إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التعرف على الله من خلال كتابه- البسملة أنموذجا-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التعرف على الله من خلال كتابه- البسملة أنموذجا-

    التعرف على الله من خلال كتابه
    البسملة أنموذجا
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اعلم رحمك الله أن معرفة الله سبحانه إنما تكون بمعرفة اسمه الذي يختص به، ومعرفة أوصافه التي تميزه عن غيره، ومعرفة أفعاله التي تدل عليه، ومعرفة محابه ومساخطه، ومعرفة حقوقه التي يجب أن تؤدى إليه، ومعرفة كيفية معاملته، وما هي الأشياء التي تغضبه وما هي الأشياء التي ترضيه، وماذا يترتب على غضبه، وماذا يترتب على رضاه، وما هي الأشياء التي تدخل تحت ملكه وسلطانه، ويشملها تدبيره وتصرفه؛ وهذه من طرق معرفة الله. وهي كلها وغيرها مبثوثة في القرآن الكريم ومن ذلك ما جاء في البسملة:
    - قال الله تعالى:"بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)"
    - قوله تعالى:"بِسْمِ"
    - خلاصة ما يتعرف به العبد القارئ لكلام العلماء على ربه من خلال كلمة "بسم" الآتي:
    - أولا: قال العلامة السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص25[1] :"بِسْمِ اللَّهِ" أي: أبتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ "اسم" مفرد مضاف، فيعم جميع الأسماء الحسنى".
    فأول أمر يؤخذ من كلمة "بسم" والذي نتعرف على ربنا به، ومن خلاله، أن لله أسماء سمى نفسه سبحانه بها، وهي كثيرة ينبغي لمن أراد أن يعرف ربه على الوجه الأكمل أن يحصي عددها ويعرف معانيها ويفقه مدلولاتها.
    تنبيه: كلمة "بسم" فيها إثبات الأسماء لله سبحانه على وجه الإجمال كمثل قول الله تعالى:" وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)"سورة الأعراف. أما تفصيل هذه الأسماء فهو مبثوث في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ومن عجيب ما تضمنته البسملة أن فيها إثبات الأسماء لله مجملة في قوله "بسم" ثم جاء تفصيل هذا الإجمال فيما بعد بذكر بعض هذه الأسماء الحسنى في قوله: الله الرحمن الرحيم.
    - ثانيا: بعد أن عرفنا أن لله أسماء سمى بها نفسه عرفنا أنه سبحانه يحب ويرضى أن نقدم ذكرها بين يدي حوائجنا وشؤوننا، ولو لا أنه سبحانه يحب ذلك ويرضاه من عباده لما أدب نبيه وأتباعه من بعده به؛ قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله في جامع البيان عن تأويل القرآن ج1 ص114[2]:" إن الله تعالى ذكره وتقدَّست أسماؤه أدّب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديمَ ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدَّم[3] إليه في وَصفه بها قبل جميع مُهمَّاته، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلَّمه إياه، منه لجميع خلقه سُنَّةً يستَنُّون بها، وسبيلا يتَّبعونه عليها، فبه افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم" انتهى كلامه رحمه الله.
    فمما عرفناه من خلال البسملة التي شرعها الله لعباده ليقدموها بين يدي حوائجهم أن الله يحب ويرضى ويشرع ما يشاء ويحكم ما يريد.
    - ثالثا: مما قرره العلماء[4]أن تقديم العبد ذكر أسماء الله سبحانه بين يدي حاجاته ومهمات أموره وشؤونه هو من باب الاستعانة بالله على تحقيقها وإتمامها، فإن العبد ضعيف لا يقوى على تحصيل مصالحه، وتحقيق ما يعمد إليه من شؤونه وأموره إلا بإعانة ربه وخالقه، ولا شك أن من طرق الاستعانة بالله وطلب العون منه سبحانه تقديم ذكر اسم من أسمائه بين يدي ما يعزم عليه من الأقوال والأعمال.
    إذًا عرفنا من خلال هذه الكلمة أيضا أن الله قوي وقادر وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه يعين بقدرته من يشاء من عباده ولأجل هذا صح الاستعانة به.
