إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إلجام المعتدي الجاني على المنهج الرباني 

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إلجام المعتدي الجاني على المنهج الرباني 

    بسم الله الرحمن الرحيم



    إلجام المعتدي الجاني على المنهج الرباني




    الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
    فمنذ أرسل الله رسله بالهدى ودين الحق، وأعداؤه يحاربونه ويسعون لإخماد نوره فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا، لحفظ الله هذه الشريعة الغراء فقد قال تعالى مبينا مسعاهم (يرِيدُونَ لِيطفِئوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفوَهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلكَـٰفِرُونَ) فنور الله هو دينه وحججه ورسوله صلى الله عليه وسلم أي هو هذا الإسلام العظيم الذي لا يرتضي الله غيره، وجاء في قولٍ أن ما جاء في الآية هو مثل يُضرب لمن أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجد أنه يستحيل ذلك كذالك حال من أراد إطفاء نور الحق [انظر تفسير القرطبي ج١٨ /٨٥]، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سيكون في آخر الزمان غريبا كما بدأ، كما جاء في صحيح مسلم (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء) {صحيح مسلم ١٤٥} أي سيكون هناك قلة من الناس من يلتزم هذا الدين ويُعمله على ما كان عليه في بادئ الأمر وهم الغرباء، قال العلامة ابن باز في تعليقه على هذا الحديث: (وسيعود غريبا في آخر الزمان كما بدأ لا يعرفه حق المعرفة إلا القليل من الناس ولا يعمل به على الوجه المشروع إلا القليل من الناس وهم الغرباء) [مجموع فتاوى ابن باز٢٥/ ١٠٥]
    وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك فئاما من أمته يبقون منصورين ظاهرين على الحق ومتمسكين به رغم محاربة الأعداء والمخالفين له، جاء في سنن ابن ماجه (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة){صحيح ابن ماجه ٦ } وعند مسلم: (يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة){صحيح مسلم ١٩٢٣} وفي صحيح الجامع: (لا يضرهم من خالفهم){صحيح الجامع ٧٢٩٥ }.
    فإن الإسلام ودعوة الحق محاربةٌ من الخالفين كفارا كانوا أو مبتدعة ضلالا أو مخذلة ضائعين، إلا أن الحق والإسلام محفوظ بحفظ الله عز وجل.
    ومن قبيل هذه المحاربة ما صدر في أحد الجرائد التي مرت بي وهي تسعى إلى إطفاء نور الحق وإخماده وأنّى لها ذلك، إذ نشرت مقالا لأحد المنتسبين إلى العلم زورا وقد اغتر بما حصله من شهادات أكاديمية فعنوَن له بـ: "أنقذوا الجامعة من جحيم السلفية الشاذة"!!

    فعزمت-بإذن الله- من خلال هذه الأسطر أن أقطع الطريق على المفسدين وأخرب مخطط التشويه لمنهج أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح.
    قررت بيان أصل كلمة السلف ومشروعية التسمي بها، وأيضا إظهار بعض تناقضات و تلبيسات الكاتب فيما سودته أنامله، وكشف بعض التلاعبات التي حاول من خلالها استمالة القارئ وتضليل طريقه.

    أبدأُ مستعينا بالله:
    إن مادة (س ل ف) تأتي على معان في اللغة : فتأتي بمعنى تسوية الأرض، فيقال سَلَفَ الأرض أي سواها بالمسلفة وهذه لغة اليمن.
    وتأتي بمعنى القرض، ولها معنيان آخران: الأول: بمعنى ما مضى من عمل صالح.
    والثاني: بمعنى من تقدم من الآباء قال الشاعر :
    مضوا سلفا قصد السبيل عليهم :::: وصرف المنايا بالرجال تقلب.
    ( تاج العروس ج٢٣ /٤٥٣-٤٥٤)



    وأما معنى السلف في الاصطلاح: فيقصد كل من مضى من القرون الثلاثة التي أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أهلها كما جاء في الحديث: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ){أخرجه البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣) مطولاً}.
    وجاء في بعض كلام الأوزاعي ما يؤكد هذا المعنى حيث قال: (لو كان خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم، فإنه لم يُدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم، وهم أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذين اختارهم له…) [الشريعة للآجري ج٢/ ٦٧٥]، وأتى أيضا في بعض كلام العلامة العثيمين رحمه الله ما يثبت أن السلف هم الصحابة والتابعون وتابعوهم حيث قال: ( يعني أن الإجماع الذي يمكن ضبطه والإحاطة به هو ما كان عليه السلف الصالح وهم القرون الثلاثة، الصحابة والتابعون وتابعوهم.) [شرح الواسطية ص٦٤٨] بهذا يتبين لنا أصل كلمة السلفية، فهي نسبة إلى من سلف من علماء وأئمة الإسلام.

