بسم الله الرحمن الرحيم
اللباب في شرح علل "الكتاب"
لسيبويه
اللباب في شرح علل "الكتاب"
لسيبويه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن مما لا يخفى على طلبة العلم أن "كتاب سبويه" أعظم تنصيف وضع في علم النحو، ولم يؤلف مثله في القديم والحديث، كما قال عنه السيرافي: (وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله، ولم يلحق به من بعده)، ويروى مثلها عن ابن الأنباري، وقد قال المازني: (من أرد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبوبه فليستحي)، وقال محمد بن سلام: (كان سيبويه النحوي غاية الخلق، وكتابه في النحو هو الإمام فيه)، وقد حاول سيبويه أن يضم فيه ما تناثر من قواعد هذا العلم في صدور الرجال، وتمهيد مباحثه ولم شتاته وجمع مسائله في أبواب مرتبة ومنسقة، ومن الميزات التي تميز بها كتابه: تعليل المسائل وبيان وجه ومجيئها بتلك الكيفية، والإشارة إلى المعاني المختلفة التي تحتملها التراكيب؛ مع لغة رفيعة مما صعب على الناس تناوله؛ إذ إن سيبويه كان من أولئك العلماء الذي شافهوا العرب؛ فلما كان كتابه في أعظم فن من فنون العربية ولا يستقيم اللسان إلا به أراد أن يجعله على وفق ما تكلم به العرب الفصحاء، وكما قال ابن كيسان: (نظرنا في "كتاب سيبويه" فوجدناه في الموضع الذي يستحقه، ووجدنا ألفاظه تحتاج إلى عبارة وإيضاح، لأنه كتاب ألف في زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ، فاختصر على مذاهبهم)، ولذلك قيل: (إنما ألف سيبويه كتابه لأهل زمانه).
ومما يدرك بممارسة كلام المتقدمين والمتأخرين أن اللغة العربية قد ضعفت مع مرور القرون والأزمان، وتغيرت أساليبها وطرق تأليف الكلام فيها، مما جعل تناول ”الكتاب” مرتقى صعبا على المدرسين فضلا عن الدارسين، ومما زاد في صعوبته تغير الاصطلاحات التي كان عليها النحاة في ذلك الوقت، وقلة الشروحات التي وصلتنا في تفكيك عباراته وبيان إشاراته، وقد كانت القراءة فيه من الصعوبة بمكان في وقت الأئمة الأعلام فما بالك بوقتنا هذا!
ولذلك كان المبرد يقول لمن يريد دراسة الكتاب عليه: (هل ركبت البحر؟)، تعظيما وتهويلا لشأنه، ويروى عن المازني أنه قال: (قرأ علي رجل "كتاب سيبويه" في مدة طويلة، فلما بلغ آخره قال لي: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا).
ومما يبين لك أهمية هذا الكتاب ويؤكد لك قيمته عند النحاة؛ أنه كان يقال في الرجل: (فلان قرأ الكتاب)، لبيان علو كعبه في العلم، ومن لم ينظر في "الكتاب" لم يلتفتوا إليه، وكان بعضهم يقول: (الكتاب قرآن النحو)، وكان عبد الله بن محمد عيسى يختمه كل خمسة عشرة يوما، كأنما يتلوه تلاوة القرآن، وكان الجرمي يقول: (أنا مذ ثلاثون سنة أفتي الناس في الفقه من "كتاب سيبويه")، وقد بين محمد يزيد وجه ذلك حيث قال: (إن أبا عمرو الجرمي كان صاحب حديث، فلما علم "كتاب سيبويه" تفقه في الحديث؛ إذ كان "كتاب سيبويه" يتعلم منه النظر والتفتيش)، ويؤيد ذلك ما نقل عن ابن كيسان أنه قال: (عمل سيبويه كتابا على لغة العرب وخطبها وبلاغتها، فجعل فيه بينا مشروحا، وجعل فيه مشتبها ليكون لمن استنبط ونظر فضل، وعلى هذا خاطبهم الله عز وجل بالقرآن)، ولذلك تجد المتأخرين يضطربون في توجيه كلامه في كثير من المسائل، فبعضهم يحمله على معنى وتأتي جماعة أخرى تحمله على معنى يناقض الأول!
