إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[مكتمل]: (تفريغ شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري) لفضيلة الشيخ العلامة: عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [مكتمل]: (تفريغ شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري) لفضيلة الشيخ العلامة: عبيد بن عبد الله الجابري حفظه الله

    «تفريغُ شرح كتاب الفتن من صحيح البُخاريّ»
    لفضيلة الشّيخ العلاّمة:
    عُبيد بن عبد الله الجابريّ -حَفِظَهُ اللهُ-


    تعليقاتٌ على «كتاب الفتن من صحيح البُخاريّ»ألقاها فضيلته في «جامع خليل بن سبعان وسارة سنبل» بمدينة الرّياض - عام 1433هـ

    تنبيه: الشّريط الأوَّل قامَ بتفريغه أحد الإخوة التّونسيِّين -جزاهُ اللهُ خيرًا-، والأشرطة الأُخرى قُمتُ بتفريغها مُنذ مُدّةٍ طويلةٍ، فأحببتُ نشرَ التّفريغات في هذا الموضوع عسَى اللهُ أن ينفَعَ بها إخواني، ومن وجد خطأ فَلْيُنبِّهْنِي، وجزاكُمُ اللهُ خيرًا.

    التّفريغ:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يسرّ موقع ميراث الأنبياء أن يُقدّم لكم تسجيلاً لدرس في «شرح كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري»، ألقاه فضيلة الشّيخ العّلامة عبيد بن عبد الله الجابري -حفظه الله تعالى- ضمن فعاليات دورة علمية أقيمت في: «جامع خليل بن سبعان وسارة سنبل» بمدينة الرّياض عام ثلاثة وثلاثين وأربع مائة وألف هجرية.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به الجميع.


    الدّرس الأول:


    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمّدًا عبده ورسوله.


    أمّا بعد:


    فالحمدُ لله على ما منَّ به علينا هذه الليلة للالتقاء بعالم من علماء السُّنّة عُلَماء الدَّعوة السّلفيّة، هذا الصّوت الذي لطالما دوّى في مسجد رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-، وقد عُرف عن الشَّيخ حرصه على تعليم العقيدة وتصحيحها للنَّاس، وكذا المنهج، وكذا في أمور العبادات والأخلاق والسلوك، فالحمد لله أن رزقنا الله جلوس بين يدَيْ مُعلِّم ربّاني ومُربِّي للأجيال –زادهُ الله فضلاً وتوفيقًا-.
    في هذا المسجد المُبارك "جامع خليل بن صالح بن سبعان"، وإمام هذا المسجد فضيلة الشيخ: علي الحدَّادي –وفّقه الله-، عُقِدَت هذه الدّورة العلميّة ليتفضَّل صاحب الفضيلة بشرح متن: (أصول السنة)، وكذلك: (كتاب الفتن من صحيح البخاري).
    فشكر الله للمشرف العام على هذه الدّورة، والشّكر موصول لوزارة الشّؤون الإسلاميّة والدّعوة والأوقاف والإرشاد على جهودها في تسهيل مثل هذه اللِّقاءات العلميَّة وهذه الدّورات المُباركة.
    ومع فضيلة الشَّيخ بمُقدِّمة ينصح بها أبناءه، ثُمَّ يكون بعد ذلك قراءة المتون.


    الشيخ عُبيد الجابري:


    الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والعاقبة للمُتّقين، وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا مُحمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.


    أقول: أُشهد الله ومن حضرني وإياكم من ملائكته الكرام أنّي دون كلّ ما يقال فيّ، فما أنا إلا من عوام طلّاب العلم لعلّي أُسهم بجهد مقلّ في نشر سنّة محمّد -صلى الله عليه وسلّم- والذبّ عنها وعن أهلها، وتصفية السّنّة ممن يحاول أخذ الخلق والخبط أن يدسّوه (كلمة غير مفهومة).


    وأقول: من أراد أن ينصح لعباد الله فليعلّمهم دين الله من كتابه ومن سنّة نبيّه -صلى الله عليه وسلم- الصّحيحة وعلى فهم السّلف الصالح، والسلف الصالح: كلّ من مضى بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأساسُهُم وقاعدتُهُم الصّحابة -رضي الله عنهم-، ثمّ من بعدهم من التابعين، ثم من بعدهم من أهل القرون المفضّلة التي شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيريّة في غير ما حديث؛ ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خير النّاس قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم).


    وما ابتليت هذه الأمّة في هذا العصر حسب استقرائي لأحوال النّاس إلا بثلاثة أصناف:


    الصنف الأوّل: أئمة الضلال الذين رُزِقوا بعضًا من علم الشّريعة والسنّة لكنّهم جعلوا نصوص الكتاب والسنّة تابعة للعقل فيُحلّلون ويُحرّمون ويؤسّسون على غير هدي الكتاب والسنّة، وقد حذّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء بما أظنّه متواترا من الأحاديث الصّحيحة وإن لم يكن متواترا فهو مستفيض، ومنها:
    قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله لا ينتزع العلم انتزاعا ولكن ينتزعه بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالم -وفي رواية لم يُبقي عالما- اتّخذ الناس رؤوسا جهّالا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا).
    فهؤلاء يُسمَّون جهّالا من الجهل الذي هو الطغيان والانحراف على علم وليس من الجهل الذي هو عدم العلم.
    وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سيكون في آخر أمّتي أقوام يحدّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإيّاكم وإيّاهم).


