إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خذ السلفية من أفواه الرجال و اعتزل أهل التمييع و الجدال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خذ السلفية من أفواه الرجال و اعتزل أهل التمييع و الجدال

    بسملة



    خذ السلفية من أفواه الرجال
    واعتزل أهل التمييع و الجدال


    الحمد لله الهادي سبل الرشاد، الموجب عبادته على جميع العباد، الـمـُــيَسِّر دينه على المسافر و الحاضر و الباد، الـمـُبيِّن في كتابه الشرائع الـمَبْنِـيَّة على الكمال في دفع المفاسد و جلب المنافع، فمن رام السعادة في إعمال غير شريعته فهو شقي ضائع، و الصلاة و السلام على الرسول الخاتم و الإمام الأعظم و القدوة الحسنى نبينا محمد صلى الله عليه و سلم، و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :
    فلا يزال العبد على بصيرة من أمره، و استقامة في دينه ما كان متبعا لآثر السلف، فإن طريقتهم هي الأعلم و الأسلم و الأحكم، فعين الحكمة في موافقة سبيلهم، و عين الجهالة في مخالفة منهجهم، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : اتبعوا و لا تبتدعوا فقد كـفيتم، فمن التزم غير طريقتهم لزمه من الضلال بقدر مخالفته لهم، فهم و من كان على هديهم الطائفة المنصورة، و أهل السنة و الجماعة الذين لا يضرهم من خالفهم و لا من خذلهم إلى قيام الساعة.
    فالتحاكم إلى مذهب السلف عند الاختلاف في أمور الديانة يهدي إلى الصدق في المقاصد و الإرادات، و إقامة العدل في المناهج و الأحكام و المعاملات، و يحسم مادة الغلو و التعصب للرجال و المذاهب و المقالات، فمن دخل عليه الخلل في عقيدته أو منهجه أو أحكامه إنما سببه الجهل بمذهب السلف الذي لا يكون إلا حقا.
    وأقوال القوم في معاملة المخالفين للسنة المطهرة مشهورة مروية عنهم بالأسانيد، فهي العمدة في معرفة منهجهم في هذا الباب، و هي القبلة في معرفة الخطأ من الصواب، فمن لم يكن له إلمام بذلك نسب إليهم ما هم منه بريؤون، فيقع في مخالفتهم، و هو يظن أنه موافق لهم في الظاهر و الباطن، و من ذلك منهج التمييع الذي بـيَّن العلماء بطلانه و فساده، و ليس المقام مقامَ بسطٍ لهذه المسألة.
    فمن ركب هذا المنهج يزعم أنه طريق السلف، و ينسبه إليهم ظلما و عدوانا، فإذا أُنكر عليه تعصب و تصلب، و شق عصا السلفيين، فتحدث بسببه الفرقة، و هو يزعم أن غيره أحدثها.
    فينبغي لطالب العلم أن يجتهد في معرفة منهج السلف الصالح حتى لا يقع في مخالفته، فمن كان يعرفه فليصدع بالحق و ليتكلم، و من كان لا يحسنه فالسكوت له أسلم.
    وسأسوق لك أيها الـمُحب في هذا المقال بعض الأقوال التي خلَّدها السلف في بيان المنهج الحق، فهي كالأصول و القواعد و الكليات التي يـَــبْني عليها السلفي منهجَه، فمن خالفها أو أراد تغييرها أو إبطالها نادت عليه بالضلال، وهي أصول ثابتة لا تتغير بتغير الزمان و الرجال، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- : ألا لا يُقلِّدَنَّ أحدُكم ديـنَه رجلا، إن آمن آمن، و إن كفر كفر، فإن كنتم لابد مقتدين فالميت فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.[شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة اللالكائي : 1/ 104]
    فإن استطاع السلفي أن يحفظ هذه الأقوال حتى تثبت عنده، فيقارع بها أهل التمييع و أصحاب الاحتواء، فهي كالرُّقْية لهم، تصرعهم و تبطل شبههم، فإذا جاءك أحدهم فانفث بها في وجهه، فإذا صنعت ذلك بطل سحره في الحال.
    واحذر يا عبد الله من مخالطتهم، فإن الجلوس إليهم يفسد القلوب و يمرضها، و من فِقْهِ ابنِ بطة -رحمه الله- أنه بوَّب في كتابه الإبانة قال : باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب، و يفسدون الإيمان [الإبانة الكبرى : 2/429]، و هذا يشمل كلَّ من يتضرر الإنسان بمجالسته، و الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم « إنما مَثَل الجليس الصالح و الجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، و إما أن تبتاع منه، و إما أن تجد منه ريحا طيبة، و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، و إما أن تجد ريحا خبيثة ».[رواه مسلم]
    والقلب أعز ما يملكه العبد، لأنه إذا صلح صلح سائر أمره، فهو كالجوهرة لا توضع إلا في يد أمين، فاحذر يا محب أن تضعه في يد مميع فيكسبك الحيرة، فيصير قلبك مسموما بعد أن كان مخموما.
