إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هنيئاً لك أيُّها الصائم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هنيئاً لك أيُّها الصائم





    هنيئاً لك أيُّها الصائم


    إنَّ الحمد لله، نحمده ونَسْتعينُه ونَسْتغفِرُه، ونعوذ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنا، ومِنْ سَيِّئات أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أنَّ محمَّدًا عَبْدُه ورسولُه؛ أمَّا بعد:

    فإن الصيام عبادة عظيمة شرعها الله لهذه الأمة ولمن كان قبلها. واختصها فنسبها إلى نفسه دون العبادات الأخرى، لما في هذه الفريضة الجليلة من خاصية ما لا توجد في باقي العبادات. فالصوم هو العبادة الوحيدة التي لم يُعبد بها غير الله عزّ وجل. أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»[1].

    ولهذا كان الصائم كريم النفس، عالي الهمة، قوي العزيمة في صومه؛ يعلم أن صومه لله تعالى. فتحمل حينها كل مشقة وكل أذى؛ لأجل إكمال صومه على الوجه الذي يرتضيه ربّه عز وجل. متذكرا مستشعرا نعم الله تعالى عليه. طامعا في واسع فضله وعظيم رحمته التي وسعت كل شيء. ( وكلما قوي طمع العبد في فضل الله، لقضاء حاجته ودفع ضرورته؛ قويت عبوديته له؛ فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له فيأسه منه يوجب غنى قلبه )[2].

    والله جل حلاله لكمال جوده وكرمه إن سابقناه إلى الخير فهو به منا سبحانه وتعالى أسبق. ومن سارع إلى الخيرات فالله إليه بالتوفيق والهداية والعناية أسرع . فـ ﴿ مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [3] وزيادة .
    فعن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «يقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَن جَاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَن جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا، أَوْ أَغْفِرُ وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ منه ذِرَاعًا، وَمَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ منه بَاعًا، وَمَن أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَن لَقِيَنِي بقُرَابِ الأرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بي شيئًا لَقِيتُهُ بمِثْلِهَا مَغْفِرَةً»[4].

    فهنيئا لك يا عبد الله على هذا الفضل العظيم بإدراكك شهر رمضان، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله[5]؛ وحق لك أن تفرح بذلك. كيف لا وقد تصرمت دونه أعمار ، وقضيت من قبله آجال . يتمنى أهلها اليوم أن لو كانوا معنا في شهرنا ليستدركوا ما نحن اليوم عنه غافلون. قال الإمام ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى - : إن غاية أمنيَّةِ الموتى في قبورِهم حياةُ ساعةٍ يستدركون فيها ما فاتهم من توبة وعملٍ صالحِ، وأهلُ الدنيا يفرِّطون في حياتِهم فتذهبُ أعمارُهم في الغفْلَّةَ ضياعًا، ومنهم من يقطَعُها بالمعاصي.[6]
    أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه :أنَّ رَجُلَينِ قَدِمَا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامُهُما جميعًا، وكان أحدُهُما أَشدَّ اجتِهادًا مِن صاحبِه، فغَزَا المُجتهِدُ منهُما فاستُشهِدَ، ثمَّ مَكَثَ الآخرُ بَعدَه سَنةً ثمَّ تُوُفِّيَ. قال طَلحةُ: فرأيْتُ فيما يَرى النَّائمُ، كأنِّي عِندَ بابِ الجَنَّةِ، إذا أنا بهِما وقد خَرَجَ خارِجٌ مِنَ الجَنَّةِ، فأَذِنَ للَّذي تُوُفِّيَ الآخِرَ منهُما، ثمَّ خَرَجَ فأَذِنَ للَّذي استُشهِدَ، ثمَّ رَجَعَا إليَّ، فقالَا لي: ارجِعْ؛ فإنَّه لمْ يَأْنِ لكَ بَعدُ. فأَصبَحَ طَلحةُ يُحدِّثُ به النَّاسَ، فعَجِبوا لذلكَ! فبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فقال: «مِن أيِّ ذلكَ تَعجَبون؟!» قالوا: يا رسولَ اللهِ، هذا كان أَشدَّ اجتِهادًا، ثمَّ استُشهِدَ في سبيلِ اللهِ، ودَخَلَ هذا الجَنَّةَ قَبْلَه! فقال: « أليس قد مَكَثَ هذا بَعدَه سَنةً؟» قالوا: بلى، قال: «وأَدرَكَ رمضانَ فصامَه؟» قالوا: بلى، قال: «وصَلَّى كذا وكذا سَجدةً في السَّنَةِ؟» قالوا: بلى، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «فلَمَا بيْنهُما أَبْعَدُ ما بيْن السَّماءِ والأرضِ»[7].

