بسم الله الرحمن الرحيم
الخوارج طلّاب دنيا فلا تنخدع
الخوارج طلّاب دنيا فلا تنخدع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالخوارج جاء وصفهم أنهم كلاب النار، ونباحهم كنباح الكلاب، وطبيعة الكلاب الحرص على الدنيا والرغبة فيها والتكاثر منها.
عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخوارج كلاب النار)). أخرجه ابن ماجه في ((السنن)) وأحمد في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك))؛ وصححه الألباني.
والكلاب همهم الدنيا والتكثر منها وتقاتل من أجلها وللبقاء فيها، وجد الخوارج الأكبر ذي الخويصرة اعترض على قسمة النبي عليه الصلاة والسلام رغبة في شيء من حطام الدنيا.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله، اعدل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل)).
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، ائذن لي فيه أضرب عنقه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء - وهو القدح - ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تتدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس)).
قال أبو سعيد رضي الله عنه: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فوجد، فأتي به، حتى نظرت إليه، على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت. أخرجه مسلم.
فهذا حال سيد الخوارج مع النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف الحال بمن بعده؟
وقد بين جماعة من السلف الكرام بعد النبي عليه الصلاة والسلام أن الخوارج طلاب دنيا وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بل بين حالهم وحذر منهم وقاتلهم.
جاء عن عمرو بن سفيان، قال: خطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا نأخذ به حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر رضي الله عنه فأقام واستقام حتى مضى لسبيله ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر رضي الله عنه فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ثم إن أقواما طلبوا هذه الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها ما أحب). أخرجه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) ونعيم بن حماد في ((الفتن)) والعقيلي في ((الضعفاء))؛ وأصل هذا الخبر عند أحمد في ((المسند)) والحاكم في ((المستدرك)).
قال العلامة ابن العربي المالكي رحمه الله في ((العواصم من القواصم)): ((وأمثل ما روي في قصته أنه - بالقضاء السابق - تألب عليه قوم لأحقاد اعتقدوها: ممن طلب أمرا فلم يصل إليه، وحسد حسادة أظهر داءها، وحمله على ذلك قلة دين وضعف يقين، وإيثار العاجلة على الآجلة. وإذا نظرت إليهم دلك صريح ذكرهم على دناءة قلوبهم وبطلان أمرهم)) اهـ.
وقد أتى رجل من الخوارج الحسن البصري فقال له: ما تقول في الخوارج؟
قال: هم أصحاب دنيا.
قال: ومن أين قلت، وأحدهم يمشي في الرمح حتى ينكسر فيه ويخرج من أهله وولده؟
قال الحسن: حدثني عن السلطان أيمنعك من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والعمرة؟
قال: لا.
قال: فأراه إنما منعك الدنيا فقاتلته عليها.
قال إسحاق: فحدثت بهذا الحديث الغاضري، وكان ظريفاً بالمدينة، فقال: صدق الحسن، ولو أن أحدهم صام حتى يتعقد، وسجد حتى يحز جبينه، واتخذ عسقلان مراغه، ما منعه السلطان، فإذا جاء يطلب ديناراً أو درهماً لقي بالسيوف الحداد والأدرع الشداد.
ذكره أبو حيان التوحيدي في ((البصائر والذخائر)) (1/ 156).
وقال الإمام أحمد رحمه الله كما في ((مسائل حرب)) (3/ 986): ((وأما الخوارج فأنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة، وكذبت الخوارج، بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان دون الناس ومن خالفهم كفار. وأما أصحاب الرأي والقياس فأنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وكذب أصحاب الرأي أعداء الله، بل هم النابتة تركوا أثر الرسول وحديثه وقالوا بالرأي، وقاسوا الدين بالاستحسان، وحكموا بخلاف الكتاب والسنة، وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال طلاب دنيا بالكذب والبهتان. فرحم الله عبد اقال بالحق، واتبع الأثر، وتمسك بالسنة، واقتدى بالصالحين، وجانب أهل البدع وترك مجالستهم ومحادثتهم احتسابًا وطلبًا للقربة من الله وإعزاز دينه، وما توفيقنا إلا بالله)) اهـ.
فهذا كلام السلف يبين أن الخوارج طلاب دنيا، والناظر لواقع الخوارج اليوم من إخوان ومن تفرع عنهم من قطبية وبنائية وسرورية وقاعدة ونصرة ودواعش وحماس وغيرهم يتبين له أن زعماء هذه الجماعات الضالة يعيشون في أفضل القصور ويركبون السيارات الفارهة وأبناؤهم يدرسون في أرقى الجامعات في أمريكا وأروبا بل وكثير منهم أبنائهم وزوجاتهم ليس عليهم أي مظاهر الاستقامة بل هم أنفسهم كثير منهم بعيدون عن مظاهر الاستقامة، فلا تغتر بكلامهم فهو صنعتهم.
خِبْتَ لعَمرُ النّجاح سَعْيا *** يا راكضًا في طِلابِ دُنيا
هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
✍كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الثلاثاء 19 ذي الحجة سنة 1445 هـ
الموافق لـ: 25 يونيو سنة 2024 ف