    قال عمرو بن قيس : كان يقال لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك [ الإبانة الكبرى : 2/436] وعن يونس قال : قال لي الشعبي : ما مجلس أجلسه أحب إلي من المسجد، إذ كنا نجلس فيه إلى أبيك ثم نتحول إلى الربيع بن خيثم، فيقرينا القرآن، حتى نشأ هؤلاء الصعافقة، و الله لئن أجلس على كناسة أحب إلي من أن أجلس معهم.[المصدر السابق:2/ 514-515]
    1. فكان من منهج السلف الصالح ترك مجالسة الصعافقة، و لا شك أن صعافقة ذلك الزمان أنزه و أشرف و أصدق و أنبل و أعلم من صعافقة هذا الزمان، الذين ضربوا في كل خصلة ذميمة بسهم، فما عساك أن تقول يا شعبي -رحمك الله- لو أدركت هؤلاء.
    فترك مجالسة المخالفين و أهل البدع أصل من أصول أهل السنة، الذي يسميه اليوم من يزعم السير على طريقة السلف منهج الإقصاء تلبيسا على الناس.
    ولما ذكر ابن القيم فضول المخالطة، ذكر أنها الداء العضال الجالب لكل شر و بلاء حيث قال رحمه الله:
    وأما فضول المخالطة فهي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة و المعاشرة من نعمة، و كم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات و هي في القلوب لا تزول، ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا و الآخرة.
    وجعل -رحمه الله- مخالطة الناس أربعة أقسام :
    - القسم الأول: من مخالطته كالغذاء، لا يُستغنى عنه في اليوم و الليلة، و هؤلاء هم العلماء.
    - القسم الثاني: من مخالطته كالدواء، يُحتاج إليه عند المرض، فما دمت صحيحا فلا حاجة لك في مخالطته، و هؤلاء من لا يُستغنى عنهم في تحصيل مصلحة المعاش.
    - القسم الثالث: من مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه و أنواعه، فمنهم من مخالطته كالداء العضال، و هو من لا تربح عليه في دين و لا دنيا، و منهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد عليك فإذا فارقك سكن الألم، و منهم من مخالطته حمى الروح، و هو الثقيل البغيض العقل الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، و لا يحسن أن ينصت فيستفيد منك.
    - القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله، و مخالطته بمنزلة أكل السم، فإن اتفق لأكله ترياق و إلا فأحسن الله فيه العزاء، و هؤلاء هم أهل البدع و الضلالة، الصادون عن سنة رسول الله، الداعون إلى خلافها. انتهى كلامه باختصار.[ بدائع الفوائد : 2/275،273]
    فأفسد هذه الأقسام هو القسم الرابع لما فيه من ذهاب الدين، و إن بقيت الدنيا، و العاقل يسعى في إكمال دينه، و إن ذهبت عنه الدنيا، و السفيه يسعى في إكمال دنياه على حساب دينه.
    قال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء فإنكم إن لم تدخلوا فيما دخلوا فيه لبسوا عليكم ما تعرفون. [ الإبانة الكبرى : 2/437]
    2. فكان من منهج السلف رحمهم الله النهي عن مجالسة أهل الأهواء، فإنك إن خالطتهم لن تسلم من إحدى اثنتين إما أن تدخل فيما دخلوا فيه، و إما أن يسلبوا منك ما تملكه من العلم و اليقين.
    وقال عمرو بن قيس: كان يقال: لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك. [ المصدر السابق : 2/436]
    وعن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: أخبرني أبي عن خالد فروة بن يحي أنه كان يجالس عبد الكريم خصيفا، فقدم عليهم سالم الأفطس من العراق فتكلم بشيء من الإرجاء فقاموا عن مجلسهم، قال: ربما رأيته جالسا وحده، لا يجلس إليه أحد. [ المصدر السابق : 2/452]
    3. وكان من منهجهم الإنكار على أهل التمييع و من يسوي بين مجالسة أهل السنة، و مجالسة أهل البدع.
    قيل للأوزاعي: إن رجلا يقول: أنا أجالس أهل السنة، و أجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق و الباطل.[المصدر السابق : 2/456].
    و قريب من هذا قول أحدهم: اقرؤوا لكل أحد.
    و قال ابن المبارك : يكون مجلسك مع المساكين، و إياك أن تجلس مع صاحب بدعة.[المصدر السابق : 2/463]
    و عن معتمر عن البتي قال: كان عمران بن حطان من أهل السنة، فقدم غلام من أهل عمان مثل البغل فقلبه في مقعد. [المصدر السابق : 2/470،471]
    فهذا مجلس واحد مع صاحب بدعة أوبق آخرته، فلا تغتر بنفسك يا أخي، و انظر من تجالس، فإن الصاحب ساحب.
    و في هذا الأثر رد على من زعم أن غلمان السوء الذين جندوهم ليدافعوا عنهم لا يصلح أن يطلق عليهم هذا الوصف لا لغة و لا شرعا، فلا أدرك لغة، و لا وقف عند شرع.

