إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العلم جلاء للهم والغم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العلم جلاء للهم والغم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    العلم جلاء للهمّ والغمّ

    إنّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
    أما بعد:
    فالعلم دواء لأمراض الشهوات والشبهات، وعلاج للأمراض النفسية -من هم وغم وحزن وكرب وغيرها-، وهو دواء للجهل الذي هو سبب للشبهات والشهوات والأمراض النفسية.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» (1/ 306): «فلا يخرج مرضه عن شهوة، أو شبهة أو مركب منهما، وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل، ودواؤها العلم» اهـ.
    عن ابن عباس رضي الله عنهما، يخبر: أن رجلا أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام، فأمر بالاغتسال، فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال». أخرجه أحمد في ((المسند)) (رقم: 00) وأبو داود في ((السنن)) (رقم: 337) وابن ماجه في ((السنن)) (رقم: 572) والدارمي في ((المسند)) (رقم: 779) وأبو يعلى الموصلي في ((المسند)) (رقم: 2420) وابن خزيمة في ((صحيحه)) (رقم: 273) وابن حبان في ((صحيحه)) (رقم: 1314) والحاكم في ((المستدرك)) (رقم: 585 و 630 و 631) وعبد الرزاق الصنعاني في ((المصنف)) (رقم: 866 و 867) والطبراني في ((المصنف)) (رقم: 11472) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم: 11472) والدارقطني في ((السنن)) (رقم: 730 و 731 و 732 و 733 و 734 و 735 و 736) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (رقم: 1073 و 1074) وابن الجارود في ((السنن الكبرى)) (رقم: 128) والخطيب البغدادي في ((الفقيه والمتفقه)) (2/ 135) والرامهرمزي في ((المحدث الفاصل بين الراوي والواعي)) (ص: 358) وحسنه الألباني.

    قال العلّامة ابن القيّم رحمه الله في «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» (1/ 27-28): «الجهل مرض يؤلم القلب. فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم، وهى فى الحقيقة إنما تزيده مرضا إلى مرضه؛ لكن اشتغال القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه، بسبب جهله بالعلوم النافعة، التى هى شرط فى صحته وبرئه، ثمّ قال: فجعل الجهل مرضًا وشفاءه سؤال أهل العلم» اهـ.
    وقال رحمه الله في «مفتاح دار السعادة» (1/ 306): «فجعل العي -وهو عي القلب عن العلم، واللّسان عن النطق به- مرضًا، وشفاؤه سؤال العلماء» اهـ.
    وأهل العلم هم: أطباء لداء الجهل.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» (1/ 26): «مرض القلب نوعان:
    نوع لا يتألم به صاحبه فى الحال وهو النوع المتقدم؛ كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات؛ وهذا النوع هو أعظم النوعين ألمًا، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم؛ وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له، وهو متوار عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطبّاء هذا المرض
    » اهـ.
    وقال رحمه الله في «الكافية الشافية » (ص: 265):
    والجهل داء قاتل وشفاؤه :::: أمران في التّركيب متّفقان
    نصّ من القرآن أو من سنّة :::: وطبيب ذاك العالم الرّبّاني

    والقرآن الكريم المنبع الصّافي والأساسي لعلاج الأمراض الحسيّة والمعنويّة.
    قال الله عز وجل: {يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبكُمْ وَشِفَاءٌ لما فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57].
    وقال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}[الإسراء: 82].
    قال العلّامة ابن القيّم رحمه الله في «إغاثة اللهفان» (1/ 21): «وقال تعالى {يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبكُمْ وَشِفَاءٌ لما فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[يونس: 57]؛ فهو شفاء لما فى الصدور من مرض الجهل والغى، فإن الجهل مرض؛ شفاؤه العلم والهدى، والغى مرض؛ شفاؤه الرشد. وقد نزه الله سبحانه نبيه عن هذين الداءين، فقال: {والنَّجْمِ إِذَا هَوَى :: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم: 1-2] » اهـ.
    ولمّا كان القرآن منبع العلم وهو شفاء لما يعتري القلب من هم وغم وحرن.
    قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في «زاد المعاد» (4/520): «فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة. وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به. وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبدا» اهـ.
