إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فتح الغفار ببيان شيء من أحكام صلاة ذوي الأعذار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فتح الغفار ببيان شيء من أحكام صلاة ذوي الأعذار

    بسم الله الرحمن الرحيم

    فتح الغفار
    ببيان شيء من أحكام صلاة ذوي الأعذار











    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فهذه مسائل جمعتها بعون الله تعالى في بيان شيء من الأحكام المتعلقة بصلاة ذوي الأعذار خصوصا وبعض أحكام الصلاة العامة التي يحتاجها كل مسلم في تصحيح عبادته وما يقربه من ربه، جمعتها إجابة لمن التمس مني ذلك قبل مدة من الزمن، ممن هو أهل لإجابته من أهل العلم والفضل، ولو لزمنا العدل والإنصاف لكان هو أولى مني بالجمع والبيان لما آتاه الله من فضله، ولكن حالي وإياه كما قال الحكمي رحمه الله:
    سألني إياه من لا بد لي *** من امتثال سؤله الممتثل
    والله أسأل أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم وأن يجنبنا وإخواننا الزلل وأن يوفقنا ومشايخنا والمسلمين إلى صالح القول والعمل، إن ربي لسميع الدعاء وهو على كل شيء قدير.

    تمهيد:

    قال الله تعالى في محكم التنزيل: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [78الحج].
    قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى:
    { هُوَ اجْتَبَاكُمْ } أي: اختاركم -يا معشر المسلمين- من بين الناس، واختار لكم الدين، ورضيه لكم، واختار لكم أفضل الكتب وأفضل الرسل، فقابلوا هذه المنحة العظيمة، بالقيام بالجهاد فيه حق القيام، ولما كان قوله: { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } ربما توهم متوهم أن هذا من باب تكليف ما لا يطاق، أو تكليف ما يشق، احترز منه بقوله: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية، شيء كثير معروف في كتب الأحكام. اهـ تيسير الكريم الرحمن
    وإن من الأمور التي تخللها التخفيف وتجلت فيها سماحة هذه الشريعة الكريمة أعظم عبادة أمر الله بها عباده بعد الشهادتين، ألا وهي (الصلاة) تلكم العبادة العظيمة التي ذكرها الله في مواطن كثيرة من كتابه الكريم مبينا فضلها وشرفها وأخبر سبحانه أنه ما أمر أهل الكتاب خاصة والناس عامة إلا بتوحيده جل شأنه، وإقامتها وإيتاء أختها، فقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [5 البينة].
    وحث على المحافظة عليها في مواضع عدة من كتابه العظيم، من ذلك قوله سبحانه: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238] . وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:9-11].
    ومدح وأثنى على من داوم على فعلها فقال سبحانه: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) [المعارج:19-23].
    ورتب الفلاح والفوز على الخشوع فيها فقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1، 2].
    وأخبر أن تركها والتكاسل عنها من أسباب الخسران ودخول النيران فقال سبحانه: (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر 39ـ43]. وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون:4-7].
    وغيرها من نصوص القرآن التي جاءت في بيان منزلة الصلاة والحث عليها ومدح أهلها ووعد المحافظ عليها وتوعد تاركها والمتكاسل عنها.
    وأما ما يدل على فضلها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكبر من أن يحصى، من ذلك ما جاء عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أنَّ خير أعمالِكم الصلاة، ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ. صححه شيخ الاسلام بن باز رحمه الله: في شرحه على بلوغ المرام.
    وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده، فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا. 405.
    وروى الحاكم والترمذي من حديث الْحَارِث الأَشْعَرِىَّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا ...... إلى قوله: وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِى صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ. الحديث. صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع: 1724.
    وجاء عند الترمذي من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد. حسنه الألباني في إرواء الغليل 413.
    وروى النسائي من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر صححه العلامة الأتيوبي في ذخيرة العقبى 463.
    ولقد علم أئمة الاسلام والسنة وعلى رأسهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة هذه العبادة العظيمة في الاسلام فكثرت عباراتهم في تعظيمها والحث عليها والتحذير من تركها والتهاون بها، قال بن القيم رحمه الله تعالى:
    قال الإمام أحمد:
    وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق: (إن من أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة).
    قال أحمد فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به.
    وإنما حظهم من الاسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الاسلام على قدر رغبتهم في الصلاة.
    فاعرف نفسك يا عبد الله، واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الاسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.
    وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلاة عمود الاسلام) ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط، ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود الفسطاط انتفع بالطنب والأوتاد، وكذلك الصلاة من الاسلام.
    وجاء الحديث: (إن أول ما يسأل عنه العبد عنه يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله).
    فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من أعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الاسلام.
    هذا كله كلام أحمد، والصلاة أول فروض الاسلام، وهي آخر ما يفقد من الدين، فهي أول الاسلام وآخره، وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه.
    قال الإمام أحمد: كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه. فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه. اهـ . بتصرف من كتاب الصلاة للإمام بن القيم رحمه الله ص17ط دار عالم الفوائد.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    وهذا شيء يسير جدا مما جاء في بيان فضل ومنزلة هذه العبادة العظيمة، ومما يدل أيضا على أهميتها وشرفها ورفيع منزلتها في هذا الدين الحنيف أنها تقصر وتخفف ويتجوز فيها ويعدل عما لا يستطاع فيها إلى ما يستطاع ولا تترك بحال، حتى إن المريض العاجز الذي لا يستطيع الطهارة ولا يجد من يطهره والذي لا يستطيع استقبال القبلة ولا القيام والركوع والسجود يصلي على أي حال كان.
    قال شيخ الاسلام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله:
    المرض لا يمنع من أداء الصلاة بحجة العجز عن الطهارة ما دام العقل موجودًا، بل يجب على المريض أن يصلي حسب طاقته، وأن يتطهر بالماء إذا قدر على ذلك، فإن لم يستطع استعمال الماء تيمم وصلى، وعليه أن يغسل النجاسة من بدنه وثيابه وقت الصلاة، أو يبدل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقت الصلاة، فإن عجز عن غسل النجاسة وعن إبدال الثياب النجسة بثياب طاهرة سقط عنه ذلك، وصلى حسب حاله؛ لقول الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16] وقول النبي ﷺ: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم متفق على صحته، وقوله ﷺ لعمران بن حصين رضي الله عنهما لما شكا إليه المرض، قال: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب رواه البخاري في صحيحه، ورواه النسائي بإسناد صحيح، وزاد: فإن لم تستطع فمستلقيًا. اهـ من موقع الشيخ على الشبكة

    فصل:
    قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [238البقرة].
    قال تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)[البقرة 144].
    وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة 115].
    وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [286البقرة].
    وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ) [16التغابن].
    روى البخاري في صحيحه عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". 1117. زاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيا (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). أخرجه المجد بن تيمية رحمه الله بهذا اللفظ في منتقى الأخبار 1151.
    والزيلعي في نصب الراية وعزاه للنسائي.
    وللبخاري من حديث بريدة رضي الله عنه أن عمران بن حصين ـ وكان رجلا مبسورا ـ وقال أبو معمر مرة: عن عمران قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد. 1116.
    وله من حديث الأسود قال: كنا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.
    قيل للأعمش وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش بعضه.
    وزاد أبو معاوية جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما. 664.
    وله من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. 687.
    وله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا . 688.
    وله من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن، فكان يقرأ قاعدا، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية، ثم ركع. 1118.
    وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي جالسا قال : فوضعت يدي على رأسه ، فقال: مالك يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت : صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدا، قال : أجل ولكني لست كأحد منكم. 735.
    وروى الترمذي عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطروا السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام أو أقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع قال أبو عيسى هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وكذلك روي عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق . ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص60.
    قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه:
    حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم عن خالد عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    فيما تقدم ذكره في هذا الفصل من نصوص الكتاب والسنة وما يأتي من أدلة أثناء المقال بإذن الله، بيان لمسائل عدة تتعلق بالصلاة عموما وبصلاة ذوي الأعذار خصوصا، نذكر منها ما يسره الله تعالى، والله وحده الموفق للصواب وإليه سبحانه المرجع والمآب.