    4. وكان من منهجهم اعتبار من يجالس أهل البدع أشد ضررا من أهل البدع، لأن الناس ينخدعون بهم.
    قال ابن عون : من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع. [المصدر السابق : 473]

    5. وكان من منهجهم ترك مجالسة من يجالس أهل البدع.
    فعن أبي بن عاصم قال : كان أبو عبد الرحمان يقول : لا يجالسني رجل جالس شقيقا الضبي، قال أبو عبد الله : كان يخاصم.[المصدر السابق : 2/474]
    و عن هشام بن عروة أن عمر بن عبد العزيز أخذ قوما على شراب و معهم رجل صائم، فضربه معهم، فقيل له : إن هذا صائم، فقال " فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ". [المصدر السابق [2/481]
    قال عبد الله بن عمر السرخسي صاحب ابن المبارك : أكلت عند صاحب بدعة أكلة، فبلغ ابن المبارك فقال: لا كلمته ثلاثين يوما.[شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة : 1/159،158]
    و بوب ابن وضاح في كتابه (البدع و النهي عنها): النهي عن الجلوس مع أهل البدع و خلطتهم و المشي معهم.
    و ذكر تحت هذا الباب آثارا منها أثر سفيان الثوري قال : من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث : إما أن يكون فتنة لغيره، و إما أن يقع في قلبه شيء يزل به فيدخله الله النار، و إما أن يقول : و الله لا أبالي ما تكلموا به، و إني واثق من نفسي، فمن أمن الله على دينه طرقة عين سلبه إياه.[البدع و النهي عنها : ص95]
    وقال مفضل بن مهلهل : لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته و فررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك، فمتى تخرج من قلبك.[الإبانة الكبرى :2/444]
    - و كان من منهجهم كذلك ترك مجالسة المفتونين.
    قال مصعب بن سعد : لا تجالس مفتونا، فإنه لن يخطئك منه إحدى اثنتين إما أن يفتنك، و إما أن يؤذيك قبل أن تفارقه.[المصدر السابق : 2/442]
    و لم يكن من منهجهم النهي عن مجالسة أهل البدع فقط، بل ينهون عن مجالسة كل من يدخل النقص على الناس في دينهم، و من ذلك نهيهم عن مجالسة أصحاب الرأي و القياس.
    قال أبو حمزة: سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا تجالس أصحاب القياس، فتحل حراما أو تحرم حلالا.
    و قال الزبرقان: نهاني أبو وائل أن أجالس أصحاب أرأيت أرأيت. [المصدر السابق : 2/451]

