الحمد لله الواحد المنان ؛معجز أهل الفصاحة والبيان ؛والصلاة والسلام على الرسول العدنان؛ ماضي العزيمة الجامع لخصال البر والإحسان ؛بعثه القوي الرحمن ؛مفرقا به بين الصحة والبطلان؛ فشوش لفائف الشيطان ؛ومزق كتائب الإلحاد والكفران؛ وتمام صلاة ربنا الديان ؛على الأصحاب والأتباع والإخوان؛ ماتعاقب الثقلان ؛وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إقرار وإذعان ؛وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة تصديق وإيقان .
وبعد :
فقد شد نبيهتي وقرع حفيظتي مقالْ! للأخ المفضالْ: زكريا توتاني عنوانه :" الوصل والفصل "؛ بدت منه مواضع إيهام أذكرها هنا استرشادا أو اعتبارا ؛لا امتحانا أو إنكارا ؛وهاهي بأدقها أماره؛ وأوجزها عبارة ؛قد اختصرتها اختصارا(1) ؛لتناسب المقام ؛وحسبنا الله في البدء والختام .
1-قلتَ:"إذ الواو لا تدل إلا على مطلق الجمع و الاشتراك؛بخلاف غيرها من حروف العطف..."، والظاهر من ألفاظك وما تدل عليه من معان قائمة عن طريق التصور الذهني : هو عدم تفريقك بين نفي الحصر و أسلوب الاستثناء من النفي , فإن كنت حقيقة مقصدك نفي الاستثناء و التخصيص فالصحيح أن تقول : " إذ الواو لا تدل على مطلق الجمع والاشتراك فحسب " , وأما إن كان قصدك الاستثناء من النفي ؛ فإما أن يكون المنفي الحكم أو المحكوم به و أنّ المخرّج بِـ "إلاَّ " إمّا من الحكم أو المحكوم به , فينتج عن ذلك أن الواو لا يدخل في دلالتها الجمع و الاشتراك لا بالنفي ولا بالإثبات – أي عدم الحكم-, وأن دلالتها محصورة فقط في مطلق الجمع و الاشتراك؛ وكلا الاحتمالين مردود ظاهر البطلان لكل من له عينان .
2- قلتَ:" ... كـ (الفاء) مثلا فإنها تدل على الترتيب والتعقيب , و (ثم) تدل على الترتيب والتراخي وهكذا "،وهذا إطلاق غير صحيح و تعميم بخلاف الواضح الصريح , إذ دلالة "الفاء" و "ثم" أكثر مما ذكرت من معان وأوسع مما حصرت .
3- قلت:" تقدم أنه إذا كان بين الجملتين تباين تام , أنه يجب الفصل, ولهذا صور , ومن صوره أن تختلف الجملتان خبرا و استثناء , هذا تقرير جمهور البلاغيين , والصواب أنه يجوز الوصل : لوروده في القرآن الكريم ...", قد يكون كلام أديبنا الفاضل عن الجواز العقلي, ولكن الصحيح أنّ اللفظ يحمل ابتداء على أول ما يتبادر من معانيه إلى الذهن ، وقد ذكرت نكتة للإمام مقبل على من قال في حد الحديث المقبول:" وهو ما يجب العمل به " ، فاستدرك رحمه الله بأن المقبول أعم من مجرد وجوب العمل به، بل منه المستحب والجائز..., نعم؛ نجد هذا الكلام للشيخ مقبل من باب حمل اللفظ على أول ما يتظاهر إلى الذهن لقرينة الشهرة في الاستعمال على الصحيح، مع أن من أهل العلم من قال أن قصدهم بالوجوب في حد المقبول ليس ذاك المترتب على تركه الذم، بل مرادهم وجوب عقلي هو ما ترتب أثره في الذمة ؛ قاصدين بذلك إلى جانب العمل دون النظر؛ على تأثر بمباحث علم الكلام - رحم الله الجميع-(2).
ومنه وبناء على ظاهر سياقك، ففيه إهمال لمعنىً جليل، وجانب عظيم ؛من كلام الخبير الحكيم؛ إذ لفظ "الجواز" ينبىء عن استواء طرفي الوصل والفصل في المواضع التي ذكرتها ؛ وهذا خطأ فاضح ؛لأن كتاب الله كل كلمة منه متمكنة في محلها ابتداء من الحرف والفعل والاسم إلى مختلف أنواع التركيب ؛ ومثال ذلك مع قوله تعالى :"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها...[الآية]"؛وقوله في الآية بعدها :"وسيق الذين اتقوا ربهم إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ...[الآية]"؛فهل مثل هذا من باب ما يجوز فيه الوجهان ؛أي هل الفصل والوصل فيه سيان وأن المعنى لا يتأثر لتكافؤ جهتي الذكر والحذف –(أي حرف العطف "الواو")-حاشا لله.
