تفريغُ كلمةٍ بعنوان:
بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَان
ألقاها:
في مجلسه العلمي ضمن دروسه المسائية بمسجد القدس
الموافق لـ 28 من شعبان 1436 بمناسبة شهر رمضان
الصّوتيَّة على هذا الرَّابط:
https://elibana.org/vb/node/16467?t=16443
وقد بيَّن فيها الشَّيخُ سُنَّة مهجورةً غفلنا عنها وهي: مُدارسة القرآن الكريم،
فجزى اللهُ الشَّيخ خير الجزاء، ووفّقنا للعمل بهذه السُّنّة ..
التّفريغ:
فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
03 / رمضان / 1436هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
بَيْنَ يَدَيْ رَمَضَان
ألقاها:
في مجلسه العلمي ضمن دروسه المسائية بمسجد القدس
الموافق لـ 28 من شعبان 1436 بمناسبة شهر رمضان
الصّوتيَّة على هذا الرَّابط:
https://elibana.org/vb/node/16467?t=16443
وقد بيَّن فيها الشَّيخُ سُنَّة مهجورةً غفلنا عنها وهي: مُدارسة القرآن الكريم،
فجزى اللهُ الشَّيخ خير الجزاء، ووفّقنا للعمل بهذه السُّنّة ..
التّفريغ:
وفي الحقيقة نحمدُ الله تبارك وتعالى على منِّه وفضلِهِ، كما نسألُهُ -جلّ وعلا- أن يُبلِّغنا رمضان، وإن لم يبق منهُ إلاّ هذا الوقت اليسير إلاّ أننا لا ندري ولا نعلم خاتمتنا ولا آجالنا، ولهذا دائمًا وأبدًا العبد يسأل ربَّه تبارك وتعالى أن يُبلِّغه الخير؛ ما تعلّق بالخير المكانيّ أو بالخير الزّمانيّ، أن يُبلِّغه الأماكن التي فضَّلها الله -عزّ وجلّ- أماكن مُقدَّسة أماكن تتضاعف فيها الأجور، أن يُبلّغه كذلك الأزمنة المُباركة، ومن خير هذه الأزمنة وأفضلها هو هذا الشّهر العظيم المُبارك الذي كان للسَّلف لهم فيه شأنٌ اقتداءً بنبيِّهم –عليه الصَّلاة والسَّلام-.
هذا الشّهر الذي جمع الخيرات كلّها، أنا أردتُّ أو جاءتني خاطرة وأنا أُحضِّرُ في درس اليوم متعلِّق بالطّاعات والقربات في هذا الشّهر المبارك:
من حرص المسلم على الخير والسُّنِّي خاصّةً أن يحرص على إحياء السُّنَن المهجورة، وإذا جاءت مناسبات ومواسمٌ للخير من مثل هذا الموسم العظيم المُبارك، جاءكم شهر رمضان شهرٌ كريم، تُفتَّح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النِّيران، وتُصفَّد فيه الشّياطين، ما هي السُّنَن المهجورة التي نغفلُ عنها ويغفل عنها الكثير منَّا؟
من هذه السُّنَن وأنا أُراجع أحاديث نبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- الواردة في فضل هذا الشَّهر الكريم حديثٌ مُتعلِّقٌ بإحدى شمائله وكريم صفاته وأخلاقِهِ، هذا الحديثُ مُتعلِّقٌ برمضان وهو: أنّ رسول الله –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- نبدأ الحديث من آخره (فَلَرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الرِّيح المُرسلة)؛ متى يكون هذا في نبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام-؟ متى؟ هآه؟ واحد؛ كلّكم! قلنا في (نتاع) الكل هذه الشّيخ تقيّ قال بدعة، بالواحد ... (حين يلقاه جبريل فيُدارسه القرآن، فَلَرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة)، يعني: اجتمعت خيرات كثيرة، اجتمع شرفُ الزّمان، واجتمع شرف الاجتماع واللِّقاء.
