إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل يشترط في تبديع من وقع في بدعة أو بدع أن تقام عليه الحجة لكي يبدع أو لا يشترط ذلك؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل يشترط في تبديع من وقع في بدعة أو بدع أن تقام عليه الحجة لكي يبدع أو لا يشترط ذلك؟

    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه أمّا بعد:

    فالمشهور عن أهل السّنّة أنّه من وقع في أمر مكفّر لا يكفر حتىّ تقام عليه الحجّة، أمّا من وقع في بدعة فعلى أقسام:
    القسم الأوّل: أهل البدع؛ كالرّوافض والخوارج والجهميّة والقدريّة والمعتزلة والصّوفية القبوريّة والمرجئة ومن يلحق بهم؛ كالإخوان والتّبليغ وأمثالهم، فهؤلاء لم يشترط السّلف إقامة الحجّة من أجل الحكم عليهم بالبدعة، فالرّافضيّ يُقال عنه: مبتدع، والخارجيّ يقال عنه: مبتدع، وهكذا، سواء أقيمت عليهم الحجّة أم لا.

    القسم الثّاني: من هو من أهل السّنّة ووقع في بدعة واضحة؛ كالقول بخلق القرآن أو القدر أو رأي الخوارج وغيرها؛ فهذا يُبدّع. وعليه عمل السّلف.
    ومثال ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه حين سئل عن القدريّة، قال: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريء منهم وأنّهم برآء مني" رواه مسلم.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنّقل (254/1): "فطريقة السّلف والأئمّة أنّهم يُراعون المعاني الصّحيحة المعلومة بالشّرع والعقل، ويرُاعون أيضاً الألفاظ الشّرعيّة، فيعبّرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلّم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسّنّة ردّوا عليه، ومن تكلّم بلفظ مبتدع يحتمل حقّا وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضا، وقالوا: إنمّا قابل بدعة ببدعة وردَّ باطلا بباطل".
    أقول:
    في هذا النّصّ بيان أمور عظيمة ومهمّة يسلكها السّلف الصّالح للحفاظ على دينهم الحقّ وحمايته من غوائل البدع والأخطاء؛ منها:
    1- شدّة حذرهم من البدع ومراعاتهم للألفاظ والمعاني الصّحيحة المعلومة بالشّرع والعقل، فلا يعبّرون -قدر الإمكان- إلّا بالألفاظ الشّرعيّة ولا يطلقونها إلّا على المعاني الشّرعيّة الصّحيحة الثّابتة بالشّرع المحمّديّ.
    2- أنّهم حرّاس الدّين وحماته؛ فمن تكلّم بكلام فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسّنّة ردّوا عليه، ومن تكلّم بلفظ مبتدع يحتمل حقّاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة ولو كان يردّ على أهل الباطل، وقالوا: إنمّا قابل بدعة ببدعة أخرى، وردَّ باطلا بباطل، ولو كان هذا الرّادّ من أفاضل أهل السّنّة والجماعة، ولا يقولون ولن يقولوا يُحمل مجملُه على مفصّله؛ لأنّا نعرف أنّه من أهل السّنّة.
    قال شيخ الإسلام -بعد حكاية هذه الطّريقة عن السّلف والأئمّة-: "ومن هذا؛ القصص المعروفة التي ذكرها الخلّال في كتاب "السّنّة" هو وغيره في مسألة اللّفظ والجبر".
    أقول:
    يشير رحمه الله تعالى إلى تبديع أئمّة السّنّة من يقول: "لفظي بالقرآن مخلوق"؛ لأنّه يحتمل حقّاً وباطلاً، وكذلك لفظ "الجبر" يحتمل حقّا وباطلاً، وذكر شيخ الإسلام أنّ الأئمّة؛ كالأوزاعي وأحمد بن حنبل ونحوهما قد أنكروه على الطّائفتين التي تنفيه والتي تُثبته، وقال رحمه الله: "ويروى إنكار إطلاق "الجبر" عن الزّبيدي وسفيان الثّوري وعبد الرّحمن بن مهدي وغيرهم، وقال الأوزاعي وأحمد وغيرهما: "من قال: "جبر" فقد أخطأ، ومن قال: "لم يجبر" فقد أخطأ؛ بل يقال: إنّ الله يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء ونحو ذلك"، وقالوا: ليس للجبر أصل في الكتاب والسّنّة، وإنّما الذي في السّنّة لفظ -الجبل- لا لفظ الجبر؛ فإنّه قد صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال لأشجّ عبد القيس: "إنّ فيك لخلقين يحبّهما الله: الحلم والأناة"، فقال: أخلقين تخلّقت بهما أم خُلقين جُبلت عليهما؟ فقال: "بل جُبلت عليهما"، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبّهما الله"، وقالوا: إنّ لفظ "الجبر" لفظ مجمل ثمّ بيّن أنّه قد يكون باعتبارٍ حقّاً، وباعتبارٍ باطلاً، وضرب لكلّ منهما مثالاً، ثمّ قال: "فالأئمّة منعت من إطلاق القول بإثبات لفظ الجبر أو نفيه؛ لأنّه بدعة يتناول حقّا وباطلا".
    وقال الذّهبيّ رحمه الله: "قال أحمد بن كامل القاضي: كان يعقوب بن شيبة من كبار أصحاب أحمد بن المعذّل، والحارث بن مسكين، فقيهاً سريّا، وكان يقف في القرآن"، قال الذّهبيّ: "قلت: أخذ الوقف عن شيخه أحمد المذكور، وقد وقف عليّ بن الجعد، ومصعب الزّبيريّ، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وجماعة، وخالفهم نحو من ألف إمام؛ بل سائر أئمّة السّلف والخلف على نفي الخليقة على القرآن، وتكفير الجهميّة، نسأل الله السّلامة في الدّين"، قال أبو بكر المرّوذّي: أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد، فحذّر أبو عبد الله منه، وقد كان المتوكّل أمر عبد الرّحمن بن يحيى بن خاقان أن يسأل أحمد بن حنبل عمّن يقلّد القضاء، قال عبد الرّحمن: فسألته عن يعقوب بن شيبة، فقال: مبتدع صاحب هوى، قال الخطيب: وصفه بذلك لأجل الوقف"[السير (12/478)].
    وقدِم داود الأصبهاني الظّاهري بغداد، وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسنٌ، فكلّم صالحاً أن يتلطّف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه، فقال له: رجل سألني أن يأتيك. قال: ما اسمه؟ قال: داود، قال: من أين؟ قال: من أهل أصبهان، قال: أيّ شيء صنعته؟ قال وكان صالح يروغ عن تعريفه إيَّاه، فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتّى فطن، فقال: هذا قد كتب إليّ محمّد بن يحيى النّيسابوريّ في أمره، أنّه زعم أنّ القرآن محدث فلا يقربني، قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره، فقال أبو عبد الله: محمّد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إليَّ.[تاريخ بغداد (8/374)].