4-ومما يجدر به التنويه في ختام هذا التنبيه ؛ كتابان قيمان اجتمع فيهما ما تفرق في غيرهما من كتب الفن هما :"الاستغناء في الاستثناء"للإمام القرافي ؛ و "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" للإمام ابن هشام -عليهما رحمة الله-؛فأنهما كافيان في الباب إن شاء الله.
هذا وإن عورضت بالدليل(*) نفيا أتيت به(*) إثباتا(3)–والحمد لله من قبل ومن بعد -.
الهامش
(1) قد اكتفيت هنا بإيراد تنبيهات مقتضبة ضمنتها هذه الوريقات مع الإشارة أن هناك تعقيبا موسعا.
(2) اُنظر مخطوط قضاء الوطر شرح نزهة النظر ؛ في شرح مسألة الآحاد والمتواتر وأن حد المقبول ما يجب العمل به ؛ للقاني الأشعري .
(*) (*)الهاء من "به" راجعة على "الدليل" المذكور سابقا و"ال"من الدليل للاستغراق فلا ينصرف الذهن إلى دليل مخصوص؛ فجاز الاكتفاء عن إعادة لفظه الإشارة له بالضمير لأن عمله في المحلين واحد وهو عموم الاحتجاج والاستدلال ؛ وكما تصلح هنا أن تكون –أي "ال"من الدليل- للحضور الذهني أو للعهد الذهني لجواز أن يكون المقصود أن نفس الدليل المأتي به للنفي فيه دلالة الإثبات؛ وقد حضرني قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"في سائمة الغنم الصدقة"فاستدل بها جماعة في قصرها إلا على السائمة ونفيها عما عداها؛وأثبتها آخرون لعموم الشياه وأن السوم خرج مخرجا غالبا لم يجد محلا .
(3)ولا أظن الدليل حليف من رامه لنيل بغية النفي ضمنا لما ذكرت.
...والحمد لله رب العالمين...
وكتب :
أبو عبد الله بن عزيز
بلال يونسي السكيكدي
والله أعلم بالصواب؛وهو الهادي إلى الحق بلا أدنى ارتياب ؛ هداية تسديد ورشاد ؛ وتوفيق وانقياد ؛ وثبات واعتقاد .
وبعد :
فقد شد نبيهتي وقرع حفيظتي مقالْ! للأخ المفضالْ: زكريا توتاني عنوانه :" الوصل والفصل "؛ بدت منه مواضع إيهام أذكرها هنا استرشادا أو اعتبارا ؛لا امتحانا أو إنكارا ؛وهاهي بأدقها أماره؛ وأوجزها عبارة ؛قد اختصرتها اختصارا(1) ؛لتناسب المقام ؛وحسبنا الله في البدء والختام .
1-قلتَ:"إذ الواو لا تدل إلا على مطلق الجمع و الاشتراك؛بخلاف غيرها من حروف العطف..."، والظاهر من ألفاظك وما تدل عليه من معان قائمة عن طريق التصور الذهني : هو عدم تفريقك بين نفي الحصر و أسلوب الاستثناء من النفي , فإن كنت حقيقة مقصدك نفي الاستثناء و التخصيص فالصحيح أن تقول : " إذ الواو لا تدل على مطلق الجمع والاشتراك فحسب " , وأما إن كان قصدك الاستثناء من النفي ؛ فإما أن يكون المنفي الحكم أو المحكوم به و أنّ المخرّج بِـ "إلاَّ " إمّا من الحكم أو المحكوم به , فينتج عن ذلك أن الواو لا يدخل في دلالتها الجمع و الاشتراك لا بالنفي ولا بالإثبات – أي عدم الحكم-, وأن دلالتها محصورة فقط في مطلق الجمع و الاشتراك؛ وكلا الاحتمالين مردود ظاهر البطلان لكل من له عينان .
2- قلتَ:" ... كـ (الفاء) مثلا فإنها تدل على الترتيب والتعقيب , و (ثم) تدل على الترتيب والتراخي وهكذا "،وهذا إطلاق غير صحيح و تعميم بخلاف الواضح الصريح , إذ دلالة "الفاء" و "ثم" أكثر مما ذكرت من معان وأوسع مما حصرت .