    فصل:
    الباب الأول: القيام في الصلاة، وفيه مسائل:
    المسألة الأولى: حكم القيام في صلاة الفريضة.
    قد نص أهل العلم على أن القيام في صلاة الفريضة ركن لا تصح الصلاة إلا به, وهو مأخوذ من قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين)[البقرة 238]، وقوله صلى الله عليه وسلم: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب.
    قال حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى: وأجمع العلماء على أن القيام في صلاة الفريضة فرض واجب على كل صحيح قادر عليه، لا يجزيه غير ذلك إن كان منفردا أو إماما. اهـ التمهيد ج4 ص269.
    قال بن حزم رحمه الله: وأما صلاة الفرض فلا يحل لأحد أن يصليها إلا واقفا إلا لعذر. اهـ المحلى ج2 ص 112.
    قال الإمام النووي رحمه الله: القيام في الفرائض فرض بالإجماع، لا تَصِح الصلاة من القادر عليه إلا به. اهـ المجموع شرح المهذب (3: 258).
    قال شيخ الاسلام رحمه الله: وأما صلاة الفرض قاعدا مع القدرة على القيام، فلا تصح، لا من رجل ولا امرأة، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك. اهـ مجموعة الفتاوى ج 24 ص 8.
    قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: فدلت الآية والحديث على وجوب القيام في الصلاة المفروضة مع القدرة عليه. اهـ ج1ص97الملخص الفقهي
    المسألة الثانية: الإيماء في حال القيام لمن قدر على القيام دون الركوع
    وقول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)[التغابن 16]
    قال الإمام علي بن محمد اللخمي المالكي رحمه الله تعالى: وإذا كان بالمصلي ما يمنعه من الركوع والسجود دون القيام والجلوس، فإنه يستفتح الصلاة قائما فيقرأ ثم يومئ للركوع ثم يجلس ثم يومئ للسجود. اهـ التبصرة ج1 ص303.
    قال بن قدامة رحمه الله: ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود، لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائما فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود. وبهذا قال الشافعي. اهـ المغني ج2 ص572.
    قال الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: كل هذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة (فاتقوا الله ما استطعتم)[التغابن]، فمن لم يقدر على الركوع أومأ به قائما، ومن لم يقدر على السجود أومأ به جالسا. اهـ الشرح الممتع ج2 ص 232.

    المسألة الثالثة: من استطاع القيام مع الاعتماد بدون مشقة لزمه أن يصلي قائما
    لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)[التغابن 16]
    قال الإمام أبو داود:
    باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا
    حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال قدمت الرقة فقال لي بعض أصحابي هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قلت: غنيمة فدفعنا إلى وابصة، قلت: لصاحبي نبدأ فننظر إلى دله فإذا عليه قلنسوة لاطئة ذات أذنين وبرنس خز أغبر وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا بعد أن سلمنا، فقال: حدثتني أم قيس بنت محصن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه. 948. صححه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود.
    قال بن قدامة رحمه الله تعالى: وإن قدر على القيام بأن يتكئ على عصى، أو يستند إلى حائط، أو يعتمد على أحد جانبيه، لزمه لأنه قادر على القيام من غير ضرر، فلزمه كما لو قدر بغير هذه الأشياء. اهـ المغني ج2 ص 571.
    قال بن تميم في مختصره: وإن قدر على الركوع قائما باعتماده على شيء، أو ينحني على جانب، لزمه ذلك، وكذا إن قدر على القيام باعتماده على شيء لزمه. اهـ ج2 ص339.
    قال محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله كما في عون المعبود:
    ( فقلنا ) أي في اعتماده على العصا في الصلاة ( لما أسن ) أي كبر ( وحمل اللحم ) أي ضعف أو كثر اللحم ( اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه ) فيه جواز الاعتماد على العمود والعصا ونحوهما لكن القيد بالعذر المذكور وهو الكبر وكثرة اللحم ويلحق بهما الضعف والمرض ونحوهما .
    قال العلامة الشوكاني في النيل : وقد ذكر جماعة من العلماء أن من احتاج في قيامه إلى أن يتكئ على عصا أو على عكاز أو يستند إلى حائط أو يميل على أحد جانبيه جاز له ذلك ، وجزم جماعة من أصحاب الشافعي باللزوم وعدم جواز القعود مع إمكان القيام مع الاعتماد ، ومنهم المتولي والأذرعي ، وكذا قال باللزوم ابن قدامة الحنبلي . وقال القاضي حسين من أصحاب الشافعي : لا يلزم ذلك ويجوز القعود . انتهى ملخصا .
    قلت : قد ثبت اعتماد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على العصا في صلاة التراويح ، فقد روى مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد قال : " أمر عمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة ، فكان القارئ يقرأ بالمئين حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام فما كنا ننصرف إلا في فروع [ بزوغ ] الفجر " . اهـ ج3ص167.
    قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى: ويجوز أن يعتمد في قيامه على عمود أو عصا لكبر سنه، أو ضعف بدنه. اهـ من شرح صفة الصلاة للشيخ محمد بن عمر بازمول ص139.

    المسألة الرابعة: جواز الجمع بين القيام والقعود في صلاة الفريضة والنافلة
    وقول الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب21].
    روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن، فكان يقرأ قاعدا، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية، ثم ركع. 1118.
    قال البخاري رحمه الله تعالى:
    باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي.
    وقال الحسن: إن شاء المريض صلى ركعتين قائما وركعتين قاعدا.
    قال الحافظ في الفتح:
    والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة، بل قوله: (ثم صح) يتعلق بالفريضة، وقوله: (أو وجد خفة) يتعلق بالنافلة، وهذا الشق مطابق للحديث ـ أي حديث عائشة المذكور آنفا ـ ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه، والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما، ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما، كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، لا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية، خلافا لمن أبى ذلك. ج4 ص296.

    المسألة الخامسة: جواز القعود في صلاة النافلة مع القدرة على القيام على نصف الأجر والثواب.
    قال الله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: 7].
    روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد. 1116
    وروى مالك عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم.(1ـ129)
    وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي جالسا قال : فوضعت يدي على رأسه ، فقال مالك : يا عبد الله بن عمرو قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت : صلاة الرجل قاعدا على نصف الصلاة، وأنت تصلي قاعدا، قال : أجل ولكني لست كأحد منكم. 735.
    قال الإمام علي بن محمد اللخمي رحمه الله تعالى: النفل يشتمل على ما يشتمل عليه الفرض، من القيام والقراءة والركوع والسجود، والأفضل أن يأتي به على حسب ما يفعل في الفرض، يقوم ويقرأ ويركع ويسجد، وله أن يسقط القيام فيصلي قاعدا. اهـ التبصرة ج1 ص310.
    قال بن قدامة رحمه الله: لا نعلم خلافا في إباحة التطوع جالسا، وأنه في القيام أفضل. اهـ المغني ج2 ص 567.
    فائدة وتنبيه في كلام الشيخ محمد بن علي آدم الأتيوبي الولوي حفظه الله:
    قال حفظه الله ومتع الأمة بحياته ونفعهم بعلمه، في شرحه على حديث عبد الله بن عمرو المتقدم:
    (وأنت تصلي قاعدا، قال: أجل) ك(نعم) وزنا ومعنى، وهي أحسن في مثل هذا من (نعم) كما تقدم. (ولكني لست كأحد منكم) أي لست مثلكم في كون ثواب صلاتي قاعدا على النصف من صلاتي قائما، بل هو كصلاتي قائما، لا ينقص منه شيء.
    هو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات وقال القاضي عياض معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه مشقة من القيام لحطم الناس وللسن فكان أجره تاما بخلاف غيره ممن لا عذر له.
    ورد عليه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل لأن غيره صلى الله عليه وسلم إن كان معذورا فثوابه أيضا كامل وإن كان قادرا على القيام فليس هو كالمعذور فلا يبقى فيه تخصيص فلا يحسن على هذا التقدير لست كأحد منكم واطلاق هذا القول فالصواب ما قاله أصحابنا أن نافلته صلى الله عليه وسلم قاعدا مع القدرة على القيام ثوابها كثوابه قائما وهو من الخصائص والله أعلم. انتهى كلام النووي رحمه الله.
    قال العلامة الأتيوبي حفظه الله:
    هذا الذي رد به النووي كلام عياض هو الصواب عندي.
    والحاصل أن من صلى قاعدا لعذر، فله الأجر كاملا، سواء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، فلا خصوصية له في ذلك، إنما الخصوصية له فيما صلى قاعدا من غير عذر، فإن له الأجر كاملا.
    ودليل ثبوت الأجر كاملا للمعذور مطلقا ما أخرجه البخاري رحمه الله في (كتاب الجهاد) من طريق ابراهيم السكسكي، قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارا يقول: قال صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وهو المستعان وعليه التكلان. اهـ الذخيرة ج17 ص 394ـ395.
    تنبيه:
    قال الإمام محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
    وقوله: وإذا صلى قائما فصلوا قياما. حتى في النفل إذا صلى قائما يجب علينا أن نصلي قياما، وهذه مسألة قل من يتفطن لها، لأن بعض الناس يقول: القيام في النفل ليس بركن وهو صحيح، فيجوز للمتنفل أن يصلي قاعدا، لكن إذا كنت مع الإمام كما في التراويح وصلاة الكسوف فإنه يجب عليك أن تصلي قائما لقول النبي عليه الصلاة والسلام: إذا صلى قائما فصلوا قياما، وهذه مسألة يجب أن يتنبه لها ، ووجوب القيام هنا ليس لذات القيام، ولكن لغيره وهي متابعة الإمام. اهـ الفتح ج4 ص 371.