    وقال رحمه الله في «الداء والدواء » (ص: 6): «فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن» اهـ.
    ولأن القرآن الكريم علاج للهم والغم والحزن، جاء الترابط بين الدواء الذي هو القرآن، والداء الذي هو الهم والحزن.
    عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحًا».
    أخرجه أحمد في «المسند» وابن أبي شيبة في «المصنف» والبزار في «المسند» وأبو يعلى في «المسند» وابن حبان في «صحيحه» والحاكم في «المستدرك» والطبراني في «الكبير» وفي «الدعاء» والبيهقي في «الأسماء والصفات» في «القضاء والقدر» والحارث في «المسند» والشاشي في «المسند» والضبي في «الدعاء» والحديث صححه الإمام الألباني في «الصحيحة» رقم (199).
    قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في «زاد المعاد» (4/140): «وليس لشفاء القلوب قط دواء أنفع من القرآن، فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقمًا إلا أبرأه، ويحفظ عليها صحتها المطلقة، ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر» اهـ.
    وقال رحمه الله في «الفوائد» (ص: 37-38): «ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته؛ سأل أن يكون ذهابها بالقرآن؛ فإنها أحرى أن لا تعود، وأما إذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد؛ فإنها تعود بذهاب ذلك، والمكروه الوارد على القلب: إن كان من أمر ماض؛ أحدث الحزن، وإن كان من مستقبل؛ أحدث الهم، وإن كان من أمر حاضر؛ أحدث الغم. والله أعلم» اهـ.
    وقال رحمه الله في «زاد المعاد» (4/297): «ثم سأله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع الذي يرتع فيه الحيوان، وكذلك القرآن ربيع القلوب؛ وأن يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء، ويعيد البدن إلى صحته واعتداله؛ وأن يجعله لحزنه كالجلاء الذي يجلو الطبوع والأصدئة وغيرها. فأَحْرِ بهذا العلاج إذا صدق العليل في استعماله أن يزيل عنه داءه، ويعقبه شفاءً تامًا وصحةً وعافيةً» اهـ.
    وقال العلامة عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله في «أثر الأذكار الشرعية في طرد الهم والغم» (ص 37-38): «ولهذا فأن العناية بالقرآن قراءة وتدبرًا وتطبيقًا هو أساس السعادة والفلاح وزوال الهموم والغموم، ولهذا ختم هدا الدعاء بقوله: «أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي»، إذا كان القرآن هذا شأنه في قلبك وهذا شأنه في صدرك، نور صدرك وربيع قلبك وجلاء حزنك وذهاب همك وغمك، هل الغموم والهموم تجد طريقًا إلى قلبك؟ هل لها مدخل إلى صدرك وفؤادك؟ لا، والله! لأنه معمور بالخير، والقلوب أوعية، فالقلب وعاء، إذا ملأته بالذكر والقرآن واستحضار عظمة الله؛ ما بقي لهذه الأمور أي مكان» اهـ.
    وطلب العلم المدعم بالكتاب والسنة يرفع ما يصيب القلب من هم وغم وكرب، ويعمل العلم على انشراح الصدر وسعادة القلب.
    قال العلامة ابن حزم رحمه الله في «الأخلاق والسير في مداواة النفوس» (ص: 27): «لو لم يكن من فائدة العلم والاشتغال به إلا أنه يقطع المشتغل به عن الوساوس المضنية، ومطارح الآمال التي لا تفيد غير الهم، وكفاية الأفكار المؤلمة للنفس: لكان ذلك أعظم داع إليه؛ فكيف وله من الفضائل ما يطول ذكره! ومن أقلها ما ذكرنا مما يحصل عليه طالب العلم» اهـ.
    ثم قال رحمه الله في «الأخلاق والسير في مداواة النفوس» (ص: 2728): «لو تدبر العالم في مرور ساعاته ماذا كفاه العلم من الذل بتسلط الجهال، ومن الهم بمغيب الحقائق عنه، ومن الغبطة بما قد بان له وجهه من الأمور الخفية عن غيره: لزاد حمدا لله عز وجل وغطبة بما لديه من العلم، ورغبة في المزيد منه» اهـ.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «الفتاوى الكبرى» (5/ 75): «والعالم المقبل على الطالب يحصل له أي للطالب لذة وطيب وسرور بسبب إقباله هذا وتوجهه، وهذا حال المحب مع المحبوب» اهـ.
