه إن ترك خصوص المنهيِّ عنه من غير قصد التقرُّب فلا إثابة على الترك المجرَّد، لأنَّ الإثابة إنما تكون على المقصود المنويِّ، أمَّا إذا كان الترك بمعنى كفِّ المرء نفْسَه بإرادةٍ وقصدٍ فيُعَدُّ تركُه فعلاً، كمن يكفُّ نفسه وشهوته عن الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان أو عن الزنا والسرقة وشرب الخمر حالَما أمرتْه نفسُه بمخالفة المأمور شرعًا، فيصير كفُّه فعلاً مأجورًا عليه ومُثابًا لأنه تركٌ مقصودٌ ومرادٌ.
              أمَّا ما عدا هذا من التروك التي لا تخطر بالبال ولا تدور في الخيال فاجتنابها لا يحتاج إلى نيَّةٍ ولا يقع الثواب على الترك إلاَّ إذا كان كفًّا. قال ابن حجرٍ -رحمه الله-: «والتحقيق أنَّ الترك المجرَّد لا ثواب فيه وإنما يحصل الثواب بالكفِّ الذي هو فعلُ النفس، فمن لم تخطر المعصية بباله أصلاً ليس كمن خطرت فكفَّ نفْسَه عنها خوفًا من الله تعالى، فرجع الحال إلى أنَّ الذي يحتاج إلى النيَّة هو العمل بجميع وجوهه لا الترك المجرَّد» (15). وضمن هذا المعنى نفسه قال ابن نجيمٍ (16) -رحمه الله-: «حاصله أنَّ ترْكَ المنهيِّ عنه لا يحتاج إلى نيَّةٍ للخروج عن عهدة النهي، وأمَّا لحصول الثواب: فإن كان كفًّا، وهو أن تدعُوَه النفس إليه قادرًا على فعله فيكفُّ نفسه عنه خوفًا من ربِّه فهو مُثابٌ، وإلاَّ فلا ثواب على تركه، فلا يُثاب على ترك الزنا وهو يصلِّي، ولا يُثاب العنِّين على ترك الزنا، ولا الأعمى على ترك النظر إلى المحرَّم» (17).
              وعليه، فإنَّ عموم المنهيَّات تصير عباداتٍ يُثاب عليها إذا ما كفَّ تاركُها نفسه عنها قصدًا، وهي مشمولةٌ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (18).
              هذا، ونظير هذه المسألة: إزالة النجاسات من البدن والثوب والمكان، فإنها -وإن كانت متردِّدةً بين الأفعال من حيث إنها فعلٌ، والتروكِ من حيث إنها قريبةٌ منها- فقد رجَّح الأكثرون عدمَ اشتراط النيَّة فيها لمشابهتها أفعالَ التروك، خلافًا لمن عدَّ إزالةَ النجاسات من باب المأمور الذي أوجبه الله تعالى وهو التطهُّر من الخبث فتحتاج صورتها في تحصيل مصلحتها إلى النيَّة (19).
              والأشبه التفصيل ووجهه: أنَّ إزالة عين النجاسات لا تجب فيها النيَّة ولا تفتقر إليها لكونها حسِّيَّةً داخلةً في باب التروك لا في باب الأعمال، فلا يُشترط فيها إرادة العبد وعملُه، لأنَّ المقصود منها اجتناب الخبث، فلو زالت بالمطر النازل من السماء أو بسقوط الثوب المتنجِّس في ماء البحر أو النهر أو البئر بفعل الريح أو غيره حصل المقصود بغير نيَّةٍ، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «أنَّ النجاسة من باب ترك المنهيِّ عنه فحينئذٍ إذا زال الخبث بأيِّ طريقٍ كان حصل المقصود ولكن إن زال بفعل العبد ونيَّته أثيب على ذلك وإلاَّ إذا عُدمت بغير فعله ولا نيَّته زالت المفسدة ولم يكن له ثوابٌ ولم يكن عليه عقابٌ» (20).
              - ونظيره: غَسْلُ الميِّت، فمن رأى منه قصْدَ التنظيف اعتبره كإزالة النجاسة في الحكم، فلا يشترط فيه النيَّة لشبهه بالتروك، ومن قاس غَسْلَ الميِّت على غُسْل الجنابة الواجبةِ فيه النيَّةُ عند الجمهور (21) بجامع الطهارة راعى فيه جانب العبادة والوجوب، واشترط فيه النيَّة (22).
              والاستظهار بالقياس غير ناهضٍ للفرق بينهما من ناحيةِ كونه قياسًا على طهارةٍ حكميةٍ، فمشروعية تغسيل الميِّت تنافي جنابتَه إذ لا معنى لرفع الجنابة عنه، وتنافي نجاستَه لأنَّ الحرمة تنافي النجاسة (23)، ولأنه يُكتفى في رفع الجنابة بالغسل الواحد بخلاف تغسيل الميِّت، فقد ثبت في حديث أمِّ عطيَّة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمرهن أن يغسلْنَ ابنته زينب رضي الله عنها فقال: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ» (24)، فأوكل إليهنَّ أمْرَ تكثير الغَسْل بالنظر إلى الحاجة إليه ولا يكون إلاَّ بقصد التنظيف إذ الميِّتة طاهرةٌ. قال السيوطي -رحمه الله-: «لأنَّ النيَّة إنما هي على المغتسل، والميِّت لا يُتصوَّر منه، والمقصود من غَسْله النظافة فأشبه غَسْل النجاسة» (25).
              وعليه، فيتحقَّق غَسْلُ الميت من غير اشتراط النيَّة للحوقه بأفعال التروك، وإنما وجودُ النيَّة للإثابة والأجر.
              - ونظيره: الخروج من الصلاة لا يُشترط فيه النيَّة على الأصحِّ لكونه أليقَ بالترك لا بالإقدام (26).

