أعمال يوم العيد
في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحظر
------
أولا : عيد الفطر في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحظر
------
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد؛
فإن من أعظم نعم الله جلّ وعلا الكبرى على عباده، أن مدّ في آجالهم حتى أدركوا عيد الفطر السعيد. بعد أن وفقهم الله تعالى لصيام وقيام شهر رمضان المبارك. إلاّ أن العيد هذه السنة جاء في ظرف استثنائي، بسبب تفشي وباء فيروس كورونا مع تدابير الحجر الصحي المتخذة لمحاربته والحد من انتشاره.
ولا شك أننا سنفتقد هذه المرة إلى كثير من سنن وآداب العيد، كسنة التبكير ومن قبلها قد تم غلق المساجد. إلى لقاء الأحبة ومعانقتهم بل مصافحتهم، لأن الحاجة تقتضي إلى عدم التلامس بين الناس. وكثير من العادات غابت هي الأخرى عن عيدنا أو اسقطت. كعدم تمكن الناس من شراء ملابس العيد بسبب غلق بعض المحلات التجارية امتثالا وطاعة لولي الأمر، الذي ما منع الناس ذلك إلا حرصا منه - جزاه الله خيرا - على سلامة المواطنين.
رغم كل هذا ولله الحمد؛ فما أغلق الله على عبدٍ بابًا بحكمته إلا فتح له بابين برحمته [1]. والسنن وإن غابت علينا بعضها؛ بقيت أخرى وجب علينا إحياؤها ؛ منها:
١) مشروعية الفرح ليلة العيد:
قال الله عزّ وجل : ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[2] . فالفرح لا يقدح في الطاعة ؛ كما قال ابن عقيل رحمه الله ، وغير واحد من الأئمة الأعلام. بل قال نبينا عليه الصلاة والسلام، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ ، يَفْرَحُ بِهِمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»[3]. قال ابن حجر رحمه الله : يفرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر ؛ وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقوله إذا لقي ربه ، أي بجزائه وثوابه.[4]
٢) التكبير ؛
ويسن التكبير ليلة العيد لقوله جلّ وعلا : ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[5] قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ينبغي للإنسان عند التكبير أن يستشعر أنه يكبر الله بقلبه ولسانه، وأنه بنعمة الله عليه وهدايته إياه صار في المحل الأعلى الأرفع. وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم، وهو سنة للرجال والنساء، أما الرجال فيجهرون به، وأما النساء فيسررن به بدون جهر وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوما، أو من ثبوت الخبر إذا ثبت ليلة الثلاثين وينتهي بالصلاة، يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير.[6]
٣) صلاة الفجر جماعة في البيت:
عن نافع قال : أذَّن ابن عمر في ليلة باردة بضَجْنَان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم يقول على إثره:« ألا صَلُّوا في الرِّحالِ»في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر[7]قال الشيخ ابن باز رحمه الله : نعم، هذا صحيح عن النبي ، في أوقات المطر والدحض، يقول المؤذن: صلوا في رحالكم عند قوله: حي على الصلاة ... يقول: صلوا في رحالكم، صلوا في بيوتكم، أو بعد الأذان: صلوا في بيوتكم، إذا كان في مشقة على الناس من جهة المطر أو الزلق في الأسواق، هكذا فعله ابن عباس في الطائف، أمر المنادي أن ينادي وأخبر أن النبي قال ذلك، وفعله عليه الصلاة والسلام، وهذا من باب رحمة المسلمين والشفقة عليهم والرفق بهم[8].إهـ . قلتُ: واليوم آكد بعدما أغلقت المساجد بسبب جائحة كورونا.
