إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أعمال يوم العيد في ظل جائحة كورونا و إجراءات الحظر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أعمال يوم العيد في ظل جائحة كورونا و إجراءات الحظر



    أعمال يوم العيد
    في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحظر

    ------
    ​​
    أولا : عيد الفطر

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد؛
    فإن من أعظم نعم الله جلّ وعلا الكبرى على عباده، أن مدّ في آجالهم حتى أدركوا عيد الفطر السعيد. بعد أن وفقهم الله تعالى لصيام وقيام شهر رمضان المبارك. إلاّ أن العيد هذه السنة جاء في ظرف استثنائي، بسبب تفشي وباء فيروس كورونا مع تدابير الحجر الصحي المتخذة لمحاربته والحد من انتشاره.
    ولا شك أننا سنفتقد هذه المرة إلى كثير من سنن وآداب العيد، كسنة التبكير ومن قبلها قد تم غلق المساجد. إلى لقاء الأحبة ومعانقتهم بل مصافحتهم، لأن الحاجة تقتضي إلى عدم التلامس بين الناس. وكثير من العادات غابت هي الأخرى عن عيدنا أو اسقطت. كعدم تمكن الناس من شراء ملابس العيد بسبب غلق بعض المحلات التجارية امتثالا وطاعة لولي الأمر، الذي ما منع الناس ذلك إلا حرصا منه - جزاه الله خيرا - على سلامة المواطنين.
    رغم كل هذا ولله الحمد؛ فما أغلق الله على عبدٍ بابًا بحكمته إلا فتح له بابين برحمته [1]. والسنن وإن غابت علينا بعضها؛ بقيت أخرى وجب علينا إحياؤها ؛ منها:


    ١) مشروعية الفرح ليلة العيد:
    قال الله عزّ وجل : ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[2] . فالفرح لا يقدح في الطاعة ؛ كما قال ابن عقيل رحمه الله ، وغير واحد من الأئمة الأعلام. بل قال نبينا عليه الصلاة والسلام، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ ، يَفْرَحُ بِهِمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»[3]. قال ابن حجر رحمه الله : يفرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر ؛ وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقوله إذا لقي ربه ، أي بجزائه وثوابه.[4]

    ٢) التكبير ؛
    ويسن التكبير ليلة العيد لقوله جلّ وعلا : ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[5] قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ينبغي للإنسان عند التكبير أن يستشعر أنه يكبر الله بقلبه ولسانه، وأنه بنعمة الله عليه وهدايته إياه صار في المحل الأعلى الأرفع. وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم، وهو سنة للرجال والنساء، أما الرجال فيجهرون به، وأما النساء فيسررن به بدون جهر وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوما، أو من ثبوت الخبر إذا ثبت ليلة الثلاثين وينتهي بالصلاة، يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير.[6]

    ٣) صلاة الفجر جماعة في البيت:
    عن نافع قال : أذَّن ابن عمر في ليلة باردة بضَجْنَان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم يقول على إثره:« ألا صَلُّوا في الرِّحالِ»في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر[7]قال الشيخ ابن باز رحمه الله : نعم، هذا صحيح عن النبي ، في أوقات المطر والدحض، يقول المؤذن: صلوا في رحالكم عند قوله: حي على الصلاة ... يقول: صلوا في رحالكم، صلوا في بيوتكم، أو بعد الأذان: صلوا في بيوتكم، إذا كان في مشقة على الناس من جهة المطر أو الزلق في الأسواق، هكذا فعله ابن عباس في الطائف، أمر المنادي أن ينادي وأخبر أن النبي قال ذلك، وفعله عليه الصلاة والسلام، وهذا من باب رحمة المسلمين والشفقة عليهم والرفق بهم[8].إهـ . قلتُ: واليوم آكد بعدما أغلقت المساجد بسبب جائحة كورونا.

