إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دروس و عبر من فتنة الصّعافقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس و عبر من فتنة الصّعافقة

    دروس و عبر من فتنة الصّعافقة
    بسم الله الرحمن الرحيم


    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فلما توالت الفتن وتتابعت الخطوب صار بعض الناس في فوضى لاشتباه الحق عليهم من الباطل، وهذا حين ألبسه المبطلون من الرؤوس والأتباع باطلهم، فحذروا منه ثم نهوا عنه. وتبعهم اليوم من الكسيرة والمتردية والنطيحة في تسويدات بيانات سقيمة وضيعة هزيلة خبيثة منفرة باطلة. تحت رعاية زمرة من الأغمار الساقطة فكانت نتائجها كسيحة خسيسة ضعيفة شحيحة. وهذه هي طريقة أهل الأهواء والضلال اعتمادهم على الأساليب المركبة في دعوتهم إلى باطلهم. وهم يعلمون أن بضاعتهم مزجاة، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم متناسين قوله تعالى : ﴿ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾[1]. قال ابن عباس- رضي الله عنهما- : لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب؛ وزاد أبو العالية -رحمه الله تعالى-، فقال : وأدوا النصيحة لعباد الله في أمر محمد ﷺ.[2]. قال رؤبة بن عبد الله التميمي:
    لَـمّا لَبِسْنَ الـحَقَّ بـالتَّـجَنِّـي *** غَنِـينَ وَاسْتَبْدَلْنَ زَيْداً مِنِّـي

    وهكذا، فحين أُشربها من في قلبه مرض، استفحل الشرُّ فيه وازداد سوءا. وأما من أنكرها وتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ بفهم سلف الأمة نجا. قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما- : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ »[3].
    إلا أن اللبيب يتعلم من الفتن ويحرص كل الحرص على ما ينفعه، كما يحرص على تعلم ما يضره في دينه، لأن اجتناب الشرور مقدم على فعل الخيرات. فلا تمر عليه محنة أو فتنة إلا واستخلص منها الدروس والعبر . قال أبو فراس الحمداني :
    عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ *** لَكــِــنْ لِـــتـَــــوَقّـــــــيهِ
    وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّـــــــرَّ *** منَ الناسِ يقعْ فيهِ

    وهذا هو المتقرر عند أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان، تنبيه الإخوان إلى أمر قد يغفل عنه الكثير من الناس أو يُقصّرون فيه مخافة أن يدركهم. ومن خلال التأمل والنظر، في سير من غبر، من الصالحين والعلماء العاملين، واقتفاء أثرهم وسلوك طريقتهم.
    فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونوا مِثلَهُم *** إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ

    أقدمت حينها بعد تردد طويل ؛ على جمع بعض ما بدى لي من الدروس و العبر. مستعينا بالله العلي العظيم ؛ سائله جلَّ في علاه أن يلهمني التوفيق والسداد والصواب. راجيا منه أن يكون هذا العمل نافعا خالصا لوجهه الكريم، مجانبا للإلتباس موافقا للحق. ويعفو عما وقعت فيه من تقصير و زلل. وأن يكتب لنا به الأجر يوم النشر. إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

    1) تزكية الصغار من ذوي العجلة والطيش، سبب في تسلطهم على الكبار:
    لا شك أن التزكية لطلبة العلم إنما تؤخذ من الأكابر، وأنه لا بد من التزكية لمن يُعرف بالعلم لينفع الناس وإن كان صغيرا في السن. قال الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي: ينبغى للإمام أن يتصفح أحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقره، ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتوعده بالعقوبة إن عاد. وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته ويعتمد أخبار الموثوق بهم. ثم روى بإسناده عن مالك - رحمه الله تعالى - قال: ما أفتيت حتى شهـد لي سبعون أني أهل لذلك. وفي رواية ما أفتيت حتى سلت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك.[4] إلاّ أنه هناك من يوهم نفسه بما ليس فيه، فيكذب على نفسه كذبة ويصدقها ولا يرضى إلاّ أن يكون بين الناس كما توهم حال صناعة نفسه. جديرا بالتزكية لا يرى عيوبه ومواطن ضعفه لأنه يعيش في وهم[5].. قال أبو عَمْرو بن العلاء :
    كُلُّ مَنْ يَدَّعِي بِمَا لَيْسَ فِيهِ *** فَضَحَتْهُ شَوَاهِدَ الإِمْتِحَانِ

    إن انبرى هذا المزكى إلى عمل ما يدّعيه، عرفه الناس وتيقنوا أنه مارس مالا يُحسنه و تكلّف مالا يغنيه، فحاص عن طريق العلم وشرد، لأنه بوّء نفسه منزلة لا يستحقها فاستحق السقوط عند العدول، فمن تعجل الأمر قبل آوانه عوقب بحرمانه. قال أبو بكر الخوارزمي :
    النَّاسُ أَكْيَسُ مَنْ أَنْ يَمْدَحُوا رَجُلاً *** حَـتَّى يَــــرَوا عِــنْدَهُ آثَــارَ إِحْـــــــسَانِ

