فبِأَيِّ تَزكيةٍ بَعدَ تَزكِيَةِ الله و رَسُولهِ للصَّحابَةِ يُؤمِنون!!؟؟ / إبراهيم بويران

المؤلف إبراهيم بويران

 

فبِأَيِّ تَزكيةٍ بَعدَ تَزكِيَةِ الله و رَسُولهِ للصَّحابَةِ يُؤمِنون!!؟؟


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فمن حقِّ الصحابة علينا محبَّتَهم ونُصرَتَهم والذَّبِّ عنهم وعن أعراضهم، والتَّصدِّي لمن يتعرَّض لهم بسوء، أو يقدح فيهم أو في واحدٍ منهم، وتبرئتهم مما يُنسب إليهم من الأباطيل و الافتراءات و الأكاذيب .
بل نقول إنَّ من حقِّهم علينا أن نعقِد فيهم و من أجلهم الولاء و البراء، فمن أجلهم نوالي، ومن أجلهم نعادي، فنُحبُّ في الله من يُحبُّهم ونُبغِض في الله من يُبغِضهم، كما هو منهج أهل السنة والجماعة .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله في « العقيدة الطحاوية » التي نقلها عن أهل السنة والجماعة: «ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرِّطُ في حبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم .
ولا نذكرهم إلاَّ بخير؛ وحبُّهم دين وإيمان و إحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان »انتهى.
ومع الأسف الشَّديد فقد رأينا رءوس الرافضة قد أينعت في هذا البلد السُّنِّي، وبيوضها قد فقصت، وأفراخها قد خرجت، فكان لزامًا علينا تنبيه المسلمين إلى خطرهم، و تذكيرهم بفساد عقائدهم، و بيان فضل من قام دين الرافضة المجوس على الطَّعن فيهم وانتقاصهم ظلمًا وعدوانًا، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم أجمعين .
وقد كان لإخواننا أعضاء هذا المنتدى المبارك قصب السبق في خوض هذا المضمار، والتصدِّي لكيد الرافضة الأشرار، وبيان خطرهم وشرِّهم على البلاد والعباد، شعرًا ونثرًا من حين بدأ قرنهم بالبروز في هذه البلاد، نصحًا لأئمة المسلمين وعامتهم، فجزاهم الله خيرا أجمعين .
ولشيخنا الجليل المشرف العام على المنتديات لزهر سنيقرة حفظه الله اليد الطُّولى و القدح المعلَّى، في ذلك كلِّه، فهو فارس هذا الميدان في هذه البلاد فيما نحسبه، فلم يُبق لهم شاردةً ولا واردةً، ولا شاذَّةً ولا فاذَّةً من عقائدهم الفاسدة إلا فنَّدها وبيَّن عوارها وحذَّر المسلمين منها ومن شرِّ أهلها، في دروسه و خطبه ومحاضراته، و في مقالاته ومجالسه، فأعظم الله له الأجر، وأجزل له المثوبة، و جعله شوكة في حلوقهم يموتون اختناقًا من غصَّتها.
ومن باب المشاركة في هذا الخير أحببتُ أن أحشر نفسي في زمرة إخواني بهذا المقال مُنوِّهًا بفضل الصحابة الكرام رضي الله عنهم، و مُبيِّنًا لعظيم منزلتهم في الدِّين، و ذلك بإبراز ما ورد في نصوص الكتاب والسنَّة من جميل الثَّناءات العطرة عليهم، التي لم يُر لها مثيلٌ، و لم يَنعَم بها أحدٌ غيرهم، ولم تقرَّ بها عينُ أحدٍ سواهم، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قاصدًا بذلك تذكير نفسي و أهل هذه البلاد التي بدأ سرطان الرَّفض ينخر في أهلها، و ظلام التشيُّع يسري في أرجائها، بعد أن لم يكن لأحفاد المجوس طمعٌ حتى في تاركي الصلاة فيها، ولا في الفسَّاق والسُّكارى، بل و لا حتى في العلمانيين و الاشتراكيِّين، منهم .
ها هي الآن أصواتهم تعلوا في وسائل إعلامنا، وشُبهُهم تروج داخل بيوتنا، وفي أوساط جميع شرائح مجتمعنا، تنخر في جسد أمَّتنا، فالسِّكِّين قد وصل إلى العظم، و سرطانهم يكاد يشُلُّ الوظائف الحيويَّة في جسم هذه الأمَّة .
فمساهمةً في إحياء الغيرة على أعراض الصَّحابة في النفوس، و خرسًا لألسنة منتقصيهم، و محاولةً في صدِّ عدوان الرافضة المجوس على أعراضهم، وسعيًا في إظهار فضلهم، وعظيم مكانتهم في الإسلام، ليتذَّكرها من أنسَته إيَّاها خُزعبلات الرَّافضة، و يُبصرَها من أعمَته عنها شبهاتهم، كتبتُ هذا المقال، الذي أرجو به الثواب والأجر من الله، فأقول و بالله أصولُ وأجول:
لقد خلق الله سبحانه وتعالى خلقه وفاضل بينهم، فخلق الأزمنة و جعل بعضها أفضل من بعض، ففضَّل من الشهور الأشهر الحرم، و شهر رمضان، ومن الأيام يوم الجمعة وعرفة، و العشر الأول من شهر ذي الحجة، ومن اللَّيالي العشر الأواخر من رمضان، وفيها ليلة القدر وجعلها أفضل من ألف شهر .
و خلق الأمكنة، وفضل بعضها على بعض، كذلك .
و فاضل بين ملائكته، واصطفى رسله من بين البشر وفاضل بينهم .
فله سبحانه وتعالى الخلق والأمر{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
وكلُّ فاضلٍ من الأزمنة أو الأمكنة أو الذَّوات وغيرها من المخلوقات إنَّما عرفنا فضله، ومزيَّته على غيره عن طريق الوحي المتمثِّل في كتاب الله العزيز،و سنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .
ومن نفس هذه الطريق، أدركنا فضل الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم من البشر بعد الأنبياء، وعرفنا مزِيَّتهم على غيرهم من الناس، و تيقَّنَّا عدالتهم، بما ورد في حقِّهم من النصوص الكثيرة، المُبيِّنة لعلوِّ منزلتهم، المثبتة لكمال عدالتهم، المنصوص فيها على عظيم فضلهم، المتواردَة في تزكيتهم و حسن الثناء عليهم والتصريح برضا الله ورسوله عنهم، ونحو ذلك من وجوه الدِّلالات الصريحة على اختلاف أنواعها التي يكفي نوعٌ واحدٌ منها في إفادة عدالة الصحابة، و ثبوت تزكيتهم، فكيف بها مجتمعة؟! .
فمن شكَّك في إفادتها لما ذكرنا من عدالة الصحابة، والنَّصِّ على تزكيتهم، فبماذا يُثبت لنا فضل الأنبياء؟ والملائكة؟ فإنَّ تزكيته سبحانه وتعالى لصحابة نبيِّه الكرام، لا تختلف عن تزكيته لرسله من جهة الطريق الحاصلة بها، فمن رفض تزكيته سبحانه للصحابة و ردَّها فليرفض تزكيته كذلك لأنبيائه و ملائكته .