    - رابعا: ومما قرره العلماء[5]أن تقديم العبد ذكر أسماء الله سبحانه بين يدي حاجاته ومهمات أموره وشؤونه هو من باب التبرك بالبدء بها والتيمن بذكرها لأنها مباركة في نفسها.
    ويدل على أن أسماء الله مباركة قول الله تعالى:" تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)"سورة الرحمن. وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ " رواه مسلم وغيره.
    - قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام ص352[6]:" وقال ابن قتيبة:" تبارك اسمك" تفاعل من البركة، كما يقال: تعالى اسمك من العلو. يراد به أن البركة في اسمك وفيما سمي عليه" إلى أن قال:" يراد به أن البركة في اسمك وفيما سمي عليه يدل على أن ذلك صفة لمن تبارك، فإن بركة الاسم تابعة لبركة المسمى" انتهى كلامه.
    قلت: يستفاد من كلام ابن القيم رحمه الله هذا ما يلي:
    الفائدة الأولى: أن أسماء الله مباركة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 6 ص 193:"وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَفْسَ أَسْمَائِهِ مُبَارَكَةٌ وَبَرَكَتُهَا مِنْ جِهَةِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمُسَمَّى".
    الفائدة الثانية: أن البركة تحل في كل ما ذكرت عليه أسماء الله سبحانه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج 6 ص 193:"تَبَارَكَ" تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَرَكَةَ تُكْتَسَبُ وَتُنَالُ بِذِكْرِ اسْمِهِ".
    - ويجمعهما قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى ج 16 ص 322:"فَإِنَّ اسْمَ اللَّهِ مُبَارَكٌ تُنَالُ مَعَهُ الْبَرَكَةُ".
    فمما تعرفنا به على ربنا من خلال هذه الكلمة أن أسماء الله مباركة وبركة أسماء الله من بركة المسمى وهو الله سبحانه، وأن كل ما ذكر عليه اسم من أسماء الله حلت فيه البركة والخير.
    - خامسا: نلاحظ أن كلمة "بسم" تعرفنا من وجوه متعددة أن الله سبحانه وتعالى يُوحد بنوعين من التوحيد: توحيد المعرفة الإثبات وتوحيد القصد والطلب:
    - الوجه الأول: دلتنا كلمة "بسم" على توحيد المعرفة والإثبات حيث أفادتنا أن لله أسماء تسمى بها، كما دلتنا على توحيد القصد والطلب حيث تضمنت حث العبد على بدأ أموره وشؤونه كلها بتقديم ذكر أسماء الله عند الهم بها.
    - الوجه الثاني: دلتنا كلمة "بسم" على توحيد المعرفة والإثبات حيث أفادتنا أن الله عز وجل يستعان به بذكر أسمائه؛ وما كان ليستعان به لو لا قوته وقهره وكمال سلطانه وملكه وغير ذلك من صفاته اللائقة به، وهذا كله داخل في معرفة الله سبحانه، كما دلتنا على توحيد القصد والطلب حيث تضمنت حث العبد على الاستعانة بالله وحده سبحانه بتقديم ذكر أسمائه.
    - الوجه الثالث: دلتنا كلمة "بسم" على توحيد المعرفة والإثبات حيث أفادتنا أن أسماء الله عز وجل مباركة فعرفنا أن لله أسماء تسمى بها وأنها مباركة بل عرفنا أن بركة الاسم من بركة المسمى الذي هو الله سبحانه، كما دلتنا على توحيد القصد والطلب حيث تضمنت حث العبد على التبرك بذكر أسمائه وهذه من العبادات التي تدخل في توحيد القصد والطلب.
    - قوله: "اللَّهِ"
    خلاصة ما يتعرف به العبد القارئ لكلام العلماء على ربه من خلال لفظ الجلالة "الله" الآتي:
    أولا: أن لفظ الجلالة "الله" هو اسم من أسمائه سبحانه وهو أول اسم بدأ يتعرف الله سبحانه به إلينا في كتابه.
    ثانيا: أنه المعبود بحق الذي لا يستحق العبادة سواه سبحانه؛ قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في فقه الأسماء الحسنى ص76[7] :"وأما معنى هذا الاسم فأصله "الإله"، وهو بمعنى المعبود".
