إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وصيَّةٌ قيِّمة لطالب العلم - لفضيلة الشيخ محمدِ بنِ محمد صغير عَكُّور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تفريغ] وصيَّةٌ قيِّمة لطالب العلم - لفضيلة الشيخ محمدِ بنِ محمد صغير عَكُّور

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف المرسلين، وخاتَم النَّبيِّين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعدُ:
    فهذا تفريغ لوصيةٍ قيِّمةٍ ألقاها فضيلة الشيخِ محمدُ بنُ محمدٍ عكُّور –حفظه الله تعالى- في آخر درسهِ في الدَّورة العلمية السَّادسة للعلامة أحمد النَّجمِي –رحمه الله تعالى- سنة: 1440هـ.
    قال -وفقه الله-:
    لعلَّنا نختم هذه الجلسة أو هذا اللِّقاء بوصية، نحن بحاجة إليها، وهو أنَّ الإنسان إذا رزقه الله عملا من الأعمال يحمد الله على ذلك، ويحرص على الاتيان بشروط الثواب عليه، ولا سيما في طلب العلم الذي هو أشرف الأعمال وأفضلها وهو من الجهاد، طلب العلم من الجهاد، بل قد يكون أفضل من الجهاد؛ جهاد الكفار، أو الأعداء قد ينتهي بوقت، وقد يَعُمُّ الأمْنُ والرخاء، ولا يكون هناك حاجة إلى الجهاد، وأما طلب العلم فلا ينتهي، طلب العلم لا ينتهي حتى تكون آخر حياة الإنسان خروجه من الدنيا، لأنه كما قيل: لعلَّ المسألة التي تبحث عنها لم تصل إليها إلى الآن.
    ولقول الإمام أحمد –رحمه الله- لما سئل عن طلب العلم، أو كتابه إلى الحديث إلى متى؟، فقال: من المحبرة إلى المقبرة، يعني: لا أنفك عن الكتابة حتى أذهب إلى القبر.
    الحاصل أنَّ طلب العلم من أشرف المهن، بل هو أشرفها؛ لأنه به يُعرف الحلال من الحرام، والتوحيد من الشِّرك، والسنة من البدعة، والخير من الشر، والحق من الباطل، به يُعبد الله على بصيرة، وبه يُمتثل أَمْرُه، ويُجتنب نهيه، وبه يُتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-، به تُحقق المصالح الدِّينية والدُنيوية، فيكون طَلَبُ العلم من الأمور التي لا تَتِمُّ حياةُ العبدِ الحقيقيةِ إلا بِه، ولهذا مثَّل الله –جل وعلا- للعالم وغير العالم بالحيِّ والميت، قال –عزَّ من قائل- "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ" أي: نور العلم، "كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا "[1]
    فينبغي لمن وفقه الله -جلَّ وعَلَا- وأَقْدَرَهُ على تحصيل العلم أن يؤدي حقه، وأن يقوم بواجبه، من إخلاص النية، وأن يتعلم له التواضع في طلبه، وفي العمل به، وفي بدله، والدعوة به، أن يزينه بالأخلاق، أن يكون مطبقا لما فيه من الآداب والأخلاق حتى يَنفعَ اللهُ بعلمه.
    وأقول بالنسبة لأمانة العلم وتحمُّلِه: يجب على طالب العلم أن يعرف قدره، وأن يُنَزِّهَهُ عما لا يليق به، وألا يظهر عليه مخالفة لما يحمل من العلم، سواءٌ كان ذلك في باب العقائد، أو في باب الولاء والبراء، أو في باب الأفكار، أو في باب الشبهات أو الشهوات، يجب على طالب العلم أن يُمثِّلَ العلم الذي يحمله، حتى ينفع الله به حاملَهُ وينفع به من بَلَغَه؛ لأنه يكون قدوة، فإن كان في خيرٍ آجره الله -جلَّ وعلا- بقدر ما يتبعُه من الناس، "من دلَّ على خير فله مثل أجر عامله من غير أن ينقص من أجورهم شيئا"[2]
    وليَحْذَر من أن يكون رأساً في الشر، وأعظم الشر الشرك، أو البدعة المكفرة والمفسقة، ومن الشر أيضا الانخراط في هذه المذاهب الضَّالة، الحِزْبِيَّات، الطوائف التي استعجلت الأمر، وزعمت أنَّ الخير هو الظهور، أن يظهر الانسان ولو بالباطل، يجب أن يكون طالب العلم معتزًّا بِسُنَّتِهِ التي ينتمي إليها، وبمنهجه الذي يُّمثلُّه –منهج أهل السنة والجماعة-، وألا يركن إلى أهل البدع، أو يثق بهم، أو يمشي معهم، أو يتردد إليهم.
    مُجالسةُ صاحب البدعة خطيرة؛ ولهذا كره السلف مُجالستهم، ولو سَأَلَ أو أَتَى بشيءٍ من النصوص التي قد يَسْتَميل بها الحاضر أو المُخاطَب، إذا كان صاحب شبهةٍ أو هَوَى فإن استطعت أن تُبين له أو تنفعَه إنْ كان يُريد النفع فهذا واجب العلم، تُمْحِضُهُ النصيحة، فإن قبلها فالحمد لله، وإن ردها لا يَضيرُك ذلك شيئا، فالأنبياء والرسل يأتي يوم القيامة النبيُّ وليس معه أحد، والنبي ومعه الرجل والرجُلان، والنبيُّ ومعه الرَّهطُ، فإذا لم تَكُن أكثر تابعاً يعني فيما تدعو إليه من السنة والمنهج الصحيح فأُسوتك وقُدْوَتُك من دَعَوا قَبْلُ إلى الله -جلَّ وعلا- ولم يتبعهم ولم يؤمن بهم إلا القليل.

