إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

السرقات العلمية عند الدكتور فركوس هداه رب البرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السرقات العلمية عند الدكتور فركوس هداه رب البرية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    السّرقات العلميّة

    عند الدّكتور فركوس هداه ربّ البريّة


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:
    اعلم رحمك الله أن القاعدة التي ينبغي أن يسير عليه السلفي ولا يخالفها المتبع السني -فيما يتعلق بما ينتقد على علماء السنة ويستنكر من كلام فقهاء الملة- هو ما ذكره العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله ورعاه- وهي:
    "نصيحتي لكم أن تدرسوا إذا تُكلم في شخص أن تدرسوا عنه، وتأخذوا أقوال الناقدين وتفهمونها، وتتأكدون من ثبوتها، فإذا تبين لكم ذلك فليحكم الإنسان من منطلق الوعي والقناعة لا تقليدا لهذا أو ذاك، ولا تعصبا لهذا أو ذاك، ودعوا الأشخاص فلان وفلان، هذه خذوها قاعدة، وانقلوها لهؤلاء المخالفين ليفهموا الحقيقة فقط، ويعرفوا الحق، وليُخرجوا أنفسهم من زمرة المتعصبين للباطل، وأنا لا أرضى من أحد أن يتعصب لي أبدا، إذا أخطأت فليقل لي من وقف لي على خطأ أخطأت -بارك الله فيكم- ولا يتعصب لأحد والله لا لهذا أو ذاك، لا يتعصب لخطأ ابن تيمية، ولا لابن عبد الوهاب، ولا لأحمد بن حنبل، ولا للشافعي، ولا لأحد، إنما حماسه للحق واحترامه للحق ويجب أن يكره الخطأ، ويكره الباطل"[1].
    والخلاصة: أنه إذا تُكلم في شخص يتصرف السلفي كالآتي:
    أولا: يأخذ أقوال الناقدين ويتفهمها.
    ثانيا: يتأكد من ثبوتها.
    ثالثا: إذا تبين الأمر له يحكم من منطلق الوعي والقناعة لا تقليدا ولا تعصبا لأحد من الناس.
    ومن فعل هذا أخرج نفسه من زمرة المتعصبين للباطل ومفهومه أنه إذا لم يفعل كان من زمرتهم ومن الواقعين في باطلهم".
    ولذلك لما ظهرت انتقادات الدكتور فركوس -أصلحه الله- للمشايخ فيما سمي بعد ذلك بـ "شهادة للتاريخ" نظر السلفيون فيها فلما لم يجدوا برهانا يدعمها ودليلا يؤيدها لم يعملوا بها ولم يرفعوا رأسا بكل ما جاء فيها وطالبوا بالأدلة التي تُلزمهم والبراهين التي تقوي على الأخذ بها عزائمهم، وهذا الذي فعلته -والحمد لله- في مقالة وجهة نظر الجزء الأول، ثم ظهرت انتقادات من بعض المنتسبين للدكتور فركوس والمؤيدين له لمشايخنا وكذلك عاملها السلفيون بنفس القاعدة وردوها وبينوا عوارها وكذلك فعلت في الجزء الثاني من وجهة نظر -والحمد لله-.
    والآن ظهرت انتقادات من علماء ومشايخ سنيين للدكتور فركوس –سلمه الله- ولبعض تقريراته أو اختياراته وفتاويه سواء كانت مبثوثة في كتبه أو منشورة على موقعه، وكذلك فعل جملة من طلبة العلم المعروفين أو ممن يذب عن السلفية ومشايخها من السلفيين.
    والعبرة في كل هذا السير على القاعدة التي ذكرها العلامة ربيع -حفظه الله ورعاه- وهي دراسة هذه الانتقادات واتخاذ موقف واضح فيها عن وعي وقناعة لا تقليدا لفلان أو انتصارا لعلان ولنبدأ بما انتقد على الدكتور من مسألة "السرقات العلمية" وسأتناول دليلا واحدا من أدلتها وأجري عليه الدراسة اللازمة للتأكد من ثبوته وانطباق اسم "السرقة العلمية" عليه فأقول:
    اعلم رحمك الله أننا لو حاكمنا ما انتقد على الدكتور –أصلحه الله وسدده- في هذا الباب لكلام العلماء لوجدناه يدخل تحت مسمى السرقات العلمية إن لم يكن كله فمعظمه، وسأضرب على ذلك مثالا ليتضح المقال بعد ذكر كلام إمامين من أئمة العصر في السرقات العلمية:
    - قال العلامة الألباني رحمه الله كما نقل عنه عصام هادي في كتابه "الألباني كما عرفته" ص64:"
    قال: لما كثر اللغط حول ما يفعله بعض إخواننا من نقل لكلام دون أن يعزو ذلك إليهم، سألت شيخنا: هل هذه سرقة أم لا؟
    فقال شيخنا: نعم هو سرقة، ولا يجوز شرعا؛ لأنه تشبع بما لم يعط، وفيه تدليس وإيهام أن هذا الكلام أو التحقيق من كيس علمه.
    فقلت: شيخنا بعضهم يحتج بما وقع فيه بعض العلماء السابقين؟
    فقال: هل يفخرون بذلك؟ لا ينبغي لطالب العلم أن يفخر بذلك، واعلم يا أستاذ أن المنقول أحد أمرين:
    - فمن نقل كلاما لا يشك أحد رآه أنه ليس من كلامه كمثل ما أقول أنا وغيري: إن فلانا ضعيف أو ثقة، فكل من يقرأ هذا يعلم أن هذا ليس كلامي، فهذا يغتفر.
    - أما ما فيه بحث وتحقيق فلا يجوز أيا كان فاعله".
    - قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح حلية طالب العلم" ص297:" والكاتب الذي كتب هذا المنسك، تجده نقل العبارة برمتها وشكلها ونقطها وإعرابها من كتاب آخر، ولا يقول: قال فلان في الكتاب الفلاني.
    وهذه سرقة للعلم. فهؤلاء نعتبرهم سراقا".
    فأما المثال المقصود والذي سأجري عليه البحث والدراسة فهو الفتوى رقم:906 بعنوان: "في العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد" فإن شئت طالعها في الحاشية،[2] وأما المكان الذي أُخذت منه مادة هذه الفتوى فهو مبحث بعنوان: "العلاقة بين أقسام التوحيد" لأبي بكر محمد زكريا في كتابه "الشرك في القديم والحديث" ج1 من الصفحة 97 إلى الصفحة 101 وإن شئت طالعه في الحاشية[3]؛ والخلاصة أن الذي يدرس هذا المثال يتضح له بالدلائل الصريحة والبراهين الواضحة وقوع الدكتور فيما يسمى بالسرقة العلمية وإليك التفصيل:

    أولا: نص الفتوى كله مأخوذ من كتاب "الشرك في القديم والحديث" مع تغيير طفيف بزيادة بعض الكلمات القليلة أو التقديم والتأخير في الجمل المأخوذة وإلى البيان مع تقسيم الفتوى إلى جمل أربعة لتسهل المراجعة:

    الجملة الأولى:" فاعلم أنه لا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة (هذه باللفظ مع زيادة فاعلم أنه) وهي: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية (هذا التفصيل في أنواع التوحيد زائد) فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية (باللفظ مع اختزال قول المصنف الأصلي و"كذلك لا يصح" قبل قوله "ولا يقوم..") ولا يستقيم توحيد الله في ربوبيته وألوهيته بدون توحيده في أسمائه وصفاته (باللفظ مع تغير في الترتيب حيث قال المصنف الأصلي: وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته)، فهذه الثلاثة متلازمة يكمل بعضها بعضا (باللفظ مع تغير طفيف في الصياغة والترتيب لأن المصنف قال:" فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة فهي متلازمة يكمل بعضها بعضا" ولم يذكرها في هذا الموطن بل في الأول)، ولا يسع الاستغناء ببعضها عن البعض الآخر (باللفظ مع تغيير كلمة "يمكن" بكلمة "يسع" فالمصنف الأصلي قال: "فلا يمكن" والدكتور قال: "ولا يسع")، فالعلاقة الرابطة بين هذه الأقسام هي علاقة تلازم وتضمن وشمول (بلفظ قريب جدا حيث قال المصنف الأصلي: وقد أوضح بعض أهل العلم هذه العلاقة بقوله:" هي علاقة تلازم وتضمن وشمول" وهنا صاحب الكلام الأصلي أحال هذا الكلام لابن أبي العز كما صرح في الحاشية أما الدكتور فأخذها رأسا ولم يحل).

    الجملة الثانية: وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية (باللفظ غير أنه زاد حرف "الواو" قبل كلمة "توحيد")، ومعنى ذلك أن توحيد الألوهية خارج عن مدلول توحيد الربوبية (باللفظ غير أنه جعل حرف" الواو" بدل حرف "الباء" في كلمة "معنى" المبدوء بها)، فلا يتحقق توحيد الربوبية إلا بتوحيد الألوهية (باللفظ غير أنه جعل حرف "الفاء" بدل لفظة "لكن" فالمصنف الأصلي قال: "لكن لا" والدكتور قال: "فلا")، أي: أن توحيد الربوبية لا يُدخل من آمن به في الإسلام ( باللفظ مع زيادة لفظة "أي" في أوله والجملة كلها أدخلت في هذا السياق وهي مأخوذة من كلام المصنف أيضا)، بخلاف توحيد الألوهية فإنه يتضمن توحيد الربوبية (باللفظ مع تغيير طفيف فجعل بدل لفظة "وأن" عند المصنف لفظة "بخلاف" ولفظة "متضمن" عند المصنف لفظة "فإنه يتضمن")، أي: أن توحيد الربوبية جزء من معنى توحيد الألوهية (باللفظ غير أنه جعل بدل لفظة "بمعنى" عند المصنف لفظة "أي")، فالإيمان بتوحيد الألوهية يدخل في الإسلام (باللفظ مع تغيير طفيف في اللفظ والترتيب حيث قال المصنف: فإن الإيمان به يدخل في الإسلام).