    ثالثا: أنه الموصوف بوصف الألوهية الذي استحق أن يكون به إلها؛ قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في فقه الأسماء الحسنى ص77:" والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلها، بل استحق أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارك بوجه من الوجوه، وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان. فإن هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْلَهَ ويُعْبَدَ لأجلها".
    رابعا: أنه سبحانه له جميع صفات الكمال ونعوت الجلال؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد ج2 ص782[8]:" وأما الإله فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى".
    خامسا: أن جميع عباده الصالحين منهم والطالحين يعبدونه ويألهونه إما طوعا أو كرها؛ قال الشيخ عبد الرزاق البدر في فقه الأسماء الحسنى ص77:" الثاني: الوصف المتعلق بالعبد من هذا الاسم، وهو العبودية، فالعباد يعبدونه ويألهونه، قال الله تعالى:" وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ "سورة الزخرف من الآية 84. أي يألهه أهل السماء وأهل الأرض طوعا وكرها، الكل خاضعون لعظمته، منقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزته وقيوميته، وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم من التأله القلبي والروحي والقولي والفعلي بحسب مقاماتهم ومراتبهم".
    سادسا: أن لفظ الجلالة "الله" من أسماء الله المباركة بل بركته التي ترتبط به لا يمكن أن يحصرها حاصر ولا أن يحيط بها مستبصر متبحر؛ قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد ص12[9]: وذكر ابن القيم لهذا الاسم الشريف عشر خصائص لفظية ثم قال:" وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم:" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"[10]. وكيف تحصى خصائص اسم مسماه كل كمال على الإطلاق وكل مدح وكل حمد وكل ثناء وكل مجد وكل جلال وكل إكرام وكل عز وكل جمال وكل خير وإحسان وجود وبر وفضل فله ومنه. فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره، ولا عند خوف إلا أزاله، ولا عند كرب إلا كشفه، ولا عند هم وغم إلا فرجه، ولا عند ضيق إلا وسعه، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة، ولا ذليل إلا أناله العز، ولا فقير إلا أصاره غنيا، ولا مستوحش إلا آنسه، ولا مغلوب إلا أيده ونصره، ولا مضطر إلا كشف ضره، ولا شريد إلا آواه، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات، وتستنزل به البركات والدعوات، وتقال به العثرات، وتستدفع به السيئات، وتستجلب به الحسنات، وهو الاسم الذي به قامت السموات والأرض، وبه أنزلت الكتب، وبه أرسلت الرسل، وبه شرعت الشرائع، وبه قامت الحدود، وبه شرع الجهاد، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء، وبه حقت الحاقة ووقعت الواقعة، وبه وضعت الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنة والنار، وبه عبد رب العالمين وحمد، وبحقه بعثت الرسل، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور، وبه الخصام، واليه المحاكمة، وفيه الموالاة والمعاداة، وبه سعد من عرفه وقام بحقه، وبه شقي من جهله وترك حقه، فهو سر الخلق والأمر، وبه قاما وثبتا واليه انتهيا، فالخلق والأمر به واليه ولأجله، فما وجد خلق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب إلا مبتدءا منه، منتهيا إليه، وذلك موجبه ومقتضاه. "رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" سورة آل عمران من الآية 191" إلى أخر كلامه رضي الله عنه.
    سابعا: أن لله اسما هو أعظم من سائر أسمائه الأخرى سبحانه قد يكون هو لفظ الجلالة "الله" وهذا الذي رجحه جمع من أهل العلم؛ قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في فقه الأسماء الحسنى ص72:" إن من أشهر الأقوال في تعيين الاسم الأعظم وأولاها بالصواب وأقربها للأدلة هو أن الاسم الأعظم هو "الله" وإلى هذا ذهب جمع من أهل العلم".
    ثامنا: أن أسماء الله الحسنى وصفاته العليا تتفاضل فيما بينها فبعضها أفضل من بعضها؛ قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله في فقه الأسماء الحسنى ص70: والدلائل على ثبوت التفاضل في أسماء الله جل وعلا كثيرةٌ، ومن هذه الدلائل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار الصحيحة أن لله اسما أعظم إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
    تاسعا: نلاحظ من خلال لفظ الجلالة "الله" ومن وجهين اثنين أن الله سبحانه وتعالى يُوحد بنوعين من التوحيد: توحيد المعرفة الإثبات وتوحيد القصد والطلب.
