لزوم التّشنيع على دعاة التّمييع (الجزء الرابع) / مراد قرازة

المؤلف مراد قرازة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الرابع : ذكر أهم قواعد التّمييع:


بعد أن سلّطنا شيئا من الضّوء على أصل الدّاء ومنبع العدوى ، يمكن الآن فهم أغلب « قواعد التّمييع » بمجرّد مقارنتها بهذه القاعدة ، وما يراد بها من ضلال ، وما جرّته على أصحابها من مخالفات للكتاب والسنّة ، ومنهج السّلف وعلماء هذه الأمّة .

القاعدة الثانية : « نصحّح ولا نجرّح » أو « نبيّن ولا نضلّل »

وهذه بعض تعليقات أهل العلم على هذه القاعدة :

الشيخ العلامة صالح الفوزان – حفظه الله – :

السائل : نحن أخوة سلفيين في أوروبا بالذات من هولندا عندنا بعض أسئلة نريد طرحها على سماحتكم : عندنا بعض القواعد ونود من سماحتكم هل هي موافقة لما عليها أهل السنة من أصول ثابتة ؟

 

 

 


القاعدة الأولى : تقول : ” نصحح ولا نجرح ” فما تعليق سماحتكم أثابكم الله ؟


الشيخ : ” القاعدة هذه ما لها أصل أقول ما لها أصل ، الباطل لابد من تجريحهم “( 68)

الشيخ العلامة زيد المدخلي – رحمه الله – :

قال السائل : القاعدة الأولى: [ تقول نصحّح ولا نجرح]، فما قول سماحتكم في هذه القاعدة ؟


فأجاب الشيخ – حفظه الله – : ” هذه القاعدة ليست من قواعد أهل العلم ليست من قواعد العلماء الربانيين الذين يعتدّون بعلمهم وإنما قواعد العلماء سابقاً ولاحقاً : التصحيح لمن يستحق التصحيح والتجريح لمن يستحق التجريح ، وعلى هذا مشى أهل السنة والجماعة السلف الصالح وأتباعهم إلى يوم الدين ، وما كتب الجرح والتعديل عن الأذهان ببعيد ، وهذه من المغالطة ، صاحبها إما أن يكون جاهلاً وإما أن يكون ملبّساً ومضللاً للناس فحسبه الله، ونسأل الله أن يهديه ويرده إلى الحق رداً جميلاً” (69)

العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله – :

قال الشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله- : ” ومن أصول هؤلاء الذين يلبسون لباس السلفية لحرب أهل السنة ومنهجهم : (نصحح ولا نجرح)، يوهمون الناس أنهم أهل ورع وإنصاف وهم بهذا الأصل مخالفون لكتاب الله وسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ومنهج السلف الصالح القائم على كتاب الله وسنة رسوله، ومناهضون لأهل الحديث والسنة وأصولهم في الجرح والتعديل من فجر تأريخهم إلى يومنا هذا، والذين شحنت مؤلفاتهم في الجرح والتعديل وكتب الجرح الخاصة بالجرح لأهل البدع وغيرهم من الكذابين والمتهمين.


ومناهضون لدواوين أهل السنة في نقد أهل البدع وبيان عقائدهم من جهمية ومعتزلة وخوارج ومرجئة وصوفية وغيرهم ينقدون ويجرحون طوائفهم وأعيان كثير منهم خاصة دعاتهم ” (70)


هذه قاعدة عدنان عرعور التي شغب بها كثيراً على السلفيين والمنهج السلفي ، و انتقد هذه القاعدة وغيرها من قواعد عدنان الفاسدة نقداً شديداً جمع من العلماء و وصفها العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – بأنها قواعد مداهنة، و انتقد عدد من العلماء يبلغون ثلاثة عشر عالماً منهم الشيخ الفوزان والشيخ زيد محمد هادي والشيخ أحمد بن يحيى النجمي ” (71).

وممّن بيّن خطأ هذه القاعدة أيضا :

– الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –
– الشيخ أحمد بن يحيى النجمي- رحمه الله –
– الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله –
– الشيخ عبد الله الغديان – رحمه الله –
– الشيخ محمد بن هادي المدخلي – حفظه الله –
– الشيخ عبيد بن عبدالله الجابري – حفظه الله –

ملاحظة :

من خلال مقارنة بسيطة بين هذه القاعدة والتي قبلها يمكن ملاحظة أنّهما وجهان لعملة واحدة ، لا تكادان تختلفان في شيء من المخالفات السيّئة، لكتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولنهج السّلف وعلماء الأمّة
وإن كان واضع هذه القاعدة قد حاول تلبيسها على العوام ، وإظهارها في صورة المعتبر لنصوص النّصيحة والبيان ، إلاّ أن الواقع خلاف ذلك ، فالنّصيحة أو كما سمّاها ” التصحيح والبيان ” ليست كما يحاول أصحاب هذه القاعدة حصرها في البلاغ فقط ، بل تتجاوز هذا المعنى إلى الإنكار والتّحذير ، والأحكام والهجر وإقامة الحدود وغيرها ؛ وكلّ هذا ممّا أدخله هؤلاء في معنى ” لا نجرّح ” و” لا نضلّل “.


قال ابن القيم : ” فصل :الفرق بين النصيحة والغيبة أن النصيحة يكون القصد فيها تحذير المسلم من مبتدع أو فتان أو غاش أو مفسد، فتذكر ما فيه إذا استشارك في صحبته ومعاملته والتعلق به، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس وقد استشارته في نكاح معاوية وأبى جهم فقال:” أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه”، فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات ، وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتضع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكل كما تأكل النار الحطب ” (72).


وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله – : ” ….. مع أن النقد من أهل العلم وتجريح من يجب جرحه من باب النصح للأمة ، والتحذير من بدعته أو انحرافه أمر متعين كما فعل علماء الإسلام سابقا ولاحقا “(73).


