إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المُثُلُ الجليَّة في بَيانِ أنَّ الهَوى والشهواتِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّة أو:الزَّواجِرُ الوَاعِظَات في التحذير من اتباع الشهوات في المسلسلات والقنوات.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [جديد] المُثُلُ الجليَّة في بَيانِ أنَّ الهَوى والشهواتِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّة أو:الزَّواجِرُ الوَاعِظَات في التحذير من اتباع الشهوات في المسلسلات والقنوات.

    بسم الله الرحمن الرحيم


    المُثُلُ الجليَّة في بَيانِ أنَّ الهَوى والشهواتِ أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّة.
    أو:
    الزَّواجِرُ الوَاعِظَات في التَّحذِيْرِ من اتِّبَاعِ الشَّهواتِ في المُسَلْسَلَات والقَنَواَت.
    (وَٱللَّهُ يرِيدُ أَن يتُوبَ عَلَيكُمۡ وَيرِيدُ ٱلَّذِينَ يتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَ⁠تِ أَن تَمِيلُوا۟ مَيلًا عَظِيما)[النساء]
    ــــــ . ــــــ



    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فمع مستهلِّ شهر الصِّيام، وفي بداية موسم القِيام؛ تنشرح صدور أهل الإيمان بما تراه من تنافس المُتنافسين في مضمار التِّعبد، وتُسَرُّ قلوبهم لما يعاينوه من سعي أهل الصَّلاح في ميدان التَّصبُّر والتَّجلُّد، تاركين وراءهم أهل الشَّهوات غارقين فيها، وأصحاب اللَّذات مستمسكين بها، ومجترحي السَّيئات مصرِّين عليها.
    يقول الله جل وعلا: (يرِيدُ ٱللَّهُ لِيبَينَ لَكُمۡ وَيهدِيكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبلِكُمۡ وَيتُوبَ عَلَيكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمࣱ وٱللَّهُ يرِيدُ أَن يتُوبَ عَلَيكُمۡ وَيرِيدُ ٱلَّذِينَ يتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَتِ أَن تَمِيلُوا۟ مَيلًا عَظِيما يرِيدُ ٱللَّهُ أَن يخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفا ) [النساء].
    قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: «يخبر تعالى بمنَّته العظيمة ومنحته الجسيمة، وحُسن تربيته لعباده المؤمنين وسهولة دينه فقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أي: جميع ما تحتاجون إلى بيانه من الحقِّ والباطل، والحلال والحرام، ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي: الذين أنعم الله عليهم من النَّبيِّين وأتباعهم، في سيرهم الحميدة، وأفعالهم السديدة، وشمائلهم الكاملة، وتوفيقهم التام. فلذلك نفَّذ ما أراده، ووضَّح لكم وبيَّن بيانًا كما بيَّن لمن قبلكم، وهداكم هدايةً عظيمةً في العلم والعمل.
    ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: يُلَطِّف لكم في أحوالكم وما شرعه لكم حتى تمكَّنوا من الوقوف على ما حدَّه الله، والاكتفاء بما أحلَّه فتقلَّ ذنوبكم بسبب ما يسَّر الله عليكم؛ فهذا من توبته على عباده. ومن توبته عليهم أنَّهم إذا أذنبوا فتح لهم أبواب الرحمة، وأوزع قلوبهم الإنابة إليه، والتذلُّل بين يديه، ثم يتوب عليهم بقبول ما وفَّقهم له. فله الحمد والشكر على ذلك...
    وقوله: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: توبة تلمُّ شَعَثَكُم، وتجمع متفرَّقكم، وتُقَرِّب بعيدكم.
    ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ أي: يميلون معها حيث مالت ويُقَدِّمونها على ما فيه رضا محبوبهم، ويعبدون أهواءهم، من أصناف الكفرة والعاصين، المقدِّمين لأهوائهم على طاعة ربهم، فهؤلاء يريدون ﴿أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ أي: أن تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين. يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان، وعن التزام حدودِ من السعادة كلُّها في امتثال أوامره، إلى مَنْ الشقاوةُ كلُّها في اتباعه. فإذا عرفتم أنَّ الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأنَّ هؤلاء المتَّبِعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الدَّاعيين، وتخيَّروا أحسن الطَّريقتين
    »[1]اهـ
    ومن إرادة هؤلاء العصاة لإمالة أهل الإيمان في رمضان وحرفهم عن الصراط المستقيم: أنَّهم يشرعون قبل أشهرٍ من رمضان في التَّحضير للمسلسلات، والتَّخطيط للمؤامرات، والتَّزيين للشهوات عبر الُّدشوش والهوائيات في استديوهاتٍ مغلقةٍ وقاعاتٍ منمَّقةٍ يجتهدون غاية جهدهم في عرضها بأساليب مشوِّقةٍ، وطرقٍ جذَّابةٍ لخطف القلوب المريضة، وسرقة النفوس المترددة.
    وآداءً لواجب البيان، وقيامًا بفرض النَّصيحة أردت في هذه الصفحات ذكر مفاسد المسلسلات وسوء مغبَّتها، وقبح عاقبتها أنقل عَقِبَها أمثلةً قرآنيَّةً لمن اتبع الشيطان إذ دعاه، فانغمس في شهواته وأخلد إلى أرض هواه، وفي ذلك أقول:
    إنَّ الله خلق الإنسان وامتنَّ عليه بنعمة العقل التي إذا استعملها في طاعته أورده منازل الأبرار، وأطلعه على شرفات الأخيار؛ ومن حسن استعماله تجنُّب القبيح إذا عرفه، والتزام المليح إذا تيقَّنه.
    ومن القبائح الشائعة، والرذائل المنتشرة: استفحال الشهوات المحرمة، وذيوع اللذات الممنوعة في وسائل التواصل، وقنوات التلفاز مع تعمُّد الزيادة في نشرها وتزيينها في المواسم الفاضلة والأوقات المباركة لصرف النَّاس عن طاعة ربهم وعبادة مولاهم رغم ما تحتويه من أضرارٍ وخيمةٍ، وآفاتٍ جسيمةٍ نذكر بعضها إجمالًا:
    أولا: وجود الموسيقى المحرَّمة والأغاني المجرمة التي هي بريد الزنا وقرآن الشيطان.
    ثانيا: اشتمالها على صور النَّساء المتكشِّفات المتبرِّجات المتزِّينات.
    ثالثا: الدعوة العملية للاختلاط بين الجنسين وترسيخ هذا المبدأ في قلوب الناشئة.
    رابعا: الترويج للمبادئ الفاسدة والأفكار الهدَّامة بشتَّى أنواعها.
    خامسا: إماتة القلب بكثرة الضحك تحت ستار الترويح عن النَّفس وإجمامها.
    سادسا: ترويع المسلم أو إغضابه ووضعه في موقفٍ محرجٍ.
    سابعا: اعتمادها على التمثيل المحتوي على الكذب وإلهاء الحاضرين، والتنقُّص للشخصيات الإسلاميَّة العظيمة، والتكلُّم بالكلام الكفريِّ عند تقمُّص أدوار الشخصيات الكافرة.
    ثامنا: تبذير الأموال في اقتنائها واستبدالها بين الفينة والأخرى.
    تاسعا: الإشغال عن الأعمال الفاضلة؛ كالصلاة في المساجد، وقراءة القرآن، ومطالعة الكتب، والتَّفرغ لقضاء حاجيات الأهل.
    عاشرا: قتل القيَّم الإسلاميّة، ووأد الأسس الدّينيّة.
    هذه عشرة أضرار كاملة مجملة، وغيرها كثير تجعل العاقل البصير ينأى بنفسه عن اقتراف المنكرات، وعدم ملامسة القاذورات.