    - الوجه الأول: دلنا لفظ الجلالة "الله" على توحيد المعرفة والإثبات حيث أفادنا معرفة اسم من أسماء الله وأنه سبحانه متصف بصفات الجلال والجمال وغيرها، كما دلنا على توحيد القصد والطلب حيث أفادنا أنه المعبود بحق وأن العباد كلهم يعبدونه ويألهونه إما طوعا أو كرها.
    - الوجه الثاني: دلنا لفظ الجلالة "الله" على توحيد المعرفة والإثبات حيث أفادنا أن من أسماء الله لفظ الجلالة "الله" وأن له اسما أعظم سبحانه قد يكون هو "الله"، وعلى توحيد القصد والطلب حيث رغبنا بدعائه باسمه الأعظم لأنه سبحانه إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.
    - قوله تعالى:" الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"
    خلاصة ما يتعرف به العبد القارئ لكلام العلماء على ربه من خلال قوله سبحانه" الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" الآتي:
    الأول: أن من أسماء الله تعالى "الرَّحْمَن الرَّحِيمِ" وهما ثاني وثالث الأسماء الحسنى التي تعرف الله بها إلينا مفصلة في كتابه بعد أن جاءت الإشارة إليها مجملة في قوله سبحانه:" بسم".
    الثاني: مما تعرف الله به إلينا من خلال هذين الاسمين أنه متصف سبحانه بصفة عظيمة وهي صفة الرحمة، ورحمن في إثباتها والدلالة عليها أشد مبالغة من رحيم؛ أنظر تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله ج1 ص196[11].
    الثالث: أن أسماء الله أعلام وأوصاف: أعلام باعتبار دلالتها على الذات وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة؛ أنظر القواعد المثلى للعلامة محمد بن صالح العثيمين ص11.
    الرابع: أن اسم الرحمن خاص به سبحانه لا يسمى به غيره بينما الرحيم يجوز أن يسمى به غيره، وهذه قاعدة عامة في أسماء الله منها ما يسمى به الله وحده ومنها ما يجوز إطلاقه على غيره سبحانه؛ قال الإمام الطبري رحمه الله ج1 ص133: وكانَ لله جلَّ ذكره أسماءٌ قد حرَّم على خلقه أن يتسمَّوا بها، خَصَّ بها نفسه دونهم، وذلك مثلُ "الله" و"الرحمن" و"الخالق"؛ وأسماءٌ أباحَ لهم أن يُسمِّيَ بعضهم بعضًا بها، وذلك: كالرحيم والسميع والبصير والكريم...
    الخامس: أن اسمي "الرحمن الرحيم" من الأسماء المتعدية؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسير جزء عم ص6: و"الرحمن الرحيم": اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، وعلى الأثر: أي الحكم الذي تقتضيه هذه الصفة.
    السادس: أن الرحمة التي يوصف بها الله سبحانه ليس كالرحمة التي يوصف بها خلقه، فرحمة الله تليق بعظمته، وجلاله، وسلطانه؛ ولا تقتضي نقصاً بوجه من الوجوه، ورحمة المخلوق تليق بعجزه وضعفه ونقصه وهي مقتضية لذلك منه.
    السابع: أن الله جل وعلا جمع بين هذين الاسمين لحكم بالغة ذكرها العلماء رحمهم الله في مصنفاتهم نتعرف على ربنا أكثر من خلال معرفتها والاطلاع عليها وهي:
    - قرر بعض العلماء ممن يرى أن هذين الاسمين بمعنى واحد وأن معناهما ذو الرحمة، أن الحكمة من ذكر أحدهما بعد الآخر تطميع قلوب الراغبين[12].
