إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام [ الحلقة الثانية ]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام [ الحلقة الثانية ]

    بسملة
    تنبيهُ الأفهام
    إلى بعض فوائد آيات الصيام

    ------
    ٢) الموفق في دنياه من طاع مولاه

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد؛
    قال تعالى:
    ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1]

    فوائد الآية:

    ١-
    ﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ ﴾ فيها تنبيه الله سبحانه وتعالى لعباده باغتنام أيامه المعدودة واستغلال لحظاته المحدودة. قال ابن الجوزي رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل، كما جاء في الحديث*
    «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»[2].

    ٢-فيها بيان أهمية الوقت وتدبر قيمته. قال ابن القيم رحمه الله: فكل نَفَس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها. يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد. فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه. خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا.وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[3]

    ٣-﴿ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ فيها سعة رحمة الله تعالى وشفقته بعباده أن يسر لهم الطاعات والعبادات حتى يسهل علينا أداءها. قال ابن كثير رحمه الله : ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء فَشَقَ عليكم إلاّ جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة - التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين- تجب في الحَضَر أربعًا وفي السفر تُقْصَر إلى ثِنْتَين.... وتُصَلى رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها...وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط بعذر المرض، فيصليها المريض جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات، في سائر الفرائض والواجبات[4].

    ٤- ﴿ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ﴾ فيها أن السفر الذي يباح فيه الفطر غير مقيد بزمن ولا مسافة لإطلاق السفر في الآية. قال العلاّمة أبو عبد المعز محمد علي فركوس حفظه الله تعالى : السفر المُعتبَرُ ـ شرعًا ـ هو البروزُ مِنْ محلِّ الإقامة بنيَّةٍ وهيئةٍ ومدَّةٍ يعتبرها العرفُ سفرًا، فيُباحُ فيه القَصْرُ والجمعُ والفطر؛ وقد اختُلِف في تحديده، والأقوى بقاؤه غيرَ مُقيَّدٍ بمسافةٍ؛ فيُترخَّصُ في كُلِّ ما يُسمَّى سفرًا ـ طال أم قَصُر ـ مِنْ غيرِ تحديدِ السفر بمدَّةٍ أو مسافةٍ أو كونِه سفرَ طاعةٍ، وهو مذهبُ ابنِ تيمية رحمه الله ؛ قال ابنُ القيِّم رحمه الله: وأمَّا ما يُرْوى عنه مِنَ التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة فلم يصحَّ عنه منها شيءٌ ألبتَّةَ[5]. وقال الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : تحديده بزمن أو مسافة يحتاج إلى دليل[6].

    ٥- ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فيها دليل على تفاضل الأعمال. قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: إن الأعمال تتفاضل فيكون بعضها أفضل من بعض، وهذا أمر ليس فيه شك. ولكن يلزم من تفاضل الأعمال تفاضل العُمال، فيكون الناس أيضا يتفاضلون بأعمالهم. فيؤخذ منه الرد على طائفتين مبتدعتين وهما الخوارج والمعتزلة؛ لأن هؤلاء يقولون إن الإيمان لا يتفاضل، إما أن يوجد كله أو يعدم كله. وهذا لا شك في أنه ضلال وخطأ[7].

    ٦- ﴿ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فيها أن طاعة الله كلها خير. قال الشيخ الفقيه سليمان بن سليم الله الرحيلي حفظه الله تعالى : ومن استقام على دين الله، أيها الإخوة والأخوات، فليبشر بكل خير، فقد حوى الخير. فليبشر بالخير من الله -سبحانه وتعالى- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾
    الله أكبر انظروا أيها الإخوة هذه البشارات العظيمة لمن؟ قال ربي الله : واستقاموا على دين الله عز وجل، تتنزل عليهم الملائكة، ألا تخافوا مما أمامكم من أهوال يوم القيامة، ولا تحزنوا على من تُخلفون من ذرياتكم، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، التي أعد الله للمتقين فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، الملائكة تتنزل على المؤمنين، تخاطب المؤمنين، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا، نحن كنا معكم حفظة، وقد رأينا ما أنتم عليه، وكتبنا ما أنتم عليه من الخير، فلا نفارقكم أيضا يوم القيامة، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا، نعينكم وننصركم بأمر ربنا سبحانه وتعالى، وكذلك نحن أولياؤكم في الآخرة، ولكم في جنة ربكم ما تشتهي أنفسكم، ولكم فيها ما تدَّعون.[8]

    ٧- ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فيها فضل العلم. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدى بأفعالهم وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، فهو إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء[9] .
    *******
    فصل : فائدة في تفاضل الأعمال الصالحة.

    الأعمال الصالحة تتفاضل فيما بينها، وتتفاوت في مراتبها. إلاّ أنه قد يفضل المفضول على الفاضل أحيانا، لما يطرأ عليه من عارض يغيره. قال ابن القيم رحمه الله: قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً. وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة - ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد - أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن.
    وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن، مثاله: أن يتفكر في ذنوبه، فيحدث ذلك له توبةً واستغفاراً، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن، فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه.
    فهكذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجراً. وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، فيعطي كل ذي حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه.[10]
    [1] - [ البقرة: ١٨٤].
    *- ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في ضعيف الجامع (برقم ٥۹٧٧).
    [2] - صيد الخاطر (ص ٣٤).
    [3] - إغاثة اللهفان (ص ٨۹).
    [4] - تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٥/٤٥٥).
    [5] - حكم الصوم للمسافر ومدى أفضلية الصيام في السفر.
    [6] - تفسير آيات الصيام من كتاب تفسير القرآن ( ٢/ ٣٢٧).
    [7]- شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام (٢/٢٥٦).
    [8]- صوتية بعنوان: أَبْشِر بكل خير أيها المستقيم على طاعة الله.
    [9]- جامع بيان العلم وفضله. لابن عبد البر رحمه الله تعالى ( ص ۹٤-۹٥).
    [10] - كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب ؛ الفصل الثالث ( ص ۹١).
    يتبع بإذن الله تعالى ...


    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    -عفا الله عنه وغفر لوالديه-
    عين مران ؛ فجر يوم
    الخميس ۱٤ من رمضان ۱٤٤١ هـــ



  • #2
    جزاكم الله خيرا أخي أبو عبد الرحمن

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X