إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ألأننا رجال بلحىً و قُمُص ... ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ألأننا رجال بلحىً و قُمُص ... ؟

    بــــسم الله الرحمن الرحيــــم


    قبيل مغرب يوم الإثنين السادس جمادى الأولى سنة سبع و ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي صلى الله عليه و سلم ، الموافق للخامس عشر من فبراير سنة ستة عشر و ألفين من ميلاد النبي عيسى عليه السلام .
    أدرت العِمامة فوق رأسي متلثِّما ، و تعطّرت متضمِّخا مُتشمِّما ، ثمّ خرجت شطر المسجد ميمِّما، قبيل الصّلاة ، و كالعادة كوّمت جسدي فوق صخرة و أسندتُ ظهري إلى الحائط ، أنتظر أن تتوار الشّمس بالحجاب ، و يَشرع قيِّم الجامع في فتح الأبواب .
    و بينما أنا من شدّة البرد أتأبّط كفَّيَّ و أضمُّهما من الصّقيعِ إلى جناحيّ . إذ وقفت بجانبي شاحنة صغيرة ، يقودها رجل غريب عن البلد ، فسلّم و تقدّم ، ثمّ أحجم ثم تكلّم ، و قال قولا يقوله النّاس عندنا ( ضيف الله ) ــ بغضّ النّظر عن جواز ذلك أو بطلانه ــ و يقصدون به : عابر سبيل ، فهل من مُضيف ؟
    فقلت مرحبا بالضّيف ، بعد أن رددت السّلام .
    ثمّ وقفت و عانقته ، فسألته عن حاله ، فقال : إنّه ذاهب إلى غرداية حيث نشأ و يقيم ، و قد أتى عليه النّهار جُلُّه و هو خلف عجلة القيادة ، فركبه من التّعب أمثال الجبال ، و لا يزال بينه و بين وُجهته مفاوز و أهوال ، و قفار تنقطع دونها أعناق الإبل و تذوب من هولها أكبادها .
    فقلتُ له : المبيتَ و العَشاء .
    فقال : إن شاء الله .
    فوعدته اللُّقيا بعد الصّلاة .
    و بعد انصرافنا منها ، ذهبنا إلى المنزل ، فأعددت له مُتَّكئا ، و بادرت إلى حفنة من جمر فأوقدتُ عليها ، و أعدّتْ أهلي صينيّة الشاي ، مُكتملة الآلة بهيّة الهالة .
    و أردت ــ على عادتنا ــ أن أُؤنس ضيفي ، فكالمت جماعة من الإخوان ، ليحضروا قعدة الشاي ، لهم في الأحاديث بدع و فنون ، نزيهة عن آثام أهل البدع و المجون ، بريئة من سفاسف السُّفهاء و ذوي الجنون . قوم تحْلُوا بوجودهم المجالسة و تتمُّ بقربهم المجانسة .
    ثمّ وضعت المِجمر بيني و بينه ، و تربّعت على الصينية ، فارخيتُ عقدة العمامة و كشفت اللّثام ، فظهرت تحته لحية أشدُّ سوادا من كُحل أصبهان .
    فرأيت أن العَجَبَ نزل عليه كالفيضان ، و أصبح من هول ما رأى بين النّائم و اليقضان .
    و ما إن حططت البرَّاد على الجمر ، و أعددتُ الفِرَنَّةَ* لهذا الأمر ، حتّى دُقَّ الباب ، و سلّم الأصحاب و الأحباب .
    ففتح ابني لهم و إلى صدر المجلس أولجهم . رجالٌ تُزين وجوههم لحىً كآساد الغاب ، و تُسفر ثغورهم عن سيماء الحلِّ و التِّرحاب .
    فسلّموا و رحّبوا بالضّيف ، سلاما أحرّ من الرّمضاء في الصّيف ، و هنا هرب الدّم من وجه صاحبنا حتى صار كالسّيف .
    و صار الإبريق يقعدُ على أبردَ مما يقعد عليه ضيفنا ، و حدثته نفسه بليلة صبحُها لا يتنفّس و فجرُها لا يُتحسّس .
    و عندما أمسى الحديث ذو شجون ، أبان صاحبنا أن الصّمت له فنون ، ثمّ اعتذر بأنّه يريد أن يُهاتف أحدا ، فأوصلته إلى الباب .
    فقال : إنه ذاهب إلى المسجد .
    فقلت له : و الشاي ؟
    فقال : لا إرب لي فيه .
    بالرّغم من أنّه قبل أن يُكشف اللّثام ، و تظهر اللّحية للكرام ، كان الشّاي هو المُبتغى و المرام .
    فقلتُ : دونك و ما تريد ، و المهمُّ العَشاء . فقال : بعد العِشاء .
    ثمّ دخلت ، فسألني الإخوان عن الضيف ، فقلت : عابر سبيل ، و قد سأل الضِّيافة فوجبت ، و لست أعرفه قبل السّاعة .
    فقال أحدهم : أيريد المبيت ؟
    فقلت : نعم .
    فقال : إنّ هذا الأمر لا يخلو من مخاطرة ، و ما تدري من الرّجل ؟
    فقلت : سيكون خيرا إن شاء الله ، و ما ينبغي لنا أن نظنّ سوءا بالرّجل .
    فقال : إذهب به إلى مكتب الدّرك ليتوثقوا من حقيقته ، و يحفظوا هويّته زيادة في الإحتياط .
    فقلت : لا تطاوعني نفسي ، و لا أرى هذا من أفعال الكرام .
    و كانت بادرةً لتجود ألسنة القوم بأخبار الكرام و غدر اللّئام .
    ... و عند العَشاء ، كان الضّيف يأكل على استحياء ، كأنّما أصاب يده الكلل و الإعياء ، و كان كأنّه يُلقِم نملة ، أو يمضغ رملة . و بعد أربع لقيمات أو خمس ، مسح يديه و فمه ، و حمدالله ، ثمّ شكرني على هذا الصّنيع و زعم أنّه كان قد ملأ معدته عشيا ، و لا يزال مريئُهُ منها نديّا .
    فاستأذن للخروج .
    فقلت مُستغربا : إلى أين ؟
    فقال : سأبيت عند رجل آخر .
    فقلتُ : أتعرف أحدا هنا ؟
    قال : لا ، لكنّ صاحبي كلّم رجلا يعرفه في بلدتكم ، و قد دعاني للمبيت عنده .
    فقلت : أنا مُضيفك الأوّل و لي حقٌّ عليك ، و من العار أن أدعك تذهب .
    فاعتذر و ألحّ ، فعلمت أن في الأمر خطبا ...
    فودّعته و تركته يذهب .
    علمتُ بعدها :
    أنّه لمّا دخل الإخوان ، أوجس صاحبنا خيفة من هؤلاء الملتحين ، و حدّثته نفسه أنّه قد جاء أجله في هذا الحين .
    فخرج من الدّار ، و كلّم صاحبا له في بلده ، ثمّ وجّهه هذا الأخير إلى رجل من معارفه عندنا ليبيت عنده .
    ثمّ أخبر الضيف الرّجل الذي بات عنده أنه ظن أنّ اجتماعنا وقت الشاي كان لأمرٍ سوءٍ ، و أنّا قد خطّطنا لنغدر به .
    و ما ذلك إلاّ لأنّنا قد ترسّمنا خطى نبيّنا صلى الله عليه و سلم .
    فهاله منظر القُمُص القِصار ، و اللّحى المُرخاة ، و الشوارب المُحفاة .
    و بُليدتنا صغيرة يعرف الكلّ فيها الكلّ ، و أصحابنا أشهر من نار على علم بحسن الأخلاق و نَبذ الشّقاق و سلوك سبيل الإتّفاق .
    فقال له الرّجل : إن هذا الصِّنف الذي تخوّفته ، نسمع عنه و لم نره و الحمد لله ، و الذين استضافوك من خيرة الشّباب و الرّجال ،و ما ظننتَه فيهم واحدٌ من أَضرُب المُحال .