    الصنف الثّاني: الجهلة الذين تصدّروا ميدان الدّعوة، وفُتن بهم النّاس، ووراءهم من يرفعهم من أعداء السنّة وحملة البدع، فيتكلّمون في قضايا التوحيد وقضايا الشّرع والنوازل بغير ما علم يؤهّلهم لذلك، بل كلّ ما عندهم هو زخرف العبارات وشقشقة الأقوال والأحاديث الموضوعة أو الضعيفة والقصص والحكايات.


    الصنف الثّالث: الهمج الرّعاع، هؤلاء يُفضون على الأوّل والثاني (كلمة غير مفهومة) وشهرة ودعايات حتّى يظنّ من ليس عنده بصيرة ولكن في دين الله أنّهم -أعني الصنفين الأوّلَيْن- هم دعاة الحق والبصيرة، وما أحسن ما قاله أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين -رضي الله عنه وعنهم أجمعين- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (النّاس ثلاثة: عالم ربّاني، ومتعلّم على سبيل النّجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق).
    همج رعاع يتبعون كلّ واحد، كل من تكلّم في جانب من جوانب السنّة مخلوطا بأضعاف كثيرة ظنّوه هو العالم النحرير! وقد رُفع أناس بسبب هؤلاء الهمج الرعاع، لأنّهم يتّبعون كلّ ناعق حتى جعلوه في مصافّ الدعاة إلى الله على بصيرة.
    فوصيّتي لمن حضر من أبنائي وبناتي أن يلزموا ما عرفوا من سنّة النبي -صلى الله عليه وسلم، وأن يدعوا أمر العامّة لمن يحسنون النظر فيه والحديث عنه فهذا أحوط للدّين، وأبرأ للعرض، وأنجى لهم، فلم يجعل الله -سبحانه وتعالى- سبيل نجاة إلا التوحيد والسنّة، وما كان غير ذلك فهو غثاء كغثاء السّيل.


    هناك أمر رابع ابتليت به الأمة أيضا وهو: الكتب الفكريّة، سمُّيت فكريّة لأن مبناها على الفكر، وما فيها من فقه مستنبط من النصوص فهو نزرٌ يسير مغمور بأضعاف مضاعفة من الباطل، بل وبعض هذه الكتب الفكرية فيها كفريّات وتكفير، ودعوى للخروج على ولاة أمور المسلمين، وعلى رأس هذه الكتب الفكريّة أقولها ولا أجد غضاضة ولو أُخرجت من هذا المسجد -الحمد لله أهل الخير كثير مو عبيد فقط- كتب سيّد قطب، وكتب المودودي الهندي أبي الأعلى اسمه لا أعرفه، وكتب الندوي أظن اسمه علي وكنيته أبو الحسن وغيرها، وأن يرجعوا إلى ما دوّنه علماء السنّة الذين بَنَوْا كتبهم على أصول الدّين وفروعه ودُّوّن ذلك عنهم فأصبح معلوما.


    فوالله وتالله وبالله ما أفسد كثيرا إلا الكتب الفكريّة، فهذه الكتب الفكرية الآن لها صناديد يذبّون عنها، لكن ولله الحمد لا تروج إلا على من قلّ فقهه في دين الله، هذه وصايا مختصرة ولو أطلت عليكم لكن لا بأس ...


    القارئ: شكر الله لك، يستأذن الإخوان في قراءة المتن.
    الشيخ: طيّب.


    المتن:
    بسم الله الرحمن الرحيم.
    الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-:
    "كتاب الفتن بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَنِ".
    قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، قال حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ –رضي الله تعالى عنها-: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه قَالَ: (أَنَا عَلَى حَوْضِي أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القهقرة) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ».
    قال:حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله تعالى عنه-: قَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي، يَقُولُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ).
    قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ -رضي الله تعالى عنه-، يَقُولُ: سَمِعْتُ -النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: (أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، - وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: (إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي).


    الشّرح:
    أقول: الفتن من الفَتْنُ وهو الابتلاء، والظاهر أنّ أصله من صهر الحديد؛ فيقال فُتن الحديد إذا صُهر -أو المعدن لاسيما الذهب و الفضّة- حتى يُستخرج الصافي من السقيم الخبيث.