    المسألة السادسة: أن من لم يستطع الصلاة قائما في الفريضة صلى قاعدا
    لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [286البقرة]، وقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [16التغابن]، ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا.
    قال ابن قدامة رحمه الله: أجمع أهل العلم على أن مَن لا يُطيق القيام، له أن يصلي جالسًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صلِّ قائمًا، فإن لم تَستطِع فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ فعلى جَنْب) اهـ المغني ج2 ص 570.

    المسألة السابعة: فيما إذا صلى منفردا استطاع القيام لتخفيفه على نفسه ولا يستطيع الصلاة مع الإمام لتطويله.
    وقول الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)[النور 36ـ38].
    وروى البخاري من حديث الأسود قال: كنا عند عائشة رضي الله عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.
    قيل للأعمش وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش بعضه.
    وزاد أبو معاوية جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما. 664.
    وله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا . 688.
    قال بن قدامة رحمه الله:
    وان قدر المريض على الصلاة وحده قائما ولا يقدر على ذلك مع الإمام لتطويله احتمل أن يلزمه القيام ويصلي وحده لأن القيام آكد لكونه ركنا في الصلاة لا تتم الا به والجماعة تصح الصلاة بدونها، واحتمل أنه مخير بين الامرين لأننا أبحنا له ترك القيام المقدور عليه مع إمام الحي العاجز عن القيام مراعاة للجماعة فههنا أولى ولأن الأجر يتضاعف بالجماعة أكثر من تضاعفه بالقيام بدليل " ان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " و " صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحده سبعا وعشرين درجة " وهذا أحسن وهو مذهب الشافعي. اهـ المغني ج2 ص572ـ573.
    قال بن الملقن رحمه الله:
    جواز الأخذ بالشدة لمن جازت له الرخصة؛ لأنه عليه السلام كان له أن يتخلف عن الجماعة لعذر المرض، فلما تحامل على نفسه وخرج على هذه الهيئة دل على فضل الشدة على الرخصة ترغيبا لأمته في شهود الجماعة لما لهم فيها من عظيم الأجر، ولئلا يعذر أحد منهم نفسه في التخلف عنها ما أمكنه وقدر عليها، مع علمه أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبذلك عمل السلف الصالحون، وكان الربيع بن خثيم يخرج إلى الصلاة يهادى بين رجلين وكان أصابه الفالج فيقال له: إنك لفي عذر، فيقول: أجل، ولكني أسمع المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح، فمن سمعها فليأتها ولو حبوا.
    وكان أبو عبد الرحمن السلمي يحمل وهو مريض إلى المسجد.
    وقال سفيان: كان سويد بن غفلة ابن سبع وعشرين ومائة سنة يخرج إلى الصلاة، وكان أبو إسحاق الهمداني يهادى إلى المسجد فإذا فرغ من صلاته لم يقدر أن ينهض حتى يقام.
    وقال سعيد بن المسيب: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. اهـ التوضيح ج6 ص475ـ476.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    ولا يخفى على من تدبر حديث عائشة رضي الله عنها في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة يهادى بين رجلين وقدماه تخطان الأرض ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة المرض مع تعذر القيام، ومع ذلك خرج للصلاة على تلكم الحال، ولا شك ولا ريب أن من استطاع القيام منفردا لتخفيفه على نفسه هو في الشدة والمشقة دون ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده من السلف الصالح المتقدم ذكرهم في كلام بن الملقن رحمه الله تعالى، فتكون الأفضلية للمرء أن يصلي جماعة قاعدا أولى من الصلاة منفردا قائما لما تقدم ولما ذكر في آخر كلام بن قدامة المتقدم. والله تعالى أعلم.

    الباب الثاني: صلاة القاعد، وفيه مسائل:
    المسألة الأولى: في العذر المبيح للقعود في صلاة الفريضة
    اختلف العلماء في العذر المبيح للقعود أهو العجز أم المشقة بنوعيها، والمعتبر في المسألة والله أعلم هو: المحافظة على الخشوع في الصلاة وتجنب كل ما يذهبه أو ينقصه، لقول الله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون)[المؤمنون1].
    وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا.
    وروى الإمام أحمد عن أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحم الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود، فقال: صلاة القاعد نصف صلاة القائم. قال الحافظ في الفتح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح سنن بن ماجة 1022.
    قال بن قدامة رحمه الله: وإن أمكنه القيام، إلا أنه يخشى زيادة مرضه به، أو تباطؤ برئه، أو يشق عليه مشقة شديدة، فله أن يصلي قاعدا، ونحو هذا قال مالك وإسحاق. وقال ميمون بن مهران: إذا لم يستطع أن يقوم لدنياه، فليصل جالسا. وحكي عن أحمد نحو ذلك. ولنا قول الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وتكليف القيام في هذه الحال حرج، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه، فكذلك تسقط عن غيره. اهـ المغني ج2 ص 571.
    قال الحافظ في الفتح:
    قوله : ( فإن لم تستطع ) استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام ، وقد حكاه عياض عن الشافعي ، وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم بل وجود المشقة ، والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام ، أو خوف زيادة المرض ، أو الهلاك ، ولا يكتفى بأدنى مشقة . ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها. اهـ ج4 ص292ـ293.
    قال الشوكاني رحمه الله:
    والمعتبر في عدم الاستطاعة عند الشافعية هو المشقة أو خوف زيادة المرض أو الهلاك لا مجرد التألم فإنه لا يبيح ذلك عند الجمهور. النيل ج6 ص 146.
    وقال الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
    وقوله: (فإن لم يستطع) ظاهره: أنه لا يبيح القعود إلا العجز، وأما المشقة فلا تبيح القعود.
    ولكن الصحيح: أن المشقة تبيح القعود، فإذا شق عليه القيام صلى قاعدا، لقوله تعالى:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة185]، وكما لو شق الصوم على المريض مع قدرته عليه فإنه يفطر، فكذلك هنا إذا شق القيام فإنه يصلي قاعدا، ولكن ما ضابط المشقة، لأن بعض الناس أحيانا يكون في تعب وسهر، فيشق عليه القيام.
    الجواب: الضابط للمشقة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو: حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة ليركع من شدة تحمله، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا. اهـ الشرح الممتع ج2 ص 227.
    وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله: ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام، ولا يكفي لذلك أدنى مشقة، بل المعتبر المشقة الظاهرة. اهـ الملخص ج1 ص 178.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    وبناء على ما تقدم ذكره في هذه المسألة نخلص إلى أمر مهم، وهو: أن المشقة مشقتان:
    مشقة ظاهرة أو شديدة: يشرع معها الجلوس.
    مشقة غير ظاهرة أو أدنى مشقة أو مجرد التألم.
    قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى:
    قوله : ( عن صلاة الرجل قاعدا ) قال الخطابي : كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع - يعني للقادر - لكن قوله " من صلى نائما " يفسده ، لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد ؛ لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك ، قال : فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث . قال : وفي القياس المتقدم نظر ؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع . قال : وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة ، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام مع جواز قعوده . انتهى .
    وهو حمل متجه ، ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديث عائشة وأنس وهما صلاة المفترض قطعا، وكأنه ـ أي البخاري ـ أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا ، ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب ـ أي في باب صلاة القاعد ـ فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة ، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام ، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة ، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال . وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنفل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك ، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء . وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل ، وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال : وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم . ثم قال : وفي هذا الحديث ما يشهد له ، يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه " إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم " ، ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى . ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر ، والله أعلم .
    ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي ، وقد ورد في الحديث ما يشهد لها ، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهي محمة ، فحم الناس ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد والناس يصلون من قعود فقال : صلاة القاعد نصف صلاة القائم رجاله ثقات . وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي. اهـ فتح الباري ج4 ص 288ـ289.