إنَّ تزكية الله تعالى لصحابة نبيِّه صلى الله عليه وسلم لا يرفُضُها إلَّا مُكذِّبٌ بالقرآن الكريم، ولا يرُدُّها إلَّا كافرٌ بالله العظيم، مرتدٌّ عن دين ربِّ العالمين، زنديقٌ أفَّاكٌ أثيم .
فإنَّ الله تعالى كما أنَّه أعلم بنفسه من غيره، فهو سبحانه أعلم كذلك بخلقه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِير} و{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}.
فالله أعلم بمن اتَّقى، و بمن هو مؤمنٌ حقيقةً، ممن ليس كذلك، وقد شهِد للصحابة الكرام بالإيمان و التَّقوى وزكاة النفس وطهارة القلب، و جمال السيرة، وصلاح السَّريرة، و أثنى عليهم، و أخبر عن رضاه عنهم، و أكَّد ذلك بأنواعٍ من الدِّلالات، وصنوفٍ من التَّزكيات في مواضع كثيرةٍ من كتابه، حتى أصبح الجزم بعدالة الصحابة، كالجزم بوحدانية الله تعالى، ونبوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
ولقد أدرك المسلمون هذه الحقائق القرآنية، وفهموا مراده سبحانه منها، كما فهموا مراده من قوله:{ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}، ومن قوله سبحانه: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ }.
فهذا عندهم يساوي قوله تعالى: { وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وقوله تعالى: { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }.
« ولقد وعيَ أسلافنا الصالحون هذه الحقائق الكبيرة، وهذه المنزلة العظيمة لهؤلاء الأخيار؛ سادة هذه الأمة وقادتها وأئمتها في العلم، والجهاد، والعبادة، والأخلاق، والصدق في كل شأنٍ، في الأخبار وتبليغ هذا الدين، والعمل به، والدعوة إليه، والجهاد في نشره وإعلائه على الأديان كلها .
وَعَى أسلافُنا الصالحون هذه الحقائق والمنازل الرفيعة لهؤلاء الأمجاد الأكرمين،
واستقرَّ هذا الوعي في قلوبهم؛ فدانوا به، وربَّوْا الأمةَ عليه، وألَّفوا في فضائل هؤلاء الصحب الكرام المؤلفات.
وتلقَّى ذلك عنهم الأجيالُ جيلاً بعد جيل، لا يخالفهم في هذا المنهج إلاَّ من خذله الله، فلم يرفع رأسـًا بما قرَّره القرآن والكتب قبله، ولا بما قرَّره الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خيار أمته »[” مجموعة كتب ورسائل الشيخ ربيع “(7/443-444)] .
إنَّ عدالة الرَّجل عند المسلمين جميعًا تثبت بتعديل أئمة و علماء الجرح والتعديل له، فمن وثَّقوه وعدَّلوه فهو العدل الثِّقة .
فإن كان من الرُّواة، قُبلت روايته، وإن كان من الدُّعاة أُخذ عنه وجُلِس إليه .
وهذا ما يُعرف بتنصيص الأئمة، وهو من أعظم ما يثبت به الجرح والتعديل في حقِّ الرُّواة والدُّعاة، ونقلة العلم والآثار .
قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله كما في “المقدمة مع التقييد”(1/115):« عدالة الراوي: تارة تثبت بتنصيص المعدلين على عدالته وتارة تثبت بالاستفاضة..» .
و على هذا درج المحدِّثون؛ فإنك تجدهم يعتمدون على كلام أئمة الجرح والتعديل في الرُّواة ورجال الأسانيد، فهي عمدتهم في قبول حديث الرَّاوي أو ردِّه.
فمن وثَّقوه من الرُّواة قُبل حديثه، ومن ضعَّفوه رُدَّ حديثه، إذ هم شهداء الله في الأرض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في « الفتاوى » (19/178):«وقد جعلهم الله شهداء على الناس وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول » .
والحاصل من هذا التَّقرير: أنَّ الأمة الإسلامية أجمعت على قبول و تعديل الأئمة والعلماء للرُّواة و كذا الدُّعاة، و الأخذ بتزكيتهم والعمل بمقتضاها .
فكيف بتزكية الله و رسوله؟، وتعديل الله و رسوله؟ وهل يُماري أحدٌ في أنَّها أعظم و أعظم من تزكية الأئمة؟ فإذا قبلنا تزكية الأئمة والعلماء للرُّواة والدُّعاة وهم ليسوا بمعصومين، فإنَّ قبولنا لتزكية من زكَّاه الله ورسوله من باب أولى وأحرى، وقد فاز بها الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فلم يحُوِجهم ربهم بعدها لتزكية أحدٍ من البشر كائنًا من كان .
ولذا؛ نجد علماء الحديث عند إرادة الحكم على الحديث بالصحة أو الضَّعف، ينظرون في رجال الإسناد، و يفحصون عنهم ويبحثون عن أحوالهم، في كتب التراجم والجرح والتعديل؛ هل هم ممن زكاهم الأئمة و وثَّقوهم أم لا، فإن وجدوا لهم توثيقًا من الأئمة صحَّحوا حديثهم، وإلا فلا، لكنهم لا يفعلون ذلك مع الصحابة، بل إذا وصل أحدهم إلى الصحابي قال: بكلِّ أدب: صحابيٌّ جليل، ولم يزد على ذلك مكتفيًا بتعديل الله و رسوله لهم، و مُقرًّا باستغنائهم عن تعديله و توثيقه .
قال الخطيب البغدادي في كتابه ” الكفاية ” (ص93-97): باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة وأنه لا يحتاج إلى سؤالٍ عنهم وإنما يجب فيمن دونهم ثم قال: « كلُّ حديثٍ اتَّصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن… »، ثم ساق آيات وأحاديث في بيان فضلهم ومنزلتهم رحمه الله وغفر له، ورضي عن الصحابة .
وقال القرطبي في « تفسيره »(16/297):« الصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شِرذمةٌ لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرَّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيَّرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء ، فلا بد من البحث، وهذا مردود »انتهى .
و إذا تأمَّلنا في القرآن والسنَّة وجدنا بأنَّ تزكية الله و رسوله للصحابة الكرام، قد تنوَّعت وتكاثرت بما يُخرص لسان كلِّ طعَّانٍ فيهم ومنتقصٍ لهم، ولعلِّي أن أقتصر على ثلاثة أنواعٍ منها أرى بأنَّها من أعظم ما يدلُّ على عظيم فضلهم، وكبير منزلته، وعلوِّ مكانتهم، وتحقُّقِ عدالتهم، وثبوت تزكيتهم .
* فمن هذه الأنواع الثلاثة:

 

* تزكيةُ الله ربِّ العالمين لسرائر الصحابة و بواطنهم *


من المقرَّرات والمسلَّمات العقدية عند المسلمين أنَّ سرائر العباد و ما تُكنُّه صدورهم وتخفيه أفئدتهم، مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، كما دلَّت على ذلك الدَّلائل الكثيرة من الكتاب والسنَّة، ولذا؛ كان من أصول أهل السنة والجماعة السلفيين أنهم يأخذون الناس بظاهر أقوالهم وأعمالهم، ويكلون سرائرهم إلى الله تعالى، فمن أظهر لهم شرًّا أساءوا به الظَّن و لم يأمنوه .
و من أظهر لهم خيرًا أمِنوه و زَكَّوهُ و أثنوا عليه خيرًا، كما صحَّ ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، لكنهم يُقيِّدون تزكيتهم له بقولهم:« نحسبه كذلك، ولا نزكِّيه على الله »، لما ورد من حديث أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا، إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَاكَ: كَذَا وَكَذَا » [ أخرجه البخاري (2519)، ومسلم (3000) ].
قال الإمام النووي في “شرح مسلم”(10/124) قوله:« وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّه أَحَدًا » أي لا أقطع على عاقبة أحدٍ ولا ضَميرِه لأنَّ ذلك مغيَّبٌ عنَّا ولكن أحسب وأظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك » انتهى .
فتزكية المزكِّي إنَّما هي بناءً على ما يظهر له من حال الشَّخص، وقد يكون المُزَكَّى على خلاف ذلك في باطنه، فناسب تقييد المزكِّي لتزكيته بقوله:« أَحْسِبُ فُلَانًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا »، وذلك احترازًا من التَّألِّي على الله؛ لأنه سبحانه وحده المطَّلع على ما في قلوب، العليم بذات الصُّدور، الخبير بالنِّيات والمقاصد .
فلا يمكن لأحدٍ أن ينعم بتزكية باطنه وسريرته إلا من قِبل الله ربِّ العالمين، أو من جِهةِ من أيَّده الله بوحيه المبين من الأنبياء والمرسلين، و قد سَعِد الصحابة رضوان الله عليهم بهذه التَّزكية التي ليس بعدها تزكية، في مواضع كثيرةٍ من القرآن الكريم حيث أثنى الله العليم الحكيم، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، عليهم ومدح بواطنهم و سرائرهم كما مدح ظواهرهم .
قال الله عزَّ وجل في سورة الفتح: { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }[ الفتح : 18] ، أي: « من الصدق والوفاء، والسمع والطاعة »، قاله ابن كثيرٍ في تفسيره .
وقال ابن جرير: « فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة، من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك»
وقال العلامة الشنقيطي رحمه الله: « { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: من الإيمان والإخلاص » .
وفي هذا دلالةٌ بيِّنةٌ، و تزكيةٌ واضحةٌ جليَّةٌ من الله تعالى لما في قلوب الصحابة، ولما تُكنُّه صدورهم من الإيمان، والإخلاص و الصِّدق و الوفاء، وغيرها من الصفات القلبية الحميدة، زيادةً على تصريحه برِضاه عنهم، الذي يستلزم رضاه عن عقائدهم ومناهجهم، وعباداتهم، و أعمالهم ومعاملاتهم و أخلاقهم، و هديهم، فاجتمع لهم تزكية الظَّاهر والباطن، فهنيئًا لهم بهذا الفوز العظيم، وهنيئًا لمن كان مُحبًّا لهم سائرًا على نهجهم، مقتفيًا لأثرهم، جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه آمين .
* وقال تعالى في سورة الفتح كذلك: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا }.
وفي الآية مدحٌ للصحابة وثناءٌ عليهم بتحقيق أصل الولاء والبراء الذي هو أوثق عرى الإيمان، وذلك بشدَّتهم وغلظتهم على الكافرين ورحمتهم ولطفهم بالمؤمنين، وفيها تزكيةٌ لظواهر الصحابة بكثرة الركوع والسُّجود والاجتهاد في عبادة الله، و تزكيةٌ لسرائرهم بأنَّهم لا يبتغون بهذه العبادات والقربات والأعمال الصالحة الكثيرة العظيمة إلا وجه الله وابتغاء رضوانه، إشارةٌ بذلك إلى إخلاصهم وصفاء نيَّاتهم وحسن مقاصدهم .
قال القرطبي في تفسيره:« {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} إخبارٌ عن كثرة صلاتهم، {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} أي يطلبون الجنة و رضا الله تعالى »انتهى .