    الجملة الثالثة: فيتقرر عندئذ أن توحيد الربوبية علمي اعتقادي، وتوحيد الألوهية عملي طلبي (باللفظ مع بعض التغيير فجعل بدل قول المصنف "وبعبارة أخرى" قوله "فيتقرر عندئذ" وأضاف كلمتي "توحيد الربوبية" "وتوحيد الألوهية")، والعملي متضمن للعلمي (باللفظ)؛ ذلك لأن متعلقات الربوبية الأمور الكونية، كالخلق والرزق، والتدبير والإحياء، والإماتة وغير ذلك (باللفظ مع تغيير طفيف فبدل قول المصنف "متعلق" جعل لفظ "متعلقات" وأضاف لفظة "التدبير" وجعل بدل لفظة "ونحوها" لفظة "وغير ذلك")، بينما متعلقات توحيد الألوهية الأوامر والنواهي (باللفظ مع جعله بدل لفظ "متعلق" لفظ "متعلقات" وزيادة بينما في أول الجملة)، فإذا علم العبد أن الله ربه لا شريك له في خلقه وأسمائه وصفاته ترتب عنه أن يعمل على طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أي: يعمل على عبادته[4] (باللفظ مع تغيير فجعل بدل قول المصنف "نتج عنه" قوله "ترتب عنه" وأضاف جملة "وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أي يعمل" بين طاعته وعبادته من كلام المصنف)، ومنه يفهم أن عبادة الله وحده لا شريك له هي نتيجة لاعتراف أولي بأنه لا رب غير الله يشركه في خلقه وأمره ( بلفظ قريب فجعل قوله في أول الجملة: "ومنه يفهم أن عبادة الله وحده لا شريك له هي نتيجة لاعتراف أولي" بدل قول المصنف: "ومن عبد إلهه ووحده يكون قد اعترف أولا" والباقي سواء وكما هو ملاحظ ما غَيَّره أخذ معناه دون لفظه)، أي: تعلق القلب ابتداء بتوحيد الربوبية ثم يرتقي بعدها إلى توحيد الألوهية (باللفظ مع تغيير طفيف لأن أصل كلام المصنف هو "لأن القلب يتعلق أولا بتوحيد الربوبية، ثم يرتقي إلى توحيد الألوهية")، ولهذا قال ابن القيم:" والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذى أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية" (وهذا النقل عن الإمام ابن القيم هو الذي أخذه بالتحريف الذي وقع المصنف الأصلي فيه). ومعنى كلام ابن القيم أن الله تعالى احتج على المشركين بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية والعبادة لا العكس.
    ومنه يفهم –أيضا- أن توحيد الربوبية والأسماء والصفات وحده لا يكفي لإدخال صاحبه في الإسلام ولا ينقذه من النار، ولا يعصم ماله ودمه إلا بتوحيد الألوهية والعبادة (باللفظ مع تغيير طفيف فجعل لفظة "ومنه يفهم" بدل قول المصنف "فهمنا" ثم أضاف في آخر الجملة كلمة "إلا بتوحيد الألوهية والعبادة").

    الجملة الرابعة: أما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معا (توحيد الربوبية وتوحيد الألوهة) (باللفظ غير أنه زاد جملة (توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) في آخر المنقول)؛ وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تُبْتَغَى إلا له سبحانه، والتي من جملتها: الرب، الخالق، الرازق، الملك وهذا من توحيد الربوبية، وكذلك من جملتها: الله، الغفور، الرحيم، التواب، وهذا توحيد الألوهية" (باللفظ غير أنه جعل بدل كلمة "تنبغي" عند المصنف كلمة "تُبْتَغى" وجعل بدل "هو" في قول المصنف "هو توحيد الربوبية" حرف "من" كما حذف "هو" من قول المصنف "هو توحيد الألوهية"). والعلم عند الله تعالى.

    - وهذا سرد للكلمات التي زادها الدكتور فركوس على أصل الكلام المنقول:
    - فاعلم أنه... - وهي: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية... - الرابطة بين هذه الأقسام... – و... – أي... – بخلاف... – فإنه... – بتوحيد الألوهية... – توحيد الربوبية...- وتوحيد الألوهية... – ذلك لأن... – والتدبير... – بينما... – الله... -
    وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أي يعمل..... - ومنه يفهم... – أي.... – بعدها... – ولهذا.... - ومعنى كلام ابن القيم أن الله تعالى احتج على المشركين بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية والعبادة لا العكس..... – أيضا... - إلا بتوحيد الألوهية والعبادة.... - توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية....
    وهنا تلاحظ أنه ليس للدكتور إلا النقل مع بعض التغيير الطفيف والكلمات التي أضافها للتنسيق بين الجمل التي غَيَّرَ موضعها من كلام المصنف أو لزيادة البيان فقط في بعض المواطن مع أنه لا ضرورة له ولا داعي لزيادته، وهذا كله يدل على السرقة العلمية حيث ينطبق عليها كلام الشيخين العلامتين الألباني والعثيمين رحمهما الله.

    - ثانيا:إحالة تدل على السرقة العلمية:
    قال الدكتور -أصلحه الله-: "فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة فهي متلازمة يكمل بعضها بعضا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته". أحال الدكتور فركوس –أصلحه الله- هذه الجملة لعبد العزيز السلمان في كتابه "الكواشف الجلية" ص422 وهذا الكلام مطابق كما تقدم بيانه لكلام صاحب كتاب "الشرك في القديم والحديث" والذي أحاله على الكتاب نفسه والصفحة نفسها.
    إذن أحال الكاتبان على الموطن نفسه من كتاب "الكواشف الجلية" للسلمان ولكن الحقيقة المرة والصدمة الكبرى أن الألفاظ المذكورة عند الكاتبين والمتطابقة بينها في كلا الموطنين ليست من ألفاظ السلمان وإنما مما نقل بالمعنى من كلامه فيبعد أن يذكر الكاتبان ألفاظا متطابقة وهما ينقلان بالمعنى كليهما لأن التعبير لابد أن يختلف! بل إن الفرد الواحد لو كلف بكتابة معنى في ذهنه مرتين اثنتين دون أن يعاود النظر فيما كتب في المرة الأولى لاختلف تعبيره فما بالك بكاتبين اثنين؟ فهنا ليس لنا في مثل هذه الحال إلا أن نحكم على الواقعة بأن أحد الكاتبين أخذ من الآخر ولابد، وبما أن السابق لا يمكن قطعا أن يأخذ عن اللاحق فالتهمة إذن عالقة بالمتأخر منهما، ففتوى الدكتور –سلمه الله- كانت في 14 جمادى الأولى 1429 هـ الموافق لـ: 19 ماي 2008م، أما كتاب "الشرك في القديم والحديث" لمؤلفه فكانت طبعته الأولى في: 1422هـ -2001م. فالذي أخذ من الآخر هو الدكتور –أصلحه الله- قطعا.
    والعجيب أن الدكتور عند نقله –أو سرقته- لم يكلف نفسه حتى الرجوع للكتاب الأصلي المحال إليه ليتأكد من دقة النقل على الأقل ولو كان فعل لما حصل منه ما حصل.

