إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وجهة نظر في آخر فتنة ألمت ببلدنا الجزائر الجزء الثاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وجهة نظر في آخر فتنة ألمت ببلدنا الجزائر الجزء الثاني

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وجهة نظر
    في آخر فتنة ألمت ببلدنا الجزائر

    [الجزء الثاني]
    ـ . ـ


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد:
    لقد ظهرت في هذه الفتنة جملة من الطعونات والعديد من الاتهامات قالها في مشايخنا كثير ممن ينتسب للعلامة محمد علي فركوس -حفظه الله- وينتصر له بغية تأكيد ما جاء في البيان وإسقاط المشايخ والتنفير عنهم والله المستعان.
    والمشكلة الكبرى في القناعة التي تعمر القلوب والتي يُبحث لها عن المبررات ويفتش لأجلها عن المسوغات، فإذا هوي المرء شيئا أراد أن يثبته وسعى إلى البحث له عما يدعمه؛ وهذا الذي تجده في مثل هذه الأحوال نسأل الله السلامة والعافية، فيبدأ الأمر صغيرا ثم يكبر رويدا رويدا، ففي هذه الفتن ترى من كان يعظم الرجل ينقلب عليه، ويفضح أسراره، ويتتبع عثراته، ويفرح بسقطاته؛ كل ذلك ليدعم القول الذي صار إليه، والمذهب الذي هويه؛ على قاعدة اعتقد ثم استدل، والمفروض في مثل هذه المسائل أن ننظر إلى الشخص ودعوته، وما اشتهر عنه في سالف أمره؛ فإن كان على الجادة، ولم يكن من أهل العقائد والمناهج الفاسدة؛ فينبغي علينا أن نتأنى به، وننصح له، ونستفصل عن كل الأمور التي تتعلق به منه، فلعله أن يكون له نوع فقه، أو تأويل صائغ، أو علم مكتوم، أو خطأ في الفهم، أو نحوها، وحينئذ نقرر الطريقة المثلى في معاملته، وليس رأسا نتكلم فيه، ونحذر منه، ونسقطه دون محاولة لإصلاحه، هذا أمر.
    وأمر آخر وهو: من الذي يحكم بمثل هذه المسائل على المتكلم القائل؟ والجواب: -كما هو متقرر ومعلوم- من عنده علم حتى لا يخالف قواعد العلم ومقتضى الفقه والفهم[1]، لكن العكس هو الواقع.
    فوجدنا هؤلاء المنتصرين للعلامة فركوس -حفظه الله- يؤاخذون المشايخ بل ويطعنون فيهم بناء على نقولات مكذوبات أو بلوازم أقوالهم التي لا يلتزمون بها ويتبرؤون منها.
    ومن العجائب والغرائب التي صار إليها كثير منهم: تأييد موقفهم الذي اتخذوه وتقوية مسلكهم الذي اختاروه -من محاولة إسقاط المشايخ- بما كان يقوله الصعافقة فيهم، ويبثه الاحتوائيون عنهم؛ من أجل الغاية نفسها، والنتيجة ذاتها، وهي: الإسقاط. فصاروا ينشرون مثلا: كلام الشيخ ربيع حفظه الله في الشيخ عبد المجيد جمعة وأنه يحقق كتب أهل البدع، ويقولون في الشيخ لزهر إنه يبيع كتب أهل البدع، وينشرون عنه ما نشره أولئك من دعائه لسيد قطب، وغيرها كثير، وهذا إما من مدسوسين من الصعافقة الأصلين؛ لم يتفطنوا لهم، وهم يسيرون على خطتهم، وإما من مغفلين لا يدرون مآلات الأمور، وأنهم بهذا يثبتون صحة أقوال الصعافقة الأوائل، وبالتالي يثبتون صحة كل ما قالوه حتى في الشيخ فركوس حفظه الله، ألا فاستيقظوا واعلموا أنكم في طريق كسر الدعوة السلفية تسيرون وأنتم لا تشعرون.
    وإلى بيان بعض ما ينقل في هذه الفتنة من اتهامات للمشايخ خطيرة وطعونات مغرضة بقصد تأييد مذهبهم وتقوية دعوتهم، وهم ينشطون في نشرها وقد بلغني العديد منها:
    1- الاتهام الأول: اتهام الشيخ أزهر –حفظه الله- بالثناء على أهل البدع:

    ومما انتشر في هذه الآونة الأخيرة وبلغني البارحة الجمعة 18 رجب 1443هـ الموافق لـ: 19/02/2022م رد من أحدهم -أشار إلى نفسه بكنية وهي: أبو عبد الله- على أخينا عتو وكان ضمن رده أن ذكر جملة طعونات في الشيخ أزهر من أشدها أن الشيخ سأل الله لسيد قطب الضال الشهير أن يتقبله في الشهداء، ثم أردف الذي بعث لي هذا الرد -وأنا لا أعرفه- بمقطع فيديو من نشر قناة باسم "قناة سهام الحق السلفية" فيه كلام الشيخ أزهر الآتي:
    في الأمة، وهذا الرجل ليس من علمائها سيد قطب ولا أحد حتى من أتباعه من الإخوان ما قالوا أنه عالم من العلماء معروف تخصصه ومعروف توجهه وامتحن وابتلي بالسجن وقتل نسأل الله عز وجل أن يقبله عنده شهيدا ويغفر له...".
    هذا هو المنشور الذي يريد أن يقدح به في الشيخ أزهر حفظه الله ويستعمل دليلا للطعن فيه وإسقاطه وتنفير الناس عنه وعن دعوته.
    وأنا من باب التثبت بحثت عن المقطع كاملا فوجدته قد نشره الصعافقة قبل ما يقارب سنة ونصف ولكن الصعفوق الذي نشره لم يبتره كبتر هذه القناة التي تريد إسقاط الشيخ ويزعمون انتصارهم للمنهج السلفي؛ والكلام كان هكذا:
    "في الأمة، وهذا الرجل ليس من علمائها سيد قطب ولا أحد حتى من أتباعه من الإخوان ما قالوا أنه عالم من العلماء معروف تخصصه ومعروف توجهه وامتحن وابتلي بالسجن وقتل نسأل الله عز وجل أن يقبله عنده شهيدا ويغفر له ولكن في كلامه طامات ومخالفات خطيرة لعقيدة أهل السنة والجماعة أدت إلى انحرافات عظيمة كانت سببا في زيغ وهلاك طوائف من الشباب من أبناء هذه الأمة انحرفوا بسبب فكر سيد قطب وعقيدة سيد قطب".
    والتعليق على هذه الطريقة من وجوه:
    الأول: أن الشيخ طعن في سيد قطب وأنكر عليه ونبه إلى ما وقع منه من الطامات والمنكرات، وناشر المقطع بتر هذا ليوهم من يسمع لمنشوره أن الشيخ يثني على سيد قطب ويدعو له ويؤيده.
    الثاني: أن الصوتية قديمة وهذه الهفوة -تنزلا- التي وقعت من الشيخ قديمة فلماذا تنكر عليه اليوم ولم تنكر عليه قديما فهل كان الشيخ معذورا فيها ثم أصبح اليوم مدانا بها؟ أم أن هذا من الاستدلال بعد الاعتقاد؟.
    الثالث: الذي أعتقده وأدين الله به أن الدعاء لأهل البدع ممن لم تكن بدعته مكفرة جائز والترحم عليه جائز لكن ليس في مجالس الناس العامة وإنما عند من يفقه الأمور وينزلها منازلها من الخاصة دون العامة كما أفتى بذلك بعض علمائنا[2]، لكن قد يكون للشيخ أزهر حفظه الله رأي في هذه المسألة فيرى أن الترحم عليه والدعاء له مع ذكر حقيقة حاله لا يضر وبخاصة أن بعض العلماء قد فعل مثل هذا، إذن فدعاء الشيخ له لا يدل على ثنائه عليه ولا دفاع عنه ولا نحوه لأن الكلام الذي جاء بعده يدل على موقف الشيخ منه زيادة على ما هو معروف من كلامه العام فيه.
    الرابع: للشيخ الألباني رحمه الله كلام كثير في سيد قطب منه ترحمه عليه، بل قرر في بعض أشرطته أنه ممن يُترحم عليه، ومنه ثناؤه على بعض كلامه، وووو، ولكنه طعن فيه، وبَيَّن ضلالاته، ولم يفهم منه أنه يزكيه، ويثني عليه، ولا طُعن في الشيخ الألباني رحمه الله بسبب بعض تلك الأقوال التي قالها فيه.
    الخامس: وحتى ولو أنكرنا اللفظة التي تلفظ بها، وقلنا أنها من الأمور المنكرة التي ما كان ينبغي له أن يقولها، فأين الاعتذار للشيخ -حفظه الله- وحسن الظن به، وحمل كلامه على أحسن المحامل من خطأ وقع منه، أو هفوة بدرت في أثناء حديثه، وبخاصة وكلامه في التحذير منه، والطعن فيه، وبيان ضلالاته معروف ومشهور، بل في الصوتية نفسها بعضه؟
    2- الاتهام الثاني: اتهام الشيخ أزهر بالأخذ من أهل البدع:

    ومن محاولاتهم التي أرادوا بها تأييد موقفهم، وتمتين مذهبهم؛ ما نشروه من تغريدات للشيخ أزهر -حفظه الله تعالى- مقرونة بما يدل على أنه أخذها من أحد المنحرفين، والكتاب الزائغين؛ ألا وهو مصطفى محمود، والتغريدتان المقصودتان هما:
    التغريدة الأولى:
    قال أحدهم: يمحو الله من حياتك أشخاصا رحمة بك، فلا تبحث عنهم.
    فاللهم ارزقنا محبة الأبرار وجنبنا مصاحبة الأشرار، وباعد بيننا وبينهم كما باعدت بين السماء والأرض، الذين يظهرون لك الود ويضمرون الحقد.
    التغريدة الثانية:
    قيل: في الحياة رذيلتان اثنتان فقط: أن تكذب على نفسك، وأن تخاف من إنسان يمرض مثلك ويموت مثلك، تخلص منهما وكن جريء القلب صادق اللسان ولا تخشى إلا الله تكن رجلا.
    ثم قال ناشرهما معلقا: من رؤوس المشايخ السلفيين في الجزائر تغريداته منقولة من كلام فيلسوف؟!!
    التعليق: الذي فعله الشيخ -حفظه الله- فعله من هو أعلم منه وأشهر، وأعلى قدرا وأكبر؛ وهو: العلامة الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، حيث كان في كثير من الأحيان ينقل كلمة لرأس الإخوان ومؤسس طائفتهم وهو حسن البنا: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم" ويستشهد بها، ويشيد بالمعنى الذي جاء فيها، ويصفها بالحكمة الصادقة، والكلام الجميل، بل قال عنها: وكأنها وحي، وغيرها من الكلمات الكبيرة، والثناءات الجليلة:
    قال رحمه الله كما في رسالة: "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" ص93: ... وبالتالي الدولة المسلمة المنشودة مصداقا للحكمة الصادقة التي قالها أحد الدعاة الإسلاميين الكبار رحمه الله تعالى (وهنا ترحم عليه): "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم" وعسى أن يكون ذلك قريبا.
    وقال رحمه الله في السلسلة الضعيفة ج2 في المقدمة الصفحة د: من أجل ذلك قال أحد الدعاة الإسلاميين اليوم: "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم"، وهذا كلام جميل جداً.
    بل قال عنها في سلسلة الهدى والنور الشريط 300: كأنها وحي من السماء.
    بل قال عنها كما في متفرقات الشريط 26: هذه الكلمة تنسب إما لحسن البنا أو للهضيبي رحمهما الله (ترحم عليهما)، هذه الكلمة كلمة حق ولكن أتباع هذين الرجلين قد أعرضوا عنها، ولم يعملوا بها، وهي من الحكمة بمكان عالٍ جداً.
    "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم"، هذا هو خلاصة المحاضرات التي نلقيها نحن وهو أن نتعلم العلم النافع وأن نعمل بالعمل الصالح وحينئذٍ يأتي النصر من الله تبارك وتعالى، هذه الكلمة خلاصة كل الآيات والأحاديث التي تأمر بالعلم وبالعمل الصالح، لكن الذين يشتغلون اليوم وقد مضى عليهم أكثر من نصف قرن من الزمان لا يزالون في مكانهم يتحركون ولا يقدمون شيئاً ولا يتقدمون، لماذا؟ لأنهم لم يطبقوا هذه الكلمة.
    أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، قبل كل شيء ما الذي يفهم من هذه الكلمة؟ أي العقيدة الصحيحة، أقيموها في قلوبكم ثم من تمام العقيدة "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، فإذن هذه الكلمة ندعو المسلمين جميعاً أن يعملوا بها ولا ينصرفون عنها بما يسمونه بالعمل السياسي".
    والخلاصة: أنه لا غضاضة على العالم من فعل ذلك مع كلام أي أحد يكون حقا وللشريعة موافقا، ولو كان صاحبه منحرفا، ولسبيل الحق مجانبا؛ لأن الحق يقبل من قائله كائنا من كان، ولكن مع اشتراط الأمن من أن يتعلق الناس به، ويضلون بسبب الأخذ عنه.
    والشيخ حفظه الله ورعاه حينما أخذ هذه الكلمة لم يضفها لقائلها خشية افتتان من لا علم عنده بصاحبها؛ حيث يستلزمون من استشهاد الشيخ بكلامه أنه يمدحه، ويثني عليه ويزكيه، فاستفاد مما يراه صوابا، ولم يسم قائلها دفعا للمفسدة، وتحصينا لقليلي الزاد والدراية.
    وهذا لم يفعله العلامة الألباني رحمه الله لظهور حال من ينقل عنه، وكذلك لأنه رد كثيرا عليه وعلى طائفته، ومع ذلك لم ينكر عليه أحد من السلفيين لا من العلماء ولا من طلبة العلم.
    فهل يمكن لهؤلاء أن يقولوا في الشيخ الألباني رحمه الله مثل ما قالوا في الشيخ أزهر حفظه الله؟ لا يمكن أن يفعلوا ذلك لأنهم لو فعلوا ذلك أزروا على أنفسهم، ووقعوا فيما يفضحهم وينفر السلفيين عنهم.
    إذن فالعبرة بالكلام المنقول هل هو حق أم لا؟ وليست العبرة بقائله والمتكلم أولا به.
    3- الاتهام الثالث: اتهام الشيخ عبد المجيد جمعة بتحقيق كتب أهل البدع:

    ومما ينشر في هذه الأيام بقصد إسقاط الشيخ عبد المجيد جمعة -حفظه الله- ما كان يتناقله الصعافقة الأوائل، ويكثرون من ترداده؛ أن الشيخ ربيعا -حفظه الله- طعن في الشيخ عبد المجيد بسبب تحقيقه لكتب أهل البدع، وسجلوا للشيخ ربيع -حفظه الله- صوتية بذلك كانت عمدتهم، وسلاحهم الذي يشغبون به على أهل السنة؛ وللأسف الشديد يعيد هؤلاء الزاعمين الانتصار للشيخ فركوس -حفظه الله ورعاه- نشر تلكم الصوتية للاحتجاج بها على انحراف الشيخ عبد المجيد جمعة وبالتالي اسقاطه. وهذا اجترار لما كان يلوكه الصعافقة الاحتوائيون، والذي قد رده أهل السنة -والحمد لله- في حينه، وذكروا الأدلة الدالة على عدم اعتباره، ولكن هؤلاء وبدافع الانتصار للمذهب المسلوك، والمنهج المطروق؛ يعيدون نشرها، والاحتجاج بها، ولو كان فيها ما فيها من المفاسد؛ منها:
    إقرار الاحتوائيين على ما كانوا يقولون.
    إعادة تسلطهم على أهل الحق من جديد بمنشوراتهم وحججهم التي كانوا ينشرونها، وليس في الشيخ جمعة خاصة بل في كل علمائنا وعلى رأسهم العلامة محمد علي فركوس حفظه الله ورعاه.
    إلزامهم لنا بكل ما قالوه مما نقلوه في علمائنا عن الشيخ ربيع -حفظه الله- وغيره مثل طعنهم في الشيخ فركوس حفظه الله ورعاه.
    وأنا أشك فيمن صار ينشر مثل هذه الصوتيات، وهذه التجريحات، وأشك في غرضه، قد يكون من الصعافقة والاحتوائيين يعيد نشرها بين السلفيين ليحقق مأربه ويصل إلى غرضه؛ ولذلك نرد هذه الشبهة مرة ثانية ليشمل الطائفتين والجنسين بما قد كتبته يومها ولم أنشره حينها:
    من جملة الطعونات التي طعن بها الصعافقة في شيخنا عبد المجيد جمعة -حفظه الله- أنه يحقق كتب أهل البدع والأهواء، وهذا مخالف لطريق السنيين، ومباين لسبيل السلفيين؛ فرد عليهم السنيون: أن هذا الفعل منه لا يستوجب الطعن فيه؛ لأنه قد سبقه إلى هذا علماء أجلاء، ومحدثون نبلاء؛ ومن أبرزهم في العصر الحاضر: العلامة الإمام الألباني -رحمه الله- حيث حقق كتبا لجملة من المخالفين، والمبتدعة الضالين، من رؤوس الإخوان المسلمين؛ مثل: القرضاوي، والغزالي، والسيد سابق، بل قد فعل ذلك كثير من الحفاظ المتقدمين، من أئمة الملة والدين؛ كالحافظ العراقي، والذي خرج أحاديث كتاب لعله من أشنع الكتب وأبشعها، وأكثرها انحرافا عن السنة وأبعدها، وهو: كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي، في كتاب مشهور عنوانه "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار"، وهكذا صنيع الحافظ ابن حجر رحمه الله، في تخريجه لكتاب "الكشاف" للزمخشري المعتزلي، في كتاب سماه "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" ونحوها؛ فلما ظهرت حجة السلفيين عليهم، وقهرهم برهانهم، عمدوا إلى التلبيس من جديد؛ وادعوا أن الشيخ الألباني رحمه الله إنما فعل ذلك مع كتب رائجة، أما الشيخ جمعة حفظه الله فأحيا كتبا مندثرة.
    والحقيقة هذه الشبهة التي يثيرونها، ويتكلمون بها، ضعيفة وواهية؛ لأن العلة ليست في رواجها من عدمه، ولذلك لو سألتهم هل العلة في المسألة هي الرواج، وهل يوجد قاعدة في الشرع أو أصل أو ضابط يسمى الرواج؟ أم أن الرواج ليس علة في ذاته، وإنما يندرج تحت قاعدة كلية، وأصل من أصول الشريعة؛ وهي اعتبار المصالح والمفاسد.
    فالشيخ الألباني -رحمه الله- اعتبر المصلحة في تحقيقه لهذه الكتب، وهي رواجها في الأمة، فأراد أن يقلل من شرها، إن لم يستطع أن يلغيها من أصلها، وهذا هو الذي أجاب به العلامة ربيع -حفظه الله- لما سئل عنها، وهكذا الشيخ جمعة -حفظه الله- اعتبر -فيما أخرجه من كتب- المصلحة، فبعضها مثلا لبعض المالكية، وهي في مسألة عمت البلوى بها، فأراد أن يقيم الحجة فيها على بني قومنا ممن ينتسبون إلى مذهب الإمام مالك -رحمه الله-، فقدر المصلحة في ذلك.
    فلو فرضناهم يرونها ليست بمصلحة في تقديرهم -إن كانوا من أهل التقدير- فيدور الأمر حينئذ بين الخطأ والصواب في تقدير المصالح والمفاسد، ولا يقال يحقق كتب أهل البدع؛ يوضحه:
    أنه إذا كانت العلة في الذم والطعن هي تحقيق كتب أهل البدع، فقد فعلها علماء أجلاء تقدم ذكرهم، فالحكم حينئذ يشملهم، واللوم أيضا يقع عليهم.
    فإذا قلتم لا؛ المشكلة ليست في تحقيق كتب أهل البدع، وإنما في تقدير المصالح والمفاسد، قلنا: إذن غاية ما في الأمر أن يدور بين الخطأ والصواب، لا بين الاهتداء والضلال، والاستقامة والانحراف.
    ومعلوم أنه إذا كانت المسألة متعلقة بتقدير المصالح والمفاسد، فاجتهادات العلماء تختلف حينئذ، وتقديراتهم للأمور تتفاوت، فلا يلام والحالة هذه إلا من لم يكن أهلا للاجتهاد، أما من كان أهلا للاجتهاد فيدور الأمر معه بين الأجر والأجرين.
    - أمر آخر أيضا وهو: نقول لهؤلاء ما هو المحذور في تحقيق كتب أهل البدع؟ أهو الخوف من اغترار الناس بالكتاب أم بصاحب الكتاب؟
    - فإن كان الجواب أنه الاغترار بالكتاب، وإحسان الظن بما فيه، فيتناوله قارئه باطمئنان، وينهل منه بكل أمان؛ فيتضرر بما فيه من الضلال والبهتان، فإذا كان الأمر كذلك فأقول: شتان بين ما حققه الشيخ عبد المجيد جمعة وبعض ما حققه أئمة الدين من المتقدمين والمعاصرين:
    فالشيخ عبد المجيد جمعة -حفظه الله- حقق رسائل مضمونها سليم، والكلام الذي فيها مستقيم، ورأى المصلحة في نشره إقامة للحجة على المخالفين، وإلزاما لبني جلدتنا وبلدنا من المعاندين مثل: "الرد على من جوز لبس القلنسوة"
    بينما الكتب التي حققها الحفاظ والأئمة من المتقدمين والمعاصرين مضمونها خطير، وما جاء فيها مضر ومبير، كمثل كتاب "إحياء علوم الدين" فإنه كتاب يدعو إلى التصوف المحض، وفيه ترويج للعقائد الباطلة، والمناهج المنحرفة، وكذلك كتاب "الكشاف" للزمخشري والذي ملأه صاحبه بعقيدته الاعتزالية، وانحرافاته البدعية؛ والتي احتال للترويج لها غاية الاحتيال، ودسها دسا لا يخطر على البال؛ حتى قال العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله في كتابه "بيان المحجة في الرد على اللجة" وهو مطبوع ضمن "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" ج4 ص258:"
    ومعلوم أن صاحب الكشاف أقدمُ من هؤلاء الثلاثة، وأرسخ قدما منهم في فنون من العلم، ومع هذا فقد قال شيخ الإسلام البلقيني: استخرجتُ ما في الكشاف من دسائس الاعتزال بالمناقيش، وقال أبو حيان -وقد مدح الكشاف وما فيه من لطيف المعنى ثم- قال:
    ولكنه فيه مجال لناقد::::وزلات سوء قد أخذن المخانقا
    فيثبت موضوع الأحاديث جاهلا::::ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقا
    وينسب إبداء المعاني لنفسه::::ليوهم أغمارا وإن كان سارقا
    ويُسهِبُ في المعنى الوجيز دلالة::::بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا
    يُقَوِّلُ فيها اللهَ ما ليس قائلا::::وكان مُحِبا في المخاطب وامقا
    ويشتم أعلام الأئمة ضلة::::ولا سيما إن أولجوه المضايقا

