إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خَيرُ الغيم فِي ذكر بعض مآثر أمُّ سليم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خَيرُ الغيم فِي ذكر بعض مآثر أمُّ سليم

    بسم الله الرحمن الرحيم


    خَيرُ الغيم فِي ذكر بعض مآثر أمُّ سليم


    الحمدُ للهِ فِي كلِّ وقت وحِين وصلَّىٰ الله وسلَّم وبارك علىٰ المَبعوث رحمةً للعالمِين وعلىٰ آلهِ وأصحابهِ ومن اتبعهُم بإحسان إلىٰ يوم الدِّين.

    أمَّا بعدُ:

    فإنَّ بذكر أحوال التُّقاة يُحفَّزُ الإنسان وبتذاكرِ سيرهِم تنزلُ رحمة الرَّحمن إذ أنهم يذكرُون بذكره ويعرفُون بعبادتهِ وقد كان من دأب أئمة الأمة في تنصيف مصنفاتهم ذكر مآثر وآثار الأبرار إيقاظًا لهمم أولِي الأبصار وحثًّا لهُم علىٰ التَّشبُّهِ بالأخيار لذا كان من فقهِ البخاري فِي صحيحهِ أن بوَّب فقال: (باب الخروج في طلب العلم: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد)(1) فهذا من خيرة الأمثلة علىٰ علوِّ الهمَّة فإنَّ أصحاب مُحمَّد -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم- شيبًا وشبابا كهولًا وصغارا رجالا ونساء ضربُوا عظيم الأمثلة في التسابق للخير والتزوُّد منهُ -فرضي اللهُ عنهم وارضاهُم-.
    ولمَّا كان ذلك أحببتُ فِي هذا السِّفر تسليط الضوء علىٰ شيء من سيرة امرأة من الرَّعيل الأول عابدةٌ تقيَّة صَّحابيةٌ زكيَّة وهِي أمُّ سليمٍ الأنصارية الخزجيَّة.

