إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنبيهُ الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام

    بسملة
    تنبيهُ الأفهام
    إلى بعض فوائد آيات الصيام

    ------

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد؛
    قال ابن القيم رحمه الله : ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده من تدبر القرآن وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها وعلى طرقاتهما وأسبابهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله وتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله وما يحبه وما يبغضه وصراطه الموصل إليه وقواطيع الطريق وآفاته، وتعرفه النفس وصفاتها ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم وأحوالهم وسيماهم ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة.
    فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها، وتميز له بين الحق والباطل في كل ما يختلف فيه العالم، وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق به بين الهدى والضلال، وتعطيه قوة في قلبه وحياة واسعة وانشراحاً وبهجة وسروراً فيصير في شأن والناس في شأن آخر؛ فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها؛ لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتناديه كلما فترت عزماته: تقدمَ الركبُ، وفاتك الدليل، فاللحاقَ اللحاقَ، والرحيلَ الرحيلَ. فاعتصم بالله واستعن به وقل: حسبي الله ونعم الوكيل[1]
    فمن بعض صور تدبره؛ الوقوف على فوائد ومعاني الآيات والتفكر فيها. ولقد كثر الحث عليها في القرآن الكريم،
    « وذلك لأن الفكرة عمل القلب، والعبادة عمل الجوارح، والقلب أشرف الجوارح؛ فكان عمله أشرف من عمل الجوارح»[2]. ومن تدبر كلام ربه عرف عظيم سلطانه وقدرته، حينها ألزم نفسه بما أُمر وانتهى عما نُهي. ورَغب فيما رُغب. واستغنى بلا مال وعزّ بلا عشيرة. و أنس بما استوحش غيره.
    كما أن المعلوم مِن الدين؛ مَن لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم. أي تصفحها وتفهمها وإدراك معانيها والعمل بها فإنه معرض عنها غير متدبر لها، مستحق للتوبيخ والإنكار، إن كان الله أعطاه فهما يقدر به على التدبر[3]. قال سبحانه وتعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[4].
    و إنها فرصة عظيمة هذه الأيام لاغتنام هذا الشهر الفضيل. بالاشتغال في القرآن قراءة وفهما. ناظرين في شروحات المفسرين واستنباطات العلماء أهل الرواية والدراية من المتقدمين والمتأخرين؛ في استخراج ما وراء ظواهر معاني الألفاظ من الآيات.
    ومن تلكم الآيات المختارات آيات الصيام. جُمعت فوائدها من كلام أهل الحفظ والفهم الذين حفظوا كلام رب العالمين وعقلوه. مكتفين بها على التفسير. لتكون بإذن الله تعالى في سلسلة عنوانها : تنبيه الأفهام إلى بعض فوائد آيات الصيام.
    أسأل الله العلي العظيم التوفيق والسداد والصواب.ويرزقنا الفهم والعمل بما تعلمنا راجيا منه أن يكون هذا العمل نافعا خالصا لوجهه الكريم.


    ١) نداء الله الكريم المنان لأهل الإيمان
    قال تعالى:
    ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾[5]


    فوائد الآية:
    ١- فيها تنبيه الله لأهل الإيمان. قال رجل لابن مسعود : اعهد إليّ، فقال له : إذا سمعت اللّه يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ[6].
    ٢- فيها تشريف الله عز وجل لأهل الإيمان بندائه لهم بالإيمان. قال فضيلة الشيخ العلامة محمد علي فركوس حفظه الله تعالى : تعريف المنادَى باسم الموصول دلالةً على أنه المعروف بالصلة التي هي الإيمان، وكأنَّ هذا الإيمان هو أجلُّ ما يُعرف به ذلك المنادَى، فهو شرفُه الذي عليه أن يستمسك به، وأن يفخر بنعته به، وأن يسعى إلى زيادته وتثبيته بالإكثار من الطاعات، والفرار من السيِّئات[7].