              (1) انظر: «الكلِّيَّات» لأبي البقاء (298)، «مختار الصحاح» للرازي (77)، «المعجم الوسيط» (1/ 84).
              (2) انظر: «القواعد الفقهية الكبرى» للسدلان (85).
              (3) «الأمنية في إدراك النيَّة» للقرافي (6).
              (4) هو أبو هاشمٍ عبد السلام بن شيخ المعتزلة أبي عليٍّ محمَّد بن عبد الوهَّاب الجبَّائي، تُوفِّي سنة (321 ه). انظر ترجمته في مؤلَّفنا: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (208).
              (5) «الإبهاج في شرح المنهاج» للسبكي وابنه (2/ 71).
              (6) هو أبو نصرٍ تاج الدين عبد الوهَّاب بن عليِّ ين عبد الكافي السبكي، تُوفِّي سنة (771 ه). انظر ترجمته في مؤلَّفنا: «الإعلام بمنثور تراجم المشاهير والأعلام» (234).
              (7) «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (1/ 100).
              (8) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (10) من حديث عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما، ومسلم في «الإيمان» (41) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
              (9) أخرجه الترمذي في «الزهد» (2317) وابن ماجه «الفتن» باب كفِّ اللسان في الفتنة (3976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي في «الزهد» (2318) من حديث عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ مرسلاً، وصحَّحه الألباني في «صحيح الجامع» (5911).
              (10) انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (3/ 216).
              (11) انظر: «مذكِّرة الأصول» للشنقيطي (38، 39).
              (12) انظر: «الإبهاج» للسبكي وابنه (2/ 71)، و «نهاية السول» للإسنوي (2/ 85).
              (13) انظر: «شرح البخاري» للعيني (1/ 32)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (1/ 160)، «منتهى الآمال» للسيوطي (123).
              (14) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (21/ 477)، وممَّن نقل الإجماع البغوي وابن القصَّار وابن الصلاح وغيرهم [انظر: «المجموع» للنووي (1/ 311)، و «مواهب الجليل» للحطَّاب (1/ 160)].
              (15) «فتح الباري» لابن حجر (1/ 15).
              (16) هو زين الدين بن إبراهيم بن محمَّدٍ الشهير بابن نُجَيْمٍ، فقيهٌ حنفيٌّ، جمع إلى جانب الصفات العلمية فضائلَ خلقيةً، له عدَّة مؤلَّفاتٍ منها: «الأشباه والنظائر»، و «البحر الرائق في شرح كنز الدقائق»، «الرسالة الزينية في المسائل الحنفية»، و «شرح المنار ولبّ الأصول»، تُوفِّي سنة (970 ه).
              انظر ترجمته في: «الكواكب السائرة» للغزِّي (3/ 154)، «شذرات الذهب» لابن العماد (8/ 358)، «الفتح المبين» للمراغي (3/ 78)، «الأعلام» للزركلي (3/ 104)، «أصول الفقه، تاريخه ورجاله» لشعبان محمَّد إسماعيل (471).
              (17) «الأشباه والنظائر» لابن نجيم (21).
              (18) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ (1) من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.
              (19) انظر: «المجموع» للنووي (1/ 310)، «الأشباه والنظائر» (12) و «منتهى الآمال» (123) كلاهما للسيوطي، «مواهب الجليل» للحطَّاب (1/ 160).
              (20) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (1/ 430) وانظر (18/ 258).
              (21) انظر: وجوب النيَّة في الوضوء والغُسل عند الجمهور في: «بداية المجتهد» لابن رشد (1/ 18)، «المغني» لابن قدامة (1/ 110).
              (22) انظر: «الأشباه والنظائر» (12) و «منتهى الآمال» (107) كلاهما للسيوطي.
              (23) «القواعد» للمقَّرِّي (260)، «مواهب الجليل» للحطَّاب (1/ 99).
              (24) أخرجه البخاري في «الجنائز» باب غَسْل الميِّت ووضوئه بالماء والسدر (1253)، ومسلم في «الجنائز» (939)، من حديث أمِّ عطيَّة الأنصارية رضي الله عنها.
              (25) «منتهى الآمال» للسيوطي (107).
              (26) «الأشباه والنظائر» للسيوطي (12).