3- قلت:" تقدم أنه إذا كان بين الجملتين تباين تام , أنه يجب الفصل, ولهذا صور , ومن صوره أن تختلف الجملتان خبرا و استثناء , هذا تقرير جمهور البلاغيين , والصواب أنه يجوز الوصل : لوروده في القرآن الكريم ...", قد يكون كلام أديبنا الفاضل عن الجواز العقلي, ولكن الصحيح أنّ اللفظ يحمل ابتداء على أول ما يتبادر من معانيه إلى الذهن ، وقد ذكرت نكتة للإمام مقبل على من قال في حد الحديث المقبول:" وهو ما يجب العمل به " ، فاستدرك رحمه الله بأن المقبول أعم من مجرد وجوب العمل به، بل منه المستحب والجائز..., نعم؛ نجد هذا الكلام للشيخ مقبل من باب حمل اللفظ على أول ما يتظاهر إلى الذهن لقرينة الشهرة في الاستعمال على الصحيح، مع أن من أهل العلم من قال أن قصدهم بالوجوب في حد المقبول ليس ذاك المترتب على تركه الذم، بل مرادهم وجوب عقلي هو ما ترتب أثره في الذمة ؛ قاصدين بذلك إلى جانب العمل دون النظر؛ على تأثر بمباحث علم الكلام - رحم الله الجميع-(2).
ومنه وبناء على ظاهر سياقك، ففيه إهمال لمعنىً جليل، وجانب عظيم ؛من كلام الخبير الحكيم؛ إذ لفظ "الجواز" ينبىء عن استواء طرفي الوصل والفصل في المواضع التي ذكرتها ؛ وهذا خطأ فاضح ؛لأن كتاب الله كل كلمة منه متمكنة في محلها ابتداء من الحرف والفعل والاسم إلى مختلف أنواع التركيب ؛ ومثال ذلك مع قوله تعالى :"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها...[الآية]"؛وقوله في الآية بعدها :"وسيق الذين اتقوا ربهم إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ...[الآية]"؛فهل مثل هذا من باب ما يجوز فيه الوجهان ؛أي هل الفصل والوصل فيه سيان وأن المعنى لا يتأثر لتكافؤ جهتي الذكر والحذف –(أي حرف العطف "الواو")-حاشا لله.
4-ومما يجدر به التنويه في ختام هذا التنبيه ؛ كتابان قيمان اجتمع فيهما ما تفرق في غيرهما من كتب الفن هما :"الاستغناء في الاستثناء"للإمام القرافي ؛ و "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" للإمام ابن هشام -عليهما رحمة الله-؛فأنهما كافيان في الباب إن شاء الله.
هذا وإن عورضت بالدليل(*) نفيا أتيت به(*) إثباتا(3)–والحمد لله من قبل ومن بعد -.
الهامش
(1) قد اكتفيت هنا بإيراد تنبيهات مقتضبة ضمنتها هذه الوريقات مع الإشارة أن هناك تعقيبا موسعا.
(2) اُنظر مخطوط قضاء الوطر شرح نزهة النظر ؛ في شرح مسألة الآحاد والمتواتر وأن حد المقبول ما يجب العمل به ؛ للقاني الأشعري .
(*) (*)الهاء من "به" راجعة على "الدليل" المذكور سابقا و"ال"من الدليل للاستغراق فلا ينصرف الذهن إلى دليل مخصوص؛ فجاز الاكتفاء عن إعادة لفظه الإشارة له بالضمير لأن عمله في المحلين واحد وهو عموم الاحتجاج والاستدلال ؛ وكما تصلح هنا أن تكون –أي "ال"من الدليل- للحضور الذهني أو للعهد الذهني لجواز أن يكون المقصود أن نفس الدليل المأتي به للنفي فيه دلالة الإثبات؛ وقد حضرني قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"في سائمة الغنم الصدقة"فاستدل بها جماعة في قصرها إلا على السائمة ونفيها عما عداها؛وأثبتها آخرون لعموم الشياه وأن السوم خرج مخرجا غالبا لم يجد محلا .
(3)ولا أظن الدليل حليف من رامه لنيل بغية النفي ضمنا لما ذكرت.
...والحمد لله رب العالمين...
وكتب :
أبو عبد الله بن عزيز
بلال يونسي السكيكدي
والله أعلم بالصواب؛وهو الهادي إلى الحق بلا أدنى ارتياب ؛ هداية تسديد ورشاد ؛ وتوفيق وانقياد ؛ وثبات واعتقاد .
تعليق