إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شهر رمضان بين الإفراط والتفريط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شهر رمضان بين الإفراط والتفريط

    بسم الله الرحمن الرحيم
    شهر رمضان بين الإفراط والتفريط
    إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فالله عز وجل جعلنا أمة وسطا بين الأمم.
    قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
    كذلك أهل السنة والجماعة وسط بين الفرق المنحرفة. فهم وسط بين أهل التشدد والانحلال، وفي هذه المقالة سأبين شيئا مما يقع فيه الناس في رمضان من إفراط وتفريط.
    فمن الأمثلة على ذلك:
    خروج أحد الدكاترة وبعض المنتسبين للعلم في تركيا أجازوا صوم الحائض يشرعون فيه للحائض بالصيام في رمضان، ومنهم من ضبطه بالاستطاعة.
    والخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة.
    عن معاذة، قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة. فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: (كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
    أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم.
    والحرورية فرقة من فرق الخوارج الضالة كانوا يوجبون على المرأة الحائض قضاء الصلاة، بخلاف أهل الانحلال الذين إذا حاضت البنت في سن مبكر ألزموها بالفطر ولو كانت طاهرة.
    والقول بوجوب صيام الحائض قول شاذ مخالف للإجماع.
    وأهل السنة السلفيون أوجبوا على الحائض الفطر وأوجبوا عليها قضاء الصوم في حالة الطهر، ولا يلزمها قضاء الصلاة كما تقوله الخوارج.
    قال القحطاني في نونيته:
    تقضي الصيام ولا تعيد صلاتها ... إن الصلاة تعود كل زمان
    والرافضة كرهوا صلاة التراويح.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ((مجموع الفتاوى)) (23/ 120): ((ولكن الرافضة تكره صلاة التراويح. فإذا صلوها قبل العشاء الآخرة لا تكون هي صلاة التراويح)) انتهى.
    بخلاف من أوجب صلاة الليل.
    عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح، قال: ((قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم))، قال: وذلك في رمضان.
    متفق عليه.
    قوله: ((إلا أني خشيت أن تفرض عليكم))؛ يدل على أنها ليست واجبة وفعله لها يدل على مشروعيتها.
    ومما يبين مشروعيتها أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنها جمع المصلين على إمام لهم.
    عن عبد الرحمن بن عبدِ القاري، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: (إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل) ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: (نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون)، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله).
    أخرجه البخاري.
    وكأن الرافضة أرادوا بكراهتم لصلاة التراويح مخالفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أكد مشروعيتها.
    كذلك من الناس من لا يرفع لصلاة التراويح رأسًا ولا يهتم بها ولا يصليها أبدًا وهذا من التفريط.
    وكذلك من الإفراط احياء الليل كله في العبادة وهذا خلاف السنة إلا في العشر الأواخر من رمضان، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام، واحياء الليل كله فيه مشقة على النفس.
    عن أبي جحيفة، قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك متبذلة؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، قال: فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما، فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم، فقال له سلمان: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال له: نم، فنام، فلما كان عند الصبح، قال له سلمان: قم الآن، فقاما فصليا، فقال: ((إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه))، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك، فقال له: «صدق سلمان)).
    أخرجه الترمذي في ((الجامع)) وابن خزيمة في ((صحيحه)) وأبو يعلى في ((المسند)) والدارقطني في ((السنن))، وصححه الألباني.
    ومن صور الغلو في شهر رمضان انتظار الصائم تشابك النجوم حتى يفطر وهذا عند الرافضة الذين شابهوا في فعلهم هذا اليهود.
    عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال أمتي على سنتي؛ ما لم تنتظر بفطرها النجوم)).
    أخرجه ابن حبان في ((صحيحه))؛ وصححه الألباني.
    وفي المقابل هناك من يشرع في الفطر بمجرد وصل قرص الشمس الأسفل إلى الأرض ولا يشترط غياب القرص، وهذا من التفريط وهو قول شاذ ومخالف للسنة.
    قال الله تعالى {ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
    عن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس فقد أفطر الصائم)).
    أخرجه مسلم.
    عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، ...)) الحديث.
    أخرجه ابن خزيمة في ((صححه)) وابن حبان في ((صححه)) والحاكم في ((المستدرك)) والطبراني في ((المعجم الكبير))؛ وصححه الألباني.
    فهذا الوعيد الشديد في حق من يتعمد الفطر قبل غروب الشمس ولو للحظات، فكيف بمن يفطر جهارًا نهارًا في نهار رمضان؟!
    من عجائب الرافضة الاثني عشرية كما في ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) (ص: 219): ((يقولون: يستحب صوم عاشوراء من الصبح إلى العصر دون الغروب)).
