تغريد
بسملة
الوصايا الحسان
المستفادة من حديث: (حسن العهد من الإيمان)
الوصايا الحسان
المستفادة من حديث: (حسن العهد من الإيمان)
------
الحمد الله الرحمن الرحيم، الذي هدانا إلى الصراط المستقيم، و أرسل الرسل فأرشدوا الناس و علموهم أحسن تعليم، و صلى الله على نبينا محمد الأمين، و المبعوث إلى الناس أجمعين، و على آله الأطهار، و صحبه الأخيار، و من تبعهم بإحسان كلما تعاقب ليل و نهار.
أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الأمم، وأرسل الرسل ،وشرع الشرائع، ختم الأنبياء والمرسلين بنبينا محمد الأمين على أفضل صلاة وأزكى تسليم، وختم الشرائع والأديان بدين الإسلام، فكمل هذا الرسول الكريم خَلقا وخُلقا فقال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم 4]، وأكمل الله تعالى دين الإسلام وكمله فقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة 3].
فدين الإسلام دين كامل، اعتنى بجميع مجالات حياة الإنسان، من حيث العبادة والعادة، فعقائده واضحة وشرائعه سمحة، حث على الجميل من الخلق، والحسن من الأدب، ونبذ جميع مساوئ الخصال وأراذل الخلال.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة الموضحة المبينة قولا وفعلا لهذه الخصال، فكان أول العاملين المعلمين، فكان القدوة الحسنة لأمته {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب 21].
وإن من محاسن الأخلاق وجميل الخلال التي حث عليها شرعنا الحنيف : حسن العهد.
روى الحاكم في المستدرك عن عائشة، قالت : جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال : لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أنت؟" قالت : أنا جثامة المزنية، فقال : "بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟" قالت : بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلمّا خرجت قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال : "إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان" [صححه الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (216) وفي صحيح الجامع (2056)].
وإنا لنا وقفات مع قوله صلى الله عليه وسلم : "حسن العهد من الإيمان"، نأخذ منها الفوائد والعبر.
المعنى الإجمالي للحديث
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (6/147): "قال أبو عبيد : العهد هنا رعاية الحرمة، وقال عياض : هو الاحتفاظ بالشيء والملازمة له، وقال الراغب : حفظ الشيء ومراعاته، حالا بعد حال".
قال الإمام الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (3/610): "(إن حسن العهد) الحفاظ ورعاية الحرمة. (من الإيمان) من شعب الإيمان أو من صفات أهله".
قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/306): "(حسن العهد) في هذا الحديث هو إهداء النبي صلى الله عليه وسلم اللحم لإخوان خديجة ومعارفها رعيا منه لذمامها، وحفظا لعهدها، كذلك قال أبو عبيد : العهد في الحديث رعاية الحرمة والحق، فجعل ذلك البخاري من الإيمان، لأنه بر وجميع أفعال البر من الإيمان".
أمثلة من حسن عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وأصحابه والسلف الصالح
نبينا صلى الله عليه وسلم بلغ الكمال من حيث الخلق، فإذا تكلمت عن الجود والكرم وجدته أجود الناس، وإذا تكلمت الرحمة والشفقة وجدته أرحم الناس، وإذا تكلمت عن سائر محاسن الأخلاق وجدته الأفضل، ونجده الأسبق إليها، ومن ذلكم حسن عهده بأصحابه رضي الله عنهم لوجدته سباقا حافظا عهد أهله وأصحابه.
روى الشيخان –واللفظ للبخاري- عن عائشة رضي الله عنها، قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول : "إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد".
وفي لفظ لهما - واللفظ للبخاري - عن عائشة رضي الله عنها، قالت : "ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم، ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن".
وللبخاري في الأدب المفرد عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول : "اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة. اذهبوا به إلى بيت فلانة، فإنها كانت تحب خديجة"[حسنه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الأدب المفرد (232)].
وإن هذا "من حسن عهده" صلوات الله وسلامه عليه.
وأصحابه من بعده قد أخذوا هذا الخلق الفضيل، فهذا عبد ابن عمر ابن الخطاب يحسن إلى من كان ودا لأبيه بعد وفاة ابن الخطاب رضي الله عنهم، وذلك من حسن عهده بوالده.
روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر، أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة، كانت على رأسه فقال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله إنهم الأعراب وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله : إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه".
ومما جاء عن سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ما ذكر عن العلامة الإمام أحمد بن يحي النجمي رحمه الله تعالى في ترجمة فقيد الدعوة في إثيويبا أحمد منور رحمه الله تلميذ الشيخ أحمد، حيث ذكر أن الشيخ رحمه الله كان يتعاهده شهريا بمساعدة مالية، حتى إن الشيخ شفع له عند أحد المسؤولين، وكان يرسل له سنويا مبلغا من المال.
تذكير وتنبيه
إن المقصد من كتابة هذه الأسطر هو تذكير نفسي أولا، وإخواني ثانيا بهذا الخلق الجميل، حسن العهد، مع الأقارب، والإخوان، والجيران، والأصحاب وغيرهم من عباد الله المؤمنين، فإنه من الإيمان.
لاسيما في هذا الوقت العصيب، فكلنا نعلم ما يعانيه الناس من الفقر والحاجة بعد نزول هذا الوباء –كورونا رفعه الله عنا-، فإن الناس في حاجة إلى القوت والغذاء والمال والدواء، ومنهم من تعطل عمله، وتوقف دخله، فلا كسب لديه.
تعاهدوا من حولكم يا إخوان وتفقدوهم واسألوا عن أحوالهم، وتعاهدوا من هو بعيد عنكم بالمكالمات أو حتى بالرسائل فإن في ذلك الخير الكثير والنفع الكبير.
فإنك إن لم تتعاهد أقاربك ومعارفك في وقت عصيب كهذا، وتكون لهم معينا في وقت الشدة فمتى يجدونك بجانبهم؟!
وإنه مما آملني أن وقعت عيني على أحد رسائل أحد المحتاجين : والله يا أخي وصل بيا الحال لبيع كل ما أملك...
فالله الله في إخوانكم وجيرانكم وأصدقائكم
نسأل الله العلي القدير أن يرفع عنا هذا الوباء عاجلا غير آجل
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنمت أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين
والحمد لله رب العالمين.
كتبه/
أبو البراء يوسف صفصاف
26 شعبان 1441
19 أفريل 2020
تعليق