وقال الجاحظ: (أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك، ففكرت في شيء أهديه إليه فلم أجد شيئا أشرف من "كتاب سيبويه")، وقال صاعد بن أحمد الجياني: (لا أعرف كتابا ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب: أحدها "المجسطي" لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني ”كتاب أرسططاليس” في علم المنطق، والثالث "كتاب سيبويه" البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فيه شيء إلا ما لا خطر له).
فهذا وغيره مما يبين لك عظم شأن "الكتاب" ورفعة منزلته عند النحاة، ولذلك رغبت -مع ضعف البضاعة وقلة الزاد- في وضع هذه المقالات لشرح العلل التي يذكرها سيبويه، مع ذكر ما أغغل تعليله لوضوحه عنده وعند أهل زمانه، لعلها تكون مدخلا يذلل مسائله ويسهل تناوله فيشتغل الناس به ويعكفون عليه كما عكف عليه الأولون، وخاصة أن صاحب ”الكتاب” كان على عقيدة صحيحة وسلم من الاعتزال والرفض الذي كان عليه أغلب النحاة، وكذلك لم يحش كتابه بالمنطق على عادة المتأخرين.
ومنهجي في هذه المقالات أنني أذكر المسائل على وفق ترتيبها في "الكتاب"غالبا إلا إذا رأيت مناسبة في التقديم والتأخير، فإن عللها المصنف شرحت ووضحت تلك العلل التي ذكرها، وقد أزيد عليه ما أراه يحسن ذكره بحسب المقام، وما أغفله ذكرت علته من كتب النحو كشروح "التسهيل" والخلاصة" كلاهما لابن مالك، و"العلل في النحو" لابن الوراق، واعتمدت نسخة عبد السلام هارون، الطبعة الخامسة (1435).
والله أسأل التوفيق والسداد وأن يبارك في هذا العمل وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
الكلمة ثلاثة أقسام:
وإنما انقسمت الكلمة إلى ثلاثة أقسام؛ لأنها إما قابلة للإسناد أو لا، فالثاني الحرف، والأول إما أن يقبله بطرفين بأن يكون مسندا ومسندا إليه (أي يخبر به ويخبر عنه)، فذلك الاسم، وإما أن يقبله من جهة واحدة فقط فلا يكون إلا مسندا فذلك الفعل.
أو لأن الكلمة التي تدخل في التركيب المفيد إما أن تدل على معنى في نفسها أو لا، فالثاني الحرف، والأول إما أن يدل على معنى في نفسه مع الاقتران بالزمن فذلك الفعل، أو لا يقترن بالزمن فذلك الاسم.
الفعل ثلاثة أنواع:
وإنما كان الفعل ثلاثة أنواع لأنه إما دال على زمن مضى وانقضى، وإما دال على زمن كائن لم ينقطع، وإما دال على زمن لم يقع بعد.
فالأول الماضي، والثاني الحال، والثالث المستقبل، فلم يخرج عن هذه الأنواع الثلاثة.
الكلمة معربة ومبنية:
وإنما كانت الكلمة إما معربة وإما مبنية؛ لأنها إما مفتقرة إلى الإعراب ليتميز معناها في الكلام أو لا، فالأول المبني نحو: ”ضرب” و “كم”، فلما لزمت معنى واحدا في جميع التراكيب لزم آخرها حالة واحدة، وذلك البناء.
والثاني المعرب، نحو: ”زيد”، ألا ترى أنه لا يتميز معناه في التركيب إلا بالإعراب، نحو: ”ضرب زيد عمرو”، فلو رفعته كان فاعلا وإذا نصبته كان مفعولا، ولا سبيل للتفريق بين المعنيين إلا بالإعراب.
وأشهر مثال يذكرونه في هذا المقام قولهم: ”ما أحسن زيد”، فإذا رفعت ”زيدا” كان نفيا للحسن عنه، وإذا نصبته كان تعجبا من شدة حسنه، وإن جررته مع رفع ”أحسن” كان استفهاما عن أي جزء منه أحسن.