    المسألة الثانية: صفة صلاة القاعد
    عن جابر رضي الله عنه قال: عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضا فرآه يصلي على وسادة فرمى بها وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك. قال الحافظ في البلوغ: رواه البيهقي وصحح أبو حاتم وقفه. وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صفة الصلاة
    قال سحنون رحمه الله في مدونته:
    وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع السجود أنه لا يرفع إلى جبهته شيئا ولا ينصب بين يديه وسادة ولا شيئا من الأشياء يسجد عليه. اهـ. المدونة ج1ـ ص78.
    قال الإمام الألباني رحمه الله:
    ولا يجوز للمصلي جالسا أن يضع شيئا على الأرض مرفوعا يسجد عليه، وإنما يجعل سجوده أخفض من ركوعه كما ذكرنا إذا كان لا يستطيع أن يباشر الأرض بجبهته. اهـ شرح صفة الصلاة ص138
    قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ومتع الأمة بحياته ونفعهم بعلمه:
    في هذا الحديث أن هذا الرجل اجتهد، وهو رجل مريض، ولما كان لا يستطيع أن يسجد على الأرض من مشقة المرض وضع وسادة مرتفعة يسجد عليها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وألقاها، وقال له: (صل على الأرض) يعني اسجد على الأرض (إن استطعت) فإن لم تستطع (فأومئ إيماء) وأنت جالس، أومئ برأسك إيماء (واجعل سجودك أخفض من ركوعك) ..............إلى أن قال حفظه الله:
    ثالثا: فيه كيفية صلاة المريض، أنه يومئ بالركوع والسجود برأسه ويجعل سجوده بالإيماء أخفض من ركوعه.
    رابعا: فيه أنه لا يجوز للمريض أن يجعل شيئا يسجد عليه كالوسادة أو صندوق أو غيره، فهذا من التكلف الذي لم يشرعه الله، فقد قال تعالى)لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) [البقرة 286]. وقال (وما جعل عليكم في الدين من حرج)[الحج 78]. اهـ من تسهيل الإلمام ج2ص421.
    .
    قال جامعه عفا الله عنه:
    فلا عبرة بكلام من أجاز السجود على الوسادة، لصحة الحديث الوارد في النهي عنها، وسدا لذريعة البدع لما يحدثه الناس من جراء الافتاء بالجواز، كما هو الحال في زمننا اليوم إذ ابتدع الناس كرسيا مزخرفا للصلاة وجعلوا فيه موطنا للسجود وهذا منكر وتوسع ممقوت وقد أفتى بحرمة الصلاة عليه جمع من أهل العلم وعلى رأسهم بقية السلف فضيلة الشيخ الوالد صالح الفوزان حفظه الله تعالى. والله أعلم
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً. قال الحافظ في البلوغ: رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة. وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صفة الصلاة.
    قال الفيروز آبادي رحمه الله:
    تربع في جلوسه: خلاف جثى وأقعى. القاموس مادة : ر ب ع.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    والتربع المعروف عندنا باسمه وهيأته هو التربع المذكور في حديث عائشة رضي الله عنها. والله أعلم.
    وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله:
    عند الفقهاء: أن هيئة التربيع أن تضع قدم الرجل اليمنى تحت فخذ اليسرى، ظهر القدم إلى الأرض، وبطن القدم تحت الفخذ، والساق اليسرى تجعل قدمها تحت الفخذ اليمنى، جاعلاً ظهر القدم إلى الأرض، وبطن القدم إلى الفخذ، هذه صورة الجالس المتربع. اهـ شرح بلوغ المرام.
    قال بن قدامة رحمه الله:
    مسألة : قال : (ويكون في حال القيام متربعا، ويثني رجليه في الركوع والسجود)
    وجملته أنه يستحب للمتطوع جالسا أن يكون في حال القيام متربعا ، روي ذلك عن ابن عمر ، وأنس ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق . وعن أبي حنيفة كقولنا . وعنه يجلس كيف شاء . وروي عن ابن المسيب ، وعروة ، وابن عمر : يجلس كيف شاء ; لأن القيام سقط ، فسقطت هيئته . وروي عن ابن المسيب ، وعروة ، وابن سيرين ، وعمر بن عبد العزيز ، وعطاء الخراساني ، أنهم كانوا يحتبون في التطوع .
    واختلف فيه عن عطاء ، والنخعي . ولنا ، أن القيام يخالف القعود فينبغي أن تخالف هيئته في بدله هيئة غيره ، كمخالفة القيام غيره ، وهو مع هذا أبعد من السهو والاشتباه ، وليس إذا سقط القيام لمشقته يلزم سقوط ما لا مشقة فيه ، كمن سقط عنه الركوع والسجود ، لا يلزم سقوط الإيماء بهما . وهذا الذي ذكرنا من صفة الجلوس مستحب غير واجب ، إذ لم يرد بإيجابه دليل . فأما قوله : { ويثني رجليه في الركوع والسجود } . فقد روي عن أنس . قال أحمد : يروى عن أنس ، أنه صلى متربعا ، فلما ركع ثنى رجله . وهذا قول الثوري .
    وحكى ابن المنذر ، عن أحمد ، وإسحاق ، أنه لا يثني رجليه إلا في السجود خاصة ، ويكون في الركوع على هيئة القيام . وذكره أبو الخطاب . وهو قول أبي يوسف ومحمد ، وهو أقيس ; لأن هيئة الراكع في رجليه هيئة القائم ، فينبغي أن يكون على هيئته ، وهذا أصح في النظر إلا أن أحمد ذهب إلى فعل أنس ، وأخذ به. اهـ المغني ج2 ص568ـ569.
    وأما موضع اليدين في حال التربع فيقول الشيخ الإمام محمد بن صالح ابن عثيمين رحمه الله:
    وضع اليدين حسب الحال ففي حال القيام على الصدر وفي حال الركوع على الركب لأنه سوف يومئ. فتح ذي الجلال ج3 ص 269.
    وقال ابن القاسم رحمه الله:
    من تنفل في محمله تنفل جالسا، قيامه تربع، يركع واضعا يديه على ركبتيه ثم يرفع رأسه. اهـ الجامع لأحكام القرآن ج2 ص327.
    قال الشيخ محمد بن علي آدم الإتيوبي حفظه الله:
    (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها، أنها (قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا) فيه استحباب التربع لمن يصلي قاعدا، وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة ، ومالك، وأحمد، وهو أحد القولين للشافعي، وذهب الشافعي في أحد قوليه إلى أنه يصلي مفترشا، كالجلوس بين السجدتين، وحكى صاحب النهاية عن بعض المصنفين أنه يجلس متوركا. وقال القاضي حسين من الشافعية: إنه يجلس على فخذه اليسرى، وينصب ركبته اليمنى، كجلسة القارئ بين يدي المقرئ.
    وهذا الخلاف إنما هو في الأفضل، وقد وقع الاتفاق على أنه يجوز له أن يقعد على أي صفة شاء، من القعود، لإطلاق الأحاديث المذكورة في الأبواب المذكورة الماضية وعمومها. اهـ ذخيرة العقبى ج18 ص6. وعزى آخر الكلام فقال في الحاشية: أفاده في نيل الأوطار.