    6. و كان من منهجهم الكشف عن حال الرجل بمن يعاشره و يجلس إليه، و يتردد عليه.
    قال عبد الله بن مسعود : اعتبروا الناس بأخدانهم، فإن المرء لا يخادن إلا من يعجبه.[ المصدر السابق : 2/439]
    و الأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". رواه أبو داود و الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب.
    و قال أبو الدرداء: من فقه الرجل ممشاه و مدخله و مخرجه، ثم قال أبو قلابة: قاتل الله الشاعر حين يقول:


    عن المرء لا تسأل و أبصر قرينه *** فــإن القرين بالــمقارن يقتدي
    [المصدر السابق : 2/439]

    وقال الأعمش: كانوا لا يسألون عن الرجل بعد ثلاث : ممشاه، و مدخله، و ألفه من الناس.
    و قال الأوزاعي: من ستر عنا بدعته لم تخف عنا ألفته. [المصدر السابق : 2/452]
    و لما قدم سفيان الثوري البصرة جعل ينظر إلى أمر الربيع-يعني ابن صيبح- و قدره في الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالوا : ما مذهبه إلا السنة، قال : من بطانته؟ قالوا : أهل القدر، قال: هو قدري. [المصدر السابق : 2/453]
    و قال معاذ بن معاذ قلت ليحي بن سعيد: يا أبا سعيد، الرجل وإن كتم رأيه لم يخف علينا ذاك في ابنه و لا صديقه و لا في جليسه.
    قال محمد بن عبيد الله الغلابي: كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف و الصحبة. [المصدر السابق : 2/479]
    و قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذكر لأحمد بن حنبل فقال : انظروا على من نزل، و إلى من يأوي.
    و قال مالك بن دينار : من خلَّط خُلط له، و من صفَّى صُفي له، و أقسم بالله لئن صَفَّيتم ليُصَفَّـيـَنَّ لكم. [المصدر السابق : 2/480]

    وأقسم بالله لئن صفيتم يا أصحاب المجلة ليصفين لكم.
    و قال الفضيل بن عياض : الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، و لا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق. [المصدر السابق : 2/456]

    7. وكان من منهجهم ترك الجدال و الخصومات.
    فعن أبي الرجال قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز بالمدينة : من جعل دينه غرضا للخصومات كثر تنقله من دين إلى دين، و من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، و من عد كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه.[المصدر السابق : 2/506]
    و قال معروف: إن الله عز و جل إذا أراد بعبد خيرا فتح له باب عمل، و أغلق عنه باب الجدل، و إذا أراد بعبد شرا فتح عليه باب الجدل، و أغلق عنه باب العمل. [المصدر السابق : 2/510]
    و رأى صفوان بن محرز قوما يتجادلون قريبا منه فقام ينفض ثيابه و يقول: إنما أنتم جرب مرتين. [المصدر السابق : 2/513]
    و قال جعفر بن محمد: اتقوا جدال كل مفتون، فإن المفتون يلقن حجته. [المصدر السابق : 2/527]
    و عن ابن عون قال: سمعت محمد بن سيرين ينهى عن الجدال إلا رجلا إن كلمته رجع. [المصدر السابق : 2/529]