    وعلى من ضعفت عنده قوته العقلية مرَّةً بعد مرَّةٍ أن يتأمَّل في أخبار الأمم الغابرة التي اتبعت الهوى، وأشربت الشهوة فصاحت بها صيحة العذاب، واجتمعت عليها أسباب العقاب؛ ومن أحسن من كتب في هذا فأبدع كعادته العلامة ابن القيم رحمه الله لما ذكر أنَّ سورة الأعراف من أولها إلى آخرها في ذكر حال أهل الهوى والشهوات وما آل إليه أمرهم فقال:
    «هذه والله بعض جنايات العشق على أصحابه لو كانوا يعقلون (فَتِلكَ بُيوتُهُمۡ خَاوِيةَۢ بِمَا ظَلَمُوۤا۟ۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَاية لِّقَوۡمࣲ يعلَمُونَ ) [النمل] يكفي اللبيب موعظةً واستبصارًا ما قصَّه الله سبحانه وتعالى عليه في سورة الأعراف في شأن أصحاب الهوى المذموم تحذيرًا واعتبارًا؛ فبدأ سبحانه وتعالى بهوى إبليس الحامل له على التكبُّر عن طاعة الله عز وجل في أمره بالسجود لآدم فحمله هوى النَّفس وإعجابه بها على أن عصى أمره وتكبَّر على طاعته، فكان من أمره ما كان، ثم ذكر سبحانه هوى آدم حين رغب في الخلود في الجنَّة وحمله هواه على أن أكل من الشجرة التي نُهِيَ عنها، وكان الحامل له على ذلك هوى النفس ومحبتها للخلود فكان عاقبة ذلك الهوى والشهوة إخراجه منها إلى دار التعب والنصب، وقيل: إنَّه إنَّما أكل منها طاعة لحوّاء فحمله حبُّه لها أن أطاعها ودخل في هواها، وإنَّما توصَّل إليه عدوّه من طريقها ودخل عليه من بابها؛ فأول فتنةٍ كانت في هذا العالم بسبب النَّساء.
    ثم ذكر سبحانه فتنة الكفار الذين أشركوا به ما لم ينزِّل به سلطانًا وابتدعوا في دينه ما لم يشرعه، وحرَّموا زينته التي أخرج لعباده، والطَّيبات من الرزق، وتعبَّدوا له بالفواحش، وزعموا أنَّه أمرهم بها، واتخذوا الشياطين أولياء من دونه؛ والحامل لهم على ذلك كلِّه الهوى، والحبُّ الفاسد، وعليه حاربوا رسله وكذَّبوا كتبه وبذلوا أنفسهم وأموالهم وأهليهم دونه حتى خسروا الدُّنيا والآخرة.
    ثم ذكر سبحانه وتعالى قصَّة قوم نوحٍ وما أصارهم إليه الهوى من الغرق في الدنيا ودخول النَّار في الآخرة، ثمَّ ذكر قصَّة عادٍ وما أفضى إليه بهم الهوى من الهلاك الفظيع والعقوبة المستمرة، ثمَّ قصَّة قوم صالحٍ كذلك، ثمَّ قصَّة العُشَّاق أئمة الفسَّاق وناكحي الذكران وتاركي النَّسوان وكيف أخذهم وهم في خوضهم يلعبون، وقطع دابرهم وهم في سكر عشقهم يعمهون، وكيف جمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أمَّةٍ من الأمم أجمعين، وجعلهم سلفًا لإخوانهم اللوطية من المتقدمين والمتأخرين؛ ولمَّا تجرأوا على هذه المعصية ومردوا ونهجوا لإخوانهم طريقًا وقاموا بأمرها وقعدوا ضجَّت الملائكة إلى الله من ذلك ضجيجًا، وعجَّت الأرض إلى ربها من هذا الأمر عجيجًا، وهربت الملائكة إلى أقطار السموات، وشكتهم إلى الله جميع المخلوقات، وهو سبحانه وتعالى قد حكم أنَّه لا يأخذ الظالمين إلا بعد إقامة الحجَّة عليهم والتقدُّم بالوعد والوعيد إليهم، فأرسل إليهم رسوله الكريم يحذِّرهم من سوء صنيعهم، وينذرهم عذابه الأليم فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدَّعوة على رؤوس الملإ منهم والأشهاد، وصاح بها بين أظهرهم في كل حاضرٍ وباد، وقال فكان في قوله لهم من أعظم الناصحين: ( أَتَأۡتُونَ ٱلفَـٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنَ ٱلعَـٰلَمِينَ)[الأعراف]، ثم أعاد لهم القول نصحًا وتحذيرًا وهم