ونحو: ”لا تأكل السمك وتشرب اللبن”، فلو جزمت ”تشرب” كان نهيا عن كل واحد منها، أي: لا تأكل السمك، ولا تشرب اللبن، وإذا نصبته كان نهيا عن الجمع بينهما ولك أن تأتي أحدهما، وإذا رفعته كان نهيا عن الأول دون الثاني، أي: لا تأكل السمك وأنت تشرب اللبن، بمعنى ولك شرب اللبن.
فترى أنه لم تتميز هذه المعاني المختلفة إلا بالإعراب، فلما كانت هذه الكلمات منتقلة بين المعاني المختلفة من فاعلية ومفعولية وإضافة ونحو ذلك كان آخرها منتقلا بين الحركات المختلفة.
افتقار المعرب إلى العامل:
وإنما افتقر المعرب إلى العامل دون المبني؛ لأن الإعراب أنواع مختلفة، والكلمة المعربة وضعت مسلوبة الحركة على الصحيح، فإذا دخلت في التركيب كان لا بد لها من الإعراب حتى يتميز معناها كما تقدم بيانه، وإذ كان الإعراب أنواعا مختلفة كان لا بد لكل نوع من عامل يقتضيه ويطلبه.
بخلاف المبني؛ فهو ملازم لحالة واحدة لا يتغير عنها، وهو وضع على السكون في الأصل، والسكون عدم الحركة، وعدم الأثر لا يحتاج إلى مؤثر.
الأصل في البناء السكون:
وإنما كان الأصل في البناء السكون؛ لأن البناء ملازمة الكلمة حالة واحدة، ولا شك أن هذا يكسبها ثقلا، ألا ترى أنك لو قلت لشخص: الزم مكانك ولا تتحرك منه أبدا، أو الزم بيتك ولا تخرج منه أبدا، لكان ذلك شاقا عليه وثقيلا، فلما كان البناء ثقيلا ناسبه التخفيف، فبني على السكون الذي هو أخف علامة لأنه عدم الحركة.
البناء على الحركة:
وإنما خرج المبني عن أصله من السكون إلى الحركة لأمور منها:
أولا: لتثقيل الكلمة إذ كانت موضوعة على حرف واحد من حروف الهجاء نحو باء الجر ولامه.
ثانيا: التخلص من التقاء الساكنين، نحو: ”أمس” و ”حيث”.
ثالثا: مشابهة المعرب، كمشابهة الفعل الماضي للاسم والفعل المضارع كما سيأتي.
رابعا: أن تكون للكلمة حالة إعراب وحالة بناء، فتبنى على الحركة لتمييزها عن حالة الإعراب، إذ المعرب يوقف عليه بالسكون فيلتبس المعرب بالمبني، نحو: ”من قبل” و ”من بعد”، ففي حالة إعرابهما ينصبان بالفتحة ويجران بالكسرة، وفي حالة بنائهما يبنيان على الضم لتتميز الحالتان.
وأما البناء على خصوص الفتحة أو خصوص الكسرة أو خصوص الضمة فلكل واحد من هذه الأحوال أسباب يطول شرحها هنا، وراجعها في شرح المرادي على ألفية ابن مالك ”توضيح المقاصد والمسالك” (1 /50).
الأصل في الأسماء الإعراب:
وإنما كان الأصل في الأسماء الإعراب؛ لما تقدم بيانه من افتقارها إليه حتى يتميز معناها في التراكيب المختلفة.
ثم قد يعرض عليها ما يخرجها عن هذا الأصل جزئيا فتمنع نوعا معينا من الإعراب -وهو الجر-، وتمنع علامة التمكن -وهو التنوين-، وذلك إذا شابهت الأفعال وتأثرت بالعوامل، وسيأتي الكلام عليه في بابه.
وقد تخرج عن هذا الأصل كليا فتمنع الإعراب وتبنى، كما ستعرفه في الفقرة القادمة إن شاء الله.
بناء الاسم:
وإنما خرج الاسم عن أصله من الإعراب إلى البناء لأمور منها:
أولا: مشابهته الحرف في الوضع، نحو ضمائر الرفع التي وضعت على حرف او حرفين ثانيهما ساكن في مثل قولك: ”جئتنا”، فالتاء وضعت على حرف واحد مثل باء الجر ولامه، و“نا” وضعت على حرفين مثل ”في” و“عن”، وإنما كانت الضمائر أسماء ولم تكن حروفا لصحة الإسناد إليهما.