    إلى أن قال-:
    لئن لم تداركه من الله رحمة ... لسوف يُرَى للكافرين مرافقا" انتهى المقصود من كلامه.
    ومثل كتاب "الحلال والحرام" للقرضاوي ففيه من تحليل ما حرم الله ما هو معلوم، حتى قال بعض السنيين: كان يجدر بصاحبه أن يسميه "الحلال والحلال".
    فأين مضمون ما حققه الشيخ عبد المجيد جمعة من مضمون هذه الكتب بالله عليكم؟ أجيبوني بعلم إن كنتم صادقين.
    - وإن كان الجواب أن المحذور من تحقيق كتب أهل البدع هو الاغترار بصاحب الكتاب، فمن من المؤلفين كتبهم رائجة وأسماؤهم معروفة؟ أكتب أصحاب الكتب التي حققها علماء الأمة من المتقدمين والمعاصرين أم كتب من حقق كتبهم الشيخ عبد المجيد جمعة -حفظه الله-؟ وبلفظ آخر:
    من هو المؤلف الذي يخشى إن اغتر الناس به أن ينهلوا مما انتشر من كتبه، وذاع من مصنفاته؛ والتي فيها السم الزعاف والمرض الخطاف؟
    هل هو محمد عليش مثلا صاحب كتاب "الرد على من جوز لبس القلنسوة" أم القرضاوي صاحب كتاب "الحلال والحرام"؟ فكم هي كتب محمد عليش المنشورة في الأمة، وكم هي كتب القرضاوي المنتشرة والمعلومة؟ وهكذا بالنسبة لأبي حامد الغزالي صاحب "الإحياء" والذي نشرت كثير من كتبه مثل "كمياء السعادة" وغيرها.
    فمن كل الوجوه ما حققه الشيخ عبد المجيد جمعة -حفظه الله- أقل خطورة مما حققه حفاظ الملة وأئمة الدين من المتقدمين والمعاصرين، ومع ذلك فنقول ما سبق وهو أن المسألة ليست متعلقة بتحقيق كتب أهل البدع، بقدر ما هي متعلقة بتقدير المصالح والمفاسد، فحتى لو فرضنا الشيخ -حفظه الله- أخطأ في تقديرها، فأمره حينئذ يدور بين الصواب والخطأ لا بين الضلال والهدى، والله أعلى وأعلم.
    ثم إن كنتم منصفين وبالحق قائلين فلماذا تفرقون بين المتماثلات في هذه المسألة وغيرها من المسائل فتدينون بها الشخص ما لا تدينون بها غيره؟
    4- الاتهام الرابع: اتهام الشيخ أزهر -حفظه الله- بترك الحلم والوقوع في الغضب المذموم الذي يكون حمية أو انتصارا للنفس وغيرها مما لا يكون في ذات الله:

    ومما نشر في الآونة الأخيرة من أجل الطعن في الشيخ أزهر -حفظه الله- بترك الحلم، والوقوع في الغضب المذموم؛ صوتية للشيخ -حفظه الله- يشتد فيها على أحد المتصلين، نشرت على شكل مقطع فيديو فيه صورة لجزء من كلام الشيخ العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- من الكلمة الشهرية رقم: 4 والتي كانت بعنوان "في أخلاق الداعية وأولويات دعوته" والجزء هو: ومن أصول الأخلاق: إيثار الحلم وترك الغضب المذموم الذي يكون حمية أو انتصارا للنفس وغيرها مما لا يكون في ذات الله.
    التعليق:
    أولا: هذا فيه طعن في الشيخ أزهر -حفظه الله- بأنه غضب غضبا مذموما حمية وانتصارا لنفسه، وأن كلامه لم يكن في ذات الله، وهذا من الفجور في الخصومة، ومن الحكم على النيات وحرمة هذا الأمر معلومة.
    ثانيا: إن الغضب الذي أنكره الشيخ فركوس -حفظه الله- هو الغضب المذموم، وأعطى وصفه الذي يدل عليه، والصوتية تدل على أن غضب الشيخ أزهر -حفظه الله- على المتصل كانت مبررة، وسببها علم الشيخ بالشخص المتصل؛ وأنه يطعن في إخوانه السلفيين، ولا يعترف بسلفية أحد منهم، وأنه هو السلفي وحده، كما أنه كان سيء الأدب مع الشيخ كثير المقاطعة له، وهذا يدل على سوء أخلاقه، وإلى ما جرى في الصوتية ليحكم أهل الإنصاف:
    المتصل: حسنا لا علينا شيخ[3].
    الشيخ: إنها تجلس لأخواتها، تجلس لأخواتها في قريتكم، وتجتهد...
    المتصل: يا شيخ، يا شيخ، يا شيخ...
    الشيخ: أسكت قليلا لا تقاطعني.
    المتصل: نعم.
    الشيخ: وتجتهد بما تقدر عليه، وتنفع أخواتها، والله عز وجل إن شاء الله ينفع بها وبغيرها، وانتهى الأمر، وإذا كان هناك أمور هي واقعة فيها هي مستعدة -قالت لي-: مستعدة تتراجع عن أي شيء يقول المشايخ أنني أخطأت فيه، وانتهى الأمر، هذه تعلمت دينها قليلا هي سائرة في هذا الأمر وفقط.
    لكن نحن لا نبقى نمشي بسوء الظن وبتكذيب الناس....
    المتصل: لا،لا،لا..
    الشيخ: هذا يجوز...
    المتصل: لالالا يا شيخ ما قلنا لك... اقرأ فقط القضية التي أعطوك الأخوات، شهادة الأخوات يا شيخ، هذه المرأة هذه ليست لها حلقا أصلا، هذه الأخرى ليس عندها إلا صديقاتها الشريفيات تخالطهن، رأت حلقات هنا في بن مبروك يا أخي أن تعلم القضية في المسجد يا شيخ ادعت التوبة، اصبر دقيقة يا شيخ...
    الشيخ: اتركوا الشريفيات يخالطنها والسلام، ما الذي يزعجكم؟ تقول: الشريفيات يخالطنها اتركوهن يخالطنها.
    المتصل: لكن بفتواك العوام يخالطنها يا شيخ!
    الشيخ: نعم، اتركها بفتواي أنا مسؤول عما أقول، اتركها بفتواي...
    المتصل: على ماذا بنيت فتواك يا شيخ، على ماذا بنيت فتواك؟ أين هي صدق التوبة، أين هي شروط التوبة يا شيخ؟
    الشيخ: كيف؟
    المتصل: أين هي شروط التوبة؟ هذه ادعت التوبة، انظر بين ادعاء التوبة والبراءة، أنت برأتها من كل ما يقال أين هي شروط التوبة لهذه المرأة أين هي؟
    الشيخ: آتيك بها أم آتيك بالمرأة؟
    المتصل: لا، لا، لا، لا أذكر لي شروط التوبة ...
    الشيخ: اتق الله في نفسك، اتق الله لا تتكلم بأسلوب المتفيقه، اتق الله واعرف قدر نفسك....
    المتصل: لا ليس المتفيقه لكن نحن الدعوة السلفية تتهدم على رؤوسنا.
    الشيخ: اسمع، اعرف قدر نفسك، اعرف قدر نفسك، أنا أقول لك: كلمتها، أقول لك: كلمتها، والمرأة الأمور التي كانت تنتقد عليها قالت لي: أنا تراجعت عنها (أو كلمة نحوها) حتى توقع لي أنت؟ ....
    المتصل: ليس أنا، ليس أنا شيخ، أنا لست طرفا يا شيخ، أنا لست طرفا...
    الشيخ: اسمع.. اسكت، السلفيين أنت مشكلتك، أنت في نفسك عندك مشكل، السلفيون في بن خدة ولا واحد عندك سلفي، ولا واحد تكلمه...
    المتصل: لا لا يا شيخ هذا بهتان ...
    الشيخ: من صاحبك في ذراع بن خدة من صاحبك قل لي، مَنْ مِنَ السلفيين صاحبُك ابعث لي رقمه أتكلم معه، مَنْ؟
    المتصل: الحمد لله عندنا أصحابنا، الحمد لله عندنا أصحابنا وكثير وهذا افتراء وبهتان.
    الشيخ: لا علينا، قل لي مَنْ؟ قل لي مَنْ؟
    المتصل: شيخ هذا افتراء وبهتان، عندك أنت كلامك من أين أخذته كلامك هذا من أخبرك بهذا الكلام؟
    الشيخ: ما زلت أسلوب ما زلت أسلوب السؤال؟
    المتصل: أكيد تقول لي ليس لي سلفي صاحبي في ذراع بن خدة؟
    الشيخ: اسمح لي، أنا أسألك لا تجيبني وتجيبني بسؤال، إذن جاوبني.
    المتصل: أنا أقول لك عندي أصحابي وكثر لا أستطيع أن أعدهم لك يا شيخ.
    الشيخ: سمي لي واحدا منهم فقط، واحدا من ذراع بن خدة وابعث لي رقمه...
    وقطعت المكالمة المنشورة، والحقيقة الماثلة أمامنا أن الشيخ كان يكلم من عرف عنه هجر الإخوة السلفيين جميعا في بلدته، وطعنه فيهم، وهذا لا شك فيه من الغلو المذموم، ويدل على صحة كلام الشيخ أنه لم يسم له رجلا منهم يمكن الشيخ أن يسأله عنه، ولذلك كان كلام الشيخ معه شديدا تأديبا له ولأمثاله؛ وهي الحكمة التي أمرنا بها، ولكن الهوى غلاب، لما صار البعض على الطعن في الشيخ وإرادة اسقاطه عموا عن البينات الواضحات أن يروها، وصموا عن الحقائق الظاهرات أن يسمعوها، وكما قال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" ص84:" والعداوة والبغض، يُعْمِيَانِ وَيُصِمَّانِ، كَمَا أَنَّ الْهَوَى يُعْمِي وَيُصِمُّ"، هدانا الله وإياهم وبصرنا جميعا بالحق وقاد قلوبنا إليه.
    - ويشبه هذه المكالمة واقعة للعلامة ربيع حفظه الله عامل فيها رجلا بنوع شدة لأنه يستحق ذلك: وهي ما نشر تحت عنوان الشيخ ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله- يؤدِّب أحد الطلبة الغلاة؛ وإليكم ما جاء فيها:
    الشيخ ربيع حفظه الله مناديا: محمد، محمد (العتيبي أو نحوها).
    الطالب: نعم يا شيخ.
    الشيخ ربيع حفظه الله: تعال.
    ثم قال مخاطبا للحضور: شوفوا يا إخوان هذا الأخ مريض معتوه إذا نقل عني أي شيء فكذب وباطل ولا آمنه ولا أسمح له أن ينقل عني كِلمة واحدة أبدا، حتى لو حق لا ينقله عني، فأي نقل ينقله عني في فلان وفلان وفلان لاسيما التبديع أنا بريء مما يقول، بارك الله فيكم.
    ثم خاطبه قائلا له: تأدَّب يا ولدي، تبغي تطلب علم روح المستشفى يعالجوك وبعدين تعال، أما أنت مريض وبعدين تنقل عني أشياء تخرب الدعوة اتق الله هذا دمار، اتق الله في نفسك، وبعدين تبدع ناس سلفيين، لي يكلمك ترميه بالبدعة، اتق الله يا أخي.
    الطالب: أنا ما..
    الشيخ ربيع حفظه الله: أنت، هذا يقول تجلس علي وهذا يقول، وبدعت هذا وبدعت هذا خيرة السلفيين تبدعهم؟
    الطالب: هذا إخواني.
    الشيخ ربيع حفظه الله: إخواني؟ من يصدقك من يصدقك؟ الإخوان يجلسون عندي هكذا؟ الإخوان يجلسون عندي؟
    الطالب: ما تدري عنهم.
    الشيخ ربيع حفظه الله: لالا ما هو إخواني.
    الطالب: ما تدري عنهم.
    الشيخ ربيع حفظه الله: أنت الإخواني أنت الإخواني، هو ما هو إخواني أبدا.
    الطالب: ما يبدع بكر أبو زيد يا شيخ.
    الشيخ ربيع حفظه الله: وأنا ما أبدعه، أنا ما أبدع بكر أبو زيد.
    الطالب: هذا رأيك يا شيخ ....
    الشيخ ربيع حفظه الله: اللي ما يبدع بكر أبو زيد خلاص صار مبتدعا عندك هذا مذهب السلف؟
    الطالب: أول شيء ارجع واقرأ كتابك...
    الشيخ ربيع حفظه الله: اترك يا ولدي.
    الطالب: أنت ما تبدع بكر أبو زيد؟
    الشيخ ربيع حفظه الله: لا تبدع بكر أبو زيد ولا تتكلم في أحد أبدا ما لك شغل.
    الطالب: سمعت منه التوبة يا شيخ؟
    الشيخ ربيع حفظه الله: اتق الله في نفسك.
    الطالب: سمعت منه التوبة يا شيخ؟
    الشيخ ربيع حفظه الله: ما أبدعه، أخطأ، ما أبدعه أخطأ ويمكن تاب وندم.
    الطالب: نعم يا شيخ؟
    الشيخ ربيع حفظه الله: بعد مصالح الدعوة، أذهب معك مع المجانين.
    وهنا قاموا بإخراجه كما هو واضح من الصوتية.
    فقال الشيخ ربيع هنا مخاطبا له بصوت مرتفع: لا تأتي عندي أبدا ولا أراك". اهـ.
    كيف تسمون هذا يا من نشرتم الصوتية؟ أهو شدة وطرد أم لين وصبر؟ فأنتم على قاعدتكم لابد أن تنكروا على العلامة ربيع حفظه الله وترونه مما يخالف أصول الأخلاق، أما نحن -والحمد لله- نراه من منهج السلف الصالحين، ولا غضاضة على الشيخ في فعله؛ لأنه من الحكمة التي هي وضع الشيء في موضعه.
    ثالثا: إن الغضب من طعان في السلفيين هاجر لهم من غير وجه حق هو من الغضب لله سبحانه وهذا ظننا بالشيخ -نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله سبحانه-.
    رابعا: من المعلوم أن المشايخ بشر ويعتريهم ما يعتري البشر من الغضب والأسف والحزن والخصام ونحوها، وهذه الأمور قد تكون في أحوال مشروعة؛ فلا عيب حينئذ على من فعلها، أو وقع فيها، أو قد تكون بسبب جبلته وطبيعته البشرية، وقد تكون بسبب أحوال طارئة عليه أثرت فيه، وأدت إلى تغير مزاجه، أو سرعة انفعاله؛ فيعذر نوع عذر بسبب ذلك، ويعفو إخوانه عنه إذ علموا أحواله:
    قال ابن حزم رحمه الله في "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" ص71: وَلَقَد أصابتني عِلّة شَدِيدَة ولدت عَليّ ربوا فِي الطحال شَدِيدا فولد ذَلِك عَليّ من الضجر وضيق الْخلق وَقلة الصَّبْر والنزق أمرا حاسبت نَفسِي فِيهِ إِذْ أنْكرت تبدل خلقي وَاشْتَدَّ عجبي من مفارقتي لطبعي وَصَحَّ عِنْدِي أَن الطحال مَوضِع الْفَرح إِذا فسد تولد ضِدّه".
    5- الاتهام الخامس: اتهام الشيخ أزهر حفظه الله بالاستهزاء بالقرآن والحوم حول تكفيره وإخراجه من الملة:

    لقد وصلتني الآن[4] صوتية للشيخ أزهر -حفظه الله- يقوم على نشرها المنتسبون للعلّامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- والداعون للانتصار له، وحرب من يرونهم مخالفين له ولدعوته، فيها كلام مقتطع من سياقه وسباقه، قام الصعافقة قبل سنتين بنشره للطعن فيه، وتنفير الناس عنه، وأعاد هؤلاء نشرها اليوم من باب دعم الموقف الذي اتخذوه، والمذهب الذي اعتنقوه واعتقدوه، ولو بالبهتان والافتراء، وموافقة المخالفين من أهل الأهواء، نسأل الله السلامة والعافية، ويكفي في بيان إفلاسهم، وأن لا دليل عندهم؛ أن صاروا إلى الأخذ عن أعدائهم ما لاكه هؤلاء في مشايخهم، وهذا من حمقهم وغبائهم، إذ يقيمون الحجة للصعافقة على أنفسهم، لأن الصعفوق سيقول لهم حينما يحتجون بأقواله ومقاطعه وشبهاته:
    إذا كان هذا القول حقا فلماذا لم تأخذوا به في سالف أيامكم؟ وإن كان باطلا فلماذا تحتجون به اليوم على خصومكم؟
    فسيضطرون إلى الإقرار بأنه حق فحينئذ يقولون لهم: إذن طريقتكم التي كنتم عليها باطلة، ومناهجكم التي سلكتموها ودافعتم عنها عاطلة، وبالتالي كل ما قلناه نحن في أيام الفتنة السابقة حق وصدق، بما في ذلك الطعن في مشايخكم جميعا، وعلى رأسهم العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه-، فما عليكم إلا أن تتبرؤوا منهم جميعا، وتتركوهم كلية، وإلا كنتم متناقضين؛ تأخذون ببعض الحق وتتركون بعضه. وهنا وجه الحمق.
    أو أن الناشر لهذه الصوتيات اليوم بين المنتصرين للشيخ فركوس -حفظه الله- هو من الصعافقة الأوائل، وغرضه تشتيت السلفيين بما كان سلاحا له في سالف أمره ولم ينفعه، فهو يدمر السلفيين بأيديهم، ويحقق غرضه بسواعدهم، ولذلك من أيده وأعانه وانساق له فهو أحمق مغفل، لا يدري حقيقة ما يفعل.
    أما الصوتية فنشرها على صفحته في الفايسبوك المدعو أبو أنس مقدما بين يديها بالعنوان والكلام التالي:
    استهزاء لزهر واستهتاره بكلام الله عز وجل، اللهم سلم سلم.
    والمعلوم أن الاستهزاء بالإسلام أو بحكم من أحكام الإسلام كفر يخرج صاحبه من الملة، سواء كان ذلك جدا أم كان هزلا، لقوله تعالى:" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" سورة التوبة الآية 65 ومن الآية 66.
    قال ابن العربي رحمه الله: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ؛ فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا خُلْفَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، وَالْهَزْلَ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ..... إلى آخر كلامه.
    - والصوتية المنشورة، والمقطوعة المبتورة، والتي نشرها من يزعم الانتصار للشيخ العلامة محمد علي فركوس –حفظه الله- هي:
    قال السائل: يقول السائل شيخنا بارك الله فيك هل يجوز تعلم القرآن عند معلم صعفوق؟
    الشيخ: إذا أحببت أن تأخذ القرآن بصعفقة...... وكرروا الكلام ثلاث مرات للتأكيد ثم قطعت الصوتية.
    - وقد أخذها الناشر لها من الصعافقة الذين نشروها قبل أكثر من سنتين على الأقل؛ حيث نشرت في 21/12/2019م إلا أنهم نشروها كاملة، وحاموا بها حول تكفير الشيخ أزهر -حفظه الله- ومما يؤسف له أن الزاعمين للانتصار للشيخ فركوس -حفظه الله- أخذوا عنهم الصوتية وزادوا في بترها، وأخذوا عنهم ما رتبوه من الحكم عليها؛ والصوتية كما نشرها الصعافقة الأوائل هي:
    قال السائل: يقول السائل شيخنا بارك الله فيك هل يجوز تعلم القرآن عند معلم صعفوق؟
    الشيخ: إذا أحببت أن تأخذ القرآن بصعفقة (كرروها ثلاث مرات) لأن هؤلاء لا يصبرون، لا يستطيع أن يلتزم بتدريس القرآن، ويمسك لسانه عن غيره، فالسلامة في الدين وفي المعتقد وفي المنهج هذا لا يعدله شيء، والقرآن -ولله الحمد والمنة- تعليمه ليس حكرا على الصعافقة، بل الغالب على الصعافقة أنهم ليس عندهم لا هذا ولا غيره، ربما هذا طفرة في وسطكم؛ هذا المعلم هذا نسأل الله أن يهديه وسائر إخوانه لما يحبه ويرضاه وأن يخرجهم من هذه البوتقة الخبيثة التي دخلوها أو أدخلوها وجعلوا الطعن في العلماء وأخيار هذه الأمة هو نهجهم وهو صفتهم وعلامتهم فعليك بغيره يا أخي عليك بغيره.

    التعليق في نقاط:
    الأولى: أين وجه الاستهزاء في هذا الكلام؟ حقا إن الهوى غلاب، والبغض لأهل الحق يوقع صاحبه قطعا في أسباب العذاب.
    الثانية: من الذي يوقع الحكم على المعين بالكفر والخروج من الملة؟ لاشك أنهم العلماء لا الجهلة الأدعياء.
    الثالثة: من المنكرات العظيمة والانحرافات الخطيرة: تسلط الجهلة على العلم وخوضهم فيما يضرهم ولا ينفعهم؛ وهذه المسألة من أعظم الأدلة على ذلك، حيث وقع هؤلاء -إن أحسنا بهم الظن- في سوء فهم، ثم بنوا على سوء فهمهم الجور في الحكم، والتجني على المسلم.
    أمثل هؤلاء ينتسبون للعلامة محمد علي فركوس -حفظه الله- وينتصرون له؟ فوالله الذي لا إله إلا هو لا يُشرِّف الشيخ -حفظه الله- انتسابكم إليه، ولا ينفعه نصرتكم له، بل أنتم عبئ ثقيل على دعوته، وخناجر مسمومة في ظهره -حفظه الله ورعاه وسلمه من شرور الأشرار وكيد الفجار.
    الرابعة: كلام الشيخ أزهر -حفظه الله- واضح وبَيِّنٌ في أن الذي يأخذ القرآن عن منحرف سيأخذه منه مع انحرافه الذي عنده؛ لأن أهل الباطل لا يسكتون عن دعوتهم، ولابد أن يدعوا لنحلهم، ولذلك ثبت عن السلف التشديد في عدم السماع من أهل الأهواء، ولو تكلموا بكتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    روى ابن بطة العكبري رحمه الله في "الإبانة الكبرى": عن سعيد بن عامر، قال: سمعت جدتي أسماء تحدث قالت: دخل رجلان على محمد بن سيرين من أهل الأهواء فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث، قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله، قال: لا، لتقومان عني أو لأقومنّ[5].
    هذه في آية واحدة في زمن قليل، فكيف بأخذ القرآن عنه في الأمد الطويل؟.
    والآثار في باب عدم السماع منهم كثيرة.
    6- الاتهام السادس: اتهام الشيخ أزهر -حفظه الله- بإساءة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم والحوم حول تكفيره وإخراجه من الملة:

    لقد وصلني البارحة[6] تعليق –ينشره من أصبح ينتسب للعلامة فركوس حفظه الله وينتصر له- من أحد المجاهيل على كلام مقتطع من مجلس الشيخ أزهر -حفظه الله- الأخير في مدينة بجاية يزعم كاتبه أن الشيخ وقع في إساءة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال تحت عنوان: طامة أخرى ... وطعنة كبرى!
    ختم الشيخ لزهر –هداه الله وأصلحه- صوتية بجاية بكلام فظيع، يوجب النكير والتشنيع ....! كيف لا وقد أساء الأدب مع المبعوث رحمة للعالمين محمد عليه وعلى آله أزكى التسليم....
    الصوتية المقصودة –وقد أردفها الباعث لي بالكلام السابق- هي:
    السائل: مما يقول: الشيخ عبد المجيد في شيخ فركوس بحضرة نبيل باهي وأسامة دريدي، وقال لهم: لم يكن غضبانا وقال لهم: طعن فيه، الشيخ نحن نعلم بانهم يكذبون، كيف موقفنا في هذه القضية:
    جواب الشيخ لزهر: هو يعقل واحد بدون هذه الفتنة وبدون هذه المشاكل، لا يعقل أنه يطعن في واحد ولا يكون غضبانا، لا يعقل، والقرائن والألفاظ التي ذكروها تشير إلى هذا أنه هذا.... لأنه ذكر هو الرسالة، وولده، وكذا... أنت فاهم، إذن غضب، فمهما يكن هذا الإنسان ضعيف قد يغضب وقد ينفعل، النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا عن نفسه كما جاء في حديث أنس: أقضي في حال الغضب والرضا، الله المستعان، أو يتكلم في حال الغضب والرضا.....
    قلت: ومما جاء ضمن الكلام السابق للمجهول الراد على الشيخ أزهر -حفظه الله- الآتي:
    لم يكتف ش لزهر بهذا التبرير الباطل... وإنما نسب هذا الفعل القبيح والخلق الدنيء للنبي صلى الله عليه وسلم...!!! أعوذ بالله... قال صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لاَ يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِى بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا" وقال:" إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"...." إلى أن قال:"
    ثانيا: جملة (يتكلم في حال الغضب والرضا) لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه كما زعم ش لزهر، وإنما هو قول الصحابة لراوي الحديث.." ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو وقول الصحابة له:" أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا" الحديث.
    ثم بنى عليه باقي كلامه ومنه قوله: فقياسك فعل ش جمعة الشنيع وانتصاره لنفسه عند الغضب بغضب النبي صلى الله عليه سلم قياس قبيح جدا وسوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم يا ش لزهر، فهذا خطير جدا...!
    رابعا: الحديث جاء من طريق عبد لله بن عمرو لا أنس رضي الله عنهم كما زعم ش لزهر...." إلخ كلام هذا المجهول والذي نشروه نشرا واسعا.

