إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام [ الأخيرة ]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام [ الأخيرة ]


    تنبيهُ الأفهام
    إلى بعض فوائد آيات الصيام

    ------
    ٣) صوم رمضان بين الشكر والغفران.




    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد؛
    قال تعالى:

    ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1]

    فوائد الآية:

    ١- ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ فيها زيادة فضيلة لهذا الشهر. بأن أنزل الله كتابه فيه؛ قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: لَم يبيِّن هنا هل أنزل في الليل منه أو النهار؟ ولكنَّه بيَّن في غير هذا الموضع أنَّه أنزل في ليلة القدر من رمضان في قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ؛ لأنَّ الليلة المباركة هي ليلة القدر على التحقيق، وفي معنى إنزاله وجهان؛الأول: أنّه أنزل فيها جملة إلى السماء الدنيا، كما ثبت عن ابن عباس.الثاني: أنّ معنى إنزاله فيها ابتداء نزوله، كما قال به بعضهم.[2]

    ٢- ﴿ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ ﴾ فيها بيان مقصود إنزال القرآن. قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي : التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم، ذلك فإن تدبر كتاب الله مفتاح للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته.
    فإنه يعرِّف بالرب المعبود، وما له من صفات الكمال; وما ينزه عنه من سمات النقص، ويعرِّف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها، وما لهم عند القدوم عليه، ويعرِّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة، والطريق الموصلة إلى العذاب، وصفة أهلها، وما لهم عند وجود أسباب العقاب .وكلما ازداد العبد تأملا فيه ازداد علما وعملا وبصيرة، لذلك أمر الله بذلك وحث عليه وأخبر أنه هو المقصود بإنزال القرآن[3].

    ٣- ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ ﴾ فيها وجوب الصوم متى ثبت دخول شهر رمضان. قال العلامة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى: من أنكر وجوب صيام رمضان فهو كافر مرتد عن الإسلام، يستتاب فإن تاب وصام وإلا قتل مرتدا، ومن أقر بوجوب صيامه وأفطر متعمدا من غير عذر فإنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا وأن يلزم بالصيام.[4]

    ٤- ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فيها جواز القضاء متتابعا أو متفرقا؛ للتنكير والإطلاق مع التأخير لمن أراد تأخيره. قال الإمام القرطبي رحمه الله : ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ دل ذلك على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان؛ لأن اللفظ مسترسل على الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ الله ، أو بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم». في رواية : «وَذَلِكَ لمِكَانِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ». وهذا نص وزيادة بيان للآية، وذلك يرد على داود قوله: إنه يجب عليه قضاؤه ثاني شوال، ومن لم يصمه ثم مات فهو آثم عنده، وبنى عليه أنه لو وجب عليه عتق رقبة فوجد رقبة تباع بثمن فليس له أن يتعداها ويشتري غيرها؛ لأن الفرض عليه أن يعتق أول رقبة يجدها فلا يجزيه غيرها، ولو كانت عنده رقبة فلا يجوز له أن يشتري غيرها، ولو مات الذي عنده فلا يبطل العتق، كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره، وذلك يفسد قوله. وقال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثاني من شوال لا يعصي على شرط العزم، والصحيح أنه غير آثم ولا مفرط، وهو قول الجمهور، غير أنه يستحب له تعجيل القضاء لئلا تدركه المنية فيبقى عليه الفرض.[5]

    ٤- ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ فيها إثبات صفة الإرادة لله عز وجل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته.[6] وقال رحمه الله: نوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشىء المعين: فإنما يريده في وقته، وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها، فهو إذا قدرها علم ما سيفعله، وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يُرد فعله في تلك الحال، فإذا جاء وقته، أراد فعله، فالأول عزم، والثاني قصد.[7]