    - ثالثا:إحالة وعزو لمصدر مع الاختلاف في اللفظ:
    قال الدكتور في الفتوى:" أي: أن توحيد الربوبية لا يُدخل من آمن به في الإسلام، "بخلاف توحيد الألوهية فإنه يتضمن توحيد الربوبية" وقد تقدم أن الكلام مطابق لكلام صاحب "الشرك في القديم والحديث مع تغيير طفيف حيث قال:" وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية" وهذه الإحالة من الدكتور أيضا ليست سليمة لأن اللفظ غير مطابق للمحال عليه ولفظ صاحب "الشرك في القديم والحديث" مطابق للفظ ابن أبي العز الحنفي الذي قال في الموضع المشار إليه عند الكاتبين:" وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس".

    - رابعا:إحالة على كلام للإمام ابن القيم رحمه الله مع تحريف وقع في موطنين من كلامه:
    قال الدكتور –أصلحه الله-:" ولهذا قال ابن القيم:" والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذى أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية".
    وقد وقع الدكتور في هذه الإحالة في خطأين اثنين:

    الأول: جعل بدل قول ابن القيم رحمه الله "أقر به المشركون" لفظ "أمر به المشركون".
    والثاني: جعل بدل "الإلهية" لفظ "الألوهية".

    ثم بعد أن أنكر عليه صحح الفتوى في موقعه وبقيت على حالها في طبعات كتابه "مجالس تذكيرية" السابقة.
    وهذان الخطآن سببهما نقله عن صاحب كتاب "الشرك في القديم والحديث" فهو صاحب الخطأ والوهم الأصلي، وهذا دليل على السرقة قطعا؛ إذ هو نقلٌ للكلام بأخطائه، وبخاصة والخطأ الأول يشتمل على خلل عقدي، ففرق بين "أُمر" و"أقر"؛ فالأول يدل على أن الله أمر المشركين بتوحيد الربوبية ودعاهم إليه، والثاني يدل على أنهم أقروا به ولم ينكروه، والثاني هو: معتقد أهل الحق، والذي دل عليه كتاب الله ويقرره أهل السنة والجماعة.
    وتصحيح الخطأ دون تصريح وبيان خطأ آخر؛ حيث أن المطلوب في مثل هذه الأمور البيان كما تقدم، وبخاصة والخطأ لا زال مبثوثا في طبعات الكتاب السابقة فلابد من التنبيه عليه حتى لا يعتقده الناس ويتضررون في دينهم به.
    والحاصل ان هذا من أقوى الأدلة على السرقة العلمية لأنه أخذ المنقول بأخطائه والكلام بأغلاطه، والله المستعان.

    - خامسا: إحالة أخرى تدل قطعا على السرقة العلمية:
    قال الدكتور -أصلحه الله-:" أما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معا (توحيد الربوبية وتوحيد الألوهة)؛ وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تُبْتَغَى إلا له سبحانه، والتي من جملتها: الرب، الخالق، الرازق، الملك وهذا من توحيد الربوبية، وكذلك من جملتها: الله، الغفور، الرحيم، التواب، وهذا توحيد الألوهية" أحال الدكتور فركوس –أصلحه الله- هذه الجملة لعبد العزيز السلمان في كتابه "الكواشف الجلية" ص422 وإلى "دعوة التوحيد" لهراس ص84 وفي كلا الموطنين لا يوجد هذا اللفظ وإنما اللفظ الذي ذكره الدكتور مطابق كما تقدم بيانه للفظ صاحب كتاب "الشرك في القديم والحديث" والذي أحال على الكتاب "الكواشف الجلية" وإلى الصفحة نفسها.
    ويقال في هذه الإحالة ما قيل في الإحالة الأولى وهي من أعظم ما يدل على وجود السرقة وثبوتها؛ لأن الدكتور أحال على كتاب ليس فيه ذلكم الكلام باللفظ الذي أثبته وإنما اللفظ المثبت هو لكاتب آخر أخذ معنى الكلام وعبر عنه بأسلوبه ولكن الدكتور ظنه –لعدم تثبته وخذلان الله له- ينقل باللفظ فأخذ الكلام والإحالة فأوقعه الله في سوء عمله وفضحه الفضيحة التي لا يمكنه التنصل منها كما لا يمكن –ومن باب أولى- لأتباعه المقدسين له أن يبرئوه منها ومن مثيلاتها، أسأل الله اللطيف الخبير الحليم الكريم أن يستر علينا ويسلمنا ويعافينا.
    وبالنظر إلى هذه الأمور الخمسة المتظافرة يُجزم أن الدكتور -أصلحه الله- وقع في السرقة العلمية، وهذه عينة مما انتقد على الدكتور قمت بدراستها فأثمرت هذه الخلاصة الصادمة، ولا شك أن كثيرا من العينات الأخرى تشبهها وإن كان بعض ما ذكر قد لا يكون بنفس وضوحها وظهورها بل قد يكون ضعيفا وصاحبه غالطا لكن لا يعني ذلك أن السرقة غير ثابتة، ومن أراد أن يقر وينصح أو يرد ويفند فهذه عَيِّنَةٌ بين يديه وإن شاء قام بدراسة باقي ما انتقد على الدكتور ليتكلم عن علم وبصيرة لا عن غلو وعصبية، والله الموفق.