    وقال رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (14/ 96): «والمقصود هنا أن من الذنوب ما يكون سببًا لخفاء العلم النافع أو بعضه؛ بل يكون سببًا لنسيان ما علم، ولاشتباه الحق بالباطل تقع الفتن بسبب ذلك.
    والله - سبحانه - كان أسكن آدم وزوجه الجنة، وقال لهما: {
    وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو}[البقرة: 35-36]، فكل عداوة كانت في ذريتهما وبلاء ومكروه تكون إلى قيام الساعة وفي النار يوم القيامة سببها الذنوب ومعصية الرب تعالى، فالإنسان إذا كان مقيمًا على طاعة الله باطنًا وظاهرًا كان في نعيم الإيمان والعلم وارد عليه من جهاته، وهو في جنة الدنيا، كما في الحديث: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا». قيل: وما رياض الجنة؟ قال: «مجالس الذكر»، وقال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»، فإنه كان يكون هنا في رياض العلم والإيمان» اهـ.
    وقال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (2/29): «العلم، فإنه يشرح الصدر، ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدورًا، وأوسعهم قلوبًا، وأحسنهم أخلاقًا، وأطيبهم عيشًا» اهـ.
    وقال رحمه الله في «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» (1/ 305-306): «وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم.
    ولهذا سمى الله تعالى كتابه شفاء لامراض الصدور، وقال الله تعالى:
    {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم منه وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس: 57].
    ولهذا السبب نسبة العلماء إلى القلوب كنسبة الأطباء إلى الأبدان، وما يقال للعلماء: «أطباء القلوب» فهو لقدر ما جامع بينهما، وإلا فالأمر أعظم من ذلك؛ فإن كثيرًا من الأمم يستغنون عن الأطباء، ولا يوجد الأطباء إلا في اليسير من البلاد، وقد يعيش الرجل عمره أو برهة منه لا يحتاج إلى طبيب، وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الموجود وروحه، ولا يستغنى عنهم طرفة عين.
    فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء، بل أعظم.
    وبالجملة؛ فالعلم للقلب مثل الماء للسمك، إذا فقده مات، فنسبة العلم إلى القلب كنسبة ضوء العين إليها، وكنسبة سمع الأذن إليها، وكنسبة كلام اللسان إليه؛ فإذا عدمه كان كالعين العمياء، والأذن الصّماء، واللّسان الأخرس.
    ولهذا يصف سبحانه أهل الجهل بالعمى والصمم والبكم، وذلك صفة قلوبهم، فقدت العلم النافع فبقيت على عماها وصممها وبكمها، قال الله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}[الإسراء: 72]، والمراد: عمى القلب في الدنيا، وقال الله تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم}[الإسراء: 97]، لأنهم هكذا كانوا في الدنيا، والعبد يبعث على ما مات عليه» اهـ.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله في ((مفتاح دار السعادة)) (1/ 297- 298): ((السعادة الحقيقية، وهي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلم النافع ثمرته؛ فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره، وفي دوره الثلاثة -أعني دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار-، وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال)) اهـ.
    وقال رحمه الله في «الداء والدواء» (ص: 459): «قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل: 97].
    وطيب الحياة جنة الدنيا.
    وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: 125].
    فأيّ نعيمٍ أطيبُ من شرح الصدر؟ وأيّ عذابٍ أمرُّ من ضيق الصدر؟ وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[يونس: 62-64].
    فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشًا، وأنعمهم بالًا، وأشرحهم صدرًا، وأسرّهم قلبًا. وهذه جنة عاجلة قبل الجنّة الآجلة.
    قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: «إذا مررتم برياض الجنّة فارتعوا». قالوا: وما رياض الجنّة؟ قال: «حِلَق الذكر» اهـ.
    قال بعض الحكماء: "من خلا بالعِلم لَم تُوحشه الخَلوة، ومن تسلَّى بالكتب لَم تفُته السَّلوة".