    8. وكان من منهجهم ترك السماع لأهل البدع، فإن القلوب ضعيفة، و الشبه خطافة.
    فعن سعيد بن عامر قال: سمعت جدتي أسماء تحدث قالت: دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا : يا أبا بكر نحدثك بحديث، قال : لا، قالا : فنقرأ عليك آية من كتاب الله، قال : لا، لتقومان عني أو لأقومن.
    و قال هشام بن حسان : قال رجل لابن سيرين : إن فلانا يريد أن يأتيك و لا يتكلم بشيء، قال : قل لفلان لا ما يأتيني، فإن قلب ابن آدم ضعيف، و إني أخاف أن أسمع منه كلمة فلا يرجع قلبي إلى ما كان. [المصدر السابق : 2/446]

    9. وكان من منهجهم هجر أهل البدع و تركهم لتركهم سنة نبيهم و هجرهم لها جزاء وفاقا.
    قال عبد الله السري: ليس السنة عندنا أن ترد على أهل الأهواء، و لكن السنة عندنا أن لا تكلم أحدا منهم.
    و عن حماد بن زيد، عن أيوب قال: لست براد عليهم بشيء أشد من السكوت. [المصدر السابق : 2/471]

    وهذا دليل على رسوخ قدم شيخنا الكبير الشيخ محمد على فركوس في العلم، فلم يرد على من خالفه بأشد من الكوت.

    10. وكان من منهجهم أنهم لا يغترون بمن أظهر التوبة من أهل البدع حتى يُظهر من السنة بقدر ما ظهر منه من البدعة.
    قال الحسن بن شقيق: كنا عند ابن المبارك إذ جاءه رجل فقال له: أنت ذلك الجهمي؟ قال نعم، قال : إذا خرجت من عندي فلا تعد إليَّ، قال الرجل : فأنا تائب، قال : لا حتى يظهر من توبتك مثل الذي ظهر من بدعتك.[ الإبانة الصغرى : ص166]

    11. و كان من منهجهم اعتبار الجلوس مع أهل البدع علامة على النفاق.
    قال ابن المبارك: إن لله ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة، فإن الله لا ينظر إليهم، و علامة النفاق أن يقوم الرجل و يقعد مع صاحب بدعة. [المصدر السابق: ص169]

    12. وكان من منهجهم أنهم لا يجعلون لمن دخل على صاحب بدعة حرمة و لا كرامة.
    قال الفضيل بن عياض: المؤمن يقف عند الشبهة، و من دخل على صاحب بدعة فليست له حرمة.[شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة :1/159]

    13. وكان من منهجهم إلحاق من لـم يترك أهل البدعة بـهم.
    قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه؟ قال : لا ، أو تُعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه، و إلا فألحقه به.[ طبقات الحنابلة : 1/160]

    هذه قاعدة الإلحاق التي أراد عبد المالك رمضاني إبطالها مؤخرا من أجل سواد عيون الحلبي، فصار بما هو عليه من المنهج الجديد لا يدري ما يخرج من رأسه، و يقرر أشياء تخالف المنهج السلفي، و صوتيته الأخيرة أكبر شاهد على ذلك لمن تدبرها، فاللهم اعصمنا من اتباع الهوى، و ثبتنا على الحق حتى نلقاك.

    14. كان من منهجهم ترك أخذ العلم عن أهل البدع.
    قال سفيان الثوري: من سمع من مبتدع لم ينفعه الله بما سمع، و من صافحه فقد نقض عروة الإسلام عروة عروة.[ الأمر بالاتباع و النهي عن الابتداع : ص 81].