    لكنّه ، هو يرى أن :
    الـمَاءَ فِي دَارِ عُثْمَانَ لَــــــهُ ثَـــــمـَنٌ *** وَالخُبْزُ أَيْضاً لَهُ شَأْنٌ مِنَ الشَّانِ
    عُثْمَانُ يَعْلَمُ أَنَّ الحَمْدَ ذُو ثَـمَنٍ *** لَكِنَّهُ يَشْتَهِي حَـــــــمْداً بِــــــمَجَّانِ


    قال ابنُ القيّم - رحمه الله تعالى -:" لا يجتمع الإخلاصُ في القلب ومحبةُ المدح والثناءِ والطَّمَعُ فيما عند النَّاس إلاَّ كَمَا يجتمِعُ الماءُ والنَّارُ، والضَّبُّ والحُوتُ. فإذا حدَّثَتْكَ نفسُكَ بطَلَبِ الإخلاصِ؛ فَأَقْبِلْ على الطَّمَع أوَّلاً فاذْبَحْهُ بسكِّينِ اليأْس، وأقْبِلْ على المدح والثَّناءِ فازْهَدْ فيهما زُهْدَ عُشَّاقِ الدُّنيا في الآخرةِ؛ فإذا استقامَ لكَ ذَبْحُ الطَّمَعِ والزُّهدُ في الثناءِ والمدْحِ سَهُلَ عليك الإخلاصُ "[6]، و هذه حقيقةٌ يدركُها العارفُ بالله سبحانه و تعالى، النّاظرُ في سُنَنِهِ الشّرعيّة والكونيّة؛ فَعَدَمُ الاجتماع هنا لا على وجه النّفي الأصليّ للجمع ذاتِهِ، وإنّما هو نفي الانتفاع بالإخلاص.
    قال الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى- :" من طلب شيئا من هذا العلم فأراد به ما عند الله يدرك إن شاء الله،ومن أراد به الدنيا فذاك و الله حظه منه"[7]. وإلاّ الأصل في المزكى أنه كما أخبر العلّامة أبو عبد المعز محمد علي فركوس- حفظه الله تعالى- :" تُرْضِيَهُ كلمةُ الحقِّ له أو عليه، وتُغْضِبَهُ كلمةُ الباطل له أو عليه؛ فهو لا يعمل لنَفْسِه، وإنما يسعى لإرضاءِ ربِّه سبحانه، ولو أدَّى ذلك إلى سخطِ الناس عليه وسقوطِ قَدْرِه في قلوبهم، وصِغَرِه في أَعْيُنِهم مِنْ أجلِ إصلاحِ قلبه مع الله تعالى، "والجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَلِ " ، "والمُعَامَلَةُ بِنَقِيضِ القَصْدِ"؛ قالﷺ: « مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ » ، قال ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى -: " لَمَّا كان المتزيِّنُ بما ليس فيه ضِدَّ المُخْلِصِ ـ فإنه يُظْهِرُ للناس أمرًا وهو في الباطن بخلافه ـ عَامَلَهُ اللهُ بنقيضِ قَصْدِه؛ فإنَّ المُعاقَبةَ بنقيضِ القَصْدِ ثابتةٌ شرعًا وَقَدَرًا، ولَمَّا كان المُخْلِصُ يُعجَّل له ـ مِنْ ثوابِ إخلاصِه ـ الحلاوةُ والمحبَّةُ والمَهابةُ في قلوب الناسِ عُجِّل للمتزيِّن بما ليس فيه مِنْ عقوبته أَنْ شَانَهُ اللهُ بين الناسِ؛ لأنَّه شَانَ باطِنَه عند الله، وهذا مُوجَبُ أسماءِ الربِّ الحُسنى وصِفاتِه العُلْيَا وحِكمتِه في قضائِه وشرعِه "إهـ[8] .
    و المتأمل في فتنة الصعافقة، يرى بما لا يدع مجالا للشك. بعد أن سلك بعض الأغمار من الماكرين الغششة المدسوسين مسلك الطعن الصريح في العلماء واحتقارهم والتعالي عليهم، أعلنوها تصريحا بعد أن كانت تلميحا مقيدة على مجموعاتهم المغلقة. حين اغتروا بستر الله تعالى عليهم فُضِحوا. ولما سروا بالتزكيات وحسن الثناء افتُتِنوا. عندها ( تأججت نار العداوة والبغضاء بين الدعاة، والتي زاد في إشعالها من ليس له في الدعوة مقام، ولا في العلم مكان، ولا في الإصلاح مشاركة )[9] . فكان أول من جرّأهم وفتح لهم باب الطعن هو أوّل من زكاهم برعاية الصديق المأفون*. والآخر الطعان السباب المديون، الذي وافقهم وأذن بنشر التوضيحات. حين رموا الشيخ عبد المجيد جمعة - حفظه الله تعالى - بسهام الطعن في أخلاقه وعلمه، بل حتى في سلامة عقله ودينه. بعدما بيّن و وصف أحوالهم شيخنا أزهر سنيقرة -حفظه الله تعالى- في حواره الهادئ مع الدكتور عبد الخالق ماضي -عفا الله عنه- في كلمات يسيرة تحمل في طياتها معان كبيرة، فقال: " ولأنّ جوهر الخلاف بيننا هو مسائل منهجية معلومة، كان بإمكاننا أن نعالجها في حينها، قبل أن تتقادم، وقبل أن يدخل بيننا أولئك الغلمان الذين استنسروا علينا، ورفعوا عقيرتهم على كبارنا، وزعموا أنّهم يريدون خيرًا، و والله ما حقّقوه ولا وصلوا إليه، لا بأقوالهم، ولا بأفعالهم، فهذا إذا هو جوهر الخلاف بيننا ".