    والفتنة شرعا لها عدّة طرق:


    أحدها: المصائب وذلكم لإظهار الصّبر والاحتساب، وفي الحديث: (إنّ عظم الجزاء مع عظم البلاء فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السّخط)، وقال علقمة -وهو من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ما أصاب من مصيبة إلّا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه
    قال: (هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنّها من عند الله، فيرضى ويسلّم).
    فقوله: (الرّجل) هذا كثير في السنّة وفي كلام الصّحابة ومن بعدهم من نقلة الآثار والمراد به التغليب لا للتخصيص، فكِلا الصنفين -أعني الرجال والنساء- في هذا الباب واحد.


    الثّاني: النعم التي تترا على العبد، فالامتحان بها لإظهار الشّكر.
    قال -صلى الله عليه وسلم- مشيرا إلى هذا وما قبله: (عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، هكذا المؤمن.


    الثّالث: الشّهوات والشّبهات؛ أمراض القلوب الفتّاكة، فإنّ أمراض القلوب الفتّـاكة التي تُميتها ومن انهمك فيها غفل عن الله و الدّار الآخرة هي: الشّهوات والشّبهات.
    فالشّهوات: هي عشق المحرّمات من مكسب وملبس، مشرب، ومأكل وغيرها، ومنها الوقوع في شهوة الفروج المحرّمة بإصرار.
    الشّبهات: هي البدعة والمحدثات، فإنّ من انساق وراءها يُخشى عليه من الكفر، ومن حقّر صغائر البدع انجرّ إلى كبارها فاستحلّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم دون مبرّر، وما أصدق من قال: (البدعة بريد الكفر).


    ولقد حذّر الأئمة من الصحابة ومن بعدهم من البدع وأبانوا خطرها على أهل الإسلام، وبيّنوا أنّ النجاة منها بلزوم السنّة، ويدلّك على أنّ صغار البدع مُهلكات فكيف كبارها؟ ما أخرجه الدّارمي بسنده عن عمرو بن سلمة الجرمي -رحمه الله- قال: (كنّا نجلس على باب ابن مسعود الغداة، فإذا مشى مشينـا معه، فجاءنا أبو موسى يوما فقال: أخَرَج أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لالم يخرج، فجلس معنا، فلمّا خرج ابن مسعود مشى ومشينا معه، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن رأيتُ اليوم في المسجد أمرا استنكرته، وما رأيت إلا خيرا، رأيت حِلَــقًا، وعلى كلّ حلقة رجل يقول: هلّلوا مائة، فيهلّلون مائة -يعدّونها بالحصى كما سيأتي؛ يعدّون التهليل هذا بالحصى-؛ كبّروا مائة فيكبّرون مائة.
    قال: ماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا وأنا بانتظار رأيك..).
    على ماذا يدلّ هذا؟
    على توقير الأمير، وعدم التّقدّم بين يديه، وإن كان المتقدّم ذا علم وفقه، واليوم الأمير يُسعى إلى أن يكون -كما يقول العامّة قديما-: صفر على الشّمال.
    حين كنّا صغارا إذا كتبنا واحد قال: لا؛ اجعل صفرا على الشمال، وإذا كان تبغي تكتب عشرة اكتب صفر على اليمين، فهذا الصفر على الشمال لا مكان له، يريدون أن يجعلوه دمية؛ دمية من دعاة الديمقراطية والحريّة والمدنيّة والوسطيّة! والوسطيّة منهم بريئة، مثل ما كان الملتقى الذي كان في الكويت فألغاه الله -سبحانه وتعالى- سبّب إلغاءه، فيهم من فيهم من صناديد الثورة عندنا وغيرهم، حتّى تعلموا أنّ هؤلاء جسور للشّهوة، جسور للبدع.
    قال: (..فهلّا أمرتهم أن يعدّوا سيّئاتهم وأنا ضامن ألا ينقص من حسناتهم شيء؟ قال: فمشى حتى وقف على حلقة من تلك الحلق؛ قال: ويحكم! ما الذي تصنعون؟! هذا محمّد ثيابه لم تَبلى وآنيته لم تُكسر، ما أسرع هلكتكم!.
    هذا محمّد ثيابه لم تبلى وآنيته لم تُكسر وأصحابه متوافرون، والله ما أنتم إلا على ملّة هي أهدى من ملّة محمّد -صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: يا أبا عبد الرحمن والله ما أردنا إلا خيرا، قال: كم من مريد للخير لا يصيبه، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: "يخرج أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولا أدري لعلّ أكثركم منهم").
    قال الراوي -عمرو بن سلمة رحمه الله-: (فرأيت عامّة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان).
    سمعتم؟ بدعة صغيرة في نظر بعض الناس؛ تسبيح بالحصى؛ إيش! مائة تسبيحة مائة تكبيرة مائة تهليلة مائة تحميدة بالحصى كذا إيش! كل واحد يقول يسبحون جماعة إيش فيها؟ هذه نهايتها، هذه نهايتها، يتقرّبون إلى الله زعموا بقتل من؟ خيار الأمّة من الصّحابة -رضي الله عنهم- وفضلاء التّابعين -رحمهم الله-، بدعة هكذا جعلتهم يستحلّون دماء الأخيار من الأمّة.


