ممّا لا شكّ فيه؛ أنّ السّلف وأتباعهم لهم صفات تميّزهم عن غيرهم، والعاقل الذي يسعى في فكاك رقبته من النّار، والذي يسعى ليكون مع القوم -السّلف الصّالح-؛ لأنّ من أحبّ مَن أحبّهم حُشر في زمرتهم، كما قال النّبيّ ﷺ: (المرء مع من أحبّ).

إنَّ كلَّ طالب علم منصف لَيشهد أنّ السّلف الصّالح وأتباعهم ممّن ورث علمهم ونهج نهجهم هم أقدر النّاس علمًا، وأزكاهم سريرةً، وأعظمهم نصحًا للخلق، وأوضحهم طريقة ومنهجا في كلّ باب من أبواب العلم والعمل.

فهم أئمّة الفتوى في قضايا الأمّة في كلّ زمان ومكان، وهم رجال القضاء فيما يتعلّق بالأعراض والدّماء والأموال والنّوازل وبيان المحدثات وما له صلة بدين الله وما لا صلة له.

والسّلف هم أصحاب المؤلّفات القيَِّمة التي تزدهر بها المكتبات ودور العلم ممّا يشفي العليل، ويروي الغليل -اي الكتب الشّرعيّة-.

والسّلف وأتباعهم هم رجال التّربية الشّرعيّة والتّعليم المثمر الذي تزكو به النّفوس وتحيا به القلوب ويبصر النّاس الطّريق الموصلة الى الله وإلى دار كرامته وهم أهل الجهاد بما تحمل كلمة الجهاد من معنى، وعلى رأس الجهاد: مجاهدة النّفس، مجاهدة النّفس حتّى تتعلّم الهدى من دين الله عز وجل، ومجاهدتها حتّى تعمل بما علمت، ومجاهدتها حتّى تنشر ما علمت وعملت به، ومجاهدتها حتّى تصبر على الأذى الذي ينالها وقت التّحصيل العلميّ؛ ووقت النّشر للعلم؛ وفي كلّ حال من الأحوال.

زات السّلف لأنّهم هم الذين جاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السّفلى، فكتب الله لهم النّصر المؤزّر، وما من نعمة في الدّين والدّنيا يعيش فيها من جاء بعدهم إلّا وهي من فضل الله عز وجل ثمّ بجهودهم وجهادهم المخلص الصّائب، فلا غرابة أن يكونوا هم أهل الجهاد بما تحمل كلمة الجهاد من معنى في حدود الشّرع الشّريف، وهم أهل النّهى وأصحاب الحكمة والإحسان في منهج الدّعوة الى الله عز وجل، ومنهج الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بقيوده وضوابطه التي جاء ذكرها في القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة.

فليسوا كغيرهم ممّن أخطأ الطّريق في منهج الدّعوة والأمر والنّهي والجهاد الذي يجب أن تتوفّر شروطه وتنتفي موانعه، ليسوا كغيرهم من الجماعات والأحزاب ذات التّنظيمات السّريّة التي بنيت على حماس غير مستمدّ من الشّرع الشّريف، وخالفوا السّلف بجلّ قواعد منهج دعوتهم وسيلة وغاية، فما نجحت تلك الجماعات التي خالفت منهج السّلف في جلّ قواعد منهجه؛ ما نجحت في دعوة الخلق إلى رحاب الحقّ؛ لأنّهم لم يسلكوا في منهج دعوتهم منهج السّلف؛ لأنّ السّلف ساروا على منهج الرّسل الكرام والأنبياء العظام، دعوتهم كلّها مستمدة من وحي الله الكريم الكتاب العظيم، وسنّة النّبيّ الأمين عليه من الله أفضل الصّلاة وأزكى التّسليم.