    نوحٌ عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خميس عاما، مع هذا يقول الله جلَّ وعلا: "وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"[3]، وما آمن به إلا قلة من قومه!
    فالحاصل أن طالب العلم يجب عليه أن يشتغل به، ولا يبدد الوقت فيما هو حاصلٌ في الساحة ممن ينتمي إلى العلم ولكنه أَشْغَلَ نفسه بغيره، أَشْغَلَ نفسه بفلان، وعلَّان بما يكتب، أو يُرسل، أو يسأل، جاهداً مُجتهداً يُريد أن يُسقط هذا، وأن يُنحِّي هذا، وأن يرتاح من هذا، هذه ليست من صفات أهل السنة والجماعة.
    إذا ظهر الإنسان ببدعة فهنا نقول نعم، يجب على طالب العلم أن يبين البدعة، ويحذر منها، ويبين حال المبتدع، لكن إذا كان أهلاً لذلك، أما الذي لا يستطيع أن يُبين الحق الذي يُقنع به من يحتاجُه فلا يَجْنِ على الحق بضعف ما عنده من المعلومات حتى ينتصر عليه صاحب البدعة، فإذا كان طالب العلم في مرحلة الطلب فليتفرغ له، وليجتهد في تحصيله، والقيام بحقه، والعمل به وتطبيقه على الوجه المشروع، وليلزم أهل الحق أهل السنة والجماعة، وألا يغتر بالكثرة، فأهل الحق قليل في كل زمان ومكان، علينا بتحقيق الإخلاص لله -جلَّ وعلا- فيما نطلبه من العلم وأن يكون لله جلَّ وعلا، وأن يكون لرفع الجهل عن أنفسنا، ثم المتابعة -للنبي صلى الله عليه وسلم- في أفعاله وأقواله وتقريراته، هذا الذي يجب على طالب العلم أن يشتغل به، ويحذر كل الحذر أن يُضيع الوقت فيما لا يُفيد، لأنَّ الوقت الذي هو عُمرهُ لا يُسأل عنه إلا هو، "عن عُمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه"[4] فلننظر فيما نصرف وقتنا، هل نصرفه فيما يجب علينا وما نُسأل عنه وما نُثاب عليه، أو نصرفه فيما يكون حُجَّةً علينا
    .