    ٤) الاغتسال:
    وهذا هو هَدْيُ أصحابه صلى الله عليه وسلم ؛ كما صح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدوَ إلى المصلى[9]. قال ابن قدامة رحمه الله: ووقت الغسل بعد طلوع الفجر في ظاهر كلام الخرقي لقوله: فإذا أصبحوا تطهروا. قال القاضي والآمدي: إن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة الاغتسال لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة. وقال ابن عقيل: المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة فلو وقف على الفجر ربما فات ولأن المقصود منه التنظيف وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف ويكون أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة.[10]

    ٥) لبس أحسن الثياب :
    وما جاء عن تجمُّلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيدين، ولبس أجمل الثياب؛ فعن ابن عباسٍ قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ يَوْمَ العِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ»[11] . قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يلبس لهما أجمل ثيابه وكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة.[12]

    ٦)الإسراع في إخراج زكاة الفطر لمن لم يخرجها:
    فعن ابن عمر رضي الله عنهما. أن النبي صلى الله عليه وسلم « وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ »[13]. قال الشيخ محمد بن سعيد رسلان حفظه الله تعالى : وَقَولُهُ: «وَأمَرَ بِهَا أنْ تُؤدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ»؛ يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُبَادَرَةَ بِهَا هِيَ المَأمُورُ بِهَا، وَلِهَذَا يُسَنُّ تَأخِيرُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الفِطرِ لِيَتَّسِعَ الوَقْتُ عَلَى مَنْ أرَادَ إخْرَاجَهَا، كَمَا يُسَنُّ تَعجِيلُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الأضْحَى لِيَذهَبَ النَّاسُ لِذَبحِ أضَاحِيهِم وَيَأكُلُوا مِنهَا. أمَّا مَن أخْرَجَهَا بَعدَ صَلَاةِ العِيدِ؛ فَإنَّ الفَرِيضَةَ قَدْ فَاتَتْهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ.[14]

    ٧) أكل تمرات قبل الصلاة:
    من سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يأكل قبل خروجه لصلاة عيد الفطر، بخلاف عيد الأضحى، فكان يأكل بعد رجوعه من صلاته، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا»[15]. قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى : يُسَنُّ قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً، ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك، يقطعها على وتر؛ لحديث أنس.[16]

    ٨) صلاة العيد :
    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ[17] .قالت اللجنة الدائمة للفتاوى بالمملكة العربية السعودية: ومن فاتته صلاة العيد وأحب قضاءها استُحب له ذلك فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، فإذا كان القضاء مستحباً في حق من فاتته الصلاة مع الإمام الذي أدى صلاة العيد بالمسلمين، فمن باب أولى أن تكون إقامتها مشروعة في حق من لم تُقم صلاة العيد في بلدهم لأن في ذلك إقامة لتلك الشعيرة حسب الاستطاعة، والله تعالى يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ».[18]

    ۹) شهود جميع أفراد العائلة الصلاة :
    قال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله تعالى : فالأصلُ أنَّ النِّساءَ شقائقُ الرِّجال في الأحكام؛ فما ثَبَتَ للرجلِ ثَبَتَ للمرأة إلَّا ما استثناه الدليلُ، لكنَّ الدليل جاء مؤكِّدًا لهذا الأصل، حيث أَمَرَ النبيُّ النساءَ بالخروج لصلاة العيد في المصلَّى حتَّى ذوات الخدور والحُيَّض، وأَمَرَهُنَّ أَنْ يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى، بل وأَمَرَ مَنْ لا جلبابَ لها أَنْ تُلْبِسَهَا أُخْتُها مِنْ جِلبابها، كما ثَبَت ذلك في حديثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ»[19].إهـ . قلتُ: فإن كان في خروجها من بيتها للعيد مستحب ؛ فكيف بمن أقيمت عندها الصلاة في بيتها ؟

    ١٠) معايدة الأهل والأقارب :
    قال محمد بن زياد: كنت مع أبي أمامه الباهلي وغيره من أصحاب النبي فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : (تقبل الله منا ومنكم)[20]. قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله : التهنئة لا أعلم شيئا ورد فيها ، ولا بأس أن يهنئ بعضهم بعضا يوم العيد ، ولم يرد شيء في هذا ، فلا بأس بهذا ما لم يبلغ حد البدعة ، ليس هناك توقيت أو تحديد. [21]

    ١١) التوسعة على العيال:
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين[22]. فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ : لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ»[23]
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فصار ما وُسِّع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عونا على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية؛ فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها، أو بعضه الذي يكون في عيد الله؛ فترت عن الرغبة في عيد الله، وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم، فنقص بسبب ذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت النفوس خسرانا مبينا.