    15. وكان من منهجهم التحذير من أهل البدع و بيان حالهم ليحذرهم الناس.
    قال عيسى بن يونس: لا تجالسوا الجهمية، و بينوا للناس أمرهم كي يعرفوهم فيحذروهم.[نقض أبي سعيد عثمان بن سعيد على الدارمي : 1/146]
    و قال الشافعي: ما ناظرت أحدا أحببت أن يخطئ إلا صاحب بدعة، فإني أحب أن ينكشف أمره للناس.[ تبيين كذب المفتري : ص340]

    16. كان من منهجهم ترك تعظيم أهل البدع.
    قال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.[ شرح السنة للبربـهاري : 137]

    هذا ومن تتبع أقوال السلف تبين له طريق الحق، و أختم بهذا الأثر الذي أورده ابن بطة في كتابه الإبانة، و فيه ما كان عليه سلفنا الصالح من الصلابة في الدين و الغيرة على سنة سيد المرسلين، و هجر من خالفها و إن كان من الأقربين.

    حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال : حدثنا أبو حاتم، قال : حدثنا سليمان بن حرب، و أبو الربيع، و اللفظ لسليمان بن حرب، قالا : حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن مغفل، قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف، و قال: «إنها لا تصطاد صيدا، و لا تنكأ عدوا، و لكنها تفقأ العين، و تكسر السن» فقال رجل لعبد الله بن مغفل : وما بأس هذا ؟، فقال : إني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و تقول هذا و الله لا أكلمك أبدا قال الشيخ : « فاعتبروا يا أولي الأبصار فشتان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين ملئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم، و الشح على أديانهم، و بين زمان أصبحنا فيه، و ناس نحن منهم، و بين ظهرانيهم هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم، و سيد من ساداتهم يقطع رحمه، و يهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، و حلف أيضا على قطيعته، و هجرانه، و هو يعلم ما في صلة الأقربين، وقطيعة الأهلين. و عبادة بن الصامت و أبو الدرداء - سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم هذه الأمة – و أبو سعيد الخدري يظعنون عن أوطانهم، و ينتقلون عن بلدانهم، و يظهرون الهجرة لإخوانهم؛ لأجل من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، و توقف عن استماع سنته، فيا ليت شعري كيف حالنا عند الله عز و جل، و نحن نلقى أهل الزيغ في صباحنا والمساء، يستهزئون بآيات الله، و يعاندون سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم حائدين عنها، و ملحدين فيها؟ سلمنا الله وإياكم من الزيغ و الزلل»[ الإبانة الكبرى : 1/260،259].

    فتدبر يا محب هذه الأقوال، ثم انظر أي الفريقين أحق بموافقة السلف، مشايخنا الأَجِلَّة أم أصحاب المجلة.
    فلسنا بحاجة إلى قواعد جديدة يضعها من لم ترسخ في العلم قدمه، فإنا على بصيرة من ديننا، و نقول لمن خالفنا : بيننا و بينك أقوال السلف، فإما أن توافقها، و إما أن ترضى لنفسك بطريقة الخلف.


    والله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
    بقلم مقيده: أبي عبيد الله ياسين حماش

    03 شوال 1441هـ الموافق
    لـ 26 ماي 2020 م.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2020-06-29, 09:53 AM.

  • #2
    مقالة طيبة جمعت آثارا نفيسة عن السلف في مسائل منهجية مهمة، كل مسألة تكاد أن تكون قاعدة قائمة بذاتها-بل هي كذلك- ، كما يظهر من خلال المقالة بُعد أولئك -القوم- عن منهج السلف و تنكُّبهم لطريقتهم، حيث صاروا يُنكرون على من يسير على نهجهم و يتحاكم إليه و يُعامل المخالفين من مُنطلقه و على أساسه.
    فجزاك الله خيرا و بارك فيك أخي الفاضل أبا عبيدة..

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
    يعمل...
    X