    المسألة الثالثة: إمامة القاعد
    تباينت أقوال العلماء في مسألة إمامة القاعد، منعا وجوازا، وفي حال المأمومين خلفه أقيام أم قعود؟ وهل تصح إمامة القاعد من كل أحد، أو لا تصح إلا بقيد، وهل في المسألة ناسخ ومنسوخ؟.
    ومبنى الخلاف والتباين والله أعلم على ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا . 688. وعلى ما رواه البخاري أيضا من حديثها رضي الله عنها وهو قولها: ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. 687.
    وغير هذين الحديثين مما هو في معناهما، فظاهر الحديثين التعارض كما هو ظاهر، وممن تعرض لبيان هذه المسألة الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في كتابه الفذ فتح الباري، وفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه فتح ذي الجلال والإكرام، وغيرهما من أهل العلم والفضل نذكر ما تيسر من أقوالهم رحمهم الله بمعونة الله وحسن توفيقه:
    أولا: صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا. وأجاب من مال إلى هذا القول على حديث عائشة الذي فيه الأمر بالجلوس بأنه منسوخ إذ كانت صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحابة وهم قيام قبيل موته صلى الله عليه وسلم. وممن نصر هذا القول الحميدي شيخ البخاري رحمه الله قال البخاري: قال الحميدي: قوله: فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا. هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا، والناس خلفه قياما، لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. الصحيح 689. والشافعي على ما نقله الحافظ رحمه الله في الفتح.
    ثانيا: صحة إمامة القاعد للقائم بشرط أن يكون الإمام راتبا والمرض عارضا يرجى برؤه وزواله، أما إذا كان المرض دائما مستمرا فلا تصح إمامته. وممن ذهب إلى هذا القول ونصره اللجنة الدائمة برئاسة شيخ الاسلام بن باز رحمه الله تعالى، وهذا نص جوابهم عن فتوى إمام قطعت رجله يؤم الناس على كرسي متحرك؟
    الجواب: تجوز الصلاة خلف الإمام الجالس إذا عرض له علة يرجى زوالها، أما المقعد فلا يجوز أن يصلي إماما بالناس لفقده ركنا من أركان الصلاة بالنسبة له بصفة مستمرة وهو ركن القيام، فعلى جماعة المسجد أن يطلبوا تعيين إمام سليم يصلي بهم.
    وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    ثالثا: صحة إمامة القاعد للناس بشرط أن يجلس الجميع. وممن ذهب إلى هذا ونصره ابن حزم رحمه الله والإمام أحمد رحمه الله على ما يأتي ذكره ومن المتأخرين الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى.
    قال بن حزم رحمه الله: وبمثل قولنا يقول جمهور السلف رضي الله عنهم - : كما روينا من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال : الإمام أمين ، فإن صلى قائما فصلوا قياما ، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ؟ ، ومن طريق حماد بن سلمة ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير قال : إن جابر بن عبد الله كان به وجع فصلى بأصحابه قاعدا وأصحابه قعودا ؟ .
    وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه : أن أسيد بن الحضير اشتكى فكان يؤم قومه جالسا ؟ .
    قال ابن عيينة : وأخبرني إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أخبرني قيس بن قهد الأنصاري { أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس } .
    قال علي : فهؤلاء أبو هريرة ، وجابر ، وأسيد ، وكل من معهم من الصحابة ، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير مسجده ، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم أصلا ; كلهم يروي إمامة الجالس للأصحاء ، ولم يرو عن أحد منهم خلاف لأبي هريرة وغيره في أن يصلي الأصحاء وراءه جلوسا ؟ ، وروينا عن عطاء : أنه أمر الأصحاء بالصلاة خلف القاعد .
    وعن عبد الرزاق : ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا ; قال : وهي السنة عن غير واحد ؟ .
    وروينا عن عباس بن عبد العظيم العنبري قال : سمعت عفان بن مسلم قال : { أتينا حماد بن زيد يوما ، وقد صلوا الصبح ، فقال : إنا أحيينا اليوم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا : ما هي يا أبا إسماعيل ؟ قال : كان إمامنا مريضا ، فصلى بنا جالسا ، فصلينا خلفه جلوسا } .
    وبإمامة الجالس للأصحاء يقول أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، وداود وجمهور أصحاب الحديث .
    وما نعلم أحدا من التابعين منع من جواز صلاة المريض قاعدا بالأصحاء ; إلا شيئا روي عن المغيرة بن مقسم أنه قال : أكره ذلك ؟ - وليس هذا منعا من جوازها . اهـ المحلى ج 2 ص113 ـ 115.
    رابعا: المنع من إمامة المريض القاعد للأصحاء. وممن ذهب إلى ذلك أحمد بن المعذل فيما ذكره عنه اللخمي المالكي، قال بن المعذل رحمه الله: لا ينبغي ذلك ـ أي إمامة القاعد للأصحاء ـ لأنهم إن جلسوا معه لم آمن أن يكون مخالفا لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين ائتم به أبو بكر وائتم الناس بأبي بكر رضي الله عنه. وإن قاموا كان خلافا لما جاء أنهم صلوا معه جلوسا، فأحب إلي أن يعتزل الإمامة. التبصرة ج2 ص 313ـ314.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    ولا يخفى بعد قوله رحمه الله على من تأمله، إذ من فعل أحد الأمرين عن اجتهاد لا يخشى عليه فهو يدور بين الأجر والأجرين كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر. رواه مسلم.
    فهو مأجور على بذل وسعه باجتهاده. وخطأه معفو عنه كما هو معلوم. والله أعلم.
    خامسا: تخيير المأمومين بين الجلوس والقيام ، وأن القيام أفضل لهم، وهذا نصره شيخ الاسلام عبد العزيز بن باز رحمه الله حينما سئل: هل يصلي المأمومون جالسين خلف الإمام الجالس؟
    فأجاب رحمه الله:
    لو صلوا قيامًا لا بأس؛ لأنه ﷺ أقرهم أخيرًا، لكن جلوسهم أفضل، إذا صلى قاعدًا وهو إمام الحي صلوا قعودًا. أما إن كان ما هو بإمام الحي لا يصلي بهم، يصلي بهم رجل واقف، لكن إمام الحي الإمام الراتب إذا صلى جالسًا صلوا خلفه جلوسًا أجمعين، هذا هو الأفضل، وإن صلوا قيامًا كما فعل في مرضه الأخير عليه الصلاة والسلام لا بأس.
    صحيح البخاري شرح وتعليق (35 من حديث: أمر رسول الله ﷺ أبا بكر أن يصلي بالناس..). اهـ من موقع الشيخ رحمه الله على الشبكة.
    نصيحة للإمام العاجز:
    قال النووي رحمه الله:
    قال الشافعي والأصحاب: يستحب للإمام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلي بالجماعة قائماً, كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن فيه خروجاً من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد ; لأن القائم أكمل وأقرب إلى إكمال هيئات الصلاة. اهـ من شرح المهذب ج4 ص162.

    المسألة الرابعة: الصلاة على الكراسي، وموضع الكرسي من الصف.
    قال الإمام مسلم في صحيحه:
    وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال قال: قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه قال فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديدا قال فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها.876.
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً ) قال الحافظ في البلوغ: رواه النسائي ، وصححه ابن خزيمة .
    وعن جابر رضي الله عنه قال: عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضا فرآه يصلي على وسادة فرمى بها وقال: صل على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك. قال الحافظ في البلوغ: رواه البيهقي وصحح أبو حاتم وقفه.
    قال الشيخ الفقيه سليمان بن سليم الله الرحيلي حفظه الله تعالى:
    - إذا كنت تستطيع الجلوس على الأرض والسجود على الأعضاء السبعة ولا تستطيع ذلك لو جلست على الكرسي وجب عليك الجلوس على الأرض .
    - اذا كنت تصلي قائما ثم تجلس على الكرسي عند السجود وما بعده وجب أن تقف مساويا لمن بجانبك فإذا أردت الجلوس سحبت الكرسي ليساوي ظهره ظهر من بجانبك .
    - إذا كنت تصلي جالسا من أول الصلاة إلى الفراغ منها فإنك تجعل ظهر الكرسي يساوي ظهر من بجانبك من أول الصلاة ولا يجوز أن تجعل رجليك جالسا تساوي رجلي من بجانبك قائما فتكون متأخرا عن الصف ومؤذيا لمن خلفك . اهـ من تفريغ مادة صوتية للشيخ حفظه الله على منتديات الآجري.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    فدل حديث عائشة رضي الله عنها على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي متربعا وتقدم معنا في صفة صلاة القاعد من كلام أهل العلم ما فيه غنية وكفاية.
    ودل حديث جابر على تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمريض كيف يصلي جالسا.
    ففي الحديثين سنة قولية وأخرى فعلية، تبينان صفة صلاة القاعد، ودل حديث أبي رفاعة على وجود الكرسي على عهده صلى الله عليه وسلم وأنه كان يجلس عليه بل يجلس عليه في المسجد كما جاء في الحديث، بل وفي أثناء الخطبة إذ دعت الحاجة إليه.
    ومع ذلك لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي على الكرسي، ولذا نبه الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله أن من يطيق الجلوس على الأرض وجب في حقه الجلوس على الأرض ولا يحل له الجلوس على الكرسي، ولا يعدل عن الصلاة على الأرض إلا إذا تعذرت الصلاة عليها. والله تعالى أعلم.