    والجواب على هذا الكلام الآتي:
    أن الحديث الذي قصده الشيخ أزهر –حفظه الله- ليس هو حديث عبد الله بن عمرو كما ذكر المجهول، وإنما مقصوده الحديث الذي رواه الإمام مسلم -رحمه الله- بروايات مختلفة تحت باب: مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ أَهْلاً لِذَلِكَ كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً. عن جملة من الصحابة، ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه، وهاك بعضها وأختم بالحديث الذي احتج به الشيخ أزهر -حفظه الله-:
    - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاَنِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ قَالَ:" وَمَا ذَاكِ". قَالَتْ قُلْتُ لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا قَالَ:" أَوَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا".
    وذكر عن أبي هريرة روايات متعددة منها:
    - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
    - عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ:" إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا".
    أما رواية أنس التي أشار إليها الشيخ أزهر –حفظه الله- فهي كما في صحيح مسلم أيضا:
    - عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْيَتِيمَةَ فَقَالَ:" آنْتِ هِيَهْ لَقَدْ كَبِرْتِ لاَ كَبِرَ سِنُّكِ". فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ قَالَتِ الْجَارِيَةُ دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنِّي فَالآنَ لاَ يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا - أَوْ قَالَتْ قَرْنِي- فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:" مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ". فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي قَالَ:" وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ". قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلاَ يَكْبَرَ قَرْنُهَا -قَالَ- فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ:" يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
    إذن الشيخ -حفظه الله- أشار إلى حديث أنس رضي الله عنه، ولم يقصد حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ وهذا مما يدل على جهل الراد وعدم ضبطه للمسائل، أما ما أنكر على الشيخ من سوقه لهذا الحديث واعتذاره للشيخ جمعة مستدلا به؛ فبيان الأمرين -الاحتجاج والاعتذار- بما أورده العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه القيم "التنكيل" وسأنقله بطوله لأهميته حيث قال ج1 ص339 وما بعدها تحت عنوان:

    4- قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك:
    كلام العالم في غيره على وجهين:
    الأول: ما يخرج مخرج الذم بدون قصد الحكم، وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهداً لم تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" وفي رواية "فأي المسلمين آذيته شتمته لعنته جلته فاجعلها له صلاة ...".
    وفيه نحوه من حديث عائشة ومن حديث جابر، وجاء في هذا الباب عن غير هؤلاء، وحديث أبي هريرة في صحيح البخاري مختصراً. ولم يكن صلى الله عليه وآله ومسلم سبابا ولا شتاماً ولا لعاناً ولا كان الغضب يخرجه عن الحق، وإنما كان كما نعته ربه عز وجل بقوله:" وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" قوله تعالى:" وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" وقوله عز وجل:" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" وإنما كان يرى من بعض الناس ما يضرهم في دينهم أو يخل بالمصلحة العامة أو مصلحة صاحبه نفسه فيكره صلى الله عليه وسلم ذلك وينكره فيقول:" ما له تربت يمينه" ونحو ذلك؛ مما يكون المقصود به إظهار كراهية ما وقع من المدعو عليه، وشدة الإنكار لذلك، وكأنه والله أعلم أطلق على ذلك سباً وشتما على سبيل التجوز بجامع الإيذاء، فأما اللعن فلعله وقع الدعاء به نادراً عند شدة الإنكار، ومن الحكمة في ذلك إعلام الناس أن ما يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم عند الإنكار كثيرا ما يكون على وجه إظهار الإنكار والتأديب لا على وجه الحكم، وفي مجموع الأمرين حكمة أخرى، وهي: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم من طباع أكثر الناس أن أحدهم إذا غضب جرى على لسانه من السب والشتم واللعن والطعن ما لو سئل عنه بعد سكون غضبه لقال: لم أقصد ذلك ولكن سبقني لساني، أو لم أقصد حقيقته ولكني غضبت، فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبه أمته على هذا الأصل ليستقر في أذهانهم فلا يحملوا ما يصدر عن الناس من ذلك حال الغضب على ظاهره جزماً.
    وكان حذيفة ربما يذكر بعض ما اتفق من كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند غضبه فأنكر سلمان الفارسي ذلك على حذيفة رضي الله عنهما وذكر هذا الحديث[7]، وسئل بعض الصحابة وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة عن شيء من ذلك فأراد أن يخبر وكانت امرأته تسمع فذكرته بهذا الحديث فكف[8]. فكذلك ينبغي لأهل العلم أن لا ينقلوا كلمات العلماء عند الغضب وأن يراعوا فيما نقل منها هذا الأصل. بل قد يقال لو فرض أن العالم قصد عند غضبه الحكم لكان ينبغي أن لا يعتد بذلك حكماً ففي (الصحيحين) وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" لا يقضين حكم بين أثنين وهو غضبان" لفظ البخاري، والحكم في العلماء والرواة يحتاج إلى نظر وتدبر وتثبت أشد مما يحتاج إليه الحكم في كثير من الخصومات فقد تكون الخصومة في عشرة دراهم فلا يخشى من الحكم فيها عند الغضب إلا تفويت عشرة دراهم فأما الحكم على العالم والراوي فيخشى منه تفويت علم كثير وأحاديث كثيرة ولو لم يكن إلا حديثاً واحداً لكان عظيماً.
    ومما يخرج مخرج الذم لا مخرج الحكم ما يقصد به الموعظة والنصيحة، وذلك كأن يبلغ العالم عن صاحبة ما يكرهه له فيذمه في وجهه أو بحضرة من يبلغه، رجاء أن يكف عما كرهه له، وربما يأتي بعبارة ليست بكذب ولكنها خشنة موحشة يقصد الإبلاغ في النصيحة ككلمات الثوري في الحسن بن صالح بن حي، وربما يكون الأمر الذي أنكره أمراً لا بأس به بل قد يكون خيراً ولكن يخشى أن يجر إلى ما يكره؛ كالدخول على السلطان، وولاية أموال اليتامى، وولاية القضاء، والإكثار من الفتوى، وقد يكون أمراً مذموما وصاحبه معذورا ولكن الناصح يحب لصاحبه أن يعاود النظر، أو يحتال، أو يخفي ذاك الأمر، وقد يكون المقصود نصيحة الناس لئلا يقعوا في ذلك الأمر، إذ قد يكون لمن وقع منه أولاً عذر ولكن يخشى أن يتبعه الناس فيه غير معذورين، ومن هذا كلمات التنفير التي تقدمت الإشارة إليها في الفصل الثاني.
    وقد يتسمح العالم فيما يحكيه على غير جهة الحكم، فيستند إلى ما لو أراد الحكم لم يستند إليه؛ كحكاية منقطعة، وخبر من لا يعد خبره حجة، وقرينة لا تكفي لبناء الحكم ونحو ذلك. وقد جاء عن إياس بن معاوية التابعي المشهور بالعقل والذكاء والفضل أنه قال:" لا تنظر إلى عمل العالم ولكن سله يصدقك" وكلام العالم إذا لم يكن بقصد الرواية أو الفتوى أو الحكم داخل في جملة عمله الذي ينبغي أن لا ينظر إليه، وليس معنى ذلك أنه قد يعمل ما ينافي العدالة، ولكن قد يكون له عذر خفي وقد يترخص فيما لا ينافي العدالة، وقد لا يتحفظ ويتثبت كما يتحفظ ويثبت في الرواية والفتوى والحكم.
    هذا والعارف المتثبت المتحري للحق لا يخفى عليه إن شاء الله تعالى ما حقه أن يعد من هذا الضرب مما حقه أن يعد من الضرب الآتي، وأن ما كان من هذا الضرب فحقه أن لا يعتد به على المُتكلَّم فيه ولا على المُتكلِّم. والله الموفق.
    - الاتهام السابع: اتهام الشيخ أزهر –حفظه الله- بالطعن في الشيخ فركوس حفظه الله والانتقاص منه:

    ومن محاولاتهم التي أرادوا بها تأييد موقفهم، وتمتين مذهبهم؛ الصوتية التي نشروها للشيخ أزهر -حفظه الله تعالى- ليثبتوا بها أن الشيخ ينتقص من منزلة العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- ويقزم من جهده العلمي، والصوتية هي:
    قال السائل: اختلفوا يعني في الاختلاط، لأن منهم من يعمل بفتوى فركوس، بفتوى الشيخ فركوس وبعض فتاوى مشايخ الجزائر وفيما يخص الجمعيات أيضا يعني...
    الشيخ أزهر: فين فتاوى الجزائر، كاين فتاوى مشايخ الجزائر يقولوا بجواز الدراسة؟
    السائل: لا، كيما فتوى الشيخ فركوس بتلك الضوابط يعني.
    الشيخ: آآ ما كاين لا فتوى الشيخ فركوس، ولا فتوى المشايخ المزعومين هاذوا، الفتوى هي ما عليه العلماء يا أخي...[9]