    بعد هذا أذكر لكم خلاصة ما أفادته الأحاديث:


    أوّلا: الترجمة يشير بها البخاري -رحمه الله- إلى خطر الفتن سواء كانت في الشهوات إذا شاعت وفشت وانتشرت انتشارا قلّ من يسلم منه أو الشّبهات؛ هذه عقوبتها لا يسلم منها إلا من سلّمه الله، ﴿واتّقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب خطرها؛ عقوبتها تصيب الصّالح والطّالح ويوم القيامة يُبعث الصالحون على نيّاتهم كما في حديث البيداء: (يغزوا جيش الكعبة فيُخَسف بهم ببيداء من الطريق..) قالت إحدى زوجاته -رضي الله عنها-: (يا رسول الله: يُخسف بأوّلهم وآخرهم؟ قال: نعم ، ثمّ يبعثون يوم القيامة على نيّاتهم).


    فيا أولي الأحلام و النّهى: احذروا البدع و المحدثات، قد سمعتم العبرة في الدنيا فما العبرة في الآخرة؟ ما تضمّنته هذه الأحاديث؛ أقوام مسلمون يعرفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعلامة وتلكم العلامة من آثار الوضوء؛ الغرّة في الوجوه والتحجيل في الأيدي والأرجل؛ مواضع الوضوء، يُطردون عن حوضه؛ يُحرمون، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها وهؤلاء يُحرمون، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يشفع فيهم؛ يذبّ عنهم، يقول: (أمتي) وفي رواية (أصيحابي) الصّحبة العامّة وليست الخاصّة، (والملائكة تقول لهم: يا محمد، إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك؛ إنّهم بدّلوا وغيّروا، فيقول -صلى الله عليه وآله وسلم-: سحقا سحقا؛ -يعني بعدا- لمن بدّل وغيّر).
    هذه عقوبة قبل الفصل بين العباد، وأمّا العقوبة التي بعد فصل القضاء فالله أعلم، نعم.


    أقول: يقصر بالي الآن عن شرح هذا الكتاب -كتاب الفتن- شرحا يروي غليلكم ويشفي عليلكم لضيق الوقت ولهذا اعذروني سوف أقتصر على الخلاصة.


    المتن:
    قال رحمه الله: "باب قول النّبي بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا»".
    وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ».
    قال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ،قال حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قال حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قال سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله تعالى عنه- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا» قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ».
    قال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الجَعْدِ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس ٍ-رضي الله تعالى عنهما -عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
    قال حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قال حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ، قال حَدَّثَنِا أَبُو رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
    قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله تعالى عنه- وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».
    قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله تعالى عنه-، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رضي الله تعالى عنه-: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي؟ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي».


    الشّرح:
    هذا الباب من كتاب الفتن يتعلّق بالإمارة، والذي يتعلّق بالإمارة أشياء:
    منها ما يتعلّق بدينه: كالذي لا يصلّي الجماعة، ومنها ما يتعلّق بسلوك: كأن يكون سكّيرا خمّارا، ومنها ما يتعلّق بخلقه في معاملة الناس: يكون شرسا سيّئ الخلق لا يقدر أحدا من النّاس قهره. ومنها ما يتعلّق بالعدل: فهو ظلوم غشوم، ومنها ما يتعلّق باستئثاره أو إيثاره: فهو مستأثر مُؤثر.
    وهنا هذه الأمور قويّة لا يطيقها أحد؛ يعني من الناحية العقلية، النّاس لا يصبرون على الضّيم؛ يأنفون أن يُؤثر بالمناصب من يرونه دونهم، يحبّون العدل ولا يستسلمون للظلم.
    هل هذا له علاج أو ليس له علاج؟ ومن الـمُعالِج؟
    أقول:
    أوّلا: من تجرّد للسنّة واستمسك بما عرفه منها لا تضرّه المُلبِّسات ولا المخالفات لأنّه متجرّد للسنّة منّ الله عليه بالميزان؛ بالقسطاس المستقيم وهو قبول السنّة له أو عليه، منقاد، منشرح الصّدر، طيّبة بها نفسه، فلا يضرّه أن يرى شحّا مطاعا أو إعجاب كلّ ذي رأي برأيه، أو هوًى متّبع، عرف الطّريقة فلزمه فجاء العلاج؛ الخطاب لمن يعقل الخطاب وهو يتلخّص:
    أوّلا: في الصّبر على جور الجائر.
    ثانيا: ألا ينازع الأمر أهله مهما كانت الأسباب والمبرِّرات، ولكن هذا لا يَحْذِقُه إلا من منّ الله عليه بالبصيرة، وحكّم السنّة، ونبذ الهوى، فأخضع ما يرد عليه من نصّ وإجماع؛ فما وافق نصّا أو إجماعا قبله وما خالفه ردّه، وما أحسن ما قاله الإمام الصابوني أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن -رحمه الله - قال: (من أمّر السنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة).
    اُنظر الآن، هل سمعتم صاحب ثورة يُشْهِر السنّة والتوحيد؟
    كلّا، أنا ما سمعته حتى الآن؛ لأنّ من كان صاحب سنّة أصله بعيد عن الثورات، بعيد، ينأى بنفسه نأيـا بعيدا، إن استطاع أن يجعل ما بينه وبين المشرق فعل -لو استطاع ذلك-.
    لكن هؤلاء هم دعاة الديمقراطيّة والمدنيّة وحرّية التعبير، لا يرون إلا ما تهواهم عقولهم.