    كما أن هذه التسمية-السلفيةُ- قد ثبت استعمالها عند الأئمة فقد أثبت الذهبي هذه التسمية عند ترجمته للدارقطني وابن الصلاح، حيث قال في معرض ترجمته للدارقطني: "لم يدخل الرجل أبدا في علم الكلام ولا الجدال ولا خاض في ذلك بل كان سلفيا" [سير أعلام النبلاء (١٦/ ٤٥٧)].
    وقال في معرض ترجمته لابن الصلاح: "كان سلفيا حسن الاعتقاد كافا عن تأويل المتكلمين مؤمنا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا متعمق. ( تذكرة الحفاظ ٤/ ١٤٣١)
    وبهذا يتضح أن هذه التسمية ليست محدثة لحزب أو جماعة معينة بل قد عُهد استعمالها عن الأئمة الأعلام.
    ثم إن الحاجة والضرورة ألجأت إلى التسمي بالسلفية حتى يتميز أهل السنة والجماعة وتعرف الفرقة الناجية من المنتسبين إليهم كذبا وزورا، فكثير من الطوائف المنحرفة نسبة نفسها لأهل الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الصدد: "فالمقصود هنا: أن المشهورين من الطوائف -بين أهل السنة والجماعة العامة- بالبدعة ليسوا منتحلين للسلف، بل أشهر الطوائف بالبدعة الرافضة، حتى إن العامة لا تعرف من شعائر البدع إلا الرفض، والسني في اصطلاحهم من لا يكون رافضيا، وذلك لأنهم أكثر مخالفة للأحاديث النبوية و لمعاني القرآن، وأكثر قدحا في سلف الأمة وأئمتها، وطعنا في جمهور الأمة من جميع الطوائف، فلما كانوا أبعد عن متابعة السلف كانو أشهر بالبدعة، فعلم أن شعار أهل البدع هو: ترك انتحال اتباع السلف". (مجموع الفتاوى ٤/ ١٥٥- ١٥٦) فبهذا يتبين صحة التسمي بالسلفية وضرورة ذلك.
    ثم إن صاحب المقال قسم السلفية إلى قسمين لا أصل لهما عند السلف وهما (السلفية العلمية والسلفية الجهادية)، وجعل السلفية العلمية هي مشرب السلفية الجهادية من حيث الأفكار وهنا خلط وخبط و تناقض عظيم.
    يظهر تناقضه في قوله: (السلفية العلمية الموالية للأنظمة الظالمة العميلة للغرب) ثم يصفها أنها هي المنبع الفكري للسلفية الجهادية -حسب تقسيمه المزعوم-.
    فما ينقض كلامه أنه كيف يمكن لمن كان مواليا لهذه الأنظمة-حسب تقريره- أن يكون منشأً لفكرٍ مبناه على معاداتها ومحاربتها؟!
    إذ هذا من قبيل جمع المتناقضات وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا بقوله: (وكل قول يتضمن جمع النقيضين وإثبات الشيء ونفيه، أو رفع النقيضين الإثبات والنفي فهو باطل) [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح٤/٤٦٥].
    ثم إن مما سبق من كلامه يظهر جليا أنه ملطخ بفكر الخوارج الأخباث حيث قال: (السلفية العلمية الموالية للأنظمة الظالمة العميلة للغرب). وهذه المصطلحات كثيرا ما يستعملها الخوارج والإخوانيون.
    ويزيد في إيضاح بطلان تخرسه المفارقة العظيمة والبون الشاسع بين المنهج السلفي ومنهج الخوارج المسمى زورا بالسلفية الجهادية في أصل عظيم ألا وهو طاعة ولاة الأمور في المعروف، والأدلة على صحة منهج أهل السنة والجماعة السلفيين كثيرة متضافرة.
    أما من الكتاب فقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) ساق الطبري بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه في معنى الآية قال: (هم الأمراء)[انظر: تفسير الطبري ج٧/ ١٧٤-١٨٨ ]، وأورد أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى أميري فقد عصاني)[أخرجه البخاري (٧١٣٧)، ومسلم (١٨٣٥)، والنسائي (٤١٩٣)، وابن ماجه (٣)، وأحمد (٨٥٠٥) واللفظ له].