              تعليق


              • #8
                المطلب الثالث: أعمال القلوب

                فأعمال القلوب هي المعتقدات والنيَّات كالإيمان بالله وتعظيمه ومحبَّته والخوف منه والإخلاص له والتوكُّل عليه ونحو ذلك من العبادات القلبية، وقد تقدَّم من مذاهب الفقهاء وأهل الحديث أنه لا تُشترط النيَّة لأعمال القلوب لأنها لا تقع إلاَّ منويَّةً لتميُّزها عن العبادات الأخرى، فضلاً عن تميُّزها عن العادات، لذلك فهي منصرفةٌ إلى الله تعالى بصورتها، إذ المعلوم أنَّ القرباتِ التي لا لَبْس فيها لا تحتاج إلى نيَّة الإضافة لله تعالى.

                وقد اشترط بعض العلماء النيَّةَ في أعمال القلوب بناءً على أنَّ «العمل إحداث أمرٍ قولاً كان أو فعلاً بالجارحة أو بالقلب» (1)، واحتجُّوا على ذلك بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم بعد أن سُئِلَ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ» (2)، لذلك اشترطوا النيَّة لأعمال القلوب لكونها مشمولةً بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (3).

                والمذهب الأوَّل أقوى وأَوْلى، لأنَّ العمل -في اللغة- حركة البدن فيشمل القول ويُتجوَّز به عن حركة النفس (4)، ويسبق إلى الفهم حالَ إطلاقه تخصيصُ العمل بأفعال الجوارح، وأعمالُ القلوب لا تقع إلاَّ منويَّةً، وفقدان النيَّة فيها هو فقدان حقيقتها، قال ابن حجرٍ -نقلاً عن ابن المنير-: «وأمَّا ما كان من المعاني المحضة: كالخوف والرجاء فهذا لا يقال باشتراط النيَّة فيه، لأنه لا يمكن أن يقع إلاَّ منويًّا، ومتى فُرضت النيَّة مفقودةً فيه استحالت حقيقته» (5).

                هذا، ولا يصحُّ الاحتجاج بحديث: «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ» إلاَّ على رأي المرجئة (6) الذين يعرِّفون الإيمانَ بأنه مجرَّد ما في القلب، وأكثرُ المرجئة تُدخل فيه أعمالَ القلوب (7).


                أمَّا القول الصحيح الذي تشهد له الأدلَّة فهو تفصيل المسألة، ووجهها أنَّ اسم الإيمان قد يُذكر مجرَّدًا، وقد يُذكر مقرونًا بالعمل أو الإسلام، فإذا أُطلق لفظ الإيمان مجرَّدًا تناول الإسلام والأعمال لأنها من لوازمه كما في الصحيحين: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيق» (8) وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لوفد عبد القيس: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الإِيمَانِ بِاللهِ»، ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ. وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ» (9).

