إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دروس وعبر من فتنة الصعافقة [ الفـــائدة الــخامسة ]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دروس وعبر من فتنة الصعافقة [ الفـــائدة الــخامسة ]


    دروس وعبر من فتنة الصعافقة
    الفائدة الخامسة : الاهتمام والعناية بطلب العلم الشرعي.



    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    إن من أعظم القُربات، وأجلّ الطاعات، وآكد العبادات، وخير ما أُنفقت فيه الأوقات، وشمّر فيه أصحاب النفوس الزكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى الخيرات، هو الاشتغال بالعلم. قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[1] .
    قال الأوزاعي رحمه الله: الناس عندنا هم أهل العلم، ومن سواهم فلا شيء. وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حاجة الناس إلى العلم الشرعي أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب. قال سفيان الثوري: من أراد الدنيا والآخرة فعليه بطلب العلم. وقال أبو جعفر الطحاوي: كنت عند أحمد بن أبي عمران فمر بنا رجل من بني الدنيا فنظرت إليه وشغلت به عما كنت فيه من المذاكرة، فقال لي: كأني بك قد فكرت فيما أعطي هذا الرجل من الدنيا، قلت له: نعم، قال: هل أدلك على خلة؟ هل لك أن يحول الله إليك ما عنده من المال ويحول اليه ما عندك من العلم فتعيش أنت غنيًا جاهلًا ويعيش هو عالمًا فقيرًا؟ فقلت: ما أختار أن يحول الله ما عندي من العلم إلى ما عنده فالعلم غنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال، وفي ذلك قيل:

    العلمُ كَنْزٌ وَذُخْرٌ لَا نَفَادَ لَهُ *** نِعْمَ القَرِينُ إِذَا مَا صَاحِبٌ صَحِبَا
    قَدْ يَجْمعُ المرْءُ مَالًا ثُمَّ يُسْلَبُهُ *** عَما قَلِيلٍ فَيَلْقَى الذُّلَّ وَالحرَبَا
    وَجَامِعُ العِلْمِ مَغْبُوطٌ بِهِ أَبَدًا *** وَلَا يُحَاذِرُ مِنْهُ الفَوْتَ وَالسَّلَبَا
    يَا جَامِعَ العِلْمِ نِعْمَ الذُّخْرُ تَجْمَعُهُ *** لَا تعْدِلَنَّ بِهِ دُرًّا وَلَا ذَهَبَا[2]


    وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: «من أراد عز الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد عز الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد عز الدنيا وعز الآخرة فعليه بالعلم»[3]. وهذا هو دأب العلماء الأجلاء يتعلمون العلم لله وينصحون به غيرهم.
    قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى-: « أنصح نفسي، وأنصح أبنائي وإخواني بالاهتمام بطلب العلم، فالعلم لا نهاية له ولا حد له، مهما بلغ الإنسان من العلم ومن الذكاء فإنه ينبغي أن يستمر في طلب العلم إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى، فأحد العلماء الكبار الحفاظ سئل في مرض موته ماذا تتمنى؟ قال: "أتمنى بيتا خالي-هكذا وردت- وإسنادا عالي"، يتمنى إسنادا عاليا وبيتا خاليا وهو يعاني مرض الموت، ومنهومان لا يشبعان. أحدهما طالب العلم. طالب العلم لا يشبع، الذي يريد الله له الخير لا يشبع من هذا الخير، فينبغي أن يستمر في طلب العلم فإنه من أفضل العبادات، وأفضل القربات، ويرفع الله أهله درجات، والعلماء يقررون أن طلب العلم أفضل من الجهاد في سبيل الله ومن عبادات التطوع والتنفل وغير ذلك، لأن الذي يطلب العلم يطلبه لا لمصلحته الشخصية فقط، هو يزكي نفسه بهذا العلم، وينفع نفسه بهذا العلم، ولكن ينفع غيره، فهذا نفع متعد، الذي يعبد الله فقط ويجاهد، هذا لنفسه، ولكن هذا الذي يريد أن يتعلم ويعلم هذا من ورثة الأنبياء فالأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما وإنما وَرَّثوا العلم، فنعم الوارث للأنبياء من يعتني بطلب العلم ويخلص في طلب العلم لله تبارك وتعالى ويدعوا الناس إلى هداية الله، وإلى الحق، وإلى صراط الله المستقيم»[4].
    وقال الشيخ الوالد أبو عبد الله أزهر سنيقرة - حفظه الله تعالى- : «وإن العلماء ورثة الأنبياء، تركة الأنبياء عند أهل العلم، وتركة الأنبياء هي هذا العلم النافع، ولكن لابد لطلابه أن يسيروا فيه على الطريقة المرضية، لا على الطريقة المعوجة ... على الطريقة المرضية. والطريقة المرضية هي الطريقة السلفية لا الطريقة الخلفية. والطريقة السلفية أن يخلص الطالب النية لله -جل وعلا- في طلبه، ويعتقد الاعتقاد الجازم أنه في عبادة وهو يطلب العلم. أنّه في عبادة إذا سافر أو ارتحل في طلبه فهو في سفر عبادة، وإذا ضاق الأمر عليه وهو في طلبه يحتسب هذا لأنه في عبادة، وهكذا».[5]
    قال العلاّمة حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله :
    يَا طَالِبَ العِلْمِ لَا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا *** فَقَدْ ظَفِرْتَ وَرَبِّ اللَّوْحِ والْقَلَمِ
    وَقَدِّسِ العِلْمَ وَاعْرِفْ قَدْرَ حُرْمَتِهِ *** فِي القَوْلِ وَالفِعْلِ، وَالآدَابَ فَالْتَزِمِ
    وَاجهَدْ بِعَزْمٍ قَوِيٍّ لَا انْثِنَاءَ لَهُ *** لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ قَدْرَ العِلْمِ لَمْ يَنَمِ[6]