تصوّروا نبيّنا يلتقي في هذه اللّيالي المُباركة الطّيِّبة العظيمة الفضيلة يلتقي رسول السّماء برسول الأرض؛ يلتقي جبريل الأمين بالنّبيّ الكريم –عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ يلتقون على ماذا؟ يلتقون على القرآن على كلامِ الله، كلامُ الله الذي أنزله اللهُ –تبارك وتعالى- على قلبِ نبيِّه بواسطة جبريل.
هذه السّنوات سنوات الوحي التي عاشها نبيُّنا –صلّى الله عليه وسلَّم- يلقى جبريل في كلِّ الأوقات حين يتنزَّل عليه بالوحي، قد يكون في سفر، قد يكون في حضر، قد يكون بليل، قد يكون بنهار، قد يكون في مسجدِهِ، قد يكون في بيتِهِ، قد يكون في حالِ نومِهِ، قد يكون في حال يقظتِهِ، قد يكون في حالِ صحّته، قد يكون في حال سقمِهِ، في كلِّ الأحوال يتنزّل عليه جبريل؛ يتنزّل عليه بالقرآن يُقرئه القرآن فيحفظه النّبيّ –صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم- مباشرةً، ثُمّ بعد ذلك يُقرئه النّبيّ –صلّى الله عليه وسلَّم- أصحابه يُقرئه على كتبة الوحي يكتبونه على الصّحف، ثُمّ في كُلِّ رمضان وهذا محلّ الشّاهد وهذه السُّنّة المهجورة التي أردتُّ أن أُذكِّر نفسي أوّلاً وإخواني بها لعلّنا نكون من الذينَ يُحيونها في هذا الشَّهر مع إخواننا أو مع أبنائنا أو مع أهلنا في بيوتنا في مساجدنا، نبيّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- يأتيه جبريل فيُدارسُهُ القرآن، ومُدارسة القرآن على نوعين:
- مُدارسةٌ لألفاظه.
- ومُدارسةٌ لمعانيه.
مُدارسةٌ لألفاظه: يعرض عليك وتعرض عليه، تقرأ، سواء مجرد أنك تقرأ القرآن على أخيك، ليس شرطا تعرض عليه حفظك لأنك تحفظ؛ هذا من المدارسة كذلك، عرض المحفوظ من القرآن من المدارسة، ولا تجعلوا غايتكم في هذا العرض إخواني مُجرَّد عرض الحفظ، اجعلوه عرض مُدارسة لكلام الله –جلّ وعلا- تتدبّرون الآيات، تستوقفكم بعضُ الكلمات بعض المعاني الجليلة كما كان نبيُّكم –عليه الصَّلاة والسَّلام-، النبيُّ يُدارِسه مع جبريل –عليه السَّلام-، يُدارسه مع أصحابه يقرأ عليهم ويقرؤون عليه، يقول لعبد الله بن مسعود أحد مُقرئي الصَّحابة والعلماء بالقرآن من أعلم أصحاب رسول الله بكتاب الله يقول له: (اقرأ عليَّ) يعني: من القرآن، فيقول ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه- مُتعجِّبًا: كيف أقرأ عليك القرآن يا رسول الله وعليك أُنزل؟ أقرؤه عليك وعليك أُنزل، فيقول –صلّى الله عليه وسلَّم- -وفداه أبي وأُمِّي-: (إنِّي أُحِبُّ أن أسمعه من غيري) أُحِبُّ أن أسمع القرآن من غيري، فيقرأ عليه باستجابة ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فبدأ يقرأ عليه من سورة المائدة حتَّى إذا جاء إلى قوله تبارك وتعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾ قال النّبيّ –صلّى الله عليه وسلَّم- لعبد الله: (حسبُكَ الآن)؛ قال له: حسبك؛ توقَّف، قال عبد الله: (فنظرتُ إليه فإذا عيناه تذرفان)، يبكي النّبيّ –عليه الصَّلاة والسَّلام-، لأنّ هذه المُدارسة استوقفته وشعَرَ بعِظَم الأمانة والمسؤوليَّة، يأتي يوم القيامة ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ..﴾ مُنذ أن خلق الله -جلّ وعلا- آدم إلى قيام السَّاعة يأتي ربُّنا -جلّ وعلا- بالأُمَم كلّها من غير استثناء، وكُلّ أمّة بشهيدها النّبي الذي أُرسل فيها، ثُمّ يأتي بنبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- ﴿..وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾، هذا أمرٌ عظيمٌ يا إخوة، ولهذا استشعره النّبيّ –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم-.