    والجواب من وجهين:
    الأول: الصوتية مبتورة، وهذا أصبح ديدن القوم، كمثل ما كان يفعل الصعافقة، بل زادوا عليهم في البتر أحيانا زيادة في التعمية والتلبيس، وحتى لا يتفطن لهم من يطلع على منشوراتهم كما تقدم المثال عليه.
    الثاني: أن المقطع المنشور مع أنه مبتور إلا أن الأمر فيه واضح وجلي لمن صفت نيته، ولم يعم التعصب قلبه؛ وهو أن الشيخ –حفظه الله- أدرك أن الرجل يحتج بمشايخ يعتمد عليهم، ويرجع إليهم، وأنه لا يقدِّر الشيخ فركوسا –حفظه الله- أصلا، وإنما أورده للتلبيس والتدليس ولذلك في أول الأمر لم يشيخه، ثم شيخه ليحتج به على ما أخذه أصلا من غيره، ولهذا لما أحرجه الشيخ أزهر بسؤاله هل يوجد مشايخ في الجزائر يقولون بالدراسة في الاختلاط؟ لجأ إلى الاحتجاج بالشيخ فركوس -حفظه الله-، وهنا قال الشيخ أزهر ما قال، والظاهر من كلامه ليس هو التقليل من شأن الشيخ فركوس -حفظه الله- وإنما نفي الاعتماد على المشايخ المزعومين؛ هؤلاء الذين لم يسمهم السائل وهو يعتمد عليهم، فجاء ذكر الشيخ فركوس -حفظه الله ورعاه- في كلام الشيخ أزهر عرضا لا أصلا؛ من باب إلزام السائل بالحق الذي يعتقده الشيخ ويفتي به، وهذه الأمور قد تكون في مضائق المناظرات، ولجج المحاورات.
    - قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" ص13: قلنا: هذا مدفوع بأن الإنسان بشر وله حالات نفسية وخارجية توجب الذهول عن اللازم، فقد يغفل أو يسهو، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات من غير تفكير في لوازمه ونحو ذلك.
    وقال في شرحها ص56: ومن الممكن أن يكون في باب المناظرة، وهو باب تحدث فيه مضايقات، فربما تقول قولا تريد أن تتخلص به من ضيق المناظرة، وهذا القول لازمه باطل، والناس في المناظرات ربما أرادوا الخروج من ضيق المناظرة بأقوال ربما لو تأملوها فيما بعد لوجدوها خطأ، فلما كان هذا واردا على طبيعة البشر لم يكن لنا أن نجعل لازم قول الإنسان قولا له حتى يصرح بالتزامه له" اهـ.
    فلازم قول الشيخ أزهر -حفظه الله- ورعاه أنه يتنقص من قدر العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- ويقزم جهده واجتهاده، وقد تقدم أن لازم قول المرء ليس بقول إلا إذا التزمه، وبخاصة وقوله في الصوتية المتقدمة ظاهرة ملابساته وظروفه التي أحاطت به؛ ومع ذلك فالأصل أن يُطالب الشيخ أزهر -حفظه الله- بالتبرؤ من لازم قوله، والأولى والأفضل أن يتبرأ من القول جملة لأن لازمه باطل، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم كما قرر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
    - الاتهام الثامن: اتهام الشيخ عبد المجيد جمعة حفظه الله بالتأكل بالدعوة والطعن فيه في مسألة الأموال:

    لقد اتهم الشيخ عبد المجيد –حفظه الله- بالتأكل بالدعوة بسبب ما شاع عنه من شهادات قيلت فيه وذكرت عنه:
    فمنها: ادعاء صاحب الوكالة على الشيخ أنه كان يعطيه أموالا ونحو ذلك وهذا ما رده الشيخ نفسه في المقالة التي كتبها وعنونها بـ" فإن لم يكن فيه فقد بهته".
    ومنها: ما ظهر من اتهامات نبيل باهي الأخيرة في قضية طباعة الرسائل، وكونه كان يطبعها من ماله الخاص ولم يعطه الشيخ حفظه الله مقابل ما أنفقه عليها، ثم لما انتشر أنه هو من قال للشيخ أنه سيتولى طباعتها بعض المحسنين، عاد نبيل باهي وكتب أن المحسن الذي أشير إليه لم يتكفل بطباعة إلا رسالة واحدة، وذكر دلائله على أن الرسائل الأخرى الأربعة أو الخمسة بقيت على أصلها، والمفروض أن الشيخ هو الذي يدفع قيمة طباعتها.
    أقول: لنفرض أن هذا الذي ذكره نبيل صحيح وواقعي، فقد يكون الشيخ متأولا، أو ظن بأن سائر رسائله يقوم على طبعها ذلك المحسن؛ وبخاصة ونبيل لم يطالب الشيخ بما له عليه حياء منه كما ذكر، فهلا حمل ذلك كله على المحمل الحسن، أم هي نصرة المذهب الجديد؟ ثم لنفرض أن الشيخ وقع في هذا الذي ذكره نبيل، واجتهد في ذكر ما يثبته فأين النصيحة للشيخ؟ فالمفروض أن يقوم بذلك جملة مشايخ ينصحون له، ويرشدونه، ويعينونه على إرجاع المظالم إلى أهلها، ويرغبونه في التوبة التي تَجُبُّ ما قبلها.
    وقد ذكر نبيل أنه لازالت مسائل الأموال لصاحب الرسائل ترفع إلى الشيخ فركوس -حفظه الله ورعاه- وهو يحكم فيها، ويوجه إلى الحق فيما يتعلق بها، فلماذا يا نبيل لم ترفع أمرك إليه -حفظه الله- وتقدم الدعوى على غريمك عنده؟ ثم يجلسكما ويسمع لأدلة كليكما، وبعد ذلك يحكم على الظالم للمظلوم، ويلزمه برد المظلمة إلى أهلها؟.
    وأنا أقول لك الآن: إذا كنت صاحب حق اطلب من الشيخ فركوس حفظه الله -وقد أصبح في إمكانك الدخول عليه- أن يعقد مجلسا بينكما للحكم في هذه المسألة، وأنا أجزم –إن شاء الله- أن الشيخ عبد المجيد -حفظه الله- لن يتخلف عن المجلس، وسيفعل ما يحكم به والدنا وكبيرنا العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه-، ففي هذا المجلس -لو حصل- إعانة للمخطئ منكما على التوبة إلى الله، وحينئذ التائب منكما من ذنبه كما لا ذنب له، فلماذا هذا الكلام الكثير أهو من أجل استرداد الحق أم من أجل التشهير والتنفير؟
    ثم اعلموا -رحمكم الله- أن هذه المسائل المالية تقع للعلماء كما تقع لغيرهم، وقد يكون هناك شبهة، أو تأويل في المسألة، أو سوء فهم عند طرف من الأطراف، أو ظلم وتجني وإجحاف؛ ولذلك كله فلابد للنظر إليها جميعها بعين العدل والإنصاف:
    فمن ذلك ما وقع للإمام الألباني -رحمه الله- مع زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي، والذي كان يقوم على طباعة كتب الإمام الألباني -رحمه الله-، ثم بعد ذلك ادعى أن كثيرا من كتب الشيخ هي ملك له، وأن الشيخ -رحمه الله- حققها للمكتب الإسلامي، فالمكتب يملكها لا من ألفها وحققها، إلى درجة أن حصل خلاف بينهما أدى إلى عقد مجالس تحكيم أو صلح، قام عليها لجنة من ثلاثة أشخاص شكلها زهير الشاويش، فيهم محامي مصري، والتقوا لمرتين، ثم وصل الأمر إلى القضاء، وقد ذكر الشيخ الألباني -رحمه الله- في صوتية حقيقة ما وقع له مع زهير، كما أن زهيرا نشر ذلك وتكلم عليه في حياة الإمام الألباني وبعد موته في لقاءات مصورة تَظَلَّم فيها منه، بل وتكلم على شخصه، ونبزه بوقوع الخلافات له حتى مع أقاربه وأهله، إلى درجة أن أدخل الشكوك على بعض السلفيين؛ وأذكر أنني اطلعت على تعليق لأحد الإخوة على صوتية الألباني –رحمه الله- والتي نشرتها إحدى القنوات على اليوتيوب والمسماة "قناة الألباني" جاء فيه أنه فُرج عنه بما سمع من كلام الإمام الألباني رحمه الله، وأشار إلى سبب تكدره وغمه الذي فرج بكلام الألباني عنه وهو ما سمعه من كلام زهير الشاويش في إحدى القنوات.
    وهذا يدل على أن الخلافات المالية قد تقع حتى للعلماء، وقد يُطعن فيهم بسببها، ويُحاول تشويه صورتهم بناء عليها، وأن من يسمع للطاعنين المنتقدين على العالم قد يشك فيه ولو كان سنيا، مع أن العالم قد يكون له في الموضوع ما يدل على الحقيقة كاملة، وما يزيل اللبس تماما.
    ولهذا أمثال هذه الدعاوى لابد أن يقوم على النظر فيها من يثق فيه الطرفان، ويحضرون عنده، ويدلي كل أحد بدلوه؛ ثم يحكم الحَكَمُ -الذي ارتضاه الجميع- بحكمه، ولذلك كما قلت آنفا لنبيل اطلب من الشيخ العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- أن يعقد بينكما مجلسا للسماع منكما، ثم يحكم –حفظه الله- بينكما، هذا هو الطريق الأمثل الذي يَظهر من خلاله المحق من المبطل.
    ثم اعلم رحمك الله أن الشيخ عبد المجيد -حفظه الله- وبعد نشر هذه المقالة كتب مقالات ثلاثة والحمد لله بين فيها حقيقة ما ادعاه عليه نبيل باهي في قضية المئة مليون بالوثائق والشهادات التي دلت على كذب نبيل عليه وافترائه البهتان في حقه والمقالات هي: الأولى:" إذا لم تستحي فاصنع ماشئت" والثانية:" إذا اؤتمن خان" والثالثة:" إذا حدث كذب" وهي منشورة على صفحات هذه المنتديات وفيها الحقائق موثقة كما تقدم فمن شاء رجع إليها ليعلم كذب المفترين وادعاء المدعين نسأل الله أن يسلم مشايخنا من شر الأشرار وكيد الفجار والله المستعان.

    وتنبيها وبيانا أقول: إن التأكل بالدعوة من القوادح التي يدان المرء بها، ويلام على وقوعه فيها، ومن ثبتت عليه لا ندافع عنه، ولا نقف أبدا في صفه؛ لأن الحق أحق أن يتبع، ومخالفة الشرع لا يقر عليها الواقع فيها أيا كانت منزلته، ومهما كان شخصه، فالشيخ عبد المجيد –حفظه الله- كغيره من الناس؛ حكمه في الشريعة كحكم سائر الناس، فليس -والحمد لله- عندنا تفريق –في هذا الباب- بين الأقارب والأباعد والعوام والخواص.
    ولكن الأمر الذي نخالف الطاعنين في الشيخ المنكرين عليه- فيه، ولا يمكننا أن نتابعهم عليه: هو إدانته، وتنفير الناس عنه، ومحاولة إسقاطه؛ دون سلوك سبيل نصحه وإصلاحه، وقد كان بلغني أن المشايخ حفظهم الله عازمون على زيارته وتكليمه في هذه المسائل حتى يُظهر ما عنده فيها، فإن لم يفعل وثبتت عليه نصحوه بالتوبة منها، وإرجاع الحقوق إلى أهلها، فإن عاند وأصر ولم يرد الرجوع عما ثبت عنه عومل بما يليق به.
    وهذه هي الطريقة الشريعة التي يجب علينا أن نسلكها مع كل مخطئ، فهل يمكن لمسلم أن يعترض عليها؟

    ثم هناك أمر مهم يجب مراعاته وهو: أن الشيخ أزهر حفظه الله أعلن أكثر من مرة طالبا أن تُبين له أخطاؤه المنهجية ليتوب لله منها، قبل أن يلقى الله سبحانه بها، فما بال من يعتقد فيه أنه وقع في بعضها لم يذهب إليه، أو يتصل به لينصح له؟ هذا النصح الذي سيُظهر الشيخ -حفظه الله- إن كان يعاند ويصر، أم ينيب ويستغفر، وحينئذ تُقرر الطريقة المثلى التي يعامل بها، وهذا فارق عظيم بين مشايخنا ومشايخ الصعافقة الذي قال المتكلم باسمهم يومئذ مؤكدا عزمهم على عدم الرجوع عن أخطائهم: "الرجوع فرع الإقرار"، ولو كان خلاف هذا وتركوا ما كانوا عليه، وتابوا لله منه، فما كان يسعنا حينئذ إلا قبول قولهم، وإبقاء الأخوة والتعاون معهم، فالمشكلة لم تكن أبدا في وقوع الخطأ منهم وإنما في إصرارهم وعدم رجوعهم.
    فهل من السلفية أن يشهر بالعبد قبل أن يكلم في أخطائه، ويلزم برجوع عنها إذا ثبتت عليه؟ ولقد قال الشيخ أزهر -حفظه الله- أنا –والله- من عَلِمَ عني خطأ من الأخطاء أستقبله، وأسمع بكل أريحية منه، ولكن الذي أبغضه وأكرهه من فاعله أن يطعن في ظهري دون أن يقدم النصيحة لي.
    فالله الله في مشايخكم انصحوهم ووجهوهم وبلغوهم ما ينتقد عليهم، حتى تتعاونوا معهم على تصحيح أخطائهم إن وجدت، والرجوع عن زلاتهم إن ثبتت، ويكون لكم أجر إصلاحهم، وبقاء السلفيين على كلمة واحدة وصفوف متحدة.
    - الاتهام التاسع: رمي الشيخ جمعة بالكذب ومحاولة اسقاطه بذلك:

    وممن نُسب إلى الكذب في هذه الفتنة الشيخ عبد المجيد جمعة –حفظه الله-، ومما نشر لتأييد هذا الطعن، وتحقيق هذا الظن؛ ما بعث به أحدُهم إلي من أن سائلا سأل الشيخ فركوس -حفظه الله- عن قول الشيخ جمعة حفظه الله: أنني تركت الجامعة تورعا عن الاختلاط.
    فزعم أن الشيخ فركوسا -حفظه الله ورعاه- أجابه قائلا: هذا كذب والدليل أنه أرسل ملفه لجامعة خروبة ورفضوه له.
    ولما سئل الشيخ جمعة عن هذا كان جوابه: إرسال الملف كان قبل توقفي فأين الكذب.
    وقال أيضا: هذا ليس بصحيح فإرسال الملف إلى جامعة خروبة كان قبل توقفي ودليله أني الآن متوقف ولا وجه لهذا التكذيب.
    التعليق:
    بغض النظر عن النقولات التي كثرت في هذه الفتنة عن العلامة محمد علي فركوس -حفظه الله ورعاه- وعمن لا يعرف أصلا، وهو مجهول عند معظم من يطلع على نقله حقيقة -لذلك قد يكون النقل حقيقيا وقد يكون بهتانا وافتراء- فهذا الشيخ قد بين وجه الأمر مما يدل على أنه لم يخبر بخلاف الحقيقة حتى ينسب للكذب ويطعن فيه به.
    - ثم حتى لو فرضناه وقع في الكذب الصريح ولم يكن له تأويل من وجه فقهي صار إليه واعتمد عليه:
    فله علينا النصح بالتوبة إلى الله سبحانه لأن التوبة تجب ما قبلها ويكون التائب من الذنب كما لا ذنب له، فيقبل حديثه، ويؤخذ العلم عنه؛ على ما قرر العلماء، إلا فيمن كان كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي لا يقبل حديثه أبدا ولو تاب عند الجمهور.
    قال الخطيب البغدادي رحمه الله في "الكفاية في علم الرواية" ص117 تحت: باب في أن الكاذب في غير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ترد روايته:
    قد ذكرنا آنفا قول مالك بن أنس في ذلك، ويجب أن يقبل حديثه إذا ثبتت توبته، فأما الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الحديث، وادعاء السماع، فقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه يوجب رد الحديث أبدا وإن تاب فاعله.
    قلت: ومنهم من قبل توبته مطلقا وهو الذي رجحه النووي رحمه الله.

    تنبيهات مهمة:

    - التنبيه الأول: اعلموا رحمكم الله أن هناك فوارق كبيرة بين مشايخنا ومشايخ الصعافقة عدم اعتبارها قد يؤدي إلى الظلم والجور في الحكم وهي:
    الفارق الأول: أن مشايخنا وعلى الأقل الشيخ أزهر حفظه الله طلب -كما تقدم- أكثر من مرة من يعلم عنه خطأ منهجيا أن ينصح له، ليرجع عنه، وهذا على خلاف مشايخ الصعافقة الذين صرح قائلهم بالإصرار فقال: الرجوع فرع الإقرار.
    الفارق الثاني: أن مشايخ الصعافقة كانت أخطاؤهم ظاهرة، والأدلة عليها متكاثرة، أما ما ينشر من أخطاء مشايخنا فهذا هو حالها، وهذه هي أدلتها.
    الفارق الثالث: أن أخطاء مشايخ الصعافقة منهجية مسقطة، أما مشايخنا فلم تذكر لهم أخطاء منهجية ثابتة، وليس هناك -مما يصر عليه الطاعنون فيهم مما قد يكون لهم فيه نوع شبهة- إلا مسألة الأموال، والطعن في الشيخ فركوس -حفظه الله- وقد تقدم الكلام عليها، ومن باب التذكير ببعض أخطاء مشايخ الصعافقة التي أدينوا بها أقول:
    فمنها: دفاعهم عن أهل الأهواء وإشادتهم بهم، ونصحهم ببعض آثارهم: كدفاع ماضي عن العابدين بن حنفية فيما كان ينتقد عليه، وإشادته به، وثنائه عليه، في الوقت الذي يطعن في الشيخ فركوس ويشهر به، كما كان ينصح بالعجالة التي فيها من المخالفات والانحرافات ما هو معلوم لكل طالب علم.
    ومنها: مخالطة المنحرفين الذين يشيدون بأهل البدع والأهواء ويعلنون مجالستهم لهم وتعظيمهم وتبجيلهم، وذكر الشواهد عليها؛ وهي الأعمال والأحوال: كالأسفار واللقاءات والدورات التي تعقد معهم، وهذا فيه مقاطع مصورة وشهادات أخرى.
    ومنها: السرقات العلمية كما هو ثابت عن ماضي في المقالات والخطب بل في كتاب بأكمله.
    ومنها: استكتاب بعض المنحرفين الذين يوالون الرمضاني في المجلة مع النصح لهم بعدم استكتابهم.
    ومنها: مخالفة بعضهم لأهل العلم في تبديع من بدعوه فهم يحكمون بالبدعة وهو يحكم بالسلفية.
    ومنها ومنها....
    الفارق الرابع: أن مشايخ الصعافقة بمجرد إعلان الشيخ فركوس حفظه الله عن استقالته بدأت حربهم عليه، وتشهيرهم به، وفي الرسالة الموجهة منهم إليه ما يدل على ذلك، ثم لا زالت حربهم تكبر، وطعوناتهم في الشيخ تكثر إلى يومنا هذا، أما مشايخنا –والحمد لله- مع أن الحرب عليهم ممن ينتسب للشيخ حفظه الله كبيرة، وطعوناتهم فيهم كثيرة، حتى أُخذ من لا ذنب له بجريرة غيره، فهم صابرون محتسبون، بل صرح الشيخ أزهر -حفظه الله- متشبها بالعلامة محمد بن هادي الذي قال في الشيخ ربيع بن هادي -حفظهم الله-: الشيخ ربيع والدي وليقل في ما شاء. فقال الشيخ أزهر حفظه الله: الشيخ فركوس والدي وليقل في ما شاء.
    فهل يجوز لنا أن نسوي بين الطائفتين ونعامل بالمعاملة نفسها الفرقين؟.

    - التنبيه الثاني: أن التهمة إذا ثبتت في حق أحد المشايخ فلا يؤاخذ بها غيره، فمثلا: تهمة التأكل بالدعوة خاصة بالشيخ جمعة -حفظه الله- فلو فرضناها -من باب التنزل- ثبتت في حقه فكيف يؤاخذ بجريرتها غيره، لأنه كما هو متقرر في كتاب الله سبحانه وهو حكم الله الذي لا مبدل لحكمه: أنها لا تزر وازرة وزر أخرى.
    قال الله تعالى:" قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" سورة الأنعام.
    وقال تعالى:" مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)" سورة الإسراء.
    وقال تعالى:" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)" سورة فاطر.
    وقال تعالى:" إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)" سورة الزمر.
    وقال تعالى:" أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)" سورة النجم.

    - التنبيه الثالث:
    أسئلة أرى أن يجيب عليها كلّ من دخل في هذه الفتنة:
    السؤال الأول: هل للمخطئ على إخوانه أن ينصحوا له قبل أن يعلنوا ما علموه عنه ويتخذوا موقفا منه أم ليس له ذلك؟ فإن كان الجواب الثاني فما هي الأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الأول فما بال التشهير دون نصيحة هو سبيل هؤلاء الإخوة في هذه الفتنة؟ اعلموا رحمكم الله أن هذا المسلك خطير جدا لأنه لا يبقى معه فاضل، ولا يسلم لنا بسببه كبير، لأنه ما من إنسان إلا وهو معرض للوقوع في مخالفة الشريعة في أصولها أو فروعها، إذ لا معصوم كما هو معلوم بعد النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه.
    السؤال الثاني: هل يمكن أن يتوب من وقع في الذنب، وهل للمسلمين أن يصدقوه ويقربوه إن حسنت توبته أم لا؟ الجواب الذي لا مناص منه: أنه يمكنه السر بالسر والعلانية بالعلانية، وعلى المسلمين بعد ذلك أن يعاملوه بالمعاملة التي تليق بالتائب وهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" كمن لا ذنب له"، كيف لا وهم مأمورون بقبول توبة المشرك وتقريب من قتل بعضهم في أثناء شركه وزيغه بل مأمورون بحبه وموالاته.
    والحقيقة: أن الإشكال الذي لاحظته في هذه الفتنة التي نزلت بالسلفيين في بلدنا، وهي المحنة التي ألمت بالسنيين في ناحيتنا؛ ليس هو خطأ من أخطأ؛ لأن الخطأ لا يسلم منه أحد من الناس، فهو واقع لا محالة من العوام والخواص، وهذه حقيقة شرعية دل عليها حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" رواه الترمذي وغيره وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 4515.
    إذن فالعبد خطاء أي: كثير الخطأ والزلل، وهذا من طبيعته البشرية، وضعفه الذي خلقه عليه رب البرية، ولذلك أمره الله سبحانه العالمُ بحاله أن يتوب إليه، كلما وقع في ذنب وقارف معصية، وأنه إذا فعل ذلك كان كمن لا ذنب له، ولا معصية وقعت منه.
    وهذا هو المشكل الذي لاحظته في هذه الفتنة أن الواقع في الخطأ لا يطلب منه توبة، بل لا تقبل منه أوبة، لأن المفروض فيمن وقعت منه مخالفة حقيقية للشريعة الإسلامية أننا ننصحه، ونحاول استدراكه ولَمَّ شتاته، ولا بأس من رد خطئه وبيان بطلان ما ذهب إليه إذا كان كلامه أو فعله مما له علاقة بالدعوة إلى الله، والعلم الذي يضاف إلى شريعة الله؛ حتى ولو قبل النصيحة، لكن لا يطعن في المخطئ، ولا يحاول إسقاطه، والتنفير عنه وعن دعوته؛ إلا في حالة واحدة هي: أن يصر على باطله، ولا يرعوي عن غيه الذي بُيِّنَ له، أما أن يترك رأسا لمجرد خطئه، ولا يتأنى به إخوانه؛ فهذا ليس من سلفية التي عليها علماؤنا، والطريقة المرضية التي تعلمانها من أئمتنا.
    ونحن ما تركنا جماعة المجلة في فتنة الصعافقة الأوائل إلا بسبب معاندتهم، وتماديهم على غيهم، وعدم رجوعهم عن أخطائهم، حتى بلغ بمن كان يتكلم عنهم ويعبر عن طريقتهم كما تقدم أنه قال:" الرجوع فرع الإقرار" أي لا مجال للرجوع عما نحن فيه، لأننا لا نقر بأنها أخطاء مع ظهورها، وقوة الأدلة عليها، أما لو تابوا وأنابوا وأصلحوا لم نكن لنتركهم، ولا لنتفرق معهم، بل أكثر من هذا أنهم لو تابوا اليوم عما كانوا عليه، وأعلنوها صريحة أنهم جانبوا الصواب فيما ذهبوا إليه، لرجعنا إليهم، وأرجعنا العلاقة بهم، وكنا إخوانا نتعاون على البر والتقوى معهم.
    إذن فما بال مشايخنا يقول قائلهم: أظهروا لنا الأخطاء المنهجية لنتوب إلى الله منها، ونحن على استعداد لنفعل ذلك علانية دون أدنى تقية، ومع ذلك يطعن فيهم، ويحذر منهم، وينبش في سجلات الصعافقة الأوائل لاستخراج طعونات تدينهم؟ والذي يفعل هذا كله ليسوا من المشايخ المعروفين ولا طلبة العلم الموثوقين وإنما ناشئة سوء مبتدئون وأشخاص مجهولون نسأل الله السلامة والعافية.