    هذا ما وقفت عليه من أعمال مستحبة تكون في عيد الفطر، وتيسر جمعه من كلام السادة الأعلام ، في ظل جائحة كورونا وإجراءات الحجر .فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم ، وأن ينفعنا وإيّاكم بما علمنا. وان يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    لأبي عبد الرحمن محمد صالحي
    غفر الله ولوالديه
    عين مران ؛ يوم الجمعة : ٢۹ من رمضان ١٤٤١ هجرية
    الموافق لــ : ٢٢ من مايو ٢٠٢٠ نصراني






    [1]- روائع الكلام لابن القيم .
    [2] - [ يونس ٥٨].
    [3] - متفق عليه.
    [4] - فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٥/١٠٤)؛ بتصرف.
    [5] - [ البقرة ١٨٥].
    [6] - مجموع الفتاوى (٦٦۹).
    [7] - متفق عليه.
    [8] - نور على الدرب ؛ الحلات التي يشرع فيها الصلاة في الرحال.
    [9] - موطأ الإمام مالك (١/١٧٧).
    [10] - المغني ( ٢/٢٧٥).
    [11] - ذكره الألباني في الصحيحة (١٢٧۹).
    [12] - زاد المعاد (١/٤٤١).
    [13] - متفق عليه
    [14] - أحكام زكاة الفطر .
    [15] - رواه البخاري ٥٣).
    [16] - أحكام صلاة العيد.
    [17] - متفق عليه
    [18] - موقع اللجنة.
    [19] - في حكم خروج المرأة لصلاة العيد
    [20] - المغني لابن قدامى (٢/٢٥٠).
    [21] - صوتية مفرغة من شريط أحكام الصيام وأسئلة أخرى.
    [22] - فتح الباري (٢/٤٣٣).
    [23] - صحيح الجامع (٣٢١۹).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري; الساعة 2020-07-31, 12:06 AM.

  • #2
    ثانيا : عيد الأضحى


    الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه، أما بعد ؛
    فهذه تتمة لبعض الأعمال المستحبة ليوم عيد الأضحى المبارك ، في ظل جائحة كرونا و إجراءات الحظر .


    ١) المبادرة إلى ذبح الأضحية بعد صلاة العيد :
    يبدأُ وقتُ الأضْحِيَّةِ بعد صلاةِ العيدِ ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة[1]، والحَنابِلة[2]، واختيار الطَّحاوي[3]، والشوكانيُّ[4]، و قال به ابنُ عُثيمين [5] رحمهم الله -. لعموم الأدلة من السنة ؛
    فعن البراء بن عازب رضي الله عنه ؛ قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
    «إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ»[6].
    وعن جدندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه ؛ قال :« ضَحَّيْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أضْحِيَّةً ذاتَ يومٍ، فإذا أُناسٌ قد ذبحوا ضحاياهم قبلَ الصَّلاةِ، فلما انصَرَفَ رآهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّهم قد ذبَحوا قبل الصَّلاةِ، فقال: من ذَبَحَ قبل الصَّلاةِ فلْيَذْبَحْ مكانَها أخرى، ومَن كان لم يَذْبَحْ حتى صَلَّيْنا فلْيَذْبَحْ على اسْمِ اللهِ»[7].

    و أما ما نعيشه هذه الأيام بسبب هذه الجائحة ، فإنه يبدأ وقت الأضحية بعد قدر فعل صلاة العيد ؛ أي بعد طلوع الشمس قيد رمح . وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين[8] رحمه الله ؛ لأنَّه لا صلاةَ في حقِّنا تُعتَبَر، فوجب الاعتبارُ بِقَدْرِها.