والأدهى من ذلك أنّه حجر على النّاس مجرّد الإنكار ، فقد صرّح العرعور بنفسه أنّ مراده من قاعدته إلغاءه قال : ” نبيّن ولا نضلّل ، ونصحّح ولا نجرّح أي : نخطّئ ولا ننكر ؛ فإنّ الإنكار لا يكون إلاّ لمنكر”(74).

القاعدة الثالثة : « نبني ولا نهدم الأشخاص » أو «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم »

وهذه بعض تعليقات أهل العلم على هذه القاعدة :

قال الشّيخ ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله – : ” هذه قاعدة عدنان عرعور التي شغب بها كثيراً على السلفيين والمنهج السلفي …”


… مواقف الصحابة من الخوارج والقدرية معروفة مشهورة إلى أن قال:

“ومواقف التابعين من أهل البدع ومواقف أتباع التابعين من أهل البدع معروفة مشهورة من كل أصناف أهل البدع من خوارج وقدرية ومرجئة وشيعة وروافض وحتى من يقع من أهل السنة في بدعة لا يعاملونه إلا بالمنهج الإسلامي الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان


موقف الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه من أناس كانوا أئمة في العلم والدين ومن أهل الحديث وقعوا فيما يسميه أبو الحسن زلة أو زلات وقام عليهم أهل السنة ووسموهم بالبدع والضلال


فمنهم من تاب وأناب كإسماعيل ابن علية، ومنهم بقي على زلته وبقي عليه الوسم الذي وسمه به أحمد وأئمة الحديث كداود الظاهري وحسين الكرابيسي والحارث المحاسبي ويعقوب بن شيبة
فالقطبيون والسروريون والإخوان المسلمون لا يساوون شيئاً عند هؤلاء علماً وديناً وفضلاً


فإذن هؤلاء الأئمة هدامون لأنهم لا يعرفون قواعد أبي الحسن ولا يطبقونها فعلى أبي الحسن وأنصاره أن يبغضوا هؤلاء ويحاربوهم ويسموهم حدادية وهدامين ومفسدين لأنهم عاملوا من هو خير لعله بمئات المرات ممن يدافع عنهم أبو الحسن ويرى أنهم من أهل السنة ويقول أبو الحسن بدخول أصحاب الجمعيات كالحكمة والإحسان إنهم من أهل السنة وسلفيون


وأهل السنة لا يعرفون هذه الوساوس والهلوسات التي يرددها أبو الحسن باسم المنهج السلفي والمنهج السلفي وأهله على امتداد التاريخ برءاء من هذه الهلوسات والأفاعيل التي تهدم المنهج السلفي وأهله ولا تبني ولا ترفع للسنة راية ولا تنفع أهل البدع بل تضرهم لأنها تزيدهم إغتراراً وتزيدهم تمسكاً بباطلهم لا سيما وأبو الحسن يصفهم بأنهم من أهل السنة فهذا المسكين سائر على مذهب غلاة المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب فهو يقول لا يضر مع السلفية شيء “(75) .

وقال الشيخ سعيد رسلان – حفظه الله – : ” القاعدةُ -بعد التصحيح، وإزالة ما فيها من مداخل أهل البدع، والإحداث، والإفساد في الأرض- «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ».


قاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، والصوابُ «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ»: نُصَحِّحُ ما يُصَحَّح، ونَهْدِمُ ما يجب أنْ يُهْدَمَ، الدَّمَ .. الدَّمَ، والهَدْمَ .. الهَدْمَ، بهذا يستقيمُ الدين، وتستقيم في يديكَ أقوالُ العلماء ولا تتناقض
فقد يُصحِّح العالِمُ قولاً أو رأيًا كما قال ابنُ القيِّم عن «الشِّبْلِيّ» بقولٍ أصابَ فيه -للهِ دَرُّه-، ولكنه يصفه بما فيه، ويهدِم ما شيَّد من بدعة «الحلول والاتحاد»؛ فصحَّح وهدم، بهذا يستقيمُ الأمرَ، ولا تلتوي عليكَ أقوالُ العلماء وتضطربُ في يديكَ، وإذا جمعتَ أقوالهم استقامتْ معكَ
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما قَبِلَ التصحيحَ صَحَّحْناه ونقبل الحق من كل أحدٍ كائنًا مَن كان …ونهدم ما يستحق الهدمَ، ألم يهدم رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قواعدَ الشرك وينسفها نسفًا؟! ألم يهدِم مُوَاضَعَات أهل الجاهلية؟! ألم يزلها إزالةً؛ ليؤسسَ الدين الحق على أساس التوحيد والاتباع؟


نُصَحِّحُ ما يُصحح، ونَهْدِمُ ما يجبُ أنْ يُهدَم، بهذا تستقيمُ القاعدة، وأما «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» فهذه إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذرة»، وهي البابُ المفتوح على مصراعيه لكل صاحب بدعة !! ” (76)

ملاحظة :

علمنا من كلام المشايخ السّابق أنّ هذه القاعدة هي إعادة صياغة للتي قبلها ، وقد حاول ” أبو الفتن ” أن يفرّق بين المعنيين ، فجاء بما لا يمكن أن يخطر ببال شخص سوي ، قال – بعد أن صححّ مراد العرعور من قاعدته – ” لا يلزم من نفي الهدم نفي التجريح، فإن نفى الأعلى؛ لا يلزم منه نفي الأدنى، فقد تجرح الرجل بعدل وعلم، ولا تهدمه ، بل تأخذ بيده وتقويه ، وتنصره ، كما في الحديث المتفق عليه من حديث أنس: ” انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا “.. الحديث ، إنما الممنوع هدم السني لزلة زلّ فيها، وقد كان أئمة السلف يجرحون، ولا يهدمون السني بزلته، بل كانوا يحذرون من المبتدع في بدعته، ويأخذون عنه العلم لصدقه في روايته –على تفاصيل في ذلك – كما سيأتي من كلامهم إن شاء الله تعالى”(77)

 

وهنا يطرح السؤال نفسه : ما هو الجرح عند أبي الحسن إن كان المجرّح يوصف بأنّه سنّي ، ويأخذ عنه العلم وينصر ويقوّى ؟؟؟؟


والأكيد أنّه يعني شيئا آخر غير الّذي جرى عليه أهل العلم في تعريف الجرح عندما قالوا ” الجرح وصف متى التحق بالراوي والشاهد، سقط الاعتبار بقوله وبطل العمل به “(78).


والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعتبر فارقا بين القاعدتين ، هو مبالغة أبي الحسن في التّشنيع على علماء الجرح والتّعديل بجعل معنى الجرح مرادفا للهدم ، مع تغيير مصطلح الجرح إلى ما يشبه التّعديل، حتى لا يمكن لمخالفيه أن يستدلّوا عليه بإقرار السّلف لما دلّ عليه هذا المصطلح
قال الشيخ ربيع – حفظه الله – : ” وتعبير أبي الحسن عن هذه القاعدة؛ أسوأ من تعبير عدنان، فعدنان يعتبر النقد جرحًا، أما أبو الحسن فيعتبره هدمًا “(79).

القاعدة الرابعة : « لا نجعل خلافنا في غيرنا سبباً للخلاف بيننا »

وهذه بعض تعليقات أهل العلم على هذه القاعدة :

العلامة الشيخ أحمد بن يحيى النجمي – رحمه الله تعالى –

قال : ” على أيِّ شيءٍ يجب اجتماعنا؛ أليس على الحق ؟! بلى؛ فإن خالف الحق أحدٌ وجب علينا أولاً أن ننصحه، ونبيِّن له؛ فإن رجع، وإلاَّ فإنَّه يجب علينا أن نعتبره شاذاً، ونرفضه ؛ فإن أيَّده أحد، وأعانه على باطله أنكرنا على المؤيد ؛ وهجرناه ، وبالأخص إذا كانت بدعته أو مخالفته واضحةً ، وضارة كبدعة الخوارج ، ولا يجوز أن نترك الإنكار على المميع حرصاً على جمع الكلمة، ولاشك أنَّ بدعة الخوارج بدعةٌ ضارة بالدين ؛ فإن أفتينا بجواز الأخذ للعلم عمَّن يرى رأي الخوارج؛ فقد أعنَّا على هدم الدين، وشجَّعنا المفسدين؛ وهل وجد فينا التكفير، والتفجير، والتدمير إلاَّ حين تتلمذ مجموعات من الشباب على هؤلاء، ومؤيديهم ، ولا يجوز أن نقول هؤلاء يحفظون القرآن ، وعندهم علمٌ ؛ فالجهل خيرٌ من التتلمذ على أيديهم ، وأين أنت من قول بعض السلف : ” من وقَّر صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام ” أخرجه البيهقي في الشعب، وصبيغ سيَّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الكوفة ، ونهى عن مجالسته ؛ أليس لأنَّ عمر رضي الله عنه خاف على المسلمين من العدوى بفكره ؟ بلى ؛ أفيليق بعد ذلك ونحن ننتمي إلى أهل الحديث، وأتباع الأثر أن نغضب على من قال لا يؤخذ العلم على من يرى رأي الخوارج ، ولا على من يدافع عمَّن يرى رأي الخوارج، ويعتذر له، ويبرر مسلكه أو يؤويه في بيته ، ويتظاهر بصحبته، ويحتفظ به ؛ فلا يخرجه من منهج السلف بعد العلم بخارجيته !!؟ بل يرى أنَّه إن كان له ذنبٌ فذنبه صغير لا يستحق أن يخرج به من المنهج السلفي؛ أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” لعن الله من آوى محدثاً ” رواه مسلم ، وأيُّ حدثٍ أعظم من حدث الخوارج ؛ فهل يصح أن يقال أنَّه لا يخرج من السلفية مع ما ورد في الأحاديث المخرَّجة في الصحيحين أو أحدهما أو مخرَّجة في غيرهما بسندٍ صحيح ؛ وإني والله أربأُ بك يا شيخ علي وأنت من المعدودين من أصحاب الحديث أن تتوقف في إخراج من يدين بهذا الفكر الخارجي من السلفية “(80).


الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله تعالى – :
سئل عن قاعدة : لا نجعل اختلافنا في غيرنا سبباً للاختلاف فيما بيننا ؟
فأجاب : بأنّها قاعدة فاسدة ، وأنهم من خلالها يريدون التوصل إلى عدم تبديع وجرح من هو أهل للجرح والتبديع مثل المغراوي وأبي الحسن المأربي ومحمد حسان… “(81)

الشيخ العلامة عبيد الجابري – حفظه الله تعالى –

السؤال : يقول علي الحلبي مقعداً: فإذا ضاقت الأمور واختلفنا في فلان ، فلا يجوز البتة أن نجعل اختلافنا في غيرنا سبباً للاختلاف بيننا. فما رأيكم حفظكم الله بهذا الكلام؟


الجواب : أظنُّ أنّ أخانا علياً يشير إلى ما يجري في الساحة من الكلام على بعض الأشخاص، وهاهنا لا بدّ من بيان أمور :


الأمر الأول: أنّ الاختلاف في الأشخاص من حيث الجرح والتعديل هذا قديم، وليس هو وليد هذا العصر، بل منذ عرف هذا العلم – علم الجرح والتعديل – والأئمة يختلفون في أشخاص من حيث جرحهم وتعديلهم، والمعول عليه في هذا الأمر الدليل، ومن الأدلة التي ترجح أحد القولين: قول أهل الخبرة والمعرفة به من خلال معاشرتهم له أو نظرهم في كتبه، فمن أقام الدليل على رجل أنه مجروح، وأظهر الدليل على جرحه من كتبه أو من مقالاته، وبان أنه بهذه الأدلة مجروح؛ وجب قبول الجارح وُترك قول المعدِّل، لأنّ الجارح عنده زيادة علم خفيت على المعدِّل …