وقال ابن كثيرٍ رحمه الله:« وقوله سبحانه وتعالى:( تراهم ركَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُون فَضَلًا مِنَ الله وَ رِضوانا ): وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة وهي خير الأعمال و وصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل، والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب وهو الجنة المشتملة على فضل الله عزَّ وجل وهو سعة الرٍّزق عليهم ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول كما قال جل وعلا: (وَ رِضوانٌ مِن الله أَكبر ) »انتهى .
* وقال تعالى في سورة الحشر:( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) .
ففي هذه الآيات الكريمة ثناء من الله تعالى على الصحابة رضي الله عنهم، بعملهم الظاهر وهو الهجرة التي لم يمنعهم منها فقرهم وشدَّة حاجتهم، حيث تركوا ديارهم و أموالهم، وما يملكون، وهاجروا إلى المدينة، ثم بيَّن حسن مقاصدهم ونواياهم بهذا العمل العظيم، وأنَّهم ما أرادوا به إلَّا نصرة الله و رسوله، وابتغاء مرضاته، وفي هذا تزكية عظيمةٌ لسرائرهم الزَّكيَّة، و بواطنهم النَّقيَّة، ثم أكَّدها بقوله:( أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )، قال ابن كثير رحمه الله:« أي: هؤلاء الذين صَدَقوا قولهم بفعلهم » .
وقال الألوسي:« { أولئِك هُمُ الصَّادِقُون }، أي: الكاملون في الصِّدق في دعواهم الإيمان، حيث فعلوا ما يدل أقوى دلالة عليه » انتهى .
فهذه شهادةٌ من الله تعالى للصحابة بأنَّهم صادقون في دعواهم الإيمان، وأنهم ليسوا كمن قال الله فيهم: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14].
ولا كمن قال فيهم جلَّ شأنه: { إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } .
بل هم صادقون مع الله في أعمالهم لا يبتغون بها إلا وجهه الكريم، صادقون في دعواهم الإيمان ، صادقون في نصرة الله و رسوله، كلُّ ذلك بشهادة اللَّطيف الخبير، فقبَّح الله من يتَّهمُهم بالنِّفاق فإنَّ أصل النِّفاق الكذب وقد شهِد لهم ربُّهم بضدِّه وهو الصِّدق في دعواهم الإيمان، فيا ابن الرَّفض والزَّندقة! {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُُ}؟.
* وقال سبحانه و تعالى في سورة الأنفال: { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } .
فشهد لهم سبحانه بالإيمان الحق، و موضع الإيمان هو القلب، وصحَّح إيمانهم المقرون بهذه الأعمال الصالحة العظيمة، كما وعدهم بالمغفرة والرِّزق الكريم، فأيُّ فضلٍ بعد هذا؟ وأيُّ تزكيةٍ فوق هذه!، فإن لم تكن هذه تزكية، والحال أنها من رب العالمين، القائل: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} فلا تصحُّ تزكية أحدٍّ في القرآن!!
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:« قوله تعالى: { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }[ الأنفال : 72 ]، وقوله تعالى بعدها: { والذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله والذين آوَواْ ونصروا أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً }[ الأنفال : 74] .
فذكر المهاجرين بالجهاد بالمال و النفس، وذكر معهم الأنصار بالإيواء والنَّصر، ووصف الفريقين معًا بولاية بعضهم لبعض، وأثبت لهم معًا حقيقة الإيمان { أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً } [ الأنفال : 4 ] ، أي الصادقون في إيمانهم، فاستوى الأنصار مع المهاجرين في عامل النصرة وفي صدق الإيمان »[أَضواء البيان(8/190)].
وقد عرف الصحابة هذا الفضل الذي خصَّهم الله به، و شهد به بعضهم على بعض، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:« إنَّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمَّدٍ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثمَّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّدٍ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه » [ حسنه العلامة الألباني في ” تحقيق شرح الطحاوية ” (ص530)] .
فاصطفاء الله تعالى للصحابة واختيارهم لصحبة نبيه من بين سائر الناس ليس لشيء إلا لما علمه من طهارة بواطنهم، و جميل سِيَرهم، وحُسنِ سرائرهم، و زكاء نفوسهم، وصفاء قلوبهم و سلامة مقاصدهم، و صدق إراداتهم ونيَّاتهم .
فيا أحفاد المجوس وعُبَّاد المجوسي لؤلؤة: { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