    المسألة الخامسة: الصلاة على الراحلة، وفيها ثلاثة مطالب:
    المطلب الأول: صفة الصلاة على الراحلة.
    قال تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[النحل 8].
    وروى مالك في الموطأ من حديث يحي بن سعيد قال: رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة، يركع ويسجد إيماء، من غير أن يضع وجهه على شيء. اهـ الموطأ برقم 355.
    وقال البخاري في صحيحه:
    باب الإيماء على الدابة:
    حدثنا موسى قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا عبد الله بن دينار قال: كان عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما يصلي في السفر على راحلته أينما توجهت يومئ وذكر عبد الله أن النبي ﷺ كان يفعله. 1096
    قال بن الملقن رحمه الله:
    وقوله: (يومئ) فيه: أن سنة الصلاة على الدابة الإيماء، ويكون سجوده أخفض من ركوعه تمييزا بينهما. وروى أشهب عن مالك في الذي يصلي على الدابة أو المحمل: لا يسجد بل يومئ لأن ذلك من سنة الصلاة على الدابة.
    وقال بن القاسم: المصلي في المحمل متربعا إن لم يشق عليه أن يثني رجليه عند سجوده فليفعل. اهـ التوضيح ج8 ص 496.

    المطلب الثاني: صلاة الفريضة على الراحلة.
    وقول الله تعالى:( وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)[البقرة144].
    قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه:
    باب ينزل للمكتوبة:
    حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عامر بن ربيعة أخبره قال: رأيت رسول الله ﷺ وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه قبل أي وجه توجه ولم يكن رسول الله ﷺ يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة. 1097
    وقال الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال: قال سالم كان عبد الله يصلي على دابته من الليل وهو مسافر ما يبالي حيث ما كان وجهه قال ابن عمر وكان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. 1098
    حدثنا معاذ بن فضالة قال: حدثنا هشام عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: حدثني جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة , اهـ. 1099
    وروى الترمذي عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فمطروا السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام أو أقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع قال أبو عيسى هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم وكذلك روي عن أنس بن مالك أنه صلى في ماء وطين على دابته والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحق . ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص60.
    قال أبو العلا محمد المباركفوري رحمه الله:
    قال أبو الطيب المدني الحنفي في شرح الترمذي : يعني أمهم في تلك الصلاة ، والظاهر أنه كان فرضا ؛ لأن المتبادر من صلاة الجماعة الفرض ، وكذلك يدل عليه هذا الاهتمام والأذان ؛ لأن النوافل لم يشرع لها الأذان فدل الحديث على جواز الفرض على الدابة عند العذر ، وبه قال علماؤنا وأهل العلم كما جزم به المصنف ، انتهى .
    قوله : ( هذا حديث غريب إلخ ) وأخرجه النسائي والدارقطني وثبت ذلك عن أنس من فعله وصححه وحسنه التوزي وضعفه البيهقي كذا في النيل ( والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق ) ويجوز الفريضة عندهم على الدابة إذا لم يجد موضعا يؤدي فيه الفريضة نازلا ، ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة : حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى ، قال : الصلاة بالإيماء على الدابة صحيحة إذا خاف خروج الوقت ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه غلبه الطين والماء. اهـ تحفة الأحوذي ج4 ص 395ـ396.
    وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
    هل يجوز للمسافر أن يؤدي الفرض في السيارة أو القطار أو الطائرة، والراكب ذوات الأربع من الحيوان مع الخوف على النفس أو المال، وهل يصلي إلى أينما توجهت المذكورات أم لا بد من التوجه إلى القبلة دوماً واستمراراً أو ابتداءً فقط؟ فإذا كان الجواب بنعم على ما ذكر، وأمن الخوف وأن السيارة تقف في بعض الأماكن وقفة قليلة جداً، ربما إذا ذهب المسافر الراكب إلى أداء الفرض ذهبت السيارة وبقي عرضة الآفات؛ إما من عدم المال أو غيره.
    نص الجواب:
    الحمد لله: إذا كان راكب السيارة أو القطار أو الطائرة أو ذوات الأربع يخشى على نفسه لو نزل لأداء الفرض ويعلم أنه لو أخرها حتى يصل إلى المكان الذي يتمكن أن يصلي فيه فات وقتها - فإنه يصلي على قدر استطاعته؛ لعموم قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، وقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}، وقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. وأما كونه يصلي أين توجهت المذكورات أم لا بد من التوجه إلى القبلة دوماً واستمراراً أو ابتداءً فقط - فهذا يرجع إلى تمكنه، فإذا كان يمكنه استقبال القبلة في جميع الصلاة وجب فعل ذلك؛ لأنه شرط في صحة صلاة الفريضة في السفر والحضر، وإذا كان لا يمكنه في جميعها، فليتق الله ما استطاع، لما سبق من الأدلة، هذا كله في الفرض. أما صلاة النافلة فأمرها أوسع، فيجوز للمسلم أن يصلي على هذه المذكورات حيثما توجهت به، ولو استطاع النزول في بعض الأوقات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتنفل على راحلته حيث كان وجهه، لكن الأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام حيث أمكنه في صلاة النافلة حين سيره في السفر.
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . ج8 ص126.
    قال شيخ الحنابلة في زمنه عبد الله بن عقيل رحمه الله:
    وأما صلاة الفريضة فلا تصح على الراحلة إلا في حال الضرورة إذا لم يمكن إقامتها في وقتها غلى الأرض. فقد نص العلماء على جوازها حينئذ، وقد حكى بن عبد البر الإجماع على ذلك، قال في الاستذكار: وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز أن يصلي أحد فريضة على الدابة في غير شدة خوف. انتهى
    وقال في المنتهى وشرحه: وتصح مكتوبة على راحلة واقفة أو سائرة لتأذ بوحل أو مطر وغيره كثلج أو برد لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ـ يعني إيماء ـ يجعل السجود أخفض من الركوع. رواه أحمد والترمذي وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وفعله أنس ذكره أحمد ................ثم قال: وتصح مكتوبة على راحلة لخوف انقطاع عن رفقة بنزوله، أو خوف على نفسه إن نزل من عدو ونحوه كسيل وسبع، أو عجزه عن ركوبه إن نزل للصلاة، فإن قدر ولو بأجرة يقدر عليها نزل، والمرأة إن خافت تبرزا وهي خفرة صلت على الراحلة، وكذا من خاف حصول ضرر بالمشي، ذكرهما في الاختيارات. اهـ تحفة القافلة ص 47ـ48ـ49.