    من صور الإفراط إلزام الناس بالإمساك عن المفطرات عند دخول الفجر الكاذب، وألزموا الناس ببدعة الإمساك، ووضعوا لها تقويم به مواقيت الصلاة من وقت الإمساك.
    قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في ((شرح عمدة الأحكام)) (ص: 180): ((وأما ما يفعله كثير من الناس اليوم من تقديم السحور جدا، فهذا بدعة، ومن سبب هذه البدعة جعلوا للزوم وقتا، ولطلوع الفجر وقتا، والله تعالى ورسوله غيا ذلك بتبيين الصبح، فقال تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187].
    فلم يقل: حتى يبقى على الفجر قدر ربع ساعة أو جزءا معين كما زعموا.
    ومرادهم في هذا، الاحتياط ولكن غلطوا في ذلك وشرعوا ما لم يأذن به الله فالاحتياط إتباع أفعاله صلى الله عليه وسلم وشرائعه فلو كان هذا الأمر خيرا لسبقونا إليه والله تعالى وسع في الصيام وسهل ولهذا لم يقل: (حتى يطلع الفجر)، بل قال: {حتى يتبين} أي: يتضح ويتيقن)) انتهى.
    وقوله للزوم يعني: الإمساك.
    ومن صور الإفراط تجد البعض يرى الشمس أمامه سقطت في عرض البحر أو غربت في الأفق وينتظر أذان المؤذن أو حتى يدخل وقت التقويم.
    ومن صور الغلو الوصال أكثر من يوم وليلة بدون أكلة السحر.
    جاء أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال؛ فقال له رجال من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقين))، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما، ثم يوما، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر لزدتكم)) كالمنكل بهم حين أبوا.
    متفق عليه.
    وفي المقابل من يجاهر بالأكل والشرب في نهار رمضان، وبل وصل الحال ببعضهم بالمطالبة بفتح المطاعم والمقاهي في نهار رمضان، بلا حياء من الله ولا من عباد الله.
    كذلك يغلو البعض من الاباء فيأمر الأطفال الغير بالغين بالصيام ويجبرهم بل ويضربهم على ذلك.
    بخلاف من يترك أبنائه الأطفال ويهملهم ولا يحثهم على الصيام.
    عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار، التي حول المدينة: ((من كان أصبح صائما، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه)) فكنا، بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.
    متفق عليه.
    من صور الغلو الصيام مع شدة التعب والارهاق والمشقة في السفر.
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: ((ما هذا؟))، فقالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر.
    متفق عليه.
    وفي المقابل هناك من يتساهل في الفطر في نهار رمضان وينسج لنفسه مبررات أوهى من خيط العنكبوت.
    مثل من يفطر مع ادعاء المرض وليس بمريض أو بحجة المشقة وأن العمل مع الصيام شاق.
    وكذلك التساهل في تضيع الصلوات الخمس في أوقاتها وينام عنها لأنهم اعتادوا في رمضان على السهر إلى الفجر، وأغلبهم يسهر على المعاصي من مسلسلات وأفلام وفوازير ومنهم من يسر على الشبكة العنكبوتية وعلى برامج التواصل، ويقضون النهار في نوم متواصل إلى غروب الشمس.
    ومن صور الإفراط إعلان دخول شهر رمضان بناء على الحساب الفلكي، وفي المقابل من صور التفريط إعلان انتهاء الشهر ودخول العيد، بناء على الحساب الفلكي، الذي يصادم الحديث النبوي.
    عن ابن عمر رضي الله عنهما، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وعقد الإبهام في الثالثة «والشهر هكذا، وهكذا، وهكذا» يعني تمام ثلاثين.
    متفق عليه.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا العدد)).
    متفق عليه.
    ومن صور الإفراط والتفريط عند الرافضة.
    قال العلامة محمود شكري الألوسي رحمه كما في ((مختصر التحفة الاثني عشرية (ص: 219): ((وأيضا يجوز عند بعضهم أكل جلد الحيوان للصائم ولا ضرر لصومه، وقال بعضهم أكل أوراق الأشجار لا يفسد الصوم، وقال بعضهم لا يضر الصوم أكل ما لا يعتاد أكله، ومع هذا لو انغمس في الماء يجب عليه القضاء والكفارة معا وإن لم يدخل شيء من الماء في حلقه وأنفه. سبحان الله أي إفراط وتفريط هذا؟)) انتهى.
    وصور الإفراط والتفريط في شهر رمضان لا تعد ولا تحصى ويصعب حصرها في مقال، لهذا أكتفي بهذا القدر.
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    طرابلس الغرب: يوم الأحد 29 شعبان سنة 1445 هـ
    الموافق لـ: 10 مارس سنة 2024 ف
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X