والخلاصة – وهو الأمر الثاني -: أنّ الجرح المفسر مقدمٌ على التعديل المجمل


وثالثاً : في هذا العصر أثبت أخونا الشيخ ربيع -حفظه الله – فساد منهج سيد قطب وفساد عقيدته، وأقام الدليل على ذلك من كتب الرجل بما لا يدع مجالاً للشك ، فالمنصفون والفطنا والحريصون على حفظ العقيدة والذبّ عنها وعن أهلها قبلوا كلام الشيخ ربيع؛ لأنه أقام الدليل من كتب الرجل، وأما أهل اللجج والشطط والحزبيات فإنهم إلى اليوم على تمجيد الرجل، وتبجيل الرجل، ورفعه فوق الرؤوس، والثناء عليه، وعدّه في مصاف الأئمة كذباً وزوراً وبهتاناً، وبهذا يعلم أنّ هذه القاعدة غير سديدة بل هي فاسدة، فأهل السنّة ينظرون في الأدلّة ويوازنون بينها، ويقبلون من الأقوال ما قام الدليل القطعي على صحته وترك القول الآخر. ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ رُوي عنه: “والله ما أظنُّ أنَّ أحداً أحبَّ إلى الشيطان هلاكاً منيَ اليوم” فقيل: وكيف؟ قال: ” تحدث البدعة في المشرق أوالمغرب فيحملها الرجل إلي فإذا انتهت إلي قمعتها بالسنّة فتردّ عليه”.


فيتحصل لدينا أنّ الناس قسمان :


قسمٌ لا يعبأ بالجرح والتعديل ، ويراه من الاختلاف الذي فيه مندوحة ، وهذا منهج فاسد لا يسلكه إلا جاهل أو صاحب هوى


والقسم الثاني: من ينظر إلى أقوال العلماء في الرجال الذين لم تسبق له به معرفة ، فيحكم الدليل ، فما قام الدليل على جرحه فهو مجروح ساقط ، وما لم يقم الدليل على جرحه فإنه يبقى على الأصل ، ومن هنا يقال :

الناس ثلاثة ـ المتكلم فيهم ثلاثة ـ :


قسم ظهرت عدالته واستقامته ، فهذا هو العدل السليم المقبول
وقسم ظهر جرحه وانحرافه بمقتضى الأدلة، وهذا مجروح منبوذ
وقسم آخر الثالث مستور، فهذا يكفي أنه مستور فلا يتعب الناس أنفسهم في البحث عنه


وهنا مسلك عظيم وهو في الحقيقة قاعدة ؛ أنه في حال الفتن التي تعصف في الناس وتموج بهم كان القدامى من الأئمة يمتحنون الوافدة إليهم من الأقطار فإن أثنوا على علمائهم وخيارهم أهل السنّة فيهم خيرا قرّبوهم، وإن أثنوا عليهم شراً أبعدوهم ، ومن أقوالهم في ذلك: امتحنوا أهل المدينة بمالك ، وامتحنوا أهل الشام بالأوزاعي، وامتحنوا أهل مصر بالليث بن سعد، وامتحنوا أهل الكوفة بسفيان ، وامتحنوا أهل الموصل بالمعافى بن عمران “(82)

الشيخ محمد بن هادي المدخلي – حفظه الله – :

السؤال : ما رأيكم حفظكم الله في هذه القاعدة « لا نجعل اختلافنا في غيرنا سببًا للخلاف بيننا » ؟


الجواب: ” هذا كلام باطل ،هذا كلام باطل، لأنه قد يكون الخلاف بيني وبينك في أهل الأهواء فأنت تزكي صاحب البدعة وتمدحه وأنا أحذر الناس منه، فأيهم الناصح لدين الله وعباد الله أنا أو أنت؟ الذي حذر من الأهواء وأهلها هو الناصح لدين الله تبارك وتعالى، أما الذي أوى إلى أهل الأهواء والبدع فهذا منهم لأن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل
والإمام أحمد -رحمه الله تعالى-قد استدل على هوى الرجل وانحراف الرجل بطرحه السلام على أهل الأهواء رحمه الله تعالى فقال إذا رئيت الرجل يسلم على الرجل من أهل الأهواء فاعلم أنه يحبه ثم استدل بحديث
“أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشو السلام بينكم “
فأهل الأهواء إذا كنت أنت تزكيهم وهذا يحذر منهم وأتباعك يقولون لا ليس هم أهل أهواء أو الأمر سهل، والخطب يسير ،أو لا تفرقوا المسلمين، أيهم أنصح لدين الله وعباد الله ؟! لا شك أنه الذي حذر منهم
فكونك تقول لا نجعل الخلاف في غيرنا سبب في خلافنا هذا غير صحيح، بل هذا الكلام عليه تحفّظ نسأل الله العافية والسلامة من مثل هذه العبارات التي بدئت تظهر للناس اليوم ففرقت أهل السنة، أهل السنة في القديم كان الخلاف بينهم وبين أهل الأهواء أما الآن فاندس في صفوفهم بعض المشبوهين وإن تزينوا بالسنة فما فعلوا فيهم أعظم من ما فعله أهل الأهواء نسأل الله العافية والسلامة “(83)

ملاحظة :

هذه القاعدة هي إعادة صياغة للصورة الثالثة من صور قاعدة عدنان عرعور « نصحّح ولا نجرّح » حيث قال :


” الصورة الثالثة : الاختلاف في الأعيان :


