إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البيان للعلاقة بين أوائل سورة الكهف والنجاة من فتنة الدجال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البيان للعلاقة بين أوائل سورة الكهف والنجاة من فتنة الدجال

    بسم الله الرحمن الرحيم

    البيان للعلاقة
    بين أوائل سورة الكهف والنجاة من فتنة الدجال
    ـــ . ـــ

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فقد روى مسلم (809) وأبو داود (4323) وأحمد (21712) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ".
    فأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن من يحفظ هذه الآيات متدبرا لها عاملا بما فيها من المعاني،فإنه يقيه -بإذن الله- من فتنة المسيح الدجال، قال النووي في [شرح مسلم (93/6)] : "قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يُفْتَتَنْ بِالدَّجَّالِ".انتهى
    وإذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد بشر بهذا الحفظ من الدجال الأكبر، فإنه طريق للحفظ من عموم الدجاجلة الذين يسبقون الدجال الأكبر، بل تكون هذه الآيات سبيل للحفظ من عموم الفتن، وهذا جلي فيما تدل عليه هذه الآيات من الحفظ والوقاية والصيانة والنجاة، ولهذا حري بالمسلم أن يتدبر ما فيها من الخير والعلم، ويمكن أن يجعل من أسباب النجاة فيما يلي:

    1-الاعتصام بالقرآن الكريم، وما فيه من العلوم العظيمة من العقائد الزكية والأحكام العادلة والأخلاق المرضية، قال الله تعالى في مطلع السورة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
    قال ابن الجوزي في [كشف المشكل (165/2)]: "فَالَّذِي يظْهر لنا فِيهَا من الْحِكْمَة أَن قَوْله تَعَالَى: {لينذر بَأْسا شَدِيدا من لَدنه}[الْكَهْف: 2] يهون بَأْس الدَّجَّال، وَقَوله: {ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا حسنا ماكثين فِيهِ أبدا} [الْكَهْف: 2، 3] يهون الصَّبْر على فتن الدَّجَّال بِمَا يظْهر من نعيمه وعذابه، وَقَوله: {وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا} [الْكَهْف: 4] وَقَوله: {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم}[الْكَهْف: 5] فذم من يَدعِي لَهُ ولدا، وَلَا مثل لَهُ، فَكيف يَدعِي الإلهية من هُوَ مثل لِلْخلقِ. فقد تَضَمَّنت الْآيَات مَا يصرف فتْنَة الدَّجَّال".
    وقال القرطبي في [المفهم (439/2)]: وقيل: لقوله -تعالى-: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ}؛ تمسُّكًا بتخصيص البأس بالشدة واللدنِّية، وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية، واستيلائه، وعظيم فتنته، ...وقيل: إنما كان ذلك لقوله: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ} فإنه يهون بأس الدجال، وقوله: {وَيُبَشِّرَ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا حَسَنًا}؛ فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يظهر من جنته وناره، وتنعيمه وتعذيبه، ثم ذمُّه - تعالى - لمن اعتقد الولد؛ يفهم منه: أن من ادعى الإلهية أولى بالذم، وهو الدجال.انتهى
    فتبين أن من أعظم وسائل الوقاية من الدجال هو الإقبال على كتاب الله الذي لم يجعل الله له عوجا،وجعله قيما بشيرا ونذيرا، فتكون فيه البشارة والنذارة التي تقي العبد من الفتن فتحمله على الصبر والثبات خوفا من الضلال والزيغ، وطلبا للنجاة والسلامة.
    ومما تضمنه هذا القرآن الكريم تعظيم الرب وإجلاله وتنزيهه عما لا يليق به سبحانه من صفات النقص ومنها أنه اتخذ تعالى عما يقولون ولدا، مما يملأ القلب معرف الرب تعالى بالكمال، ويطلع على نقص ما سواه مهما أظهر من الخوارق، فلا يؤثر فيه بإذن الله ما يأتي به الدجال مما يجري الله على يديه فتنة واختبارا، لأنه قد رسخ جانب الاعتقاد في الله أنه لا يشتبه الله بخلق من مخلوقاته،وأن مهما أوتي العبد من مثل هذه الأحوال فلا يمكن أن تكون أدلة على ربوبية واستحقاق العبادة دون ما سواه،كما وقع من المسيح ابن مريم من الآيات التي فتنت أقواما فظنوا فيه الإلاهية.