ثانيا: مشابهته الحرف في المعنى، نحو: ”أين” لتضمنه معنى همزة الاستفهام، و“هنا” لتضمنه معنى الإشارة، والأصل في المعاني أن تكون بالحروف.
ثالثا: نيابته عن الفعل مع عدم التأثر بالعوامل، وهو اسم الفعل سواء كان للمضي أو الحال أو الاستقبال نحو” ”هيات” و ”أف” و ”صه”.
رابعا: افتقاره الدائم إلى جملة نحو: ”الذي” من الموصولات، و“حيث” و ”إذا” من الظروف.
خامسا: التركيب المزجي نحو: ”بعلبك” و ”حضرموت.
الأصل في الفعل والحرف البناء:
وإنما كان الأصل في الفعل والحرف البناء؛ للزومهما طريقة واحدة، فلا تعتريهما المعاني المختلفة في التراكيب المتنوعة حتى يحتاج فيهما إلى الإعراب للتمييز بينها، نحو: ”ضرب”، فهي دائمة فعل دال على الحدث -الذي هو الضرب- في الزمن الماضي ولا تخرج عن ذلك في أي تركيب.
ونحو: ”إن” وأخواتها، فهي ملازمة لمعنى واحد في مختلف التراكيب، فلم تتنوع معانيها حتى يحتاج إلى شيء يميز بينها.
بناء الفعل الماضي على الفتحة والأمر على السكون:
وإنما بني الفعل الماضي على الحركة لشبهه بالمعرب، وهو اسم الفاعل والفعل المضارع، وأما مشابهته للاسم في من جهة وقوعه موقعه، فتقول: ”هذا رجل ضربنا” كما تقول ”هذا رجل ضاربنا”.
وأما مشابهته للمضارع فمن وجهين وهما:
أولا: اشتراكهما في الجنس؛ إذ كلاهما فعل.
ثانيا: وقوعه موقعه؛ إذ كلاهما يقع خبرا ونعتا وحالا وصلة وشرطا، تقول: ”زيد ضرب عمروا” و ”جاء رجل ضرب عمروا” و ”جاء زيد ضرب عمروا” و ”جاء الذي ضرب عمروا” و ”إن ضرب زيد عمروا فأكرمه”؛ كما تقول: ”زيد يضرب” و ”جاء رجل يضرب” و ”جاء زيد يضرب” و ”جاء الذي يضرب” و ”إن يضرب”.
لكن هذه مشابهة ضعيفة ولذلك أكسبته التحريك ولم تكسبه الإعراب، وإنما حرك بالفتحة لأن الكسر ممتنع فيه كما سيأتي، فلم يبق له إلا الفتح والضم، والفتح أخف الحركات وهو أنسب له لشدة ثقله في المعنى واللفظ، إذ هو مركب المعنى ومبني في اللفظ.
ولما كان الأمر سالما من هذه المشابهة إذ لم يشبه المعرب أصلا بقي على أصله من البناء على السكون، ولم يوجد موجب يخرجه عن أصله إلى التحريك.
إعراب الفعل المضارع:
وإنما أعرب الفعل المضارع لمشابهته لاسم الفاعل، ومن ذلك سمي مضارعا، والمضارعة المشابهة، ووجه المشابهة له ما يلي:
أولا: اتافقهما في المعنى، ألا ترى أن قولك: ”زيد قائم” هو بمنزلة قولك: ”زيد يقوم”.
ثانيا::جريان المضارع على لفظ اسم الفاعل في عدد الحروف والحركات والسكنات، نحو: ”يضرب وضارب”، ”يمزق وممزق”، ”يكرم ومكرم” وهكذا، فاستويا في عدد الحروف وفي رتبة الحركات والسكنات.
ثالثا: تعين الفعل المضارع للاستقبال بدخول السين وسوف بعد أن كان محتملا له وللحال، وتعين اسم الفاعل بدخول أل التعريف بعد كان محتملا لكل فرد من أفراد جنسه.
رابعا: قبولهما لام الابتداء، نحو: ”إن زيدا لقائم” و“إن زيدا ليقوم”.
المضارع فعل وليس باسم:
وإنما كان المضارع فعلا ولم يكن اسما مع قوة مشابهته له؛ لأنه لا يقع موقع الأسماء، ألا ترى أنك لو قلت: ”إن يضرب يأتنا” أو ”جاء يضرب” لم يكن ذلك كلاما.