اعلم – رحمك الله – أنه إذا صحت أصول المختلفين وتوحد منهجهم ، فلا يجوز -بعد ذلك – التفرق والشقاق والتحزب لأجل اختلافهم في الحكم على بعض الأعيان ، ولا يجوز عقد الولاء و البراء في هذا ، ولا يلزم منه تضليل المخالف ولا مفارقته ، لأن الاختلاف في الأعيان ، يدخل في باب الاختلاف المعتبر ، واختلاف التمثيل ، وإنما أفردته بالذكر لما حصل بسبب ذلك في زماننا من الفتن في الأعيان .. وإلا فهو محل اجتهاد … ولكلٍ اجتهاده ، ومن جرح لأجل هذا ، وصنف فقد ضل وفرَّق، وتحزب وتنطع…


وإذاً اتفقنا في المعاني فلا مشاحة إذا اختلفنا بعد ذلك في الأعيان .. والاختلاف في الأعيان لا يفسد الإتفاق والمودة بين الإخوان
ولقد وقع في زماننا هذا من التعصب للأعيان والتحزب لهم ، والتفرق من أجلهم ، والولاء والبراء فيهم ، الشيء العظيم ، وجلب على المسلمين الشر الكبير ، كأن الإسلام مبني على الولاء والبراء في الأعيان .. فلا حق فيه ولا تأصيل ، ولا مبدأ فيه ولا دليل ، إلا هؤلاء الأعيان .. نعوذ بالله من من فقه الصبيان ” ( 84)

القاعدة الخامسة : « الموازنات بين الحسنات والسيّئات »أو « اعتبار المصالح والمفاسد في الحكم على المعيّن »

وهذه بعض تعليقات أهل العلم على هذه القاعدة :

سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله –

السؤال : بالنسبة لمنهج أهل السنة في نقد أهل البدع وكتبهم، هل من الواجب ذكر محاسنهم ومساوئهم، أم فقط مساوئهم؟


الجواب : المعروف في كلام أهل العلم نقد المساوىء للتحذير، وبيان الأخطاء التي أخطؤوا فيها للتحذير منها، أما الطيب معروف، مقبول الطيب، لكن المقصود التحذير من أخطائهم، الجهمية… المعتزلة… الرافضة… وما أشبه ذلك، فإذا دعت الحاجة إلى بيان ما عندهم من حق، يبين ، وإذا سأل السائل: ماذا عندهم من الحق ؟ ماذا وافقوا فيه أهل السنة ؟ والمسؤول يعلم ذلك ، يبين ، لكن المقصود الأعظم والمهم بيان ما عندهم من الباطل، ليحذره السائل، ولئلا يميل إليهم “.


– فسأله آخر: فيه أناس يوجبون الموازنة: أنك إذا انتقدت مبتدعا ببدعته لتحذر الناس منه يجب أن تذكر حسناته حتى لا تظلمه ؟


فأجاب الشيخ رعاه الله : ” لا ، ما هو بلازم، ما هو بلازم، ولهذا إذا قرأت كتب أهل السنة، وجدت المراد التحذير، اقرأ في كتب البخاري ” خلق أفعال العباد ” ، في كتاب الأدب في ” الصحيح ” ، كتاب ” السنة ” لعبد الله بن أحمد ، كتاب ” التوحيد ” لابن خزيمة، ” رد عثمان بن سعيد الدارمي على أهل البدع “… إلى غير ذلك، يوردونه للتحذير من باطلهم ، ما هو المقصود تعديد محاسنهم… المقصود التحذير من باطلهم، ومحاسنهم لا قيمة لها بالنسبة لمن كفر، إذا كانت بدعته تكفره ، بطلت حسناته ، وإذا كانت لا تكفره ، فهو على خطر، فالمقصود هو بيان الأخطاء والأغلاط التي يجب الحذر منها “(85)

الشيخ العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله –

السؤال : الحقيقة يا شيخنا إخواننا هؤلاء أو الشباب هؤلاء جمعوا أشياء كثيرة ، من ذلك قولهم : لا بد لمن أراد أن يتكلم في رجل مبتدع قد بان ابتداعه وحربه للسنة أو لم يكن كذلك لكنه أخطأ في مسائل تتصل بمنهج أهل السنة والجماعة لا يتكلم في ذلك أحد إلا من ذكر بقية حسناته ، وما يسمونه بالقاعدة في الموازنة بين الحسنات والسيئات، وألفت كتب في هذا الباب ورسائل من بعض الذين يرون هذا الرأي ، بأنه لا بد ؟! منهج الأولين في النقد ولا بد من ذكر الحسنات وذكر السيئات ، هل هذه القاعدة على إطلاقها أو هناك مواضع لا يطلق فيها هذا الأمر؟ نريد منكم بارك الله فيكم التفصيل في هذا الأمر


الجواب : ” التفصيل هو: وكل خير من اتباع من سلف، هل كان السلف يفعلون ذلك ؟ “


س : هم يستدلون حفظك الله شيخنا ببعض المواضع ، مثل كلام الأئمة في الشيعة مثلا ، فلان ثقة في الحديث ، رافضي ، خبيث ، يستدلون ببعض هذه المواضع ، ويريدون أن يقيموا عليها القاعدة بكاملها دون النظر إلى آلاف النصوص التي فيها كذاب ، متروك ، خبيث ؟


ج: هذه طريقة المبتدعة حينما يتكلم العالم بالحديث برجل صالح وعالم وفقيه ، فيقول عنه : سيء الحفظ ، هل يقول إنه مسلم ، وإنه صالح ، وإنه فقيه ، وإنه يرجع إليه في استنباط الأحكام الشرعية ، الله أكبر ، الحقيقة القاعدة السابقة مهمة جدا ، تشتمل فرعيات عديدة خاصة في هذا الزمان
من أين لهم أن الإنسان إذا جاءت مناسبة لبيان خطأ مسلم ، إن كان داعية أو غير داعية ؟ لازم ما يعمل محاضرة ويذكر محاسنه من أولها إلى آخرها، الله أكبر، شيء عجيب والله، شيء عجيب، وضحك الشيخ هنا تعجبا.