    وهنا لابد من ذكر تنبيهات وهي:

    التنبيه الأول: ليس المنتقد على الدكتور هو السرقات العلمية فقط وإنما مجموع أمور هي واحدة منها فلا يحسن بمن يدافع عنه أن يركز عليها وينسى غيرها، وإن كانت هذه كافية في بيان حال الدكتور والذي خُدعنا به كثيرا لحسن ظننا به وعدم اطلاعنا على نتاجه.

    التنبيه الثاني: أن مسألة السرقات العلمية الثابتة على الدكتور –أصلحه الله- تتعلق بها مصائب ثلاثة: قال الشيخ محمد تشلابي –حفظه الله- في المجلس الذي كان له مع إخواننا في ولاية سطيف:" المصيبة الأولى: هي السرقات العلمية التي يستحيل نفيها. والمصيبة الثانية: هي السرقة من المنحرفين، والمصيبة الثالثة: هي بيع المسروقات.

    التنبيه الثالث: من كان مدافعا عن الدكتور فليكن دفاعه بعلم وعدل وبالتفصيل يقارع الدليل بالدليل لا بالإجمال الذي لا ينفع المُدافِعَ ولا المُدَافَعَ عنه في مثل هذه الأحوال.

    التنبيه الرابع: أن كل من دافع على الدكتور في هذه المسألة أبعد النجعة وسلك غير الطريق العلمية المرضية التي تقدم ذكرها من الدراسة والصدور عنها:
    فمنهم من دافع:
    - قائلا: ليس كل نقل بدون عزو سرقة.
    الجواب: هذا الكلام في أصله صحيح ولكنه لم يفرق لنا بين النقل الذي يكون سرقة وبين ما لا يكون كذلك، والتفريق هو ما ذكره الإمام الألباني وتقدم حيث قال:
    - فمن نقل كلاما لا يشك أحد رآه أنه ليس من كلامه كمثل ما أقول أنا وغيري: إن فلانا ضعيف أو ثقة، فكل من يقرأ هذا يعلم أن هذا ليس كلامي، فهذا يغتفر.
    - أما ما فيه بحث وتحقيق فلا يجوز أيا كان فاعله".
    فهل نقولات الدكتور من القسم الأول أم من الثاني؟ قطعا هي من القسم الثاني لمن درسها ومحصها، والمثال المتقدم يدل على ذلك ومن شاء فليدرس سائر ما ينتقد على الدكتور ويعطينا الخلاصة التي يصل إليها بدلائلها. وأنا أجزم –إن شاء الله- أنه إن فعل سيصدم من النتيجة التي يسجدها ويصل إليها.
    - وقال في دفاعه أيضا: وليس كل نقل عن مخالف سرقة، وقد يبحث العالم وينتهي به بحثه إلى موافقة المخالف، فالشيخ فركوس –حفظه الله- ذهب يفند أدلة القائلين بالعذر بالجهل مطلقا فوافق ذلك الخارجي المصري لأنهم أخذوا من نفس المصادر، فانتهى به اجتهاده إلى موافقته.
    الجواب: زيادة على ما في هذا الكلام من إدانة الدكتور بقول أكبر محاميه بأنه وافق القطبي آل فراج في تقريراته وزيادة على وقوع هذا المحامي في مثل قول الشيخ لزهر –حفظه الله- "وافق علي بلحاج" وهو الأمر الذي أنكروه عليه وطعنوا فيه بسببه، أما مقدمهم هذا وخليفة مقدسهم عندهم فما رأيناهم أنكروا عليه ولا ردوا كلامه الذي شابه فيه كلام الشيخ لزهر حفظه الله؛ وهذا يدل –قطعا- على كيلهم بالمكيالين ولعبهم على الحبلين إذ لمَّا تعلق بهذا المعظم عندهم والمقدم اليوم لديهم فلا شجب ولا نكير فضلا عن تحذير وتنفير.
    والذي يهمنا هنا هو السؤال التالي: هل من يبحث وينتهي به البحث إلى موافقة غيره ممن تقدمه يوافق هذا المتقدم حتى في ألفاظه؟ وكما قال الشيخ سمير ميرابيع –حفظه الله- وحتى في بعض فهرسته؟ كفاكم ذرا للرماد في العيون، المنكر على الدكتور –أصلحه الله- هو نقله عن الموافق والمخالف باللفظ والحرف، بل ينقل حتى الخطأ والغلط فعل حطاب الليل، وهذا هو الذي حكم عليه علماؤنا بأنه سرقة علمية، لا الموافقة في نتيجة البحث مع أي كان موافقا أو مخالفا.
    - وقال في دفاعه أيضا: لا يرد الحق الذي عند المخالف مطلقا بل يوضع على ميزان العلم وقواعده.
    الجواب: المشكلة يا هذا ليس في رد قول المخالف وقبوله وإنما المشكلة في أخذ كلامه غير معزو لمصادره وهي السرقة العلمية.

    ومنهم من دافع:
    قائلا: إنّ السّرقة وقعت منكم أيضا حيث سرقتم انتقادات الصعافقة الأوائل إذ هم أوّل من رمى الشيخ بالسرقات العلمية.

    الجواب:
    أولا: ليس كل ما يقوله أهل الباطل مردود، أو باطل مرفوض؛ لأن المبطل قد يتكلم بالحق، والكاذب قد يقول بعض الصدق، وفي حديث أبي هريرة أعظم شاهد على هذا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم له:" صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ" رواه البخاري رحمه الله.