    كذلك من أنواع العلاج: عدم الخروج عليهم، ومنها: تحمّل أذى الحاكم.

    لكن قد يقول قائل: ماذا أصنع؟ ما يعطيني حقّي، لا ينصرني على من ظلمني، لا يراني شيئا، نقول: ماذا قال لك النبّي -صلى الله عليه وسلم -؟
    أنت قد سُبِقت بمثل هذا، أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا قالوا له؟ قالوا: (يا رسول الله ما ترى إن سألونا حقّهم ومنعونا حقّنا؟..) ماذا قال؟ قال خذوا السّلاح؟! أُخرجوا؟! أنتم محقّون؟! هؤلاء ظلمة؟!
    ماذا قال؟ قال: (أدّوا الذي لهم وسلوا الله الذي لكم)، لكن من استحكم فيه العقل غلبت عليه الشقوة؛ هذه عقوبة دنيوية فضلّ وأضلّ، نعم.


    ومن ذلكم –أيضا- العلاج: ألّا يُطاع إلا في طاعة الله.


    ومنها: التحذير من الخروج وإن حسّنه من حسّنه بوقوع عقوبة دنيويّة قبل الآخرة (مات ميتة جاهليّة)؛ يعني كما مات -طبعا هذا للتقريب- (ميتة جاهليّة) يعني لم يمت على السنّة، السنّة يلزم جماعة المسلمين، يلزم الإمارة، نعم.
    وهنا كذلك نحيله للكتاب الثاني إن شاء الله تعالى، الإمام أحمد عقد مسألة خاصة في هذا الباب، تابع.


    المتن:
    "بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أغيلمة سُفَهَاءَ»".
    قال حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، وَمَعَنَا مَرْوَانُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ» فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ: بَنِي فُلاَنٍ، وَبَنِي فُلاَنٍ، لَفَعَلْتُ. فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّامِ، فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ.


    الشّرح:
    أقول: هذا الحديث يُفيد فائدتين:


    - الفائدة الأولى: صدع الصّحابة -رضي الله عنهم- بالسنّة؛ حيث وجدوا لذلك مجالًا وليسوا من أهل التشهير بالحكّام ولا إعلان أخطائهم في شتّى المحافل: لا في خطبة ولا في دروس لكن في مجالس مثل هذه، ولعلّ أبا هريرة -رضي الله عنه- أراد بهذا نصح مروان بن الحكم فإنّه فيه ما فيه وأحدث ما أحدث.


    - الثّاني: تسفيه أهل الثورات؛ هم سفهاء؛ وإن كانوا على درجة عالية من العلم الشرعي لكن في السنن ليسوا علماء؛ سفهاء، قد يكون صاحب فقه عالم في التفسير عالم في الحديث لكن ماذا؟ وقع في السّفاهة وهي التحريض على ولي الأمر وإيقاد شرارة الخروج لأنّه فَصَل ما عنده من علم الشرع عن منهج السلف الصالح؛ استقلّ بنفسه فأصبح يجاري العوامّ، أو يغلّب العقل على الشرع، وكلا الأمرين مصيبة، سمّاهم سفهاء. نعم.


    - الفائدة الثّالثة: ورع أبي هريرة -رضي الله عنه-؛ قال: (لو شئت لسمّيت)، والآن يُسَمّون بدون حياء في المحاضرات، في النّدوات، في الخطب، هذه المحافل الدينيّة، وفي المحافل الإعلاميّة: كالقنوات التلفزية، والإذاعة، والصّحف غير مبالين بالعواقب، أهل السنّة يقولون: لا تذلّوا الحاكم فإنّه سلطان الله في الأرض، الحاكم وإن كان فيه ما فيه يدفع الله به أمورا عظيمة لولا أنّ الله أقام هذا الحاكم الجائر لَدَبَّتْ وأفسدت وأهلكت الحرث والنّسل. كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: (والذي بعث محمّد بالحق للَّذي تكرهون في الجماعة -يعني اجتماع الأمير الذي انعقدت بيعته ونفذت كلمته- خير من الذي تحبّونه في الفرقة).
    والعبرة موجودة، العبرة موجودة، ولو شئنا لذكرنا ولكن -إن شاء الله- نذكر في محافل أخرى حفاظا على مساجدنا من بعض الأشياء التي تفسّر بأنّها استفزاز أو كذا أو غير ذلك. نعم.


