إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نقاش هادئ مع أصحاب الإنكار العلني على ولاة الأمور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [جديد] نقاش هادئ مع أصحاب الإنكار العلني على ولاة الأمور

    بسم الله الرحمن الرحيم

    نقاش هادئ
    مع القائلين بالإنكار العلنيّ على ولاة الأمور
    ـــ . ـــ

    أردت في هذه المداخلة الوجيزة مناقشة من تأثر من إخواننا الذين ينتسبون إلى المنهج السّلفيّ ويفتخرون بالانتساب إليه ومن شعارهم: لا قول مع قول الله ورسوله، ولكن إذا جاءت الفتن خالف تطبيقُهم تنظيرَهم وتخلفت بعض الأفعال عن شنشنة الأقوال، هؤلاء الذين تأثروا بتلك الفتوى التي أعادت إحياء شُبه السرورية في أصلهم الأصيل ومنهجهم الدخيل؛ ألا وهو الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم، والتي أفتى بها محمد علي فركوس -أصلحه الله- مخالفا بذلك تقريرات كبار العلماء!
    وسيكون النقاش هادئا -بإذن الله- بعيدا عن الصخب وتبادل التهم والتقاذف والتنابز، الغرض منه الوصول إلى الحقّ، ولذلك وجب التقديم بكلام يليق بالمقام

    الحقُّ أحَقُّ أن يُتَبَعَ:
    أخرج أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله بسنده إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ جَوَامِعَ نَوَافِعَ، فَقَالَ: «اعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَزُلْ مَعَ الْقُرْآنِ حَيْثُ زَالَ، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»[ج١ ص١٣٤ طبعة السعادة]
    وهذا الأثر من ابن مسعود رضي الله عنه وإن تُكُلِم في إسناده إلا أنَّ شواهده من الكتاب والسُنَّة أكثر من أن تُحْصَر والشاهد منه قوله رضي الله عنه: «وَمَنْ جَاءَكَ بِالْحَقِّ فَاقْبَلْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بَغِيضًا، وَمَنْ جَاءَكَ بِالْبَاطِلِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَبِيبًا قَرِيبًا»
    فالحقُّ لا يحابى فيه قريب ولا حبيب ولا يُرَدُّ من بعيد ولا بغيض فإنَّ الخقَّ ضالة المؤمن متى وجده فهو أحقُّ به، وقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قوله: «الكلمة الحكمة ضالة المؤمن»، قال السيوطي في شرحه: «قال التوربشتي: "أي بالعمل بها، واتباعها والمعنى؛ إنَّ كلمة الحكمة ربما تكلم بها من ليس لها أهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من غيره كما أنَّ صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده، كذلك المؤمن لا ينظر إلى خساسة من تفوه بالكلمة الحكمة بل يأخذها منه أخذ صاحب الضالة إياها ممن هي عنده»[قوت المغتذي على جامع الترمذي ج٢ ص٦٧٢-٦٨٢]

    قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله: «والواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه، مع صديقه أو مع عدوه؛ لأنه يطلب الحق. أما إذا كان يعتبر الأشخاص فقط، فهذا دين أهل الجاهلية»[شرح مسائل الجاهلية ١٢٨ دار العاصمة]

    الحَقُّ لا يوزن بالرجال:
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وكثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معَظَّم قَبِل أقوالَه وإن كانت باطلةً مخالفةً للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى مَنْ يردّ ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه معصوم. وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معَظَّم ردَّ أقوالَه وإن كانت حقًّا، فيجعل قائل القول سببًا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة»[جامع الرسائل والمسائل لشيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله المجلد السابع ص٤٦٢- ٤٦٥ دار عالم الفوائد].
    فالمردُّ في مسائل النزاع هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

    قال العلامة ابن باز رحمه الله: «ولا يخفى أنّ الحقّ ضالّة المؤمن متى وجدها أخذها، ولا يخفى أيضا أن المرجع في مسائل الخلاف هو كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله وصفوته من خلقه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[مجموع فتاوى ومقالات العلامة ابن باز ج١٢ ص٣٦٠].

    فينبغي تَدَبُّرُ هذه المعاني قبل الشروع في المقصود

    وهذا آوان المناقشة:
    أولا: نصيحة ولَّاة الأمور أصل أصيلٍ من أصول منهجنا السّلفيّ، والدّليل على ذلك:
    ما جاء في الحديث المتواتر وهو مخرّج في السّنن الذي قاله صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف من رواية ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ».
    وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم، أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ»
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بَيْنَ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ؛ إخْلَاصِ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الثَّلَاثُ تَجْمَعُ أُصُولَ الدِّينِ وَقَوَاعِدَهُ»[مجموع الفتاوى الجزء الأول ص١٨].
    فانظر كيف جعل شيخ الإسلام رحمه الله هذه المذكورات في الحديث أصولا وقواعد جامعة للدين.
    قال الشيخ أحمد بازمول حفظه الله: «النَّصيحة لوليِّ الأمر سراً أصلٌ من أصول المنهج السلفي الذي خالفه أهل الأهواء والبدع كالخوارج» [السنة فيما يتعلق بولي الأمة ص١٤٢]
    ثُمَّ إنَّ الأئمّة ذكروها في كتبهم التي اعتنت بذكر أصول المنهج السّلفيّ؛ كما فعل ابن أبي عاصم في كتابه السنَّة فقال: «باب: كيفية نصيحة الرعية للولاة» ثمّ أورد تحته حديث عياض بن غَنم الأشجعي الدَّالِّ على إسرار النّصح لولاة الأمر [السنة لابن أبي عاصم ومعه ظلال الجنة الألباني ج٢ ص٥٢١ طبعة المكتب الإسلامي].