    ثانيا: هل حققت الأمر ووجدت المنكرين على الدكتور والمنتقدين له قد أخذوا انتقاداتهم عن هؤلاء القوم؟ ثم هل السرقة في أخذ أصل الانتقاد أم في أخذ الانتقاد بحروفه وكلماته وصرفه وإعرابه؟ فأنا مثلا –والحمد لله- لما ذكرت المثال السابق فأصله انتُقد على الدكتور لكن تفصيله وبيان انطباق السرقة العلمية عليه من وجوه عديدة إنّما هو عن دراسة خاصة تأكدت من خلالها من صحة الانتقاد وأنه حق لا يمكن دفعه بغض النظر عمن قاله أولًا وتكلم به ابتداءً.
    وقال في دفاعه أيضا معرضا بالشيخ أزهر –حفظه الله ورعاه-: إن لبعضهم في فتاويه المسجلة وتغريداته نظائر لذلك، بل ما هو أدخل في السرقة العلمية.

    الجواب من وجوه:
    الوجه الأول: أراد أن ينفي عن الدكتور السرقة العلمية فأثبتها وأكدها حيث جعل ما ثبت للشيخ أزهر منها أدخل فيها وهذا يجعل ما نسب إلى الدكتور منها داخل فيها أيضا فتدبر.
    الوجه الثاني: ولو غير هذا الأخ قالها لكان يمكن أن يعذر بجهله وبعدم معرفته واطلاعه، ولكن للأسف الشديد أن الذي قال هذا الكلام طالب علم ويفهم مصطلحات أهل العلم ويدري قبل ذلك أنه لا يجوز للطالب أن يتكلم إلا بعد دراسة وفهم وهذا كله لم يكن حيث حكم بدون أن يدرس ويعلم بل بناء على ما بلغ مسامعه ممن يحيط من الجهال به وبيانه:

    أولا: أن الشيخ لزهر –حفظه الله ورعاه- معروف بالإحالة في تغريداته فتجده يقول محيلا: قال شيخ الإسلام قال ابن القيم قال الحكمي ونحو ذلك أما بالنسبة للتغريدتين اللتين أنكرتا عليه كونه لم يسم من نقل عنه فقد أحال فيهما حيث قال في إحداهما: قال أحدهم، وفي الأخرى: قيل، وهذه إحالة قطعا وكونه لم يسم المتكلم بهما وأبهمه لأجل أنه غير مرضي في منهجه وذلك خوفا على إخوانه من أن يغتر أحد منهم به فحقق المصلحة ودرأ المفسدة فجزاه الله خيرا، وحتى في بعض التغريدات التي قد لا يحيل فيها فإنه يجعل الكلام المنقول بين إشالتين تنبيها منه أنه منقول عن غيره وليس من كلامه وهذا لمحدودية الكلمات في ساحة التويتر.

    ثانيا: أما بالنسبة للفتاوى والتي زعم الأخ –هداه الله- أن الشيخ سرقها فلو غيره قالها ممن لا علم عنده لأمكن الاعتذار له لأن الشيخ -حفظه الله- صرَّح في غير ما مرّة وفي ساعة إجابة خاصة أنه ناقل لكلام أهل العلم وقد ذكر هذا في مقدمة كتابه "القطوف الندية من المسائل المنهجية ضمن ساعة إجابة الإذاعية" حيث قال:" ... والتي كانت في مواضيع متعددة ومسائل متنوعة، كنّا فيها واسطة في نقل وتقريب فتاوى العلماء والأئمة لعامة الأمة، إذ لا ندعي لأنفسنا الأهلية في الفتوى..." فهذه القاعدة التي سار عليها وصرح بها فيما يتعلق بالفتاوى التي يجيب بها فحتى لو فرضناه اجتهد في بعضها وكانت صادرة عن اجتهاد منه فإن القاعدة تجعلنا نظن أنه أخذها عن غيره فكيف يقال أنه سرقها وهو قد قَعَّدَ هذه القاعدة وهي معلومة عنه ظاهرة في كلامه مبثوثة مشهورة ومنشورة.
    الحقيقة أن أمثال هذه الحجج التي قيلت في الدفاع عن الدكتور ضعيفة جدا وصدورها عمن يعرف بالعلم تزري به وتنتقص من قدره ولا تنفع المتكلم بها ولا من أراد أن يدافع عنه بقولها أو كتابتها.
    ثم إن هذا المثال الذي تقدم في السرقات العلمية وغيره مما هو ثابت عنه تنبئ كلها عن:
    1- خلل سلوكي كون الرجل يأخذ جهد غيره وينسبه لنفسه وهذا مناقض للأمانة التي أمر بها المسلم.
    2- وخلل منهجي حيث يأخذ معلوماته وتأصيلاته عن كل من هب وذب من الموافقين والمخالفين.
    3- وخلل عقدي حيث يأخذ ما يخالف عقيدة أهل الحق ولا يتفطن لها بل يتبناها بل ينسبها إلى أهل السنة نسأل الله السلامة والعافية.

    والخلاصة:
    التي أردت أن أختم بها ما ذكره الشيخ محمد تشلابي -حفظه الله- في مقالته "رؤية شرعية" وهو يتحدث عن السرقات العلمية وإن كان لم يرد الخوض فيها لأنه لم يلم بها من كل جوانبها ولكنه تناولها في تلكم الرسالة ص4-6 بذكر الأمور التالية والخلاصة الآتية:
    الأمر الأول: أن الشيخ نفسه هو من كان السبب الأول في جعل موضوع هذه السرقات تطفو إلى سطح مواقع التواصل بعد أن لم يكن يعلم بها أحد إلا الله، وذلك لما حرض الرعاع والعوام على البحث عن مثالب وعثرات وعيوب إخوانه المشايخ فوقع عكس ما أراد وهو أن برزت للسطح أمثال هذه الانتقادات عليه.
    الأمر الثاني: أن مما زاد الأمر إشكالا وتعقيدا أن الشيخ قرر غير مرة وفي أكثر من مناسبة قاعدة:" إن السكوت في معرض التهمة إقرار".
    الأمر الثالث: أن الشيخ –حفظه الله- هو نفسه من قد أنكر السرقات العلمية على بعض رجال الإصلاح وأدانهم بشدة، بل حتى أحد الأئمة وقتئذ لما اتهم بسرقة بعض خطب الجمعة، شنع عليه أيما تشنيع حتى ألزمه بكتابة بيان يذكر فيه توبته مع التبري مما حصل.

