بيان ضعف حديث دعاء ليلة القدر «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
(قرأه وأذن بنشره فضيلة الشيخ علي الرملي -حفظه الله-).
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
🔹 فقد ورد سؤال على شيخنا أبي الحسن علي الرملي -حفظه الله- نصه:
▪️ شيخنا حفظكم الله
ما صحة الحديث الذي يخصص في ليلة القدر «اللهم إنك عفوا تحب العفوا فاعف عني»؟
وجزاكم الله خيرا
▪️ فكان جوابه حفظه الله بقوله:
▪️ «لا يصح وقد بين علته الحافظ ابن حجر وشيخنا الوادعي رحمهم الله وعلته الانقطاع بين ابن بريدة وعائشة نص على عدم سماعه منها الدارقطني والبيهقي».
▪️ ومن باب التوسع والاستزادة في الاستفادة كتب أحد طلبة الشيخ كتابة عرضها عليه جاء فيها:
▪️ «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل أبا الحسن
▪️ لما قرأت جوابكم المتعلق بتضعيف حديث ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا) راجعت قول الألباني في تصحيح الحديث في السلسلة الصحيحة حديث رقم 3337، ومن باب الحرص على التعلم والاستزادة من الاستفادة منكم أحببت معرفة وجه مخالفتكم للألباني -رحمه الله- فاجتهدت أن أكتب ما ظهر لي من اعتقاد الحق في المسألة ولكم تصويب ما سأذكره إن شاء الله.
▪️ صحح الإمام الألباني هذا الحديث بناء على نقطتين أساسيتين:
🔹 النقطة الأولى:
▪️ أن الألباني رحمه الله نفى إعلال الدارقطني والبيهقي لسند هذا الحديث بقول الدارقطني أن عبدالله بن بريدة: (لم يسمع من عائشة شيئا).
▪️ ونفيه لهذا الإعلال عند الألباني -رحمه الله- سببه أن القواعد الحديثية تفيد أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من التدليس ولعل هذا جريا على شرط مسلم -رحمه الله- في قبول الحديث المعنعن إذا ثبتت المعاصرة مع إمكان اللقي، وبناء على هذا ذهب الألباني -رحمه الله- يقرر أن عبدالله بن بريدة -رضي الله عنه- كان من المعاصرين لعائشة -رضي الله عنها- ولم يرم بالتدليس بل ثبت عنه سماعه من أبيه، وسماعه من عبدالله بن مغفل -رضي الله عنه- المتوفى في العام الذي ماتت فيه عائشة -رضي الله عنها-، وكذلك ثبت سماعه من سمرة بن جندب -رضي الله عنه- المتوفى سنة 58 هـ أي عاما بعد وفاة عائشة -رضي الله عنها- وهذا جدير بإثبات معاصرة عبدالله بن بريدة -رضي الله عنه- لعائشة -رضي الله عنها-، وبالتالي إثبات سماعه منها ونفي الانقطاع الذي أعل به هذا الحديث.
▪️ ولعل قول الألباني يكون صحيحا لو لم يثبت نفي سماع عبدالله بن بريدة من عائشة -رضي الله عنهما- من الدراقطني وغيره، فإن شرط مسلم -رحمه الله- في صحيحه في إثبات السماع هو المعاصرة في حالة عدم استحالة اللقي-مع أنه منتقد عند جملة من أهل الحديث كما في فتح المغيث وغيره-، فإذا ثبت عدم السماع من الأئمة فإن الحديث يرد ولا يقبل ويعل بالانقطاع.
▪️ بقي الاشكال عندي شيخنا هو ما هي القرينة التي جعلت الدارقطني والبيهقي يقطعون بنفي عدم سماع عبدالله بن بريدة من عائشة -رضي الله عنهما- مع أن كل الدواعي العقلية متوفرة، وكل الموانع الواقعية منتفية، كما بين ذلك الألباني في مسألة المعاصرة أعلاه.
▪️ ظهرت لي قرينة لعلي أعرضها عليكم وهي أن عبدالله بن بريدة رضي الله عنه لم يرو غير هذا الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- وقد روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير وحملت علمه وأحاديثه لاسيما في الشؤون الخاصة، فيبعد أن يكون ثبت سماعه منها ولم يرو إلا هذا الحديث، ضف إلى ذلك أن عبدالله بن بريدة -رضي الله عنه- يروي عن عائشة بواسطة كما في صحيح البخاري وهذه قد تكون قرينة أخرى لإثبات عدم سماعه منها.
▪️ وقد احتج بعضهم أن بعض الرواة سمى ابن بريدة بسليمان-وهو الأخ التوأم لعبد الله- كما وقع في النسائي والمستدرك من طريق علقمة بن مرثد عنه، وقد قال الألباني أن ذكر سليمان شاذ والله أعلم.
▪️ ضف إلى ذلك أن الوادعي -رحمه الله- تعقب من احتج بمتابعة سليمان كما في أحاديث معلة ظاهرها الصحة ص444 حيث قال:
«وقد رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" ص (٥٠٠) من حديث سليمان بن بريدة عن عائشة وما أظن سليمان سمع من عائشة فإني لم أجد له في "تحفة الأشراف" إلا هذا ولم يصرح بالتحديث، ثم إنه قد اختلف فيه على سفيان كما في "عمل اليوم والليلة" للنسائي ويكفي للحديث أنه لا يعلم سماع سليمان من عائشة».
🔹 النقطة الثانية: أن النسائي وغيره رووا عن عائشة أنها قالت: لو علمت أي ليلة ليلة القدر، لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية.
▪️ فقال الألباني -رحمه الله- انه من الظاهر أن عائشة -رضي الله عنها- لا تقول هذا إلا بتوقيف.
▪️ ولعل القول بأن هذا الموقوف له حكم المرفوع غير وجيه، لأنه مع قول من قال بأن الموقوف له حكم المرفوع في بعض الصور لم يذكر هذه الحالة في الصور المذكورة مثل إخبار الصحابي عن الأمور الغيبية الماضية أو المستقبلة أو إخبار عن عمل مخصوص بثواب مخصوص أو عقاب مخصوص أو قول الصحابي من السنة كذا أو تفسيره للآية وغير ذلك.
▪️ ثم إنه مع ذلك فقد تكلم العلامة الوادعي -رحمه الله- في سند الحديث الموقوف عن عائشة -رضي الله عنها- في أحاديث معلة ظاهرها الصحة ص444 حيث أعله بقوله:
▪️ «وقد جاء الحديث موقوفا على عائشة وفيه عبد الله بن جبير، وكان شريك مسروق على السلسلة عن مسروق، والراوي لهذا الأثر عنه لم أجد له ترجمة»».
🔹 فأجابه الشيخ علي الرملي -حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية-:
▪️ «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنت القول صحيح تماما».
▪️ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تعليق