هذه المُدارسة كانت في هذه الأيَّام واللَّيالي المُباركة كانت مع جبريل –عليه السَّلام- وكان يُدارسه القرآن كلّه، وفي العام الأخير الذي فارق بعده نبيُّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- هذه الحياة دارسَهُ القرآن مرَّتين؛ كلّ القرآن.
فهذه إخواني من السُّنَن المهجورة التي نسألُ الله –تبارك وتعالى- أن يُوفِّقني وإخواني جميعًا لأن نُحييها في هذا الشَّهر المُبارك أو في رمضان هذا، ولا يدري أحدنا أن نبلغ رمضان أو أن نُكمل رمضان، نصوم جزءًا منه أو نصفه أو كلّه، هذا علمه عند ربي تبارك وتعالى، ولكن الكيِّس الفطن هُوَ الذي يحرص على الخير، ويجتهد في الطَّاعات في موسمها وفي وقتها لأنَّها فُرَص قد لا تعود، والسّلف كانوا يعتقدون هذا ويستشعرونَهُ، ولهذا كانوا يتنافسون فيه في أنواع من الخير حتَّى إذا سمعها السَّامِع ظنَّ أنَّها من المُبالغات، تسمع أنت أحدهم يختم القرآن في ليلةٍ واحدةٍ، تقول أنت: هذا غير معقول! وإن كان في هذا مخالفة لهدي النّبيّ –عليه الصَّلاة والسَّلام-، ورحم الله الحافظ الذّهبيّ –عليه رحمة الله- كان لمّا يأتي لمثل هذه الآثار يقول: (ولكن خيرُ الهدي هديُ رسول الله –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- الذي كان ينهى على ختم القرآن في أقلّ من ثلاث أو من أربع).
الشَّاهد يا إخوان: هذه المُدارسة بهذه المعاني والتّدبُّر يكون على جنبك أو أمامك كتاب من كُتب التّفسير المُيسَّرة، ونحن دائمًا وأبدًا ننصح بتفسير الإمام السّعدي –عليه رحمة الله تبارك وتعالى- لأنَّهُ تفسيرٌ للقرآن كلّه من جهة وتفسير جمَعَ بينَ الألفاظ الطّيِّبة القويَّة من الألفاظ لأنّ الشَّيخ مُتشبِّعٌ بكلام شيخَيْ الإسلام ابن تيميَّة وابن القيِّم –عليه رحمة الله-، والعقيدة سليمة، والألفاظ سهلة، وأنَّهُ تفسيرٌ بالأثر، وهذا أفضل أنواعه التّفاسير.
بجبنك؛ تستشكل عليك آية لفظة من كلام الله –جلّ وعلا- وأنت تُدارس القرآن مع زوجتك أو مع أخيك أو مع أبيك أو مع ابنك تقول: نرجع إلى تفسيرها، فترجع إلى تفسيرها وتقرأ من كلام هذا المُفسِّر الهُمَام وهذه الإمام –عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، فتزدادُ فائدةً وعلمًا وفقهًا.
