إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التنبيه على خطأ شائع عند تفسير قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التنبيه على خطأ شائع عند تفسير قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]

    بسم الله الرحمن الرحيم


    التنبيه على خطأ شائع
    عند تفسير قوله تعالى:
    {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}
    ــ . ــ


    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
    أما بعد: فقد اشتهر عند كثير من المفسرين قديما وحديثا عند تفسيرهم لقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى 66}[طه] أن حيلة سحرة فرعون في سعي الحبال والعصيّ هو أنهم طَلَوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقا أيضا وألقوها على الأرض فلما أثر حر الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض حتى تخيل الناس أنها حيات.
    • وقد رد العلامة ابن القيم هذا القول من وجوه كثيرة، فقال رحمه الله: «قال تعالى عن سحرة فرعون إنهم {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}[الأعراف: 116] فبيَّن سبحانه أن أعينهم سُحِرَتْ، وذلك إما أن يكونَ لتغيير حصل في المرئي، وهو الحبال والعِصِي، مثل أن يكون السَّحَرَةُ استعانت بأرواح حَرَّكَتْها، وهي الشياطينُ، فظنُّوا أنها تحرَّكت بأنفسها، وهذا كما إذا جرَّ من لا يراه حصيرًا أو بساطًا فترى الحصير والبساط ينجرُّ، ولا ترى الجارَّ له، مع أنه هو الذي يجرُّه، فهكذا حالُ الحِبالُ والعِصِيّ التبستها الشياطينُ فقَلَّبتها كتقلُّب الحَيَّة فظنَّ الرائي أنها تقلَّبَتْ بأنفسِها، والشياطينُ هم الذين يقلِّبونها.
    وإما أن يكونَ التغيُّرُ حَدَثَ في الرائي حتى رأى الحبال والعِصِيَّ تَتَحَرَّكُ وهي ساكنةٌ في أنفسها، ولا ريبَ أن الساحر يفعلُ هذا وهذا، فتارة يتصرَّفُ في نفس الرَّائي وإحساسه حتى يُرِيه الشيءَ بخلاف ما هو به، وتارة يتصرَّف في المرئي باستعانته بالأرواح الشيطانية حتى يتصرَّف فيها[1].
    وأما ما يقوله المنكرون من أنهم فعلوا في الحبال والعِصِيِّ ما أَوْجَبَ حَرَكَتَهَا ومَشْيَهَا مثل الزئبق وغيره حتى سعت فهذا باطل من وجوه كثيرة:
    • فإنه لو كان كذلك لم يكنْ هذا خيالًا بل حركة حقيقية، ولم يكنْ ذلك سَحْرًا لأعينِ النَّاسِ، ولا يسمَّى ذلك سِحْرًا، بل صناعة من الصناعات المشتركة، وقد قال تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} ولو كانت تحركت بنوع حيلة -كما يقوله المنكرون- لم يكن هذا من السحر في شيء، ومثل هذا لا يخفى.
    • وأيضًا: لو كان ذلك بحيلة -كما قال هؤلاء- لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزِّئبق وبيان ذلك المحال، ولم يحتجْ إلى إلقاء العصا لابتلاعها.
    • وأيضًا: فمثل هذه الحيلة لا يحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة، بل يكفي فيها حُذَّاق الصُّنَّاع، ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة وخضوعه لهم ووعدهم بالتقريب والأجر.
    • وأيضًا: فإنه لا يقالُ في ذلك: {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}[طه: 71]، فإن الصناعات يشتركُ الناس في تعلُّمها وتعليمها، وبالجملة فبطلانُ هذا أظهرُ من أن يتكلف رده»اهــ [بدائع الفوائد (2/227-228)]
    • قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في الدرر السنية: «قد ذكر ابن القيم رحمه الله في «بدائع الفوائد» ما معناه: أن سحر سحرة فرعون من باب الشعبذة والتخييلات، كما قال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، وقال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}، فذكر أنهم سحروا أعين الناس، وخيلوا إليهم بسحرهم أنها تسعى، وهذا بخلاف جعل الزئبق، في الحبال، والعصي، فإنه صناعة من الصناعات؛ ورد رحمه الله قول من قال من المفسرين: إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقا، لأن هذا صناعة من الصناعات، ليس من باب الشعبذة، ولا من باب التخييل»[2].
    والحمدُ لله ربِّ العالَمِين، وصَلَّى اللهُ على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
    وكتب:
    أبو معاذ طارق بن محمد سرايش الجزائري
    19 شعبان 1443هـ


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] خلاصة ما قرره العلامة ابن القيم رحمه الله في هذه الجملة: أن سحر سحرة فرعون كان بأحد أمرين: إما أن السحرة استعانت بالشياطين فحَرَّكَتْ الحبال والعصي.
    وإما أن يكونَ التغيُّرُ حَدَثَ في عين الرائي حتى رأى الحبال والعِصِيَّ تَتَحَرَّكُ وهي ساكنةٌ في أنفسها فالسحر قد يحصل في العين نفسها، فالعين ترى حصول الشيء وهو لم يحصل. فهذا هو التقرير السليم الذي ينسجم مع ظاهر الأدلة.
    [2] الدرر السنية في الأجوبة النجدية (10/ 479).

    * * *
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-03-22, 08:56 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X