بسم الله الرحمن الرحيم
هل اجتهـادُ النبيِّ ﷺ مُطلقٌ أم نسبيٌّ
هل اجتهـادُ النبيِّ ﷺ مُطلقٌ أم نسبيٌّ
من تلخيص:الشّيخ محمّد علي آدم الإثيوبي رحمه الله
من المسائل التي كثرت فيها الأقوال وتعدّدت، مسألة اجتهاد النّبيّ ﷺ ، هل هو مطلقٌ أم نسبيّ؟
ولهذا اختلفت أقوال العلماء بين جواز وتفصيل في بعض الأمور والمنع مطلقا، ومذهبُ الجمهور في هذه المسألة الجوازُ مُطلقا، وهو الذي قرّره ابن الصّلاح وكذا النّووي في "المنهاج" والقاضي عياض في "إكمال المعلم" وجمع تلك الأقوال شيخنا محمد آدم الإتيوبي في "البحر المحيط الثجاج"(1)، ولخصّها فقال:
"ملخّص هذه المسألة أن العلماء اختلفوا فيها على أقوال:
[أحدها]: الجواز مطلقًا، وهو مذهب الجمهور من الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو الصحيح؛ لكثرة أدلته، وقوّتها.
[الثاني]: المنع مطلقًا، وهو مذهب أبي عليّ الجبّائي المعتزليّ، وابنه أبي هاشم، وبعض أهل الظاهر.
[الثالث]: الجواز في مصالح الدّنيا دون غيرها، وهو مذهب القدريّة.
[الرابع]: التوقّف في ذلك.
وكذلك اختلفوا في وقوعه من النبيّ - ﷺ -، فذهب الجمهور إلى وقوعه مطلقًا، وهو الصّحيح، وذهب كثير من الحنفيّة إلى وقوعه بشرط انتظار الوحي، وذهب بعضهم إلى المنع مطلقًا، وذهب آخرون إلى وقوعه في أمور الدّنيا فقط، والمذهب الخامس التوقّف.
وأمّا عصمته - ﷺ- من الخطإ في اجتهاده، فللعلماء فيها قولان، مؤدّاهما واحد.
[أحدهما]: امتناع وقوع الخطإ منه -ﷺ- في اجتهاده، وهو مذهب كثير من أهل العلم، وصوّبه الرازيّ، والسبكيّ، وغيرهما.
[الثاني]: -وهو الأصحّ- وقوعُ الخطإ في اجتهاده -ﷺ-، إلا أنه لا يُقرّ عليه، بل يُنبَّه إلى الصواب، وهو مذهب أكثر الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وأصحاب الحديث، واختاره الآمديّ، وابن الحاجب، وغيرهما، وهو الأصحّ، وعليه دلّت نصوص الكتاب والسّنّة(2).
وقد ذكرت هذه الأقوال في نظمي في الأصول(3)، بقولي:
اخْتَلَفُوا هَلِ الرَّسُولُ يَجْتَهِدْ … فَالأَكْثَرُونَ جَوَّزُوهُ وَوُجِدْ
وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ وَالْبَعْضُ فِي … حَرْبٍ رَأَى وَالْبَعْضُ ذُو تَوَقُّفِ
وَالْحَقُّ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فَقَدْ … جَاءَتْ وَقَائِعُ لَهَا قَدِ اجْتَهَدْ
وَالْخُلْفُ فِي خَطَئِهِ وَصُوِّبَا … وُقُوعُهُ بِلَا تَمَادٍ صَاحَبَا
فَاللهُ لَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ بَلْ … يُنْزِلُ وَحْيَهُ إِزَالَةَ الْخَلَلْ
ثُمَّةَ ذَا الْخُلْفُ لأَمْرٍ نُسِبَا … لِلدِّينِ لَا غَيْرُ فَخُذْهُ رَاغِبَا
أَمَّا الأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَقَدْ … اتَّفَقُوا فِي كَوْنِه فِيهَا اجْتَهَدْ
وَبَعْضُهُمْ مَنَعَهُ وَالْبَعْضُ فِي … حَرْبٍ رَأَى وَالْبَعْضُ ذُو تَوَقُّفِ
وَالْحَقُّ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ فَقَدْ … جَاءَتْ وَقَائِعُ لَهَا قَدِ اجْتَهَدْ
وَالْخُلْفُ فِي خَطَئِهِ وَصُوِّبَا … وُقُوعُهُ بِلَا تَمَادٍ صَاحَبَا
فَاللهُ لَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ بَلْ … يُنْزِلُ وَحْيَهُ إِزَالَةَ الْخَلَلْ
ثُمَّةَ ذَا الْخُلْفُ لأَمْرٍ نُسِبَا … لِلدِّينِ لَا غَيْرُ فَخُذْهُ رَاغِبَا
أَمَّا الأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَقَدْ … اتَّفَقُوا فِي كَوْنِه فِيهَا اجْتَهَدْ
انتهى.
نقلـهُ: أبو أنس محمّد بن عمّار
-غفر الله له ولوالديه-
-غفر الله له ولوالديه-
_________
(1) البحر المحيط الثجاج - الاتيوبي 1 - 660
(2) راجع لتحقيق هذه المسألة "الإحكام" للآمديّ 4/ 15 و"المحصول" 3/ 9 - 25 و"المستصفى" 2/ 355 - 357 و"مناهج العقول" و"نهاية السول" و"منهاج الوصول" 3/ 262 - 268 و"اللمع" ص 367 و"مختصر ابن الحاجب" مع حاشية التفتازاني، والجرجاني" 2/ 291 - 292.
(3) راجع: "المنحة الرضية شرح التحفة المرضية" في تحقيق معنى الأبيات، وما احتوته من الفوائد.