    القسم الثّالث: من كان من أهل السّنّة ومعروف بتحرّي الحقّ ووقع في بدعة خفيّة:
    - فهذا إن كان قد مات فلا يجوز تبديعه؛ بل يُذكَر بالخير.
    - وإن كان حيّا:
    . فيُناصح ويُبيّن له الحقّ ولا يُتسرّع في تبديعه.
    . فإن أصرّ فيبدّع.
    قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: "وكثير من مجتهدي السّلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، ولم يعلموا أنّه بدعة، إمّا لأحاديث ضعيفة ظنّوها صحيحة، وإمّا لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإمّا لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتّقى الرّجل ربّه ما استطاع دخل في قوله: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وفي الحديث: أنّ الله قال: "قد فعلت"، وبسط هذا له موضع آخر"[معارج الوصول ص:43].

    وعلى كلّ حال: لا يجوز إطلاق اشتراط إقامة الحجّة لأهل البدع عموماً، ولا نفي ذلك والأمر كما ذكرت.

    فنصيحتي لطلّاب العلم أن يعتصموا بالكتاب والسّنّة، وأن ينضبطوا بمنهج السّلف في كلّ ناحية من نواحي دينهم، وخاصّة في باب التّكفير والتّفسيق والتّبديع حتىّ لا يكثر الجدال والخصام في هذه القضايا.

    وأوصي الشّباب السّلفيّ خاصّة بأن يجتنبوا الأسباب التي تُثير الأضغان والاختلاف والتّفرّق، الأمور التي أبغضها الله وحذّر منها، وحذّر منها الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصّحابة الكرام والسّلف الصّالح، وأن يجتهدوا في إشاعة أسباب المودّة والأخوّة فيما بينهم، الأمور التي يحبّها الله ويحبّها رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
    كتبه:
    ربيع بن هادي عمير المدخليّ
    في 24/رمضان/1424هـ
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    (
    1) موقع الشّيخ ربيع ابن هادي المدخلي حفظه الله.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-10-02, 12:16 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X