                وإذا ذُكر الإيمان مع العمل أريد به أصلُ الإيمان المقتضي للعمل، وإذا ذُكر الإيمان مع الإسلام كما في حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإيمان والإسلام ولإحسان ففرَّق بينهما، فلمَّا ذكرها جميعًا ذكر أنَّ الإيمان ما يتعلَّق بالمعتقد وهو ما في القلب، والإسلام ما يظهر من الأعمال الظاهرة (10).


                فالحاصل أنَّ الإيمان والإسلام إذا ذُكرا متفرِّقين يكون معناهما واحدًا، وعند الاجتماع يفترقان في المعنى.

                (1) «إرشاد الساري» للقسطلاني (1/ 53).

                (2) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب من قال إِنَّ الإيمان هو العمل (26)، ومسلم في «الإيمان» (83)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

                (3) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب ما جاء أنَّ الأعمال بالنيَّة والحسبة ولكلِّ امرئٍ ما نوى (1)، ومسلم في «الإمارة» (1907)، من حديث عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه.

                (4) انظر: «فيض القدير» للمناوي (1/ 30).

                (5) «فتح الباري» لابن حجر (1/ 136).

                (6) المرجئة: مشتقٌّ من الإرجاء وهو بمعنى التأخير أو إعطاء الرجاء، وكلا المعنيين يوافق معتقد المرجئة، فهم يؤخِّرون الأعمالَ عن الإيمان، ويغلون في إثبات الوعد والرجاء، وهم فِرَقٌ كثيرةٌ أوصلها أبو الحسن الأشعري إلى اثنتي عشرة فرقةً ويُرجعها ابن تيمية إلى ثلاثة أصنافٍ:

                الأوَّل: «الذين يقولون: الإيمان مجرَّد ما في القلب، ثمَّ من هؤلاء من يُدخل فيه أعمالَ القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة ...

                والقول الثاني: من يقول: هو مجرَّد قول اللسان، وهذا لا يُعرف لأحدٍ قبل الكرَّامية.

                والثالث: تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة».

                [انظر: «مقالات الإسلاميِّين» للأشعري (1/ 213)، «الملل» للشهرستاني (1/ 189)، «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/ 195)، «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (19)].

                (7) حقيقة الإيمان الشرعي -عند أهل السنَّة- فمركَّبةٌ من قولٍ وعملٍ، والقول قسمان:

                * قول القلب: وهو التصديق بالقلب وإقراره ومعرفته، وأصل القول: هو التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويدخل فيه الإيمان بكلِّ ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.

                * قول اللسان: وهو الإقرار بالله وبما جاء من عنده والشهادة لله بالتوحيد ولرسوله بالرسالة ولجميع الأنبياء والرسل، ثمَّ التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وسائر الذكر والدعاء، وقول اللسان ينشأ من قول القلب وهو أصله.

                - والعمل وهو قسمان:

                * عمل القلب: وهو حبُّ الله ورسوله وتعظيم الله ورسوله، وتعزير الرسول وتوقيره، وخشية الله والإنابة إليه والإخلاص له والتوكُّل عليه ونحو ذلك، فهذه الأعمال القلبية كلُّها من الإيمان، وهي ممَّا يوجبها التصديق والاعتقاد إيجابَ العلَّة والمعلول وهو أصل العمل.

                * عمل الجوارح: وهو أفعال سائر الجوارح من الطاعات والواجبات التي بُني عليها الإسلام، وسائر أعمال التطوُّع التي يستحقُّ بفعلها اسم زيادة الإيمان، والأفعال المنهي عنها التي بفعلها يستحقُّ نقصان الإيمان، فعمل الجوارح ينشأ من عمل القلب وهو أصله [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/ 186، 540، 672).].

                (8) أخرجه بهذا اللفظ: مسلم في «الإيمان» (35)، وأخرجه البخاري بلفظ: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَان» كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر ألفاظ الحديث وطرقه في «السلسلة الصحيحة» للألباني (4/ 369).

                (9) أخرجه البخاري في «مواقيت الصلاة» باب قول اللَّهِ تعالى: ?مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ? [الروم: 31] (523)، ومسلم في «الإيمان» (17)، من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

                (10) انظر: «الأعمال بالنيات» لابن تيمية (40).


                انتهى

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك

                  تعليق

                  الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
                  يعمل...
                  X