س: وبعض المواضع التي يستدلونها مثلا: من كلام الذهبي في “سير أعلام النبلاء” أو في غيرها ، تحمل شيخنا على فوائد أن يكون عند الرجل فوائد يحتاج إليها المسلمون، مثل الحديث؟


ج: هذا تأديب يا أستاذ مش قضية إنكار منكر، أو أمر بمعروف يعني الرسول عندما يقول: “من رأى منكم منكرا فليغيره ” هل تنكر المنكر على المنكر هذا، وتحكي إيش محاسنه ؟


س: أو عندما قال: بئس الخطيب أنت، ولكنك تفعل وتفعل، ومن العجائب في هذا قالوا: ربنا عز وجل عندما ذكر الخمر ذكر فوائدها؟


ج : الله أكبر، هؤلاء يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، سبحان الله، أنا شايف في عندهم أشياء ما عندنا نحن “(86).

الشيخ العلاَّمة الفقيه : محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :

قال رحمه الله : ” عندما نريد أن نقوِّم الشخص، فيجب أن نذكر المحاسن والمساوئ، لأن هذا هو الميزان العدل وعندما نحذِّر من خطأ شخص، فنذكر الخطأ فقط، لأن المقام مقام تحذير ومقام التحذير ليس من الحكمة فيه أن نذكر المحاسن، لأنك إذا ذكرت المحاسن فإن السامع سيبقى متذبذباً، فلكل مقام مقال “(87).

وممّن أنكر هذه البدعة أيضا :

– الشيخ العلاّمة صالح الفوزان – حفظه الله –
– الشّيخ العلاّمة صالح بن محمد اللحيدان – حفظه الله –
– الشّيخ العلاَّمة عبدالمحسن العبَّاد – حفظه الله –
– معالي الشيخ العلاَّمة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله –
– الشيخ العلامة عبدالعزيز المحمد السلمان – رحمه الله –
– الشيخ العلامة أحمد النجمي – رحمه الله –
– الشيخ العلاّمة زيد بن هادي المدخلي – رحمه الله –
– الشيخ العلاّمة ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله –
– الشيخ العلاّمة محمد بن هادي المدخلي – حفظه الله –


وغير هؤلاء ممّن يصعب حصرهم ، فإنّك لا تكاد تجد شيخا عالما أو داعية أو طالب علم سلفي ، إلا وله كلام في إبطال هذه القاعدة (88)

تنبيه مهمّ :

إن منهج الموازنات عند « جماعة التّمييع » أسوء بكثير من الصورة النّمطية لهذا النهج عند مبتدعيه ، فإنّهم اكتفوا بضرورة ذكر الحسنات ؛ حال الإنكار والتّحذير ، بينما أدخل « المميعة » تحت هذا العنوان ، وجوب اعتبار ” الحسنات والسّيّئات ” أي ” المصالح والمفاسد ” حال إنزال الأحكام على الأعيان
فلا يمكن تبديع شخص ما أو هجره والتّحذير منه ، حتى يقارن الجارح بين حسناته وسيّئاته ، وينظر في المصلحة وراء طرده أو إبقائه في حياض السنّة وسياج السلفية !!!؟؟

قال ” أبو الفتن ” – في سياق حملته على من يصفهم بالحدادية –

:
” ثم قالوا عني في شريط حقيقة الدعوة وقال : “الأخطاء تصحح وليس هناك أحد فوق النصيحة ولكن ما نصحح الأخطاء بهدم الأشخاص”
هل أحد ينكر عليَّ هذه الكلمة غير الحدادية ؟
الأخطاء التي يقع فيها الرجل من أهل السنة تصحح ، وليس هناك أحد فوق النصيحة، ليس هناك أحد نقول مثله لا ينصح أو نهابه أبداً كل ينصح الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” ما ترك هذا الحديث أحداً ، ليس هناك أحد فوق النصيحة أو أكبر من الحق كل يذعن ويرجع له، لكن ما نصحح الأخطاء بهدم الأشخاص صحيح رجل عنده خير وزل زلة أو زلات نصحح ما عنده ونصححه ولا نهدمه ولا نهدم الخير الذي عنده إذا كان واقفاً أمام العلمانيين أو المنحلين أو دعاة الانحلال والتحلل، أو كان واقفاً أمام الصوفية ، أو كان واقفاً أمام الروافض ، أوكان واقفاً أمام الحزبيين المشوهين للدعوة السلفية وزل زلات هذا لا نهدمه ونصحح هذه الأخطاء
هذا ما شاء الله ما أدري يعني أصبحت المنقبة مثلبة في نظر هؤلاء لن أترك هذا لأهل العلم يحكمون في ذلك “(89)

ويقول فيلسوف القوم وسط سفسطته المعهودة – :

” فالسعيُ إلى التطبيق الشرعيّ لقواعد (فقه الموازنات)-بسعته وشمولها- بتنزيلِها على (منهج الموازنات) –بمحدوديّته وجزئيّته – : له [ أثرُه في إيجاد حلول سليمة للمشاكل الإسلامية]-عموماً – ، والسلفية – خصوصاً – ؛ مما أدّى إلى تفريق الصفّ ، وتشتيت الكلمة، إذ من البداهة بمكان : أن قضية (السيئات والحسنات) – التي هي أُسُّ (منهج الموازنات)- فرعٌ عن أصول إدراك (المصالح والمفاسد) – التي هي أُسُّ (فقه الموازنات)- وجوداً وعدماً- بلا ريب -فإن لم يكن الواقعُ السلفيُّ الأليمُ -المُعاشُ-اليومَ-وما نحن فيه صورةٌ من صوره!-(مشكلةً إسلاميةً)؛ فلا يكاد يوجد مشكلةٌ بعده