في سكرة عشقهم لا يعقلون ( إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهوَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنِّسَاۤءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمࣱ مُّسرِفُونَ) [الأعراف]، فأجاب العشاق جواب من أركس في هواه وغيِّه فقلبه بعشقه مفتون، و (أَخرِجُوۤا۟ ءَالَ لُوطࣲ مِّن قَرۡيتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسࣱ يتَطَهَّرُونَ)[النمل] فلمَّا أن حان الوقت المعلوم، وجاء ميقات نفوذ القدر المحتوم أرسل الرحمن تبارك وتعالى لتمام الإنعام والامتحان إلى بيت لوط ملائكةً في صورة البشر، وأجمل ما يكون من الصور، وجاءوه في صورة الأضياف النزول بذي الصدر الرحيب ( سِیۤءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعا وَقَالَ هَـٰذَا يوۡمٌ عَصِيبࣱ) [هود]، وجاء الصريخ إلى اللَّوطية أنَّ لوطًا قد نزل به شبابٌ لم ينظر إلى مثل حسنهم وجمالهم الناظرون، ولا رأى مثلهم الراؤون؛ فنادى اللُّوطية بعضهم يعضا أن هلموا إلى منزل لوط ففيه قضاء الشهوات، ونيل أكبر اللَّذات (وَجَاۤءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يهرَعُونَ إِلَيهِ وَمِن قَبلُ كَانُوا۟ يعمَلُونَ ٱلسَّياتِۚ)[هود:78]، فلمَّا دخلوا إليه وهجموا عليه قال لهم وهو كظيم من الهم والغم وقلبه بالحزن عميد (يقَوۡمِ هَـؤُلَاۤءِ بَنَاتِی هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخزُونِ فِی ضَيفِیۤۖ أَلَيسَ مِنكُمۡ رَجُلࣱ رَّشِيدࣱ) [هود]، فلمَّا سمع اللُّوطية مقاله أجابوه جواب الفاجر المجاهر العنيد ( لَقَدۡ عَلِمتَ مَا لَنَا فِی بَنَاتِكَ مِنۡ حَقࣲّ وَإِنَّكَ لَتَعلَمُ مَا نُرِيدُ)[هود]، فقال لهم لوطٌ مقالة المضطهد الوحيد (قَالَ لَوۡ أَنَّ لِی بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِیۤ إِلَىٰ رُكنࣲ شَدِيد) [هود] فلمَّا رأت رسل الله ما يقاسي نبيُّه من اللوطية كشفوا له عن حقيقة الحال وقالوا هون عليك (يـٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصِلُوۤا۟ إِلَيكَۖ ) [هود:81]، فسُرَّ نبيُّ الله سرور المحب وافاه الفرج بغتة على يد الحبيب، وقيل له (فَأَسرِ بِأَهلِكَ بِقِطعࣲ مِّنَ ٱلَّيلِ وَلَا يلتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَاۤ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبحُۚ أَلَيسَ ٱلصُّبحُ بِقَرِيبࣲ) [هود]، ولما أبوا إلا مراودته عن أضيافه ولم يرعوا حق الجار، ضرب جبريل بجناحه على وجوههم فطمس منهم الأعين وأعمى الأبصار، فخرجوا من عنده عميانًا يتحسَّسون، ويقولون ستعلم غدا ما يحل بك أيها المجنون، فلما انشقَّ عمود الصبح جاء النداء من عند رب الأرباب أن اخسف بالأمة اللوطية وأذقهم أليم العذاب؛ فاقتلع القويُّ الأمين جبريل مدائنهم على ريشة من جناحه، ورفعها في الجو حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، وأتبعوا الحجارة من سجيل وهو الطين المستحجر الشديد، وخوَّف سبحانه إخوانهم على لسان رسوله من هذا الوعيد فقال تعالى:( فَلَمَّا جَاۤءَ أَمرُنَا جَعَلنَا عَـٰلِيهَا سَافِلَهَا وَأَمطَرۡنَا عَلَيهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّيلࣲ مَّنضُودࣲ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدࣲ) [هود]؛ فهذه عاقبة اللُّوطية عشاق الصور، وهم السلف وإخوانهم بعدهم على الأثر...