    ٣- قال عز وجل (كُتِبَ عليكم) و لم يقل (فُرِضَ عَلَيْكُمْ) . فيها بيان أن الصيام في بداية الأمر لم يكن ركناً من أركان الإسلام الخمس بل كان فيما بعد بالتدرج. قال ابن كثير رحمه الله : وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم ﴾.إلى قوله : ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾.فكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، فأجزأ ذلك عنه . ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُإلى قوله﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام[8].
    ٤- جملة ﴿كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم﴾ فيها تهوين وتخفيف على المكلفين خشية أن يستثقلوا هذه الفريضة. قال الرازي رحمه الله : وفائدة هذا الكلام؛ أنَّ الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عمَّ سهل تحمُّله[9].
    ٥- فيها إثارة للعزائم للقيام بهذا الركن على أتم وجه. قال السعدي رحمه الله: وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصيتم بها[10].
    ٦- فيه أن الصيام شرع قبل الإسلام ، غير مخصوص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : استكمال هذه الأمة لفضائل من سبقها، حيث كتب الله عليها ما كتب على من قبلها لتترقى إلى درجة الكمال كما ترقى إليها من سبقها[11].
    ٧- أن التقوى مأمور بها قبل فرضية الصيام، ولكن بها يزيد المؤمن – وهو صائم- مخافة من الله وقرباً منه وبعداً من العصيان. قال ابن القيم رحه الله : وأصل التقوى معرفة ما يتقي ثم العمل به ؛ فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه، ثم يلتزم طاعة الله ورسوله.[12]
    ٨- أن الله يريد من عباده من التشريعات كلها الذل والخضوع له، والخشية والخوف منه، والتوكل والاستعانة به وغيرها. قال العلامة ابن باز رحمه الله : لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار، وعن اعتراف بالعبودية وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وأنه العالم بأحوالهم وأنه المدبر لشؤونهم، فهم عبيد مأمورون ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة؛ لأن العبادة عند العرب هي: التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام.[13]
    *******
    فصل :
    من لطيف البلاغة القرآنية في صياغة الفعل المبني للمجهول في تشريع القصاص والوصية والصيام. أنّ ذلك كان للتشريعات الشاقة، أما ما كان من الأمور التي فيها استبشار ورحمة فقد بنيت المبني للمعلوم. وقد ذكر هذا أبو حيان حين قال قاصدا التشريعات التي فيها مشقة. لأنّها مشاق صعبة على المكلف فناسب الاتصاف إلى الله لفظا وحيث يكون المكتوب فيه راحة واستبشارا بني للفاعل نحو : ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. وقال : ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ ؛ وهذا من لطيف البيان[14]. ومثله قال به ابن الجوزي : قال بعض العلماء: إنَّ الله تعالى قال في المكروهات: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾على لفظ لم يسم فاعله، وإن كان قد عُلم أنه هو الكاتب. فلمَّا جاء إلى ما يوجب الراحة ، قال:﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾[15].

    [1] - مدارج السالكين ( ١/٤٨٥-٤٨٦).
    [2] - مفتاح دار السعادة لابن القيم (١/١٨٠).
    [3] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ( ٧/٤٥٨)؛ بتصرف.
    [4]- [ محمد : ٢٤]
    [5] - [ البقرة: ١٨٣]
    [6] - رواه ابن نعيم في الحلية ( ١/١٣٠). من طريق أحمد بن حمبل.
    [7] -بلاغة النداء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
    [8] - تفسير القرآن العظيم ( ١/٢٥٣).
    [9]- تفسير الرازي (٥/٥۹)..
    [10] - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص ٧٠).
    [11] - تفسير آيات الصيام من كتاب تفسير القرآن ( ٢/ ٣١٨).
    [12] - إعلام الموقعين عن رب العالمين ( ٢/٢٥۹-٢٦٠).
    [13] - مجموع الفتاوى( ٢/ ٢٨٣).
    [14] - البحر المحيط (٢/٢٨).
    [15] - صيد الخاطر لابن الجوزي (ص١٠١).
    يتبع بإذن الله تعالى ...

    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    -عفا الله عنه وغفر لوالديه-
    عين مران ؛ فجر يوم الثلاثاء ٠٥ من رمضان ۱٤٤١ هـــ
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري; الساعة 2020-04-29, 02:45 PM.

  • #2
    جزاك الله خيراً

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا يا طيب.

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيكم جميعا
        أسأل الله العلي العظيم أن ينفعنا و إياكم بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا

        تعليق

        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
        يعمل...
        X