    2-معرفة حقيقة الحياة الدنيا والتيقن أنها دار الابتلاء والامتحان؛كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}
    قال ابن السعدي في [تفسيره ص (444)]: "هذه حقيقة الدنيا، قد جلاها الله لنا كأنها رأي عين، وحذرنا من الاغترار بها، ورغبنا في دار يدوم نعيمها، ويسعد مقيمها، كل ذلك رحمة بنا، فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها، من نظر إلى ظاهر الدنيا، دون باطنها، فصحبوا الدنيا صحبة البهائم، وتمتعوا بها تمتع السوائم، لا ينظرون في حق ربهم، ولا يهتمون لمعرفته، بل همهم تناول الشهوات، من أي وجه حصلت، وعلى أي حالة اتفقت، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت، قلق لخراب ذاته، وفوات لذاته، لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات.
    وأما من نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنه يتناول منها، ما يستعين به على ما خلق له، وانتهز الفرصة في عمره الشريف، فجعل الدنيا منزل عبور، لا محل حبور، وشقة سفر، لا منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربه، وتنفيذ أوامره، وإحسان العمل، فهذا بأحسن المنازل عند الله، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم، وسرور وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغتر إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطال لدنياه، فشتان ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطائفتين"انتهى
    فمن عرف حقيقة الدنيا لم يغتر بما فيها من الفتن الزائلة الزائفة، ومنها فتنة المسيح الدجال وغيرها من الفتن التي تعجب ناظرها، ومن أيقن أن دار الدنيا دار للزوال والفناء وأن الدار الآخرة هي الدار الحقيقية دار الخلود والدوام سارع للخيرات وبادر بالطاعات،وترك وهرب من الشرور والآفات، ولم ينبهر ويعظم ما تعلق بالزخارف.

    3- تأمل وتدبر قصة أصحاب الكهف وما فيها من عظيم العبر والعظات، قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)}
    قال ابن الجوزي في [المشكل (166/2)]: "فَهَؤُلَاءِ قوم ابتلوا فصبروا وسألوا صَلَاح أُمُورهم فأصلحت، وَهَذَا تَعْلِيم لكل مدعُو إِلَى الشّرك.
    ويمكن أن يقال: إن أولئك الفتية كما عصموا من ذلك الجبار، كذلك يعصم الله القارئ من الجبارين".
    قال القرطبي في [المفهم (439/2)]: "واختلف المتأوِّلون في سبب ذلك؛ فقيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال، ولم يَهُلهُ ذلك، فلا يفتتن به. ... ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن، وذلك أن الله - تعالى - حكى عنهم أنهم قالوا: {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِن أَمرِنَا رَشَدًا} فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا، وسألوا إصلاح أحوالهم، فأصلحت لهم". انتهى

    فما أعجب هذه القصة! وما أعظم وقعها! وما أجمل ما فيها من فوائد ودرر! فتية شباب فروا من الفتن، وسألوا ربهم الرحمة والرشاد، فسلمهم الله وأنجاهم بجميل لطفه وسعة رحمته، وأظهر فيهم آيات عظيمة وبراهين كبيرة على تمام قدرته، وكمال تدبيره، فكان الإيمان سببا لنجاتهم، والهداية طريقة لسلامتهم من فتنة قومهم، مع ما ربط على قلوبهم من الثبات واليقين، وما علموه من البراهين والحجج في أن الله هو الرب المالك القيوم الذي له ملك السموات والأرض، وأنه المدبر لجميع شؤون خلقه، وأنه تعالى المستحق للعبادة دون ما سواه، منكرين الشرك بالله واتخاذ الأصنام والأنداد والآلهة والمعبودات من دون الله سبحانه، فهذه الصفات العظيمة من الإيمان واليقين الهداية والعلم وتحقيق التوحيد معرفة بحججه وبراهينه، والبعد عن الشرك ومعرفة بطلانه هي من الأسباب الواقية بإذن الله من الفتن، وعلى رأسها فتنة الدجال الأكبر فأسأل الله أن يعافينا ويسلمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب.

    فائدة:
    قال العلامة الإثيوبي –رحمه الله- في [البحر المحيط الثجاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (388/16)]: اختَلف الرواة أيضًا في أن العشر من أولها، أو من آخرها، فقال شعبة، عن قتادة عند أحمد، والترمذيّ: "من أول الكهف"، وكذا قال هشام الدستوائيّ عنه عند مسلم، وهمام عنه عند أحمد، ومسلم، وأبي داود، والنسائيّ، وسعيد بن أبي عروبة عنه عند أحمد، وقال شعبة عند أحمد، ومسلم، وأبي داود، والنسائيّ في "عمل اليوم والليلة": "من آخر الكهف"، وهكذا قال هشام في روايته عند أبي داود، وقد تقدّم وجه الجمع في كلام السيوطيُّ الماضي.

    وقال الشوكانيُّ: وأما اختلاف الروايات بين أن تكون العشر من أولها أو من آخرها، فينبغي الجمع بينهما بقراءة العشر الأوائل والعشر الأواخر، ومن أراد أن يحصل على الكمال، وَيتمّ له ما تضمّنته هذه الأحاديث كلّها، فليقرأ "سورة الكهف" كلّها يوم الجمعة، وليلة الجمعة. انتهى [كلام الشوكاني].
    قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يظهر لي أن رواية "من أول الكهف" أرجح؛ لكثرة رواتها، وهم: هشام الدستوائيّ، وشعبة في رواية، وهمّام، وسعيد بن أبي عروبة، وشيبان بن عبد الرحمن النحويّ، ولم يقل: "من آخر الكهف" إلا شعبة في رواية، وتابعه هشام في رواية ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان
    ". انتهى [كلام الإثيوبي].
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2021-04-26, 06:50 AM.

  • #2
    جازكم الله خيرا

    تعليق

    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
    يعمل...
    X