والغفلة أو التغافل ، و الجهل أو التغاضي !- عن إدراك – فضلاً عن تطبيق – هذه الدقائق – بما تتضمّنه من مضائق – مؤدٍّ – بلا شكّ – إلى الإخلال بـ [المنهج الوسط المعتدل الذي يحصل به التقديم والترجيح بين الأمور المتعارضة من غير إسراف ولا إجحاف]- المطلوبِ الاحتكامُ إليه في سائر أحكام الشريعة – جماعاتٍ وأفراداً- سيِّئات وحسنات – مصالحَ ومفاسدَ-
أقول هذا – كلَّه – رابِطَه بالحاصل الجاري من التشويه العملي لـ (منهج الموازنات)– نتيجةَ الغلوّ في التطبيق- كما هو منظورٌ رأيَ العين – ، والذي أدى إلى تفاحُل (الإسراف) ، ومُضاعفة (الإجحاف)
وأعلى صور هذا الغلو تتمثّل في هذا الجفاء ، والغلظة ، والسوء ، والبلاء الذي يُواجِه به الغلاةُ مَن توهّموهم (!) مخطئين – من إخوانهم من أهل السنة والسلفيين
فمَن خالفهم في اجتهاداتهم – والتي أكثرها غلطٌ في التنظير ، أو خللٌ في التطبيق – : هم عندهم (أشرّ..) ، و (أخبث..) ، و (أخسّ..) ، و(أحطّ )
مع (شطب!)المردود عليه – بالكلية – ؛ ليس كتابَه – فقط – ! وبل هدر تاريخه –أيضاً – ! وتأخيره بعد أنْ كان مقدَّماً- كذلك -! والانقلاب عليه – تجهيلا- بعد أن كان عالماً ! أو علاّمة !!- مثل ذلك –
فغلوُّهم – إذن – ليس مِن ناحية (الرد..وذكر الحسنات ، أو عدمه !! – على الشخص ! أو الكتاب ! أو الجماعة !- )! – والذي هو بُنْية (منهج الموازنات) –أساساً – ، ولكنْ : من حيث ثمرة ذلك ونتيجته العملية التطبيقية- كما ترى ونرى -مما سببه الأساسُ : الإخلالُ بـ (منهج الموازنات )
فأين- بالله عليكم – تحقيقُ [مصالح الخلق، وتحقّق مقاصد الشارع الكريم] ؟
فادِّعاء الفصل ، وزعم التفريق : بين (فقه الموازنات)، و(منهج الموازنات): ادعاءُ باطلٌ ، وزعمٌ فاشلٌ – بداهةً – ؛ بل هو يماثلُ – بُطلاناً – ادَّعاء الفصل بين الهيدروجين والإكسجين في حقيقة الماء “(90).

وقفة :

هنا لابدّ من وقفة : وهي أنّ القول بوجوب الموازنات في الأحكام أخطر بمراحل من مجرّد ذكر الحسنات وقت التّحذير ، فاعتبار الموازنات في الأحكام هو ذكر لها وزيادة ؛ فيلزم منه الوقوع في المحظور وزيادة .


ولعلّ الحلبي تفطّن لما بينهما من تلازم – وتضمّن – فقال : ” فغلوُّهم – إذن – ليس مِن ناحية ( الرد .. وذكر الحسنات ، أو عدمه !! – على الشخص ! أو الكتاب ! أو الجماعة !- )! – والذي هو بُنْية (منهج الموازنات) – أساساً – ، ولكنْ : من حيث ثمرة ذلك ونتيجته العملية التطبيقية – كما ترى ونرى – مما سببه الأساسُ : الإخلالُ بـ (منهج الموازنات ) “(91)


ولذات السّبب حاول أن يهوّن من أصل هذه البدعة ، وينسب السّلفيين للتهويل في أمرها قبل أن يقرّر جريمته قال : ” (منهج الموازنات)- بهذا التوصيف ! والمصطلح ! والتكييف ! والتكثيف والتشديد !- لا يُوجد في تاريخ الإسلام العلمي – كله –
وإنما هو مِن اجتهادات الدكتور المدخلي – هداه الله – التي نرى أنه أصاب في إثبات أصلها ثم غلا – وأتباعُه مِن بعده! – جدّاً – في طريقة التعامل معها!! “(92)


ولعلّ كلّ من كتب من أهل العلم في مسألة الموازنات قد تفطّن إلى مآلها الوخيم هذا لكننّي سأكتفي بنقل واحد – لوضوح الشّبهة وكفاية الردّ :
 

قال الشّيخ ربيع – حفظه الله – تعليقا على كلام أبي الحسن السابق : “لما كان المعتزلة يواجهون الملاحدة والفلاسفة والروافض فهل قال علماء السنة مثل هذا الكلام الذي قاله أبو الحسن : ومن يدعي الوقوف أمام العلمانيين غير الإخوان المسلمين والسروريين والقطبيين وأشباههم من خصوم السلفيين ”
 

وقال : ” ولقد كان الرجل يزل زلة واحدة في العقيدة على عهد السلف فيسقطه أئمة السلف والحديث فهل هم هدامون مفسدون أعداء الدعوة السلفية
ماذا فعل الخلفية الراشد عمر بن الخطاب بصبيغ كم كان عند صبيغ من البدع والأصول الفاسدة لقد جمع له هذا الخليفة الراشد بين عقوبات أربع: السجن والضرب والنفي والأمر بهجرانه سنة حتى ظهر حسن توبته
فمن أنكر هذا على الخليفة الراشد في العالم الإسلامي من ذلك العهد الراشد إلى يومنا هذا اللهم إلا الروافض الذين يجعلون من فضائل الصحابة مساوئ …
هذا العمل على منطق أبي الحسن أشد من الهدم… “