    ٥- ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ﴾ فيها بيان كمال تحقيق إقامة العبودية لله تعالى بأن يكبروه ويستغفروه ويشكروه بعد أن وفقهم الله سبحانه وتعالى لطاعته. قال العلاّمة أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله تعالى: عبادة صومِ رمضان التي تَتكرَّرُ في حياةِ المسلم مرَّةً واحدةً كُلَّ عامٍ؛ فعلى المسلمِ الذي وفَّقَهُ اللهُ لصيامِ شهرِ رمضان، وقيامِ لَيَالِيهِ على وجهِ الإخلاص والمُتابَعةِ أَنْ يختمه بكثرةِ الاستغفار والانكسار بين يَدَيِ اللهِ تعالى، والاستغفارُ ختامُ كُلِّ الأعمال والعبادات؛ فلا يَغْتَرَّ المؤمنُ بنَفْسِه ويُعْجَبْ بعمله ويُزكِّه، بل الواجبُ أَنْ يعترف بقِلَّةِ عمله في حقِّ الله تعالى وتقصيرِه فيه، ودورانِه بين القَبولِ والرَّدِّ؛ فلذلك كان السلفُ يجتهدون في إتمامِ العمل وإكماله وإتقانه، ثمَّ يَهْتمُّون بعد ذلك بقَبولِه ويخافون مِنْ ردِّه، وهؤلاء وَصَفَهم اللهُ تعالى بأنهم: ﴿يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ﴾،أي: خائفةٌ لا يَأْمَنُونَ مَكْرَ الله؛ فكانوا ـ مع الخوف مِنْ عدَمِ القَبولِ ـ يُكْثِرُون مِنَ الاستغفارِ والتوبةِ مع اهتمامهم بقَبولِ العملِ أَشَدَّ اهتمامًا منهم بالعمل؛ لأنَّ القَبولَ عنوانُ التقوى، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾.[8]

    ٦- ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فيها شكر الله على إدراك شهر رمضان. قال الشيخ الفقيه سليمان بن سليم الله الرحيلي حفظه الله تعالى: إن من أنعم الله عز وجل عليه فأمد في عمره حتى أدرك رمضان قد أنعم عليه بالنعمة الكبرى وامتن عليه بالمنة العظمى. كيف لا وهو يصوم في شهر الله المبارك؛ ويقوم في شهر الله المبارك؛ ويسابق إلى الجنات.. ويسارع إلى الجنات. لا شك أيها الإخوة أن الحياة في سبيل الله في فعل الطاعات والتصون عن المحرمات نعمة عظمى من الله عز وجل على العبد.
    في زمن رسول الله هناك أخوان كانا قد أسلما معا وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر وغزا في سبيل الله فاستشهد، وعُمِّر الثاني بعده سنة ومات على فراشه. فرأى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه رؤيا عجيبة. رأى الأخوين واقفين عند باب الجنة. فخرج خارج من الجنة فأذن للثاني منهما، ثم خرج فأذن للأول. فحدّث الناس بهذه الرؤيا؛ فأصبح الناس يتحدثون ويتعجبون فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: أي أمرهما ما أعجب إليكم. فقالوا يارسول الله:كان الأول أكثر اجتهادا وغزا في سبيل الله فاستشهد. وأُذِن للثاني قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: ألم يعش بعده سنة وأدرك رمضان فصامه وسجد لله كذا وكذا سجدة في السنة. قالو: بلى يا رسول الله، قال: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض. فمن نعم الله عز وجل على العبد أن يطيل في عمره على طاعة الله سبحانه وتعالى وأن يدرك شهر رمضان وأن يصومه وأن يقومه.[9]



    فالحمد لله رب العالمين على أن يسر لنا الطاعات ، وأنعم علينا بمواسم العبادات.
    وأرشدنا إلى أفضل القربات. وأن بلغنا شهر الرحمات ، فيه تضاعف الحسنات.
    نسأل الله سبحانه وتعالى القبول وحسن الثواب؛ وأن يختم لنا ولكم بالصالحات. وأن يجعلنا جميعاً ممن استفاد وأفاد، وأخذ من القرآن ما يعمل به في حياته.
    وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله
    وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته.
    *******
    فصل: فائدة في الفرق بين الحمد والشكر.


    قال ابن القيم الجوزية رحمه الله : والفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب .ومعنى هذا: أن الشكر يكون: بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقيادا .ومتعلقه: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله .والشكر يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان.[10]


    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    -عفا الله عنه وغفر لوالديه-
    عين مران ؛فجر يوم الإثنين: ٢٥ من رمضان ١٤٤١ هجرية
    الموافق لــ : ١٨ من مايو ٢٠٢٠ نصراني

    [1] - [ البقرة: ١٨٥].
    [2] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ٧٣).
    [3]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص ٧٠).
    [4]- خطبة جمعة: رمضان شهر الصيام والقيام.
    [5]- جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (١/٣٦١).
    [6] - التدمرية (ص٢٥).
    [7] - مجموع الفتاوى (۹/١٣٧).
    [8] - الكلمة الشهرية (رقم ١٢): ميزة شهر رمضان وفضائل الصيام وفوائده وآدابه.
    [9]- صوتية بعنوان: نعمة إدراك رمضان .
    [10] - مدارج السالكين (٢/٢٤٦).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري; الساعة 2020-05-19, 05:05 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
يعمل...
X