    فإنَّ من أجل من تُتذاكَرُ سِيرهم وتُعرف أحوالهُم هُم أصحابُ مُحمَّد -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم- خيار أمتهِ بعده ففي فضلهم وردت الآيات وفي إجلالهم وردت الأحاديث قال سُبحانهُ: ﴿ والسَّابِقُون الأولُون من المهاجرِين والأنصار والَّذين اتبعُوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضُوا عنهُ...الآية﴾ وفي الحديث أنَّ رسُول الله -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: [لا تسبُّوا أَصحابي فو الَّذي نفسي بيده‍ لو أَنَّ أَحدكم أَنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفهُ](2).
    فأمُّ سُليم هِي: بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية(3).
    من بني النَّجار وهم أخوال رسُول الله -صلَّىٰ اللهُ عليهِ وسلَّم- وقد قال النووي: قد قدَّمنا فِي كتاب الجهاد عند ذكر أم حرام أخت أمُّ سليم أنهما كانتَا خالتين لرسول الله ﷺ محرمين إمَّا من الرضاع وإمَّا من النسب فتحل له الخلوة بهما وكان يدخل عليهما خاصَّة لا يدخل علىٰ غيرهما من النساء إلا أزواجه(4).
    قال الذهبي اختلف في اسمها فقِيل: الغميصاء والرميصاء وأنيفة وسهلة ورميثة وصدَّر ترجمتهُ لها باسم الغميصاء(5).
    واختار الأصفهاني الرميصاء فقال: الرميصاء أمُّ سليم(6).
    قلتُ: ولم يعرف اسمها علىٰ وجهِ التحقيق.
    كانت -رضوان الله عليها- زوجةً لمالك بن النظر والد الصَّحابيين أنس والبراء قال ابن عبد البر: لما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها وعرضت الإسلام علىٰ زوجها فغضب عليها وخرج إلىٰ الشام فهلك هناك(7).
    ثم تزوجت أبِي طلحة الأنصاري وأنجبت لهُ أبُو عمير -الذي ورد فيهِ حديث مزاح النَّبِي ﷺ معهُ- وعبد الله بن أبِي طلحة وغيرهما وبهذا يكونان إخوةً لأنس والبراء لأمِّهِم.
    لأمِّ سُليم مآثر عدَّة ومواقِف فذَّة جمعت فيها بين قوة الإيمان وإقدام الشجعان وتربية الولدان
    ففي إيثار الإسلام علىٰ نفسها:
    فقد آثرت -رضي الله عنها- الإسلام علىٰ زوجها والد أولادها في بداية انتشار الدعوة وفي وقت كان الإسلام في حالة ضعف ولم تكتفِ بذلك بل كانت تدعُوا إلىٰ ذلك وتربي أولادها علىٰ الإيمان فعن إسحاق بن عبد الله عن جدَّتهِ أمُ سليم أنَّها آمنت برسول الله قالت: فجاء أبو أنس وكان غائبًا فقال لها: أصبوتِ؟! فقالت له: ما صبوت ولكنَّنِي آمنت بهذا الرجل قال: فجعلت تلقن أنسًا وتشير إليهِ قل لا إله إلا الله قل أشهد أن محمدًا رسولُ الله قال: ففعل قال: فيقول لها أبوه‍ لا تفسدي عليَّ ابني فتقول: إنِّي لا أفسده(8).
    وآثرت الإسلام علىٰ نفسها وكانت من خيار من يدعو إليهِ حتَّىٰ إن أبا طلحة الأنصاري كان قد خطبها قبل إسلامهِ فقالتْ لهُ: أما إنِّي فيك لراغِبةٌ وما مِثلُكَ يُرَدُّ ولكنَّكَ كافرٌ فإن تُسلِم فذلك مهري لا أسألُك غيرَه‍ فأسلم وتَزوَّجَها(9).
    قال ثابتُ البناني: فما سمِعتُ بِامرأةٍ قَطُّ كانَت أكرم مهرًا مِن أمِّ سُليم -الإسلام- فدخل بها وولدت لهُ(10)
    في صبرها واحتسابها:
    إنَّ فقد الولد عظيم ولفراقهِ ألمٌ شديد وما من والد أو والدة أصيبوا بلوعة فقد الولد إلَّا ولوعة فقده‍ تعيشُ معهم إلَّا أن يشاء الله وتقبض أرواحهم والصبر علىٰ ذلك درجات بحسب قوة الإيمان والثقة بالله سبحانهُ وأم سليم ضربت في ذلك مثالًا من أروع الأمثلة فقد كان لها ولدًا يكنَّىٰ بأبي عمير من زوجها أبو طلحة وهو أبو عمير الَّتِي ورد فيهِ حديث مداعبة النَّبي لهُ [يا أبا عمير ما فعل النغير](11) وكان قد مرض مرضًا قُبض فيهِ فعن أنسٍ قال: مات ابنٌ لأبي طلحة مِن أُمِّ سُليمٍ فَقالت لأَهلِها: لا تُحدِّثُوا أبَا طلحة بابنِهِ حتَّىٰ أَكُونَ أَنَا أُحدِّثُهُ قالَ: فجاءَ فَقَرَّبَت إليه عشاءً فأكَل وَشرِبَ فَقالَ: ثُمَّ تصنَّعت له أَحسَن ما كانَ تَصنَّعُ قَبل ذلك فوقع بها فَلمَّا رَأت أنَّهُ قدْ شَبِع وَأَصابَ منها قالَت: يا أَبَا طَلحَة أَرأيتَ لو أنَّ قَومًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُم أَهلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُم أَلَهُم أَن يَمنَعُوهُم؟ قال: لَا قالَت: فَاحتَسبِ ابنك قالَ: فَغَضِب وقالَ: تَركتِنِي حتَّىٰ تَلَطَّختُ ثُمَّ أَخبَرتِنِي بابنِي فَانطلق حتَّىٰ أتىٰ رَسول اللهِ ﷺ فأخبره بِما كان فقال رَسولُ اللهِ ﷺ بَارَكَ اللهُ لكُما فِي غَابِرِ لَيلتِكُما(12).
    قال الحافظ: وكان الحامل لأم سليم علىٰ ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالىٰ ورجاء إخلافه عليها ما فات منها(13).
    في شجاعتها وإقدامها:
    فإنَّ أم سليم لم تكتف بالدعوة باللسان والرضا بقضاء الرَّحمن بل كانت تجاهد جهاد الشجعان غضبًا لمحارم الله دعافًا عن دينهِ فعن أنس: أنَّ أُمَّ سُليمٍ اتَّخذَت يَومَ حُنَين خِنجرًا فَكانَ معها فرآها أبُو طَلحة فقال: يا رَسول اللهِ هذِه أُمُّ سُليمٍ معها خِنجرٌ فَقال لها رَسولُ اللهِ ﷺ: ما هذا الخِنجرُ؟ قالَت: اتَّخَذتُهُ إن دنا مِنِّي أحدٌ مِن المُشرِكِين بَقرتُ به بَطنهُ فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَضحَكُ قالَت: يا رَسول اللهِ اقتُل مَن بَعدَنا من الطُّلقاءِ انهَزمُوا بك؟ فَقال رَسولُ اللهِ ﷺ: يا أُمَّ سُليمٍ إنَّ الله قد كفىٰ وأَحسَن(14).
    وكانت رضوان الله عليها في بعض الحالات مُسعفةً ومعينةً للمجاهدين فعن أنس قال : كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَغْزُو بأُمِّ سُلَيْمٍ وَنِسوَةٍ مِنَ الأنْصارِ معهُ إذا غَزا فَيَسْقِينَ الماءَ وَيُداوِينَ الجَرْحىٰ(15) وعنهُ قال أيضًا: لمَّا كان يوم أحد انهزم النَّاس عن النَّبِي ﷺ قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبِي بكر وأمُّ سليم وإنهما لمشمرتان أرىٰ خدم سوقهما تنقزان القرب -وقال غيره تنقلان القرب- علىٰ متونهما ثم تفرغانهِ فِي أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم(16).
    فِي محبتها لرسُول الله ﷺ:
    فمن صور شدَّة حب هذه التقيَّة للنَّبيِّ ﷺ أنَّهُ لمَّا قدم المدينة لم يكن لديها غير فلذة كبدها تدفعُ بهِ هديةً ليخدمهُ فأتت بولدها أنس لذلك فعن أنسٍ قال: جاءت بي أُمِّي أُمُّ أنس إلى رَسولِ اللهِ ﷺ وَقَدْ أزرتني بنصف خِمارها وردتني بنصفهِ فقالت: يا رسُول الله هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك فادع الله له فقال: اللهم أكثر مالهُ وولده ‍(17) وفي بعض الروايات: فقالَتْ: يا رسول الله هذا أنسٌ غلامٌ لبيبٌ كاتبٌ يَخدمُك قال: فقبَّلَني رسولُ الله(18) وفي رواية: فقالت يا رسول اللهِ إنَّ رِجال الأنصارِ ونِساءَهم قد أتحَفوكَ غيري وإنِّي لَمْ أجِد ما أُتحِفُكَ به إلَّا بُنيَّ هذا فاقبَله منِّي يخدُمْكَ ما بدا لكَ(19).
    تبركها برسُول الله ﷺ:
    فعن أنس قال: دخل علينا النَّبِي ﷺ فَقَالَ -من القيلولة- عندنا فعرق وجاءت أُمِّي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النَّبِي ﷺ فقال:يا أُمَّ سُليم ما هذا الَّذي تصنعين فقالت: هذا عرقك نجعلهُ في طيبنا وهو من أطيب الطيب(20).
    بوَّ عليهِ مسلم فقال: باب طيب عرق النَّبِي ﷺ والتَّبرك بهِ.
    من أعظم مناقبها:
    فعن أنسٍ عن النَّبِي ﷺ قال: دخلت الجنَّة فسمعتُ خشفة فقلتُ من هذا قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك(21).
    قال النووي: وهذا منقبةٌ ظاهرة لأم سليم(22).
    هذا ما تيسَّر جمعهُ وحسُن بتوفِيق الله بسطُه وما هُو إلَّا جهد المقل جعلهُ الله خالصًا لوجههِ واللهُ أعلم وهو أعزُّ وأكرم وصلَّىٰ اللهُ علىٰ نبيِّنا مُحمَّد وعلىٰ آلهِ وصحبهِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمِين.