    - وذكر آخرون ممن يرون أن لكل اسم معناه الذي يخصه وينفرد به عن مقارنه حِكَمًا مختلفة مبناها على الفارق بين الاسمين:
    فمنهم من قرر أن الفارق بينهما: أن الرحمن بجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين فالأول عام والثاني خاص[13]، كما أن منهم من قيد الرحمة بجميع الخلق بالدنيا والرحمة بالمؤمنين في الآخرة، وخلص الإمام الطبري في هذه المسألة إلىأن الله جل ثناؤه رحمنُ جميع خلقه في الدنيا بنعمه التي لا تعد ولا تحصى وفي الآخرةبتسويته بين جميعهم جل ذكرُه في عَدله وقضائه، ورحيمُ المؤمنين خاصةً في الدنيابما خصهم به من اللطف لهم في دينهمدونَ من خذَله من أهل الكفر به وفي الآخرةبما أعدَّ لهم دون غيرهم من النعيم، والكرامة التي تقصرُ عنها الأمانيّ[14].
    ومنهم من قرر أن الفارق بينهما:أنهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة[15].
    ومنهم من قرر أن الفارق بينهما: أن الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب[16]، قلت: وهذا والله أعلم هو نتيجة وثمرة الفارق الأول: لأن الرحمن لما كان عاما الخلق جميعا فكل من دعاه وسأله أعطاه ولو كان عاصيا لمولاه بالرحمة العامة التي تشمله وغيره، بينما الرحيم لما كانت خاصة فهي لا تنال إلا أهل الطاعة فإذا ترك سؤاله سبحانه لم تنله رحمته التي يدل عليها اسم "الرحيم" بل يناله غضبه إذ لم يتعرض لرحمته التي تنال أهل الطاعة من عباده، فهذه الرحمة لا تدفع غضب الله إلا إذا تحقق شرطها وهو الإيمان والعمل الصالح والأولى تدفعه لأنها عامة ولكن ذلك مقيد بالدنيا دون الآخرة إلا في جزئية وهي التسوية بين العباد في العدل والقضاء.
    ومنهم من قرر أن الفارق بينهما: أن اسم الرحمن خاص به لم يسم به غيره وأما الرحيم فعام يمكن إطلاقه على غيره[17]، قال الإمام البغوي رحمه الله ج1 ص51:"ولذلك يدعى غير الله رحيما ولا يدعى غير الله رحمن. فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى". وهذا الفارق قد تقدم الإشارة إليه.
    ومنهم من قرر أن الفارق بينهما:أن صفة الرحمة الدال عليها اسمه الرحمن هي صفة ذاتية وصفة الرحمة الدال عليها اسمه الرحيم صفة فعلية[18].
    ومنهم من قرر أن الفارق بينهما: أن الرحمن بمعنى الرقيق والرحيم بمعنى الرفيق؛ قال الإمام الطبري رحمه الله ج1 ص129: لأنه جعل معنى "الرحمن" بمعنى الرقيق على من رقَّ عليه، ومعنى "الرحيم" بمعنى الرفيق بمن رفق به.
    - ومن الحكم التي ذكرها بعض العلماء في الجمع بين هذين الاسمين سواء اختلف معناهما أو اتفق أن الله سبحانه فصل بذلك بين اسمه واسم غيره من خلقه؛ قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره ج1 ص130: فكأنّ معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَصَل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خلقِه، اختلف معناهما أو اتفقا.والذي قال عطاءٌ من ذلك غيرُ فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين، إبانةً لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعينِ أنه المقصود بذكرهما دون مَنْ سواه من خلقه".

    الثامن: أن هذين الاسمين "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" من أسماء الله المباركة التي لا يمكن حصر بركتها والخير المرتبط بها؛ قال الشيخ عطية سالم رحمه الله في شرحه على بلوغ المرام: وأي اسم من أسماء الله فهو مبارك، كـ: (الرحمن)، وبركات الرحمن لا يحصيه إلا الله، ( إن لله مائة رحمة أنزل واحدة إلى الأرض فبها تتراحمون، ويتراحم أهل الأرض، حتى إن الدابة لتضع حافرها على ولدها فترفعه رحمة به )، وقوله: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة:128]، داخل تحت رحمة واحدة من المائة، عطف الأم على ولدها، عطف الكبير على الصغير، شفقة الصغير على العجوز الكبير، كل ما رأيت وما سمعت من معاني ومظاهر الرحمة فهي جزء من مائة من رحمة الرحمن، أي بركة ممكن أن يحصيها الإنسان في هذا؟!