    المطلب الثالث: صلاة النافلة على الراحلة. وفيه فرعان:
    الفرع الأول: في صلاة النافلة على الراحلة للمسافر. ويشمل السفر بنوعيه الطويل والقصير وذكر الخلاف في ذلك.
    وقول الله تعالى:(فأينما تولوا فثم وجه الله)[البقرة115].
    قال الإمام البخاري في صحيحه:
    باب صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به:
    حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: رأيت النبي ﷺ يصلي على راحلته حيث توجهت به. 1093
    حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا شيبان عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله أخبره أن النبي ﷺ كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة. 1094
    حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا موسى بن عقبة عن نافع قال: وكان ابن عمر رضى الله تعالى عنهما يصلي على راحلته ويوتر عليها ويخبر أن النبي ﷺ كان يفعله. 1095
    وقال رحمه الله:
    باب صلاة التطوع على الحمار:
    حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا حبان قال: حدثنا همام قال: حدثنا أنس بن سيرين استقبلنا أنسا حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب يعني عن يسار القبلة فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال لولا أني رأيت رسول الله ﷺ فعله لم أفعله رواه ابن طهمان عن حجاج عن أنس بن سيرين عن أنس رضى الله تعالى عنه عن النبي ﷺ اهـ. 1100
    قال ابن الملقن رحمه الله:
    ولا خلاف أن للمسافر سفرا طويلا التنفل على دابته حيث توجهت به لهذه الأحاديث الصحيحة، وذلك مستثنى من استقبال القبلة.
    وتخصيص قوله تعالى:(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)[البقرة144]. ويبين أن ذلك في المكتوبات، ويفسر قوله تعالى:(فأينما تولوا فثم وجه الله)[115]. أنه في النافلة على الدابة. وروي عن ابن عمر أن هذا الآية نزلت في قول اليهود في القبلة. وممن نص على ذلك من الفقهاء: علي والزبير وأبو ذر وابن عمر وأنس وقال به طاووس وعطاء ومالك والثوري والكوفيون والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور، غير أن أحمد أبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير. اهـ التوضيح ج8 ص493.
    قال الحافظ في الفتح:
    إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان ان يستقل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السفر استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود [1225]. وأحمد [13109]. والدارقطني [1477]. اهـ الفتح ج4 ص269.
    وقال رحمه الله:
    واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور إلى جواز ذلك في كل سفر غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة قال الطبري لا أعلم أحدا وافقه على ذلك.
    قلت: ولم يتفق على ذلك عنه، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه أنه سافر قصيرا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى السفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم وقال فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له التنفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة أه وكأن السر فيما ذكر تسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم. اهـ المصدر السابق ص269ـ 270.
    الفرع الثاني: صلاة النافلة على الراحلة للمقيم.
    روى مالك في الموطأ من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على حمار، وهو متجه إلى خيبر. اهـ الموطأ برقم 252.
    وقال أبو يوسف: يصلي في المصر على الدابة بالايماء، لحديث يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء.
    قال أبو عمر ابن عبد البر: ( ذكر مالك حديث ) يحيى بن سعيد هذا عن أنس فلم يقل فيه في أزقة المدينة بل قال فيه: عن يحيى بن سعيد رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار متوجها إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شيء ولم يروه عن يحيى بن سعيد أحد يقاس بمالك وقد قال فيه في السفر فبطل بذلك قول من قال في أزقة المدينة يريد الحضر. اهـ الاستذكار 6ـ131.
    قال القرطبي رحمه الله تعالى:
    وقال الطبري:
    يجوز لكل راكب وماش حاضرا كان أو مسافرا أن يتنفل على دابته وراحلته وعلى رجليه بالايماء. وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أن مذهبهم جواز التنقل على الدابة في الحضر والسفر.
    وقال الأثرم: قيل لأحمد بن حنبل الصلاة على الدابة في الحضر، فقال: أما في السفر فقد سمعت، وما سمعت في الحضر. اهـ الجامع لأحكام القرآن ج2 ص327.
    قال الشيخ عبد الله بن عقيل رحمه الله تعالى:
    ومن تأمل ما تقدم من نصوص العلماء في هذه المسألة، يظهر له أن القول بجواز صلاة النافلة على الراحلة في الحضر أولى لما فيه من الخير المحض الذي لا محذور فيه، وهذا الذي نختاره ونعمل به ونوصي به أصحابنا اغتناما للوقت، فصاحب هذه الحالة كما قال الشاعر:
    فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه***ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله.
    وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة عنه أنه قال: بادروا بالأعمال سبعا، ما تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنا مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فإنه شر منتظر، أو الساعة أدهى وأمر. رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه. اهـ من تحفة القافلة ص45ـ46.

    المسألة السادسة: أن من لم يستطع الصلاة قاعدا صلى على جنب.
    قال البخاري في صحيحه:
    باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب
    وقال عطاء إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة صلى حيث كان وجهه
    حدثنا عبدان عن عبد الله عن إبراهيم بن طهمان قال حدثني الحسين المكتب عن ابن بريدة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب. 1066.
    قال الحافظ في الفتح:
    قوله : ( فعلى جنب ) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه " وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب. اهـ ج4 ص293.
    قال الشوكاني رحمه الله تعالى:
    وحديث عمران يدل على أنه يجوز لمن حصل له عذر لا يستطيع معه القيام أن يصلي قاعدا، ولمن حصل له عذر لا يستطيع معه القعود أن يصلي على جنبه. اهـ نيل الأوطار ج6 ص146ط دار بن الجوزي.

    الباب الثالث: الصلاة على الجنب أو مستلقيا وفيه مسائل:
    المسألة الأولى: صفة الصلاة على جنب
    وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: (صلِّ قائمًا، فإن لم تَستطِع فقاعدًا، فإن لم تستطِعْ فعلى جَنْب).
    قال بن قدامة المقدسي رحمه الله:
    مسألة : قال : فإن لم يطق جالسا فنائما
    يعني مضطجعا سماه نائما لأنه في هيئة النائم وقد جاء مثل هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد ] رواه البخاري هكذا فمن عجز عن الصلاة قاعدا فإنه يصلي عن جنبه مستقبل القبلة بوجهه وهذا قول مالك و الشافعي و ابن المنذر وقال سعيد بن المسيب و الحارث العكلي و أبو ثور وأصحاب الرأي يصلي مستلقيا ووجهه إلى القبلة ليكون إيماؤه إليها فإنه إذا صلى على جنبه كان وجهه في الإيماء إلى غير القبلة
    ولنا : قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ فإن لم يستطع فعلى جنب ] ولم يقل فإن لم يستطع فمستلقيا ولأنه يستقبل القبلة إذا كان على جنبه ولا يستقبلها إذا كان على ظهره وإنما يستقبل السماء ولذلك يوضع الميت في قبره على جنبه قصد التوجه إلى القبلة وقولهم أن وجهه في الإيماء يكون إلى غير القبلة قلنا استقبال القبلة من الصحيح لا يكون في حال الركوع بوجهه ولا في حال السجود إنما يكون إلى الأرض فلا يعتبر في المريض أن يستقبل القبلة فيهما أيضا إذا ثبت هذا فالمستحب أن يصلي على جنبه الأيمن فإن صلى على الأيسر جاز لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعين جنبا بعينه ولأنه يستقبل القبلة على أي الجنبين كان فإن صلى على ظهره مع إمكان الصلاة على جنبه فظاهر كلام أحمد أنه يصح لأنه نوع استقبال ولهذا يوجه الميت عند الموت كذلك والدليل يقتضي أن لا يصح لأنه خالف أمر النبي صلى الله عليه و سلم في قوله فعلى جنب ولأنه نقله إلى الاستلقاء عند عجزه عن الصلاة على جنبه فيدل على أنه لا يجوز ذلك مع إمكان الصلاة على جنبه ولأنه ترك الاستقبال مع إمكانه وإن عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا للخبر ولأنه عجز عن الصلاة على جنبه فسقط كالقيام والقعود. اهـ المغني ج2 ص573ـ574.
    وقد تقدم كلام الحافظ بن حجر رحمه الله في الفقرة التي خلت، ولا بأس بإعادته لحلجتنا إليه،وذلك قوله:
    قوله : ( فعلى جنب ) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه " وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب . اهـ الفتح ج4 ص 293.
    قال العلامة بن عثيمين رحمه الله في شرحه على زاد المستقنع:
    فإذا كان مضطجعا على جنب فإنه يومئ بالركوع والسجود، ولكن كيف الإيماء؟ هل إيماء بالرأس إلى الأرض بحيث يكون كالماتفت، أو إيماء بالرأس إلى الصدر؟.
    الجواب: إنه إيماء بالرأس إلى الصدر، لأن الإيماء إلى الأرض فيه نوع التفات عن القبلة، بخلاف الإيماء إلى الصدر، فإن التجاه باق إلى القبلة، فيومئ في حال الاضطجاع إلى صدره قليلا في الركوع، ويومئ أكثر في السجود. اهـ ج2 ص230.
    المسألة الثانية: صلاة التطوع على جنب
    وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر 7]
    روى البخاري في صحيحه والنسائي في المجتبى من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الذي يصلي قاعدا؟ قال: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد.
    قال العلامة محمد علي آدم الأتيوبي حفظه الله في الذخيرة:
    وأما نفي الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه ابن بطال على ذلك وزاد : لكن الخلاف ثابت ، فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال : إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا . وقال به جماعة من أهل العلم ، وأحد الوجهين للشافعية ، وصححه المتأخرون ، وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا ، وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث .
    وهذا نقله حفظه الله من الفتح للحافظ بن حجر ثم قال معلقا عليه:
    ما قاله الحسن البصري رحمه الله تعالى، ومن تبعه أرجح عندي، لصحة حديث الباب، وما تقدم للخطابي من احتمال الإدراج فغير صحيح، لعدم استناده إلى حجة.
    وأما ما قاله السندي: من أن العلماء عدوه بدعة، وحدثا في الإسلام، فكلام لم يعتمد على تأمل الحديث، وأقوال أهل العلم فيه، فكيف يكون بدعة وقد صح الحديث فيه، وقال به جماعة من أهل العلم الذين تقدم ذكرهم، إن هذا من العجب العجاب. والله أعلم اهـ ج17 ص398ـ399.