    فإذا تبيَّن لك أنَّ هذه المسألة من أصول منهجنا فلا عِبْرَة بمن قال غير ذلك لأنَّه لا سلف له في ذلك
    ثانيا: النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد بيَّن هذا الأصل بيانا شافيا لا يحتاج المسلم المُتَّبِع بعده إلى تخرصات المتخرصين، ولا إرجافات المبطلين، فقد جاء في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد في المسند وابن أبي عاصم في السنة والحديث صححه الألباني من رواية عياض بن غنم الأشجعي رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانيّة ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه»[ظلال الجنَّة ج٢ ص٥١٢ طبعة المكتب الإسلامي]
    ثمّ اعلم -أخي- أنَّ الصحابة رضي الله عنهم قد فهموا هذا البيان من النّبيّ صلى الله عليه وسلم فهما مثمرا للعمل فعملوا به وطبقوه وأذكر لك دليلين واضحيين كافيين:
    ١) ما أخرجه الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قيل له: « ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ »، فقال: «أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه».
    قال القاضي عياض رحمه الله في شرح مسلم: «يعني فى المجاهرة بالنكير والقيام بذلك على الأمراء، وما يُخشى من سوء عقباه كما تولد من إنكارهم جهارًا على عثمان بعد هذا، وما أدى إلى سفك دمه واضطراب الأمور بعده»[إكمال المعلم ج٨ ص٥٣٨ دار الوفاء].
    ٢) ما أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه»[مصنف ابن أبي شيبة ج٢١ ص٢٥٨ دار كنوز إشيبلية تحقيق الشثري]
    والأثر يدل على أنَّ من خاف على نفسه القتل إذا أمر السلطان أو نهاه فيسقط عنه هذا الفرض فإن أمن ذلك فيأمره وينهاه فيما بينه وبينه ولهذا أورد هذا الأثر القاضي أبو يعلى في أدلّة سقوط الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر عند خشية القتل، كما هي الرواية عن الإمام أحمد، فقال بعد الأثر: «والجواب: إن معناه فلا يلزمك أن تأمره»[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأبي يعلى ص٩٨ مكتبة العلوم والحكم]
    فإذا تبيَّن لك أخي هذا الأصل العظيم الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك البيان الشافي والكافي وفهمه الصّحابة رضي الله عنهم وطبَّقوه تطبيقا عمليّا حتىّ جاءت فتنة ابن سبأ التي أخرجها الآجريّ في الشّريعة تحت بَابُ: «ذكْرِ قِصَّةِ ابْنِ سَبَأٍ الْمَلْعُونِ وَقِصَّةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلُوهُ»
    ثمّ ساق القصّة بسنده فقال: «ثمَّ قَالَ لَهُمْ -يقصد ابن سبأ اليهوديّ- بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ جَمَعَ أَنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا , وَهَذَا وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ فَحَرِّكُوهُ وَابْدَءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ , وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ , تَسْتَمِيلُوا النَّاسَ , وَادْعُوا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ , فَبَثَّ دُعَاةً , وَكَاتَبَ مَنْ كَانَ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ , وَدَعَوْا فِي السَّيْرِ إِلَى مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ , وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ , وَجَعَلُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عُيُوبِ وُلَاتِهِمْ , وَيُكَاتِبُهُمْ إِخْوَانُهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ , وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ إِلَى أَهْلِ مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ , فَيَقْرَأُهُ أُولَئِكَ فِي أَمْصَارِهِمْ , وَهَؤُلَاءِ فِي أَمْصَارِهِمْ، حَتَّى يَنَالُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ , وَأَوْسَعُوا الْأَرْضَ إِذَاعَةً وَهُمْ يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ , وَيَسْتُرُونَ غَيْرَ مَا يَرَوْنَ»[الشريعة للآجري ج٤ ص١٩٨٤ دار الوطن تحقيق عبد الله الدميجي]
    فهل بعد هذا البيان الشّافي في توضيح هذا الأصل يعارض بأقوال البشر ويستدرك عليه بآراء الرّجال فهل هذا إلّا تَنَكُّبٌ عن طريقة السّلف؛ كما قال ابن القيّم رحمه الله: لما ناقش مسألة وجوب التشهد الإبراهيمي فاعترض عليه بقول الفقهاء فقال رحمه الله: «وأما السؤال الثالث: ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم فيها مبطلًا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم؛ فإنَّ الأدلة هي التي تُبْطلُ ما خالفها من الأقوال، ويُعْتَرَضُ بها على من خالف موجبها، فَتُقَدَّم على كلِّ قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين تُعَارَض بها الأدلة وتُبْطِلُ مقتضاها وتُقدَّم عليها»[جلاء الأفهام ج١ ص٤١٣ عطاءات العلم].

    وأخيرا يقال لمن اعترض على هذا البيان:
    هل الإنكار العلني على ولاة الأمور في غيبتهم من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ؟!
    فإن قلت: نعم، فقد كذبت عليهم.
    وإن قلت: لا، فلا وسع الله على من لم يسعه ما وسع هؤلاء.
    فأين الزّعم باقتفاء آثارهم مع التّنكب عن هديهم والإعراض عن سننهم بالتّأويل الفاسد والاعتراض الكاسد.

    أبو الأشبال أيوب الشلفي
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-01-16, 08:46 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X