نسألُ الله تبارك وتعالى أن يُوفِّقنا، وأن يُكرمنا بأن يتقبَّل مِنَّا صالح أعمالنا في هذا الشَّهر المُبارك العظيم، كما نسأله –تبارك وتعالى- أن يمُنّ علينا بتوبةٍ قبل الممات، وأن يغفر لنا سائر ذنوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرحم إخواننا المُستضعفين في الكثير من البلاد الإسلاميَّة الذين مزّقتهم الحروب وشتّتتهم الفتن وتكالب عليهم أعداء هذه الملَّة من اليهود والنّصارى ومن الرَّوافض، نسأل الله جلّ وعلا أن يكون معهم في هذه الأيَّام واللَّيالي المُباركة؛ أن يُقوِّي عزائمهم وأن يزيد من إيمانهم وأن يُفرِّج كُربتهم وأن يُنفِّس عنهم إنّه سمعٌ جوادٌ كريمٌ.
أسألُ الله –تبارك وتعالى- أن يُبارك لي ولإخواني جميعًا فيما سنستقبله بإذن الله تبارك وتعالى من خيرِ هذا الشَّهر المُبارك الكريم.
وسبُحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.اهـ
هذا الشّهر الذي جمع الخيرات كلّها، أنا أردتُّ أو جاءتني خاطرة وأنا أُحضِّرُ في درس اليوم متعلِّق بالطّاعات والقربات في هذا الشّهر المبارك:
من حرص المسلم على الخير والسُّنِّي خاصّةً أن يحرص على إحياء السُّنَن المهجورة، وإذا جاءت مناسبات ومواسمٌ للخير من مثل هذا الموسم العظيم المُبارك، جاءكم شهر رمضان شهرٌ كريم، تُفتَّح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النِّيران، وتُصفَّد فيه الشّياطين، ما هي السُّنَن المهجورة التي نغفلُ عنها ويغفل عنها الكثير منَّا؟
من هذه السُّنَن وأنا أُراجع أحاديث نبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- الواردة في فضل هذا الشَّهر الكريم حديثٌ مُتعلِّقٌ بإحدى شمائله وكريم صفاته وأخلاقِهِ، هذا الحديثُ مُتعلِّقٌ برمضان وهو: أنّ رسول الله –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- نبدأ الحديث من آخره (فَلَرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الرِّيح المُرسلة)؛ متى يكون هذا في نبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام-؟ متى؟ هآه؟ واحد؛ كلّكم! قلنا في (نتاع) الكل هذه الشّيخ تقيّ قال بدعة، بالواحد ... (حين يلقاه جبريل فيُدارسه القرآن، فَلَرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة)، يعني: اجتمعت خيرات كثيرة، اجتمع شرفُ الزّمان، واجتمع شرف الاجتماع واللِّقاء.
تصوّروا نبيّنا يلتقي في هذه اللّيالي المُباركة الطّيِّبة العظيمة الفضيلة يلتقي رسول السّماء برسول الأرض؛ يلتقي جبريل الأمين بالنّبيّ الكريم –عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ يلتقون على ماذا؟ يلتقون على القرآن على كلامِ الله، كلامُ الله الذي أنزله اللهُ –تبارك وتعالى- على قلبِ نبيِّه بواسطة جبريل.