 

 


* النوع الثاني *

 

حصر الهداية في اتِّباع سبيل الصحابة


الهداية إلى الصِّراط المستقيم هي أعظمُ نعمةٍ تفضَّل بها المنعم سبحانه على عبده المؤمن في الدُّنيا، وكلُّ نعمةٍ فهي دونها في المرتبة والفضيلة.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:«…إنَّ أفضل ما يُقدِّر الله لعبده وأجلَّ ما يقسمه له الهدى، وأعظم ما يبتليهِ به ويقدِّرُه عليه الضَّلال، وكلُّ نعمةٍ دون نعمةِ الهدى، وكلُّ مصيبةٍ دون مصيبة الضلال »[ ” شفاء العليل ” (1/181) ] .
هذه الهداية التي هي النَّعمة المتصلة بسعادة الأبد، حصر الله سبب حصولها، وسبيل نيلِها في اتِّباع الصحابة، فلا ينعمُ أحدٌ بالهداية الحقيقيَّة إلا بسلوكه لسبيل الصحابة، و لا يطرق أحدٌ بابها، إلا باقتفائه لآثارهم والسَّير على دربهم، والاستقامة على منهجهم، و لا يسعد بها أحدٌ إلَّا بالتمسَّك بما كانوا عليه ظاهرًا وباطنًا، فأكمل النَّاس هدايةً، أتبعهم للصحابة، وبِقدر ما يفوت العبد من اتِّباعهم بقدر ما يفوته حظُّه من الهداية والاستقامة .
قال تعالى: { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتدوا وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله وَهُوَ السميع العليم } [ البقرة : 137 ] .
فعلَّق الله حصول الهداية بالاستقامة على ما كان عليه الصحابة، و اشترط صحة هداية غير الصحابي سواء كان من أهل الملل الأخرى، أو ممن يأتي بعد الصحابة من هذه الأمة: أن يؤمن بمثل ما آمن به الصحابة، و أن يكون على مثل ما كانوا عليه، في عقيدته وعبادته ومنهجه، وفي سائر أمور دينه، و أن يكون متَّبعًا لهم مُنتَهِجًا لنَهجِهم، فإن تولىَّ وأعرض عن هدي الصحابة، وتنكَّب طريقهم، فإنَّ مصيره إلى الشِّقاق و الخلافِ و الضلال .
وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يدلُ على ما كان عليه الصحابة من الهداية التَّامَّة، إذ لو لم يكونوا مهتدين في أنفسهم! فكيف يجعلهم الله ميزانًا لغيرهم، وكيف يجعل الهداية منوطةً باتِّباع سبيلهم؟ و كيف يجعل ما كانوا عليه مقياسًا تُقاس به المناهج والدَّعوات والعقائد؟ بل كيف يجعل منهجهم علامةً على الحقِّ و الهدى بحيثُ من وافقه اهتدى، ومن خالفه ضلَّ و انحرف؟!
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوه إلَى الله والرَّسولِ إن كُنتُم تُؤمِنون بالله واليَومِ الآخِر}:« نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدِّين دقِّه وجلِّه جليِّه وخفيِّه، ولو لم يكن في كتاب الله و سنة رسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه، و لم يكن كافيًا لم يأمر بالرَّد إليه، إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرَّد عند النِّزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع »[إعلام الموقعين(1/52)].
و يُقال في جعلِ اللهِ للصحابةِ مقاييسَ و موازينَ على الهدى: أنَّه لو لم يكنِ اللهُ راضيًا عمَّا كان عليه الصَحابة، ولو لم يكونوا مقياسًا حقيقيًّا لهُدَى الله الذي بعث به نبيَّه صلى الله عليه وسلم، لامتنع أن يجعلهم ربُّهم ميزانًا لغيرهم يُعرف به المهتدي من الضَّال، والمُحق من المبطل!، بل جعلُهُم كذلك يدلُّ على أنهم أهدى الناس سبيلًا، و أقومهم طريقًا، فمن ابتغى الهداية، فسبيلها طريقهم، فَأَنعِم بها من تزكيةٍ، و كفى بها من شهادةً و منقبة .
* ومن أدلَّة حصر الهداية في اتِّباع سبيل الصحابة قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }[لقمان:15]، عقد الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم « إعلام الموقعين » (4/137) فصلًا بعنوان:
* أدلة أخرى على وجوب إتباع أقوال الصحابة *
قال فيه: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وكلٌّ منهم-أي الصحابة- قاتل في سبيل الله وجاهد إمَّا بيَده أو بِلسَانِه، فيكون الله قد هداهم، وكلُّ من هداهُ فهو مهتدٍ فيجب اتباعه .
الوجه الثالث قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} وكلٌّ من الصحابة منيبٌ إلى الله فيجب إتباع سبيله، وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله، والدَّليل على أنَّهم منيبون إلى الله تعالى: أن الله تعالى قد هداهم وقد قال: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}».
* ومن أدلَّة حصر الهداية في اتباع سبيل الصحابة، قوله تعالى في سورة الفاتحة: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ }.
فالمنعم عليهم، هم أهل الصراط المستقيم، و هم الصحابة رضي الله عنهم، ففي الآية سؤال الله الهداية إلى الصِّراط المستقيم على طريقة الصحابة، وعلى ما كان عليه الصحابة، وهذا يُفيد بأنَّ الهداية إلى الصِّراط المستقيم لا تتمُّ ولا تتحقَّقٌ لأحدٍ إلَّا باتِّباع سبيل الصَّحابة، فهم أئمة هذا الصِّراط، وقدوة أهله.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في تفسير « سورة الفاتحة » من كتابه “مدارج السالكين”(1/83-84): «فصلٌ: في بيان تضمنها للرد على الرافضة.. .