ولكون الفعل وضع مقترنا بالزمان بخلاف الاسم.
الفعل لا يدخله الجر ولا الكسر:
وإنما امتنع الجر في الفعل؛ لأن المجرور قد يكون مضافا إليه، وليس الفعل مما يضاف إليه لشدة إبهامه، فإن ”يضرب” تحتمل الحال والاستقبال، وتحتمل أن يكون فاعلها أي إنسان صالح لمباشرة الضرب، والإضافة إنما المقصود منها التعريف أو التخصيص، والإضافة إلى المبهم لا تفيد شيئا من ذلك.
بل قال الأخفش: (ليس يكون جر في شيء من الكلام إلا بالإضافة)، وإذ كانت الإضافة ممتنعة في الفعل -لما تقدم بيانه- امتنع فيه الجر.
وكذلك المضاف إليه يقوم مقام تنوين المضاف، ولا يجوز أن يقوم الفعل مقام التنوين؛ لأنه لا يكون فعل وإلا ومعه فاعل، فيكون الفعل والفاعل كلاهما عوضا عن التنوين، والتنوين أضعف من أن يقوم مقامه شيئان قويان، وسبب ضعفه أنه كثيرا ما يحذف ويستغنى عنه، فلا يجتمع مع ”أل” والإضافة والنداء و“لا” النافية للجنس ونحو ذلك.
فترك فيه الجر وخص به الاسم لشدة تمكنه فناسب أن تكون فيه جميع الحركات، ولتناهيه في الخفة ناسب أن تكون في حركات ثقيلة.
وإذ كان الفعل قد منع الجر العارض فلئن يمنع الكسر اللازم من باب أولى.
الفعل لا يدخله الضم:
وإنما لم يبن الفعل على الضم لعدم وجود فعل ثالث غير المضارع، حيث إن الماضي قد بني على الفتح والأمر بني على السكون كما تقدم بيانه، ولم نجد فعلا ثالثا غير المضارع فنبنيه على الضم، والمضارع معرب وخارج عن هذا الباب.
الجزم بالسكون والحذف:
وإنما كان جزم المضارع بالسكون تارة وبالحذف تارة أخرى؛ لأن الجزم هو القطع، فكان لا بد من قطع علامة إعرابه وهي الضمة إذا كان صحيحا، وإذا كان معتلا كان آخره حرف مد مقدرا عليه الحركة، وكان لا بد للجزم من أثر ظاهر يكون علامة عليه، فلما لم يجدوا علامة ليحذفوها حذف الحرف نفسه ليكون ذلك علامة له، وليحصل الفرق بين المرفوع والمجزوم، وإنما سهل عليهم حذفه لأنه حرف مبني على السكون، ومن شأن حروف العلة الضعف، ولذلك كثر فيها الحذف والقلب ونحو ذلك، وإنما سميت حروف علة لأن العلة الضعف والمرض.
وحملت النون في الأمثلة الخمسة على المعتل فحذفت كما يحذف آخر المعتل إذ هي علامة الإعراب.
الاسم لا يدخله الجزم:
وإنما لم يقع الجزم في الاسم لشدة تمكنه، وعلامة التمكن لحاق التنوين وجريانه على جميع الحركات، والجزم هو عدم الحركة؛ فلو جزم لزالت علامة تمكنه، كما قال ابن مالك:
الصرف تنوين أتى مبينا *** معنى به يكون الاسم أمكنا.
وأما الممنوع من الصرف فلم يدخله الجزم مع ضعف تمكنه وزوال تنوينه؛ لئلا يجمعوا له بين ذهاب التنوين وذهاب الحركة أو الحرف إذا كان معتل الآخر، فيكون ذلك إجحافا به، مع كون الاسم في نهاية الخفة فلا يحتمل هذا النوع من الحذف، فترك فيه الجزم وخص به الفعل إذ كان يحتمل التخفيف بحذف الحركة أو حذف آخره لشدة ثقله.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
يتع...
كتبه: عماد أبو قيس البجائي.
صبيحة الأحد 23 ذي القعدة 1439.
الموافق 05 أوت 2018.
تعليق