هذه السّنوات سنوات الوحي التي عاشها نبيُّنا –صلّى الله عليه وسلَّم- يلقى جبريل في كلِّ الأوقات حين يتنزَّل عليه بالوحي، قد يكون في سفر، قد يكون في حضر، قد يكون بليل، قد يكون بنهار، قد يكون في مسجدِهِ، قد يكون في بيتِهِ، قد يكون في حالِ نومِهِ، قد يكون في حال يقظتِهِ، قد يكون في حالِ صحّته، قد يكون في حال سقمِهِ، في كلِّ الأحوال يتنزّل عليه جبريل؛ يتنزّل عليه بالقرآن يُقرئه القرآن فيحفظه النّبيّ –صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم- مباشرةً، ثُمّ بعد ذلك يُقرئه النّبيّ –صلّى الله عليه وسلَّم- أصحابه يُقرئه على كتبة الوحي يكتبونه على الصّحف، ثُمّ في كُلِّ رمضان وهذا محلّ الشّاهد وهذه السُّنّة المهجورة التي أردتُّ أن أُذكِّر نفسي أوّلاً وإخواني بها لعلّنا نكون من الذينَ يُحيونها في هذا الشَّهر مع إخواننا أو مع أبنائنا أو مع أهلنا في بيوتنا في مساجدنا، نبيّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- يأتيه جبريل فيُدارسُهُ القرآن، ومُدارسة القرآن على نوعين:
- مُدارسةٌ لألفاظه.
- ومُدارسةٌ لمعانيه.
مُدارسةٌ لألفاظه: يعرض عليك وتعرض عليه، تقرأ، سواء مجرد أنك تقرأ القرآن على أخيك، ليس شرطا تعرض عليه حفظك لأنك تحفظ؛ هذا من المدارسة كذلك، عرض المحفوظ من القرآن من المدارسة، ولا تجعلوا غايتكم في هذا العرض إخواني مُجرَّد عرض الحفظ، اجعلوه عرض مُدارسة لكلام الله –جلّ وعلا- تتدبّرون الآيات، تستوقفكم بعضُ الكلمات بعض المعاني الجليلة كما كان نبيُّكم –عليه الصَّلاة والسَّلام-، النبيُّ يُدارِسه مع جبريل –عليه السَّلام-، يُدارسه مع أصحابه يقرأ عليهم ويقرؤون عليه، يقول لعبد الله بن مسعود أحد مُقرئي الصَّحابة والعلماء بالقرآن من أعلم أصحاب رسول الله بكتاب الله يقول له: (اقرأ عليَّ) يعني: من القرآن، فيقول ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه- مُتعجِّبًا: كيف أقرأ عليك القرآن يا رسول الله وعليك أُنزل؟ أقرؤه عليك وعليك أُنزل، فيقول –صلّى الله عليه وسلَّم- -وفداه أبي وأُمِّي-: (إنِّي أُحِبُّ أن أسمعه من غيري) أُحِبُّ أن أسمع القرآن من غيري، فيقرأ عليه باستجابة ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فبدأ يقرأ عليه من سورة المائدة حتَّى إذا جاء إلى قوله تبارك وتعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾ قال النّبيّ –صلّى الله عليه وسلَّم- لعبد الله: (حسبُكَ الآن)؛ قال له: حسبك؛ توقَّف، قال عبد الله: (فنظرتُ إليه فإذا عيناه تذرفان)، يبكي النّبيّ –عليه الصَّلاة والسَّلام-، لأنّ هذه المُدارسة استوقفته وشعَرَ بعِظَم الأمانة والمسؤوليَّة، يأتي يوم القيامة ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ..﴾ مُنذ أن خلق الله -جلّ وعلا- آدم إلى قيام السَّاعة يأتي ربُّنا -جلّ وعلا- بالأُمَم كلّها من غير استثناء، وكُلّ أمّة بشهيدها النّبي الذي أُرسل فيها، ثُمّ يأتي بنبيِّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- ﴿..وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا﴾، هذا أمرٌ عظيمٌ يا إخوة، ولهذا استشعره النّبيّ –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم-.
هذه المُدارسة كانت في هذه الأيَّام واللَّيالي المُباركة كانت مع جبريل –عليه السَّلام- وكان يُدارسه القرآن كلّه، وفي العام الأخير الذي فارق بعده نبيُّنا –عليه الصَّلاة والسَّلام- هذه الحياة دارسَهُ القرآن مرَّتين؛ كلّ القرآن.