    هنيئا لك بدعوات وعدك ربك فيها بالإجابة بعد توفيقه بأن أتَّم لك صيام شهرك ؛فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ،الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» [8].
    قال المناوي -رحمه الله- : دعوة الصائم حتى يفطر. ومراده كامل الصوم الذي صان جميع جوارحه عن المخالفات ، فيجاب دعاؤه لطهارة جسده بمخالفة هواه[9].
    هنيئا لك يا من فطّرت الصائم ولو بتمرة واحدة أن كُتب لك أجره من غير أن ينقص شيء من أجره ؛ هذا فضل الله تعالى على عباده. فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا »[10].

    هنيئا لك فطرك في يومك ، وحري بك أن تفرح بعيدك بعد تمام شهرك ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ ؛ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ »[11].
    قال البيهقي -رحمه الله تعالى-: فرحة عند إفطاره بما يجب له من الثواب الذي لا يعلمه إلا الله أو يأذن له في الإفطار ولم يأذن له في وصل الليل بالنهار فيتعجل هلاكه ؛ وفرحة يوم القيامة بما يصل إليه من الثواب[12].

    هنيئا لك الشفاعة يوم القيامة ؛ بفضل الله ورحمته. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ . قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ»[13]. قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله : من صان الصيام وأتقنه كان شافعًا له. إهــ[14]
    فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أولا يختص كشهوة فضول الكلام المحرمة، والنظر المحرم والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة،ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته،فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني.[15]

    هنيئا لك لقاء ربك وفرحك بما تجده عنده مدخرا ؛فالأيام خزائن بما خزّنه الناس فيها من خير وشر ، ويوم القيامة تفتح الخزائن لأهلها ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[16] .
    فهنيئا لك أيها الصائم صومك و فطرك
    وتقبل الله منا ومنكم

    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    عين مران ؛ ليلة الخميس ١٧ من رمضان ١٤٤٢



    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1]- البخاري (١٧٦١) ؛ ومسلم (١۹٤٦).
    [2]- مجموع الفتاوى لابن تيمية ( ٦ / ١٠٣) .
    [3]- [ الأنعام ١٠٦ ].
    [4]- مسلم (٢٦٨٧).
    [5]- الترمذي (٢٣٣٠).
    [6]- لطائف المعارف لابن رجب (ص: ٣٣۹).
    [7]- صحيح الترغيب والترهيب للألباني رقم (٣٧٢).
    [8]- الترمذي (٢٥٢٦) ، وجاء عند أحمد (٨٠٣٠) : «وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ».
    [9]- فيض القدير للمناوي (٣/ ٣٠٠).
    [10]- الترمذي ( ٨٠٧).
    [11]- مسلم (١١٥١)، وفي رواية عند أحمد (٨٣٤٥) : «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ إِفْطَارِهِ وَفَرْحَةٌ فِي الْآخِرَةِ ».
    [12]- شعب الإيمان للبيهقي ( ٣/٢٣٥).
    [13] - صححه الألباني في "صحيح الجامع" (٧٣٢۹).
    [14]- نور على الدرب؛ معنى أن القرآن والصيام يشفعان.
    [15] - لطائف المعرف لابن رجب (١۹٢).
    [16] - [ الزلزلة ٧ ، ٨].

    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-05-11, 12:46 PM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X