ثم قال: « كلُّ من كان أعرف للحقِّ وأتبع له: كان أولى بالصراط المستقيم.
ولا ريب أن أصحاب رسول صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنهم هم أولى بهذه الصفة من الروافض.. .
ثم إنَّا رأينا آثار الفريقين تدل على أهل الحقِّ منهما، فرأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحوا بلاد الكفر وقلبوها بلاد إسلام، وفتحوا القلوب بالقرآن والعلم والهدى فآثارهم تدل على أنهم هم أهل الصراط المستقيم… ولهذا فسَّر السَّلف الصِّراط المستقيم وأهله: بأبي بكرٍ وعمر، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وهو كما فسَّروه فإنَّه صِراطهم الذِّي كانوا عليه، وهو عين صراط نبيِّهم، وهم الذِّين أنعم الله عليهم وغضِب على أعدَائهم وحكم لأعدائهم بالضَّلال.. .
وقال زيد بن أسلم: « الذين أنعم الله عليهم: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ».
ولا ريب أن المنعم عليهم: هم أتباعه، والمغضوب عليهم هم الخارجون عن أتباعه، وأتبع الأمة له وأطوعهم: أصحابه وأهل بيته وأتبع الصحابة له: السمع والبصر أبو بكر وعمر، وأشدُّ الأمة مخالفة له هم الرافضة.. فقد تبَّين أن الصِّراط المستقيم: طريق أصحابه وأتباعه، وطريق أهل الغضب والضلال طريق الرافضة »انتهى.
* ثمَّ أكَّد سبحانه حصره للهدى في اتَّباع سبيل الصحابة، و أنَّه لا هداية لأحدٍ بمخالفتة لما كانوا عليه، بتهديد مخالفِ سبيلهم و وتوعُّده بالعذاب، فقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥] .
فتوعَّد سبحانه وتعالى من شاقَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، واتَّبع غير سبيل المؤمنين أن يُولِّه ما تولَّى ويصله جهنَّم والعياذ بالله، وقد بيَّن أئمة الإسلام وعلماء الملَّة أنَّ المقصود بالمؤمنين في هذه الآية هم الصحابة، فيكون معنى الآية: أن من خالف هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، و ارتضى غير طريق الصحابة لنفسه منهجًا، و اتَّبع غير سبيلهم، ولَّاه الله ما تولَّى، وتوَّعده بدخول جهنَّم وساءت مصيرًا لصاحبها .
و ترتُّب مثل هذا الوعيد الشَّديد على من اتَّبع غير سبيل الصحابة، يدلُّ دِلالةً واضحةً على وجوب اتِّباع سبيلهم، و إيجابُ الله تعالى على عموم الأمة اتِّباع سبيل الصحابة يدلُّ كذلك على أنَّ السَّبيل الذي كانوا عليه هو الإسلام الصحيح الذي ارتضاه الله لهذه الأمة دينًا، وكيف لا يكون كذلك وقد أخذوا دينهم من صاحب الرِّسالة مشافهة بلا واسطة، فهم تلامذةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وطلَّابه، وإخوانه و أصحابه، وأعوانه و أنصاره، وقد عافاهم الله تعالى ممَّا ابتلى به من بعدهم من العقائد الفاسدة، والمناهج المنحرفة، والعبادات المحدثة .
كما في صحيح مسلم(1844) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبيَّ قال:« وإنَّ أمَّتكُم هَذِه جُعِل عافِيتُها في أَوَّلها، وسَيُصيب آخرَها بَلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونها » الحديث .
قال الإمام العلامة ناصر الدِّين الألباني رحمه الله وغفر له :« الانتساب إلى السلفية يعني الانتساب إلى العصمة… قال عليه السلام :« افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستختلف – أو ستتفرق – أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة » قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال:« هي الجماعة » ، هذه الجماعة هي جماعة الرسول عليه السلام، هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق لأبي هريرة ، أن المقصود في هذا الحديث هم الصحابة، أو الذين حكم رسول الله عليه السلام بأنهم هم الفرقة الناجية، ومن سلك سبيلهم ومن نحا نحوهم ، وهؤلاء السلف الصالح هم الذين حذَّرنا ربُّنا عزَّ وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ، ومن سلوك سبيلٍ غير سبيلهم، لقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾، أنا لفَتُّ نَظر إخواننا في كثيرٍ من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل في قوله في الآية: ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ على مشاققة الرسول عليه السلام ، ما الحكمة من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي:( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول عليه السلام ، والحكم عليه بمصيره السَّيِّء، لم تكن الآية هكذا، وإنما أضافت إلى ذلك قوله عز وجل: ﴿ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ هل هذا عبث ؟ حاشى لكلام الله عز وجل، أي من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة في تعبيرنا السابق ، وهم الجماعة التي شهد لهم رسول الله عليه السلام بأنها الفرقة الناجية، ومن سلك سبيلهم، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن أراد أن ينجوَ من العذاب يوم القيامة أن يُخالف سبيلهم، ولذلك قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ » [سلسلة الهدى والنور (الشريط الأول)] .
و قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله في مقاله الذي بعنوان “شرف الانتساب إلى مذهب السلف “:«..السلف الصالح الذين جعل الله تعالى الهدايةَ في اتِّباع سبيلهم في قوله سبحانه: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ [البقرة: ١٣٧]…وتوعَّد سبحانه من اتَّبع غيرَ سبيلهم في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥]، فدلَّ ذلك على أنَّ اتِّباعَ سبيلهم نجاةٌ والحيادَ عن سبيلهم مشاقَّةٌ وابتغاءٌ للاعوجاج عن صراط الله المستقيم »انتهى .
فيا معشر الرافضة! الذين رفضتم الإسلام برفضكم لسبيل الصحابة، و مشاقتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هنيئًا لكم هذا الوعيد، { فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } و { انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} .
* ومن تأكيدات القرآن لحصر الهدى في اتَّباع سبيل الصحابة، اشتراطه سبحانه
وتعالى رضاه عمن يأتي بعد الصحابة باتِّباعهم لسبيل الصحابة، وسلوكهم لنهجهم، فلن ينعم أحدٌ برضا ربِّه عنه إلَّا بأن يجعل الصحابة قدوته،و أئمَّته في جميع أبواب الدِّين، فيسلك سبيلهم، ويقتفي آثارهم .
قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }[التوبة:100] .
فصرَّح سبحانه برضاه عن الصحابة أجمعين، المهاجرين منهم والأنصار، ثم اشترط رضاه عمن يأتي بعدهم باتِّباعهم لهم، واشترط في هذه التَّبعية أن تكون بإحسان .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في « الرسالة التبوكية»(ص22):« فأما اتِّباع السعداء فنوعان :
اتِّباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله عزَّ وجل فيهم: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }، فهؤلاء هم السُّعداء الذِّين ثبت لهم رضا الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة .
ولا يختص ذلك بالقرن الذين رأوهم فقط، وإنَّما خُصَّ التَّابعين بمن رأَوا الصحابة تخصيصًا عُرفيًّا ليتميَّزوا به عمَّن بعدهم، فقيل : التابعون مطلقًا لذلك القرن فقط ، وإلا فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وقيَّد سبحانه هذه التَّبعية بأنَّها تبعيَّة بإحسان، ليست مطلقة فتحصل بمجرَّد النِّية، والاتباع في شيء والمخالفة في غيره ، ولكن تبعيَّة مصاحبة الإحسان ، وأن الباء ها هنا للمصاحبة، والإحسان والمتابعة شرط في حصول رضاء الله عنهم وجناته »انتهى .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في « الصارم المسلول» (ص 572): « سبُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حرام بالكتاب والسنة…إلى أن قال: « و لم يكتسبوا ما يوجب أذاهم؛ لأنَّ الله سبحانه رضي عنهم رضًى مطلقًا بقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }، فَرَضِي عن السَّابقين من غير اشتراط إحسان، و لم يرضَ عن التَّابعين إلَّا أن يتَّبعوهم بإحسان » انتهى .
فالحاصل أنَّه لا هداية لأحدٍ في مخالفة ما كان عليه الصحابة، كما أنَّه لا تقرَّ عينُ أحدٍ أبدًا برضا الله عنه إلا باتِّباعه لسبيل الصحابة، وأن تكون تبعيَّته لهم بإحسان، فيتحرَّى ما كانوا عليه، و يجهد نفسه في معرفة سبيلهم حتَّى يُميِّزه عن سُبل الغواية والضَّلال، فإذا عرفه التزمه واستقام عليه ظاهرًا وباطنًا، فإذا وُفِّق لذلك فليعلم أنَّها عاجل بشرى المؤمن في هذه الدُّنيا .
* ومن تأكيدات الوحي لحصر الهداية في اتَّباع سبيل الصحابة ما ورد في حديث الافتراق المشهور، الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم:« و ستفترق أمتي على ثلاثٍ و سبعين ملَّة كلُّهم في النَّار إلا ملَّة واحدة، ما أنا عليه و أصحابي »[صحيح الجامع الصغير (5344) ] .
والملل التي في النَّار هي فرق الضَّلال، استحقَّت دخول النَّار و تُوُعِّدت بالعذاب لمخالفتها لسبيل الصحابة، الذي أورثها الضلال والانحراف.
و الفرقة النَّاجية هي التي تمسَّكت بما كان عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففازت بالهداية الحقيقيَّة التي أورثتها النَّجاة .
فهي معصومةٌ في الدُّنيا من الضَّلال، وناجيةٌ من موجبات السَّخط، وناجيةٌ في الآخرة من العذاب، و آمنةٌ من العقاب، وليس ذلك لشيءٍ إلَّا لاتِّباعها سبيل الصَّحابة، فهو العصمة من الضَّلال، وبه تُضمن الهداية والنَّجاة .