فهذه إخواني من السُّنَن المهجورة التي نسألُ الله –تبارك وتعالى- أن يُوفِّقني وإخواني جميعًا لأن نُحييها في هذا الشَّهر المُبارك أو في رمضان هذا، ولا يدري أحدنا أن نبلغ رمضان أو أن نُكمل رمضان، نصوم جزءًا منه أو نصفه أو كلّه، هذا علمه عند ربي تبارك وتعالى، ولكن الكيِّس الفطن هُوَ الذي يحرص على الخير، ويجتهد في الطَّاعات في موسمها وفي وقتها لأنَّها فُرَص قد لا تعود، والسّلف كانوا يعتقدون هذا ويستشعرونَهُ، ولهذا كانوا يتنافسون فيه في أنواع من الخير حتَّى إذا سمعها السَّامِع ظنَّ أنَّها من المُبالغات، تسمع أنت أحدهم يختم القرآن في ليلةٍ واحدةٍ، تقول أنت: هذا غير معقول! وإن كان في هذا مخالفة لهدي النّبيّ –عليه الصَّلاة والسَّلام-، ورحم الله الحافظ الذّهبيّ –عليه رحمة الله- كان لمّا يأتي لمثل هذه الآثار يقول: (ولكن خيرُ الهدي هديُ رسول الله –صلّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- الذي كان ينهى على ختم القرآن في أقلّ من ثلاث أو من أربع).
الشَّاهد يا إخوان: هذه المُدارسة بهذه المعاني والتّدبُّر يكون على جنبك أو أمامك كتاب من كُتب التّفسير المُيسَّرة، ونحن دائمًا وأبدًا ننصح بتفسير الإمام السّعدي –عليه رحمة الله تبارك وتعالى- لأنَّهُ تفسيرٌ للقرآن كلّه من جهة وتفسير جمَعَ بينَ الألفاظ الطّيِّبة القويَّة من الألفاظ لأنّ الشَّيخ مُتشبِّعٌ بكلام شيخَيْ الإسلام ابن تيميَّة وابن القيِّم –عليه رحمة الله-، والعقيدة سليمة، والألفاظ سهلة، وأنَّهُ تفسيرٌ بالأثر، وهذا أفضل أنواعه التّفاسير.
بجبنك؛ تستشكل عليك آية لفظة من كلام الله –جلّ وعلا- وأنت تُدارس القرآن مع زوجتك أو مع أخيك أو مع أبيك أو مع ابنك تقول: نرجع إلى تفسيرها، فترجع إلى تفسيرها وتقرأ من كلام هذا المُفسِّر الهُمَام وهذه الإمام –عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، فتزدادُ فائدةً وعلمًا وفقهًا.
نسألُ الله تبارك وتعالى أن يُوفِّقنا، وأن يُكرمنا بأن يتقبَّل مِنَّا صالح أعمالنا في هذا الشَّهر المُبارك العظيم، كما نسأله –تبارك وتعالى- أن يمُنّ علينا بتوبةٍ قبل الممات، وأن يغفر لنا سائر ذنوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرحم إخواننا المُستضعفين في الكثير من البلاد الإسلاميَّة الذين مزّقتهم الحروب وشتّتتهم الفتن وتكالب عليهم أعداء هذه الملَّة من اليهود والنّصارى ومن الرَّوافض، نسأل الله جلّ وعلا أن يكون معهم في هذه الأيَّام واللَّيالي المُباركة؛ أن يُقوِّي عزائمهم وأن يزيد من إيمانهم وأن يُفرِّج كُربتهم وأن يُنفِّس عنهم إنّه سمعٌ جوادٌ كريمٌ.
أسألُ الله –تبارك وتعالى- أن يُبارك لي ولإخواني جميعًا فيما سنستقبله بإذن الله تبارك وتعالى من خيرِ هذا الشَّهر المُبارك الكريم.
وسبُحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.اهـ
فرّغه:/ أبو عبد الرحمن أسامة
03 / رمضان / 1436هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
تعليق