    المتن:
    "بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ»".
    قال حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال حَدَّثَنَا ابْنُ عينة، أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، أَنَّهَا قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ».
    قال حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عيينة، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قال أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنّه قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى» قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَإِنِّي لَأَرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ القَطْرِ».


    الشّرح:
    أقول في الحديث:
    أوّلا: حِرص النبّي -صلى الله عليه وسلم –على استقامة أمتّه على السنّة في حياته وبعد مماته وهذا ضمن ما حذّر به -صلى الله عليه وسلم -من الفتن.
    الفائدة الثّانية: ذكر العرب يحتمل فيما أرى أمرين أو ثلاثة:


    أوّلا: أنّ العرب في ذاك الوقت هم مادّة الإسلام حتّى من كان في ولاية الروم والفرس (كلمة لم أفهمها) عرب أو أكثرهم عرب ، فقال: (ويل للعرب من شر قد اقترب) هو قريب وإن كان النّاس يرونه بعيد.
    الأمر الثاني بالنّسبة للعرب: أنّ الله -عزّ وجلّ- جعل العرب هم أساس الإسلام ومادّته حتّى لو كان من (كلمة غير مفهومة) فهلاكهم خطر على بقيّة إخوانهم من الأعاجم، فالعرب هم أوّل من نزل عليهم القرآن، وأوّل من عرفوا محكمه ومشتابهه، وأوّل من عرفوا مجمله ومبيّنَه إلى غير ذلك، نعم.


    في الحديث عَلَم من أعلام نبوّته -صلى الله عليه وسلم- وهو: أنّ الله أراه أوّلا ما فُتح من ردم يأجوج ومأجوج، وهم حيّان من بني آدم قيل ينتسبون إلى يافث بن نوح -صلى الله عليه وسلم-.
    والثّاني أراه سبحانه وتعالى عامّة الفتن مثل قَطر المطر؛ وفي هذا العبرة تتلقّاها الأمّة عن نبيّها -صلى الله عليه وسلم- فيسيروا على هذا التحذير اللّاحق كما سار عليه السّابق، فيُصبح من كتب الله له من الأمّة السلامة في دينه وعرضه في مأمن ونجاة من هذه الفتن.
    وهنا سؤال: كيف يحصل ذلك؟
    هذا يحصل بالعلم الشّرعي؛ فقه الكتاب والسنّة وعلى سيرة السّلف الصّالح، وإلى هذا الإشارة في قوله -صلى الله عليه وسلم -: (من يرد الله به خيرا يفّقهه في الدّين)؛ ومفهوم هذا أنّ من لا يرد الله به خيرا لا يفقهه في الدّين، وأن يكون أخَذَ هذا العلم عن الأكابر، ومن هم الأكابر؟ هم الرّاسخون في العلم، الرّاسخون في فقه الدّين؛ الذين عرف النّاس خواصّهم وعوامّهم حُسْن نُصحهم للأمّة ومحبّتهم الخير للأمّة عن علم؛ هؤلاء هم الأكابر، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (لا يزال النّاس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم عن أصحاب محمّد وأكابرهم –يعني: أكابر النّاس- فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا) والأصاغر من هم؟ هم الجهّال أو أرباب المدرسة الموجودة الآن هي من الأصاغر؛ المدرسة الفلسفيّة العقليّة الذين يردّون النصوص الصّحيحة، نعم.


    المتن:
    "بَابُ ظُهُورِ الفِتَنِ".
    قال حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قال حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الهَرْجُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: «القَتْلُ القَتْلُ» وَقَالَ شُعَيْبٌ، وَيُونُسُ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    قال حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي مُوسَى، فَقَالاَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لا ياما، يَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ» وَالهَرْجُ: القَتْلُ.
    حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، قَالَ: جَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ، وأب وموسى فَتَحَدَّثَا: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا، يُرْفَعُ فِيهَا العِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الهَرْجُ» وَالهَرْجُ: القَتْلُ.
    حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: -إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ، وَالهَرْجُ: بِلِسَانِ الحَبَشَةِ القَتْلُ
    قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ، قَالَ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الهَرْجِ ، يَزُولُ فِيهَا العِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الجَهْلُ» قَالَ أَبُو مُوسَى:"وَالهَرْجُ: القَتْلُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ".
    وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الهَرْجِ؟ نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكْهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ».


    الشّرح:
    أقول: البخاري -رحمه الله- حاذق في التّراجم، يعرف هذا من خَبَر كتابه الصحيح، وهنا نستبين ذلك:


    أوّلا: ذكر أحاديث التّحذير من الفتن بصور مختلفة كما سمعتم.
    والثّاني: أنّه ذكر الأسباب التي تكون بها الفتن؛ رفع العلم، فشوُّ الجهل، كثرة القتل.