    [1]- [ البقرة ٤٢]
    [2]- تفسير القرآن العظيم لإبن كثر ( ۱/۱٥٠)
    [3]- رواه مسلم ( ٢٣٩)؛
    [4]- مقدمة المجموع شرح المهذب للنووى ( ۱/ ٢۱)؛
    [5]- ضرب أخي فيصل لي مثالا: أن الجندي إذا قلّد رتبة جينيرال، فإنه لا يرضى الرجوع إلى رتبته. حتى وإن قتل نفسه فلا يعود أبدا؛
    [6] - الفوائد لابن القيم (ص ١٤٩)؛
    [7]- سنن الدارمي (٢٦٠) ؛
    [8]- رسالة عدة الداعية إلى الله لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس ( ص ۱۹) ؛
    [9]- بيان و توضيح حول ما أثير عن إجتماع الدعاة السلفيين بالجزائر لمشايخ الإصلاح ؛
    * قد يعترض علي القارئ وله أن يتساءل ، فيقول: أن أول من زكاهم هو الشيخ أزهر سنيقرة – حفظه الله تعالى - ، على وجه التخصيص من كان عاملا بموقع التصفية غير مرة. مسموعا في دروسه و محاضراته، أو مقروءا بخط يده !؟
    قلتُ: قال العلامة ربيع حفظه الله ورعاه في نصيحته لأهل اليمن: " إن أهل الفتن يجعلون بطانة لكل شخصية مهمة؛ فجعلوا للشيخ الألباني بطانة، وللشيخ ابن باز بطانة، والرجال الأمراء بطانة، وكل عالم جعلوا له بطانة؛ ليتوصلوا إلى أهدافهم من خلال هذه البطانات، فلا نأمن الدس" إهـ. فإن أكثر أهل الأهواء المتمسحة بالمشايخ يُخفى أحوالهم على العلماء، لذلك لا تثبت العصمة بتزكية أي أحد أنه من أهل العلم. بل التزكية الأصل فيها رفع الجهالة عن المزكَّى ، وهذا ما صنعه شيخنا أزهر سنيقرة – حفظه الله تعالى – مع العمال بالموقع، حين جعل منهم الإمام يخلفه في إمامته، ثم أوصانا بعدم تنبيه المصلين على غيابه - حفظه الله - . حفاظا على مقدم المصلين الغير مقيمين في الحي [ القاصدين للشيخ الطالبين للنصح والتوجيه] ليعرفوه فيألفونه. وكذا ذكر اسمه واسم قرينه ملقباهما بالشيخين في دروسه للحاجة أو من غيرها. فلولا الشيخ يا من تطعنون فيه اليوم ، ما كان ماؤكم عذبا . قال أبو بكر البغدادي: " ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود وتوعده بالعقوبة إن عاد "إهـ. وهذا الذي كان من شيخنا حفظه الله تعالى ، ما إن تنبه لهما نصحهما ثم حذر منهما رجال المجلة أولا فإخوانه من بعدهم لما لم يستجيبا للنصيحة، بل العجيب أن منهم من كان الدكتور عبد الخالق ماضي لا يطيق حتى أن يذُكر إسمه عنده في مجلسه قبل الفتنة، إلا أنه لما ركب الركب زكى مقاله بل دفعه للكتابة والطعن في الشيخين أول الأمر تحقيقا لـمُراده. وما علم الدكتور أنه يربي في جحره من لا يُهجَّن ولا يُروَّض ، لأنه ما تعلم ولا حفظ الدرس، عنوانه صيانة الوفاء والبقاء على العهد حين الخصام. (لا تأمنَنَّ امرأً خانَ امرأً أبداً *** إِن من الناسِ ذا وجهين خوَّانا ) فانتظر إذن دورك يا دكتور ؛ حينها لا ينفع البكاء رسم دارس.
    يتبع بإذن الله تعالى ...
    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    عين مران في ٥ من شعبان ١٤٤١


    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد الجزائري; الساعة 2020-03-30, 03:14 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا ووفقك لما يحبه ويرضاه .

    تعليق


    • #3
      وفقك الله وسدد خُطاك

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا و و فقك الله و سدد خطاك

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا
          والكيس الفطن من لا يلدغ من الجحر نفسه مرتين
          فلتكن لنا عبرة مما مضى

          تعليق

          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
          يعمل...
          X