    وبناء على هذا كله خلص الشيخ محمد تشلابي -حفظه الله- إلى الآتي ص5:
    "والآن المسؤولية ملقاة كلها على عاتق الشيخ اعترافا وتوبة، أو إنكارا وتفنيدا، إذ ليس أمامه للانفكاك من ذلك سوى ما ذكر من الحلول، والله الموفق" اهـ.
    أقول: قد يقول القائل: هناك حل ثالث لم يذكره الشيخ وهو أن يبين بالأدلة جوازه وأنه لا شيء فيه، وهذا كلام صحيح إلا أن هذا حل لا يمكن للدكتور اتخاذه ولا اللجوء إليه لأن هذه الأفعال منكرة عنده قد أدان بها غيره كما نبه على ذلك الشيخ تشلابي –حفظه الله- ولذلك لم يبق له من الحلول إلا ما تقدم ذكره، الاعتراف والتوبة أو الإنكار والتفنيد، وما أظنه يفعل أحدهما لما عرف عنه وظهر في هذه المدة الأخيرة والطويلة من حاله، والله أعلم.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
    وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان.
    يوم الخميس: 02 ربيع الثاني 1444هـ
    الموافق: 27/ 10/ 2022م.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1]- مقطع صوتي على اليوتيوب للعلامة ربيع حفظه الله بعنوان:" أنا لا أرضى لأحد أن يتعصب لي أبدا إذا أخطأت".
    [2]- والمثال هو: الفتوى رقم 906
    الصنف: فتاوى العقيدة – التوحيد وما يضاده – الربوبية.
    بعنوان: في العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد.
    السؤال: هل من تفصيل في العلاقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وكذا توحيد الأسماء والصفات؟.
    الجواب:
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أما بعد:
    فاعلم أنه لا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة وهي: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، ولا يستقيم توحيد الله في ربوبيته وألوهيته بدون توحيده في أسمائه وصفاته[2]، فهذه الثلاثة متلازمة يكمل بعضها بعضا، ولا يسع الاستغناء ببعضها عن البعض الآخر، فالعلاقة الرابطة بين هذه الأقسام هي علاقة تلازم وتضمن وشمول.
    وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، ومعنى ذلك أن توحيد الألوهية خارج عن مدلول توحيد الربوبية، فلا يتحقق توحيد الربوبية إلا بتوحيد الألوهية، أي: أن توحيد الربوبية لا يُدخل من آمن به في الإسلام، بخلاف توحيد الألوهية فإنه يتضمن توحيد الربوبية[2]، أي: أن توحيد الربوبية جزء من معنى توحيد الألوهية، فالإيمان بتوحيد الألوهية يدخل في الإسلام.
    فيتقرر عندئذ أن توحيد الربوبية علمي اعتقادي، وتوحيد الألوهية عملي طلبي، والعملي متضمن للعلمي؛ ذلك لأن متعلقات الربوبية الأمور الكونية، كالخلق والرزق، والتدبير والإحياء، والإماتة وغير ذلك، بينما متعلقات توحيد الألوهية الأوامر والنواهي، فإذا علم العبد أن الله ربه لا شريك له في خلقه وأسمائه وصفاته ترتب عنه أن يعمل على طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أي: يعمل على عبادته[2]، ومنه يفهم أن عبادة الله وحده لا شريك له هي نتيجة لاعتراف أولي بأنه لا رب غير الله يشركه في خلقه وأمره، أي: تعلق القلب ابتداء بتوحيد الربوبية ثم يرتقي بعدها إلى توحيد الألوهية، ولهذا قال ابن القيم:" والإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها: توحيد الربوبية الذى أقر به المشركون، فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية"[2]. ومعنى كلام ابن القيم أن الله تعالى احتج على المشركين بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية والعبادة لا العكس، ومنه يفهم –أيضا- أن توحيد الربوبية والأسماء والصفات وحده لا يكفي لإدخال صاحبه في الإسلام ولا ينقذه من النار، ولا يعصم ماله ودمه إلا بتوحيد الألوهية والعبادة.
    أما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معا (توحيد الربوبية وتوحيد الألوهة)؛ وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تُبْتَغَى إلا له سبحانه، والتي من جملتها: الرب، الخالق، الرازق، الملك وهذا من توحيد الربوبية، وكذلك من جملتها: الله، الغفور، الرحيم، التواب، وهذا توحيد الألوهية"[2].
    والعلم عند الله تعالى.
    [3]- قال أبو بكر محمد زكريا في كتاب "الشرك في القديم والحديث" ج1 ص97-101 تحت عنوان:
    العلاقة بين أقسام التوحيد
    هذه الأقسام تشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي نسميه (التوحيد) فلا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة فهي متلازمة يكمل بعضها بعضا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته[3]، فالخلل والانحراف في أي نوع منها هو خلل في التوحيد كله.
    وقد أوضح بعض أهل العلم هذه العلاقة بقوله:" هي علاقة تلازم وتضمن وشمول، فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية)[3]، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية[3]، وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين.
    بيان ذلك: أن من أقر بتوحيد وعلم أن الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته، لزمه من ذلك الإقرار بأن يفرد الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان ربا خالقا مالكا مدبرا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبود وحده. ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سوق آيت ربوبيته مقرونة بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى:" يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)"[3].