    ٢) الاستحباب في أن يتولى المضحي ذبح أضحيته بنفسه :
    عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أَمَرَ بكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ، فَأُتِيَ به لِيُضَحِّيَ به، فَقالَ لَهَا: يا عَائِشَةُ، هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثُمَّ قالَ: اشْحَذِيهَا بحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الكَبْشَ فأضْجَعَهُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: باسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بهِ».[9]
    قال النووي رحمه الله تعالى : يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بنفسه، ولا يوكل في ذبحها إلا لعذر ، وحينئذ يستحب أن يشهد ذبحها ، وإن استناب فيها مسلما جاز بلا خلاف ، وإن استناب كتابيا كره كراهية تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه ، فإنه لم يجوزها ، ويجوز أن يستنيب صبيا أو امرأة حائضا ، لكن يكره توكيل الصبي ، وفي كراهة توكيل الحائض وجهان قال أصحابنا : الحائض أولى بالاستنابة من الصبي ، والصبي أولى من الكتابي ، قال أصحابنا : والأفضل لمن وكل أن يوكل مسلما فقيها بباب الذبائح والضحايا ؛ لأنه أعرف بشروطها وسننها . والله أعلم[10].


    ٣) التصدق بجزء من الأضحية :
    ذهب الجمهور[11] إلى أنَّه يستحبُّ للمضحِّي أن يتصدَّق بثلث الأضحية؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ[12] ، فانقسم عليها أثلاثًا، بل ويستحبُّ أن يتصدَّق بأفضلها[13]؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ[14]، ويطعم من الصَّدَقة الأغنياءَ والفقراء[15].
    قال الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى-: الأضحية لا بد من أن يتصدق منها بشيء دون تحديد كما يزعم البعض ثلاثة أثلاث . ثلث يأكله في العيد ، وثلث يتصدق به ، وثلث يدخره ، هذا التثليث لا أصل له ،وإنما تقسيم ثلاثة أقسام بدون تحديد هذا وارد لأن الرسول عليه السلام قال: «كنتُ نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ، ألا فكلوا وتـصدقوا وادَّخروا »[16] .
    وبه قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : التصدق بالثلث من الأضحية ليست بواجبة ، لك أن تأكل كل الأضحية إلا شيئاً قليلاً تتصدق به والباقي لك أن تأكله .لكن الأفضل أن تتصدق وتهدي وتأكل .[17]


    ٤) الإكثار من ذكر الله تعالى أيام التشريق ؛ مع عدم صومها :
    قال الله عز وجل﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾[18].
    قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى- : يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد، لمزيتها وشرفها وكون بقية أحكام المناسك تفعل بها، ولكون الناس أضيافا لله فيها، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله»، ويدخل في ذكر الله فيها ذكره عند رمي الجمار وعند الذبح، والذكر المقيد عقب الفرائض، بل قال بعض العلماء: إنه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر، وليس ببعيد.[19]
    وقال الحافظ بن رجب[20] رحمه الله تعالى : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته, وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات, وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له, فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفراً وهو جدير أن يسلبها .كما قيل:
    إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
    وداوم عليه بشكر الإله *** فشكر الإله يزيل النقم