ثمّ قال عن الخوارج : ” هؤلاء على منهج أبي الحسن فيهم خير وعندهم زلة أو زلات سبحان الله أصحاب محمد يحقرون صلاتهم مع صلاتهم وصيامهم مع صيامهم ويقرأون كتاب الله غضاً، إن الخير الموجود في هؤلاء كثير جداً ومع هذا ، هم شر الخلق لما فيهم من البدع ولما فيهم من الفتن والشر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم وأخبر بأن لمن قتلهم أجراً عند الله يوم القيامة وأجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلهم تنفيذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعاً لشرهم، وهذا حق وعدل وعمل صالح وجهاد في سبيل الله لكنه على قواعد أبي الحسن هدم للخير الذي عندهم وهدم لأشخاصهم، إن الذين يدافع عنهم أبو الحسن قد يكون في كثير منهم من هو أقل خيراً من هؤلاء الخوارج وأكثر شراً وفتنة ، ولكن نقدهم عنده هدم والتحذير من شرهم هدم والطريقة التي يدعو إليها لا تحرك شيئاً في القوم ولا يستفيدون منها…


ثمّ قال – حفظه الله – : ” مواقف الصحابة من الخوارج والقدرية معروفة مشهورة ، ومواقف التابعين من أهل البدع ومواقف أتباع التابعين من أهل البدع معروفة مشهورة من كل أصناف أهل البدع من خوارج وقدرية ومرجئة وشيعة وروافض وحتى من يقع من أهل السنة في بدعة لا يعاملونه إلا بالمنهج الإسلامي الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان .


موقف الإمام أحمد وأهل الحديث في زمانه من أناس كانوا أئمة في العلم والدين ومن أهل الحديث وقعوا فيما يسميه أبو الحسن زلة أو زلات وقام عليهم أهل السنة ووسموهم بالبدع والضلال ، فمنهم من تاب وأناب كإسماعيل ابن علية ومنهم بقي على زلته وبقي عليه الوسم الذي وسمه به أحمد وأئمة الحديث كداود الظاهري وحسين الكرابيسي والحارث المحاسبي ويعقوب بن شيبة.
فالقطبيون والسروريون والإخوان المسلمون لا يساوون شيئاً عند هؤلاء علماً وديناً وفضلاً.
فإذن هؤلاء الأئمة هدامون لأنهم لا يعرفون قواعد أبي الحسن ولا يطبقونها فعلى أبي الحسن وأنصاره أن يبغضوا هؤلاء ويحاربوهم ويسموهم حدادية وهدامين ومفسدين لأنهم عاملوا من هو خير لعله بمئات المرات ممن يدافع عنهم أبو الحسن ويرى أنهم من أهل السنة ويقول أبو الحسن بدخول أصحاب الجمعيات كالحكمة والإحسان إنهم من أهل السنة وسلفيون.
فهذا المسكين سائر على مذهب غلاة المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب فهو يقول لا يضر مع السلفية شيء ” (93).



…. يتبع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 68) : ( أجوبة المسائل الهولندية )
(69 ) : كتاب ” العقد المنضد الجديد ” ( 1/158 )
( 70) : مقال بعنوان “بيان الجهل والخبال في مقال حسم السجال ” (الحلقة الأولى) وهو رد على المسمى بـِ “مختار طيباوي”
(71 ) : مقال بعنوان “الرّد على قاعدة نبني ولا نهدم الأشخاص “
( 72) : ( كتاب الروح ص240 )
(73 ) : ( الرسائل المتبادلة رقم:127 عام : 1390هـ )
( 74) : ” منهج الاعتدال ” ( ص27 )
( 75) : مقال بعنوان “الرّد على قاعدة نبني ولا نهدم الأشخاص “
( 76) : من كلام الشيخ محمّد سعيد رسلان في (محاضرة بعنوان نصحح ونهدم للشيح في الردّ على المأربي “
( 77) : “القولُ المُفحِمُ لِمن أنكرَ مقالة:(نُصحِّحُ ولا نَهْدِمِ) ” ص14
(78 ) : ابن الأثير ” جامع الأصول من أحاديث الرسول” (1/122)
( 79) : مقال بعنوان “الرّد على قاعدة نبني ولا نهدم الأشخاص “
( 80) : ” مختصر تعقيب العلامة أحمد بن يحيى النجمي الكاشف لتلبيسات علي الحلبي ص15 “
(81 ) : ” من أجوبة الشيخ ربيع على أسئلة رائد المهداوي “
( 82) : ” أجوبة الشيخ عبيد على أسئلة رائد المهداوي “
( 83) : من شريط ” التمسك بالسنة “
( 84) : ” منهج الاعتدال” لعدنان عرعور ( ص29 )
(85 ) : من شريط مسجل لدرس من دروس الشيخ حفظه الله التي ألقاها في صيف عام 1413 هـ في الطائف
(86 ) : من شريط 855 من سلسلة الهدى والنور
(87 ) : ” لقاء الباب المفتوح “(61 ـ70) (ص153 )
( 88) : وانظر بعضا من هذه النّقول في كتاب ” منهج أهل السنة والجماعة في نقد الكتب والرجال والطوائف” للشيخ ربيع بن هادي المدخلي
( 89) : شريط رقم (5) الوجه الثاني من أشرطة القول الأمين
(90 ) : مقال بعنوان “بين (منهج الموازنات!)،و(فقه الموازنات!!)-شبهات!وتوهّمات-!” ( الموقع الرسمي لعلي حسن الحلبي )
ملاحظة : علامات الترقيم في الفقرة منقولة عن الأصل – بلا تصرّف – !!
( 91) : سبق
(92 ) : المصدر السابق
( 93) : من مقال ” الرّد على قاعدة نبني ولا نهدم الأشخاص ” للشيخ ربيع حفظه الله