    لذا نجد العلماء الراسخين في العلم أحرص الناس على الناس من أنفسهم. يعلمونهم ويحثونهم على طلب العلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : «والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد ما يجب على المكلف من أمر دينه في عبادته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهه عن النقائص، ومدار ذلك على التفسير والحديث والفقه»[7]. لأن المعلوم من الدين أنه من يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين[8]. يفقه أي يبصره كما قال الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله في المجموع[9].

    فالعلم الصحيح المؤصل المبنيّ على دلائل الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، يكون أشد ما يُحتاج إليه وقت الفتن. فكلما اشتدت الفتنة وأظلمت احتاج الإنسان إلى النور الذي يعينه على استبصار الحق من الباطل. وإن من أشدها خطرا هذه الأيام فتنة الصعافقة لكثرة المدلسين والمندسين. الذين أرادوا تمييع الدعوة السلفية وهدم أصولها بإثارة الفتن بين السلفيين شعروا أم لم يشعروا بذلك. و إن أمرهم وشأنهم خطر على هذه الدعوة لخفائهم وتسترهم.

    قال الإمام الشوكاني رحمه الله: « الناس على طبقات ثلاث. فالطبقة العالية: العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل، وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن، لعلمهم بما عند بعضهم بعضًا.
    والطبقة السافلة: عامة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به إن كان محقًّا كانوا مثله ، وإن كان مبطلاً كانوا كذلك.
    والطبقة الـمتوسطة: هي منشأ الشر وأصل الفتن الناشئة في الدين، وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى، ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة. فإنهم إذا رأوا أحدًا من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور فَوّقُوا إليه سهام التقريع ونسبوه إلى كل قول شنيع وغيَّروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق، هذا معنى كلامه الذي سمعناه منه».[10]

    المتأمل لكلام الشوكاني رحمه الله ، يجده اليوم واقعا في الصعافقة المتمسحين بمنهج السلف، التائهين عن سبيل الرشاد. خصوصا السببة منهم أهل التعالم والتشغيب والتنقيب عن الأخطاء المنهجية [زعموا]. فما تركوا كبيرا ولا صغيرا خالفهم إلاّ وبدعوه وفسقوه. بل هناك من رموه بالألفاظ التي يتنزه اللسان العفيف عن ذكرها. قال أبو حاتمٍ الرازيُّ رحمه الله : « علامةُ أهل البدع الوقيعةُ في أهل الأثر، وعلامةُ الزَّنادقة تسميتُهم أهلَ الأثر حشويَّةً، يريدون بذلك إبطالَ الأثر، وعلامةُ القدرية تسميتُهم أهلَ السنَّة مُجْبِرَةً، وعلامةُ الجهميَّة تسميتُهم أهلَ السنَّة مشبِّهةً، وعلامةُ الرافضة تسميتُهم أهلَ الأثر نابتةً وناصبةً».[11]