    والفتن ظهرت أوّلا من المنافقين في عهد النبّي -صلى الله عليه وسلم- لكن لم تكن لهم راية؛ مخذولون؛ وكانوا يؤذون النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثمّ بعده ذو الخويصرة التميمي وهو أُسّ الخوارج وانظروا في مطلبه:
    اعترض على رسول الله -صلى الله عليه وسلم– في بعض قَسْم الغنائم أعطى أقواما مما أتى إليه من علي-رضي الله عنه- وهو مال قليل، فالأنصار وقريش -رضي الله عنهم- قالوا: يعطي صناديد نجد فَيَدَعُنَا، قال: (إنّما أتألّفهم) فسكتوا -رضي الله عنهم-، السنّة كانت بَرْدًا على قلوبهم كالمطر الذي يصيب الأرض الجرداء المجدبة فترتوي وتخصب، سكتوا عرفوا السنّة، لكن ماذا قال هذا الخبيث الشّيطان ذو الخويصرة، قال: اعدل يا محمّد والله إنّها قسمة ما أريد بها وجه الله.
    إذن المطلب شرعي ولاّ دنيوي؟ المطلب دنيويّ مو شرعيّ، انظر أهل الشرع سادة أهل الشرع سكتوا لمّا عرفوا مقصد النّبيّ -صلى الله عليه وسلم -، وهذا اللّعينُ الشّيطان قال مقالة السّوء: والله إنّها قسمة ما أَريد وجه الله، حتّى همّ بعضهم -قيل هو خالد بن الوليد وقيل غيره- أن يقتله؛ استأذن النّبي -صلى الله عليه وسلم -قال: (دعني أضرب عنقه يا رسول الله).
    قال: (يخرج من ضئضئ هذا -يعني من نسله وعقبه- أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة).
    والشّيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وهو إمام أثري محدّث فقيه يُكفّرهم، وأنا صراحة أميل إلى هذا القول لكنّي لم أجرؤ عليه حتّى الآن، كفّرهم لأنّهم يستحلّون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم بالكبائر.


    فإذا نظرنا أصحاب الثورات هل يرفعون شعار الإسلام أو يرفعون شعار الجاهليّة؟ ومطالب سياسيّة؟ إنْ هي جاهلية وسياسة، فما أشبه القوم بذي الخويصرة، ثمّ السبئيّة أتباع عبد الله بن سبأ اليهوي اليمني الذي أسلم نفاقا؛ ألّب رعاع الناس من همج التابعين حتّى انتهى أمره إلى قتل الخليقة الراشد عثمان -رضي الله عنه- الخليفة الثالث الرّاشد؛ لكن لم تكن لهم راية، ثمّ تتابع أهل النهروان، هذه فتن ولكن كلّ ما تباعد الزّمان عن عهد النبوّة قَوِيَت الفتن ولا يسلم منها إلا من سلّمه الله بالعلم الشرعي؛ بفقه الكتاب وفقه سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم- والحذر من الكتب الفكريّة التي هي عمود في التكفير والخروج، وحامل لواء التكفير في هذا العصر هو سيّد قطب ومن أراد أن يقف عند صحّة كلامي فليقرأ كتابه "معالم في الطّريق" أقولها ولا أجد غضاضة، سيّد بن قطب الذي يصفه بعض النّاس بأنّه مجتهد! نعم هو مجتهد في الفكر؛ أمّا في الشّرع فهو ضائع ليس عنده شيء، الشيخ عبد الله بن أحمد الدرويش -رحمه الله- أحصى عليه في كتابه التفسير إحدى وثمانين ومائة خطيئة فيها الجبر؛ فيها تعطيل الصّفات؛ فيها وحدة الوجود وغير ذلك؛ هل هذا عالم سنّة؟! هذا عالم تخليط، ولكن إذا استحكم العقل وترك النّصوص استحكمت جميع الشّبهات، فلم يكن هناك ضابط يضبطها ولا جسر يمنعها، نعم.


    المتن:
    "بَابٌ: لاَ يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ".
    قال حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
    قال حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قال أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ؛ وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ الفراشية، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا، يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ - يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ - رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ».


    الشّرح:

    الحقيقة الذي يظهر لي من فقه البخاري -رحمه الله- أنّه أراد بعقد هذه الترجمة: التسلية، وذلك:


    أوّلا: البيان بأنّه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه، وهذا حتّى يستعدّ المسلم للتّحصّن من هذه الفتن التي تَتَتَابع على المسلمين بالفقه في دين الله، فكلّما قَوِيَ فقه المرء في دين الله والتزامه بالسنّة كان في مأمن، ومتى قلّ فقهه وضعفت همّته وزهد في العلم الشرعي الذي يقوم على الكتاب والسّنّة وسيرة السلف الصالح تخطّفته شياطين الجنّ والإنس لا محالة.


    ثانيا: في هذه التراجم أو في هذه الأحاديث التي تضمّنتها الترجمة الإشارة إلى العناية بأهل البيت، فمن رزقه الله فقها في دين الله وتمسّكا بالسنّة فليتعهَّد أهل بيته لأنّهم هم أهل مسؤوليّته وهو أهل مسؤوليّتهم، وهو المسؤول عنهم، فإن نشّأهم على هدى وتقوى وسنّة نال أجرهم وأجر من تناسل منهم على ذلك ، وإن نشّأهم على غير ذلك من الرذائل والشبهات أو الشهوات كان حجّة عليه يوم القيامة يحمل وزره ووزرهم ولا ينقص من أوزارهم.


    قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
    وقال -صلى الله عليه وسلم - في الثاني: (من استرعاه الله رعيّة فمات وهو غاشّ لهم لم يرح رائحة الجنّة).
    وأعظم الرّعية أهل بيتك، هذا ماذا يفيده؟ قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أيقظوا صواحب الحُجَر)؛ يحذّرهم -صلى الله عليه وسلم-؛ أهل بيته؛ وهو -صلى الله عليه وسلم- يحذّر العامّة خصوصًا، حذّر الأقارب والأباعد، حذّر الأمّة كلّها فأقام الله به الحجّة ،أقام الله به المحجّة والحجة كذلك، نعم.
    وهنا أمر آخر: (رُبّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).
    هذا مما اختصّ به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نساء المسلمات يحذّرهنّ من المعاصي، فقد تكون امرأة كُسيت من نِعَم الدنيا ما كُسيت: من جاه، ومنصب، وغنى، وجميل الملبس والمطعم والمشرب، لكنها تلقى الله عارية يوم القيامة ليس عندها ما يثقّل الله به موازينها، وفي الحديث الآخر قال -صلى الله عليه وسلم -: (إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت بعلها وحفظت فرجها قيل لها: أدخلي من أي أبواب الجنّة الثّمانية شئت).
    وعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: (لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبّهين من الرّجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرّجال)؛ يعني: المترجّلات في كلّ شيء.


    فليحذر نساء المسلمات من التّرجّل الذي يسعى فيه المُرجِّلُون، فهؤلاء يريدون أن يُلحقوا الأمّة بمن هلك من بني إسرائيـل، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ أوّل فتنة بني إسرائيل كانت في النّساء)، وهؤلاء يريدون لهذه الأمّة التي هي أوفى الأمم وأكثرها يريدون أن يُلحقوها بالهالكين من بني إسرائيل، فالسّبيل عندهم هو إخراج المرأة مما جعله الله حصنا حصينا لها من بيتها حتّى تُخالط الرّجال في شتّى المجالات، نعم.
    والمقصود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يحذر خصوصا وعموما، نعم.


    الشّيخ محمد بن رمزان: شكر الله لكم هذه الإفادة وهذا البيان، وجعلك مباركا أينما كنت.
    الشّيخ عبيد: وإيَّاك والسَّامعين.
    الشّيخ محمد بن رمزان: هناك طلبٌ بإعادة عبارة: (من أمَّر السُّنّة على نفسه والتّعليق عليها).
    الشّيخ عُبيد: هي واضحةٌ: (من أمَّر السُّنّة على نفسهِ..) هذه عبارة الصّابوني –رحمه الله-؛ (من أمَّر السُّنّة على نفسهِ قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّرَ الهوى على نفسهِ قولاً وفعلاً نطق بالبدعة)، فالتّعليق واضحٌ، يعني: من جعل السُّنّة حاكمة عليه يأتمرُ بأمرها وينتَهِي بنَهْيِهَا وينقادُ لها سواء كانت له أو عليه هذا أمّرها وينطقُ بالحكمة، والآخر صاحب الهوى هذا لم يَنْقَدْ للسُّنّة ولم يجعلها حاكمةً عليه، الحكامُ عليهِ هُوَ الهوى، وهذا ينطق بالبدعة، يُحدِثون في المسلمين ما يُحدثون من العبارات الفضفاضة مثل: مطالبة المرأة بالحقوق السّياسيَّة؛ لماذا لم تأخذ حقوقها السّياسة! وحرّية التّعبير! والأخذ برأي الأمّة! برأي الشّارع من (كلمة لم أفهمها) كذا، هذه كلها شعاراتٌ جاهلية أصحابُهَا أمّروا الهوى ولم يُؤمِّروا السُّنّة فنطقوا بالبِدَع والمُحدَثات في دين الله، حتّى سمعتُ رجلَيْن أحدهما عالِم لكنّه ضالّ مُضلّ والآخر جاهل:
    الأوّل يقول: (أنا أُوثر الحُرّيّة على مجرّد تطبيق الشّريعة)! كيف مُجرّد تطبيق الشّريعة؟! هذا أمرٌ لم يُعرَف، المُسلم إمّا أن يكون على شرط وإمّا أن يكون على ضلال.
    والآخر الجاهل يقول: (الحُرّيّة فوق الشّرع)!
    هذه كلماتٌ كُفريَّة.
    فالأوّل: أنا لا أُثرِّب على من كفّره.
    والثّاني: لولا غلبة الجهل عليه فيما أرى لكفّرته ولا كرامة عين، نعم.اهـ

    نُشر يوم: 27 / جمادى الأولى / 1436هـ
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


    يُتبع ..
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X