    أما من السنة فقد جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطعت){أخرجه ابن ماجه (٢٨٦٨)، وأحمد (١٢٩٢١) واللفظ له}.
    وجاء عند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان-رضي الله عنه-: (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع){صحيح مسلم ١٨٤٧}، قال النووي في تعليقه على الحديث: "وفي حديث حذيفة هذا لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ،ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية)(المنهاج ج٣٣ /٢٥٥).
    قال الطبري في هذا الصدد: (فإذ كان معلومًا أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله:"أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" بطاعة ذَوِي أمرنا كان معلومًا أن الذين أمرَ بطاعتهم تعالى ذكره من ذوي أمرنا، هم الأئمة ومن ولَّوْه المسلمين، دون غيرهم من الناس، وإن كان فرضًا القبول من كل من أمر بترك معصية الله ودعا إلى طاعة الله، وأنه لا طاعة تجب لأحد فيما أمر ونهى فيما لم تقم حجة وجوبه، إلا للأئمة الذين ألزم الله عباده طاعتهم فيما أمروا به رعيتهم مما هو مصلحة لعامة الرعيّة، فإن على من أمروه بذلك طاعتهم، وكذلك في كل ما لم يكن لله معصية){تفسير الطبري ج٧/ ١٧٤-١٨٨ }.
    فمن خلال ما تقدم يظهر جليا تناقض صاحب المقال في كلامه وتظهر المفارقة بين المنهج السلفي ومنهج الخوارج المسمى بالسلفية الجهادية.
    هذا ولا وجه لتشويه السلفية وتصويرها أنها طريقة دخيلة أو جماعة محدثة، فحتى علماء بلدنا كانوا ينتهجون المنهج السلفي ويدافعون عنه ويردون على من حاول أن يشوهَه قال العلامة ابن باديس-رحمه الله-: (وليعلم النَاقمون على السَّلفيَّة النَاظرُون إليها نظرَ السَّاخِطين ، ليعلمُوا أنَّ السَّلفيَّة هي المرجعيَّة الدِّينيَّة للجزائريِّين، وهي الدَّعوةُ الأصليةُ في هذه الدِّيار ، لا كما يُحَاوِلُهُ مَنْ يَطْمِسُ الحَقَائقَ ويَعْمَى ويَصِمُّ عن الدَّلائل وَيولِّيها ظَهْرَهُ ، فيزعُمُ بأنَّها وافِدٌ دخيلٌ وجسمٌ غريبٌ في الأمَّة الجزائريَّة وخطرٌ دَاهَمَ ديارنَا وغَزْوٌ حَلَّ مَحلَّ أَصالتِنَا ، لا والله ، إذا كان هؤلاء يُرَدِّدُون في كلِّ مَناسبةٍ وبلا مُناسبةٍ أنَّهم لا يُريدون إلاَّ مذهبَ الإمام مالكٍ والطَّريقة المالكيَّة ، فإننا نقولُ لهم هاتُوا لنا مذهبَ الإمام مالكٍ ، فلا نجِدَهُ إلاَّ إمَامًا في السَّلفيَّة الحَقَّة ومَتْبُوعًا مِن كبار المتبُوعين في هذه الطَّريقةِ الشَريفةِ ، ولْنَعْرِضْ بَعْدُ مَن كان صادق الاتباعِ صحيحَ النِّسبةِ إلى هذا الإمام ، ممّن يَتمَوَّهُ بالنِّسبة إليه ، ومَنْ يُغطِّي انحرافَهُ عنِ السُّنَّةِ بالانتِماء إلى إمامِ السُّنَّة). مجلة «الشهاب» صفحة (٩٨).

    هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    كتبه:
    أبو إياد عماد درغاوي
    يوم ٢٣ /٠٧ /1443هـ الموافق ٢٤ /٠٢ /2022م
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2022-02-28, 08:29 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X