    ٥) التحلل من الإحرام للمضحي :
    عن أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قالت : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ »[21].
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى- : فإذا دخل العشر من ذي الحجة وأنت تريد أن تضحي أضحية عن نفسك أو عن غيرك من مالك ، فلا تأخذ شيئاً من شعرك ؛ لا من الإبط ولا من العانة ولا من الشارب ولا من الرأس حتى تضحي ، وكذلك لا تأخذنَّ شيئاً من الظفر ؛ ظفر القدم أو ظفر اليد حتى تضحي ... وذلك احترام للأضحية ، ولأجل أن ينال غير المحرمين ما ناله المحرمون من احترام الشعور ؛ لأن الإنسان إذا حج أو أعتمر فإنه لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله ، فأراد الله عز وجل أن يجعل لعباده الذين لم يحجوا ويعتمروا نصيباً من شعائر النسك . والله أعلم.[22]
    ولمن أخذ شيء من شعره ناسيا أو جاهلا أو مضطرا فلا كراهة فيه وأضحيته صحيحة لا يتأثر حكمها بذلك ؛ قال ابن قدامة [23]-رحمه الله تعالى - : ولا فدية فيه إجماعاً سواء فعله عمداً أو نسياناً. لأن هذا الإمساك على الصحيح سنة ليس بواجب . كونه تابع لأمر مسنون هي الأضحية فيكون سنة كحكم المتبوع. قال الخطابي[24]رحمه الله نعالى-: وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم فدلَّ ذلك أنه على سبيل الندب والاستحباب, دون الحتم والإيجاب.


    هذا والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.. وصلّ اللّهم على عبدك ورسولك محمَد وعلى آله وصحبه وسلّم . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    وكتبه : أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    بمدينة عين مران ؛ ليلة عيد الأضحى ١٠ من ذي الحجة ١٤٤١

    [1] - شرح معاني الآثار للطحاوي (٤/ ١٧٤).
    [2] - المغني لابن قُدامة (۹/٤٥٢).
    [3] - شرح معاني الآثار للطحاوي (٤/ ١٧٤).
    [4] - قال الشوكاني – رحمه الله -: ووَقْتُها بعد صلاةِ النَّحرِ إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ- الدراري المضية (٢/٣٤٣).
    [5] - الشرح الممتع لابن عثيمين (٧/٤٥۹).
    [6]- رواه البخاري (٥٥٦٠) واللفظ له، ومسلم (١۹٦١).
    [7]- رواه البخاري (٥٥٠٠)، ومسلم (١۹٦٠).
    [8]- قال الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى : قوله : من ذبح قبل صلاة العيد ، فليذبح مكانها أخرى " . هو الدليل على أنه لا بد أن يكون الذبح بعد صلاة العيد ، فإذا كان في مكان ليس فيه صلاة عيد فليعتبر ذلك بمقدار صلاة العيد ، ولا يعتبر ما حوله ، أي : لو فرض أنه في بادية قريبة من عنيزة مثلا فليس المعتبر صلاة عنيزة ، بل المعتبر قدر الصلاة ، فإذا كانت صلاة العيد تحل بعد ارتفاع الشمس قيد رمح ، وعيد الاضحى يسن فيه التبكير في الصلاة فيقدر بعد ارتفاع الشمس قدر رمح ، نحو ربع ساعة تتم فيها الصلاة ، وإذا كان ارتفاع الشمس قدر رمح مقداره ثلث ساعة ، او ربع ساعة فيكون ابتداء الذبح بعد طلوع الشمس بنحو نصف ساعة أو خمس وثلاثين دقيقة. إهـ . الشرح الممتع (٧/٤٥۹).
    [9]- مسلم ( ١۹٦٧).
    [10]- شرح النووي على مسلم ( ١٣/١٠٥).
    [11]- تفسير القرطبي: (١٢ / ٤٤).
    [12]- [ الحج :٣٦].
    [13]- كشاف القناع عن متن الإقناع لابن إدريس الحنبلي ( ٢٢/ ٣) .
    [14]- [البقرة: ٢٦٧].
    [15]- نصب الراية لأحاديث الهداية ( ٥/۹٤).
    [16]- سلسلة الهدى والنور للألباني- شريط رقم: (٢٠).
    [17]- فتاوى نور على الدرب – شريط رقم: (٣٢١).
    [18]- [ البقرة : ٢٠٣].
    [19]- تفسير السعدي ( ١٥١).
    [20]- لطائف المعارف (١/٣١٤).
    [21]-
    مسلم (١۹٧٧).
    [22]-
    شرح رياض الصالحين (٦/ ٤٥٠).
    [23]- المغني ( ۹/٣٤٦).
    [24]- عون المعبود شرح سنن أبي داود (٨/٤).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري; الساعة 2020-07-31, 03:37 AM.

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X