    المسألة الثالثة: صفة صلاة من صلى مستلقيا.
    قال الحافظ في الفتح:
    وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة . ووقع في حديث علي وكذا وقع في حديث عمران عند النسائي . أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع ، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث ، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية ، وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضر العقل لا يسقط عند التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم هكذا استدل به الغزالي. اهـ ج4 ص294.
    قال العلامة بن عثيمين رحمه الله:
    القول الأول: إذا عجز عن الإيماء بالرأس يومئ بعينه.
    القول الثاني: تسقط عنه الأفعال، من دون الأقوال.
    القول الثالث: تسقط عنه الأقوال والأفعال، يعني: لا تجب عليه الصلاة أصلا، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
    والراجح من هذه الأقوال الثلاثة: أنه تسقط عنه الأفعال فقط؛ لأنها هي التي كان عاجزا عنها، وأما الأقوال فإنها لا تسقط عنه، لأنه قادر عليها، وقد قال الله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] فنقول: كبر، واقرأ، وانو الركوع، فكبر وسبح تسبيح الركوع، ثم انو القيام وقل: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» إلى آخره، ثم انو السجود فكبر وسبح تسبيح السجود؛ لأن هذا مقتضى القواعد الشرعية {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] فإن عجز عن القول والفعل بحيث يكون الرجل مشلولا ولا يتكلم، فماذا يصنع؟
    الجواب: تسقط عنه الأقوال والأفعال، وتبقى النية، فينوي أنه في صلاة، وينوي القراءة، وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود. هذا هو الراجح؛ لأن الصلاة أقوال وأفعال بنية، فإذا سقطت أقوالها وأفعالها بالعجز عنها بقيت النية، ولأن قولنا لهذا المريض: لا صلاة عليك قد يكون سببا لنسيانه الله، لأنه إذا مر عليه يوم وليلة وهو لم يصل فربما ينسى الله عز وجل، فكوننا نشعره بأن عليه صلاة لا بد أن يقوم بها ولو بنية خير من أن نقول: إنه لا صلاة عليه. والمذهب في هذه المسألة أصح من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث قالوا: لا تسقط الصلاة ما دام العقل ثابتا، فما دام العقل ثابتا فيجب عليه من الصلاة ما يقدر عليه منها.
    تنبيه: بعض العامة يقولون: إذا عجز عن الإيماء بالرأس أومأ بالإصبع، فينصب الأصبع حال القيام ويحنيه قليلا حال الركوع ويضمه حال السجود لأنه لما عجز بالكل لزمه بالبعض، والإصبع بعض من الإنسان، فإذا عجز جسمه كله فليكن المصلي الإصبع، والسبابة أولى؛ لأنها التي يشار بها إلى ذكر الله ودعائه، فلو أومأ بالوسطى فقياس قاعدتهم أن الصلاة لا تصح؛ لأن السبابة هي المكلفة بأن تصلي، وهذا لا أصل له، ولم تأت به السنة، ولم يقله أهل العلم، ولكن ـ سبحان الله ـ مع كونه لم يقله أحد من أهل العلم فيما نعلم فمشهور عند العامة، فيجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة بأن هذا لا أصل له، فالعين وهي محل خلاف بين العلماء سبق لنا أن الصحيح أنه لا يصلي بها فكيف بالإصبع الذي لم ترد به السنة لا في حديث ضعيف ولا صحيح؟ ولم يقل به أحد من أهل العلم فيما نعلم. اهـ الشرح الممتع ج2 ص230ـ231.
    المسألة الرابعة: صلاة فاقد الطهورين.
    وقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ) [16التغابن].
    قال البخاري رحمه الله في صحيحه:
    باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا:
    [336] حدثنا زكرياء بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم فقال أسيد بن حضير لعائشة جزاك الله خيرا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرا.
    قال بن الملقن:
    قام الإجماع على تحريم الصلاة بغير من ماء أو تراب لغير فاقد الطهورين، ولا فرق في ذلك بين الصلاة المفروضة والنافلة، وسجود التلاوة والشكر. اهـ التوضيح ج4 ص 23.
    قال الحافظ في الفتح:
    قوله : ( باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا ) قال ابن رشيد : كأن المصنف نزل فقد شرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم ، فكأنه يقول : حكمهم في عدم المطهر - الذي هو الماء خاصة - كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب . وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة ; لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب ، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط ، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين . اهـ ج2 ص165.
    قال العلامة بن عثيمين رحمه الله تعالى:
    قوله: ـ أي الحجاوي رحمه الله ـ «أو عدم الماء، والتراب صلى، ولم يعد».
    كما لو حبس في مكان لا تراب فيه ولا ماء، ولا يستطيع الخروج منه، ولا يجلب له ماء ولا تراب؛ فإنه يصلي على حسب حاله، محافظة على الوقت الذي هو أعظم شروط الصلاة.
    والدليل على ذلك قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل» (2) لأن هذا عام، ومن هنا نأخذ أهمية المحافظة على الوقت، وأن الوقت أولى ما يكون ـ من شروط الصلاة ـ بالمحافظة. اهـ الشرح الممتع. ج1 ص218.
    سئل الشيخ الأصولي الفقيه عبد المجيد جمعة حفظه الله:
    كيف يتوضأ للصلاة الممرضون والممرضات الذين يواجهون حالات المرض أربعا وعشرين ساعة من الدوام في المستشفيات بهذا اللباس المعقم حفاظا على أنفسهم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. ونسأل الله العافية والسلامة للجميع.
    فأجاب حفظه الله: إذا تعذر عليهم الوضوء يصلون صلاة فاقد الطهورين وصلاتهم صحيحة. محادثة مع الشيخ عبر الواتس آب.
    وبمثلها أجاب الشيخ علي الرملي حفظه الله في وصيته للأطباء والممرضين قال حفظه الله:
    من كان منهم قادرا على الوضوء فالحمد لله وإلا تيمم، ومن لم يقدر على الوضوء ولا التيمم صلى كما هو، إذا خشي فوت وقتها كفاقد الطهورين، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)، وله أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء إذا اضطر لذلك، أسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد. اهـ من حساب الشيخ على التويتر.
    قال جامعه عفا الله عنه:
    نسأل الله تعالى أن يرفع عنا وعن إخواننا الوباء والبلاء، وأن يحفظنا بما يشاء، إن ربي لسميع قريب مجيب الدعاء.
    وكان الأصل أن يكون ذكر مسألة: صلاة فاقد الطهورين في أول البحث جريا على ما درج عليه أئمة الاسلام والسنة في كتبهم ومؤلفاتهم، ولكننا أوردناها كآخر مسألة في البحث لأنها آخر ما يؤول إليه العبد من التخفيف.
    وبهذا تتجلى عظمة هذه الشريعة الغراء وبه تظهر عظمة الرب سبحانه وسعة علمه ورحمته وكبير عفوه جل وعلا الذي راعى أحوال الناس وخفف عنهم حتى ما بقي من التخفيف شيء، وبما تقدم ذكره يتضح جليا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد منزلة هذه العبادة العظيمة في هذا الدين القويم.
    وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يثبتنا وإخواننا على السنة إلى يوم نلقاه إنه جواد كريم.
    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    وكتب: أبو عبد الرحمن عمر مكي التيهرتي بمنطقة العرشية مقاطعة الرشايقة تيهرت الجزائر حرسها الله وبلاد المسلمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2020-04-24, 03:32 PM.

  • #2
    فتح الله عليك وغفر لك أخي الفاضل أبا عبد الرحمن.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بك أخي الحبيب.

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X