    فمكر الصعافقة كبير ولا يكون كشفهم والحذر من مخططاتهم إلا بالتسلح بالعلم الشرعي. كما أخبر بذلك الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى-: « إن كشف هؤلاء لا يكون -معشر الإخوة- إلا بالتسلح بالعلم الشرعي الأصيل من نبعه الصافي، من كتاب الله تبارك وتعالى.وصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلموما صح عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم »[12].
    وقال ابن الجوزي رحمه الله : « إن التزود من العلم النافع سبب رئيسي في دفع مكائد الشيطان، وكلما ازداد العبد علماً نافعاً ـ ما يورث خشية الله وتقواه ـ كلما ازداد سلامة من نزغات الشيطان ومكايده، فأنت ترى مثلاً أن أدنى عقبات الشيطان أن شغل العبد بالأعمال المرجوحة والمفضولة عن الأعمال الراجحة والفـاضلة. وعـلاج ذلك بالفقه في الأعمال، والعلم بمراتب الطاعات عند الله تعالى، ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين مفضولها وفاضلها، فإن في الطاعات سيداً ومسوداً، ورئيساً ومرءوساً»[13].
    وقال رحمه الله أيضاً: « ترك العلم غفلة، والإعراض عنه جهالة؛ فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عن تلمح العواقب، فمن ذلك أن التكاسل في طلب العلم وإيثار عاجل الراحة يوجب حسرات دائمة لا تفي لذة البطالة بمعشار تلك الحسرة، ولقد كان يجلس إليَّ أخي وهو عامي فقير، فأقول في نفسي: قد تساوينا في هذه اللحظة، فأين تعبي في طلب العلم وأين لذة بطالته؟ »[14].

    ولأهمية العلم وفضله كان علماؤنا ولا زالوا لنا نصحة في طلبه ، لا يتأخرون عن أداء الواجب من البيان كلما سنحت لهم الفرصة لذلك. قال الشيخ العلامة أبو عبد المعز محمد فركوس- حفظه الله تعالى - : « أنصح عامَّةَ الطلبة أَنْ يُلازِموا العلمَ والعمل والتقوى والعبادة، وأن يحترموا مشايخَهم وذوي الفضل فيهم مِنْ غيرِ افتِيَاتٍ أو افتِئَاتٍ عليهم، وأَنْ يتخلَّقوا بأخلاق القرآن عامَّةً، وبالإخلاص والصدق ـ اللَّذَيْن هما رُكْنَا التوحيد ـ خاصَّةً، دون مخالطةِ دناءة المُتهالِكين على فُتاتِ الحياة الدنيا الفاني »[15].
    وهذه نصيحة الشيخ الفقيه أبي عبد الرحمن عبد المجيد جمعة - حفظه الله تعالى- لأحد أبنائه: « عليك بتقوى الله في السر والعلن فإنها خير الزاد ليوم المعاد. وعليك بطلب العلم فإنه خير ما تعبد به الله وحصل به التقوى. وعليك باحترام أهله وحملته وتوقيرهم ومعرفة فضلهم ومكانتهم فإن ذلك من بركة العلم. وعليك بالعمل بالعلم والتحلي بآدابه واجتناب سفاسف الأمور ومساوئ الأخلاق فإن العمل هو ثمرة العلم وعلم بلا عمل كجسد بلا روح».[16]

    فخلاصة ما تقدم قاعدة وجب علينا البناء والحرص عليها:
    أن الله تبارك وتعالى حكم ببقاء الشريعة إلى يوم القيامة ، والبقاء لا يكون إلا بالتعلم . فالعلم العلم الذي يقي من الفتن وينفع في الدارين هو الواجب علينا تعلمه.
    هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.
    يتبع بإذن الله تعالى ...
    أبو عبد الرحمن محمد صالحي
    عين مران ليلة ٠۹ من ذي القعدة ١٤٤١ هـ



    [1]- [ الزمر: ٩ ].
    [2] - جامع الآداب (١/٢٧١).
    [3] - المجموع للنووي (١/ ٢٠).
    [4] - نصيحة في طلب العلم– أنظر موقع الشيخ ربيع حفظه الله تعالى.
    [5]- صوتية مفرغة - حسن الاعتناء بتركة الأنبياء لفضيلة الشيخ أبي عبد الله أزهر سنيقرة –حفظه الله تعالى-.
    [6] - حاشية روضة العقلاء لابن حبَّان (ص ٤٨).
    [7] - فتح الباري (١/١٤١).
    [8] - عن مُعَاوِيَةَ بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». رواه الشيخان.
    [9] - مجموع فتاوى ابن باز (۹/١٢۹).
    [10] - البدر الطالع في أعيان ما بعد القرن السابع (١/٤٧٢) .
    [11] - عقيدة السلف (ص ١٠٥).
    [12] - المناهج الخفية التي أخرجتها فتنة الصعافقة والاحتوائية للأخ فيصل بن يحيى الأهراسي.
    [13] - مدارج السالكين (١/٢٢٥)؛
    [14] - الآداب الشرعية (٢/٢٢۹)؛
    [15] - نصيحة وتوجيه إلى منتدى التصفية والتربية ، لفضيلة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس .
    [16] - جمع الرسائل و المحادثات فيما أسداه الشيخ عبد المجيد جمعة من أجوبة وتوجيهات - موقع الإبانة السلفي .


    التعديل الأخير تم بواسطة إدارة الإبانة السلفية; الساعة 2020-07-02, 09:48 AM.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X