    وأما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأن من عبد الله ولم يشرك به شيئا فإنه يدل ضمنا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب غيره.
    وهذا أمر يشاهده الموحد من نفسه، فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يصرف شيئا منها لغير الله، ما هو إلا لإقراره بتوحيد الربوبية وأنه لا رب ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده.
    وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معا، وذلك لأنه يقوم على إفراد الله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تنبغي إلا له سبحانه وتعالى، والتي من جملتها: الرب، الخالق، الرازق، الملك، وهذا هو توحيد الربوبية.
    ومن جملتها: الله، الغفور، الرحيم، التواب، وهذا هو توحيد الألوهية[3].
    وبعبارة أخرى: أن التوحيد علمي اعتقادي وعملي طلبي، والعملي متضمن للعلمي، فإذا علم العبد أن ربه لا شريك له في خلقه وأمره وأسمائه وصفاته نتج عنه أن يعمل على طاعته وعبادته، ومن عبد إلهه ووحده يكون قد اعترف أولا بأن لا رب غيره يشركه في خلقه وأمره، ولا يجوز العكس؛ لأن القلب يتعلق أولا بتوحيد الربوبية، ثم رتقي إلى توحيد الألوهية[3].
    قال ابن القيم:" الإلهية التي دعت الرسل أممهم إلى توحيد الرب بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها توحيد الربوبية الذي أُمر به المشركون فاحتج الله عليهم به، فإنه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الألوهية"[3].
    وبناء على ما مضى: فهمنا أن توحيد الربوبية والأسماء الصفات وحده لا يكفي لإدخال صاحبه في الإسلام ولا ينقذه من النار ولا يعصم ماله ودمه –كما مر بيانه سابقا- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكلمة الشهادة التي دعا إليها الرسل –لا إله إلا الله- تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة، فقد دلت على توحيد العبادة؛ لأن معناها لا معبود بحق إلا الله، ففيها إثبات العبادة لله ونفيها عما سماه، ودلت على توحيد الربوبية؛ لأن العاجز لا يكون إلها، فإن المعبود لابد وأن يكون خالقا مدبرا، ودلت على توحيد الأسماء والصفات؛ لأن فاقد الأسماء الحسنى وصفات الكمال غير كامل ولا يصلح من هذا حاله، أن يكون إلها خالقا[3].
    ولمزيد من التفصيل في هذا الباب أذكر هنا فروقا بين نوعي التوحيد فأقول: إن بينهما فروقا من عدة اعتبارات:
    1- الاختلاف في الاشتقاق: فالربوبية مشتقة من اسم الله (الرب) والألوهية مشتقة من لفظ (الإله).
    2- أن متعلق الربوبية الأمور الكونية: كالخلق والرزق، والإحياء والإماتة ونحوها، ومتعلق توحيد الألوهية: الأوامر والنواهي: من الواجب والمحرم والمكروه.
    3- أن توحيد الربوبية قد أقر به المشركون غالبا، وأما توحيد الألوهية فقد رفضوه وذكر الله ذلك في كتابه:" مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"[3]. وقال الله عز وجل:" أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)"[3].
    4- أن توحيد الربوبية مدلوله علمي، وأما توحيد الألوهية فمدلوله عملي.
    5- أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، بمعنى أن توحيد الألوهية خارج عن مدلول توحيد الربوبية، لكن لا يتحقق توحيد الربوبية إلا بتوحيد الألوهية، وأن توحيد الألوهية متضمن توحيد الربوبية، بمعنى أن توحيد الربوبية جزء من معنى توحيد الألوهية.
    6- أن توحيد الربوبية لا يدخل من آمن به في الإسلام بعكس توحيد الألوهية، فإن الإيمان به يدخل في الإسلام.
    7- يقال لتوحيد الربوبية: توحيد المعرفة والإثبات، ولتوحيد الألوهية: توحيد الإرادة والقصد.
    [4]- انظر المصدر السابق (1/42)، "دعوة التوحيد" لهراس:( 83،84).
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-02-28, 09:04 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا وأسأله سبحانه تعالى ان يثبتكم على الحق الواضح البين وأن يصلح فركوس ويرجعه لجادة الصواب , أمين انه ولي ذلك والقادر عليه

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد على هذه المقالة وأصلح الله الشيخ فركوس الذي كنَّا نحسن الظن به

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أخي الفاضل عبد الصمد وبارك فيك وأصلح الدكتور وهداه

        تعليق


        • #5
          لو جعلتها في ملف pdf أفضل

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد وبارك فيك ونسأل الله الكريم أن يصلح فركوس ويرده إلى الحق .

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم ونسأل الله تعالى ان لا يفتننا في ديننا وان ييسر الأوبة والرجوع إلى الحق لمن حاد عنه

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا

                تعليق


                • #9
                  بارك الله فيك أخانا سليمان لبيانك وتجليتك للمسألة ووالله إن ما قلته لحق لا يماري فيه إلا مكابر نسأل الله أن يهدي الدكتور ويتوب عليه وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن

                  تعليق


                  • #10
                    أحسن الله إليك .

                    تعليق


                    • #11
                      آمين
                      وإياكم إخواني الكرام وبارك الله فيكم جميعا

                      تعليق

                      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
                      يعمل...
                      X