 

* النوع الثالث *

 

شهادة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم للصَّحابة بالخيريَّة و أنَّهم خير الناس


لقد شهد نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وهو الصَّادق المصدوق، لصحابته الكرام بأنَّهم خير الناس بعده، و بأنَّهم أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها، بل أفضل خلق الله بعد الأنبياء والرُّسل عليهم الصلاة والسلام .
فقال عليه الصلاة والسلام: « خَيْرُ النَّاسُ قَرْنِي ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُون وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُون وَيَكْثُرُ فِيهِمْ السِّمَن »، وفي رواية: « تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَه وَيَمِينُهُ شَهَادَتَه»[ أخرجه البخاري(6695)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ].
وهذه الشَّهادة النبويَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحابته الكرام بأنَّهم خير النَّاس، تعتبر من أجلٍّ أنواع التزكيات و أرفعها و أعلاها في حقِّهم، كيف لا؟ و فيها النَّصُّ ممن لا ينطق عن الهوى على أفضلية الصحابة على كلٍّ من سواهم، و خيريَّتهم على كلٍّ من يأتي بعدهم، فماذا أبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأئمة الجرح والتَّعديل؟! وهل بعد هذه التَّزكية يبقى محلٌّ من الإعراب لطعونات الرَّافضة فيهم؟ أين عقول النَّاس؟ « على أنَّه لو لم يَرد مِن الله عز وجل و رسوله فيهم شيء، لأوجَبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنُّصرة، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين، القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمزَكِّين الذِّين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين » [ “الكفاية” للخطيب البغدادي (ص49) ].
« ومَن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينـًا أنهم خيرُ الخلْق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكونُ مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله »[ العقيدة الواسطية ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في ” الفتاوى “( 4/ 157):« ومن المعلوم بالضرورة لمن تدبر الكتاب والسنة، وما اتفق عليه أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف أن خير قرون هذه الأمة في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة، أن خيرها – القرن الأول – ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة، من علم، وعمل، وإيمان، وعقل، ودين، وبيان وعبادة، وأنَّهم أولى بالبيان لكلِّ مشكلٍ، وهذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام وأضله الله على علم..وما أحسن ما قال الشافعي في رسالته: « هم فوقنا في كلِّ علمٍ وعقلٍ ودينٍ وفضلٍ، وكلِّ سببٍ يُنالُ به علمٌ أو يدرك به هدًى، ورأيهم لنا خيرُ من رأينا لأنفسنا »انتهى .
* وثبوت خيريَّة الصَّحابة على من سواهم بالوحي، يُفيدنا بأنَّ خير الناس بعدهم هم من كان على مثل ما كانوا عليه، معتصمًا بمنهجهم الذي ساروا عليه، معتصمًا بهديهم الذي ماتوا عليه، فمن كان هذا حاله فهو خير النَّاس في كلِّ زمانٍ و مكان .
ولاشكَّ ولا ريب أنَّ أهل السنَّة والجماعة هم أسعد النَّاس بهذه الخيريَّة، إذ هم أتبع النَّاس لطريقة الصحابة، وأحرصهم على اتِّباع سبيلهم، و أشدُّهم تمسُّكًا بهديهم في جميع أبواب الدٍّين، ومن هنا صَفِيَ منهجهم، وتميَّزت بالنَّقاوة عقيدتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “منهاج السنة “(5/158):« وأهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس »انتهى .
وهذه النقاوة والخيرية اكتسبها أهل السنة من نقاوة عقيدتهم ومنهجهم وعباداتهم، فهم أنقى الناس وخير الناس عقيدةً ومنهجاً وعبادةً وسلوكاً و معاملةً، و إنَّما استمدُّوا ذلك كلِّه بسَيرِهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهو مصدر خيريَّتهم، و نقاوتهم، وكلِّ فضيلةٍ فيهم .
وفي الأخير: ومن خلال قراءةٍ سطحيَّةٍ للنُّصوص السابقة، و دون أدنى تدبُّرٍ أو تأمُّل أو استنباط، نقِف على الحقيقة الكبرى، ونصِلُ إلى الغاية العظمى التي تظافرت نصوص الكتاب والسنة على إظهارها و بيانها و تقريرها، وهي عدالة الصَّحابة رضي الله عنهم، وثبوت تزكيتهم بالوحي، و بأقوى و أعظم و أظهر و أحسن و أبلغ أنواع الدِّلالة و أوضحها، فهم خيرُ النَّاس سيرةً و سريرةً ومنهجًا رغم أنوف الرَّافضة، وهم أهدى النَّاس رغم أنوف الشِّيعة، وهم الطَّريق إلى الهداية وهم أنصار الله، وحملة دينه و أحباب رسوله، وليخسأ أحفاد المجوس .
اللهم إنَّا نشهدك أنَّنا نُحبُّك و نُحبُّ رسولك، ونُحبُّ صحابة رسولك الكرام، و ونثني عليهم، ونحسن القول فيهم ونجتهد في اتباع سبيلهم قدر استطاعتنا ونبغض من يبغضهم، فاحشرنا معهم وفي زمرتهم، و ألحقنا بهم وارض عنَّا باتِّباعنا لهم، واهدنا باقتفائنا لآثارهم، و اجمعنا بهم في جنات النعيم..آمين والحمد لله رب العالمين .