    كتبهُ: أبُو مُحمَّد الطَّرَابُلُسِيُّ
    لتسعٍ بقين من شعبان1442ه‍ـ

    ________________________
    (1)كتاب العلم من صحيح البُخاري.
    (2)رواه الشيخان.
    (3)سِير أعلام النُّبلاء (305/2).
    (4) المنهاج (16/10).
    (5)سِير أعلام النُّبلاء (305/2).
    (6)حلية الأولياء (139).
    (7)الاستيعاب (1/630).
    (8)الطبقات الكبرىٰ (425/8) وغيره.
    (9)أحرجهُ البخاري في قصة طويلة واللفظ للذهبي في السِّير وقال شعيب الأرناوؤط في تخريج المسند: إسناده‍ صحيح (2/29) وتمامهُ في رواية ابن سعد: فقالت لهُ يوما فيما تقول: أرأيت حجرًا تعبده‍ لا يضرك ولا ينفعك أو خشبة تأتي بها النجار فينجرها لك: هل يضرك؟ هل ينفعك؟ قال: فوقع في قلبهِ الذي قالت قال: فأتاها فقال: لقد وقع في قلبي الذي قلت وآمن.
    (10)السنن للنسائي.
    (11)رواه الشيخان.
    (12)رواه الشيخان.
    (13)فتح الباري (213/4).
    (14)رواه مسلم.
    (15)رواه مسلم.
    (16)رواه البخاري.
    (17)رواه مسلم.
    (18)أخرجهُ أحمد فِي: (مسنده‍ 12251)
    (19)المعجم الأوسط (123/6)
    (20)رواه مسلم.
    (21)رواه مسلم.
    (22)المنهاج (16/11)
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-04-03, 07:39 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X