    أنست بمكتبي ولزمت بيتي :::: فطاب الأنس لي ونما السرور
    وأدبني الزمــان فـلا أبــالي :::: هجـــرت فــلا أزار ولا أزور

    وقيل:
    سهــري لتنقيح العــلوم ألذ لي :::: من وصـل غانية وطيب عناق
    وتمــايلي طـربا لحل عويصة :::: أشهى وأحلى من مدامة سـاقي
    وصرير أقلامي على أوراقها :::: أحــلى من الدوكــاء والعشـــاق
    وألـذ مــن نـقــر الفــتاة لـدفها :::: نقري لألقي الرمـل عن أوراقي

    عن ابن العميد قال: "ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة سليمان بن أحمد الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي فكان الطبراني يغلب الجعابي بكثرة حفظه وكان الجعابي يغلب الطبراني بفطنته وذكاء أهل بغداد حتى ارتفعت أصواتها ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هاته فقال: نا أبو خليفة نا سليمان بن أيوب وحدث بالحديث فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ومني سمع أبو خليفة فاسمع مني حتى يعلو إسنادك فإنك تروي عن أبي خليفة عني فخجل الجعابي وغلبه الطبراني، قال ابن العميد: فوددت في مكاني أن الوزارة والرئاسة ليتها لم تكن لي وكنت الطبراني، وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث أو كما قال". أخرجه الخطيب البغدادي في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) (2/ 274) (رقم: 1838) وأبو الطاهر السلفي في ((المشيخة البغدادية)) (ص: 83) وأبو بكر المراغي ((المشيخة)) (ص: 393).
    وقال العلامة عبد العزيز بن محمد السلمان رحمه الله في «موارد الظمآن لدروس الزمان» (4/ 651): «والحكمة موقظة للقلوب من سِنَةِ الغفلة ومنقذة للبصائر من سِنَةِ الحيرة ومحيية لها بإذن الله من موت الجهالة ومستخرجة لها من ضيق الضلالة لمن وفقه الله تعالى)) اهـ. ومن طرق تحصيل العلم الجلوس في حلق العلم التي بها جلاء للهم والغم.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)). أخرجه مسلم.
    قال العلامة النووي رحمه الله في «شرح على مسلم» (6/17/26): «قوله صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة» قيل: المراد بالسكينة هنا الرحمة، وهو الذي اختاره القاضي عياض، وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل الطمأنينة والوقار هو أحسن، وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور" اهـ. ومن طرق تحصيل العلم الرحلة في طلب العلم التي بها جلاء للهم والغم.
    قال الحافظُ الرامهرمزيُّ رحمه الله في «المحدِّثُ الفاضلُ» (ص: 218): «ولو عرف الطاعن على أهل الرحلة مقدار لذة الراحل في رحلته، ونشاطه عند فصوله من وطنه، واستلذاذ جميع جوارحه عند تصرف لحظاته في المناهل والمنازل، والبطنان والظواهر، والنظر إلى دساكر الأقطار وغياضها، وحدائقها ورياضها، وتصفح الوجوه، واستماع النغم، ومشاهدة ما لم ير من عجائب البلدان، واختلاف الألسنة والألوان، والاستراحة في أفياء الحيطان، وظلال الغيطان، والأكل في المساجد، والشرب من الأودية، والنوم حيث يدركه الليل، واستصحاب من يحب في ذات الله بسقوط الحشمة، وترك التصنع، وكنه ما يصل إلى قلبه من السرور عن ظفره ببغيته، ووصوله إلى مقصده، وهجومه على المجلس الذي شمر له، وقطع الشقة إليه - لعلم أن لذات الدنيا مجموعة في محاسن تلك المشاهد، وحلاوة تلك المناظر، واقتناء تلك الفوائد، التي هي عند أهلها أبهى من زهر الربيع، وأحلى من صوت المزامير، وأنفس من ذخائر العقيان» اهـ.
    فالعلم دواء وهو علاج للأمراض النفسية من هم وغم وكرب وحزن.
    هذا والله أعلم، وبالله التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    كتبه
    عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
    طرابلس الغرب: يوم الجمعة 17 ربيع الآخر سنة 1444 هـ
    الموافق 11 نوفمبر 2022 ف
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-01-10, 10:04 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X