    - وأخيرا هذا غيض من فيض وقطرة من مطرة وإلا فالبسملة فيها من الأسرار التي تعرف بالعزيز الجبار ما يدهش الألباب ويقبل بالقلوب على الملك الوهاب، وإذا كان هذا هو شأن البسملة لوحدها فما بالكم بكتاب الله سبحانه بأكمله، فمن أراد التعرف على ربه سبحانه فليقبل على كتابه وليستعن بكلام العلماء على تدبره، ولعل هذه المقالة ترسم له الطريق الذي يسلكه لبلوغ غايته وما أجلها من غاية لو كنَّا من أهل العقل والدراية.
    تنبيه: وإلى المقالة القادمة في التعرف على نبينا صلى الله عليه وسلم من خلال البسملة أيضا وهي بعنوان "التبيان في قول أمنا عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن البسملة أنموذجا".
    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
    وكتب: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
    مغنية: 4 شعبان 1441هـ / 29 – 03 – 2020م



    [1]- طبعة مؤسسة الرسالة ناشرون.
    [2]- طبعة مكتبة ابن تيمية القاهرة تحقيق وتعليق محمود محمد شاكر راجعه وخرج أحاديثه أحمد محمد شاكر.
    [3]- قلت: أي أمره بفعله وإتيانه.
    [4]- انظر على سبيل المثال تفسير ابن كثير رحمه الله ج1 ص191 طبعة مؤسسة قرطبة طباعة نشر توزيع بتحقيق مصطفى السيد محمد ومحمد السيد رشاد وغيرهما.
    [5]- انظر على سبيل المثال تفسير ابن كثير رحمه الله ج1 ص191 طبعة مؤسسة قرطبة طباعة نشر توزيع بتحقيق مصطفى السيد محمد ومحمد السيد رشاد وغيرهما.
    [6]- طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع تحقيق زائد بن أحمد النشيري تحت إشراف العلامة بكر بن عبد الله.
    [7]- طبعة دار التوحيد للنشر الرياض الطبعة الأولى وكل ما سيأتي من إحالات على هذا الكتاب فالمقصود به هذه الطبعة.
    [8]- طبعة دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع بتحقيق علي بن محمد العمران إشراف بكر بن عبد الله رحمه الله.
    [9]- طبعة دار ابن حزم.
    [10]- رواه مسلم عن عائشة في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود.
    [11]- طبعة مؤسسة قرطبة طباعة – نشر – توزيع ومكتبة أولاد الشيخ للتراث بتحقيق مجموعة من المحققين وهم: مصطفى السيد محمد ومحمد السيد رشاد ومحمد فضل العجماوي وعلي أحمد عبد الباقي وحسن عباس قطب. تنبيه: كل إحالة إلى تفسير ابن كثير رحمه الله بعد هذه المقصود بها هذه الطبعة.
    [12]- أنظر تفسير البغوي رحمه الله ج1 ص51.
    [13]- أنظر على سبيل المثال تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله ج1 ص197 وتفسير البغوي رحمه الله ج1 ص51.
    [14]- أنظر تفسير الإمام الطبري ج1 ص127 الطبعة الثانية لمكتبة ابن تيمية القاهرة تحقيق وتعليق محمود محمد شاكر، راجعه وخرج أحاديثه أحمد محمد شاكر.
    [15]-أنظر تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله ج1 ص197.
    [16]- أنظر تفسير ابن كثير رحمه الله ج1 ص197 – 198.
    [17]- أنظر تفسير ابن كثير رحمه الله ج1 ص198 – 199.
    [18]- أنظر تفسير جزء عم للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ص7، طبعة دار الإمام البربهاري ودار أضواء السلف القاهرة الطبعة الثانية.


  • #2
    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم على هذا المقال النافع.
    غفر الله له

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا ونفع بكم أخي.

      تعليق


      • #4
        مقال رائع، ماتع و نافع، جزاك الله خير الجزاء

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وجعلكم مفاتيح خير مغاليق شر وحفظكم الله من كل سوء ومكروه في الدنيا والآخرة آمين

          تعليق

          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
          يعمل...
          X