    يا ترى أكان يكون حسَن الظَنِّ لو استضافه قومٌ لا قُمُص لهم و لا لحىً ؟
    أأصبحت اللّحية و القميص أمارة على الغدر و الشرّ ؟
    أم أن هذا من ثمرات أفعال الخوارج ، و الرّجل معذور على إساءته الظّنَّ ؟



    هذا ما حدث حقيقة في التاريخ المسطور أعلاه

    ــــــــــــــــــــ
    *_ الفِرنّة : المِجمر و هو إناء من حديد يوضع فيه الجمر


    بقلم : أبي عاصم مصطفى بن محمد
    السُّلميّ
    تبلبـــالة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عاصم مصطفى السُّلمي; الساعة 2017-05-05, 12:18 AM.

  • #2
    لست أدري كيف وضعت موضوعين متشابهين في نفس الوقت في ركن واحد
    فعذرا ، و احذفوا أحدهما جزاكم الله خيرا

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا

      تعليق


      • #4
        و إياك أخي موسى . أحسن الله إليك و بارك فيك

        تعليق


        • #5
          القصة مع أنّها محزنة مؤسفة إلا أنّ القالب الذي عُرضت فيه أنسى الأسى الذي تحمله
          فبارك الله فيك و في قلمك
          و نسأل الله أن يهدينا أجمعين .

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا و أحسن إليك أخي الفاضل أبا عمر

            تعليق

            الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
            يعمل...
            X