    وأخيرا أقول: إن هذه التهم التي تقدم الكلام عليها لتذكرني بواقعة وقعت لي مع أخوين سلفيين اشتركا وافترقا ثم صار كل واحد منهما يتكلم في الآخر ويتهمه بأنه أخذ أمواله وظلمه حقوقه، فجاءني الأول وقال: إن فلانا أخذ مني كذا وكذا فذكر أموالا طائلة وحقوقا كثيرة فقلت له: اعلم أنني إذ سمعت منك سأبلغه وأكلمه فقال: كلمه، فلما كلمت الأخ الثاني: ادعى أنه هو الذي أخذ منه أموالا كثيرة وحقوقا وفيرة، فقلت لهما: لابد من جمعكما في مجلس واحد والسماع لأدلة كلا الطرفين ثم بعد ذلك يحدد المحق من المبطل فوافقا فجمعتهما في بيت أحد الأخوة بحضوره، فبعد السماع من الطرفين وبحث المسائل ودفاع كل واحد منهما عن نفسه وبيان حقيقة ما يتهمه غريمه به تبين في آخر المطاف أن أحدهما وهو صاحب الدعوى الأولى له على الآخر مبلغ مقداره: 2000 دينار قال له في آخر المجلس سامحتك فيه.
    ووالله الذي أراه من خلال ما يذكر في هذه الفتنة أنه لا يعدو أن يكون مثل هذا الحال ولذلك لو سكت الصغار وتركوها للكبار لما وصلت إلى هذا الحال الذي وصلت إليه ولأمكنهم أن يعالجوها بين عشية وضحاها ولكن قدر الله وما شاء فعل.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

    وكتبه: أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
    يوم الاثنين: 10 شعبان 1434 هـ
    الموافق لـ: 14/03/ 2022م


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1]- قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ج26 ص90: ومن أهم الآداب التي يجب أن يتحلى بها طالب العلم التثبت فيما ينقل من الأخبار، والتثبت فيما يصدر من الأحكام، فالأخبار إذا نقلت فلابد أن تثبت أولاً، هل صحت عمن نقلت إليه أو لا؟ ثم إذا صحت فتثبت في الحكم ربما يكون الحكم الذي سمعته مبنيًا على أصل تجهله أنت، فتحكم أنه خطأ، والواقع أنه ليس بخطأ.
    ولكن كيف العلاج في هذه الحال؟
    العلاج: أن تتصل بمن نسب إليه الخبر وتقول: نقل عنك كذا وكذا، فهل هذا صحيح؟
    ثم تناقشه فقد يكون استنكارك ونفور نفسك منه أول وهلة سمعته؛ لأنك لا تدري ما سبب هذا المنقول، ويقال: إذا علم السبب بطل العجب.
    فلابد أولاً: من التثبت في الخبر والحكم.
    ثم بعد ذلك تتصل بمن نقل عنه وتسأله هل صح ذلك أم لا؟
    ثم تناقشه: إما أن يكون هو على حق وصواب فترجع إليه، أو يكون الصواب معك فيرجع إليه.
    وقال رحمه الله في الكتاب نفسه ج26 ص95: التثبت أمر مهم؛ لأن الناقلين تارة تكون لهم نوايا سيئة، ينقلون ما يشوه سمعة المنقول عنه قصدًا وعمدًا، وتارة لا يكون عندهم نوايا سيئة ولكنهم يفهمون الشيء على خلاف معناه الذي
    أريد به، ولهذا يجب التثبت، فإذا ثبت بالسند ما نقل أتى دور المناقشة مع صاحبه الذي نقل عنه قبل أن تحكم على القول بأنه خطأ أو غير خطأ، وذلك لأنه ربما يظهر لك بالمناقشة أن الصواب مع هذا الذي نقل عنه الكلام.
    والخلاصة أنه: إذا نقل عن شخص ما ترى أنه خطأ فاسلك طرقًا ثلاثة على الترتيب:.
    الأول: التثبت في صحة الخبر.
    الثاني: النظر في صواب الحكم، فإن كان صوابًا فأيده ودافع عنه، وإن رأيته خطأ فاسلك الطريق.
    الثالث: وهو الاتصال بمن نسب إليه لمناقشته فيه، وليكن ذلك بهدوء واحترام.
    [2]- سئل الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله: هل يجوز الترحم والصلاة عليهم –أي: الخوارج- عند موتهم؟
    فأجاب حفظه الله: ومن الأسئلة التي سألها بعض الإخوة هل يدعى عليهم بعد موتهم؟ نحن عرفنا أنه يدعى عليهم وهم أحياء بأن يكسر الله شوكتهم ويذهب قوتهم ويكفي المسلمين شرهم، فهل يدعى عليهم وهم أموات؟ فالجواب: أن من ظلم منهم يعني من وقع عليه ظلم منهم فإنه يجوز له ان يدعو عليهم وهم أموات بمقدار ظلمهم له وإن كان الأولى أن لا يدعى على الأموات فقد أفضوا إلى ما قدموا وإن كان في الدعاء عليهم زجر عن بدعتهم وشرهم فإنه يدعى عليهم بدعاء عام فإن كان الكلام عن فرد منهم يقال عامله الله بما يستحق جازاه الله بما يستحق أو يقال عاملهم الله بما يستحقون إذا علم الإنسان أنه إذا قال هذا يكون ذلك زاجرا للأحياء عن بدعتهم وعما هم فيه من الشر.
    ومن الأسئلة التي أرسلت لي: هل يجوز أن يترحم عليهم ويصلى عليهم ويستغفر لهم؟
    والجواب: أن هذا مبني على خلاف العلماء في الخوارج الذين جمعوا صفات الخوارج هل هم كفار كما ذهب إليه بعض أهل الحديث ورجع إليه شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله فإن قيل بهذا فلا يجوز أن يصلى عليهم ولا أن يترحم عليهم بل يوارون في مكان حتى لا يؤذوا الناس بروائحهم، وإن قيل بأنهم عصاة وليسوا كفارا ومن أعتى العصاة كما عليه الجمهور وهو الراجح عندي فإنه يصلى عليهم ويترحم عليهم لأنهم من أهل القبلة لكن لا يصلي عليهم أهل الشرف والمكانة فضلا عن أن يعقدوا بعد موت أحد كبار الخوارج مؤتمرا يأبنونه فيه ويجتمع الدكاترة ويقولون: ذاك المجاهد الذي فعل وفعل، ولا يترحم عليهم في العلن لاسيما ممن له شأن وكذلك من خاف أن يتهم ولو كان من العامة لا يترحم عليهم في العلن وإن كان يترحم عليهم في سجوده أو يترحم عليهم في جوف الليل ليس هذا حراما لكنه لا يعلنه لأن إعلان الترحم عليهم يجرئ الأحياء على بدعتهم ويسهل تلك البدعة في نفوس السامعين؛ ولذلك ما يفعله بعض طلاب العلم من أنه يذكر بعض المبتدعة الكبار وبعض الخوارج الكبار فيقول رحمه الله ويقول انا أعاكس الغلاة الذين يمنعون الترحم عليهم، إن كان أولئك الغلاة يمنعون الترحم مطلقا فهم مخطئون ولكنك قابلت الخطأ بخطأ فإن أهل البدع الكبار والمجاهرين بالبدع والداعين إليها لا يترحم عليهم أمام الناس لاسيما من أهل الفضل وكذلك كما قلت إذا خاف العامي أو طاب العلم الصغير أن يتهم هذا أدب السلف وهذا ما تقتضيه قواعد الشريعة.

    [3]- للتنبيه فإني غيرت ما كان من كلمات بالدارجة إلى العربية الفصحى.
    [4]- يوم الأربعاء 22 رجب 1443هـ الموافق لـ: 23/ 02/ 2022م.
    [5]- الأثر رقم 398 ج2 ص445.
    [6]- الأربعاء 22 رجب 1443هـ الموافق لـ: 23/ 02/ 2022م.
    [7]- والحديث هو ما رواه أبو داود في سننه: عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قُرَّةَ قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَكَانَ يَذْكُرُ أَشْيَاءَ قَالَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي الْغَضَبِ فَيَنْطَلِقُ نَاسٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ حُذَيْفَةَ فَيَأْتُونَ سَلْمَانَ فَيَذْكُرُونَ لَهُ قَوْلَ حُذَيْفَةَ فَيَقُولُ سَلْمَانُ حُذَيْفَةُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُ فَيَرْجِعُونَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَكَ لِسَلْمَانَ فَمَا صَدَّقَكَ وَلاَ كَذَّبَكَ. فَأَتَى حُذَيْفَةُ سَلْمَانَ وَهُوَ فِي مَبْقَلَةٍ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَنِي بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ سَلْمَانُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَغْضَبُ فَيَقُولُ فِي الْغَضَبِ لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَيَرْضَى فَيَقُولُ فِي الرِّضَا لِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَمَا تَنْتَهِى حَتَّى تُوَرِّثَ رِجَالاً حُبَّ رِجَالٍ وَرِجَالاً بُغْضَ رِجَالٍ وَحَتَّى تُوقِعَ اخْتِلاَفًا وَفُرْقَةً وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطَبَ فَقَالَ:" أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سَبَّةً أَوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً فِي غَضَبِي - فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ - فَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ صَلاَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لأَكْتُبَنَّ إِلَى عُمَرَ. وصحح إسناده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1758.
    [8]- والحديث هو ما رواه أحمد في مسنده: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ فَوَجَدْتُهُ طَيِّبَ النَّفْسِ فَقُلْتُ لأَغَتَنِمَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقُلْتُ يَا أَبَا الطُّفَيْلِ النَّفَرُ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهٍ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْنِهِمْ مَنْ هُمْ فَهَمَّ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ مَهْ يَا أَبَا الطُّفَيْلِ أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّمَا عَبْدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دَعَوْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةً فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً".
    [9]- لمن أراد أن ينقلها بالفصحى مع الملاحظة أن أحيانا لا يتطابق المعنى بالفصحى مع ما كان بالدارجة:
    قال السائل: اختلفوا يعني في الاختلاط، لأن منهم من يعمل بفتوى فركوس، بفتوى الشيخ فركوس وبعض فتاوى مشايخ الجزائر وفيما يخص الجمعيات أيضا يعني...
    الشيخ أزهر: كيف فتاوى الجزائر، يوجد مشايخ الجزائر يقولون: بجواز الدراسة؟
    السائل: لا، مثل فتوى الشيخ فركوس بتلك الضوابط يعني.
    الشيخ: لا يوجد لا فتوى الشيخ فركوس ولا المشايخ المزعومين هؤلاء، الفتوى هي ما عليه العلماء يا أخي....
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2023-02-28, 09:23 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أبا الحسين

      تعليق


      • #4
        جزاك خيرا أخي الفاضل عبد الصمد وبارك فيك

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخي وجزاك الله خيرا

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا اخي الفاضل ورفع الله قدرك في الدارين ونسأل الله أن يجمع كلمة مشايخنا ويصرف عنهم كيد الكائدين واطال عمرهم على طاعته ونفع بهم المسلمين.

            تعليق


            • #7
              سلّمك الله أخانا الفاضل

              تعليق


              • #8
                وإياكم إخواني جميعا بارك الله فيكم وأحسن إليكم وأسأل الله أن يرفع هذه الفتنة عنا بالجمع بين مشايخنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

                تعليق


                • #9
                  يرفع .

                  تعليق

                  الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
                  يعمل...
                  X