٤) الاغتسال:
وهذا هو هَدْيُ أصحابه صلى الله عليه وسلم ؛ كما صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدوَ إلى المصلى[9]. قال ابن قدامة رحمه الله: ووقت الغسل بعد طلوع الفجر في ظاهر كلام الخرقي لقوله: فإذا أصبحوا تطهروا. قال القاضي والآمدي: إن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة الاغتسال لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة. وقال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة فلو وقف على الفجر ربما فات ولأن المقصود منه التنظيف وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف ويكون أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة.[10]
٥) لبس أحسن الثياب :
وما جاء عن تجمُّلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيدين، ولبس أجمل الثياب؛ فعن ابن عباسٍ قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ يَوْمَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ»[11] . قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.[12]
٦)الإسراع في إخراج زكاة الفطر لمن لم يخرجها:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما. أن النبي صلى الله عليه وسلم « وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ »[13]. قال الشيخ محمد بن سعيد رسلان حفظه الله تعالى : وَقَولُهُ: «وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»؛ يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُبَادَرَةَ بِهَا هِيَ المَأمُورُ بِهَا، وَلِهَذَا يُسَنُّ تَأخِيرُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الفِطرِ لِيَتَّسِعَ الوَقْتُ عَلَى مَنْ أرَادَ إخْرَاجَهَا، كَمَا يُسَنُّ تَعجِيلُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الأضْحَى لِيَذهَبَ النَّاسُ لِذَبحِ أضَاحِيهِم وَيَأكُلُوا مِنهَا. أمَّا مَن أخْرَجَهَا بَعدَ صَلَاةِ العِيدِ؛ فَإنَّ الفَرِيضَةَ قَدْ فَاتَتْهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.[14]
٧) أكل تمرات قبل الصلاة:
من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يأكل قبل خروجه لصلاة عيد الفطر، بخلاف عيد الأضحى، فكان يأكل بعد رجوعه من صلاته، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا»[15]. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى : يُسَنُّ قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً، ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك، يقطعها على وتر؛ لحديث أنس.[16]
٨) صلاة العيد :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ[17] .قالت اللجنة الدائمة للفتاوى بالمملكة العربية السعودية: ومن فاتته صلاة العيد وأحب قضاءها استُحب له ذلك فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، فإذا كان القضاء مستحباً في حق من فاتته الصلاة مع الإمام الذي أدى صلاة العيد بالمسلمين، فمن باب أولى أن تكون إقامتها مشروعة في حق من لم تُقم صلاة العيد في بلدهم لأن في ذلك إقامة لتلك الشعيرة حسب الاستطاعة، والله تعالى يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ».[18]
۹) شهود جميع أفراد العائلة الصلاة :
قال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله تعالى : فالأصلُ أنَّ النِّساءَ شقائقُ الرِّجال في الأحكام؛ فما ثَبَتَ للرجلِ ثَبَتَ للمرأة إلَّا ما استثناه الدليلُ، لكنَّ الدليل جاء مؤكِّدًا لهذا الأصل، حيث أَمَرَ النبيُّ النساءَ بالخروج لصلاة العيد في المصلَّى حتَّى ذوات الخدور والحُيَّض، وأَمَرَهُنَّ أَنْ يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى، بل وأَمَرَ مَنْ لا جلبابَ لها أَنْ تُلْبِسَهَا أُخْتُها مِنْ جِلبابها، كما ثَبَت ذلك في حديثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ»[19].إهـ . قلتُ: فإن كان في خروجها من بيتها للعيد مستحب ؛ فكيف بمن أقيمت عندها الصلاة في بيتها ؟
١٠) معايدة الأهل والأقارب :
قال محمد بن زياد: كنت مع أبي أمامه الباهلي وغيره من أصحاب النبي فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : (تقبل الله منا ومنكم)[20]. قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : التهنئة لا أعلم شيئا ورد فيها ، ولا بأس أن يهنئ بعضهم بعضا يوم العيد ، ولم يرد شيء في هذا ، فلا بأس بهذا ما لم يبلغ حد البدعة ، ليس هناك توقيت أو تحديد. [21]
١١) التوسعة على العيال:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين[22]. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ : لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ»[23]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فصار ما وُسِّع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله؛ فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت النفوس خسرانا مبينا.
هذا ما وقفت عليه من أعمال مستحبة تكون في عيد الفطر، وتيسر جمعه من كلام السادة الأعلام ، في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحجر .فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم ، وأن ينفعنا وإيّاكم بما علمنا. وان يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
لأبي عبد الرحمن محمد صالحي
غفر الله ولوالديه
عين مران ؛ يوم الجمعة : ٢۹ من رمضان ١٤٤١ هجرية
الموافق لــ : ٢٢ من مايو ٢٠٢٠ نصراني
غفر الله ولوالديه
عين مران ؛ يوم الجمعة : ٢۹ من رمضان ١٤٤١ هجرية
الموافق لــ : ٢٢ من مايو ٢٠٢٠ نصراني
[1]- روائع الكلام لابن القيم .
[2] - [ يونس ٥٨].
[3] - متفق عليه.
[4] - فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٥/١٠٤)؛ بتصرف.
[5] - [ البقرة ١٨٥].
[6] - مجموع الفتاوى (٦/٢٦۹).
[7] - متفق عليه.
[8] - نور على الدرب ؛ الحلات التي يشرع فيها الصلاة في الرحال.
[9] - موطأ الإمام مالك (١/١٧٧).
[10] - المغني ( ٢/٢٧٥).
[11] - ذكره الألباني في الصحيحة (١٢٧۹).
[12] - زاد المعاد (١/٤٤١).
[13] - متفق عليه
[14] - أحكام زكاة الفطر .
[15] - رواه البخاري (۹٥٣).
[16] - أحكام صلاة العيد.
[17] - متفق عليه
[18] - موقع اللجنة.
[19] - في حكم خروج المرأة لصلاة العيد
[20] - المغني لابن قدامى (٢/٢٥٠).
[21] - صوتية مفرغة من شريط أحكام الصيام وأسئلة أخرى.
[22] - فتح الباري (٢/٤٣٣).
[23] - صحيح الجامع (٣٢١۹).
تعليق