    وكذلك قوم شعيب إنَّما حملهم على بخس المكيال والميزان فرط محبتهم للمال، وغلبهم الهوى على طاعة نبيهم حتى أصابهم العذاب، وكذلك قوم فرعون حملهم الهوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى حتى آل بهم الأمر إلى ما آل، وكذلك أهل السبت الذين مسخوا قردة إنَّما أُتُوا من جهة محبَّة الحيتان وشهوة أكلها والحرص عليها، وكذلك الذي آتاه الرب تبارك وتعالى آياته ( فَٱنسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ ٱلشَّيطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلغَاوِينَ) [الأعراف]، وقال تعالى:( وَلَوۡ شِئنَا لَرَفَعنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُۥۤ أَخلَدَ إِلَى ٱلأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلكَلبِ إِن تَحمِلۡ عَلَيهِ يلهَثۡ أَوۡ تَترُكهُ يلهَثۚ) [الأعراف:176]، وتأمَّل قوله تعالى: (ءَاتَينَـٰهُ ءَايـٰتِنَا
    )؛ فأخبر أنَّ ذلك إنَّما حصل له بإيتاء الربِّ له لا بتحصيله هو، ثم قال: (فَٱنسَلَخَ مِنهَا) ولم يقل: فسلخناه بل أضاف الانسلاخ إليه وعبَّر عن براءته منها بلفظة الانسلاخ الَّدالة على تخلِّيه عنها بالكلية، وهذا شأن الكافر وأما المؤمن ولو عصى الله تبارك وتعالى ما عصاه فإنَّه لا ينسلخ من الإيمان بالكليَّة، ثم قال:( فَأَتبَعَهُ ٱلشَّيطَـٰنُ) ولم يقل: فتبعه فإنَّ في أتبعه إعلامًا بأنَّه أدركه ولحقه كما قال الله تعالى:(فَأَتبَعُوهُم مُّشرِقينَ) [الشعراء] أي لحقوهم ووصلوا إليهم، ثم قال:(وَلَوۡ شِئنَا لَرَفَعنَـٰهُ)؛ ففي ذلك دليلٌ على أنَّ مجرد العلم لا يرفع صاحبه؛ فهذا قد أخبر الله سبحانه أنَّه آتاه آياته ولم يرفعه بها؛ فالرفعة بالعلم قدرٌ زائدٌ على مجرَّد تعلمه، ثم أخبر الله عز وجل عن السبب الذي منعه أن يرفع بها، فقال (وَلَـٰكِنَّهُۥۤ أَخلَدَ إِلَى ٱلأَرۡضِ) وقوله: (أَخلَدَ إِلَى ٱلأَرۡضِ) أي سكن إليها ونزل بطبعه إليها؛ فكانت نفسه أرضيَّةً سفليَّةً لا سماويَّةً علويَّةً وبحسب ما يخلد العبد إلى الأرض يهبط من السماء...
    والمقصود أن هذه السورة من أولها إلى آخرها في ذكر حال أهل الهوى والشهوات وما آل إليه أمرهم فالعشق والهوى أصل كل بلية
    »[2]اهـ.

    فنسأل الله جل في علاه أن يقينا مصارع القوم، وأن يرزقنا الاعتبار بحالهم والادكار بمآلهم؛ وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    * * *


    ــــــــــــــــــــــــــ
    [1] تيسير الكريم الرحمن، (ص298).
    [2] روضة المحبين، (ص283-289).
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-04-18, 06:43 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X