    كما أنه يجب على طالب العلم أن يَدعوَ بقدر الاستطاعة بما عمل في محيطه الذي هو فيه، وأن تكون دعوته بمنهج السلف الصالح، ولزوم الجماعة، والسمع والطاعة لمن ولَّاه الله أمره، هذا الذي ينفع؛ لأنه قد كَثُر دُعاة الشر، دعاة الفتنة الذين يفرقون ولا يجمعون، ويضُرُّون ولا ينفعون، ولسان حالهم أنهم يريدون أن يَظْهَرُوا على الآخرين ولو بالباطل، وهذا فيه خطرٌ عظيم، هذه الفتن التي حذر منها -النبي صلى الله عليه وسلم- أنَّ المؤمن يمسي مؤمنا ويصبح كافراً، ويصبح مؤمنا ويمسي كافراً يبيعُ دينه بعرض يسير من الدُّنيا[5]، لعله منصبٌ يَطمعُ فيه، أو شيء من الأشياء التي يَطمعُ فيها، ولا يُحصِّلُ إلَّا ما كتب الله لهُ.
    يجب على طالب العلم أن يكون بعيداً عن هذه الأمور التي كثر الهالكون فيها من دُعاة الشر ودعاة الفتن، فلا يُكثِّر سوادَ المبتدعة، ولا يكون رأساً فيهم، ولا راضيا لأقوالهم وأفعالهم، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من مُضِّلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ وُلاة أمرنا، وأن يُسددهم، وأن يجزيهم عنَّا خير الجزاء...

    فرَّغه أسامة أبو عبد الودود –غفر الله له-
    ليلة: الأربعاء 08 شعبان 1441هـ
    الموافق لـ: 01 أبريل 2020م

    [1]: [الأنعام/122]
    [2] في صحيحِ مسلمٍ عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى اللهُ عليه وسلم- قال : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» رقم: (2674).
    [3] : [هود/40]
    [4] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ» [حكم الألباني: صحيح]
    [5] : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» [صحيح مسلم، رقم: 186]





    رابط تحميل الصوتية
    التعديل الأخير تم بواسطة أسامة أبو عبد الودود; الساعة 2022-12-16, 09:09 PM.

    "إن أصبتُ فلا عُجبٌ ولا غَرَرُ
    وإنْ نَقصتُ فإنَّ الناسَ ما كملوا"

  • #2
    بارك الله فيك أخي، نصيحة في وقتها، لعلنا نغتنم صحتنا قبل سقمنا، وفراغنا قبل شغلنا. أسأل الله التوفيق والسداد لك.
    اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
    وسيم بن أحمد قاسيمي -غفر الله له-

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة وسيم قاسيمي مشاهدة المشاركة
      بارك الله فيك أخي، نصيحة في وقتها، لعلنا نغتنم صحتنا قبل سقمنا، وفراغنا قبل شغلنا. أسأل الله التوفيق والسداد لك.
      وفيك باركَ اللهُ أخي وسيم، يَسَّر الله لنا ذلك.

      "إن أصبتُ فلا عُجبٌ ولا غَرَرُ
      وإنْ نَقصتُ فإنَّ الناسَ ما كملوا"

      تعليق


      • #4
        جزاكَ اللهُ خيرًا أخي أسامَة؛ وصيَّةٌ نافعةٌ، جزى اللهُ خيرًا صاحبَ الفضيلَةِ الشَّيخَ عكُّورًا، وباركَ فيهِ وفي جهودهِ الدَّعويَّةِ.
        ولعلَّكَ أخي الحَبيبَ تُضيفُ ما سهت عنهُ اليدُ عندَ الكتابةِ في نسبةِ الحديثِ الأوَّلِ (حاشية رقم: 02) إلى النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - كما هوَ في صحيحِ مُسلمٍ، حتَّى لا يَظُنَّ أحدٌ بأنَّهُ موقوفٌ على أبي هريرةَ - رضيَ اللهُ عنهُ -.

        تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
      يعمل...
      X